رواية ابو الرجالة الفصل السادس والعشرين 26 بقلم شيما سعيد
بالمشفى..
اقترب من الفراشين بساق ثقيلة، جلس على أرضية الغرفة وعيناه متعلقة بهما، هل هذا الجمال المحلي بكريم البراءة يخصه هو؟!.. أتسعت شفتاه بإبتسامة سعيدة لا تخطت السعادة بكثير، رفع يديه ومررهما على وجنتي بناته، يا الله ما هذا كيف لهم أن يكونوا بهذا السحر؟!..
حرك رأسه بقلة حيلة بنات ثريا وماذا ينتظر من بنات ثريا.. دلفت الممرضة مردفة بهدوء :
_ كفاية عليهم كدة لازم ناخدهم دلوقتي..
نظر إليها بفزع قائلا :
_ تاخديهم وتروحي فين؟!..
_ الحضانة يا فندم مفيش داعي للقلق ساعتين بالكتير وهيبقوا في حضنك وحضن أمهم..
أومأ إليها بقلب مرتجف وعيون تطوف بها اللهفة، مرت بعدها عشر دقائق وبدأت ثريا بفتح عينيها، اقترب من ثريا ومعالم القلق واضحة عليه :
_ ثريا يا حبيبتي أنتِ كويسة قوليلي حاسة بإيه..
_ بناتي..
قالتها وهي بين النوم واليقظة ليضحك كمال مردفا بعتاب :
_ كنتي عارفة إنهم بنات وخبيتي عليا مش كدة..
رأت بعينه فرحة لم تتوقعها، تخيلت أن يثور ويرفض الفكرة خصوصاً أنه يعتز جداً بكلمة أبو الرجالة الملقب بها أمام الجميع،ابتلعت ريقها الجاف مردفة :
_ عايزة مياة عطشانة أوي..
بإبتسامة حنونة مد يده إليها وساعدها على الجلوس على الفراش بشكل مريح، ثم أخذ كوب من عصير التفاح وقربه من فمها مردفا :
_ اشربي العصير ده لحد ما الدكتور يأذن تشربي مياة..
نفذت ما طلبه، كل ما يهمها الآن الارتواء لتعطي لفمها وجسدها القليل من الانتعاش، مسح شفتيها بأصابعه وسألها :
_ حاسة إنك أحسن دلوقتي؟!..
أومأت بحركة خفيفة من رأسها ثم قالت بترقب :
_ إنت مبسوط من البنات والا كنت عايز رجالة..
ضحك ضحكة خفيفة ومسح على خصلاتها الناعمة مردفا بنبرة صادقة وصلت إلى أعماق قلبها بكل بساطة :
_ كنت عايز أي حاجة منك تربطك بيا وتجمعني بيكي، ربنا أكرمني بدل الحتة اتنين ومش أي اتنين نسخة منك في روحك وجمالك، تفتكري إزاي هبقي زعلان وحلمي بقى حقيقة قصاد عيني..
عضت على شفتيها بتوتر، كمال الجديد هذا يجذبها للعشق وهي خائفة، فهمها ليكمل حديثه بقوة :
_ شوفتي معايا الوحش كله، دلوقتي بقي بطلب منك فرصة واحدة بس تشوفي فيها الحلو كله على ايدي، قولي موافقة يا ثريا..
أومأت إليه وقالت بلهفة :
_ هات البنات أشوفهم يا كمال نفسي أشوفهم أوي..
_ أسمعها الأول وبعد كدة أروح أجيبهم وأنا مرتاح..
ضحكت بقلة حيلة، مهما حاول التغيير سيظل كما هو كمال أبو الدهب يعطي أوامر ويجبر من حوله على تنفيذها " تحت التهديد" همست بهدوء :
_ موافقة عشانهم وريني بقى هتعمل إيه عشان أبقى موافقة عشانك أنت يا كمال..
غمز إليها بسعادة :
_ ده أنا هعمل وهعمل وهعمل ده أنا كمال أبو الدهب يا بت أفعال من غير كلام..
_ربنا يستر..
قالتها بنبرة سخرية واضحة مثل الشمس، أتى ليرد عليها بحاجب مرفوع لكن كان هاتفه الأسرع عندما دق، عض على شفتيه بغيظ من هذا المتصل اللعين أشارت إليه ليرد فقال :
_ نرد ونشوف مين بعدين نعرف معنى كلامك ده إيه يا ست ثريا..
حركت كتفها بمعنى ولا تهمني من الأساس، رأي اسم فريد ففتح بغيظ قائلا :
_ يا ابنى هو أنت عملي الوحش في الدنيا لازم تبوظ عليا كل حاجة حتى لحظاتي الحلوة..
توقفت الدنيا من حوله مع سماعه لصوت رجل غريب يقول :
_ صاحب الموبايل عمل حادث هو وأخواته وإحنا حاليا رايحين مستشفى******..
_____ شيما سعيد _____
بعد مرور أسبوع..
عاد موسى إلى منزله بعد يوم مرهق، فتح باب جناحه الخاص وهو متلهف لرؤيه فيروز، ابتسم بخفة وهو يراها تجلس على الفراش وبيدها هاتفها المحمول تتصفح أحد وسائل التواصل الاجتماعي، جلس بجوارها وسحب الهاتف منها فجأة قائلا بمشاكسة:
_ ولا كأن جوزك دخل..
ألقت عليه نظرة سريعة بطرف عينيها والضيق واضح على ملامح وجهها الجميل فتنهد موسى بالقليل من الحدة مردفا:
_ هو في ايه بجد يا فيروز هنفضل في وصلة النكد دي كتير افردي وشك..
حاولت منع دموعها من النزول وهي تنظر اليه نظرة عتاب آلمت قلبه، بالفترة الماضية عاشت معه أجمل أيام حياتها ورأت على يده العوض الحقيقي، وها هو يظهر لها الوجه الآخر لموسي الراوي، مر أسبوع على ولادة والدتها والحادث الأليم لأبناء أبو الدهب وهي هنا بين جدران هذا الجناح ممنوعة من الخروج تنهدت وقالت:
_ هو أنا لو حاولت آخد موقف وأرفض السجن اللي إنت حاططني فيه أبقى بنكد عليك؟!.. لو سمحت يا موسى انا مش حابة أتكلم في أي حاجة ممكن تضايقني أكتر ما أنا متضايقة..
انتفض جسدها وعادت للخلف بشكل تلقائي عندما ضرب الطاوله المجاورة للفراش بقدمه لتسقط على الأرض ألف قطعة، تعالت دقات قلبها من ملامح وجهه الغير مبشرة بالخير، قام من جوارها وهو يضغط على خصلاته بغل ثم صرخ بها مردفا بغضب نابع من النيران المشتعلة بداخل صدره:
_ سجن!! شايفة إن القصر الطويل العريض ده بالنسبة لك سجن؟!.. دلعي ليكي وسكوتي على إنك عايزة تروحي لطليقك وتعملي تحليل عشان تدي له كليتك بقيتي بتسمي ده سجن؟!..احمدي ربك إنك عايشة بعد ما قولتي الكلام الهايف ده، مش من حقك تزعلي يا فيروز سامعة مش من حقك تزعلي، عايزة تروحي لابن أبو الدهب تدي له كليتك للدرجة دي حياته مهمة بالنسبة لك، وأنا ايه ولا حاجة ما قدرتش أعمل لك أي حاجة تخليكي تطلعيه من قلبك وتحبيني أنا...
احتلت الصدمة معالمها لم تتوقع أن يكون هذا تفكيره، هل كان يحمل كل ما قاله بقلبه لمده أسبوع كامل ومع ذلك يدللها ويحاول إخراجها من حزنها؟!.. قامت من فوق الفراش بنظرات حزينة وقالت:
_ هو أنت شايف إني لما أعرض المساعدة يبقى لسه له مكان في قلبي؟!.. أنا عملت كده عشان مراته اتصلت بيا وكانت منهارة بعد ما كلهم عملوا التحليل وطلعوا ما ينفعوش، فريد بالنسبة لي ما بقاش حاجة بس ده مش معناه إني أسيبه يموت وممكن يكون في إيديا حياته..
جذبها من ذراعيها لتبقى بين يديه، نظرات عينيه بمفردها قادرة على إيصال ألف نظرة بألف معنى اليها، ابتلعت لعابها بتوتر لأول مرة تقولها صريحة. " هي خائفة من موسى" ضغط على ذراعيها بكل قوته قائلا من بين أسنانه:
_ صدقيني لو كنت شوفت في عينك نظرة خوف واحدة عليه كانت هتبقى نهايتك يا فيروز فاهمة..
أومأت إليه مردفة:
_ سيب ايدي يا موسى إنت بتوجعني، غيرتك مخلياك مش شايف الحقيقة وبتقول حاجات هترجع تندم عليها بعد كده، وعلى فكرة أنا هروح المستشفى وهعمل التحليل ولو كليتي تنفع هديها له يا موسى، لأن دي روح بني آدم...
تقف أمامه... وتتحدى؟!.. مهما كانت مكانتها بقلبه لم يخلق بعد الذي يقف أمام موسى الراوي،، ابتعد عنها مردفا بجبروت :
_ مش همنعك و مش هقول لحد من الحراس يمنعك، بس عايزك تعرفي ان دي هتبقى النهاية وهيبقى إنتي اللي اخترتيها، لأن اللي زيك ما ينفعش يبقى ليها في حياتي مكان..
دفعها لتسقط أرضا وخرج من الجناح والقصر بالكامل، تركها بمفردها تعاني من ألم خوفها على فراقه وألم ضميرها الذي يحتم عليها مساعدة فريد رغم كل ما حدث وما سوف يحدث، تركت لعينيها الحرية بالبكاء، لم تتوقع ان يصل بينهما الأمر إلى الاختيار بين الحياة معه وبين الفراق، بكت وقلبها يصرخ بها قائلا
" أصبحت عاشق لموسى ولا أرغب الرحيل".. بكف مرتجف مسحت على عينيها مردفة:
_ ليه كدة يا موسي معقولة عزيزة حبيبتك هانت عليك؟!..
_____ شيما سعيد ____
بالمشفي.
دلفت هادية للغرفة الخاصة بحالة خاطر، أخذت نفسا عميقا براحة شديدة وهي تراه أمامها نائما بسلام، مرت عليها أسوأ سبع أيام بحياتها وهو بداخل غرفة الإنعاش لا تستطيع رؤيته إلا من الحاجز الزجاجي..
تنهدت بتعب نفسي قبل أن يكون جسدي مقتربة بخطوات ثقيلة من فراشه، جلست على أرض الغرفة ومدت كفها المرتجف ليضم كفه المعلق به سائل المحلول، وضعت قبلة مشتاقة على كف يده وهي تعترف لنفسها أخيرا بأنها عاشقة لخاطر أبو الدهب..
قربت أنفها أكثر منه، تريد أخذ أكبر قدر من رائحته ليطمئن قلبها وتتأكد أنها معه وأنه بين يديها، همست بنبرة صوت يتغلب عليها البكاء:
_ خاطر قوم لو ليا عندك خاطر، أوعدك إني هسامحك على كل اللي فات وهنبدأ مع بعض من جديد حياة حلوة زي ما أنت كنت عايز، بس بلاش تفضل مغمض عينك كده فريد ونوح حتى اونكل كمال التلاتة محتاجينك جنبهم، وأنا كمان محتاجاك جنبي مش قادرة أقف على رجلي وأحس إني مسنودة وإنت بعيد، تعرف قربي منك كان أكبر غلطة عملتها في حياتي تقدر تقول إن هي غلطة الشاطر اللي بألف بس برضو أجمل غلطة عملتها ومش ندمانة عليها، ولو اتعاد بيا الزمن تاني هعملها، بلاش تفضل واجع قلبي عليك كده والله العظيم ما قادرة استحمل..
مرت ساعة تليها الثانية والثالثة والرابعة وهي تجلس بجواره، تتأمله وتتفحص أي حركة تصدر منه لعله يستجيب إلى ندائها عليه ويفتح عينيه، مسحت على خصلاته مردفة بنبرة منهكة :
_ طول عمرك تاعب قلبي كده، بتتصرف غلط وأنا اللي أشيل الليلة على دماغي ما تقوم بقى وتخلي عندك دم يا خاطر، قوم واجه مشاكلك عشان نرجع نكمل مع بعض مش إنت كان نفسك نكمل مع بعض..
سمعت أخيرا همهمة بسيطة تصدر منه، ليرفرف قلبها بفرحة مقتربة منه حتى تتأكد، وها هي تسمع اسمها من بين شفتيه، نعم .. نعم ... لقد قال هادية، مررت يدها على وجهه بحنان وأجابته بنبرة متلهفة:
_ أنا سامعاك يا حبيبي وجنبك يلا فتح عينك عشان خاطري فتح عينك ارحمني بقى..
طلبت منه الرحمة.. وهو اعطاها لها على طبق من ذهب، فتح خاطر عينيه بعد عدة محاولات فاشلة، ونظر اليها رغم تشويش رؤيته بعد أسبوع كامل بداخل غيبوبته إلا أنه ابتسم اليها وأعاد لها روحها مردفا:
_هادية..
_ يا روح هادية وقلب هادية وكل حاجة حلوة رجعت لي لما شوفتك يا خاطر، بلاش تعمل فيا كده تاني وأنا أوعدك إني مش هبعد عنك ولا هعمل أي حاجة تزعلك..
عض على شفتيه يحاول التحكم بهذا الصداع الذي يكاد يفتك برأسه وسألها متعجباً:
_ هو في ايه بالظبط من امتى وأنتي راضية عني قوي كده..
بللت شفتيها بطرف لسانها لتعطي إليه القليل من الطراوة مردفة:
_ فضلت طول الأسبوع اللي إنت كنت فيه جوة الغيبوبة بسأل نفسي سؤال واحد بس هو لو جرى له حاجة لا قدر الله هيبقى إنتِ حياتك عاملة ازاي؟!.. طيب الدنيا تستحق إن احنا نفضل مخاصمين بعض ونجري ورا بعض من غير ما نعمل ذكريات حلوة نعيش عليها،، اكتشفت إن ما فيش أي حاجة تستحق إن احنا نضيع عمرنا عليها غير إننا نبقى جنب بعض نعمل بيت وعيلة وذكريات وعزوة وده اللي هنعمله أنا وإنت من هنا ورايح.
حاول التغلب على تعبه وسألها بقلق:
_ هو فريد فين؟!..
أبتلعت لعابها بتوتر مردفة:
_ إنت تعبان ارتاح شوية وبعدين نبقى نتكلم..
لم يعطي أي اهتمام لتعب جسده وقام من نومته بقوة آلمته فاقتربت منه مردفة:
_ اهدى بس إنت تعبان عايز تروح فين؟!..
_ جيبي لي الدكتور يطلعني من هنا حالا عايز أبقى جنب اخواتي ولو قولتي إنت تعبان يا هادية هقوم من غير ما الدكتور يجي...
_____ شيما سعيد_____
بالخارج كانت تجلس ثريا على أحد المقاعد وبجوارها هالة وعطر تضم كلا منهما على صدر ويبكوا الثلاثة بصمت، كمال منذ ما حدث وقع أرضا وأخذ الغرفة الرابعة بجوار أبنائه، كل شيء بلحظة واحدة أصبح رماد..
سقطت منها دمعة ساخنة وهي تنظر لباب الغرفة المغلق بعذاب قلب، كان معها وبين يديها وفجأة سقط أمامها دون أن تقدر على فعل أي شيء له، ومع كل هذا الوجع لابد أن تبدو أمامهم أقوى، حركت يديها على ظهر الإثنتين مردفة :
_ كفاية دموع اللي جوا دول محتاجين نبقى معاهم أقوى من كدة مش نقع جنبهم..
بكت عطر أكثر وهالة قامت من محلها فجأة وهي ترى الطبيب يخرج من العناية الموجود بها زوجها، اقتربت منه مردفة بتوسل :
_ طالما طلعت أنفع، أرجوك خد مني أنا..
حرك الطبيب رأسه بقلة حيلة مردفا :
_ يا مدام حضرتك حامل في الشهر التالت دي مغامرة فيها خطر عليكي وعلى إبنك..
بملامح من يراها يشفق عليها قالت بتوسل :
_ لو سمحت هكتب تعهد إني المسؤولة الوحيدة عن النتيجة مهما كانت هي..
نظر إلى السيدة ثريا التي تحاملت على ألم جسدها واقتربت من هالة مردفة بهدوء :
_ لو بتحبي فريد فعلاً يبقى لازم تحافظي على الحتة اللي جواكي منه.. لازم لما يفوق يفرح بالخبر ده..
حدقت للطبيب بنظرات متوسلة :
_ طيب خليني أشوفه يا دكتور علي الأقل أرجوك..
أومأ إليها بحزن على حالتها المغزية، بخطوات أشبه للركض دلفت لغرفته وجدته نائما لا حول له ولا قوة، عضت على شفتيها لتكتم دموعها هامسة :
_ فريد يا حبيبي، تعرف إن عندي خبر حلو أوي ليك، أنا حامل اه والله العظيم حامل هيبقى عندنا بيبي حلو أوي شبهك كدة بالظبط يا روحي، بس محدش متطابق معاك غيري، عشان كدة هاخد منك الإذن نضحي بالبيبي ده وبإذن الله لما ترجع لينا بألف خير نجيب غيره يا فريد موافق صح؟!..
جاءها الرد من صوت هاديء من خلفها :
_ لأ يا هالة أنا اللي هدي لفريد..
هل هذا صحيح هل أتى من لديه الأمل الوحيد المتعلق عليه حياتها؟!.. أخذت نفسا مرهقا وهي تبتسم بالقليل من الأمل
بعد أربع ساعات..
لحظات من الجحيم مرت على الجميع أمام غرفة العمليات، الجميع بانتظار النتيجة ، ربما ستكون قاسية ولكن بالفعل وقوع البلاء أقل قسوة من إنتظار ما هو قاتل..
انتهت قدرة ثريا على تحمل ما يحدث ألقت بجسدها على أقرب مقعد ، اقتربت منها عطر بخطوات مرتجفة مردفة:
_ هيبقوا كويسين صح أرجوكي يا ماما أنا عايزة أي حاجة تطمني..
حدقت ثريا للفراغ بضياع قائلة:
_ أنا كمان محتاجة حد يطمني الأوضة دي جواها كل إللي ليا يا عطر..
وصل موسي الراوي وخلفه رجاله ، قلبه يحترق وعقله يحثه على الانتقام ، اقترب من ثريا مردفا بترقب:
_ فيروز فين!؟ عملت إللي في دماغها ورجعت لإبن أبو الدهب..
____ شيما سعيد ____