رواية شظايا قلوب محترقة الفصل الثالث عشر 13 بقلم سيلا وليد
"اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك "
+
ليتني لم أرد على رسالتـك ذات يـوم
ليتنـي تركتك غريباً كالبقية لا تعرفني ولا أعرف عنك شيئا
ليتني تجاهلتك ولم أفتح لكَ نافذة فؤادي
أو على الأقل أسدلت الستارات عندما هبت رياحك..
ليتني يومها لم أسمح لك بتجاوز أسوار وطني
وأبقيتك بعيدا ..
بعيدا حيث لا قصة بيننا
ولا ذكرى قد تشق خاطري في فلك الليل ..
فـ ثمة شيء في جوفي لا يُحكى..عالقٌ بين حنجرتي وقلبي..يؤذيني ويرهق روحي..
أشعر وكأن هناك مساميرٌ تتأرجح في قلبي..
تنهكني وتزيد من ألمي..
أرقٌ حتميٌّ وصدىً عميق يصعُبُ تحملُهُ ..
أجد نفسي في تساؤل هل هذا شعور متجددٌ؟ أم علّة أصابت القلب فعطَبته؟ أفي القلب تستقر الجِراح؟؟ أم في الجسد تكمُنُ الآلام؟
+
بالمشفى رفرفت أهدابها مع انسيابِ دمعةٍ عبر وجنتيها، هبَّ من مكانهِ بعدما شعرَ بحركةِ عينيها، انحنى متكئً بكفيهِ بجانبِ رأسها يهمسُ بلهفة:
-ميرال سمعاني، افتحي عيونِك..فتحت عينيها تهمسُ اسمه..
دنا من وجهها وطبعَ قبلةً عميقةً على جبينها:
-أنا هنا حبيبتي، طمِّنيني عليكي..همست بخفوت:
-أشرب..عايزة أشرب
اتَّجهَ يبحثُ عن المياهِ وجذبها ثمَّ ساعدها بالجلوس..ارتشفت بعضًا من قطراتِ المياه، حاوطها بذراعيهِ يضعُ الكوبَ بمكانه..تململت محاولةً أن تستوعبَ أين هي وماذا حدث..جمعَ خصلاتَها على جنبٍ ليظهرَ وجهها يملِّسُ عليه:
-عاملة إيه حبيبتي، حاسة بإيه..رفعت رأسها بتثاقلٍ تتجوَّلُ بنظرِها بأرجاءِ الغرفة، ثمَّ تسائلت بتقطُّع:
-أنا فين...قاطعهم دخولُ فريدة التي هرولت بعدما وجدتها جالسةً بأحضانِه، جلست بجوارِها على الفراشِ تمسِّدُ على شعرها:
-حبيبتي أخيرًا فوقتي، عاملة إيه ياروح ماما ..اعتدلت تبتعدُ عن إلياس تحتضنُ رأسها بعدما شعرت بآلامِها، ومشاهد أمامَ عينيها..
فلاش باك.. قبل ثلاث ايام
خرجت من منزلِ رؤى واتَّجهت إلى سيارتها لتأمرَ سائقها بالنزول:
-انزل أنا هسوق.
ترجَّلَ الرجلُ دونَ حديثٍ لتشيرَ إلى الأمن:
-ممنوع حد يجي ورايا، عندي مشوار خاص مش عايزة مخلوق ورايا..قالتها واستقلَّت السيارةَ لتتحرَّكَ بسرعةٍ جنونية، هنا سمحت لعينيها التحرُّرَ من آلام عبراتها المحجوزة، ضربت على المقودِ تصرخُ بهستريا:
-ليه ياإلياس ليه كدا، مااحترمتش وعدك ليَّا..آاااه صرخت بها وهي تقودُ السيارةَ بسرعةٍ جنونيةٍ تريدُ أن تتلقى الموتَ بصدرٍ رحبٍ لقد فاقَ الألمُ التحمُّل، فكيف لقلبها المجنونِ بعشقهِ أن يتحمَّلَ اقترابهِ من فتاةٍ كانت ستصبحُ زوجتهِ يومًا ما، أغمضت عينيها والغيرةُ بداخلها كشجرةٍ شيطانيةٍ تفرَّعت جذورها ولم يعد لديها السيطرة ..استمعت إلى سيارةٍ بجوارِها وصاحبها يصرخ بها:
-هدِّي السرعة العربية هتنقلب فيه كاوتش هيطير..نظرت لسرعةِ السيارةِ وحديثِ ذاك الأجدب، فحاولت أن تهدِّئَ سرعةَ السيارةِ إلى حدٍ ما، ظنًا أنهُ خائفًا عليها ..ارتفعت أنفاسها عندما توقَّفت سيارةٌ تقطعُ طريقها فجأة، لتتوقََفَ رغمًا عنها وتتَّجهَ إلى هاتفها ولكن لم يعطيها فرصة ليركلَ الهاتفَ بعدما جذبها بقوَّةٍ وأخرجها من السيارة..
+
حاولت الصراخَ والتملُّصَ منهما و الاستعانةِ بأحدٍ من السياراتِ التي تتحرَّكُ بسرعتها على الطريق، ولكنَّها فشلت بعدما حقنها لتسقطَ بين ذراعيهِ ويحملُها ويهرولَ سريعًا إلى السيارةِ قبلَ وصولِ سيارةِ الحرسِ الخاصة بها.
+
بعد فترةٍ دلفَ طارق ينظرُ إليها بشهوةٍ يلعقُ لسانهِ مقتربًا منها:
-دي حلوة أوي ..أزالَ شعرها من فوقِ وجهها بعد سقوطِ حجابها ..أشارَ للرجلِ شغَّل الكاميرا، عايز أحسن فيديو طبعًا عارف إزاي تظبطوه على إنَّها صاحية، تحدَّثَ الرجلُ إليهِ أن يفعلَ معها بعضَ الحركاتِ والإشاراتِ حتى من يراهُ يظنُّ أنَّها بكاملِ وعيها، ظلَّ لبعضِ الوقتِ وهو يلتقطُ معها بعضَ الصورِ العديدة، مع دلوفِ رانيا تنظرُ إلى طارق الذي يلتهمُها بعينيه، رمقتهُ بنظرةٍ ساخرة:
-عجباك أوي ولَّا إيه..رفعَ رأسها وهو يستنشقُ خصلاتها..
-حلوة أوي والصراحة خسارة في الزفتِ الظابط..
-طارق..قالتها رانيا تشيرُ بعينيها بالابتعادِ عنها:
-متبقاش مجنون، إحنا اتفقنا على إيه، نُوهِم بس، بس أكيد مش هتلمسها، عايزين أخوك يُخرج من السجن، أي غلطة هدَّفعنا كتير، ارجع كدا واهدى، وإياك تقرَّب منها..
-إيه اللي بتقوليه دا ياماما، يعني إحنا جايبنها هنا علشان الكام صورة دول...
اقتربت منها ثمَّ جلست بجوارِها:
-مين قال كدا، ينفع بنتِ فريدة توقع تحت رجلي وأرجَّعها كدا لأمها اللي رافعة مناخيرها بالسما، دا أنا لازم أحسَّرها عليها السنين كلَّها..
صمتَ لثوانٍ يستوعبُ حديثها ثم أردفَ متسائلًا:
-يعني إيه؟!..
طافت عيناها على جسدِ ميرال ووجهها، انحنت تلمسُ وجهها بأناملِها
تهمسُ لنفسها:
-معقول فريدة تخلِّف بنت بعد ماوهمتنا أنها مش بتخلف!.. كان عندي أمل تكوني مروة..أوف وبعدهالِك يارانيا، ماإنتي عملتي التحليل وأثبت إنَّها مش بنتي، وعملتيه مرَّة منِّك ومرَّة من راجح، وكمان تقرير الدكتورة اللي وضَّح إن فريدة خدعتنا ومعملتِش استئصال للرحم، بس إزاي يوميها خلُّوا راجح يمضي على عملية الاستئصال!..
زفرت بغضبٍ تفركُ وجهها:
-طلعتي عقربة يافريدة وضحكتي علينا، وفي الآخر تتجوِّزي جوازة زي دي وكمان بنتِك تتجوِّز جوازة زيِّك، لازم أحرق قلبك، مش هقتلها بس هسيبها قدَّامِك وإنتِ بتموتي كلِّ يوم عليها، بعد ماجوزها يرميها ..نهضت بعدما أشارت للرجل:
-ابعت هات من الراجل الحُقن اللي طلبتها، ثمَّ استدارت إلى طارق:
-هتفوق بعد شوية هدومها تتقطَّع ووقت ماتفتح عيونها لازم توهمها إنَّك قرَّبت منها..
تجوَّلَ بعينيهِ على وجهها ولا يعلم لماذا نغزهُ قلبهِ فتحدَّث:
-طيب مابلاش أنا، خُدي إنتِ المهمة دي وكدا كدا لمَّا تفوق هتعرف من اللي هتشوفه في الصور..حدجتهُ بنظرةٍ صامتةٍ ثمَّ ردَّدت بعد لحظات:
-إيه الحنية دي!..من إمتى وإنتَ حنين كدا..هزَّ رأسهِ بالنفي:
-لا مش اللي وصلِّك طبعًا، أنا خايف أضعف، ووقتها واللهِ لو هدِّيتي البيت ماحد هيرحمها مني..
دفعتهُ للخارجِ تضحكُ بصخب:
-لأ ياأخويا، مش عايزين خدماتك..توقَّفَ وهو يراقبُها وهي تمزِّقُ ثيابها بطريقةٍ مدروسة، ثمَّ ابتعدت عن الغرفةِ تسحبهُ بعدما انكشفَ معظمَ جسدها أمامه:
-تعالَ ياأخويا ...استطاعَ شيطانهِ كبحَ هياجِ مشاعرهِ تجاهها، فتحرَّكَ قائلًا:
-ماما البنت مش عايزين نئذيها، متنسيش دي مرات ظابط، كفاية علينا القضية اللي لسة مش باينلها ملامح موت ياسر مش نهايتها، وخصوصًا من وكيل النيابة الجديد، فبلاش دي كمان، إحنا نوجعهم بس بطريقة خفيفة..
+