رواية دلال والشيخ الفصل الثاني 2 بقلم شيماء سعيد
..............
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله

كل الأشياء التى تمنيتها لم أحصل عليها، وعشت حياة لم أكن أريدها، فهذا ليس شريك حياتى الذى تمنيته ولا هذا طريقى ولكنى مرغمة فى الإستمرار لإستحالة العودة لما كنت عليه ولا أمل لى فى حياة أفضل .
خواطر شهيرة حمدى الجمال
..........
كانت شهيرة تغط فى النوم وبجانبها زوجها وابن عمها "سفيان" يطالعها بعينيه التى تمتلىء بالحب.
فعشقه لها أصبح كالهواء الذى يتنفس به ولا يستطيع العيش بدونها ولكن هناك غصة فى قلبه لا تريد أن تفارقه، لأنه يعلم أنها لا تبادله الشعور وقد تزوجها رغما عنها وحرص كل الحرص أن يعاملها بلطف وحنو وحب حتى أنه وضع قلبه بين يديها تقلبه كيف تشاء لعله يجد يوما وميضا فى عينيها من أجله وتشعره إنها تعشقه مثله، ولكن طال إنتظاره إلى هذا اليوم بل ويزداد كل يوم تمردها على قلبه فتكون كلماتها اللاذعة كخنجر يمزق قلبه ولكنه يعترف إنها رغم من ذلك تؤدى واجباتها كزوجة وأم على أكمل وجه وتطيعه إن طلبها ولكنها تكون معه بلا روح جسدا باردا كالثلج.
فتُميت قلبه بذلك فى اليوم مئة مرة وتجعله يتسائل ما أفعل أكثر من ذلك ليذوب ذلك القلب القاسي ويحن من أجله قليلا .
أخذ سفيان يداعب خصلاتها المتمردة على وجهها ويزيحها للخلف، ليلمس بشرتها الناعمة كالأطفال بحنو .
فاستيقظت هى على إثر لمسته وفتحت عينيها بتكاسل لتجده يطالعها بنفس النظرة ونفس الشغف من قبل أن يتزوجها والى الآن نفس النظرة لم تتغير .
فابتسمت كأى إمراة تعشق الإهتمام وإن كانت لا تحمل فى قلبها مشاعر له،ولكن سرعان ما عادت للعبوس حين نظرت إلى الساعة ووجدتها قد تخطت الثامنة صباحا .
فاعتدلت قائلة بغضب: سيادتك صاحى فايق وسايبنى نايمة وراح على الولد باص المدرسة .
احتفظ سفيان بهدوئه رغم النار التى تشتعل بداخله من أسلوبها الحاد فى التعامل قائلا بتروى: إهدى يا شاهى.
الولد نزل فى معاده وزمانه وصل المدرسة كمان .
فضيقت شهيرة حاجبيها قائلة بإستفهام : إزاى ومين لبسه وحضر ليه حجته ؟
ابتسم سفيان وقال: آنى بصوت أحمد بدير فى مسرحية ريا وسكينة .
فلم تستطع شهيرة كبت ضحكاتها ، فضحكت على صوته .
فأمسك بيديها يلثمها قائلا بحنو: ايوه كده إضحكى خلى الشمس تنور .
خجلت شهيرة وعاتبت نفسها، لأنه طالما عاملها بحب وحنو ولم يجد منها سوى كل صد .
فهى لا تنسى أبدا إن زواجهم قضى على حلم الجامعة التى كانت تحلم بها بعد أن نجحت فى الثانوية العامة بمجموع يؤهلها لأحد كليات القمة ولكن الزواج كان عقبة ومازال صوت والدتها القاسى فى أذنيها: كفاية علام لغاية كده والبنت فى الأخر ملهاش إلا بيت جوزها .
داعب سفيان طرف أنفها بخاصته قائلا : يلا نقوم يا جميل ونفرفش عشان ننزل نفطر مع الحاج والحجة تحت .
فاومئت شهيرة برأسها وابتسمت،فهى لم تعترض أبدا على النزول إلى زوجة عمها أو خدمتها لأنها طالما كانت الصدر الحنون لها وأمها الثانية، فهى تعاملها بطيب نفس وحب ولا تفعل معها كما تفعل والدتها ببناتها.
........
شرد الحاج حمدى الجمال وهو على فراش المرض فى شمس بعد أن عنفته زينب وخرجت غاضبة.
وتذكر أول لقائه بها عندما جاءت إلى محل العطارة تطلب وصفة من أجل والدتها المريضة، فانبهر حمدى بجمالها الآخاذ وبشرتها البيضاء وخصلات شعرها البنية التى تظهر من حجابها ،فظل يحدق بها للحظات فاكتسى وجهها بحمرة الخجل واخفضت رأسها .
فقال بتودد: بس كده عيونى، ليعطيها ما أرادت فشكرته وذهبت مسرعة.
فخفق قلب حمدى وتتبعتها عيناه إلى أن أختفت وحدث نفسه: ايه ما تثبت يا حمدى مالك مش على بعضك كده .!
هى أول مرة تشوف وحدة حلوة، ما الستات داخلة طالعة المحل على كل لون .
ثم استرسل قائلا: بس لا دى مختلفة وعينيها كده فيها حاجة غريبة شدتنى ليها، يا ترى هشوفها تانى ولا .
لتمر بضعة أيام كان يتلهف بها لرؤيتها مجددا، حتى رآها تدلف إليه وعلى وجهها ابتسامة أذابت قلبه قائلة:
_ أنا جيت أشكرك وأوصلك دعوات أمى اللى بتدعيلك عشان الوصفة جابت نتيجة .
طالعها حمدى بإعجاب قائلا: لا شكرا على واجب يا انسه .
- شمس، إسمى شمس .
قالتها شمس بخجل .
حمدى: عاشت الأسامى يا ست البنات.
شمس بخجل: طيب استأذن أنا عشان أمى مستنيانى.
وبينما كانت تهم بالمغادرة، وجدت طفل صغير يسرع إليها بوجه مكفهر وشفاه مرتعشة قائلا: إلحقى يا شمس،البيت بتعكم ،وقع على اللى فيه .
فصرخت شمس: أمى، أمى وأسرعت نحو منزلها .
فتجهمت ملامح حمدى وشقت صراختها صدره، فسارع من ورائها ليكون بجانبها .
وقفت شمس تبكى وهى ترى منزلها أمامها قد تساوى بالأرض فى غمضة عين وصرخت قائلة:
_يارتنى ما كنت سبتك ومشيت، وكنت أموت معاكِ يا يمّا، هروح فين دلوقتى وأنا مليش غيرك .
تمزق قلب حمدى وهو يراها على هذا النحو وود لو أقترب منها وضمها لصدره ويقول: أنا هنا معاكِ وجمبك ومش هسيبك أبدا .
وكل ما إستطاع قوله: وحدى الله يا شمس دى أعمار وهدى نفسك كده، وشوفى عايزة ايه وأنا معاكِ فى كل حاجة تطلبيها.
فنظرت له نظرة إمتنان حزينة، وأخذت تفكر ما ستفعل الأن بعد أن خسرت أمانها الوحيد وأين ستذهب فهى ليس لديها أحد تتلجىء إليه وليس معها أموال لتستأجر اى مكان فهل سيكون الشارع هو مصيرها ..؟؟
.........
كانت دلال تسير بخطى سلحفية إلى هذا الرجل البغيض الذى ينتظرها وعينيه تحدقها برغبة وتفتـ.رس كل إنش فى جسدها.
وودت لو وضعت أناملها فى عينيه لتصيبه بالعمى لتتخلص من قبح نظراته إليها.
ومتولى من ورائها يدفعها للسير إليه عنوة حتى أجلسها معه على نفس الطاولة.
ثم غمزه متولى قائلا بصوت يشبه فحيح الأفعى: تؤمر بحاجة تانية يا سليم بيه .
فابتسم سليم وأخرج من محفظتة مبلغ ألفين جنيه وأعطاهم له، ودلال تنظر إليهم بتيه وسرت فى جسدها قشعريرة والخوف تملك منها بعد أن أدركت أن هذا الشيطان قد باعها وأستلم الثمن وما أزهده.
لذا وقفت سريعا استعدادا منها للهرب من ذلك المصير الأسود الذى ينتظرها، ولكن وجدت يد متولى تقبض على رسغها بقوة ألمتها قائلا وجمرات النار تخرج من عينيه:
_اقعدى يا دلال، واسمعى كلام البيه وريحيه وإلا هتباتى أنتِ وأمك فى السجن الليلة ..
مزقت كلماته قلب دلال وأنّ من الألم وغامت عينيها بسحابة من الدموع وأركت أنها على حافة الهاوية ولا طريق للرجوع، فجلست لتجد هذا الرجل البغيض يقول:
_ بقول إيه رئيك يا حلوة لو نكمل السهرة بتاعتنا فى البيت بدل الدوشة دى .
ثم أخذ يتفرسها بعينان تود لو أن تلتهما فى الحال وتابع:
_عشان نفسى كمان ترقصيلى لوحدى .
فهمست دلال: إلهى يقر.صك تعبان وينهـ.ش لحمك .
ـ وبعدين أعمل ايه فى المصيبة دى، ثم فجأة تبدلت ملامحها للإرتياح وابتسمت بمكر عندما تذكرت أن معها تلك الحبوب التى كتبها الطبيب لوالدتها لكى تساعدها على النوم .
فقالت: ايوه هى دى، يلا ابن حلال ويستاهل .
ليتفاجىء بها تقف مبتسمة رغم النيران التى تأكلها من الداخل وارتجاف جسدها من الخوف:
_ يلا يا باشا، أنا كمان فعلا مصدعة اوى .
ثم تابعت بمكر: بس يا باشا الرقص الخصوصى ده ليه مصاريف تانية عشان يكون فى علمك يعنى.
فوقف سليم مبتهجا وأشار إلى عينيه: عيونى ليكى يا قمر أنتِ .
يلا بينا ..
لتتقدم معه بقلب مرتجف تخشى أن لا تؤثر به تلك الحبوب المنومة أو يراها وهى تضعها فتكون نهايته على يده .
ولكنها رغم ما تفعله لم تجد سوى الله فرفعت عينيها للسماء تناجيه وتطلب منه العون والنجاة ، لأنها مرغمة ولم تود يوما أن تسلك هذا الطريق .
...........
لم تتحمل زينب هدوء حمدى عندما واجهته بغريمتها التى استطاعت أن تصل إلى قلبه دونها وتركته غاضبة عندما لاحظت شروده وأيقنت أنه مازال يذكرها ويفكر بها حتى بعد مضى كل تلك السنوات لم ينساها أبدا .
ولم تجد غير ابنها شفيق الذى أشربته من كأس الكره والحقد نحو أبيه وأخيه طوال تلك السنوات الماضية ، فنشأ على كرههم وكل يوم يتمنى أن تدرك أبيه الوفاة ليرثه .
فوجدها تقتحم عليه الغرفة وهو نائم وأغلقت الباب خلفها بقوة أفزعته ليستيقظ مذعورا قائلا: فيه إيه حصل يا حجة .
ده انا مصدقت عينى غفلت وقولت محدش يصحينى .
تجافلت زينب عما يقوله ولم تنتبه له ثم اقتربت منه وجلست بجانبه على التخت قائلة بصوت نارى كالتى تحمله فى قلبها ولم تطفئه السنين بعد:
_ بقولك ايه يا شفيق، اسمعنى كويس اوى وافهم أنا عايزة أقولك ايه وبعدين شور عليه أعمل ايه عشان أنا مش عارفة أفكر كويس وكل اللى بفكر فيه انى أنتقـ.م وبس .
ومفيش غيرك يساعدنى عشان أنا عارفة أخوك لا ايه فى الطور ولا الطحين وماشى ورا مراته .
لكن أنت اللى راجل وشبه أمك .
طالعها شفيق بتعجب وقال بفضول وترقب: هو إيه الحكاية يا حجة ؟
- ومالك شكلك زعلان كده، قولى مين مزعلك وانا أحط راسه تحت رجلى .
ابتسمت زينب وقالت بإمتنان: ربنا يخليك ليه يا حبيبى .
ثم بدئت تقص له ما حدث من والده وزواجه عليها من شمس وانجابه منها أحمد اخوه وشفيق يستمع إليها بإهتمام وتعابير وجهه تزداد قتامة شيئا فشيئا .
حتى صرخ بقوله: يعنى ايه أحمد ده مش إبنك، وابن الحية اللى خدت أبويا منك.
ـ وإزاى سكتى عن الموضوع ده يا ماما، وإزاى قبلتى تربيه وسطنا وهو ابن عدوتك، وبدال هو ابن عدوتك فهو من النهاردة مش اخويا، هو عدوى .
فضيقت زينب عينيها وقالت بشر: وهو ده اللى عايزاه يا ابن بطنى وعايزة أشوفك هتعمل معاه إيه ..؟
عايزة أشوفه بيتوجع زى أمه ما وجعتنى زمان، عايزاك تحـ.رق قلبه زى ما قلبى أتحـ.رق .
ـ والأهم من كده الورث مش عايزاه يطول ولا مليم من فلوس أبوك اللى أصلها فلوس أبويا أنا، وأنت واخوك أولى بيها لكن هو ملهوش حق .
فاومأ شفيق برأسه مؤكدا بسواد قلبه: ايوه ملوش ياخد مليم أحمر .
.......
مازال حمدى فى شروده فى زينب .
فهو لازمها طيلة اليوم حتى استطاعوا إخراج جثـ.ة والدتها من تحت الهدم ثم دفنها، وكان بجانبها يؤازرها ويتمسك بها كلما أنهار جسدها ولم تستطع الصمود والوقوف على قدميها من شدة الحزن، فما أصعب الفراق .
وهنا أدرك حمدى إنها منذ اليوم أصبحت تعنى له الكثير ومسئولة عنه ولن يتركها أبدا .
حتى انتصف الليل عليهما، فطالعته شمس بعينين يملؤها الحزن ولكنها أرغمت لسانها على شكره قائلة:
_ أنا مش عارفة أشكرك إزاى على اللى عملته معايا.
وأظن الوقت أتأخر وحضرتك لازم تروح لبيتك وأولادك .
أما أنا فمش عارفة صراحة أعمل إيه وأروح فين .!
بس هدور على أى مسجد يكون مفتوح أبات فيه لغاية ما أفكر أعمل إيه .
صُدم حمدى من قولها فاعترض غاضبا: ازاى ده يحصل وتأمنى منين محدش يشوفك ويطلع يضايقك .
ثم أستطرد بإقناع:
_بصى أنا عندى شقة فى الموسكى، كنت واخدها عشان أريح دماغى فيها حبتين من الهم اللى عندى فى البيت .
فإيه رئيك تيجى تنوريها وتعتبريها شقتك .
فتبدلت ملامح شمس لأخرى غاضبة وقالت بوجه منكمش وصوت غليظ:
_ لا انت فكرنى عشان بنت يتيمة ومليش حد، هتقدر تضحك عليه وتاخدنى شقتك .
لا اصحى أنا عندى أموت ومفرطش فى نفسى أبدا .
ويلا طريق السلامة وحلو اوى لحد كده .
ثم استدارت لتغادر ولكن وجدت من يمسك رسغها بقوة قائلا:
_استهدى بالله يا بنت الناس، أنتِ افتكرتى ايه بس .
أنا مش وحش على فكرة وكمان صعيدى يعنى دمى حر ومقبلش أبدا بلى جه فى دماغك ده .
ده غير انى عندى بنت، فلازم أفكر مية مرة قبل ما أعمل حاجة ممكن تترد فى بنتى .
أنا بس هوصلك الشقة وأديكِ المفتاح وتدخلى وعشان تتطمنى اكتر تقفلى وراكِ بالمفتاح .
وعلى فكرة البيت ده مفهوش حد غير الست صاحبة البيت" حاجة فوزية" وشقتين بتوع عيالها مقفولين عشان مسافرين .
وهى ست كويسة اوى هتحبيها وتتونسى بيها .
فرأت شمس فى عينيه الصدق، فحركت رأسها بخجل قائلة: إذ كان كده ماشى .
فابتسم حمدى قائلا: يلا بينا .
...........
ولجت دلال مع سليم إلى شقته بخطى سُلحفية ترتجف من الخوف كلما اقترب منها هذا البائس.
وظهر هذا على ملامحها فلاحظ سليم فقال له مطمئنا: مالك يا قمر ؟
شكلك خايفة منى..!!
بس متخافيش مش هتلاقى واحد حنين عليكِ قدى ولو عجبتينى ودخلتى مزاجى اوعدك إنى هخليكِ أسعد واحدة فى الدنيا وهجبلك كل اللى بتتمنيه .
ثم اختطف قبلة من وجنتيها قائلا:
_معلش تصبيرة كده عقبال ما أدخل أخد دش وأروق نفسى عشان خاطرك يا جميل .
وأنتِ خد راحتك فى الشقة خالص، اعتبريها بيتك .
اومئت دلال برأسها وخطر على بالها فكرة أن تهرب سريعا عندما يلج هو إلى المرحاض ولكنه كان أذكى منها وأغلق الباب بالمفتاح ووضعه فى جيب بنطاله وغمز له قائلا:
_ عشان متهربيش منى يا قطة، ده أنا دافع كتير ولسه هدفع .
ثم تركها وأخذت هى تدور حولها كثيرا لتستكشف المكان وتعلم أين مكان المطبخ لتعد له بعضا من العصير تضع بداخله تلك الحبوب المنومة .
ثم خرجت به وقامت بتشغيل التلفاز على أحد القنوات الأغانى الصاخبة فى غرفة النوم وبدئت تتمايل وترقص حتى تلهيه عما ينوى فعله قليلا..
ودق قلبها بشدها عندما وجدته أمامها يطالعها بنظراته المفترسة، فدفعته برفق قائلة بدلال:
_اقعد يلا واتفرج عليه .
فجلس سليم بحواس منتبهة لكل حركة تفعلها تأخذ بلب عقله وكلما حاول الوقوف ليقترب منها، جعلته يشرب شرفة من العصير وهى تطلق ضحكاتها الرنانة: شكلك عطشان أشرب .
فشرب منه قائلا: أنا عطشان أشرب من نهر حبك يا دلال .
فأجابته: لما اخلص الرقصة عشان الأغنية دى داخلة دماغى .
فجلس ينتظر بفارغ الصبر، حتى شعر بثقل رأسه وهاجمه سواد أمام عينيه وبدء يترنح حتى سقط نائما على التخت .
فتوقفت وتنهدت بإرتياح وأسرعت إلى المرحاض تفتش عن المفتاح حتى وجدته، ثم خرجت وحاولت أن تخلع عن سليم قميصه وبنطاله لتجعله يظن أنه فعل ما كان يريد منها .
ثم كتبت له ورقة لتؤكد ( ما قبلتش راجل زيك بالقوة والحب ده كله، هتوحشنى يا سلومتى ، معلش اضطريت إمشى وسبتك نايم عشان مزعجكش ) .
ثم فرت هاربة سريعا قبل أن يستفيق وأسرعت إلى الشارع .
وبينما هى تركض رأت مجموعة من الرجال يحاوطون رجل أعزل .
وكل واحد منهما يضربه فى أحد أجزاء جسده المختلفة وكلما حاول الدفاع عن نفسه وجد أحد منهم يركله بقسوة صرخ على إثرها ثم سقط على ركبتيه، فقام أحدهم وانهال على رأسه ضربا حتى تفجـ.رت الد.ماء من رأسه واغشى عليه .
وعندما أراد واحدا منهم الإجهاز عليه ليلقى مصـ.رعه، وجد يدا منهم تمسك برسغه قائلا:
_ المعلم قال نعلم عليه ونعلمه الأدب، لكن ميموتش، فكفاية كده يا رجالة ويلا نهرب قبل ما حد يحس بينا .
ليسرعوا بعد ذلك إلى وجهتهم، تاركين أحمد غارقا فى دماؤه .
شاهدت دلال ما يحدث بعين متسعة خائفة وارتجف جسدها و خفق قلبها متألما من منظر الدماء وسقوط هذا الرجل من أيديهم كخرقة بالية داسوا عليها بأقدامهم دون رحمة .
أرادت دلال أن تصرخ بعد أن تمزق قلبها لأجله ولكنها كتمت شهقاتها حتى لا يلاحظها أحدهم فيصيبها منهم ما أصابه بل وأكثر .
وأخذت تسبهم وتعلنهم:
_اه يا كلاب متشطرين على واحد كلكوا ، اه ياما نفسى كنت أكون راجل كنت يمكن قدرت أدافع عن الغلبان ده ويمكن مكنش ده حالى والكل طمعان فيه.
ثم وجدتهم يركضون كلا واحد منهم خلف الآخر فتنهدت بإرتياح قليلا ولكن هاجمها الخوف عندما خشيت أن يكونوا تركوه بعد أن فارق الحياة.
فتقدمت منه بخطى سلحفية خائفة رويدا رويدا، ثم وضعت يدها على قلبها وهى ترى الد.ماء تنهمر من رأسه فتلطخ بشرته البيضاء .
فشعرت بنار تأكل احشاؤها قائلة: مش حرام جدع حليوة كده ولسه صغير يروح بلوشى، منكم لله يا بعدة .
ثم انحنت بجذعها إليه، لتختبر قلبه هل مازال يتنفس ام مات .
وعندما شعرت بانفاسه، ابتسمت قائلة: يا دين النبى، الراجل لسه فيه الروح، بس اعمل ايه معاه، هنقذه ازاى ده، ده عايز يتشال وأنا شايلة نفسى بالعافية .
طيب أعمل ايه اسيبه كده بدل ما أدخل فى سين وجيم وامشى .
لا مقدرش، طيب اعمل ايه مفيش قدامى غير انى استنجد بحد، عشان عارفة لو اتصلت بالأسعاف عقبال ما يجوا هيكون الراجل مات وشبع موت.
لذا أخذت تركض يمينا ويسارا لعلها تلمح أحد ينقذ هذا الرجل .
حتى وجدت سيارة تقطع الطريق، فاستوقفتها وأخذت تضرب على نافذتها الزجاجية بلهفة وعندما فتح الرجل النافذة طالعها بفضول مستفهما: فيه إيه عايزة ايه؟
فلمعت عينيها بالدموع ووجدت نفسها تقول دون شعور، إلحقنى يا بيه هجموا على جوزى شوية بلطجية وهيموت منى، ولازم يروح المستشفى حالا ومش قادرة اشيله.
أرجوك يا بيه تنقذه، ينوبك ثواب .
فصمت الرجل للحظات، لأن الموقف صعب وقد يحاسب عليه، فظهر على وجهه التردد وكاد أن يرفض، فرأت دلال ذلك على وجهه فقالت:
_أنا عارفة اللى بتفكر بيه يا بيه وعندك حق، بس أنا مش عايزة غير توصلنى على عتبة المستشفى وتمشى أنت بالف سلامة، مش عايزة اكتر من كده .
أرجوك يا بيه ربنا ما يوقعك فى ضيقة أبدا .
وهنا أشفق عليها الرجل فقال : شكلك بتحبيه اوى، ربنا يشفيه .
لامس قلبها تلك الكلمة وحدثت نفسها: حب .!
يعنى ايه حب..!!
أنا معرفهوش ومعشتهوش ومش عايزة أجربه .
الحب ده اللى خلى أمى تقع تحت ايدين الظالم متولى وتسمع كلامه لغاية ما دمرها واخد تحويشة عمرها عشان يعمل الكباريه ده لغاية ما جبلها المرض وآخرها بيشغلنى معاه غصب .
لا أنا مش عايزة أحب ، الحب ضعف وأما محبش أكون ضعيفة أبدا ، عايزة أكون قوية عشان أقدر أقف قدام اى حد يوقف قصادى .
هو فين جوزك ده.؟
سؤال سئله الرجل ليخرجها من شرودها، فسارعت بالقول:
قدام هنا يا باشا فى الشارع ده .
تعال ورايا، فتبعها بالسيارة حيث مكانه وعندما رأه على هذا النحو قال بحزن:
لا حول ولا قوه الا بالله.
ثم انحنى ظهره ليحمله إلى سيارته وساعدته دلال، ثم توجه إلى سيارته وانطلق به نحو المستشفى.
وعندما وصل به حمله إلى داخل المستشفى ، فصرخت دلال قائلة:
حد يلحقنى جوزى بيموت منى يا ناس .
فسمعها أحد الأطباء وقال: دخلوه حالا أوضة الكشف اشوفه.
فحمله هذا الرجل إلى غرفة الكشف ثم همس إلى دلال:
أظن عملت اللى عليه أنا، استأذنك إمشى وربنا يشفيه ويخليكوا لبعض .
طالعته دلال بإمتنان قائلة: طريق السلامة، شكرا لحضرتك.
فغادر سريعا الى وجهته وانتظرت هى بجانب أحمد تطالعه بحزن، والطبيب يتابع حالته محاولا السيطرة على نزيف رأسه .
حتى انتهى واستدار إليها قائلا: الحمد لله إنه جه فى الوقت المناسب لو غاب اكتر من كده كان ممكن يروح فيها بسبب الدم اللى نزفه ده كله.
تمتمت دلال: الحمد لله.
بس هو هيفوق امتى يا دكتور ؟
الطبيب : هيفوق بعد ما يتغذى بالمحلول ان شاء الله ، لكن لو مجبش نتيجة هنضطر ندخله عناية مركزة وننقل ليه دم .
دلال بإستنكار: لا عناية ايه ان شاء الله يفوق .
الطبيب: باذن الله، طيب أنا هروح أشوف شغلى وشوية اعدى عليه اتابع حالته عشان أقرر الخطوة الجاية .
وانتِ إقعدى جمبه ولو فيه أى شىء غريب او تدهورت حالته، خليهم يبلغونى .
اومئت دلال برأسها، ثم غادر الطبيب وجلست بجانب أحمد تحدق به كثيرا وكأنها تحفظ ملامحه .
وتسائلت: يا ترى انت مين وايه حكايتك وليه الناس دى عملوا فيك كده .؟
ثم مر الوقت وشعرت دلال بالنعاس وثقلت عليها جفونها، فأغلقتها حتى نامت وهى جالسة .
أما احمد فبدء استعادة وعيه تدريجيا محاولا أن يفتح عينيها، ثم نظر إلى سقف الغرفة وتسائل: هو أنا فين..؟
ثم شعر بألم يفتك رأسه وعندما حاول أن يلمسها بيديه، وكان فى ذلك الوقت الممرضة قد حضرت لمتابعة المحلول فقالت بصوت أيقظ دلال: لا متلمسش الجرح عشان متتعبش يا استاذ، غلط كده .
فهميه يا مدام، مش حضرتك مراته برده ..!!
فتلون وجه دلال بحمرة الحرج فما عساها أن تقول فأكدت: ايوه مراته يا حبيبتى .
فاتسعت عين أحمد وهو ينظر إليها بإستنكار قائلا: مراتى ..!!
يتبع .....
الثالث من هنا