رواية قيد القمر الفصل السابع عشر 17 بقلم نهي طلبة
الفصل السابع عشر
ما أن خرج رؤوف برفقة نعمات من الغرفة حتى توجهت نورا إلى خزانة ملابسها محاولة اخراج ثيابها.. بينما تبادل والديها نظرات حائرة.. وارتفع صوت شموس تسأل ابنتها:
- نورا.. ماذا تفعلين؟..
أجابتها نورا بغيظ:
-أجمع ملابسي.. أليس هذا واضحاً؟!!.
سألتها شموس ببرود بعدما تبادلت نظرة ذات مغزى مع عبد السلام:
- لماذا؟..
صاحت نورا بغضب:
- لماذا ماذا يا أمي؟.. لأنني سوف آتِ معكما بالطبع..
سألتها شموس بصبر:
- لماذا تريدين ترك بيتكِ؟.. ماذا حدث؟..
لم تجبها نورا وأخفضت بصرها أرضاً..
كان الدور على عبد السلام ليسألها بنبرة تعرفها جيداً:
- ألم تعطي وعداً لزوجكِ ألا تتركي البيت؟.. وحتى بدون الوعد يا نور القمر, منذ متى تترك بنات الجيزاوي بيوت أزواجهن؟..
صرخت نورا بغيظ:
- وهل تريدني أن أنتظره بعدما يفرغ من الحديث مع جلالتها و..
صرخ بها أبيها:
- نور القمر!.. انتبهي للسانك.. فأنتِ تحدثين والدكِ, وإذا كنتِ لا تنوين الالتزام بوعدكِ فلماذا منحتيه له؟..
لم تعرف نورا بم تجب والدها.. فهي غير قادرة على المكوث في بيته لحظة واحدة وخاصة بعد إدراكها أنها كانت تعيش كضيفة في بيتها.. وأن نعمات كانت تمارس دور سيدة المنزل بكل صلف وغرور.. و... هي الآن مع رؤوف.. معه وحدهما.. في غرفة المكتب.. تحركت بسرعة لتزيح الستائر وتكشف النافذة لتفاجئ بأن نافذته مغلقة..
فصرخت بغيظ وهي تلقي بثيابها بعبث:
- أريد الذهاب الآن.
هم والدها بالصياح بها مرة أخرى إلا أن شموس أشارت له وتولت هي سؤالها تلك المرة وهي تتجه نحو الخزانة مدعية أنها تساعدها في جمع ملابسها التي بعثرتها ولكنها في الواقع كانت تعيد ترتيبها وتعيدها إلى الخزانة مرة أخرى:
- هل تريدين ترك المنزل للأبد؟.. أم لفترة مؤقتة؟.. أخبريني حتى أعد لكِ ما يكفي من الثياب؟..
والتفتت نحوها تسألها باستفزاز:
- هل ستكتفين بالثياب أم ستجمعين كل أشيائكِ؟..
أجابتها نورا بتحدي:
- اجمعي كل شيء..
تصنعت شموس الاستسلام والحزن:
- حسناً.. سأصطحبكِ معي الآن, وسأترك والدكِ ليتفاهم مع رؤوف على طلباتكِ.. فأنتِ لكِ حقوق ولن..
صرخت نورا:
- أمي!!.. أي تفاهم؟.. وأي حقوق تلك؟.. لماذا تتحدثين وكأنني أريد..
قاطعتها شموس بحسم:
- نعم يا نور القمر.. ماذا تريدين؟.. ماذا حدث الآن لتهدمي المعبد فوق رؤوس الجميع.. لقد مر بكما الكثير ومع ذلك تحملتِ بصبر أثار تعجبي وإعجابي معاً..
سألتها نورا مشدوهة:
- أمي.. كيف..؟..
قاطعتها شموس بعدما أشارت لعبد السلام فترك الغرفة لتستطيع الأم التفاهم مع ابنتها:
- كيف عرفتِ؟.. لأنني أمكِ؟.. أم أن هذه إجابة لا تكفي؟.. لأنني كنت أراه يجركِ خلفه في كل مكان وفي عينيه تلك النظرة الجامدة, وفي عينيكِ نظرة عاشقة وراضية.. وأنتِ كنتِ مستسلمة وخاضعة لم تعترضي على ذلك, بل كأنكِ كنتِ تريدين إثبات شيئاً ما.. فماذا حدث اليوم ليثير ذلك الانقلاب الخطير في نفسيتكِ؟..
ثم ضمتها بحنان وهي تسألها مباشرة:
- لماذا كنتِ تبكين يا حبيبتي؟.. عندما وصلنا كنتِ منهارة, ماذا حدث؟..
سالت دموع نورا بصمت:
-إنني لن أحتمل أن أتواجد تحت سقف بيته لوقتٍ أطول..
لم تستطع أن تخبر والدتها بأن ما حدث اليوم كان القشة التي قسمت ظهرها.. التي أظهرت لها عدم جدوى ما تقوم به وما تحاول إيصاله له من مشاعر.. فهو حتى لم يدافع عنها عندما سمع تهجمات نعمات بأذنيه, فكيف تستطيع البقاء معه وهو لا يحترمها.. ولكن رغم كل غضبها منه لم تستطع أن تشوه صورته أمام والدتها التي أبعدتها عن صدرها وهي تسألها:
- هل تريدين تركه؟.. أم تلقينه درس فحسب؟..
فوجئت نورا بفهم أمها لها وحاولت تتكلم عندما قاطعتها شموس:
- لأنكِ في كلتا الحالتين أخطأتِ الوقت.. دعيني أكمل كلامي.. وأسألكِ لماذا الآن؟.. لماذا بعد ما تحولت نظراته الجامدة إلى أخرى تذوب عشقاً.. لماذا بعدما لم يخجل من وجودي ووجود والدكِ وتوسلكِ البقاء؟.. هل أخطأ بالفعل؟.. أم أنكِ تبحثين عن استسلام كامل؟..
غمغمت نورا بحرج:
- أنا..
قاطعتها شموس بحسم:
- أنتِ ستبقين حتى تتحدثي مع زوجك.. وبعد ذلك إذا أردتِ تركه سأنفذ لكِ رغبتكِ.
أومأت نورا موافقة أمها فهي لا تريد ترك رؤوف.. وهل جنت لتترك رؤوفها الجديد.. إنها فقط تريد تلقينه درساً كما فهمتها أمها بفراسة..
*******************
ما أن وطأت نعمات بقدمها غرفة مكتب رؤوف حتى تحركت نحو نافذته تشير نحوها بسخرية:
- لهذا كنت تقضي كل أوقاتك في مكتبك؟ بجانب النافذة..
تجاهلها رؤوف وهو يغلق النافذة ويلف ليجلس على كرسي مكتبه ويتأملها للحظات طويلة وأجابها أخيراً:
-نعمات.. اجلسي من فضلكِ..
- كلا.. أفضل أن أكون واقفة.. وأنا أتلقى الحكم بإعدامي!..
- لا داعي للدراما المبالغ فيها.
صرخت بغضب:
- مبالغ فيها!!.. ألا ترى أنك أخطأت في حقي.. ليس مرة واحدة, بل ثلاث مرات..
وأخذت تعدد على أصابعها:
- أولاً.. أخفيت عني خبر حمل زوجتك.. وثانياً.. اكتشفت أن المنزل الذي أقيم به ملك لضرتي.. وأنا من كنت أظن أنني ملكته المتوجة.. و..
قاطعها رؤوف:
- لقد كنتِ ملكة متوجة في منزلكِ الأول.. ذلك المنزل الذي رفضتِ الإقامة به مخبرة إياي بكل قسوة.. أنه حان الوقت لأنتقل من منزل عمي وأعدُ لكِ منزلكِ الخاص.. كما أعددت واحد لعروسي الجديدة.. هل نسيتِ كلماتكِ؟..
حاولت مقاطعته لكنه لم يسمح لها:
- لقد كنتِ محقة.. بالفعل إنه حقكِ أن أعد لكِ منزل خاص.. ولكننا أقمنا في "منزل عمي" كما تدعين بناء على رغبتكِ التي استجبت لها في ذلك الوقت.. أليس هذا صحيحاً؟..
أجابته بقوة رافضة الموافقة على كلماته:
ـ أنت اعترفت الآن بحقي في منزل منفصل..
- نعم.. وعند زواجي من نورا طلبت منكِ اختيار أي منزل لأشتريه لكِ.. لكنكِ أصررت على أن أشيد منزل من الصفر.. وطلبتِ البقاء في منزلي الجديد.. كنتِ تضغطين عليّ بقوة وتضعيني في موقف حرج أمام عمي وعائلته بأكملها وقبل كل شيء أمام نورا التي ظنت أنني خدعتها, واحتملت أن أظهر في مظهر الرجل الوغد حتى لا تقوم حرب في ذلك المنزل.. وإلى الآن أنتِ ترفضين رؤية الأرض التي سيقام عليها منزلكِ.. فأين أخطأت في حقكِ؟..
أجابته بغضب:
- لقد سجلت المنزل باسمها!.
أجابها ببرود:
- ليس لكِ أن تحاسبيني على ذلك ما دمت سأفعل لكِ المثل.. هل هناك شيء آخر؟..
فوجئت نعمات بكمية البرود التي يتعامل بها.. إنه يعاملها كموظف لديه, فقالت بغيظ:
- وخبر حملها؟..
أجاب بنفس البرود:
- كنت سأخبركِ في الوقت المناسب..
كانت تريد أن تصرخ به وليلة أمس.. وإهدار كرامتي وبعثرة كبريائي في الوحل.. ولكنها بدلاً من ذلك قالت بغضب:
- لقد سمعت إهانتي بأذنيك ولم ترفع ساكناً لتدافع عن كرامتي!.
أجابها بسخرية:
- يبدو أنكِ غفلتِ عن تعليم الزوج الطفل الذي لقنتيه فنون العشق, كيفية الدفاع عن كرامة زوجته..
تراجعت نعمات خطوتين للخلف وقد شحب وجهها بعد إدراكها لسماعه حوارها مع نورا بالكامل, بينما تحرك هو من خلف مكتبه ليتقدم نحوها هامساً بقسوة:
- فقط.. أحب أن أصحح لكِ معلوماتكِ, فرؤوف الذي تظنين أنكِ ساهمت في تكوينه.. لم يكن رجلاً تفتخرين به كما تظنين، كان مسخاً.. مسخ حولته فتاة عاشقة إلى إنسان.. إنسان حي..
غمغمت بضعف:
- رؤوف.. أنا..
عاد لمقاطعتها:
- أنا من سيتحدث.. أنا لن أدخل في لغو النساء.. فكلانا يعلم سبب تهجمكِ على نورا.. وأنا اعتذرت عن ما حدث ليلة امس, ولكن لن أدع نورا تدفع ثمنه.. ما أريد معرفته حقاً.. هل تظنين أن زواجي منكِ كان خطوة لتحقيق طموحاتي؟.. هل تظنين أنني ذلك الرجل الانتهازي الذي لا يعبأ بشيء إلا تحقيق طموحه والاستيلاء على ثروة جده على حساب كل شيء؟..
واجهته بقوة:
- هل تريد إخباري أنك تزوجتني لأنك أحببتني؟.. أنت تزوجتني لتنفيذ أوامر جدك..
وافقها رؤوف بهزة من رأسه:
- هذا صحيح.. ولكني استمريت معكِ لخمسة عشر سنة, ولم يكن ذلك بناء على أوامر جدي.. لقد حملت لكِ كثير من مشاعر المودة والرحمة والاحترام..
- ولكن ليس الحب..
هز رأسه:
- ولكن ليس الحب.. آسف على ذلك.
سألته بألم:
- وهي.. هل..
قاطعها بهدوء:
- هذا شيء يخصني أنا وهي فقط.
همست:
- ولكني أحبــــ..
أوقفها بإشارة من يده.. فبعد سماعه لكلمة الحب على لسان نورا.. بل من قلبها الصادق لم يستطع ترك نعمات تشوه الكلمة بإدعائها حبه.. ليس بعدما تغلغت داخله بنبرتها الدافئة الصادقة..
- كلا يا نعمات.. قد تحملين لي مشاعر عدة.. أشكركِ على الطيب منها.. وآسف إذا كنت السبب في وجود أي مشاعر سيئة داخلكِ.. لكن أي منها ليس الحب.. فما تعلمته مؤخراً.. أن الحبيب لا يلوث سيرة من يحب حتى بالكلمات.. لا يقلل من قيمته.. أو يشوه سمعته.. فلا داعي لترديد كلمة.. تحمل مشاعر سامية.. لكنكِ تطلقينها في وجهي الآن بغرض الضغط عليّ مرة أخرى..
رفعت نعمات رأسها بكبرياء:
- والآن؟..
أجابها بهدوء:
- الآن.. أعتقد أنه من الأفضل.. أن تذهبي إلى قصر الجيزاوي.. حتى يتم تنظيف.. منزلكِ القديم.. أقصد منزل عمي..
سألته بألم:
- هل تطردني من منزلك.. أم من حياتك؟..
أجابها بواقعية:
- إن المنزل ملك لنورا كما أدركتِ.. ووجودكِ في حياتي شيء يعود لكِ.. آسف مرة أخرى على ليلة أمس, صدقاً لم أرغب في إهانتكِ.. ولكن الآن بعد سماعي.. لكلماتكِ عني..
بسط يديه أمامه بعجز وكرر:
- كما أخبرتكِ.. وجودكِ في حياتي شيء يعود لكِ.. وأنا سأنفذ لكِ ما تريدين..
- سأذهب لأعد حقيبتي لأذهب لقصر الجيزاوي.. وسأبلغك بقراري..
تحركت نعمات لتخرج من المكتب بكبرياء وأغلقت الباب خلفها.. وتركته غارقاً في أفكاره.. يتعجب من نفسه وكيف استطاع التحكم في غضبه وخيبة أمله بتلك الطريقة.. كاد أن يواجهها أكثر من مرة أنها كما أضاعت عمرها مثلما تظن معه بدون طفل, هو أيضاً فقد خمسة عشر عاماً من حياته بدون أن يعيشهم فعلاً.. والآن تعصف به تلك السنوات بما تحمله من العديد من المشاعر التي لم يعرفها إلا مع نورا.. ولكنه لم يرد أن تكون مواجهتهما الأخيرة جارحة ومؤذية لهما على السواء.. فكتم مشاعره بداخله وأغلق عليها وهذا ما تعلمه من رؤوف القديم.. أم أنه اعتاد إظهار انفعالاته أمام نورا فقط..
هل يختزن ألمه حتى تريحه هي بابتسامتها الدافئة؟.. وروحها المرحة وأحضانها الحانية؟.. هل آن أوان اعترافه؟.. على الأقل أمام نفسه.. أنه لا يحبها فقط, بل يعشقها.. فأذناه لم تحتملا سماع كلمات الحب من امرأة سواها.. ولم يعد يستطيع إنكار ما يشعر به نحوها, حتى وإن برر لنفسه تغير معاملته لنورا وتحول قسوته السابقة عليها إلى شغف وحنان جارف بسبب حملها ورغبته في توفير مناخ هادئ حولها حتى لا يتأثر الطفل القادم, ولكن تلك ستكون كذبة كبرى... فمعرفته بخبر حملها كانت إشراقة شمس حبه لها.. ليس بسبب الحمل ولكن لإدراكه أن ما يجيش به صدره من مشاعر لم يتأثر بمعرفته للخبر, بل لو زادت مشاعره أكثر من ذلك لأنفجر قلبه حباً وعشقاً لها.. إنه فقط غير قادر على التصريح بهذا.. فهو لم يعرف بعد كيفية التعبير عما يشعر به في كلمات بليغة..
*******************
دخل رؤوف إلى جناح نورا التي وجدها راقدة على الأريكة بين أحضان والدتها التي تملس على شعرها برقة وكأنها تمنحها دعمها وحنانها في نفس الوقت.. تعلقت عينيه بعيني نورا, فوجد آثار الدموع مازالت ظاهرة عليها.. استمر تبادل النظرات بينهما لفترة ألقى بعدها التحية عليهما بهدوء:
-مساء الخير..
ردت شموس تحيته بخفوت بينما ظلت نورا ترمقه بنظراتها وهو يتحرك في الغرفة بتململ فهو لا يعلم ماذا يدور برأسها من أفكار.. لاحظ اختفاء عمه ولكن خالته شموس مازالت متواجدة.. فهل معنى ذلك أنها مازالت مصرة على ترك المنزل.. ارتسمت حيرته في عينيه وهو يسأل شموس:
- هل ذهب عمي؟..
- كلا أعتقد أنه في الحديقة.. سأذهب لأرى إذا كان يحتاج لشيء..
وتركتهما معاً في الغرفة بعدما أطلقت نظرة تحذيرية نحو نورا.. كأنها تحذرها ألا تطاوع جنونها وتهد المعبد... وتهدم كل شيء..
بعد أن خرجت شموس تحرك رؤوف نحو نورا ليركع على ركبة واحدة أمامها ويهمس برقة:
- آسف..
هزتها الرقة التي تغلف نبرته كعادته كلما حادثها بتلك الطريقة... سحب يدها ليطبع قبلة رقيقة عليها ويهمس مرة أخرى:
- آسف..
ثم قلب يدها ليطبع قبلة ثالثة في باطن يدها ويعود لهمسه:
- آسف.. آسف.. لأنني سببت لكِ الحزن وتسببت في نزول دموعكِ..
حاولت نورا جذب يدها من يدها لكنه شد عليها فسألته:
- هل أنهيت كلامك معها؟.
أومأ برأسه قائلاً:
- إنها الآن تعد أشيائها استعداداً للذهاب إلى قصر الجيزاوي.
لم تستطع نورا إخفاء دهشتها وهي تسأله:
- هل ستذهب؟.. هكذا؟..
أجابها بإيماءة من رأسه.. ثم مد أنامله ليرفع ذقنها ويواجه عينيها متسائلاً:
- هل مازلتِ مصرة على ترك المنزل؟..
سالت دموعها وهي تسأله:
- كيف تركتني أعيش غريبة في بيتي؟..
- وهل أشعرتك يوماً بالغربة؟..
رمقتة بنظرة لائمة.. فأخفض بصره وهو يخفي عينيه عنها:
- أدري أنني آلمتكِ كثيراً, وأنكِ تفهمتني واحتويتِ هواجسي وأشباحي.. وأنني رددت ذلك بمزيد من الألم لكِ.. فهل أطمع بقليل من التفهم منكِ الآن..
ازدادت دموعها انهماراً وهي تتذكر ما مرت به معه فنزل على ركبتيه معاً ليستطيع ضمها لصدره فهمست له:
- لقد آلمتني كثيراً.. وابتعدت وقسوت و..
قاطعها بحنان:
-واقتربتِ أنتِ أكثر وأغرقتني بحنانكِ ورقتكِ.. وأربكتِ سنواتي الخمسة والثلاثون.. وقلبتِ حياتي رأساً على عقب..
ونظر في عينيها:
- ومازلتِ تفعلين..
لم يجاوبه سوى دموعها التي مازالت تنهمر.. يدرك أنها قدمت كل ما لديها والآن تنتظر منه ما يقابل عطائها له.. وهو يحاول جاهداً.. ولكن يبدو أنه لم يحقق أي نجاح.. فقرر تفسير الأمور العالقة أولاً.. على الأقل حتى تهدأ قليلاً وتتوقف عن البكاء وبدأ بأمر المنزل:
- نورا.. أنا لم أستطع إخباركِ بأمر المنزل.. فهي طلبت منزلاً خاص بها أيضاً.. ولم يكن من العدل أن أعلن عن ملكيتكِ لهذا المنزل قبل أن أخصص لها منزلها.. تلك كانت قناعاتي.. ولم أرغب يوماً في تعريضكِ للأذى..
لم تعرف كيف تعارضه وهو يحدثها بمنطقه هذا, لكنها لم تستسلم:
-إن أبي كان على علم بأمر المنزل.. أخبرته ولم تخبرني.
- لقد علم عمي لأنه كان موجوداً لتسجيل العقد باسمكِ بموجب التوكيل الذي منحته له أنتِ وشقيقاتك.. ولم يخبركِ لأنني أردت أن أقدم لكِ مفتاح المنزل كهدية زواج.. ولكن كما أخبرتكِ.. ما حدث من نعمات تسبب في تأجيل ذلك قليلاً...
أدركت أنها لا تستطيع هزيمة منطقه فيما يختص بأمر المنزل.. والذي حسم الآن بخروج نعمات منه.. للأبد.. فعادت تهاجمه حول ما يؤرقها بالفعل:
- وسكوتك عندما أهانتني بتلك الكلمات الرهيبة؟..
صمت رؤوف قليلاً ثم تحرك مبتعداً عنها لينهض على قدميه ويتجه نحو النافذة يتأمل الفراغ بشرود ثم التفت إليها قائلاً:
- نورا.. كوني منصفة لقد كانت الإهانات كلها موجهة لشخصي.. هي فقط قررت استخدامكِ في الهجوم عليّ.. وأنا آسف لذلك فأنا أعلم كم كانت كلماتها مؤلمة وجارحة.. لقد أردت إيقافها عن مهاجمتك.. صدقاً.. أردت التدخل.. ولكني عجزت قدمي عن الحركة أمام كمية الإهانات والاتهامات التي كانت تلقيها على رأسي..
شعرت نورا بمقدار الألم الذي يقطر من حروفه.. يا الهي إنه يتألم بشدة.. لأول مرة تلحظ الألم الحزين في عينيه منذ دخل الغرفة وهي من فسرت نظراته على أنها غضب.. ولكنه لم يكن غاضباً.. كان مصدوماً ومتألماً.. وهي غير قادرة على تقديم الراحة له.. كيف يمكنها وهو يتألم بسبب كلمات امرأة اخرى..
سألته وهي تحاول التحكم في الغيرة التي تعصف بها:
-هل أزعجتك كلماتها؟..
ضحك بمرارة:
- أزعجتني!!.. نورا.. بالله عليكِ هل تظنين أنه من السهل عليّ سماع تلك الكلمات بعد خمسة عشر عاماً من الزواج؟!..
لاحظ ترقرق الدموع في عينيها فاقترب منها بسرعة:
- يا إلهي.. أنا لا أتسبب إلا في زيادة آلامكِ.. بالله عليكِ لا تبكي, فأنا لا أتحمل أن أراكِ تبكين..
سألته من بين دموعها:
- هي محقة إذاً.. ما بينكما عميقٌ جداً.. لن يمكنني أن أصل إليه يوماً..
أمسك كتفيها بيديه وهو يريح جبهته فوق جبهتها.. وهو يهمس بحرقة:
-أتعلمين.. ربما استغرق الأمر خمسة عشر عاماً من الزواج لأصبح ذلك الزوج الذي كانت تتشدق بأنها من ساهمت في إيجاده.. ولكن.. بفضل امرأة استثنائية تحول ذلك الزوج إلى رجلٌ عاشق.. وذلك ما حدث فقط في خمسة شهور..
ساد صمتٌ تام بعد اعترافه ذاك.. هل هو اعتراف بالفعل؟.. ماذا يعني؟.. هل هو عاشق لها؟.. لماذا لا يصارحها بكلمات واضحة بدلاً من تلك الكلمات المراوغة؟.. ارتسمت حيرتها في عينيها وهي ترفعهما إليه.. فأجابها بهمس:
- رفقاً بــــرجل مازال يتحسس طريقه في عالم المشاعر وأبجديات الغرام..
همست برقة وهي تحيط عنقه بذراعيها:
- يا إلهي...
كان جوابه عليها قبلة رقيقة على شفتيها وهو يقربها من صدره بقوة ويرفعها بين ذراعيه ليعمق قبلته أكثر.. وأكثر.. وهي تبادله قبلته التي شعرت بها مختلفة عن كل قبلاتهما السابقة.. كانت أكثر رقة.. أكثر عذوبة.. أكثر حناناً وروعة..
شعرت به يضعها برفق على فراشها وهو مستمر في تقبيلها على شفتيها ووجنتيها وجفونها وهي مستسلمة تماماً له.. ذائبة فيه وهو يبثها مشاعر مختلفة عن كل ما جمعهما من قبل..
طرقات خفيفة على الباب أبعدته عنها.. وطرق مسامعهما صوت شموس:
- نورا!!!..
غطت نورا وجهها بكفيها وهي تعتدل جالسة في الفراش محاولة تغطية ما كشفه رؤوف من جسدها وهي تقول بذهول:
- يا الهي.. أمي!.. وأبي أيضاً!... كيف نسيتهما؟!!..
همس باستمتاع وهو يلمس شفتيها المتورمة والتي تظهر بوضوح ما كان يفعله بها:
- ألا تعلمين كيف نسيناهما؟!!.
ضربته على كتفه بغيظ وهي تصيح به:
- تحرك وارتدي قميصك قبل أن تدخل أمي علينا..
كاد أن يجيبها بتعليق مستفز آخر عندما دوي صوت شموس من خارج باب الجناح وهي تقول بحرج:
- نورا.. هل مازلتما بالداخل؟..
تحرك رؤوف بسرعة وهو يغلق آخر أزرار قميصه.. وهمس لها:
- سوف أخبر والديكِ أنكِ باقية في منزلكِ..
ابتسمت له برقة وهي تسوي من هندامها فتحرك هو ليفتح الباب لشموس التي لاحظت مظهره المرتبك والغير مرتب وعلى الفور أدركت أن ابنتها تعقلت وأن حياتها ستستقر أخيراً.. خاصة بعدما لمحت الخدم ينزلون عدة حقائب خاصة بنعمات..
لم تتمالك شموس نفسها وألقت السؤال الذي يثير فضولها:
- نعمات ستترك المنزل, أليس كذلك؟.
أجابها رؤوف ليطمئنها على نورا:
- نعم.. ستقيم مؤقتاً في قصر الجيزاوي.. كما أن نورا باقية في منزلها..
سألته شموس بعملية:
- هل نصطحب نعمات معنا إلى بيت عمي؟..
لمح رؤوف نعمات تتحرك على الدرج الداخلي للمنزل فأجاب:
- أعتقد أنه من الأفضل أن أقوم أنا بإيصالها..
جاءت نورا لتقف بجوار رؤوف واستمعت لكلماته الأخيرة فوافقته:
- نعم يا أمي.. أعتقد أنه من غير اللائق أن يتركها رؤوف تذهب معكما.. فهذا ليس من طبعه..
رمقتها أمها بإعجاب وفي داخلها تتساءل لماذا لا تملك سهير بعض من ذكاء وقوة نورا.. أو هي تمتلكهما ولكنها تخشى استخدامهما...
ربتت شموس على كتفي نورا واقتربت منها لتحتضنها:
- بارك الله لكِ يا نورا وأسعدكِ يا بنيتي..
ما أن ابتعدت شموس عن ابنتها حتى اقتربت نعمات بهدوء من وقفتهم وهي تخبر رؤوف ببرود:
- سوف أذهب الآن إلى قصر الجيزاوي..
-حسناً.. سأصطحبكِ إلى هناك.
أجابت بنفس برودها:
- لا داعي.. لقد اتصلت بعمي عبد الرؤوف وأرسل لي السيارة لتصطحبني بالفعل..
فوجئ رؤوف بحركتها تلك.. ولكن بعدما سمعه منها اليوم لم يعد يستبعد أي شيء.. حتى ما قامت به الآن لتظهره كالنذل الذي ألقى بها في الطريق.. هز رأسه بعجب.. وأظهرت نظراته لها أنه بات يفهم تصرفاتها تماماً.. وأجابها ببرود مماثل:
- حسناً.. كما تريدين..
منحته نظرة أخيرة.. ثم تحركت لتخرج من البيت تحت نظرات شموس التي تنهدت براحة بينما أمسكت نورا بكف رؤوف في مؤازرة خفية.. فالتفت إليها وأحاط كتفيها بذراعه في اللحظة التي دخل والدها إلى المنزل ورأى نورا محاطة بحماية زوجها فتبادل نظرات الراحة مع شموس وهو يلقي بالتحية على رؤوف..
- سوف نذهب الآن يا رؤوف.. اعتني بنورا جيداً..
أومأ رؤوف برأسه:
- لا تقلق يا عمي... أنت تعلم أنها في أمان.
غادرت شموس مع عبد السلام بعد أن تبادل بعض الكلمات مع رؤوف وفهم ما حدث تقريباً مع نعمات وطمئن رؤوف بأنه سيحاول شرح الوضع لكبير العائلة..
وما هي إلا ثواني بعدما دخلت نورا إلى جناحها حتى وجدت نفسها تطير في الهواء لتكتشف أنها محمولة بين ذراعي رؤوف ليصطحبها في رحلة عشق طويلة استغرقت معظم ساعات الليل.. لتستيقظ بين ذراعيه وهو يتأملها بشغف.. فغمغمت بخجل:
- صباح الخير.
أجابها بابتسامة واسعة ترتسم على وجهه للمرة الأولى:
- صباحكِ سكر.
ما أن خرج رؤوف برفقة نعمات من الغرفة حتى توجهت نورا إلى خزانة ملابسها محاولة اخراج ثيابها.. بينما تبادل والديها نظرات حائرة.. وارتفع صوت شموس تسأل ابنتها:
- نورا.. ماذا تفعلين؟..
أجابتها نورا بغيظ:
-أجمع ملابسي.. أليس هذا واضحاً؟!!.
سألتها شموس ببرود بعدما تبادلت نظرة ذات مغزى مع عبد السلام:
- لماذا؟..
صاحت نورا بغضب:
- لماذا ماذا يا أمي؟.. لأنني سوف آتِ معكما بالطبع..
سألتها شموس بصبر:
- لماذا تريدين ترك بيتكِ؟.. ماذا حدث؟..
لم تجبها نورا وأخفضت بصرها أرضاً..
كان الدور على عبد السلام ليسألها بنبرة تعرفها جيداً:
- ألم تعطي وعداً لزوجكِ ألا تتركي البيت؟.. وحتى بدون الوعد يا نور القمر, منذ متى تترك بنات الجيزاوي بيوت أزواجهن؟..
صرخت نورا بغيظ:
- وهل تريدني أن أنتظره بعدما يفرغ من الحديث مع جلالتها و..
صرخ بها أبيها:
- نور القمر!.. انتبهي للسانك.. فأنتِ تحدثين والدكِ, وإذا كنتِ لا تنوين الالتزام بوعدكِ فلماذا منحتيه له؟..
لم تعرف نورا بم تجب والدها.. فهي غير قادرة على المكوث في بيته لحظة واحدة وخاصة بعد إدراكها أنها كانت تعيش كضيفة في بيتها.. وأن نعمات كانت تمارس دور سيدة المنزل بكل صلف وغرور.. و... هي الآن مع رؤوف.. معه وحدهما.. في غرفة المكتب.. تحركت بسرعة لتزيح الستائر وتكشف النافذة لتفاجئ بأن نافذته مغلقة..
فصرخت بغيظ وهي تلقي بثيابها بعبث:
- أريد الذهاب الآن.
هم والدها بالصياح بها مرة أخرى إلا أن شموس أشارت له وتولت هي سؤالها تلك المرة وهي تتجه نحو الخزانة مدعية أنها تساعدها في جمع ملابسها التي بعثرتها ولكنها في الواقع كانت تعيد ترتيبها وتعيدها إلى الخزانة مرة أخرى:
- هل تريدين ترك المنزل للأبد؟.. أم لفترة مؤقتة؟.. أخبريني حتى أعد لكِ ما يكفي من الثياب؟..
والتفتت نحوها تسألها باستفزاز:
- هل ستكتفين بالثياب أم ستجمعين كل أشيائكِ؟..
أجابتها نورا بتحدي:
- اجمعي كل شيء..
تصنعت شموس الاستسلام والحزن:
- حسناً.. سأصطحبكِ معي الآن, وسأترك والدكِ ليتفاهم مع رؤوف على طلباتكِ.. فأنتِ لكِ حقوق ولن..
صرخت نورا:
- أمي!!.. أي تفاهم؟.. وأي حقوق تلك؟.. لماذا تتحدثين وكأنني أريد..
قاطعتها شموس بحسم:
- نعم يا نور القمر.. ماذا تريدين؟.. ماذا حدث الآن لتهدمي المعبد فوق رؤوس الجميع.. لقد مر بكما الكثير ومع ذلك تحملتِ بصبر أثار تعجبي وإعجابي معاً..
سألتها نورا مشدوهة:
- أمي.. كيف..؟..
قاطعتها شموس بعدما أشارت لعبد السلام فترك الغرفة لتستطيع الأم التفاهم مع ابنتها:
- كيف عرفتِ؟.. لأنني أمكِ؟.. أم أن هذه إجابة لا تكفي؟.. لأنني كنت أراه يجركِ خلفه في كل مكان وفي عينيه تلك النظرة الجامدة, وفي عينيكِ نظرة عاشقة وراضية.. وأنتِ كنتِ مستسلمة وخاضعة لم تعترضي على ذلك, بل كأنكِ كنتِ تريدين إثبات شيئاً ما.. فماذا حدث اليوم ليثير ذلك الانقلاب الخطير في نفسيتكِ؟..
ثم ضمتها بحنان وهي تسألها مباشرة:
- لماذا كنتِ تبكين يا حبيبتي؟.. عندما وصلنا كنتِ منهارة, ماذا حدث؟..
سالت دموع نورا بصمت:
-إنني لن أحتمل أن أتواجد تحت سقف بيته لوقتٍ أطول..
لم تستطع أن تخبر والدتها بأن ما حدث اليوم كان القشة التي قسمت ظهرها.. التي أظهرت لها عدم جدوى ما تقوم به وما تحاول إيصاله له من مشاعر.. فهو حتى لم يدافع عنها عندما سمع تهجمات نعمات بأذنيه, فكيف تستطيع البقاء معه وهو لا يحترمها.. ولكن رغم كل غضبها منه لم تستطع أن تشوه صورته أمام والدتها التي أبعدتها عن صدرها وهي تسألها:
- هل تريدين تركه؟.. أم تلقينه درس فحسب؟..
فوجئت نورا بفهم أمها لها وحاولت تتكلم عندما قاطعتها شموس:
- لأنكِ في كلتا الحالتين أخطأتِ الوقت.. دعيني أكمل كلامي.. وأسألكِ لماذا الآن؟.. لماذا بعد ما تحولت نظراته الجامدة إلى أخرى تذوب عشقاً.. لماذا بعدما لم يخجل من وجودي ووجود والدكِ وتوسلكِ البقاء؟.. هل أخطأ بالفعل؟.. أم أنكِ تبحثين عن استسلام كامل؟..
غمغمت نورا بحرج:
- أنا..
قاطعتها شموس بحسم:
- أنتِ ستبقين حتى تتحدثي مع زوجك.. وبعد ذلك إذا أردتِ تركه سأنفذ لكِ رغبتكِ.
أومأت نورا موافقة أمها فهي لا تريد ترك رؤوف.. وهل جنت لتترك رؤوفها الجديد.. إنها فقط تريد تلقينه درساً كما فهمتها أمها بفراسة..
*******************
ما أن وطأت نعمات بقدمها غرفة مكتب رؤوف حتى تحركت نحو نافذته تشير نحوها بسخرية:
- لهذا كنت تقضي كل أوقاتك في مكتبك؟ بجانب النافذة..
تجاهلها رؤوف وهو يغلق النافذة ويلف ليجلس على كرسي مكتبه ويتأملها للحظات طويلة وأجابها أخيراً:
-نعمات.. اجلسي من فضلكِ..
- كلا.. أفضل أن أكون واقفة.. وأنا أتلقى الحكم بإعدامي!..
- لا داعي للدراما المبالغ فيها.
صرخت بغضب:
- مبالغ فيها!!.. ألا ترى أنك أخطأت في حقي.. ليس مرة واحدة, بل ثلاث مرات..
وأخذت تعدد على أصابعها:
- أولاً.. أخفيت عني خبر حمل زوجتك.. وثانياً.. اكتشفت أن المنزل الذي أقيم به ملك لضرتي.. وأنا من كنت أظن أنني ملكته المتوجة.. و..
قاطعها رؤوف:
- لقد كنتِ ملكة متوجة في منزلكِ الأول.. ذلك المنزل الذي رفضتِ الإقامة به مخبرة إياي بكل قسوة.. أنه حان الوقت لأنتقل من منزل عمي وأعدُ لكِ منزلكِ الخاص.. كما أعددت واحد لعروسي الجديدة.. هل نسيتِ كلماتكِ؟..
حاولت مقاطعته لكنه لم يسمح لها:
- لقد كنتِ محقة.. بالفعل إنه حقكِ أن أعد لكِ منزل خاص.. ولكننا أقمنا في "منزل عمي" كما تدعين بناء على رغبتكِ التي استجبت لها في ذلك الوقت.. أليس هذا صحيحاً؟..
أجابته بقوة رافضة الموافقة على كلماته:
ـ أنت اعترفت الآن بحقي في منزل منفصل..
- نعم.. وعند زواجي من نورا طلبت منكِ اختيار أي منزل لأشتريه لكِ.. لكنكِ أصررت على أن أشيد منزل من الصفر.. وطلبتِ البقاء في منزلي الجديد.. كنتِ تضغطين عليّ بقوة وتضعيني في موقف حرج أمام عمي وعائلته بأكملها وقبل كل شيء أمام نورا التي ظنت أنني خدعتها, واحتملت أن أظهر في مظهر الرجل الوغد حتى لا تقوم حرب في ذلك المنزل.. وإلى الآن أنتِ ترفضين رؤية الأرض التي سيقام عليها منزلكِ.. فأين أخطأت في حقكِ؟..
أجابته بغضب:
- لقد سجلت المنزل باسمها!.
أجابها ببرود:
- ليس لكِ أن تحاسبيني على ذلك ما دمت سأفعل لكِ المثل.. هل هناك شيء آخر؟..
فوجئت نعمات بكمية البرود التي يتعامل بها.. إنه يعاملها كموظف لديه, فقالت بغيظ:
- وخبر حملها؟..
أجاب بنفس البرود:
- كنت سأخبركِ في الوقت المناسب..
كانت تريد أن تصرخ به وليلة أمس.. وإهدار كرامتي وبعثرة كبريائي في الوحل.. ولكنها بدلاً من ذلك قالت بغضب:
- لقد سمعت إهانتي بأذنيك ولم ترفع ساكناً لتدافع عن كرامتي!.
أجابها بسخرية:
- يبدو أنكِ غفلتِ عن تعليم الزوج الطفل الذي لقنتيه فنون العشق, كيفية الدفاع عن كرامة زوجته..
تراجعت نعمات خطوتين للخلف وقد شحب وجهها بعد إدراكها لسماعه حوارها مع نورا بالكامل, بينما تحرك هو من خلف مكتبه ليتقدم نحوها هامساً بقسوة:
- فقط.. أحب أن أصحح لكِ معلوماتكِ, فرؤوف الذي تظنين أنكِ ساهمت في تكوينه.. لم يكن رجلاً تفتخرين به كما تظنين، كان مسخاً.. مسخ حولته فتاة عاشقة إلى إنسان.. إنسان حي..
غمغمت بضعف:
- رؤوف.. أنا..
عاد لمقاطعتها:
- أنا من سيتحدث.. أنا لن أدخل في لغو النساء.. فكلانا يعلم سبب تهجمكِ على نورا.. وأنا اعتذرت عن ما حدث ليلة امس, ولكن لن أدع نورا تدفع ثمنه.. ما أريد معرفته حقاً.. هل تظنين أن زواجي منكِ كان خطوة لتحقيق طموحاتي؟.. هل تظنين أنني ذلك الرجل الانتهازي الذي لا يعبأ بشيء إلا تحقيق طموحه والاستيلاء على ثروة جده على حساب كل شيء؟..
واجهته بقوة:
- هل تريد إخباري أنك تزوجتني لأنك أحببتني؟.. أنت تزوجتني لتنفيذ أوامر جدك..
وافقها رؤوف بهزة من رأسه:
- هذا صحيح.. ولكني استمريت معكِ لخمسة عشر سنة, ولم يكن ذلك بناء على أوامر جدي.. لقد حملت لكِ كثير من مشاعر المودة والرحمة والاحترام..
- ولكن ليس الحب..
هز رأسه:
- ولكن ليس الحب.. آسف على ذلك.
سألته بألم:
- وهي.. هل..
قاطعها بهدوء:
- هذا شيء يخصني أنا وهي فقط.
همست:
- ولكني أحبــــ..
أوقفها بإشارة من يده.. فبعد سماعه لكلمة الحب على لسان نورا.. بل من قلبها الصادق لم يستطع ترك نعمات تشوه الكلمة بإدعائها حبه.. ليس بعدما تغلغت داخله بنبرتها الدافئة الصادقة..
- كلا يا نعمات.. قد تحملين لي مشاعر عدة.. أشكركِ على الطيب منها.. وآسف إذا كنت السبب في وجود أي مشاعر سيئة داخلكِ.. لكن أي منها ليس الحب.. فما تعلمته مؤخراً.. أن الحبيب لا يلوث سيرة من يحب حتى بالكلمات.. لا يقلل من قيمته.. أو يشوه سمعته.. فلا داعي لترديد كلمة.. تحمل مشاعر سامية.. لكنكِ تطلقينها في وجهي الآن بغرض الضغط عليّ مرة أخرى..
رفعت نعمات رأسها بكبرياء:
- والآن؟..
أجابها بهدوء:
- الآن.. أعتقد أنه من الأفضل.. أن تذهبي إلى قصر الجيزاوي.. حتى يتم تنظيف.. منزلكِ القديم.. أقصد منزل عمي..
سألته بألم:
- هل تطردني من منزلك.. أم من حياتك؟..
أجابها بواقعية:
- إن المنزل ملك لنورا كما أدركتِ.. ووجودكِ في حياتي شيء يعود لكِ.. آسف مرة أخرى على ليلة أمس, صدقاً لم أرغب في إهانتكِ.. ولكن الآن بعد سماعي.. لكلماتكِ عني..
بسط يديه أمامه بعجز وكرر:
- كما أخبرتكِ.. وجودكِ في حياتي شيء يعود لكِ.. وأنا سأنفذ لكِ ما تريدين..
- سأذهب لأعد حقيبتي لأذهب لقصر الجيزاوي.. وسأبلغك بقراري..
تحركت نعمات لتخرج من المكتب بكبرياء وأغلقت الباب خلفها.. وتركته غارقاً في أفكاره.. يتعجب من نفسه وكيف استطاع التحكم في غضبه وخيبة أمله بتلك الطريقة.. كاد أن يواجهها أكثر من مرة أنها كما أضاعت عمرها مثلما تظن معه بدون طفل, هو أيضاً فقد خمسة عشر عاماً من حياته بدون أن يعيشهم فعلاً.. والآن تعصف به تلك السنوات بما تحمله من العديد من المشاعر التي لم يعرفها إلا مع نورا.. ولكنه لم يرد أن تكون مواجهتهما الأخيرة جارحة ومؤذية لهما على السواء.. فكتم مشاعره بداخله وأغلق عليها وهذا ما تعلمه من رؤوف القديم.. أم أنه اعتاد إظهار انفعالاته أمام نورا فقط..
هل يختزن ألمه حتى تريحه هي بابتسامتها الدافئة؟.. وروحها المرحة وأحضانها الحانية؟.. هل آن أوان اعترافه؟.. على الأقل أمام نفسه.. أنه لا يحبها فقط, بل يعشقها.. فأذناه لم تحتملا سماع كلمات الحب من امرأة سواها.. ولم يعد يستطيع إنكار ما يشعر به نحوها, حتى وإن برر لنفسه تغير معاملته لنورا وتحول قسوته السابقة عليها إلى شغف وحنان جارف بسبب حملها ورغبته في توفير مناخ هادئ حولها حتى لا يتأثر الطفل القادم, ولكن تلك ستكون كذبة كبرى... فمعرفته بخبر حملها كانت إشراقة شمس حبه لها.. ليس بسبب الحمل ولكن لإدراكه أن ما يجيش به صدره من مشاعر لم يتأثر بمعرفته للخبر, بل لو زادت مشاعره أكثر من ذلك لأنفجر قلبه حباً وعشقاً لها.. إنه فقط غير قادر على التصريح بهذا.. فهو لم يعرف بعد كيفية التعبير عما يشعر به في كلمات بليغة..
*******************
دخل رؤوف إلى جناح نورا التي وجدها راقدة على الأريكة بين أحضان والدتها التي تملس على شعرها برقة وكأنها تمنحها دعمها وحنانها في نفس الوقت.. تعلقت عينيه بعيني نورا, فوجد آثار الدموع مازالت ظاهرة عليها.. استمر تبادل النظرات بينهما لفترة ألقى بعدها التحية عليهما بهدوء:
-مساء الخير..
ردت شموس تحيته بخفوت بينما ظلت نورا ترمقه بنظراتها وهو يتحرك في الغرفة بتململ فهو لا يعلم ماذا يدور برأسها من أفكار.. لاحظ اختفاء عمه ولكن خالته شموس مازالت متواجدة.. فهل معنى ذلك أنها مازالت مصرة على ترك المنزل.. ارتسمت حيرته في عينيه وهو يسأل شموس:
- هل ذهب عمي؟..
- كلا أعتقد أنه في الحديقة.. سأذهب لأرى إذا كان يحتاج لشيء..
وتركتهما معاً في الغرفة بعدما أطلقت نظرة تحذيرية نحو نورا.. كأنها تحذرها ألا تطاوع جنونها وتهد المعبد... وتهدم كل شيء..
بعد أن خرجت شموس تحرك رؤوف نحو نورا ليركع على ركبة واحدة أمامها ويهمس برقة:
- آسف..
هزتها الرقة التي تغلف نبرته كعادته كلما حادثها بتلك الطريقة... سحب يدها ليطبع قبلة رقيقة عليها ويهمس مرة أخرى:
- آسف..
ثم قلب يدها ليطبع قبلة ثالثة في باطن يدها ويعود لهمسه:
- آسف.. آسف.. لأنني سببت لكِ الحزن وتسببت في نزول دموعكِ..
حاولت نورا جذب يدها من يدها لكنه شد عليها فسألته:
- هل أنهيت كلامك معها؟.
أومأ برأسه قائلاً:
- إنها الآن تعد أشيائها استعداداً للذهاب إلى قصر الجيزاوي.
لم تستطع نورا إخفاء دهشتها وهي تسأله:
- هل ستذهب؟.. هكذا؟..
أجابها بإيماءة من رأسه.. ثم مد أنامله ليرفع ذقنها ويواجه عينيها متسائلاً:
- هل مازلتِ مصرة على ترك المنزل؟..
سالت دموعها وهي تسأله:
- كيف تركتني أعيش غريبة في بيتي؟..
- وهل أشعرتك يوماً بالغربة؟..
رمقتة بنظرة لائمة.. فأخفض بصره وهو يخفي عينيه عنها:
- أدري أنني آلمتكِ كثيراً, وأنكِ تفهمتني واحتويتِ هواجسي وأشباحي.. وأنني رددت ذلك بمزيد من الألم لكِ.. فهل أطمع بقليل من التفهم منكِ الآن..
ازدادت دموعها انهماراً وهي تتذكر ما مرت به معه فنزل على ركبتيه معاً ليستطيع ضمها لصدره فهمست له:
- لقد آلمتني كثيراً.. وابتعدت وقسوت و..
قاطعها بحنان:
-واقتربتِ أنتِ أكثر وأغرقتني بحنانكِ ورقتكِ.. وأربكتِ سنواتي الخمسة والثلاثون.. وقلبتِ حياتي رأساً على عقب..
ونظر في عينيها:
- ومازلتِ تفعلين..
لم يجاوبه سوى دموعها التي مازالت تنهمر.. يدرك أنها قدمت كل ما لديها والآن تنتظر منه ما يقابل عطائها له.. وهو يحاول جاهداً.. ولكن يبدو أنه لم يحقق أي نجاح.. فقرر تفسير الأمور العالقة أولاً.. على الأقل حتى تهدأ قليلاً وتتوقف عن البكاء وبدأ بأمر المنزل:
- نورا.. أنا لم أستطع إخباركِ بأمر المنزل.. فهي طلبت منزلاً خاص بها أيضاً.. ولم يكن من العدل أن أعلن عن ملكيتكِ لهذا المنزل قبل أن أخصص لها منزلها.. تلك كانت قناعاتي.. ولم أرغب يوماً في تعريضكِ للأذى..
لم تعرف كيف تعارضه وهو يحدثها بمنطقه هذا, لكنها لم تستسلم:
-إن أبي كان على علم بأمر المنزل.. أخبرته ولم تخبرني.
- لقد علم عمي لأنه كان موجوداً لتسجيل العقد باسمكِ بموجب التوكيل الذي منحته له أنتِ وشقيقاتك.. ولم يخبركِ لأنني أردت أن أقدم لكِ مفتاح المنزل كهدية زواج.. ولكن كما أخبرتكِ.. ما حدث من نعمات تسبب في تأجيل ذلك قليلاً...
أدركت أنها لا تستطيع هزيمة منطقه فيما يختص بأمر المنزل.. والذي حسم الآن بخروج نعمات منه.. للأبد.. فعادت تهاجمه حول ما يؤرقها بالفعل:
- وسكوتك عندما أهانتني بتلك الكلمات الرهيبة؟..
صمت رؤوف قليلاً ثم تحرك مبتعداً عنها لينهض على قدميه ويتجه نحو النافذة يتأمل الفراغ بشرود ثم التفت إليها قائلاً:
- نورا.. كوني منصفة لقد كانت الإهانات كلها موجهة لشخصي.. هي فقط قررت استخدامكِ في الهجوم عليّ.. وأنا آسف لذلك فأنا أعلم كم كانت كلماتها مؤلمة وجارحة.. لقد أردت إيقافها عن مهاجمتك.. صدقاً.. أردت التدخل.. ولكني عجزت قدمي عن الحركة أمام كمية الإهانات والاتهامات التي كانت تلقيها على رأسي..
شعرت نورا بمقدار الألم الذي يقطر من حروفه.. يا الهي إنه يتألم بشدة.. لأول مرة تلحظ الألم الحزين في عينيه منذ دخل الغرفة وهي من فسرت نظراته على أنها غضب.. ولكنه لم يكن غاضباً.. كان مصدوماً ومتألماً.. وهي غير قادرة على تقديم الراحة له.. كيف يمكنها وهو يتألم بسبب كلمات امرأة اخرى..
سألته وهي تحاول التحكم في الغيرة التي تعصف بها:
-هل أزعجتك كلماتها؟..
ضحك بمرارة:
- أزعجتني!!.. نورا.. بالله عليكِ هل تظنين أنه من السهل عليّ سماع تلك الكلمات بعد خمسة عشر عاماً من الزواج؟!..
لاحظ ترقرق الدموع في عينيها فاقترب منها بسرعة:
- يا إلهي.. أنا لا أتسبب إلا في زيادة آلامكِ.. بالله عليكِ لا تبكي, فأنا لا أتحمل أن أراكِ تبكين..
سألته من بين دموعها:
- هي محقة إذاً.. ما بينكما عميقٌ جداً.. لن يمكنني أن أصل إليه يوماً..
أمسك كتفيها بيديه وهو يريح جبهته فوق جبهتها.. وهو يهمس بحرقة:
-أتعلمين.. ربما استغرق الأمر خمسة عشر عاماً من الزواج لأصبح ذلك الزوج الذي كانت تتشدق بأنها من ساهمت في إيجاده.. ولكن.. بفضل امرأة استثنائية تحول ذلك الزوج إلى رجلٌ عاشق.. وذلك ما حدث فقط في خمسة شهور..
ساد صمتٌ تام بعد اعترافه ذاك.. هل هو اعتراف بالفعل؟.. ماذا يعني؟.. هل هو عاشق لها؟.. لماذا لا يصارحها بكلمات واضحة بدلاً من تلك الكلمات المراوغة؟.. ارتسمت حيرتها في عينيها وهي ترفعهما إليه.. فأجابها بهمس:
- رفقاً بــــرجل مازال يتحسس طريقه في عالم المشاعر وأبجديات الغرام..
همست برقة وهي تحيط عنقه بذراعيها:
- يا إلهي...
كان جوابه عليها قبلة رقيقة على شفتيها وهو يقربها من صدره بقوة ويرفعها بين ذراعيه ليعمق قبلته أكثر.. وأكثر.. وهي تبادله قبلته التي شعرت بها مختلفة عن كل قبلاتهما السابقة.. كانت أكثر رقة.. أكثر عذوبة.. أكثر حناناً وروعة..
شعرت به يضعها برفق على فراشها وهو مستمر في تقبيلها على شفتيها ووجنتيها وجفونها وهي مستسلمة تماماً له.. ذائبة فيه وهو يبثها مشاعر مختلفة عن كل ما جمعهما من قبل..
طرقات خفيفة على الباب أبعدته عنها.. وطرق مسامعهما صوت شموس:
- نورا!!!..
غطت نورا وجهها بكفيها وهي تعتدل جالسة في الفراش محاولة تغطية ما كشفه رؤوف من جسدها وهي تقول بذهول:
- يا الهي.. أمي!.. وأبي أيضاً!... كيف نسيتهما؟!!..
همس باستمتاع وهو يلمس شفتيها المتورمة والتي تظهر بوضوح ما كان يفعله بها:
- ألا تعلمين كيف نسيناهما؟!!.
ضربته على كتفه بغيظ وهي تصيح به:
- تحرك وارتدي قميصك قبل أن تدخل أمي علينا..
كاد أن يجيبها بتعليق مستفز آخر عندما دوي صوت شموس من خارج باب الجناح وهي تقول بحرج:
- نورا.. هل مازلتما بالداخل؟..
تحرك رؤوف بسرعة وهو يغلق آخر أزرار قميصه.. وهمس لها:
- سوف أخبر والديكِ أنكِ باقية في منزلكِ..
ابتسمت له برقة وهي تسوي من هندامها فتحرك هو ليفتح الباب لشموس التي لاحظت مظهره المرتبك والغير مرتب وعلى الفور أدركت أن ابنتها تعقلت وأن حياتها ستستقر أخيراً.. خاصة بعدما لمحت الخدم ينزلون عدة حقائب خاصة بنعمات..
لم تتمالك شموس نفسها وألقت السؤال الذي يثير فضولها:
- نعمات ستترك المنزل, أليس كذلك؟.
أجابها رؤوف ليطمئنها على نورا:
- نعم.. ستقيم مؤقتاً في قصر الجيزاوي.. كما أن نورا باقية في منزلها..
سألته شموس بعملية:
- هل نصطحب نعمات معنا إلى بيت عمي؟..
لمح رؤوف نعمات تتحرك على الدرج الداخلي للمنزل فأجاب:
- أعتقد أنه من الأفضل أن أقوم أنا بإيصالها..
جاءت نورا لتقف بجوار رؤوف واستمعت لكلماته الأخيرة فوافقته:
- نعم يا أمي.. أعتقد أنه من غير اللائق أن يتركها رؤوف تذهب معكما.. فهذا ليس من طبعه..
رمقتها أمها بإعجاب وفي داخلها تتساءل لماذا لا تملك سهير بعض من ذكاء وقوة نورا.. أو هي تمتلكهما ولكنها تخشى استخدامهما...
ربتت شموس على كتفي نورا واقتربت منها لتحتضنها:
- بارك الله لكِ يا نورا وأسعدكِ يا بنيتي..
ما أن ابتعدت شموس عن ابنتها حتى اقتربت نعمات بهدوء من وقفتهم وهي تخبر رؤوف ببرود:
- سوف أذهب الآن إلى قصر الجيزاوي..
-حسناً.. سأصطحبكِ إلى هناك.
أجابت بنفس برودها:
- لا داعي.. لقد اتصلت بعمي عبد الرؤوف وأرسل لي السيارة لتصطحبني بالفعل..
فوجئ رؤوف بحركتها تلك.. ولكن بعدما سمعه منها اليوم لم يعد يستبعد أي شيء.. حتى ما قامت به الآن لتظهره كالنذل الذي ألقى بها في الطريق.. هز رأسه بعجب.. وأظهرت نظراته لها أنه بات يفهم تصرفاتها تماماً.. وأجابها ببرود مماثل:
- حسناً.. كما تريدين..
منحته نظرة أخيرة.. ثم تحركت لتخرج من البيت تحت نظرات شموس التي تنهدت براحة بينما أمسكت نورا بكف رؤوف في مؤازرة خفية.. فالتفت إليها وأحاط كتفيها بذراعه في اللحظة التي دخل والدها إلى المنزل ورأى نورا محاطة بحماية زوجها فتبادل نظرات الراحة مع شموس وهو يلقي بالتحية على رؤوف..
- سوف نذهب الآن يا رؤوف.. اعتني بنورا جيداً..
أومأ رؤوف برأسه:
- لا تقلق يا عمي... أنت تعلم أنها في أمان.
غادرت شموس مع عبد السلام بعد أن تبادل بعض الكلمات مع رؤوف وفهم ما حدث تقريباً مع نعمات وطمئن رؤوف بأنه سيحاول شرح الوضع لكبير العائلة..
وما هي إلا ثواني بعدما دخلت نورا إلى جناحها حتى وجدت نفسها تطير في الهواء لتكتشف أنها محمولة بين ذراعي رؤوف ليصطحبها في رحلة عشق طويلة استغرقت معظم ساعات الليل.. لتستيقظ بين ذراعيه وهو يتأملها بشغف.. فغمغمت بخجل:
- صباح الخير.
أجابها بابتسامة واسعة ترتسم على وجهه للمرة الأولى:
- صباحكِ سكر.