رواية هويت رجل الصعيد الجزء الثاني الفصل السابع 7 بقلم نور زيزو
الفصل السابع (7)
__ بعنوان “الخصام لا يليق بك” __
تقدمت “عليا” بخطواتها على الرمال مُبتسمة بعفوية على زوجها اواقف هناك ينظر إلى شاطي البحر حتى وصلت امامه ثم قالت:-
-كل دا بترد على التليفون
نظرت لوجهه وكان “عمر” مهمومًا وكأنه يحمل على عاتقه الكثير من المشاكل والأعباء فألتفت لكى تقف أمامه بدهشة ثم سألت بقلق:-
-في أيه؟
هز رأسه بلا دون ان يتفوه بكلمة واحدة فسألت بهدوء قائلة:-
-كنت بتكلم مامتك صح؟
أبعد نظره عن البحر المظلم تحت عتمة الليل وضوء القمر لينظر إلى وجه زوجته صامتًا فقالت بجدية:-
-يبقى كنت بتكلمها بس عمومًا أنا مش عايزة أعرف هي قالت أيه عكر مزاجك بس أنت لازم تعرف أنى مش هكرر غلطتى مع نادر تانى ومش هقولك اللى يحبنى يحبنى واللى يكرهنى يكرهنى، خلينا في إجازتنا ولما نرجع أنا هحل كل المشاكل دا وهعمل المستحيل عشان ترضي عني وتقبلنى زوجة ليك
تبسم بلطف إليها لتقول بعفوية:-
-لكن دلوقت خلينى أوريكى حاجة جميلة هتريح قلبك وتنسيك كل الهموم
جعلته يجلس على شاطي البحر فوق الرمال ثم نزعت الحذاء الخاص بها وأبتعدت قليلًا بعد أن أشغلت الموسيقى على هاتفها وبدأت ترقص الباليه على الموسيقى أمام نظره له وحده وكانت كفراشة تتطاير بحرية أمامه وكما قالت شيء جميل يذيب القلب عشقًا بدأ السياح الأجانب وهكذا المصريين مثلهم يتجمعوا حوله ليقف بعفوية وبدأ الجميع يشاهدوها بأنبهار وسعادة فأخذ عامل الكافتريا الهاتف ووضعه على مكبر الصوت وكأنها تقدم عرض للجميع لكنها لم تعري أهتما لوجود شخص أخر سوى زوجها، تضرب الرمال بأصابعها وتدور ليدور فستانها الأبيض المليء الورود معها وشعرها يتطاير مع حركاتها، تسارعت نبضات قلبه عشقًا لهذه المرأة التي تشبه الطير الذي حلق في السماء فلن يفهمها الكثير وأن الباليه هو حياتها وبدونه كطير سجين القفص، على أطراف أصابعها ترقص بمهارة حتى وصلت لمياه البحر وبدأت تتغلغل بين أصابعها وتبلل فستانها من الأسفل وبعد أن أنهت رقصتها توقفت ليصفق الجميع لها فتقدمت بخطوات ثابتة خجولة نحو زوجها بعد أن توردت وجنتها لون الدم الذي تتدفق إلى رأسها ورحل الجميع، رفعت نظرها إليه ليقول بهمس:-
-مكنش جميل بس أنتِ عدتي كل وصف الجمال، أنا بحبك
لم تجيبه بل تقدمت خطوة أخيرة تفصل بينهما ثم لف ذراعيها حول خصره ووضعت رأسها على صدره وقالت بجدية رغم دفء نبرتها:-
-أنا هحل كل حاجة يا عمر ومش هخسرك أبدًا أطمن
أومأ إليها بنعم وهو يطوقها بذراعيه...
___________________
كانت “أسماء” جالسة على الفراش بالمستشفى ورأسها ملفوف بشاش طبي وتنظر للنافذة على ضوء النهار وأشعة الشمس شاردة وتشعر بغرابة في عقلها وكأنه فارغ تمامًا لا تعرف شيء وكأنها طفل مولود من جديد، أقترب “فاتن” منها لتضع طاقية من الصوف فوق الجرح على رأسها وشعرها مُنسدل من أسفلها ففتح الباب ودلف “نادر” مع الممرضة وقال:-
-صباح الخير
-صباح النور يا ولدى
قالتها “فاتن” ولم تلتف له “أسماء”، وقف جنبها وسأل:-
-عاملة أيه النهاردة يا أنسة
لم تجيبه فنظر إلى الممرضة بحرج من تجاهل هذه المريضة له هكذا كلما جاء ليطمئن عليها فأقترب منها ليرفع عنها الطاقية لكنه صُدم عندما دفعت “أسماء” يده بضيق وقالت بأختناق:-
-أيه التلزيج دا أنت مش لسه كاشف الصبح
شهق بسخرية وخرجت منه ضحكة ساخرة وهو ينظر إلى الممرضة وهكذا والدتها وقال “نادر” بضيق:-
-تلزيج أيه وهتلزج فيكي ليك من جمالك مش جادر على بعدك
رفعت حاجبها إليه بضيق وقالت باشمئزاز:-
-والله أسأل حالك عمال كل نص ساعة تنط هنا كيف البرص ومعرفش أرتاح منك هبابه
أقتربت “فاتن” بحرج شديد من عدوانية أبنتها على طبيبها وقالت:-
-أسماء
بينما أتسعت عينيى “نادر” على مصراعيها من هذه الفتاة الغليظة ثم قال بحدة:-
-برص!!
أجابته بأختناق سافر مُنفعلة بشدة:-
-وعايز يضرب بالشبشب كمان
كاد أن يغادر غاضبًا لكن أستوقفه صراخها من الألم وهى تمسك رأسها بيديها بسبب أنفعالها فهرع نحوها ليفحصها وجعلها تنام بالفراش وبعد الفحص دون لها العلاج في الورق وأعطاها للمرضة مع بعض التعليمات وغادر الغرفة صامتًا بعد أن غفوت في نوم من التعب والألم الشديد التي لم تتحمله .....
خرجت “فاتن” خلفه وقالت:-
-يا داكتور
ألتف “نادر” إليها وقال:-
-تحت أمرك
-أنا أسفة والله على اللى عملته بس هي من الوجت اللى فاجت فيه وهى عدوانية أكدة مع أي حد وعلى طول بتتخانج مع الكل
أومأ إليها “نادر” بتفهم وقال بنبرة عفوية:-
-حصل خير أنا مٌتفهم حالتها وأنها حاسة بالغرابة من نفسها ومخابرش حد من اللى حواليها وأنها شايفة أن دى الطريجة الوحيدة اللى هتساعدها على حماية نفسها وفراغ عجلها، أن شاء الله تتحسن وتكون بخير ..عن أذن حضرتك
___________________
أخذت “عهد” الكوب من يد “على” بعد أن أخذ الأدوية الخاصة به وكادت أن تغادر فأستوقفها صوته وهو يقول:-
-نوح مزعلك ولا أيه؟
ألتفت إليه بحزن بعد أن ذكر اسم ابنه وزوجها الغليظ فقالت بضيق:-
-هو أنا بشوفه عشان يزعلنى، تخيل أبنك الغليظ من أمبارح الصبح مشوفتش وشه وحتى الصبح نزل جرى على الشغل من قبل ما أصحى بيعلمنى الأدب عشان بتخانق معه فقالك لا والله ما شايفاها خالص خليها تتعلم الأدب وسايبنى هنا أكل في نفسي وناسي أن كل الحالة السلبية اللى معيشنى فيها دى هتأثر على البيبى بس لا أزاى هو أنا مهمة ولا ابنه مهم دا لو مأجرنا بالساعة كان هيعاملنا احسن من كدة أو على الأقل هيتصل يطمن علينا تخيل أنه متصلش بيا أمبارح طول النهار وهو فى الشغل والنهاردة أهو نفس الحال فاكرنى هموت من غيره وهيوحشنى لا خالص ولا هعبره أنا عندى كبرياء
كان “على” يكتم ضحكاته جاهدًا وهو يستمع إليها وكأنها قنبلة كانت تنتظر أن يضغط أحد على الزر لتنفجر وهو قد فعل بسؤاله فأنفجرت في وجهه لتتابع الحديث بعناد وقد أوشكت على البكاء:-
-بس هو بيوحشنى فعلا.. لا لا لا مبيوحشنيش ومش هتنازل عن كرامتى اللى هو عمال يدوس عليها هو فاكر عشان بحبه هيضغط عليا بس يا أنا يا هو ونشوف مين فينا اللى نفسه طويل بقى
فُتح باب الغرفة ودلف “نوح” ليراه “على” وهى تقف تعطيه ظهرها وتكمل حديثها دون ان تنتبه لوجوده وترفع يدها بتهدد وتغلق قبضتها كأنها تعتصر “نوح” بين قبضتها الصغيرة هذه قائلة:-
-وغلاوتك عندي يا بابا لأقطع نفسك أبنك الغليظ دا وأنتقم منه على اللى بيعمله فيا دا
قطعها “على” بقلق مُحاولًا تنبيها بأن هذا الزوج يقف خلفها ويستمع لهرائها:-
-بس يا بنتى..
أشار “نوح” له بأن يصمت ويتركها تكمل حديثها في حين أنها كانت تتابع هذه الحديث قائلًا:-
-كل دا عشان مستكتر يقولى متزعليش وفيها أيه لما أكون غلطانة ويقولى متزعليش ويصالحنى مرة هيموت يعنى ولا هينقص 5 كيلو ما ينقص ما هو مربي ليا عضلات قد كدة فدايا أنا وابنى خمس كيلو يخسهم
أتاها صوته القوي يقول ببرود:-
-لا عشرة كيلو
أبتلعت بقية حديثها قبل أن تتفوه به من الصدمة وأرتعت يدها بخوف فأشارت إلى “على” قائلة بتلعثم:-
-هو سمع ؟
أومأ إليها بنعم فأزدردت لعابها الواقف في حلقها بقلق ثم ألتفت إليه تجمع شجاعتها باصطناع وقالت:-
-حتى لو 15 فدايا دا لو بتحبنى بس واضح أنك لا بتحبنى ولا نيلة وكل دا كدب وأوهام
قالتها وغادرت فكاد “نوح” أن يفقد أعصابه وهو يخرج خلفها ليوقفه “على” بجملته قائلة:-
-بالهداوة يا ولدى
أغلق باب الغرفة وسار خلفها في الرواق حتى وصل جوارها وأخذ الكوب من يدها ووضعه على البوفيه الموجود جانبًا وجذبها إلى الغرفة بقوة لتتفوه بكلماتها بضيق منه قائلة:-
-براحة يا نوح هتوقعنى
مر من أمام غرفتهما به ولم يدخل فتعجبت ليدخل بها إلى الغرفة المجاورة لغرفتهما وفتح الأضواء لتتسع عينيها بذهول على مصراعيها وفتحت فمها مما تراه وكانت الغرفة عبارة عن أستوديو للتصوير هناك أمام الباب مقعد كرسي ليزى بوى بالكهرباء باللون الأسود والغرفة مقسومة لنصفين بحاجز زجاجى كبير يمنع الضوضاء وبداخلها كانت أدوات التصوير الخاصة بها وأكثر، معدات جديدة وثمينة السعر أم عن الجزء الخارجي كان به مكتب وعليه اللاب توب الخاص بها وخلف المكتب مكتبة خشبية تحمل الكثير من الكتب الذي نقلها من غرفتهما إلى هنا وقد أعد الغرفة لتكن أستوديو إليها لتمارس عملها دون أي أعاقة، كانت تتطلع “عهد” بكل زواية في الغرفة حتى شعرت به يهمس في أذنيها بعد أن أنحنى بظهره قليلًا ليكن بمستواها يقول:-
-أنا أقسمت على عشقك يا عهدي كيف تجولى أنه أوهام
ألتفت إليه لتلف ذراعيها حول عنقه وهو مُنحنى كما هو لتقول:-
-وأنا بحبك يا نوح بعمرى كله وبعدد أنفاسي من يوم ما تولد وقد كل قطرة مياه موجودة في العالم وبعدد كل البشر والكائنات اللى أتخلقت على الأرض وبعدد كل نبضة قلب بدق في قلبى بتصرخ باسمك أنت وبس
همس إليها ويديه مُتشابكة خلف ظهره كما هو ولم يتحرك له ساكن هاتفًا:-
-يعنى جبلتى أعتذارى ومزعلناش ولا لسه برضو شايفة أنى مستكتر أجول أسف
رفعت يدها إلى مؤخرة رأسه وأصابعها تغلغل في خصلات شعره الخلفية بحب ثم قالت بحب:-
-أنت عارف أنى على طول مسامحاك وعمرى ما بزعل منك، أنا بناقرك يا نوح حُب
أطلق العنان ليديه من خلف ظهره لتلف حول خصرها فتبسمت وهى تشعر بيديه تطوقها ودفنت رأسها في كتفه ليقول:-
-متزعلش يا حبيبة قلبى لو زعلتك في يوم بكلمة ولا أتاخرت عليكى في يوم سهرتى مستنيني فيه
أخرجت نفسها من بين ذراعيه لتنظر بعينيه بعيني دافئتين ثم رفعت يدها إلى وجنته تداعب لحيته هذه الحركة التي غُرم بها وعشقها حد الموت منها فقد هذه الحركة تذيب قلبه وعقله وتقتل كل المشقات وترفع درجة حرارة الحب بقلبه وكيانه، حدثته بلطف شديد تقول:-
-أنا مستعدة أستناك عمرى كله يا نوح لا هتعب ولا همل وكل لحظة أنتظار بتمر علي مستنياك فيها بيزيد شوقي لك
-ربك يعلم يا عهدي أنا بتوحشك كيف في كل مرة بنزل من الدار وبكون عامل كيف لحد ما أرجع وضحكة واحدة منك بالعالم كله عندى
تبسمت بعفوية لأجله فقال بحب:-
-أيوة أكدة متخلنيش أشوفك من غير ضحكتك دى، يلا ههملك تشوفي شغلك وهروح أقابل الناس اللى مستنينى في المضيفة على ما تخلصي
-بس أنت كدة دفعت فلوس كتير أوى
تبسم إليها وبعثر غرتها الطويلة بلطف قائلًا:-
-أعتبريه تعويض منى على الفرصة اللى ضاعت منك وعشان أثبتلك أنى مش ضد شغلك ولا عاوز أجعدك في الدار تطبخى وتخدمى وأن أعترضي كله كان عن السفر بس لكن شغلك ونجاحك أنا في ضهرك فيه ومهقفش في طريقك واصل
غادر الغرفة بعد أن أمتص كل الغضب من قلبها وعقلها ولم يترك لها سوى الحب والحماس في بدأ العمل من جديد بداخل مكانها الجديد وقلبها مغمور بالعشق وأرتفاع حرارة جسدها من السعادة وأحمرت وجنتها خجلًا وفرحًا ثم ركضت إلى الغرفة الزجاجية تتفحص المكان والكاميرا بسعادة ...
_____________________
كانت “حُسنة” جالسة في المطبخ صباحًا قبل أن يستيقظ الجميع تحضر الإفطار فدلفت “تاج” إلى المطبخ ثم فتحت الثلاجة وأخرجت منها طبق فاكهة وزجاجة من المشروب الغازية ووقفت تبحث عن سكين وكوب لتنتبه “حُسنة” إلى بطنها ولم تنتفخ باتًا على عكس “عهد” الحامل في منتصف شهرها الثالث وبدأت بطنها تظهر لكن هذه الفتاة في أواخر الشهر الرابع وبطنها مشددوة تمامًا فتعجبت لكنها نظرت في الطبق قبل أن تنتبه “تاج” لها وعندما غادرت المطبخ تمتمت “حسنة” بصوت خافت قائلة:-
-حبلة كيف دى؟!
نزل الجميع للإفطار ما عدا “عهد” و”ليلى” الغارقين في نومهم ولم يملكوا سبب للإيقاظ في تمام الساعة السابعة صباحًا، أنهوا جميعًا الفطار فوقف “نوح” لكى يغادر وعندما مر من أمام المطبخ أستوقفته “حُسنة” بصوتها تقول:-
-نوح بيه
ألتف إليها لتشير إليه من الداخل بأن يقترب فدلف إليها بحيرة لتخبره بما رأته فقال بحيرة:-
-أنتِ متؤكد أنها مش حامل
أجابته “حُسنة” بنبرة خافتة خوفًا من أن يسمعها أحد:-
-شوف بطنها وشوف بطن الست عهد ما هي حبلة كيفها، البت دى وراها حاجة أنا حاسة بكدة وبعدين طول ما أنتوا صاحيين مبتنزلش من أوضتها وأن نزلت بتلبس خلجات واسعة مبتظهرهاش بطنها واصل
هز “نوح” رأسه بتفهم ثم قال بجدية:-
-ماشي أنا هشوف الموضوع دا بس متتحديش وى حد خالص في الحكاية دى
أومأت إليه بنعم ثم غادر المكان وعندما صعد سيارته قال بأختناق:-
-بتلعب لعبة أيه تانى يا خالد مع الغجرية دى
أنطلق بسيارته للخارج ذاهبًا إلى المحجر....
___________________
خرجت “أسماء” من غرفتها في المستشفى وأغلقت الباب بلطف حتى لا تستيقظ والدتها من نومها ثم ذهبت إلى المصعد وتدفع في يدها حامل الملحول المُتصل بالكانولا الموجودة في يدها حتى وصلت للمصعد وعندما فُتح الباب رأت “نادر” بالداخل فتحاشت النظر إليه ببرود ودخلت في صمت، حدق بها بهدوء دون أن يتفوه بكلمة واحدة فقالت بنبرة خافتة:-
-أنا أسفة
تعجب من كلمتها ولم يصدق بأنها أعتذارت إليه فألتف ينظر إليها وقال:-
-أنتِ جولتى أيه؟
صاحت به بأنفعال وقد تنازلت عن هدوئها قائلة:-
-متحلمش أنى أجولها تانى أنا أصلا معرفش جولتها أولانى كيف فمتتبسطش جوى أكدة
كز على أسنانه بغيظ من عنفها فهى تعتذر وتهين في آن واحد فقال بضيق:-
-أسفك مش مجبول ومتخلنيش أشوفك تانى حتى لو صدف
غادر المصعد لتصرخ به غاضبة قبل أن يغلق الباب قائلة:-
-أنت فاكر نفسك منى ولا فاكرنى هموت وأشوفك
ألتف إليها غاضبًا وهى يكاد يعتصر كوب القهوة الورقي في يده لكن صُدم عندما رأها تسقط على الأرض في المصعد فاقدة للوعى ويتنزع المحلول من يدها لتسيل الدماء منها بغزارة فأسرع نحو المصعد لكن الأبواب كانت أسرع منه فأغلق الباب عليها، ركض على الدرج مُسرعًا بعد أن سقط كوب القهوة منه أرضًا، كان يركض بهلع مُحاول أن يسبق المصعد فرأى رجل يقف في الطابق الأخر مُنتظر فعلم بأنه ضغط على الزر وسيفتح المصعد فوق أمامه بهلع، فتح المصعد أبوابه وذعر الرجل مما رأه بينما دخل “نادر” بهلع وجلس على قدمها ووقف الرجل أمام الباب حتى لا يُغلق المصعد، حملها “نادر” على ذراعيه وغادر المُصعد ثم أخذها إلى غرفتها، تتطلع بملامحها وهو يسير بها في أزقة المستشفى، فتاة هزيل وضعيف شعرها الأسود مسدول على ظهرها وتحيط رأسها بطاقية من الصوف حمراء اللون وترتدي زى المستشفى المُخصص للمرضي ورأسها مائلة للخلف تظهر عنقها النحيف رغم وجود جرح به بلاصقة طبية كبيرة، دلف للغرفة ووضعها على الفراش وإعادة وضع الكانولا ليتطلع بوجهها البريء وهو مُتكأ بذراعيه على وسادتها كأنه يحاوطها بذراعيه حتى لا تهرب من فراشها مرة أخرى، استيقظت “فاتن” من نومها لتقطع تأمله بها فتنحنح بحرج وطلب أدوات الإسعاف الأولية ونظف لها جرح عنقها وأعاد وضع اللاصقة مرة أخرى ثم غادر الغرفة بارتباك..
__________________
ركضت “عهد” على الركض بسعادة وهى تقول:-
-عليا
سمعت “عليا” صوتها وهى تركض على الدرج فقالت بخوف رغم سعادتها لرؤية أختها قائلة:-
-متجريش يا عهد
لم تعري “عهد” أهتمام لحملها وأكملت ركضها وكأنها تصبو نحو والدتها وأختها في آن واحد حتى وصلت أمامها وعانقتها بإشتياق شديد لتتبادلها “عليا” العناق بشوق مماثل لشوق “عهد” إليها ثم قالت:-
-وحشتينى يا عهد
قالتها “عليا” وهى تمسح بيدها على رأس “عهد” من الخلف فتبسمت “عهد” وهى تتشبث بأختها وقالت:-
-أنتِ أكثر يا حبيبتي
أبتعدت “عهد” عنها لتصافح “عمر” وتقول:-
-حمد الله على السلامة
دخلوا معًا للصالون وجاءت “سلمى” إليهما لترحب بهما ثم قالت:-
-معلش يا عليا ورايا مشوار أكدة للمستشفى أطمن على أسماء وهرجع أجعد وياكى
أومأ “عليا” إليها ثم غادرت “سلمى”، جلست الأختين يتحدثان ويتسامرون بينما “عمر” كان صامتًا لا يرغب بقطع حديثهما وشوقهما وكأنهما لم يروا بعض مُنذ سنوات، دلف “نوح” من الخارج بوجه غاضب وبخطوات سريعة كالإعصار الذى أقتحم المنزل ولم يعري أهتمام لزوجته أو ضيوفه بل صعد للأعلى فتعجبت “عهد” من تصرفه ودقيقة واحدة وسمعت صوت صراخ “تاج” من الأعلى، ذعرت “عهد” وهكذا “عليا” وزوجها وأتجهوا جميعًا نحو الدرج وقبل أن يصعدوا رأوا “نوح” ينزل على الدرج وهو يسحب خلفه “تاج” من شعرها ويُحدثها بنبرة قوية مُخيفة وقد فاض به الغضب قائلًا:-
-بجى حتة حشرة كيفك أنتِ عايز تجتل ولدى
دفعها من شعرها بقوة لتسقط عن الدرج فذعرت “عهد” من هذا الجانب الذي تراه في زوجها ومن كلماته فقال وهو يقف مكانه على الدرج بنبرة قوية تنذر بقدوم الموت إليها قائلًا:-
-أنا بجى هوريكي الموت شكله كيف؟
جلست “تاج” على ركبتيها بخوف وهى ترتجف رعبًا من غضبه وقبل أن تتحدث رأت “خلف” يدخل من باب المنزل ومعه رجاله لتزدرد لعابها بخوف وزحفت على ركبتيها إلى “عهد” وتشبثت بقدميها تقول:-
-والنبى يا ست عهد خليه يهملنى وميجتلنيش
أم “عهد” كانت واقفة لا تفهم شيء ولا تعرف ماذا حدث ليتحول زوجها إلى أسد هائج هكذا، أقترب “نوح” عندما رأها تلمس زوجها وأخذها من شعرها بقوة وألقى بها بعيدًا لتصرخ باكية فقال بتهديد مُخيفة:-
-أتجلي أمال دا لسه اللى جاي سواد على رأسك ومن ناحية التوسل أنا هخليكى تبوسي رجل واحد واحد في البلد عشان أرحمك مش بس عهد
تشبثت بقدميه وقبلت حذاءه بخوف وهى تعلم بأنه لن يتركها حية ما دام علم بحقيقتها وقالت باكية بأنهيار وخوف:-
-أبوس رجلك يا نوح بيه تهملنى وأنا والله ما هعملش حاجة واصل
جذب قدمه عنها بأشمئزاز وجلس على ركبته إلى مستواها وقال بنبرة هادئة مُرعبة أكثر من الصراخ:-
-أنتِ حفرتى قبرك بيدك يوم ما فكرتى تأذي مرتى وولدى اللى لسه مجاش لدنيا، أنتِ غبية عشان مش حشرة زيك تتداس بالشبشب تكون خصمى أنا، لا أنتِ ولا البغل اللى مصلتك، أنتوا الأثنين أفعصكوا بجزمتى لتكونى فاكرة يا بهيمة أنتِ أنى هجعدك أكدة في دار وأأمن لواحدة من الغجر دا أنتوا بتبعوا لحمكم
مسكها من ذراعها بقوة وقال بتهديد:-
-أنتِ يا دوب تلحقى تعدي أنفاسك اللى باجية وفكرى في طريقة تموتى بيها ومهما فكرتى الطريقة اللى هموتك بها ما هتتخليهاش...
يتبـــــــــــــــــع...
__ بعنوان “الخصام لا يليق بك” __
تقدمت “عليا” بخطواتها على الرمال مُبتسمة بعفوية على زوجها اواقف هناك ينظر إلى شاطي البحر حتى وصلت امامه ثم قالت:-
-كل دا بترد على التليفون
نظرت لوجهه وكان “عمر” مهمومًا وكأنه يحمل على عاتقه الكثير من المشاكل والأعباء فألتفت لكى تقف أمامه بدهشة ثم سألت بقلق:-
-في أيه؟
هز رأسه بلا دون ان يتفوه بكلمة واحدة فسألت بهدوء قائلة:-
-كنت بتكلم مامتك صح؟
أبعد نظره عن البحر المظلم تحت عتمة الليل وضوء القمر لينظر إلى وجه زوجته صامتًا فقالت بجدية:-
-يبقى كنت بتكلمها بس عمومًا أنا مش عايزة أعرف هي قالت أيه عكر مزاجك بس أنت لازم تعرف أنى مش هكرر غلطتى مع نادر تانى ومش هقولك اللى يحبنى يحبنى واللى يكرهنى يكرهنى، خلينا في إجازتنا ولما نرجع أنا هحل كل المشاكل دا وهعمل المستحيل عشان ترضي عني وتقبلنى زوجة ليك
تبسم بلطف إليها لتقول بعفوية:-
-لكن دلوقت خلينى أوريكى حاجة جميلة هتريح قلبك وتنسيك كل الهموم
جعلته يجلس على شاطي البحر فوق الرمال ثم نزعت الحذاء الخاص بها وأبتعدت قليلًا بعد أن أشغلت الموسيقى على هاتفها وبدأت ترقص الباليه على الموسيقى أمام نظره له وحده وكانت كفراشة تتطاير بحرية أمامه وكما قالت شيء جميل يذيب القلب عشقًا بدأ السياح الأجانب وهكذا المصريين مثلهم يتجمعوا حوله ليقف بعفوية وبدأ الجميع يشاهدوها بأنبهار وسعادة فأخذ عامل الكافتريا الهاتف ووضعه على مكبر الصوت وكأنها تقدم عرض للجميع لكنها لم تعري أهتما لوجود شخص أخر سوى زوجها، تضرب الرمال بأصابعها وتدور ليدور فستانها الأبيض المليء الورود معها وشعرها يتطاير مع حركاتها، تسارعت نبضات قلبه عشقًا لهذه المرأة التي تشبه الطير الذي حلق في السماء فلن يفهمها الكثير وأن الباليه هو حياتها وبدونه كطير سجين القفص، على أطراف أصابعها ترقص بمهارة حتى وصلت لمياه البحر وبدأت تتغلغل بين أصابعها وتبلل فستانها من الأسفل وبعد أن أنهت رقصتها توقفت ليصفق الجميع لها فتقدمت بخطوات ثابتة خجولة نحو زوجها بعد أن توردت وجنتها لون الدم الذي تتدفق إلى رأسها ورحل الجميع، رفعت نظرها إليه ليقول بهمس:-
-مكنش جميل بس أنتِ عدتي كل وصف الجمال، أنا بحبك
لم تجيبه بل تقدمت خطوة أخيرة تفصل بينهما ثم لف ذراعيها حول خصره ووضعت رأسها على صدره وقالت بجدية رغم دفء نبرتها:-
-أنا هحل كل حاجة يا عمر ومش هخسرك أبدًا أطمن
أومأ إليها بنعم وهو يطوقها بذراعيه...
___________________
كانت “أسماء” جالسة على الفراش بالمستشفى ورأسها ملفوف بشاش طبي وتنظر للنافذة على ضوء النهار وأشعة الشمس شاردة وتشعر بغرابة في عقلها وكأنه فارغ تمامًا لا تعرف شيء وكأنها طفل مولود من جديد، أقترب “فاتن” منها لتضع طاقية من الصوف فوق الجرح على رأسها وشعرها مُنسدل من أسفلها ففتح الباب ودلف “نادر” مع الممرضة وقال:-
-صباح الخير
-صباح النور يا ولدى
قالتها “فاتن” ولم تلتف له “أسماء”، وقف جنبها وسأل:-
-عاملة أيه النهاردة يا أنسة
لم تجيبه فنظر إلى الممرضة بحرج من تجاهل هذه المريضة له هكذا كلما جاء ليطمئن عليها فأقترب منها ليرفع عنها الطاقية لكنه صُدم عندما دفعت “أسماء” يده بضيق وقالت بأختناق:-
-أيه التلزيج دا أنت مش لسه كاشف الصبح
شهق بسخرية وخرجت منه ضحكة ساخرة وهو ينظر إلى الممرضة وهكذا والدتها وقال “نادر” بضيق:-
-تلزيج أيه وهتلزج فيكي ليك من جمالك مش جادر على بعدك
رفعت حاجبها إليه بضيق وقالت باشمئزاز:-
-والله أسأل حالك عمال كل نص ساعة تنط هنا كيف البرص ومعرفش أرتاح منك هبابه
أقتربت “فاتن” بحرج شديد من عدوانية أبنتها على طبيبها وقالت:-
-أسماء
بينما أتسعت عينيى “نادر” على مصراعيها من هذه الفتاة الغليظة ثم قال بحدة:-
-برص!!
أجابته بأختناق سافر مُنفعلة بشدة:-
-وعايز يضرب بالشبشب كمان
كاد أن يغادر غاضبًا لكن أستوقفه صراخها من الألم وهى تمسك رأسها بيديها بسبب أنفعالها فهرع نحوها ليفحصها وجعلها تنام بالفراش وبعد الفحص دون لها العلاج في الورق وأعطاها للمرضة مع بعض التعليمات وغادر الغرفة صامتًا بعد أن غفوت في نوم من التعب والألم الشديد التي لم تتحمله .....
خرجت “فاتن” خلفه وقالت:-
-يا داكتور
ألتف “نادر” إليها وقال:-
-تحت أمرك
-أنا أسفة والله على اللى عملته بس هي من الوجت اللى فاجت فيه وهى عدوانية أكدة مع أي حد وعلى طول بتتخانج مع الكل
أومأ إليها “نادر” بتفهم وقال بنبرة عفوية:-
-حصل خير أنا مٌتفهم حالتها وأنها حاسة بالغرابة من نفسها ومخابرش حد من اللى حواليها وأنها شايفة أن دى الطريجة الوحيدة اللى هتساعدها على حماية نفسها وفراغ عجلها، أن شاء الله تتحسن وتكون بخير ..عن أذن حضرتك
___________________
أخذت “عهد” الكوب من يد “على” بعد أن أخذ الأدوية الخاصة به وكادت أن تغادر فأستوقفها صوته وهو يقول:-
-نوح مزعلك ولا أيه؟
ألتفت إليه بحزن بعد أن ذكر اسم ابنه وزوجها الغليظ فقالت بضيق:-
-هو أنا بشوفه عشان يزعلنى، تخيل أبنك الغليظ من أمبارح الصبح مشوفتش وشه وحتى الصبح نزل جرى على الشغل من قبل ما أصحى بيعلمنى الأدب عشان بتخانق معه فقالك لا والله ما شايفاها خالص خليها تتعلم الأدب وسايبنى هنا أكل في نفسي وناسي أن كل الحالة السلبية اللى معيشنى فيها دى هتأثر على البيبى بس لا أزاى هو أنا مهمة ولا ابنه مهم دا لو مأجرنا بالساعة كان هيعاملنا احسن من كدة أو على الأقل هيتصل يطمن علينا تخيل أنه متصلش بيا أمبارح طول النهار وهو فى الشغل والنهاردة أهو نفس الحال فاكرنى هموت من غيره وهيوحشنى لا خالص ولا هعبره أنا عندى كبرياء
كان “على” يكتم ضحكاته جاهدًا وهو يستمع إليها وكأنها قنبلة كانت تنتظر أن يضغط أحد على الزر لتنفجر وهو قد فعل بسؤاله فأنفجرت في وجهه لتتابع الحديث بعناد وقد أوشكت على البكاء:-
-بس هو بيوحشنى فعلا.. لا لا لا مبيوحشنيش ومش هتنازل عن كرامتى اللى هو عمال يدوس عليها هو فاكر عشان بحبه هيضغط عليا بس يا أنا يا هو ونشوف مين فينا اللى نفسه طويل بقى
فُتح باب الغرفة ودلف “نوح” ليراه “على” وهى تقف تعطيه ظهرها وتكمل حديثها دون ان تنتبه لوجوده وترفع يدها بتهدد وتغلق قبضتها كأنها تعتصر “نوح” بين قبضتها الصغيرة هذه قائلة:-
-وغلاوتك عندي يا بابا لأقطع نفسك أبنك الغليظ دا وأنتقم منه على اللى بيعمله فيا دا
قطعها “على” بقلق مُحاولًا تنبيها بأن هذا الزوج يقف خلفها ويستمع لهرائها:-
-بس يا بنتى..
أشار “نوح” له بأن يصمت ويتركها تكمل حديثها في حين أنها كانت تتابع هذه الحديث قائلًا:-
-كل دا عشان مستكتر يقولى متزعليش وفيها أيه لما أكون غلطانة ويقولى متزعليش ويصالحنى مرة هيموت يعنى ولا هينقص 5 كيلو ما ينقص ما هو مربي ليا عضلات قد كدة فدايا أنا وابنى خمس كيلو يخسهم
أتاها صوته القوي يقول ببرود:-
-لا عشرة كيلو
أبتلعت بقية حديثها قبل أن تتفوه به من الصدمة وأرتعت يدها بخوف فأشارت إلى “على” قائلة بتلعثم:-
-هو سمع ؟
أومأ إليها بنعم فأزدردت لعابها الواقف في حلقها بقلق ثم ألتفت إليه تجمع شجاعتها باصطناع وقالت:-
-حتى لو 15 فدايا دا لو بتحبنى بس واضح أنك لا بتحبنى ولا نيلة وكل دا كدب وأوهام
قالتها وغادرت فكاد “نوح” أن يفقد أعصابه وهو يخرج خلفها ليوقفه “على” بجملته قائلة:-
-بالهداوة يا ولدى
أغلق باب الغرفة وسار خلفها في الرواق حتى وصل جوارها وأخذ الكوب من يدها ووضعه على البوفيه الموجود جانبًا وجذبها إلى الغرفة بقوة لتتفوه بكلماتها بضيق منه قائلة:-
-براحة يا نوح هتوقعنى
مر من أمام غرفتهما به ولم يدخل فتعجبت ليدخل بها إلى الغرفة المجاورة لغرفتهما وفتح الأضواء لتتسع عينيها بذهول على مصراعيها وفتحت فمها مما تراه وكانت الغرفة عبارة عن أستوديو للتصوير هناك أمام الباب مقعد كرسي ليزى بوى بالكهرباء باللون الأسود والغرفة مقسومة لنصفين بحاجز زجاجى كبير يمنع الضوضاء وبداخلها كانت أدوات التصوير الخاصة بها وأكثر، معدات جديدة وثمينة السعر أم عن الجزء الخارجي كان به مكتب وعليه اللاب توب الخاص بها وخلف المكتب مكتبة خشبية تحمل الكثير من الكتب الذي نقلها من غرفتهما إلى هنا وقد أعد الغرفة لتكن أستوديو إليها لتمارس عملها دون أي أعاقة، كانت تتطلع “عهد” بكل زواية في الغرفة حتى شعرت به يهمس في أذنيها بعد أن أنحنى بظهره قليلًا ليكن بمستواها يقول:-
-أنا أقسمت على عشقك يا عهدي كيف تجولى أنه أوهام
ألتفت إليه لتلف ذراعيها حول عنقه وهو مُنحنى كما هو لتقول:-
-وأنا بحبك يا نوح بعمرى كله وبعدد أنفاسي من يوم ما تولد وقد كل قطرة مياه موجودة في العالم وبعدد كل البشر والكائنات اللى أتخلقت على الأرض وبعدد كل نبضة قلب بدق في قلبى بتصرخ باسمك أنت وبس
همس إليها ويديه مُتشابكة خلف ظهره كما هو ولم يتحرك له ساكن هاتفًا:-
-يعنى جبلتى أعتذارى ومزعلناش ولا لسه برضو شايفة أنى مستكتر أجول أسف
رفعت يدها إلى مؤخرة رأسه وأصابعها تغلغل في خصلات شعره الخلفية بحب ثم قالت بحب:-
-أنت عارف أنى على طول مسامحاك وعمرى ما بزعل منك، أنا بناقرك يا نوح حُب
أطلق العنان ليديه من خلف ظهره لتلف حول خصرها فتبسمت وهى تشعر بيديه تطوقها ودفنت رأسها في كتفه ليقول:-
-متزعلش يا حبيبة قلبى لو زعلتك في يوم بكلمة ولا أتاخرت عليكى في يوم سهرتى مستنيني فيه
أخرجت نفسها من بين ذراعيه لتنظر بعينيه بعيني دافئتين ثم رفعت يدها إلى وجنته تداعب لحيته هذه الحركة التي غُرم بها وعشقها حد الموت منها فقد هذه الحركة تذيب قلبه وعقله وتقتل كل المشقات وترفع درجة حرارة الحب بقلبه وكيانه، حدثته بلطف شديد تقول:-
-أنا مستعدة أستناك عمرى كله يا نوح لا هتعب ولا همل وكل لحظة أنتظار بتمر علي مستنياك فيها بيزيد شوقي لك
-ربك يعلم يا عهدي أنا بتوحشك كيف في كل مرة بنزل من الدار وبكون عامل كيف لحد ما أرجع وضحكة واحدة منك بالعالم كله عندى
تبسمت بعفوية لأجله فقال بحب:-
-أيوة أكدة متخلنيش أشوفك من غير ضحكتك دى، يلا ههملك تشوفي شغلك وهروح أقابل الناس اللى مستنينى في المضيفة على ما تخلصي
-بس أنت كدة دفعت فلوس كتير أوى
تبسم إليها وبعثر غرتها الطويلة بلطف قائلًا:-
-أعتبريه تعويض منى على الفرصة اللى ضاعت منك وعشان أثبتلك أنى مش ضد شغلك ولا عاوز أجعدك في الدار تطبخى وتخدمى وأن أعترضي كله كان عن السفر بس لكن شغلك ونجاحك أنا في ضهرك فيه ومهقفش في طريقك واصل
غادر الغرفة بعد أن أمتص كل الغضب من قلبها وعقلها ولم يترك لها سوى الحب والحماس في بدأ العمل من جديد بداخل مكانها الجديد وقلبها مغمور بالعشق وأرتفاع حرارة جسدها من السعادة وأحمرت وجنتها خجلًا وفرحًا ثم ركضت إلى الغرفة الزجاجية تتفحص المكان والكاميرا بسعادة ...
_____________________
كانت “حُسنة” جالسة في المطبخ صباحًا قبل أن يستيقظ الجميع تحضر الإفطار فدلفت “تاج” إلى المطبخ ثم فتحت الثلاجة وأخرجت منها طبق فاكهة وزجاجة من المشروب الغازية ووقفت تبحث عن سكين وكوب لتنتبه “حُسنة” إلى بطنها ولم تنتفخ باتًا على عكس “عهد” الحامل في منتصف شهرها الثالث وبدأت بطنها تظهر لكن هذه الفتاة في أواخر الشهر الرابع وبطنها مشددوة تمامًا فتعجبت لكنها نظرت في الطبق قبل أن تنتبه “تاج” لها وعندما غادرت المطبخ تمتمت “حسنة” بصوت خافت قائلة:-
-حبلة كيف دى؟!
نزل الجميع للإفطار ما عدا “عهد” و”ليلى” الغارقين في نومهم ولم يملكوا سبب للإيقاظ في تمام الساعة السابعة صباحًا، أنهوا جميعًا الفطار فوقف “نوح” لكى يغادر وعندما مر من أمام المطبخ أستوقفته “حُسنة” بصوتها تقول:-
-نوح بيه
ألتف إليها لتشير إليه من الداخل بأن يقترب فدلف إليها بحيرة لتخبره بما رأته فقال بحيرة:-
-أنتِ متؤكد أنها مش حامل
أجابته “حُسنة” بنبرة خافتة خوفًا من أن يسمعها أحد:-
-شوف بطنها وشوف بطن الست عهد ما هي حبلة كيفها، البت دى وراها حاجة أنا حاسة بكدة وبعدين طول ما أنتوا صاحيين مبتنزلش من أوضتها وأن نزلت بتلبس خلجات واسعة مبتظهرهاش بطنها واصل
هز “نوح” رأسه بتفهم ثم قال بجدية:-
-ماشي أنا هشوف الموضوع دا بس متتحديش وى حد خالص في الحكاية دى
أومأت إليه بنعم ثم غادر المكان وعندما صعد سيارته قال بأختناق:-
-بتلعب لعبة أيه تانى يا خالد مع الغجرية دى
أنطلق بسيارته للخارج ذاهبًا إلى المحجر....
___________________
خرجت “أسماء” من غرفتها في المستشفى وأغلقت الباب بلطف حتى لا تستيقظ والدتها من نومها ثم ذهبت إلى المصعد وتدفع في يدها حامل الملحول المُتصل بالكانولا الموجودة في يدها حتى وصلت للمصعد وعندما فُتح الباب رأت “نادر” بالداخل فتحاشت النظر إليه ببرود ودخلت في صمت، حدق بها بهدوء دون أن يتفوه بكلمة واحدة فقالت بنبرة خافتة:-
-أنا أسفة
تعجب من كلمتها ولم يصدق بأنها أعتذارت إليه فألتف ينظر إليها وقال:-
-أنتِ جولتى أيه؟
صاحت به بأنفعال وقد تنازلت عن هدوئها قائلة:-
-متحلمش أنى أجولها تانى أنا أصلا معرفش جولتها أولانى كيف فمتتبسطش جوى أكدة
كز على أسنانه بغيظ من عنفها فهى تعتذر وتهين في آن واحد فقال بضيق:-
-أسفك مش مجبول ومتخلنيش أشوفك تانى حتى لو صدف
غادر المصعد لتصرخ به غاضبة قبل أن يغلق الباب قائلة:-
-أنت فاكر نفسك منى ولا فاكرنى هموت وأشوفك
ألتف إليها غاضبًا وهى يكاد يعتصر كوب القهوة الورقي في يده لكن صُدم عندما رأها تسقط على الأرض في المصعد فاقدة للوعى ويتنزع المحلول من يدها لتسيل الدماء منها بغزارة فأسرع نحو المصعد لكن الأبواب كانت أسرع منه فأغلق الباب عليها، ركض على الدرج مُسرعًا بعد أن سقط كوب القهوة منه أرضًا، كان يركض بهلع مُحاول أن يسبق المصعد فرأى رجل يقف في الطابق الأخر مُنتظر فعلم بأنه ضغط على الزر وسيفتح المصعد فوق أمامه بهلع، فتح المصعد أبوابه وذعر الرجل مما رأه بينما دخل “نادر” بهلع وجلس على قدمها ووقف الرجل أمام الباب حتى لا يُغلق المصعد، حملها “نادر” على ذراعيه وغادر المُصعد ثم أخذها إلى غرفتها، تتطلع بملامحها وهو يسير بها في أزقة المستشفى، فتاة هزيل وضعيف شعرها الأسود مسدول على ظهرها وتحيط رأسها بطاقية من الصوف حمراء اللون وترتدي زى المستشفى المُخصص للمرضي ورأسها مائلة للخلف تظهر عنقها النحيف رغم وجود جرح به بلاصقة طبية كبيرة، دلف للغرفة ووضعها على الفراش وإعادة وضع الكانولا ليتطلع بوجهها البريء وهو مُتكأ بذراعيه على وسادتها كأنه يحاوطها بذراعيه حتى لا تهرب من فراشها مرة أخرى، استيقظت “فاتن” من نومها لتقطع تأمله بها فتنحنح بحرج وطلب أدوات الإسعاف الأولية ونظف لها جرح عنقها وأعاد وضع اللاصقة مرة أخرى ثم غادر الغرفة بارتباك..
__________________
ركضت “عهد” على الركض بسعادة وهى تقول:-
-عليا
سمعت “عليا” صوتها وهى تركض على الدرج فقالت بخوف رغم سعادتها لرؤية أختها قائلة:-
-متجريش يا عهد
لم تعري “عهد” أهتمام لحملها وأكملت ركضها وكأنها تصبو نحو والدتها وأختها في آن واحد حتى وصلت أمامها وعانقتها بإشتياق شديد لتتبادلها “عليا” العناق بشوق مماثل لشوق “عهد” إليها ثم قالت:-
-وحشتينى يا عهد
قالتها “عليا” وهى تمسح بيدها على رأس “عهد” من الخلف فتبسمت “عهد” وهى تتشبث بأختها وقالت:-
-أنتِ أكثر يا حبيبتي
أبتعدت “عهد” عنها لتصافح “عمر” وتقول:-
-حمد الله على السلامة
دخلوا معًا للصالون وجاءت “سلمى” إليهما لترحب بهما ثم قالت:-
-معلش يا عليا ورايا مشوار أكدة للمستشفى أطمن على أسماء وهرجع أجعد وياكى
أومأ “عليا” إليها ثم غادرت “سلمى”، جلست الأختين يتحدثان ويتسامرون بينما “عمر” كان صامتًا لا يرغب بقطع حديثهما وشوقهما وكأنهما لم يروا بعض مُنذ سنوات، دلف “نوح” من الخارج بوجه غاضب وبخطوات سريعة كالإعصار الذى أقتحم المنزل ولم يعري أهتمام لزوجته أو ضيوفه بل صعد للأعلى فتعجبت “عهد” من تصرفه ودقيقة واحدة وسمعت صوت صراخ “تاج” من الأعلى، ذعرت “عهد” وهكذا “عليا” وزوجها وأتجهوا جميعًا نحو الدرج وقبل أن يصعدوا رأوا “نوح” ينزل على الدرج وهو يسحب خلفه “تاج” من شعرها ويُحدثها بنبرة قوية مُخيفة وقد فاض به الغضب قائلًا:-
-بجى حتة حشرة كيفك أنتِ عايز تجتل ولدى
دفعها من شعرها بقوة لتسقط عن الدرج فذعرت “عهد” من هذا الجانب الذي تراه في زوجها ومن كلماته فقال وهو يقف مكانه على الدرج بنبرة قوية تنذر بقدوم الموت إليها قائلًا:-
-أنا بجى هوريكي الموت شكله كيف؟
جلست “تاج” على ركبتيها بخوف وهى ترتجف رعبًا من غضبه وقبل أن تتحدث رأت “خلف” يدخل من باب المنزل ومعه رجاله لتزدرد لعابها بخوف وزحفت على ركبتيها إلى “عهد” وتشبثت بقدميها تقول:-
-والنبى يا ست عهد خليه يهملنى وميجتلنيش
أم “عهد” كانت واقفة لا تفهم شيء ولا تعرف ماذا حدث ليتحول زوجها إلى أسد هائج هكذا، أقترب “نوح” عندما رأها تلمس زوجها وأخذها من شعرها بقوة وألقى بها بعيدًا لتصرخ باكية فقال بتهديد مُخيفة:-
-أتجلي أمال دا لسه اللى جاي سواد على رأسك ومن ناحية التوسل أنا هخليكى تبوسي رجل واحد واحد في البلد عشان أرحمك مش بس عهد
تشبثت بقدميه وقبلت حذاءه بخوف وهى تعلم بأنه لن يتركها حية ما دام علم بحقيقتها وقالت باكية بأنهيار وخوف:-
-أبوس رجلك يا نوح بيه تهملنى وأنا والله ما هعملش حاجة واصل
جذب قدمه عنها بأشمئزاز وجلس على ركبته إلى مستواها وقال بنبرة هادئة مُرعبة أكثر من الصراخ:-
-أنتِ حفرتى قبرك بيدك يوم ما فكرتى تأذي مرتى وولدى اللى لسه مجاش لدنيا، أنتِ غبية عشان مش حشرة زيك تتداس بالشبشب تكون خصمى أنا، لا أنتِ ولا البغل اللى مصلتك، أنتوا الأثنين أفعصكوا بجزمتى لتكونى فاكرة يا بهيمة أنتِ أنى هجعدك أكدة في دار وأأمن لواحدة من الغجر دا أنتوا بتبعوا لحمكم
مسكها من ذراعها بقوة وقال بتهديد:-
-أنتِ يا دوب تلحقى تعدي أنفاسك اللى باجية وفكرى في طريقة تموتى بيها ومهما فكرتى الطريقة اللى هموتك بها ما هتتخليهاش...
يتبـــــــــــــــــع...