اخر الروايات

رواية دلال والشيخ كامله وحصريه بقلم شيماء سعيد

رواية دلال والشيخ كامله وحصريه بقلم شيماء سعيد 



الحلقة الأولى
.....................
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله ❤️
فى منزل عريق من أحياء حى الجمالية، الذى أصبح أيقونة فى الجمال، لإنه جمع بين حضارة الماضى وتراثه من الخارج.
أما من الداخل فتمتع بلمسات سحرية من العصر الحديث وقد تميزت نوافذه بالزجاج الملون .
هذا بجانب حديقة واسعة ضمت بعضا من أشجار الفاكهة واصطف بجانبها بإتقان زهرات يانعة من زهرة الريحان التى تنثر عطرها فى الأجواء.

وأحيط المنزل بأسوار عالية تخللها أسياج حديدية .
ومن الداخل يتكون من عدة طوابق، كل طابق مخصص لأبناء الحاج حمدى الجمال .

يعيش فى هذا المنزل العتيق الأب حمدى الجمال وهو صعيدى الأصل ولكنه إستقر فى القاهرة من أجل لقمة العيش هو وأخيه الأكبر " سليمان الجمال" ،وبدء العمل كعامل فى محل عطارة شهير حتى أتقن العمل ،وأصبح مقربا من مالك المحل حتى زوجه ابنته الوحيدة "زينب".

ثم ذاع صيته فى عالم العطارة ونجح فى عمل وصفات طبية، اكتسب منها الكثير، ليستطيع بعد ذلك أن يمتلك سلسلة من أكبر المحلات العطارة المشهورة .
واتخذ من بيت الجمالية مسكنا له، ولأولاده الأربعة بالترتيب
( شفيق ، شاهين ، شهيرة ثم أخيرا "أحمد" )

أما أخيه"سليمان" فقد نجح هو الآخر فى تجارة الخردة ومع الوقت أصبح لديه مصنعا للحديد واتخذ منزل بجانب حمدى له ولأولاده أيضا .
( سفيان، أشجان، أنهار ، أسماء) .

لتلحق بهم بعد فترة من الزمن أختهم الصغيرة "عفاف" بعد زواجها من رجل صعيدى قرر هو أيضا العمل فى القاهرة من أجل سعة الرزق وانجبت منه ولد واحد "تميم" لوفاة زوجها فى حادث بعد ولادته .
........
نتعرف على الشخصيات .
أولاد العطار حمدى الجمال.
الكبير "شفيق" مدلل والدته منذ الصغر لذا لم ينهى تعليمه واكتفى بالشهادة الإعدادية ليباشر العمل فى إحدى محلات والده .
وتزوج من ابنة عمه أشجان وأنجب منها ( أسر وأيسل ).

وهو يبلغ من العمر الآن سبعة وثلاثون عاما وتصغره أشجان بعشر سنوات .

أما عن صفاته فهو رجل لعوب يعشق النساء ويواعد الكثير منهم .

حتى أهمل زوجته وأصبح بينهم حاجزا كبيرا .

ويليه "شاهين الأخ الأوسط يبلغ من العمر خمسة وثلاثون عاما متزوج أيضا من ابنة عمه الثانية "أنهار" ولديه ابنة واحدة "سمر"

وهو على عكس شاهين يحب زوجته ولكنه لديه صفة ذميمة وهى اللامبالة التى يتخذها على طوال الخط .

وتليه شهيرة تبلغ من العمر ثلاثة وعشرون عاما متزوجة أيضا من ابن عمها "سفيان" الذى يعشقها ولكنها لا تبادله نفس الشعور لأن والدتها هى التى أرغمتها على الزواج منه فى سن مبكر .

مما أدى إلى ضياع حلمها فى الإلتحاق بالجامعة ولديها ولد طفل صغير يدعى "سيف"

أما الابن الأصغر فهو بطل الرواية وهو "أحمد" ريحانة أبيه ونبض فؤاده والمميز لديه على عكس والدته .

الأم "زينب" فهى إمرأة قاسية القلب ومتسلطة لا تفضل من ابنائها سوى شفيق الإبن الأكبر .

وأحمد يبلغ من العمر إثنى وعشرون عاما ،طالبا فى الفرقة الرابعة من كلية الطب، يتمتع بجسد رياضى وعينين رمادية ذات أهداب طويلة مع بشرة بيضاء ويتمتع بلحية خفيفة زادت من وسامته .
......
صدح آذان الفجر فى الأجواء فاستيقظ أحمد ليصلى فرضه فى المسجد ويصاحبه سفيان زوج أخته شهيرة .

أما أخويه فـ شفيق فهو لم يصلى لله ركعة وحاول معه أحمد كثيرا ولكن كل محاولاته بائت بالفشل أما أخيه الأوسط فيصلى ولكن فى المنزل .

وبعد إنتهاء الصلاة اجتمع الناس حول أحمد من أجل الدرس الدينى الذى يُلقيه عليهم، كعادته بعد صلاة الفجر .
إبتسم أحمد فى وجوه الملتفين حوله ثم قال ببشاشة :
ايه رئيكم درس النهاردة يكون خفيف كده وسريع وهو عبارة عن اسئلة وأشوف مين يعرف يجاوب .
فوافق الحضور وبدء يلقى عليهم الأسئلة وكانت كالتالى:
أول من سمي أحمد؟
-الإجابة: هو رسول صلى الله عليه وسلم.
أول ما خلقه الله تعالى هو؟
-الإجابة: القلم.
ما اسم خازن النار؟
-الإجابة: مالك.
ما هي أول عملة في تاريخ الدولة الإسلامية؟
-الإجابة: الدينار.
ما هي السورة التي كانت السبب في إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه؟
-الإجابة: سورة طه
من هي أخت سيدنا مُحمد ـ صلَّى الله عليه وسلم؟
-الإجابة: هي الشيماء، وهي أخته في الرضاعة.
في أي سنة هجرية تم الفتح المُبين ورجع المسلمون إلى مكة؟
-الإجابة: في عام 8 هجريًا.
عندما خرج رسول الله ـ صلَّ الله عليه وسلم ـ من مكة كان بصحبة أبو بكر الصديق،
ولكن في الهجرة الأولى إلى الطائف من كان برفقته؟
-الإجابة: هو الصحابي زيد بن ثابت.
اسم الصحابي المكنّي أبي هريرة؟
-الإجابة: عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه.
بماذا قـ.تل قابيل أخيه هابيل؟
-الإجابة: بفك حمار.

وعندما انتهى دعوا له بالبركة والسعادة واستأذن سفيان للمغادرة، أما أحمد فجلس فى أحد الأركان لقراءة ورده اليومى
ثم مذاكرة بعض المحاضرات حتى تطلع الشمس، ليعود إلى المنزل لتناول وجبة الإفطار مع إخوته قبل أن يغادر الى الجامعة .
.........
صدح صوت زينب القاسى فى منتصف الردهة مشيرة إلى زوجات ابنيها "شفيق وشاهين":

_ أنتِ يا هانم منك ليها ، كل ده هتحضروا الفطار..!!

انجزوا خلينا نخلص عشان كل واحد من الرچالة يطلع يشوف شغله .

عقدت أشجان حاجبيها ووفرت بضيق فى المطبخ وقالت بتأفف: هى الست دى مبتهمدش أبدا..!!

_طول النهار تنعر زى الحمير وتدى أوامرها واحنا علينا التنفيذ .

فضمت أنهار شفتيها بضيق ثم استرسلت بنصح: بس وطى صوتك يا أشجان ألا تسمعك وتخلى عيشتك طين، أنتِ مش ناقصة يا حبيبتي.

أطلقت أشجان تنهيدة مؤلمة مردفة: امتى ربنا يعجل بأجلها الست المفترية دى.؟

_ دى بتعاملنا كأننا خدامين، ومستخسرة تجيب شغالين مع إننا الحمد لله مبسوطين ونقدر نجيب بدل الخدامة عشرة .

_بس تقولى إيه عايزة تذلنا وخلاص .

حملت أنهار بعضا من أطباق الفطار وقالت: ربك كبير، وقادر عليها .

_ وسيبك منها ويلا هاتى بقية الأطباق وتعالى ورايا .
بس هو جوزك صحى ولا لسه؟

ابتسمت أشجان إبتسامة لم تتعدى زاوية فمها قائلة بتهكم: هو نام عشان يصحى!

_ده لسه مشرف البيه وشايفاه اهو من بعيد لازق جمب أمه، أصلوا النوغة بتعتها.

فضحكت أنهار وتسائلت: هو أنتِ بتغيرى عليه من أمه يا بت أشجان.

فلمعت فى عين أشجان الدموع وهاجمتها غصة مريرة أشعلت حلقها مرددة:

_ هو أنا هغير من مين ولا من مين..!

خلاص أنا قلبى اتقفل من ناحيته، وعايشة عشان أربى العيال وبس .

أشفقت عليها أنهار وقالت برفق: معلش ربنا يعقله ويهديه .

فضيقت أشجان نظراتها وتابعت: لا ربنا ياخده هو وأمه فى ساعة واحدة .

ثم خرجت من وراء أنهار تضع الأطباق على السفرة.

فرأت أحمد يدخل إلى داخل المنزل، فاستنشقت عبير رائحة عطره النفاذة التى تنعش القلب فخرجت تنهيدة مؤلمة من صدرها وهمست:

_شوفى ريحته الحلوة ترد الروح مش زى اللطع اللى أنا متجوزاه، ريحته دخان ومعسل وحاجة طين الله يقرفه .

وعندما مر أمامهم ألقى التحية عليهم قائلا ببشاشة وجه:
_ازيك يا أم آسر ثم إلتفتت إلى أنهار: وأنتِ يا ام سمر ؟

فأسرعت أنهار بالرد: بخير يا أحمد، إن شالله تعيش يا اخويا .

ثم طالعت أشجان التى وقفت تحدق النظر إلى أحمد حتى إنها لم ترد عليه التحية، فلكزتها لتخرج من شرودها:

_بت يا أشجان ..بطلى بحلقة فى الراجل عيب كده، ده غير جوزك لو أخد باله هتبقى مصيبة وممكن يقتـ.لك فيها .

فلاحت ابتسامة ساخرة على شفتيها قائلة بتهكم:
_مش لما ياخد باله منى الأول، هو أصلا مش شايفنى.

ومش عارفه إزاى شفيق بكل عيوبه دى ليه أخ زى أحمد مفهوش عيب واحد وبالأخلاق دى، يا بخت والله أسماء بيه .

أكدت لها أنهار: هو فعلا أحمد إنسان كويس، لكن كل واحد بياخد نصيبه يا حبيبتي.

_وعلى فكرة على قد صفاته الحلوة دى كلها والبت أسماء معجبة بيه فعلا بس خايفة منه عشان متشدد حبتين .

وبتقول هيعقدنى ومش بعيد يلبسنى نقاب وميخلنيش أخرج بره البيت خالص .

فخرجت من أشجان تنهيدة مؤلمة قائلة:
_وهى اللى تعيش فى حضن واحد بالاخلاق والإبتسامة الحلوة دى، هتعوز تخرج ليه !!

دى معاه هتكون فى الجنة، بس مأظنش أصلا إنه يعمل كده عشان ...

ولكن توقفت الكلمات فى حلقها عندما باغتتها "زينب" بنظرة حادة من على بعد وصاحت بصوت عالى خرق أذنها.

ـ انتوا وقفين تكلموا أنتِ وهى وسايبن الرجالة على لحم بطنهم ، ومستنيكم لما تتعطفوا وتخلصوا ودودة

_قبر يلمكم أنتِ وهى، حريم عايزة كـ.سر رقبتها .

فتوترت أشجان ولكزتها أنهار وهمست بخوف:
_شوفتى يلا بقا نخلص من اليوم اللى باين من أوله ده .

فحدثتها أشجان بغل: معلش عقربة ومسيرها هيجلها يوم وافعـــصها تحت رجلى .

ثم جلس شفيق أولا على السفرة، يلتهم الطعام بنهب دون انتظار أحد ولكنه بين الحين والآخر يتثاءب لرغبته فى النوم .

أما أحمد فجلس ولكنه لم يضع اى لقيمة فى فمه ينتظر والده وعندما تأخر ووجد الجميع قد جلس يأكل فتعجب وتسائل:
_ هو الحاج لسه نايم ولا ايه يا ماما؟

مش متعود يعنى وهو أول واحد بيكون صاحى وقاعد معانا على السفرة .

طالعته "زينب" بجمود وقالت من بين أسنانها:
_الحاج تعبان شوية ولما نخلص فطار هدخل أوديله فطاره على جوه .

فتجمد أحمد للحظات وانكمش وجه وقال بذعر تملك قلبه:
_بابا تعبان!!

ثم لمعت عينيه بالدموع وهب واقفا قائلا : طيب أنا هدخل أطمن عليه .

فرفعت زينب انفها وقالت بأمر: كمل فطارك الأول، عشان لو إتشال مش هيتحط تانى .

رمقها أحمد بنظرة حزينة لقسوتها الدائمة معه بلا سبب مع أنه يحاول بكافة الطرق أن يرضيها .

_تمام ..أنا أصلا مليش نفس، فهدخل أطمن على الحاج وأروح كليتى على طول .

قالها أحمد بغصة مريرة ثم أسرع إلى غرفة والده .

انتبه شفيق لذكره الجامعة فترك طعامه ممتعضا قائلا بغل:

_كل شوية يقول كلية وزفت على دماغه، كأن محدش دخل كلية غيره فى العالم .

فربتت زينب على كتفه بحنو قائلة:

_متزعلش نفسك يا حبيبى، وهو بالعلام بردك ، ده أنت سيد الرجالة .

فنظرت أشجان إلى أنهار وابتسمت ساخرة .

فرآها شفيق فوقف غاضبا وصاح بصوت عالى: ايه مش عجبك الكلام يا ست أشجان هانم .

دى بقت عيشة تقصر العمر، أنا طالع أتخمد فوق واياكِ حد يدخل يصحينى، أنا هصحى لوحدى .

فهمست أشجان: إلهى ما تقوم يا قادر يا كريم .

فنهرتها زينب وصاحت بها غاضبة: بتبرطمى تقولى إيه يا هبلة أنتِ .

_أنجرى قومى أنتِ والمعدولة أختك شيلو الأكل ده واطلعوا لعيالكم صحوهم عشان المدارس وفطروهم وبعدين انزلوا نضفوا البيت وحضروا الغدا .
....

طرق أحمد الباب على والده واستأذن للدخول فأتاه صوت والده: أدخل يا احمد .

فولج أحمد فوجد والده على التخت وقد ظهر على وجهه الإرهاق والتعب، فتقدم منه سريعا وأمسك بيده فقبلها بحب قائلا:

_ سلامتك ألف سلامة عليك يا حاج، مالك بس مش متعود عليك راقد كده يا حبيبي.

ابتسم حمدى له وقال مطمئنا له: متقلقش كده يا ابنى . شوية تعب وهيروحوا لحالهم .

المهم أنت عامل ايه فى دراستك ؟

ياه نفسى ربنا يطول فى عمرى عشان أشوفك أعظم دكتور قد الدنيا .

أحمد: باذن الله يا حاج ، ربنا يطول فى عمرك .

حمدى: طيب مش محتاچ فلوس يا ابنى لزوم الكلية.

أحمد بحرج : يعنى كنت محتاج حوالى خمس الآف جنيه عشان الكتب وبعض المستلزمات .

ابتسم حمدى : بس كده عيونى يا أحمد ليك، ده أنت الغالى إبن الغالية .

ثم أشار إليه :
_بص أفتح درفة الدولاب اللى قدامك دى، وهتلاقى عشر بواكِ خدهم .

ابتسم أحمد بإمتنان وقال: لا أنا محتاج خمسة بس .

فترجاه حمدى: يا ابنى خدهم واصرف اللى تصرفه وشيل الباقى لما تحتاجهم .

فوقف أحمد ثم انحنى بجذعه وقبل رأس أبيه وشكره: ربنا يخليك ليه يا حاج .

ثم توجه إلى خزينة الملابس ليأخذ المال، وفى تلك اللحظة ولجت زينب تحمل صينية الفطار،وشاهدت معه المال، فرمقته بعينيها التى تخرج جمرات من النار قائلة:

_مش عارفة آخرة البعزقة دى إيه!!

وكان لزمتها ايه الكلية، ما كنت تشتغل مع اخواتك فى المحل أحسن .

بدل ما أنت شايف نفسك عليهم على الفاضى .

وقف أحمد مذهولا للحظات وشعر بنيران تأكل صدره، فكيف لأمه أن تفعل به هذا ولما تحاربه من أجل إخوته وهو أصغرهم وأضعفهم .

فنكس رأسه بخزى ولكن وجد من يدافع عنه .

ـ ارفع راسك يا أحمد، معش ولا كان اللى يخليك توطى رأسك وانا عايش .

قالها حمدى بحدة ثم إستطرد :
_واصرف من مال أبوك زى ما تحب، عشان ده شقى وتعب السنين .

واتعلم وخد شهادتك وشوف نفسك زى ما تحب ولى مش عجبه يخبط راسه فى الحيط .

لتندلع نيران الحقد فى جسد زينب وأوشكت أن ترمى إليه بقنـ.ابلها الحـ.ارقة ولكن انتظرت حتى اومأ أحمد براسه لأبيه واستأذن للخروج ثم غادر .

وما أن خرج حتى سارعت زينب إلى حمدى وامسكته من تلابيب ملابسه بقسوة ولم تراعى ضعفه ولا مرضه بعد أن اشتعلت النيـ.ران فى جوفها من تفضيل أحمد على سائر إخوته .

فهدرت فى وجهه: ايه الحنية دى كلها مع المحروس إبنك أحمد .!!

طالعها حمدى بغضب جحـ.يمى ودفعها يديها التى تتمسك به رغم ألمه وضعفه وقال بغضب: أنتِ إتجننتى يا زينب.!

بترفعى صوتك عليه وتمسكينى من هدومى ..!!

اه ما عشان أنا قصادك كبرت وعييت ومبقتش زى الأول بصحتى .

لمعت عين زينب بالشر وقامت بتهديده: ايوه يا حمدى ومعدتش هسكت بعد النهاردة، أنا استحملت زمان كتير وسكت كتير، لكن لحد هنا وكفاية .

أنا كل ما ببص لإبن شمس اللى فضلتها عليه واتجوزتها فى السر، بتقطع من جوايا .

وبكون عايزة أقوم أخلص عليه بإيديه دى، خصوصا أنه شبهها وكإنى شيفاها قدامى .

أخرج حمدى تنهيدة حارة مؤلمة لذكرها إسمها أمامه "شمس" تلك المرأة التى ذهبت بلب عقله وعشقها حتى النخاع، ولم يرى امرأة قط فى جمالها وصفاء قلبها .

وود أن لو رآها هى منذ البداية ولم يتزوج من زينب التى تزوجها خجلا من والدها الذى أكرمه وكان هو السبب بعد الله عز وجل فيما يملك الآن من خير .

واقنع ذاته أنه مع العشرة والأيام سيحبها ولكنه لم يستطع ذلك وكانت هى السبب لبذائة لسانها وتكبرها بجانب قسوتها فلم يجد طيلة حياتها معها الحب والحنان الذى افتقدهم .

ولكن ظهرت شمس فى حياته فجأة فأضائت جانبه المظلم، وأعادت لحياته رونقها بعد أن ظن أنها ذبلت وانتهت على يد إمرأة لم تعرف الرحمة قلبها قط ولكنه صبر عليها من أجل أولاده .

فجاءت شمس لتكون دواء لألامه وبلسما لجراحه، ولا شك أنه أول شىء جذبه إليها هو جمالها الظاهر ولكن مع الأيام أيقن أن جمال داخلها اكبر بكثير من جمالها الظاهرى .
........

غادر أحمد يحمل فى قلبه كثيرا من الخذلان من جهة تلك المرأة التى يقال عنها والدته على الرغم أنه لم يشعر ولو لمرة واحدة إنها أمه بالفعل، وكثيرا ما نظر لعينيها لعله يجد فيها بعضا من الحنو الذى يحتاجه ولكنه لم يجد فيهما الا كل قسوة وأخذ يسئل ما فعلت لها حتى تفعل بى ذلك، فهو لم يذكر حتى ولو مرة واحدة ضمتها إلى صدرها كما تفعل مع إخوته .

يااااه كم طالعها وهى تضم إخوته وتمنى لو تفعل ذلك معه ليشعر بالأمان الذى يفتقده.

فخرجت منه منه تنهيدة مؤلمة ولكن سرعان ما تذكر والده وما يفعله من أجله فابتسم لانه حارسه وأمانه منذ الصغر واليد الحنونة التى ترفق به ويواجه بها العالم ، ثم دعا له بالشفاء وان يطيل الله فى عمره من أجله .

ليقابل صديقه شاكر الملقب "بشيكو" الذى يمتلك محل بقالة صغير أمام منزل أحمد ويكبره بثلاث سنوات .

وعندما رآه ابتسم وقال بخفة ظل: ايه يا دكترة صاحى بدرى ليه، هتبيع لبن ؟

فضحك أحمد: ياريت كان يكون أسهل من الكلية وأرفها.

شيكو: معلش أصبر لغاية ما تنول المراد .

أحمد: الله المستعان .

يلا أتوكل على الله عشان ألحق المحاضرة .

شيكو: فى أمان الله، بس متتأخرش وتنسى الدرس بتاعك بعد صلاة العشا وخليه على الصبر .

فضحك أحمد وقال بخشونة: شكلها كده مدوخاك وعايز كلام يصبرك .

فوضع شيكو يده على قلبه وهمس: دى مش مدوخانى بس، دى هتموتنى ناقص عمر .

الله يهديكِ يلى فى بالى .
.....

وعندما وقف أحمد أمام سيارته الصغيرة التى لا تقارن بسيارات إخوته الحديثة بسبب رفض زينب أن يكون له مثلهم .

وهم ان يفتحتها ويترجل بها نحو جامعته .
كان هناك عينان تفترسه من على بعده .

حيث كانت تقف بجانب أسماء فى الشرفة صديقة لها "بسمة" وعندما رأت أحمد اتسعت عيناها وجاء على لسانها: واو ايه المز ده يا بت يا سمسم .
تعرفيه !

قالت أسماء بإستفهام : قصدك مين يا بت أنتِ؟

بسمة وهى تشير إلى أحمد: الحلو اللى بيفتح العربية الحمرة اللى تحت دى، يخربيت حلاوته ولا دقنه اللى هتاكل منه حتة .

فنظرت أسماء إلى ما تشير إليه بسمة فوجدته أحمد ابن عمها، فأكلتها الغيرة رغم أنها لا تميل إليه خوفا مش شدته .

ولكنها قالت بجرأة: بت اوعى عينك من على خطيبى ألا اخزقهالك بعدين .

فقالت بسمة بصدمة: خطيبك !

ده امتى وإزاى يا اختى ؟

يعنى مقولتليش حاجة زى كده قبل كده، ولا أنتِ ولا هو اهو شايفاه مش لابسين دبلة .

فصكت أسماء على أسنانها بغيظ وقالت بحنق:

_ هو يعنى مش خطيبى رسمى، لكن فيه كلام كده وهو اصلا ابن عمى يعنى فى الأخر ليه، زى ما اخواته متجوزين اخواتى البنات .

فصاحت بسمة: اه هو ده الدكتور، بس ده طلع حلو اوى، بس صح ده أنتِ قولتى عليه انك مش بتحبيه ومغصوبة عليه، فسبهولى الله يخليكِ، عشان أنا حبيته من أول نظرة .

فضمت أسماء شفتيها بغيظ ولكزتها فى كتفها قائلة بنزق: ايه سبهولى ده هو شراب، بقولك خطيبى ومش مهم أحبه ولا محبوش ده قدرى وخلاص .

واياكِ تبصيله تانى يا بت أنتِ، أنتِ فاهمة .

ضيقت بسمة حاجبيها بضيق مردفة: طيب خلاص متزوءيش، وأنا ماشية وسيبهالك مخضرة .

لتغادر بسمة بين أنظار أسماء الحارقة، فكيف لها أن تعتدى على شيئا ملكا لها، فهو لى حتى لو لم يكن قلبى يريده ولكن يكفى ابن العم وصديق الطفولة ولن أدعه لغيرى.
........
فى مكان أخر
كانت كل الأعين تحدقها بإعجاب ولكن هى كانت تنظر إليهم كوحوش مفترسة تريد أن تنال منها ومن جسدها.

و ترى أعينهم التى تحدقها بشهوة، كأسد جائع تود أن تلتهمها وهى تؤدى وصلة الرقص الخاصة بها فى ذلك النادى الليلى .

وعندما إنتهت من رقصتها ثم استدارت متجهة إلى غرفتها، وجدت من أمسكها من رسغها بقوة ألمتها.

فطالعته بقسوة وصوت هادر إخترق جوفها: فيه ايه تانى يا جوز أمى .

_أظن خلصت نمرتي وعايزة أتنيل أدخل أستريح .

فظهرت بسمة ساخرة على شفتى هذا الكهل العجوز قائلا وعينيه لا تفارق مفاتنها: تستريحى يا دلال، ده احنا لسه فى أول الليلة يا قمر .

ثم غمزها قائلا: وشايفة البيه اللى قاعد هناك ده، شكله أوبهه اوى ومتريش، وطلبك بالإسم عشان تقعدى معاه شوية وتفتحيله ازازة شمابنيا.

إمتلىء قلب دلال بالحزن واخرجت من بين ضلوعها زفيرا حارا قائلة بقهر:

_بس أنت عارف انى مبقعدش مع زباين يا متولى ولا بشرب المدعوك ده، واتفقنا كان إنى أرقص وبس، اى حاجة تانية مليش فيها .

فانفجر متولى ضاحكا ثم نظر لها بحدة وعينيه تنذر بالشر قائلا : بصى يا حلوة الرقص شىء لزوم الشىء، يعنى اللى بيجيب الفلوس مش الرقص بس ده البداية واللى بعده هو اللى هيفتحلك طاقة القدر .

طالعته دلال بتحدى واضح فى عينيها:

_وإن قولت لأ يا متولى، عشان قلبى مش مستريح وحاسه عينيك فيها حاجة عايز تقولها .

ولا اقولهالك أنا بالمفتشر كده، أنا مش هبيع نفسى يا متولى ولو فيها دمى .

فضحك متولى مستهزئا وذكرها بذكرى سيئة تود أن تحميها من ذاكرتها للأبد .

_ لا شريفة يا بت اوى، امال مكنتش شايفك بعينيه اللى هياكلهم الدود دول وقفة مع الواد اللى اسمه محسن تحت بير السلم وزنقك فى الحيطة .

كنتوا بتعملوا ايه؟.

اكيد هتقولى كان بيحطلك قطرة فى عينك صح ..!

بس مهنش عليه أمك اللى راقدة فى سريرها تعرف، وساعتها كانت ماتت فيها .

فلمعت عين دلال بالدموع وقالت بصوت حزين: مهما حلفتلك انى الواد ده كان مستقصدنى فى الريحة والجاية بيعاكسنى ويومها كان مستخبيلى تحت بير السلم وشدنى عشان يبوسنى ولولا أنت جيت فى الوقت المناسب .

متولى بخبث: بس طيب متعيطيش يا قطة وتبوظى الليلة واحنا لسه بنقول يا هادى .

يلا زى الحلوة اسمعى الكلام وروحى غيرى بدلة الرقص دى وإلبسى حاجة كده من الفساتين اللى جبتهملك جوه وتعالى.

فصاحت دلال بقوة صدمته: قولت لأ يا متولى .

فضيق متولى عينيه بمكر قائلا:

_ طيب براحتك مش هغصب عليكِ بس هطلع من هنا على النيابة عدل لديهم وصلات الأمانة اللى كتبتهم على الست أمك وهخليها تتحبس وهى فى السن ده .
بس مأظنش هتتحمل ومتخافيش مش هتقعد كتير وتتكل على الله .

فدب فى قلبها الذعر وتفتت إلى أشلاء من الحزن والقهر بسبب ذلك الرجل الذى استغل براءة وطيبة قلب والدتها وامضاها على تلك الإيصالات دون أن تعلم
وكان المقابل حتى لا يقدمها للنيابة أن أجبرها على العمل فى ذلك النادى الليلى الذى يمتلكه .

فصاحت دلال بحدة فى وجهه: بس ده مكنش اتفقنا.

اتفقنا انى أرقص بس ومليش دعوة بحاجة تانية .

متولى: ما قولتلك الشىء لزوم الشىء يا قطة .

ها هتروحى تغيرى وتيجى ولا أطلع على النيابة .

فتوترت دلال وشردت فى والدتها المريضة وان أمر كهذا لن تتحمله وهى لن تستطيع العيش بدونها، فهى ليس لها احدا غيرها .

فلم تجد سوى الموافقة ولكنها أيقنت أن هذا سيفتح لها أبواب جهنم ولكن ما عليها أن تفعل وقد سدت فى وجهها كل الطرق وأصبح عنقها فى يد ذلك البغيض وليس لها من مخرج .
يتبع ....


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close