اخر الروايات

رواية فارس بلا مأوي الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم ولاء رفعت

رواية فارس بلا مأوي الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم ولاء رفعت 


                    
ظلام حالك يتخلله أصوات خرير مياه النافورة وأضواء خافته تُنير الحديقة، منبعثة من المصابيح المثبتة بتلك التماثيل المنتشرة مابين الأشجار،  مظهرها قابض لقلب الناظر إليها،  فهي تماثيل لوحوش وشياطين كالتي تُزين بعض الكاتدرائيات في المدن الأوروبية. 
وهناك قلب يجافيه النوم حيث صاحبته كلما أسدلت جفونها تأتيها أحلام تنقلب لكوابيس تصحو منها قبل أن تزهق روحها من هول ماتراه،  فكما أخبرها إنه سيكون واقعها وأيضاً أحلامها. 
لم تراه منذ الصباح عندما غادر المنزل حتي تلك الساعة،  إنها الثانية بعد منتصف الليل. 
ملت المكوث بداخل الغرفة فقررت مغادرتها والترجل في الحديقة. 

+



                    
وبعدما أن هبطت تلفتت من حولها وقامت بمناداة الخادمة:  
_ أنيتا،  أنيتا. 

+



                    
خرجت لها من المطبخ وأومأت بإحترام جلي، ثم تفوهت بالإنجليزية:  
_ أمرك سيدتي. 

+



                    
_ أريد فنجان قهوة بدون سكر. 

+



                    
توترت ملامح الخادمة بحالة من الصمت لثوان،  مما أثار دهشة زينب فسألتها:  
_ ماذا هناك؟. 

+



                    
أخفضت بصرها لأسفل فأجابت:  
_ عذراً سيدتي،  ممنوع. 

+



                    
أعتلت الدهشة مرة أخري ملامحها مع قليل من الإنزعاج:  
_ وما المانع الذي لا أعلمه؟. 

+



                    
_ سيدي من أمر بذلك،  ممنوع القهوة وأي مشروب يحتوي علي مادة منبهة. 

+



                    
أستمعت إلي كلماتها لتنصدم بهذا الهراء وبدلاً ما تثير حنقها بل جعلتها ينتابها حالة من الضحك،  تعالت قهقهتها. 

+



                    
لم تتأثر الخادمة ب ردة فعلها،  فسألتها:  
_ هل تردين شيئاً آخر سيدتي؟. 

+



                    
أومأت لها بالنفي ومازالت تضحك حتي توقفت عن الضحك،  لم تكترث لما أخبرتها الخادمة به إياه،  فدلفت إلي المطبخ بعدما تبدلت ملامحها إلي التجهم،  تبحث عن مسحوق القهوة في الخزانة كالمدمن الذي يبحث عن المخدر،  أوقفتها الخادمة قائلة:  
_ أرجوكِ سيدتي أذهبِ من هنا،  سيدي لو علم بعصيانك لأوامره سيؤذيني. 

+



                    
ردت الأخري وهي ما زالت تبحث:  
_ لا تقلقي، أنا التي ستعاقب وليست أنتي. 

+



                    
كادت الفتاه تتحدث ليقاطعها ولوج سيدها  القادم لتوه من الخارج، أشار إليها بأمر:  
_ عودي إلي غرفتك،  عملك قد أنتهي اليوم. 

+



                    
أومأت له بطاعة:  
_ أمرك سيدي. 

+



                    
وغادرت علي الفور،  بينما الأخري برغم الرعب الذي جعل قلبها يخفق وجلاً بقوة لكنها تظاهرت بعدم الإكتراث لوجوده،  حصلت علي مبتغاها أخيراً وتناولت الركوة والفنجان وبدأت في تحضيرها،  موليه إياه ظهرها،  قامت بلف مقبض الموقد فلم يشتعل تأففت،  كادت تجرب مقبض آخر للإشعال، فتفاجأت بيده سبقتها  لكن ممسكاً بالركوة وقام بإلقائها في الحوض. 
تسمرت بدون أن تستدير إليه،  لا تريد النظر في عينيه، توقن جيداً كيف هي ملامحه الآن، أنتفضت عندما تحدث بنبرة تنذرها بالخطر:  
_ كام مرة حذرتك من عصيان أوامري؟. 

+          
ألتزمت الصمت لكن لن تستطع السيطرة علي جسدها من الإرتجاف خوفاً،  أزدردت لعابها وأعتصرت عينيها. 

+



_ لما أكلمك تردي عليا. 
صاح بصوت هادر ربما وصل لكل العاملين بالمنزل،  فأستدارت رغماً عنها وأخفضت بصرها لأسفل متحاشية النظر إليه، قالت بنبرة يملؤها الخوف والتعجب في آن واحد :  
_ و هو شرب فنچان الجهوة عصيان لأوامرك !. 

+



صاح مرة أخري ليدب الرعب في كل خلايا جسدها:
_ سبق وقولتلك إن أي حاجة هتعمليها هيسبقها أذن مني فكنتي فكراني بهزر وأتريقتي علي كلامي وقتها، وعشان تعرفي إن أنا مبهزرش لازم تتعاقبي وتتعلمي تحترمي جوزك وتسمعي كلامه بعد كده. 

+



هنا رفعت عينيها وكادت تتفوه لكنه أوقفها وباغتها بصفعة قوية مما جعل أذنها تصدر طنين مزعج لا يحتمل. 
_ أمشي قدامي ومش عايز أسمع ولا حرف. 

10



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

+



_ أطلقت الشمس خيوطها الذهبية في كل مكان بأرض المحروسة يصاحبها ترتيل آيات القرآن الكريم المنبعثة من مآذن المساجد لتعلن عن بدأ شعائر صلاة الجمعة. 
وهنا بالأعلي فوق السطح يقف هؤلاء الشباب خلف بعضهم في صف أمام الحوض للوضوء،  وفي آخر الصف ينتظر كلا من فارس وجنيدي   ،  فزفر الآخر بتأفف وضجر قائلاً: 
_ ما تخلص يا أبو عمو ساعة عمال تتوضي أومال لو هتتسبح كنت سويت فينا أي!. 

+



ألتفت لهم الشاب و أجاب بحده:  
_ ما تصبر يا بلدينا أديك شايف الميه نازله سرسوب من الحنفيه. 

+



رد جنيدي بإندفاع:  
_ وأني مالي ما تخلص بجي ده أي الجرف ده. 

+



أمسكه فارس من زراعه ليهدأه:  
_ ما خلاص بجي يا چنيدي إحنا غلطانين برضو محدش جالنا نصحو متأخر والنهاردة الچمعة وكل الي ساكنين أهنه أچازة. 

+



_ وإحنا بجي مكتوب علينا نصحو بدري لأچل نلحجو نغسلو وشنا. 

+



أشار إليه الآخر نحو الحوض:  
_ أتفضل يا عم دورك چه وجصر عشان نلحج نفطر لنا لجمه وبعدها نتدلي علي الچامع جبل الخطبة ماتبدأ. 

+



وعندما أنتهي كليهما من الوضوء أتجها نحو غرفتهما فأوقفهما هذا القادم:  
_ ياصباح الفل عليكم يا بلديات. 

+



رد كلاهما تحية الصباح،  فأردف:  
_ يلا تعالو نفطر سوي جايبلكو سندوتشات طعمية وفول وصاية. 

+



أبتسم جنيدي وقال بسخرية:  
_ فول وطعمية!  ، ياما چاب الغراب لأمه. 

+



لكزه فارس بدون أن يري أو يسمع ثالثهما هامساً لصاحبه:  
_ عتتمسخر بدل ما تشكر الراچل. 

+



أجاب بنفس همسه: 
_ ما هو الي محسسنا إنه چايب لنا كباب وكفتة. 

+



هز فارس رأسه بسأم،  أنتبه شريف إليهما فقال:  
_ مالكم يا جماعة واقفين عندكو ليه؟،  يلا سمو الله ومدو أيديكو قبل ما الطعمية ماتبرد. 

+



        
          

                
كان فارس يحدجه بنظرات مبهمة لدي الآخر  الذي جلس ليأكل ،  تناول ثلاثتهم الشطائر،  تحمحم فارس وهو يرمقه بإستفهام ليلاحظ شريف فسأله:  
_ في حاجة يا قاسم؟. 

+



أبتلع ما بفمه وأجاب:  
_ ليه عتجول إكده؟. 

+



أرتشف من الإناء الفخاري ثم أجاب:  
_ عمال تبص لي ومبحلق فيا وكأنك بتشوفني لأول مرة. 

+



تنهد وبداخله يريد أن يلقي عليه السؤال الذي يلح بداخل عقله،  فوجد لسانه يتفوه تلقائياً:  
_ كنت فين عشية إمبارح؟. 

+



أنتابه التوتر الذي فشل في إخفاءه عن أعين فارس وهو ينظر إليه عن كثب:  
_ كنت في الشغل زي كل يوم،  في حاجة؟. 

+



نفض يديه من آثار الطعام علي يديه ونهض قائلاً:  
_ الحمدلله،  هجوم بجي كيف ألحج الخطبة من أولها. 

+



فأتبعه جنيدي:  
_ وأني كمان خدني وياك، وأنت يا أستاذ شريف مش چاي ويانا؟. 

+



أبتسم لهما بإحراج ويحك ذقنه الملساء:  
_ معلش روحو أنتو أنا جاي من الشغل تعبان وجسمي مكسر،  هبقي أصليها الضهر. 

+



_ علي راحتك،  يلا بينا يا ف...  جصدي يا قاسم يا أخوي. 

+



هبطا الدرج حتي خرج كليهما من البناء، تحدث فارس:  
_ كنت هتغلط وتجول إسمي جدامه. 

+



_ معلش  يا أبو الفوارس لساتني بتعود علي أسامينا الچديدة. 

+



طيف بسمة ساخرة أنبلجت علي محياه:  
_ صدج المثل الي جال الكذب ملهوش رچلين.

+



_ غصب عننا بجي. 

+



توقف فارس عن السير وقال:  
_ ماأجصدش عليا وعليك. 

+



تلاقي حاجبيه بإستفهام سأله:  
_ أومال تجصد مين؟. 

+



_ بيني وبينك أني مش مطمن لشريف ده واصل وجلبي حاسس أنه وراه حاچة مخبيها علينا،  وأني إحساسي ديماً بيطلع صوح في الآخر. 

+



_ وأي الي خلاك تحس إكده؟. 

+



صمت لثوان فأجاب:  
_ شوفته بعينيا عشية إمبارح في عربية ويا ست قد والدته عيبوس في إيديها وعطت له مظروف فيه فلوس ومن شوي لما سألته قدامك كنت فين جالي في الشغل،  فليه يكدب إلا إذا كان مخبي حاچة!. 

+



وضع جنيدي يده علي كتف الآخر وقال:  
_ يا عم كبر دماغك وإحنا مالنا،  ما تشغلش بالك واصل،  خلينا في حالنا بدل ما إحنا الي نتفضحو ونروحو في داهية. 

+



قهقه بتهكم بعدما تذكر حالهما:  
_ علي رأيك إذا كان إحنا متداريين بكذبة،  لا تعايرني ولا أعايرك. 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

+



ألقي عليها أوامره وعينيه شديدة القتامة أقسمت  في نفسها،  إنها تري الآن أمامها إبليس بذاته،  أفاقت علي دفعة قوية من يده فكانت علي وشك التعثر والإنقلاب علي وجهها،  فأمسكها من ساعدها بقوة مما شعرت بألم من قبضته التي ستسحق عظامها. 
_ لما أقول كلمة تتسمع علي طول،  مبحبش أعيد كلامي. 

+



        
          

                
ظل يدفعها كالشاه الذي يسحبها صاحبها ليذبحها،  تتمني أن يخلصها من كل هذا الإرهاب النفسي ويقوم بإزهاق روحها، لا تعلم أن الموت حتي مجرد أمنية وهي في كنفه. 

+



سار بها خارج المنزل وذهب إلي الخلف فتوقف أمام بناء قديم وأمامه أربعة من رجال الحراسة خاصته،  أشار لهم بيده أن يذهبوا،  أذعنوا لأمره، أستعادت قواها وشجاعتها لتقف أمامه قائلة:  
_ هملني ياسليم ورچعني مصر لأهلي أحسن ليا وليك. 

+



هل هي حمقاء!، أخبرها من قبل إن سبب تمسكه بها ، كيف لا تعلم إنها أصبحت من ممتلكاته ويجب عليها أن ترضخ وتذعن لكل أمر يلقيه عليها مهما كانت قيمته، لم تدرك حتي الآن إنها وقعت في براثن شخصية مريضة بالسيكوباتية بل والسادية؛ فسماعه إلي آنات وآهات آلام ضحيته يشعره بللذة ومتعة عارمة.

+



شبح إبتسامة بدي علي ثغره فقط وبقية ملامحه يسودها ظُلمة مرعبة، الوحش الذي بداخله يسيطر عليه.
مال برأسه مقترباً بشفتيه نحو خاصتها ليهمس بفحيح: 
_ أنا ممكن أرجعك لأهلك في حالة واحدة.

+



تسلل بصيص من الأمل بداخلها لكنه تراجع عندما أردف وهو يفتح باب البناء ويدفعها إلي داخله بدون أن تنتبه: 
_ لما تكوني جثة، وبشرط هتدفني في نفس القبر الي هاتدفن فيه.

+



أزدردت ريقها من أثر كلماته المخيفة علي مسمعها، لم تري في حياتها كم من الشر مثل الذي يقف أمامها.
_ و أي الفايدة الي هتعود عليك لما تأذيني وتعذب فيا؟.

+



دفع الباب بقدمه مما أصدر صوتاً جعلها أرتجفت، وأجاب: 
_ لأن أنا عايز كده.
وأختتم جملته بنظرة دفعتها للتراجع إلي الخلف حتي أصتدمت بالجدار، تتلفت يميناً ويساراً لتكتشف إنهما بداخل مخزن قديم، مهلاً لما هذه السلاسل الحديدية المتدلية من الجدران والسقف!.

+



_ سليم، أوعاك تكون ناو.....

+



قاطعها ممسكاً بيديها الأثنين بقبضة واحدة ورفعهما لأعلي فوق رأسها وبيده الأخري جذب إحدي السلاسل المتدلية ليكبل يديها معاً: 
_فكراني جايبك أفسحك هنا!، أحمدي ربنا إن أحنا مش في مصر كان زماني رميكي في الهنجر.

+



تفوهت بدهشة: 
_ هنجر!.
وعندما بدأ بتكبيل يديها بالسلاسل أخذت تتلوي وتصرخ: 
_ أنت عتسوي أي، همل يدي يا سليم.
لقنها صفعه ليحذرها: 
_ مش عايز أسمع صوتك.

5



فاض بها الأمر من كبت عبراتها فأجهشت في البكاء، لم يهتز قلبه ويرأف بها قط بل أزدادت وحشيته، أنتزع وشاحها بعنف  مما جعل إبرة مشبك حجابها خدشت عنقها،فشقت حنجرتها صرخة دوي ترددها في الأرجاء، فأسكتها بتكميم فمها بالوشاح ثم مال برأسه نحو الخدش الذي ذرف منه قطرات من الدماء وأخذ يلعقها بلسانه متذوقاً إياها،بينما هذه المسكينة ترتجف من الألم وصرخاتها تخبو من وراء مايكمم فاهها.
أبتعد ليحدق في عينيها بسعادة وإنتصار، مد إبهامه نحو وجنتها يزيل عبرتها ثم يتذوقها بتلذذ وهو يغمض عينيه قائلاً: 
_ متعرفيش يا زينب أنا أد أي مستمتع أوي، بس لسه ناقص حاجة تانيه، هي أي ياتري.

+




تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close