رواية شظايا قلوب محترقة الفصل التاسع 9 بقلم سيلا وليد
أتدري ماهوَ الخُذلان؟..
الخُذلانُ أن يأتيَكَ الرُمحُ من داخلِ سورِ قلعتِكَ وأن تُهزمَ من جيشِكَ الأوَّل..
كطفلٍ هرولَ إلى أمُّهِ باكيًا…فتلقَّى صفعةً ليكُفَّ عن البُكاء..
+
واللهِ إنَّهم لم يُخطِئوا بانشغالهِم عنَّا…
بل نحنُ من أخطأنا عندما انتظرناهُم ..
اشتقتُكَ بقوَّةٍ تذيبُ قلبي عِشقاً وحَنيناً..
اشتقتُكَ بلهفةٍ لم أعرِفُها إلَّا معَك..
لذلكَ تَستحقُّ بعضَ المشاعرَ أن تُدفنَ بالأعماقِ كي لايُهانُ القلبُ بها ...
+
صرخت وصرخت تضمُّهُ بانهيار ..وصلَ أرسلان مع أحدِ أفرادِ الأمنِ وقاما بحملهِ متَّجهينَ إلى السيارة..ساعدها أرسلان بالوقوف:
لو سمحتي يامدام ساعديني علشان ننقذُه مش وقتِ بُكى...
تحرَّكَت بجوارهِ وعيناها تتابعُه، إلى أن جلست بجوارهِ بالسيارةِ تضمُّ رأسهِ وتملِّسُ على وجهِه.. انحنت تضعُ رأسها فوقَ جبينهِ تهمسُ ببكاء:
إلياس افتح عيونَك، حبيبي متعقبنيش كدا...قادَ أرسلان السيارةَ بسرعةٍ مهولة، وقامَ بمهاتفةِ إسحاق:
عمُّو..إلياس السيوفي مضروب بالنار، غرفة عمليات جاهزة بسرعة رصاصة بالبطن، رقم العربية هبعتهولَك، تعرَف تبع مين، حرَّك الجهة المسؤولة تبعنا عايز العيال دي قبلِ خروجُه من العملية ياعمُّو..
تمام ..هوَّ عامل إيه إصابتُه خطيرة؟..
نظرَ لانعكاسِ صورتهِ بالمرآة، وتعلَّقت عيناهُ للحظاتٍ بميرال مردفًا:
خير إن شاءالله..قالها وأغلقَ الهاتف.
+
عندَ فريدة:
استيقظت من نومِها فزعةً وضعت كفَّها على صدرها تستعيذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيم، نفضت نفسها ونهضت متَّجهةً إلى غرفةِ ميرال، قابلتها غادة تحملُ كوبَ قهوتها، توقَّفت بعدما وجدتها بتلكَ الحالة، حافيةَ القدمين، ومنامةً تصلُ إلى الرُكبة، لأوَّلِ مرَّة تخرجُ خارجَ غرفتها بمثلِ تلكَ الثياب…
ماما فريدة!!..التفتت إليها تتساءلُ بنغزةٍ تخترقُ قلبها:
ميرال كلِّمتِك، عملت إيه هيَّ وإلياس؟..
تحرَّكت تسحبُ كفَّها:
إهدي حبيبتي، أكيد زمانها قابلتُه، مسحت على وجهها، تنظرُ إلى غادة:
قلبي وجعني يابنتي، خايفة إلياس فعلًا يطلَّقها ودي مجنونة بحبُّه يعني ممكن تعمل حاجة في نفسها..
أومأت موافقةً ثمَّ أردفت:
إلياس سكوتُه مش مريحني، وخصوصًا بعدِ ماساب البيت، تفتكري ناوي ياخدها هناك علشان يعاتبها ياماما؟..أنا خايفة يقسى عليها..
+
تنهَّدت بآلامِ قلبها تمسِّدُ على صدرها:
هوَّ من جهة هيقسى فهيقسى فعلًا، ومش بس قسوة راجل مجروح في رجولتُه، راجل عايز ينتقم ..ربِّنا يُستر..رفعت رأسها إلى غادة ورسمت ابتسامةً حزينةً قائلة:
عارفة…رغم عارفة أنُّه هيقسي عليها بس متأكدة أنُّه هيحميها ومش هيقدَر يقسى كتير، هوَّ ممكن درس صُغنَّن..
ضحكت غادة تضربُ كفَّيها ببعضهما:
إيه ياستِّ ماما ماترسي على حل هيقسى ولَّا لأ، بس متزعليش بنتِك تستاهِل…
تغضَّنَ وجهها رافضةً حديثها:
بُصي..ميرال غلطانة على الطلاق، بس إلياس ميتوصَّاش في قلبتها..
ضحكت بصوتٍ مرتفعِ قائلة:
ياحبيبي ياخويا، حماتَك بتحبَّك ..ملَّست على خصلاتِها تضمُّها لأحضانِها:
وبحبِّك إنتِ كمان، أنتوا النور اللي جاني بعد سنين ظلام وقهر..اعتدلت غادة تمسحُ دموعها وهتفت:
طيِّب بتعيَّطي ليه دلوقتي؟!..واللهِ أنا بحبِّك أوي، حتى بحبِّك أكتر من البتِّ ميرال..
ابتسمت بحنانٍ أمومي:
بكَّاشة أوي يادودي..
واللهِ أبدًا ياماما، أنا بعتبرِك أمي أصلًا، إيه إنتي مش معتبراني زي ميرال ولَّا إيه؟..
قبَّلت جبينها واحتضنت وجهها:
مين يقدَر يقول غير كدا ياقلبي، إنتِ بنتي مش إنتِ بس وإسلام وإلياس.
إلياس !!
رغم اللي عملُه فيكي وفي ميرال لسة بتعتبريه ابنك!..
دا قلبي وروحي ياغادة، أجمل نعمة ربِّنا رزقني بيها، عمري ماأزعل منُّه يابنتي، ربنا يباركلِي فيه ويحفظُه ويبعد عنُّه كلِّ سوء.
أوبااا دا كلُّه لإلياس وأنا نو دعوة حتى دعوة أنام شوية قبلِ نكد ميرال مايوصَل..
إزاي بقى دا إنتِ روحي ياصغنَّنة، اتصلي بأخوكي كدا وشوفيه فين..
هزَّت رأسها بالموافقةِ وقامت بمهاتفتِه، ولكن لا يوجد رد ..
مابيرُدش ..طيِّب اتصلي بميرال طَّمني قلبي وجعني ربِّنا يستر..
قامت بمهاتفتِها مرَّةَ أخرى ولكن كالعادة لا يوجد رد..
ذهبت بشرودِها تهمسُ لنفسها:
ياترى ناوي على إيه يابنِ جمال، ممكن تطلَّقها فعلًا ولَّا قلبَك هيعاندَك وتتراجع
أتمنَّى تتراجِع ياإلياس علشان متخسرهاش..
+
وصلَ مصطفى إليهما:
فريدة صحيتي إمتى، نهضت متَّجهةً إليه:
لسة من شوية حبيبي..ابتسمَ إلى غادة ثمَّ حاوطَ أكتافها وتحرَّكَ بها إلى غرفتهما:
تعالي ارتاحي، ضغطِك كان عالي تعالي نشوفُه نزل ولَّا لسة..
جلست على الفراشِ واحتضنت ذراعهِ تجذبهُ ليجلسَ بجوارِها:
أنا كويسة، إنتَ عامل إيه دلوقتي؟..
تمدَّدَ على الفراشِ وسحبها لأحضانه:
إيه رأيِك نسافر حجّ السنة دي، كلِّ سنة بنأجِّل، يمكن لمَّا نروح هناك وندعي لولادنا ربِّنا يهديهُم..
أغمضت عينيها تهمسُ بنبرةٍ حزينة:
عايزة ابني يرضى عنِّي وبس يا مصطفى، نفسي أخدُه في حضني أوي..
اعتدلت تنظرُ إليهِ وتابعت قائلة:
إلياس موجوع أوي يامصطفى، قلبي حاسس بيه، بس مش قادرة أهوِّن عليه، مشفتوش وهو هيتجنِّن عليها، بيحبِّ البنتِ أوي بس أنا عقَّدتُه، نفسي يعرَف الحقيقة..
+
مسَّدَ على وجهها وهتفَ بصوتٍ حاني:
إن شاءالله هحاول أمهدلُه، المهمّ فين ميرال، الجريدة الجديدة دي مش حلوة ولازم تستقيل منها، شغَّالين أخبار صفرة..
يعني إيه؟!
ربتَ على كفِّها وتحدَّثَ بنبرةٍ مُطمئنة:
متقلقيش أوي كدا، يعني أخبار كاذبة، مش عايزها تدخل في صدام مع إلياس، أنا بحاول أضغط عليه علشان يقولِّي إيه اللي حصل بينُه وبين ميرال ومرجَّعه بالطريقة دي..
مصطفى إلياس اتصل بميرال علشان يطَّلقوا، أنا عندي أمل يغيَّر رأيُه..
إنتِ بتقولي إيه، اتجنِّن دا، أنا سايبهُم قولتِ مستحيل يعمِل حاجة..قاطعهم رنينَ هاتفه:
أيوة ..على الجانبِ الآخر:
شهقاتٌ مرتفعةٌ ولم تستطع السيطرة على بكائِها، عمُّو إلياس ، إلياس ..قالتها بانهيارٍ تام ..ابتعدَ مصطفى عن فريدة وقلبهِ اشتعلَ من الخوفِ مردِّدًا بتقطُّع:
مالُه إلياس حبيبتي، عمل فيكي حاجة؟..
هزَّت رأسها مع ارتفاعِ شهقاتها:
إلياس بيموت ضربوه بالنار..
+
أُصيبَ جسدهِ بهزَّةٍ عنيفةٍ حتى لم يستطعَ الوقوف، فجلسَ على المقعدِ يردفُ بتقطُّع:
بتقولي إيه، إلياس انضرب بالنار!..
هبَّت فزعةً من مكانِها مقتربةً منهُ بجسدٍ ينتفضُ رعبًا:
مالُه إلياس يامصطفى..ابني ماله؟..رفعَ عينيهِ إليها وتجمَّعت سحبُ عينيهِ تحتَ أهدابه، نظراتٌ بضعفِ النبضِ حتى صلبَ جسدهِ متوقِّفًا بصعوبة، وأشارَ إليها:
البسي لازم نروح المستشفى حالًا..
أطبقت على ذراعيهِ تنظرُ بمقلتيه:
ابني عايش يامصطفى، قولِّي وريَّح قلبي ..احتضنَ رأسها ودمغَ جبينها بقبلة:
إن شاء الله حبيبتي، إن شاءالله عايش..
بالمشفى من أمامِ غرفةِ العمليات، جلست على المقعدِ تنظرُ بشرودٍ بنقطةٍ وهمية، اتَّجهَ إليها بعدما وجدَ حالتها:
مدام، إن شاءالله هيكون كويس، مازالت على وضعها لا تسمعُ لاترى لا تتحدَّث، وصلَ مصطفى بوقوفِ أرسلان بجوارِها، فين وإيه اللي حصل، بينما فريدة التي استندت على الجدارِ وهي تراهُم يُخرجونَهُ من غرفةِ العملياتِ متَّجهينَ بهِ للعناية، تحرَّكَ فراشهِ وهو كالجُثَّةِ الهامدةِ لا حولَ لهُ ولا قوَّة، همست بتقطُّع:ابني..قالتها ثمَّ هوت على الأرضية، ليصرخَ مصطفى باسمِها، مع هرولةِ أرسلان إليها الذي قامَ بحملِها بوصولِ أحدِ المسعفين، وتمَّ نقلها إلى غرفةٍ لفحصها…
1