رواية قيد القمر الفصل السادس عشر 16 بقلم نهي طلبة
الفصل السادس عشر
التقط منذر هاتفه من على سطح مكتبه بعدما أصدر صوتاً ينبئ بورود رسالة إليه.. أخذ يتأمله للحظة.. يتمنى أن تكون الرسالة من سهير.. يريد أن يطمئن أن حياتهما من الممكن أن تتحسن وتتطور للأفضل, فبعد ليلة أمس وذوبانها بين يديه الأمر- الذي فاجئه- عادت في الصباح لتتقوقع على نفسها وتتجنب النظر في عينيه, ومواجهة تساؤلاته عما حدث ليجعلها تتباعد عنه مرة ثانية...
تصاعد صوت الهاتف يعلن عن وصول رسالة ثانية.. فأدرك على الفور هوية المرسل, بالتأكيد وداد..
كانت الرسالة الأولى اعتذار رقيق من وداد:
"آسفة جداً.. لا تغضب مني.. أنا أعتذر منك رغم أنك أنت من أهنتني بهروبك السريع".
ابتسم رغماً عنه وهو يستشعر اهتمامها به.. وفتح الرسالة الثانية والتي كانت تتوسله فيها للحضور حتى تراه..
ارتفع رنين الهاتف ليعلن عن اتصال منها فرفعه سريعاً إلى أذنه وقبل أن ينبس بأي كلمة سمع صوتها اللاهث يتوسله:
ـ منذر.. أرجوك.. أنا آسفة لا تكن قاسياً هكذا.. لقد أغلقت هاتفك منذ الأمس.. لا تحرمني من رؤيتك.. عاقبني بأي شيء غير هذا.. على الأقل مر بالسيارة أمام منزل جدك حتى أراك..
قاطعها منذر بهدوء:
- ما كل هذا يا وداد؟.. لقد أغلقت الهاتف لليلة واحدة فقط!.
أجابته وقد بدأ صوتها يكتسب غنجه المعتاد وقد أدركت أنها تغلبت على غضبه منها:
-وهل تعتبر مرور ليلة كاملة بدون أن أسمع صوتك شيئاً بسيطاً!!.. يا لك من قاسي القلب..
ضحك بقوة وهو يقول لها:
- حسناً.. لا تغضبي.. لقد سمعتِ صوتي.. سأغلق الخط الآن..
صاحت بنزق:
- مـــنـــــــذر!!.
ذكرته صيحتها.. بصيحة مماثلة لمعشوقته وهي تنهره بخجل عندما كان يصارحها بحبه.. رغم أن اسمه هو ما تردد في كل مرة على لسان كلتا المرأتين, إلا أن الفارق كان رهيب بين خجل سهير الطبيعي الذي اخترق قلبه وجعله ينتفض بين ضلوعه.. وغنج وداد الوقح الذي يثير حواسه وغرائزه.. ابتسم لنفسه بسخرية وهو يتساءل في نفسه بعجب:
"وقح؟!!!".
ليجيب تساؤله بصراحة:
"نعم.. وقح".
إنه يدرك أن وداد امرأة وقحة, إلا أنه معجب بهذه الوقاحة.. لابد أنه مريض.. أو منحرف ليعجب بشيء كهذا.. وكلما تعمق في تلك العلاقة زاد احتقاره لنفسه..
يجب عليه تحجيم تلك العلاقة تمهيداً لإنهائها وإلا فقد تفعلها أمه وتحرمه من سهير بالفعل.. وهو لا يستطيع تحمل ذلك.. حتى وهما على تلك الحال من الخلاف الغير مفهوم.. لا يريد البعد عنها.. فهو يعيش على أمل أن تتحسن حياته الزوجية, ووجود وداد سيدمر ذلك الأمل.. يجب أن يتخلص منها بسرعة.. فأجابها بفتور:
- حسناً يا وداد.. صدقاً لابد أن أذهب الآن.. سوف أحادثكِ لاحقاً..
سارعت بسؤاله:
- هل سآراك اليوم؟..
- لا أدري.. سأهاتفكِ فور أن أرتب أموري..
وأغلق الخط سريعاً قبل أن يتراجع عن قراره..
*******************
أراح رؤوف جسد نورا المتهالك بين ذراعيه برقة على فراشها تحت نظرات نعمات الحارقة والتي مازالت تحت صدمة اكتشافها لحمل نورا.. وغيظها من حالة الإغماء التي أصابتها وأعفتها من غضب رؤوف بعد أن سمع بأذنيه إهانة نعمات على لسانها.. وفوجئت به يصيح بها وهو يتحرك بسرعة ليلتقط زجاجة عطره ويرش القليل منها أمام أنف نورا:
- نعمات.. اذهبي إلى غرفتكِ الآن..
صاحت به بغيظ:
- ماذا؟.. ألن نتحدث عن هذا؟..
أعاد رؤوف محاولة إفاقة نورا بلا جدوى.. مما سبب له قلقاً عاصفاً فعاد يصرخ ثانية:
-نتحدث!!!.. عن ماذا؟.. ألا ترين أنها مريضة!.
أجابته بحقد:
- بل أرى أنها حامل.. إلى متى ظننت أن بإمكانك إخفاء الأمر؟..
تفاجئ رؤوف بإدراك نعمات لحمل نورا, ولكن أراحه ذلك فهو يريد كشف الأوراق كاملة.. فقد أُنهك تماماً وهو يحاول المحافظة على مشاعرها.. بينما هي...
قاطعت أفكاره بصوتها الصارخ:
- رؤوف.. أجبني..
أجابها وهو يبحث عن هاتفه ويعبث بأزراره بجنون
- نعمات.. اخرجي من الغرفة الآن, حتى أتمكن من مهاتفة الطبيب..
سألته بغيظ:
- ألن نتــ....
قاطعها صارخاً:
- الآن..
*******************
شكر رؤوف الطبيب بعدما طمئنه على صحة نورا.. ولكنه حذره من تعرضها لأي ضغوط إضافية لأنه لاحظ بداية طفيفة لارتفاع في ضغط الدم, وإن سيطر عليها حالياً, لكنه لا يضمن ألا تشكل خطورة على صحتها وصحة الجنين إذا تكرر الأمر...
وما أفزع رؤوف أن الأمر تكرر وبصورة أقوى من المرة الأولى فهي ما أن سمعت تلك الكلمات حتى دخلت في نوبة بكاء..
فاقترب من فراشها بهدوء ليجلس مقابلاً لها وسحبها بين ذراعيه وهو يمسد على شعرها بحنان:
- ماذا هناك؟.. لماذا تبكين الآن؟..
أجابته وسط شهقاتها:
-ألم تسمع كلمات الطبيب؟.. إنه يقول قد توجد خطورة على حياة الجنين..
ضمها بقوة:
- هششش.. توقفي عن البكاء.. ألم يخبركِ أن تتوقفي عن الانفعالات الحادة..
ابتعدت عن أحضانه وهي ترمش بأهدابها تحاول نفض الدموع عنها:
-لهذا لم تصرخ عليّ؟.. خوفاً على الطفل؟.
سألها بتعجب:
- لماذا تظنين أنني أريد الصراخ عليكِ؟..
تسارعت الكلمات على لسانها:
-أعلم أنك غاضب.. لقد رأيت وجهك عندما دخلت الغرفة.. ولكني أقسم لك أنني لم أُهنها أو أتطاول عليها بدون سبب.. إنها هي من..
وضع أصابعه على شفيها يسكتها عن الكلام:
- هششششش.. لستِ بحاجة للقسم.. لقد سمعت كل شيء.
رفعت عيونها المغرورقة بالدموع لتنظر في عينيه:
- كل شيء؟..
أومأ بحزن وهو يبتعد بعينيه عن عينيها ويتحرك بعيداً عن الفراش:
- نعم.
سألته بريبة:
- لهذا لم تصرخ عليّ؟.. أم لخوفك على الطفل؟.. أم لأنك توافق على كلماتها؟...أم..
زفر بضيق مقاطعاً استرسالها في الكلام:
- نورا.. أرجوكِ لا تحاولي تفسير شيء أنتِ غير مدركة لكل أبعاده.
بعد سماعها جملته عادت دموعها تنهمر بغزارة وهي تسترجع كل كلمة قالتها لها نعمات.. وخاصة عن مكانة كلا منهما في حياة رؤوف.. فما قالته نعمات صحيح.. إنها ستظل في أعماق رؤوف دائماً, فنعمات بالفعل هي أول امرأة في حياته وتجمعهما ذكريات مشتركة عديدة حاولت بشدة عدم التفكير بها وإزاحتها من عقلها من قبل حتى تستطيع إكمال حياتها كزوجة ثانية لرؤوف, ولكن كلمات نعمات أيقظت عقلها من سباته وبدأ يصور لها شريط من صور متوالية لرؤوف ونعمات معاً وكلما توالت الصور في عقلها كلما تعالت شهقاتها وتحولت إلى هيستريا حقيقية أفزعت رؤوف بشدة فهي عادت تجهش في البكاء وهو غير قادر على إيقافها أو ادراك سبب انفجارها مرة ثانية وأخذت تردد من بين شهقاتها:
-غير مدركة!!.. غير مدركة لماذا بالضبط؟..
شعرت في لحظة أن كل ما تحاوله معه هي محاولات هشة وعقيمة ولن تثمر أبداً, فهو لن يدرك عمق حبها أبداً.. ولن تصل معه إلى نقطة تفاهم حتى وليس حب متبادل أو مشاعر عميقة كالتي تجمعه بنعمات.. فهو استمع لإهانات نعمات لها ولم يحاول التدخل لحمايتها وإيقاف نعمات..
نهضت من الفراش لتواجهه وأخذت تردد بذهول وهي تشير إليه بسبابتها:
-أنـ..ت سمـ..عت.. سمعت كلماتها الحـقيرة لي.. وإهانتها المتعمدة ولم تتدخل لتمنعها.. كيف؟.. كيف؟.. هل أنا لا شيء بالنسبة لك حتى تتركها تجرحني هكذا؟..
قاطعها بحدة وهو يقترب منها:
- نورا.. اسمعيني لحظة... أنـ...
صاحت بغيظ:
- لا أريد أن أسمع شيء.. يكفي ما سمعته اليوم..
صرخ بغضب:
- يا إلهي!!.. ما هذا الجنون!!.. لا تدعي هرموناتكِ المجنونة تتحكم في عقلكِ..
صرخت به ودموعها تنهمر بغزارة:
- هرموناتي جُنت بسبب طفلك..
وأخذت تخبط على بطنها بجنون:
- ذلك الذي تريده أكثر من أي شيء آخر أليس كذلك؟.
اقترب منها ليبعد يديها عن بطنها وهو يحاول منعها من أذية نفسها:
- اهدئي أيتها المجنونة.. اهدئي.. ستؤذين نفسكِ..
شل حركة يديها المجنونة بينما أخذت تردد:
- أريد أمي.. أريد أمي..
حاول تهدئتها بلا فائدة.. وظلت تردد.."أريد أمي".. بلا انقطاع.. وأخيراً رضخ لطلبها هامساً في أذنها بحرقة:
- حسناً سآتي لكِ بأمكِ, ولكن لن تخرجي من هذا المنزل يا قمر, هل سمعتِ؟.. لن تبتعدي عني أبداً..
واتصل بعمه وأخبره أن نورا تحتاج والدتها في بعض الشئون النسائية..
*******************
صعدت نعمات إلى غرفتها بعدما خرجت كالعاصفة من الغرفة التي دخلتها لتنتقم من رؤوف في شخص زوجته الصغيرة وتحاول خلخلة ثقتها فيه وتحطم حبها له وخرجت وقد تلقت هزيمة أقوى من هزيمة البارحة.. فالصغيرة حامل.. لقد قُضيّ الأمر إذاً.. فهي على الرغم من كل التحاليل التي تثبت سلامة رؤوف وقدرته على الإنجاب, إلا أن أملاً خفياً كان يداعبها بأن لا تحمل الصغيرة, وأن يكون رؤوف كعمه غير قادراً على الإنجاب, ومع مرور الشهور وعدم ظهور بوادر الحمل على نورا قويّ هذا الأمل في قلبها.. وشطح خيالها أحياناً بأن تتمرد الفتاة وتهجره طلباً لطفل من رجلٍ آخر ويعود هو لها مطأطئ الرأس طالباً غفرانها على تفكيره في امرأة غيرها وإن كانت زوجته..
كم تخيلت مشاهد عتابها ومسامحتها له وكيف سيعودان لحياتهما القديمة قبل دخول نورا إليها ويطويان صفحة الإنجاب تماماً فيُحرم هو من وجود ابن له كما حرمت هي.. ويزداد تقاربهما فوجعهما سيكون واحد, ولكن مرة أخرى تهزمها الصغيرة وتثبت أنها الأحق برؤوف, بل إنها تلك المرة ختمت على صفقة زواجهما بختم أبدي وحملت طفله.. وريث الجيزاوي.. الآن بالفعل أصبح لا مكان لها في بيت رؤوف..
*******************
ما أن رأت نورا والدتها حتى ارتمت بين أحضانها وهي تجهش بالبكاء.. تحت نظرات رؤوف المذهولة ونظرات والدها القلقة... همست شموس لها بفزع:
- ماذا بكِ يا نورا؟.. لقد اطمأنيت على صحتكِ من رؤوف.. ما سبب تلك الدموع؟..
أخذت نورا تشهق بحدة:
- أمي أريد الذهاب من هنا.. سأذهب معكِ أنتِ وأبي..
صرخ رؤوف بحدة:
- نورا!!!.. هل هذا ما اتفقنا عليه؟..
أخذت ترمقه والدموع تتساقط من عينيها وهي تتذكر كلامه لها قبل وصول والديها عندما ضمها بشدة لصدره وهو يهمس لها أنه لن يسمح بابتعادها عنه وعليها ألا تفكر في ترك المنزل..
أفاقت على حركة والدتها وهي تمسك ذقنها بأصابعها لتحرك وجهها وتقطع النظرات المتبادلة بينها وبين رؤوف:
- ماذا يحدث بينكما؟..
والتفتت إلى رؤوف متهمة إياه بقسوة:
- ألم أحذرك من قبل.. بأنني سوف آخذها من هنا في اللحظة التي تهملها فيها..
وأشارت إلى نورا وهي تصرخ في رؤوف بغضب:
- هل هذه العناية التي توليها إياها كما تعهدت لي؟.. هاه.. أجبني..
نهر عبد السلام زوجته بلطف:
- شموس.. دعينا نفهم الموضوع أولاً.. وأنتِ يا نورا كفي عن البكاء.. وتحدثي معنا..
مسحت نورا دموعها بظهر يدها بحركة طفولية خفق لها قلب رؤف..
"يا إلهي.. لابد أنني سأجن".
همس لنفسه بقهر بينما لزمت نورا الصمت ولم تجب على سؤال والدها الذي أعاد سؤاله مرة أخرى على رؤوف فصمت هو الآخر وهو يكتف ذراعيه على صدره ويتأمل نورا بنظرات غاضبة أعادت الدموع إلى عينيها مرة أخرى, فمسح وجهه بكفيه بتعب وهو يهمس:
- يا إلهي.. ماذا أفعل؟..
برقت عيني شموس بنظرة إشفاق على رؤوف أخفتها سريعاً وهي تتوجه إليه بالكلام:
- يبدو أن الحمل أثر على أعصاب نورا, فلتدعها تأتي معنا.. ترتاح ليومين.. وستعود بعد ذلك وقد هدأت قليلاً..
أجابها رؤوف باحترام:
- عفواً يا خالتي.. نورا لن تترك منزلها.. ولكني أقترح.. بعد إذن عمي بالطبع.. أن تبقي معها لفترة حتى تهدأ أعصابها.. و..
قاطعته نورا بعصبية:
- هذا ليس منزلي.. إنه..
لم يدعها تكمل كلماتها وأخبرها بحسم:
- بل هو منزلكِ, ألم يكن طلبكِ منزل خاص, وكان هذا شرطكِ الأول لإتمام الزواج؟.
أخبرته بشراسة:
- نعم.. ولكني لم أطلب أن يضم المنزل زوجتك القديسة أيضاً.. لقد خدعتني..
رن صوت والدها بقوة:
- نورا!!..
التفتت نورا فجأة كأنها تذكرت وجود والديها وغمغمت بخفوت:
-أخرجني من هنا يا أبي..
تحرك رؤوف بسرعة وجذبها من ذراعها بحركة عنيفة جفلت لها شموس وتحركت لتمنعه ولكن عبد السلام أوقفها في حين صرخ رؤوف:
- لقد نفذت طلبكِ.. أقسم لكِ.. ما حدث بعد ذلك كان بدون قصد.. ولكن هذا منزلكِ.. بيتكِ.. إنه ملككِ يا نورا..
غمغمت بذهول ونسيت ذراعها التي يقبض عليها بقوة:
- بيتي!!.. ملكي!!.. ماذا تقصد؟..
رد أبيها:
- يقصد أنكِ تمتلكين ذلك المنزل, لقد سجله رؤوف باسمكِ في اليوم التالي لزيارته لنا..
رددت بذهول:
- اليوم التالي!!.. قبل أن نتزوج؟..
أجابها رؤوف تلك المرة:
- نعم.. إن البيت سُجل باسمكِ والأوراق مع عمي.. وإذا كانت أعصابكِ متعبة بسببي, فسأترك أنا المنزل.. لكنكِ لن تتركيه أبداً..
رفعت عينيها بذهول وهي تردد بعذاب:
- أنا لا أفهم.. لا أفهم..
لم يكن ذهول نورا أقل من ذهول نعمات التي نزلت من جناحها بعدما لمحت سيارة عبد السلام.. وربضت خارج باب جناح نورا تحاول معرفة ماذا يحدث.. وهي تأمل أن يكون الطبيب أخبرهم بموت الجنين أو أنها فقدته أو ما شابه.. لكنها صعقت بخبر ملكية نورا للمنزل وغمغمت بأسى:
"يا إلهي.. ألن تنتهي المفاجآت؟!!".
ولم تكد تتم جملتها حتى سمعت صراخ رؤوف بأن نورا لن تترك المنزل وإستعداده هو لتركه حتى تستريح وتهدأ أعصابها.. فلم تتمالك نفسها واقتحمت الجناح للمرة الثانية في ذلك اليوم وهي تصيح بغضب:
- رؤوف.. ما هذا الذي سمعته؟..
التفت رؤوف لها بينما أخفت نورا نفسها خلفه وهي تحمي بطنها بإحدى يديها وتتمسك بكتف رؤوف باليد الأخرى مما منحه شعوراً عارماً بالراحة والحماية فهي احتمت به هو رغم وجود والديها حولها وصاح في نعمات بغضب بارد يحاول التحكم فيه:
-نعمات.. هل تتلصصين على الأبواب أيضاً؟..
ابتلعت إهانته وهي تسأله:
- هل صحيح ما سمعته؟.. هل هذا المنزل ملكها؟..
سألته وهي تشير إلى نورا بحقد..
تنهد رؤوف بتعب.. والتفت إلى نورا والتي ما زالت متمسكة بكتفه من الخلف.. واستدار ليواجهها وهو يأخذ وجهها بين كفيه هامساً:
- نورا.. أرجوكِ.. عديني ألا تتركي المنزل.. عديني أن نتحدث أولاً.. لكني الآن يجب عليّ توضيح بعض الأمور لنعمات..
سألته نورا غاضبة وهي تحاول تحرير وجهها من بين كفيه:
- هل ستتركني وتذهب معها هي؟..
همس بتعب وهو يضع جبهته فوق جبهتها متناسياً الجمهور الذي يراقبه:
- يا الهي.. استحلفكِ بالله يا نورا.. أن تعديني ألا تتركي البيت, ليس قبل أن نتحدث على أي حال..
تحرك لسانها بدون إرادة منها:
- أعدك..
طبع قبلة رقيقة على جبهتها وهمس:
- شكراً لكِ..
ثم وجه حديثه إلى عمه:
- استئذنك قليلاً يا عمي..
والتفت إلى نعمات وهو يشير إلى الباب:
- تفضلي.. لنذهب إلى غرفة المكتب.. فهناك بعض الأمور التي يجب توضيحها..
التقط منذر هاتفه من على سطح مكتبه بعدما أصدر صوتاً ينبئ بورود رسالة إليه.. أخذ يتأمله للحظة.. يتمنى أن تكون الرسالة من سهير.. يريد أن يطمئن أن حياتهما من الممكن أن تتحسن وتتطور للأفضل, فبعد ليلة أمس وذوبانها بين يديه الأمر- الذي فاجئه- عادت في الصباح لتتقوقع على نفسها وتتجنب النظر في عينيه, ومواجهة تساؤلاته عما حدث ليجعلها تتباعد عنه مرة ثانية...
تصاعد صوت الهاتف يعلن عن وصول رسالة ثانية.. فأدرك على الفور هوية المرسل, بالتأكيد وداد..
كانت الرسالة الأولى اعتذار رقيق من وداد:
"آسفة جداً.. لا تغضب مني.. أنا أعتذر منك رغم أنك أنت من أهنتني بهروبك السريع".
ابتسم رغماً عنه وهو يستشعر اهتمامها به.. وفتح الرسالة الثانية والتي كانت تتوسله فيها للحضور حتى تراه..
ارتفع رنين الهاتف ليعلن عن اتصال منها فرفعه سريعاً إلى أذنه وقبل أن ينبس بأي كلمة سمع صوتها اللاهث يتوسله:
ـ منذر.. أرجوك.. أنا آسفة لا تكن قاسياً هكذا.. لقد أغلقت هاتفك منذ الأمس.. لا تحرمني من رؤيتك.. عاقبني بأي شيء غير هذا.. على الأقل مر بالسيارة أمام منزل جدك حتى أراك..
قاطعها منذر بهدوء:
- ما كل هذا يا وداد؟.. لقد أغلقت الهاتف لليلة واحدة فقط!.
أجابته وقد بدأ صوتها يكتسب غنجه المعتاد وقد أدركت أنها تغلبت على غضبه منها:
-وهل تعتبر مرور ليلة كاملة بدون أن أسمع صوتك شيئاً بسيطاً!!.. يا لك من قاسي القلب..
ضحك بقوة وهو يقول لها:
- حسناً.. لا تغضبي.. لقد سمعتِ صوتي.. سأغلق الخط الآن..
صاحت بنزق:
- مـــنـــــــذر!!.
ذكرته صيحتها.. بصيحة مماثلة لمعشوقته وهي تنهره بخجل عندما كان يصارحها بحبه.. رغم أن اسمه هو ما تردد في كل مرة على لسان كلتا المرأتين, إلا أن الفارق كان رهيب بين خجل سهير الطبيعي الذي اخترق قلبه وجعله ينتفض بين ضلوعه.. وغنج وداد الوقح الذي يثير حواسه وغرائزه.. ابتسم لنفسه بسخرية وهو يتساءل في نفسه بعجب:
"وقح؟!!!".
ليجيب تساؤله بصراحة:
"نعم.. وقح".
إنه يدرك أن وداد امرأة وقحة, إلا أنه معجب بهذه الوقاحة.. لابد أنه مريض.. أو منحرف ليعجب بشيء كهذا.. وكلما تعمق في تلك العلاقة زاد احتقاره لنفسه..
يجب عليه تحجيم تلك العلاقة تمهيداً لإنهائها وإلا فقد تفعلها أمه وتحرمه من سهير بالفعل.. وهو لا يستطيع تحمل ذلك.. حتى وهما على تلك الحال من الخلاف الغير مفهوم.. لا يريد البعد عنها.. فهو يعيش على أمل أن تتحسن حياته الزوجية, ووجود وداد سيدمر ذلك الأمل.. يجب أن يتخلص منها بسرعة.. فأجابها بفتور:
- حسناً يا وداد.. صدقاً لابد أن أذهب الآن.. سوف أحادثكِ لاحقاً..
سارعت بسؤاله:
- هل سآراك اليوم؟..
- لا أدري.. سأهاتفكِ فور أن أرتب أموري..
وأغلق الخط سريعاً قبل أن يتراجع عن قراره..
*******************
أراح رؤوف جسد نورا المتهالك بين ذراعيه برقة على فراشها تحت نظرات نعمات الحارقة والتي مازالت تحت صدمة اكتشافها لحمل نورا.. وغيظها من حالة الإغماء التي أصابتها وأعفتها من غضب رؤوف بعد أن سمع بأذنيه إهانة نعمات على لسانها.. وفوجئت به يصيح بها وهو يتحرك بسرعة ليلتقط زجاجة عطره ويرش القليل منها أمام أنف نورا:
- نعمات.. اذهبي إلى غرفتكِ الآن..
صاحت به بغيظ:
- ماذا؟.. ألن نتحدث عن هذا؟..
أعاد رؤوف محاولة إفاقة نورا بلا جدوى.. مما سبب له قلقاً عاصفاً فعاد يصرخ ثانية:
-نتحدث!!!.. عن ماذا؟.. ألا ترين أنها مريضة!.
أجابته بحقد:
- بل أرى أنها حامل.. إلى متى ظننت أن بإمكانك إخفاء الأمر؟..
تفاجئ رؤوف بإدراك نعمات لحمل نورا, ولكن أراحه ذلك فهو يريد كشف الأوراق كاملة.. فقد أُنهك تماماً وهو يحاول المحافظة على مشاعرها.. بينما هي...
قاطعت أفكاره بصوتها الصارخ:
- رؤوف.. أجبني..
أجابها وهو يبحث عن هاتفه ويعبث بأزراره بجنون
- نعمات.. اخرجي من الغرفة الآن, حتى أتمكن من مهاتفة الطبيب..
سألته بغيظ:
- ألن نتــ....
قاطعها صارخاً:
- الآن..
*******************
شكر رؤوف الطبيب بعدما طمئنه على صحة نورا.. ولكنه حذره من تعرضها لأي ضغوط إضافية لأنه لاحظ بداية طفيفة لارتفاع في ضغط الدم, وإن سيطر عليها حالياً, لكنه لا يضمن ألا تشكل خطورة على صحتها وصحة الجنين إذا تكرر الأمر...
وما أفزع رؤوف أن الأمر تكرر وبصورة أقوى من المرة الأولى فهي ما أن سمعت تلك الكلمات حتى دخلت في نوبة بكاء..
فاقترب من فراشها بهدوء ليجلس مقابلاً لها وسحبها بين ذراعيه وهو يمسد على شعرها بحنان:
- ماذا هناك؟.. لماذا تبكين الآن؟..
أجابته وسط شهقاتها:
-ألم تسمع كلمات الطبيب؟.. إنه يقول قد توجد خطورة على حياة الجنين..
ضمها بقوة:
- هششش.. توقفي عن البكاء.. ألم يخبركِ أن تتوقفي عن الانفعالات الحادة..
ابتعدت عن أحضانه وهي ترمش بأهدابها تحاول نفض الدموع عنها:
-لهذا لم تصرخ عليّ؟.. خوفاً على الطفل؟.
سألها بتعجب:
- لماذا تظنين أنني أريد الصراخ عليكِ؟..
تسارعت الكلمات على لسانها:
-أعلم أنك غاضب.. لقد رأيت وجهك عندما دخلت الغرفة.. ولكني أقسم لك أنني لم أُهنها أو أتطاول عليها بدون سبب.. إنها هي من..
وضع أصابعه على شفيها يسكتها عن الكلام:
- هششششش.. لستِ بحاجة للقسم.. لقد سمعت كل شيء.
رفعت عيونها المغرورقة بالدموع لتنظر في عينيه:
- كل شيء؟..
أومأ بحزن وهو يبتعد بعينيه عن عينيها ويتحرك بعيداً عن الفراش:
- نعم.
سألته بريبة:
- لهذا لم تصرخ عليّ؟.. أم لخوفك على الطفل؟.. أم لأنك توافق على كلماتها؟...أم..
زفر بضيق مقاطعاً استرسالها في الكلام:
- نورا.. أرجوكِ لا تحاولي تفسير شيء أنتِ غير مدركة لكل أبعاده.
بعد سماعها جملته عادت دموعها تنهمر بغزارة وهي تسترجع كل كلمة قالتها لها نعمات.. وخاصة عن مكانة كلا منهما في حياة رؤوف.. فما قالته نعمات صحيح.. إنها ستظل في أعماق رؤوف دائماً, فنعمات بالفعل هي أول امرأة في حياته وتجمعهما ذكريات مشتركة عديدة حاولت بشدة عدم التفكير بها وإزاحتها من عقلها من قبل حتى تستطيع إكمال حياتها كزوجة ثانية لرؤوف, ولكن كلمات نعمات أيقظت عقلها من سباته وبدأ يصور لها شريط من صور متوالية لرؤوف ونعمات معاً وكلما توالت الصور في عقلها كلما تعالت شهقاتها وتحولت إلى هيستريا حقيقية أفزعت رؤوف بشدة فهي عادت تجهش في البكاء وهو غير قادر على إيقافها أو ادراك سبب انفجارها مرة ثانية وأخذت تردد من بين شهقاتها:
-غير مدركة!!.. غير مدركة لماذا بالضبط؟..
شعرت في لحظة أن كل ما تحاوله معه هي محاولات هشة وعقيمة ولن تثمر أبداً, فهو لن يدرك عمق حبها أبداً.. ولن تصل معه إلى نقطة تفاهم حتى وليس حب متبادل أو مشاعر عميقة كالتي تجمعه بنعمات.. فهو استمع لإهانات نعمات لها ولم يحاول التدخل لحمايتها وإيقاف نعمات..
نهضت من الفراش لتواجهه وأخذت تردد بذهول وهي تشير إليه بسبابتها:
-أنـ..ت سمـ..عت.. سمعت كلماتها الحـقيرة لي.. وإهانتها المتعمدة ولم تتدخل لتمنعها.. كيف؟.. كيف؟.. هل أنا لا شيء بالنسبة لك حتى تتركها تجرحني هكذا؟..
قاطعها بحدة وهو يقترب منها:
- نورا.. اسمعيني لحظة... أنـ...
صاحت بغيظ:
- لا أريد أن أسمع شيء.. يكفي ما سمعته اليوم..
صرخ بغضب:
- يا إلهي!!.. ما هذا الجنون!!.. لا تدعي هرموناتكِ المجنونة تتحكم في عقلكِ..
صرخت به ودموعها تنهمر بغزارة:
- هرموناتي جُنت بسبب طفلك..
وأخذت تخبط على بطنها بجنون:
- ذلك الذي تريده أكثر من أي شيء آخر أليس كذلك؟.
اقترب منها ليبعد يديها عن بطنها وهو يحاول منعها من أذية نفسها:
- اهدئي أيتها المجنونة.. اهدئي.. ستؤذين نفسكِ..
شل حركة يديها المجنونة بينما أخذت تردد:
- أريد أمي.. أريد أمي..
حاول تهدئتها بلا فائدة.. وظلت تردد.."أريد أمي".. بلا انقطاع.. وأخيراً رضخ لطلبها هامساً في أذنها بحرقة:
- حسناً سآتي لكِ بأمكِ, ولكن لن تخرجي من هذا المنزل يا قمر, هل سمعتِ؟.. لن تبتعدي عني أبداً..
واتصل بعمه وأخبره أن نورا تحتاج والدتها في بعض الشئون النسائية..
*******************
صعدت نعمات إلى غرفتها بعدما خرجت كالعاصفة من الغرفة التي دخلتها لتنتقم من رؤوف في شخص زوجته الصغيرة وتحاول خلخلة ثقتها فيه وتحطم حبها له وخرجت وقد تلقت هزيمة أقوى من هزيمة البارحة.. فالصغيرة حامل.. لقد قُضيّ الأمر إذاً.. فهي على الرغم من كل التحاليل التي تثبت سلامة رؤوف وقدرته على الإنجاب, إلا أن أملاً خفياً كان يداعبها بأن لا تحمل الصغيرة, وأن يكون رؤوف كعمه غير قادراً على الإنجاب, ومع مرور الشهور وعدم ظهور بوادر الحمل على نورا قويّ هذا الأمل في قلبها.. وشطح خيالها أحياناً بأن تتمرد الفتاة وتهجره طلباً لطفل من رجلٍ آخر ويعود هو لها مطأطئ الرأس طالباً غفرانها على تفكيره في امرأة غيرها وإن كانت زوجته..
كم تخيلت مشاهد عتابها ومسامحتها له وكيف سيعودان لحياتهما القديمة قبل دخول نورا إليها ويطويان صفحة الإنجاب تماماً فيُحرم هو من وجود ابن له كما حرمت هي.. ويزداد تقاربهما فوجعهما سيكون واحد, ولكن مرة أخرى تهزمها الصغيرة وتثبت أنها الأحق برؤوف, بل إنها تلك المرة ختمت على صفقة زواجهما بختم أبدي وحملت طفله.. وريث الجيزاوي.. الآن بالفعل أصبح لا مكان لها في بيت رؤوف..
*******************
ما أن رأت نورا والدتها حتى ارتمت بين أحضانها وهي تجهش بالبكاء.. تحت نظرات رؤوف المذهولة ونظرات والدها القلقة... همست شموس لها بفزع:
- ماذا بكِ يا نورا؟.. لقد اطمأنيت على صحتكِ من رؤوف.. ما سبب تلك الدموع؟..
أخذت نورا تشهق بحدة:
- أمي أريد الذهاب من هنا.. سأذهب معكِ أنتِ وأبي..
صرخ رؤوف بحدة:
- نورا!!!.. هل هذا ما اتفقنا عليه؟..
أخذت ترمقه والدموع تتساقط من عينيها وهي تتذكر كلامه لها قبل وصول والديها عندما ضمها بشدة لصدره وهو يهمس لها أنه لن يسمح بابتعادها عنه وعليها ألا تفكر في ترك المنزل..
أفاقت على حركة والدتها وهي تمسك ذقنها بأصابعها لتحرك وجهها وتقطع النظرات المتبادلة بينها وبين رؤوف:
- ماذا يحدث بينكما؟..
والتفتت إلى رؤوف متهمة إياه بقسوة:
- ألم أحذرك من قبل.. بأنني سوف آخذها من هنا في اللحظة التي تهملها فيها..
وأشارت إلى نورا وهي تصرخ في رؤوف بغضب:
- هل هذه العناية التي توليها إياها كما تعهدت لي؟.. هاه.. أجبني..
نهر عبد السلام زوجته بلطف:
- شموس.. دعينا نفهم الموضوع أولاً.. وأنتِ يا نورا كفي عن البكاء.. وتحدثي معنا..
مسحت نورا دموعها بظهر يدها بحركة طفولية خفق لها قلب رؤف..
"يا إلهي.. لابد أنني سأجن".
همس لنفسه بقهر بينما لزمت نورا الصمت ولم تجب على سؤال والدها الذي أعاد سؤاله مرة أخرى على رؤوف فصمت هو الآخر وهو يكتف ذراعيه على صدره ويتأمل نورا بنظرات غاضبة أعادت الدموع إلى عينيها مرة أخرى, فمسح وجهه بكفيه بتعب وهو يهمس:
- يا إلهي.. ماذا أفعل؟..
برقت عيني شموس بنظرة إشفاق على رؤوف أخفتها سريعاً وهي تتوجه إليه بالكلام:
- يبدو أن الحمل أثر على أعصاب نورا, فلتدعها تأتي معنا.. ترتاح ليومين.. وستعود بعد ذلك وقد هدأت قليلاً..
أجابها رؤوف باحترام:
- عفواً يا خالتي.. نورا لن تترك منزلها.. ولكني أقترح.. بعد إذن عمي بالطبع.. أن تبقي معها لفترة حتى تهدأ أعصابها.. و..
قاطعته نورا بعصبية:
- هذا ليس منزلي.. إنه..
لم يدعها تكمل كلماتها وأخبرها بحسم:
- بل هو منزلكِ, ألم يكن طلبكِ منزل خاص, وكان هذا شرطكِ الأول لإتمام الزواج؟.
أخبرته بشراسة:
- نعم.. ولكني لم أطلب أن يضم المنزل زوجتك القديسة أيضاً.. لقد خدعتني..
رن صوت والدها بقوة:
- نورا!!..
التفتت نورا فجأة كأنها تذكرت وجود والديها وغمغمت بخفوت:
-أخرجني من هنا يا أبي..
تحرك رؤوف بسرعة وجذبها من ذراعها بحركة عنيفة جفلت لها شموس وتحركت لتمنعه ولكن عبد السلام أوقفها في حين صرخ رؤوف:
- لقد نفذت طلبكِ.. أقسم لكِ.. ما حدث بعد ذلك كان بدون قصد.. ولكن هذا منزلكِ.. بيتكِ.. إنه ملككِ يا نورا..
غمغمت بذهول ونسيت ذراعها التي يقبض عليها بقوة:
- بيتي!!.. ملكي!!.. ماذا تقصد؟..
رد أبيها:
- يقصد أنكِ تمتلكين ذلك المنزل, لقد سجله رؤوف باسمكِ في اليوم التالي لزيارته لنا..
رددت بذهول:
- اليوم التالي!!.. قبل أن نتزوج؟..
أجابها رؤوف تلك المرة:
- نعم.. إن البيت سُجل باسمكِ والأوراق مع عمي.. وإذا كانت أعصابكِ متعبة بسببي, فسأترك أنا المنزل.. لكنكِ لن تتركيه أبداً..
رفعت عينيها بذهول وهي تردد بعذاب:
- أنا لا أفهم.. لا أفهم..
لم يكن ذهول نورا أقل من ذهول نعمات التي نزلت من جناحها بعدما لمحت سيارة عبد السلام.. وربضت خارج باب جناح نورا تحاول معرفة ماذا يحدث.. وهي تأمل أن يكون الطبيب أخبرهم بموت الجنين أو أنها فقدته أو ما شابه.. لكنها صعقت بخبر ملكية نورا للمنزل وغمغمت بأسى:
"يا إلهي.. ألن تنتهي المفاجآت؟!!".
ولم تكد تتم جملتها حتى سمعت صراخ رؤوف بأن نورا لن تترك المنزل وإستعداده هو لتركه حتى تستريح وتهدأ أعصابها.. فلم تتمالك نفسها واقتحمت الجناح للمرة الثانية في ذلك اليوم وهي تصيح بغضب:
- رؤوف.. ما هذا الذي سمعته؟..
التفت رؤوف لها بينما أخفت نورا نفسها خلفه وهي تحمي بطنها بإحدى يديها وتتمسك بكتف رؤوف باليد الأخرى مما منحه شعوراً عارماً بالراحة والحماية فهي احتمت به هو رغم وجود والديها حولها وصاح في نعمات بغضب بارد يحاول التحكم فيه:
-نعمات.. هل تتلصصين على الأبواب أيضاً؟..
ابتلعت إهانته وهي تسأله:
- هل صحيح ما سمعته؟.. هل هذا المنزل ملكها؟..
سألته وهي تشير إلى نورا بحقد..
تنهد رؤوف بتعب.. والتفت إلى نورا والتي ما زالت متمسكة بكتفه من الخلف.. واستدار ليواجهها وهو يأخذ وجهها بين كفيه هامساً:
- نورا.. أرجوكِ.. عديني ألا تتركي المنزل.. عديني أن نتحدث أولاً.. لكني الآن يجب عليّ توضيح بعض الأمور لنعمات..
سألته نورا غاضبة وهي تحاول تحرير وجهها من بين كفيه:
- هل ستتركني وتذهب معها هي؟..
همس بتعب وهو يضع جبهته فوق جبهتها متناسياً الجمهور الذي يراقبه:
- يا الهي.. استحلفكِ بالله يا نورا.. أن تعديني ألا تتركي البيت, ليس قبل أن نتحدث على أي حال..
تحرك لسانها بدون إرادة منها:
- أعدك..
طبع قبلة رقيقة على جبهتها وهمس:
- شكراً لكِ..
ثم وجه حديثه إلى عمه:
- استئذنك قليلاً يا عمي..
والتفت إلى نعمات وهو يشير إلى الباب:
- تفضلي.. لنذهب إلى غرفة المكتب.. فهناك بعض الأمور التي يجب توضيحها..