رواية تناديه سيدي كامله وحصريه بقلم صابرين شعبان
تمهيد
سألها ببرود و قرف و هو يجلس أمامها كالأسد الذي على وشك الأنقاض على فريسته كان يشير بملعقته إلى الطبق الكبير الذي أمامه يحتوي على بعض الخضر و الأرز الأبيض الذي ما أن تناول منه ملعقتين حتى ظهر له ذلك المختفي داخله و شاربه مازال يتحرك بتحدي أن يفعل له شيئاً .." ما هذا "
نظرت للطبق برعب و هى تتلجلج في الحديث لا تعرف بماذا تجيبه و قد عقدت حاجبيها مفكرة من يا ترى يريد إيذائها و التسبب في رحيلها من هنا ردت بهدوء فليس هناك أسوء من ما حدث فما ستقوله لن يغير شئ من مصيرها .." هذا صرصور سيدي "
رفع حاجبه بغضب و قد شعر بالغثيان المفاجئ فهو قد تناول منه القليل قبل أن يظهر له ذا الشوارب من داخله فقال بحدة .." أعلم أنه صرصور سؤالي هو ماذا يفعل في طعامي نجمة "
تنهدت بحيرة و قالت تجيبه ببراءة .." لا أعرف سيدي ربما كان جائع و أراد البعض منه "
صعد الغثيان إلى حلقه فنهض مسرعا نحو المرحاض الخاص بها ليدلف إليه فهو أقربهم إليه و كان بجوار غرفتها التي تمكث بها القليل من يومها هنا أندفع ينحني على قاعدته ليفرغ ما في جوفه بألم تحت نظرات نجمة الذاهله لما يحدث هل هذا الرجل يقرف مثلنا حاولت كتمان ضحكتها و هى تتنهد بيأس مودعة وظيفتها التي وجدتها بعد عناء و أقتربت منه تمسك بيدها منشفة صغيرة تجفف بها عرق وجهه بعد تقيئه فسألته قائلة بقلق و هى ترى جسده يرتجف إشمئزازا .." هل أنت بخير سيدي هل أحضر لك الطبيب "
رفع عينيه بحنق و هو يزيح يدها بالمنشفة قائلاً ببرود .." شكراً لإهتمامك نجمة سأذهب لغرفتي لأستريح قليلاً و أريدك أن تأتي لغرفتي بعد ساعتين من الآن أريد الحديث معك و أريده بكل خصوصية بعيداً عن الأعين الفضوليه "
شعرت بالقلق من حديثه فيبدو أنها إذا لم تخسر وظيفتها بسبب إهمالها ستخسرها لعدم طاعتها له و تقبلها لتحرشاته كأرباب عملها السابقين فهى قد سمعت هذه العبارة كثيرا من قبل ..أريدك أن تأتي لغرفتي جملة قصيرة كانت سبباً في خسارتها لوظيفة تلو الأخرى و يبدو أنها تتوقع الآن ما سيحدث عند ذهابها إليه ..يبدو أن السيد طِراد لم يعد طِراداً و سيكون كمن سبقه ...{ طِراد معناه مستقيم }
الفصل الأول
جلست على مقعد صغير بالحديقة العامة القريبة من منزلها بتعب و هى تمسد بيدها على قدميها المتألمة من كثرة ما سارت اليوم بحثا عن عمل كانت قد تركت عملها القديم لمضايقة رئيسها الجديد الذي أستلم مكان والده الرجل الذي كان يعاملها بإحترام كإبنة له فهى ظلت تعمل معه لمدة عامين ونصف منذ أصيب والدها في حادث أدا لإصابته إصابة خطرة منعته أن يزاول مهنته مرة أخرى و هى سائق سيارة أجرة و لم يستطع العمل لفترة طويلة بعدها بسبب حاجته للعلاج الطبيعي حتى يتحسن و مع ضيق الحال أضطرت نجمة لتعمل في وظائف متدنية تاركة جامعتها في سنتها الأولى أعتدلت على المقعد بعد أن أراحت قدميها بيدها قليلاً و هى تمسدها كالطفل الصغير ليهدء متذكرة أخرجت من حقيبتها بعض الطعام الذي أعدته لها والدتها قبل خروجها صباحاً كان رغيفا جبن و بيض ملفوفين بإعتناء أبتسمت نجمة فوالدتها مازالت تفعل معها مثل ما كانت تفعل و هى في المرحلة الابتدائية فضت الورقة البيضاء بعد أن أخرجتها من كيس صغير شفاف و تمسك الرغيف لتقضم منه قطعة صغيرة تلوكها ببطء و هى تنظر حولها للمارة ..هذا ولد صغير يلعب بالكرة ..و هناك ترى حبيبين يجلسان أسفل شجرة من شجر الزيتون الصغيرة فهذه الحديقة الوحيدة التي ترى بها أشجار النخيل و الزيتون و الموالح و التوت كلا يزهر في موسمه أبعدت عينيها خجله مما ترى الشاب يفعله لتقع عيناها على إمرأة عجوز تنظر إليها مبتسمة برقة فقامت نجمة بهز رأسها مرحبة بإبتسامة فنهضت السيدة تتوكأ على عكازها الخشبي الصلب بيده النحاسية اللامعة تحت ضوء الشمس أقتربت منها قائلة بهدوء ..
” تسمحين لي بالجلوس معك قليلاً “
أشارت لها نجمة بالجلوس مرحبة ..” أجل طبعاً سيدتي يسعدني ذلك فأنا كما ترين أجلس بمفردي و لا أمانع ببعض الصحبة“
أبتسمت السيدة العجوز التي قالت بترحاب ..” بل أنا التي أحتاج للصحبة لشعوري ببعض الوحدة أما أنت فمازلت صغيرة ماذا يجعلك وحيدة “
كانت امرأة قد تخطت السبعين عاما بأعوام قليلة ترتدي ثوب أسود طويل و حذاء بدون كعب و تضع على رأسها حجاب صغير ملامحها ناعمة بعينيها السوداء و بشرتها السمراء بها بعض التجاعيد حول عينيها و فمها و لكنها تبدو بصحة جيدة بالنسبة لعمرها ردت عليها نجمة برزانة ..” ليس بالضرورة أن نشعر بالوحدة عند تقدم العمر بنا أحياناً الإنسان يحتاج مساحة ليكون وحيداً حتى يقوم بتقيم حياته و ما فعله بها و ما سيفعله فيما بعد “
أبتسمت المرأة و قالت بدون أن تسألها ..” فريدة إسمي فريدة “
أبتسمت نجمة و مدت لها بالرغيف المغلف الآخر و هى تقول ..” نجمة “
أخذت السيدة الرغيف ممتنه و قالت ..” كوني دوماً نجمة عالية مشعة تبعث الدفء و الضوء لمن حولها “
أبتسمت نجمة و قالت بخجل ..” شكراً لك سيدتي “
ردت فريدة برقة ..” قولي جدتي سأحب ذلك منك إن لم تمانعي “
هزت نجمة رأسها ..” لا ..لا أمانع جدتي “
جاء صبي صغير يقف أمامهم ملابسه رثه و وجهه ملطخ بالتراب و حذائه ممزق و يظهر إصبعه الصغير كان ينظر إلى الطعام الذي يتناولنه فمدت فريدة يدها برغيفها فأمسكت نجمة بيدها تمنعها فتعجبت للأمر و همت أن تتحدث فقالت نجمة تسأل الصغير و هى تمد له برغيفها الذي أخذه بلهفة يتناوله بسرعة كبيرة كأنه خائف من أن تعود لتأخذه مرة ثانية منه ..” ما إسمك يا ولد “
أجاب الصغير بفم ملئ بالطعام ..” وسيم “
ضحكت نجمة بمرح قائلة ..” وسيم و أنت وسيم قل لي إذن يا وسيم ماذا تفعل على الطريق بملابسك هذه هل أنت تائه من المنزل “
هز الصبي رأسه بنفي و قال و هو مازال يتناول طعامه ..” لا إنها زوجة أبي عندما يذهب للعمل تجعلني أرتدي هذه الملابس الممزقة لأستجدي من المارة فيعطوني عندما يروني هكذا “
شعرت نجمة بالصدمة و شهقت فريدة و هى تهتف به متسأله ..” ماذا تجعلك تفعل “؟؟
و لما لم يجيب تساؤلها و هو يمضغ طعامه بجوع نظرت إليه فريدة بشفقة فزفرت نجمة بغضب و قالت متسأله ..” هل والدك يعلم ذلك “
نفى الصبي قائلاً ..” لا لا يعرف فهى تجعلني ابدل ملابسي قبل عودته للمنزل حتى لا يراني هكذا “
فسألته فريدة بغضب من تلك المرأة القاسية زوجة أبيه ..” هل تدرس يا وسيم “
أومأ برأسه مؤكداً و هو يبتلع طعامه ..” نعم و لكني أتغيب كثيرا عن دراستي بسبب زوجة أبي “
قالت نجمة حانقة ..” لمَ لم تخبر أباك بما يحدث معك و ما تفعله تلك المرأة بك “
قال الصبي بقلق و قد أنهى طعامه ..” لا أستطيع أخشى أن يضربني فهى دوماً تشكو من سوء تصرفي رغم أني لا أفعل شيئاً و أبي يصدق حديثها “
سبته نجمة بغضب بكلمة بذيئة فقالت فريدة ..” أهدئي نجمة لا تتلفظي بهكذا سُباب أمام الصبي فهو والده في النهاية لنفكر ما سنفعله لمساعدته و نجعل أبيه يستفيق قبل ضياع الصبي “
قالت نجمة تجيبها ..” معك حق لدي حل لذلك نظرت في ساعة يدها و قالت ..” وسيم حبيبي هل لك أن تأتي هنا غداً في مثل هذا الموعد سأجلب لك المزيد من الطعام “
أبتسم الصغير و هم بالرحيل فقالت له فريدة و هى تخرج من حقيبتها بعض النقود تعطيها له ..” خذ هذه إعطيها لزوجة أبيك حتى لا تؤذيك اليوم أن عدت باكرا و غداً تعال لتقابلنا هنا هيا أذهب صغيري “
أبتعد وسيم بفرح لعودته مبكرا اليوم فهو قد تعب من الدوران في الشوارع التفتت فريدة لنجمة سأله ..” على ما تنوين فعله عزيزتي “
أجابتها نجمة بثقة ..” ستعلمين غداً جدتي عندما يأتي وسيم لهنا و لكن أريد دعمك فقط فيما أفعله و ثقي أنه سيكون في صالح وسيم في النهاية “
************
دلفت إلى المنزل بهدوء بعد أن تركت فريدة في الحديقة العامة على وعد للقائها غداً عادت مرة أخرى لتبحث عن عمل مر الوقت و غربت الشمس و لم توفق في البحث فقررت العودة إلى المنزل على وعد بالعودة للبحث غداً بعد الإنتهاء من مشكلة وسيم نزعت حذائها أمام الباب تبحث عن والدتها و والدها و أخواتها الصغار فظلت تنادي من الردهة المتوسطة التى تحتوى على ثلاث مقاعد و أريكة من الخشب الذي بدأ في التهالك من كثرة ما يقفز عليه أخواتها عندما يلعبون في فترة راحتهم من دراستهم ..” أمي ..أبي.. جميلة.. ياسين .. ممدوح أين أنتم “
خرجت والدتها مسرعة تقول بحنق ..” الن تكفي نجمة عن تصرفاتك الطفولية هذه لقد أخبرتك مرارا أن تغلقي الباب أولا ثم تصرخي بنا هكذا حتى لا يستمع إلينا الجيران فيشكونا للشرطة بسبب الإزعاج الذي تحدثينه يومياً“
ضحكت نجمة و دنت من والدتها تضمها بمرح تحركها بين ذراعيها و هى تقبلها على وجنتها مرارا مما جعل والدتها تصرخ ...” إنجدني محمود من إبنتك المجنونة تلك “
خرج محمود مبتسما يستند على عصاه بتحامل و يسير ببطء حتى لا يرهق قدمه المصابة فيتألم ليلاً من الوجع الذي يشتد عليه ..” أتركي والدتك نجمة وإلا سلطنا عليك وحش المنزل “
رفعت نجمة يديها مستسلمة بمرح قائلة ..” لا لا أرجوك أبي لقد تبت الآن و لكن لا تفعل “
خرج الصغار من الداخل جميلة الصف الثالث الاعدادي و ياسين في الصف السادس الابتدائي و ممدوح الصغير في الصف الثالث عندما سأل ممدوح ..” ماذا يحدث أبي ما بها نجمة ترفع ذراعيها كالطالب المعاقب لدينا في الصف “
أبتسم محمود بخبث و والدتها تكتف يديها أمام صدرها و تشير برأسها لنجمة أن أخبريه فقالت نجمة بعد أن أخفضت ذراعيها قائلة بمرح..
” ممدوح ما رأيك ببعض الحلوى ألا تريد “
لمعت عينا ممدوح و أسرع إليها يمد يده فأبتسمت نجمة بنصر و هى تعطيه الحلوى لينصرف للداخل حتى يتناولها بدون أخويه فقالت
” هذا ما يقال عنه ترويض الوحش أمي أبي لا تتحاذقا على بعد الآن “
لم يفهم الأولاد ما يدور فيما بينهم و ياسين يتقدم سألا ..” و أنا أليس لي بعض الحلوى أيضاً “
أجابته نجمة ..” لا ليس لك أنت لا تمثل لي خطراً يا فتى “
ضحك أبويها على نظرات ياسين الحائرة فقالت نجمة تفهمه ..” هذه الحلوى جلبتها لوحش البيت الصغير حتى لا يقوم بصنع علامته في جسدي ككل مرة فهمت “
رفع ياسين حاجبه بفهم فأخيه ممدوح دوماً ما يقوم بعضهم عند غضبه أو ممازحته معهم أو عقابا عندما يفعلان له شيئاً يضايقه فهى عادة سيئة لم يستطيعا مساعدته على التخلص منها فقال ياسين ..” أنا أيضاً أن لم تحضري لي الحلوى في المرة القادمة سأقوم بتجربة أسناني عليكي نجمة “
نظرت إليه بغضب و نهرته ..” أذهب من أمامي أيها المبتز الصغير “
ضحك ياسين و هو يدلف للداخل قائلاً ..” سأذهب لأسأله أن يعطيني قطعة لعله يوافق “
أجابته جميلة ..” فلتحاول يبدو أنه سيكون دورك اليوم ليقوم برسم لوحته على جسدك “
ضحك والدها فأمسكت نجمة بيد والدها لتساعده على الجلوس قائلة
” أبي لدي شئ أريدك إخبارك به “
جلس محمود بتعب و قال باسما ..” أخبريني عزيزتي هل حدث شئ معك اليوم “
هزت رأسها تطمئنه فقالت والدتها لجميلة ..” تعالي جميلة لنعد الطعام سويا لحين ينتهيان من الحديث فيبدو أن نجمتنا تتهرب “
أبتسمت نجمة بمكر ..” دوماً تفهمينني أمي “
ضحكت والدتها و أنصرفت تأخذ جميلة المتذمرة من المساعدة فالتفتت نجمة لوالدها قائلة ..” أريد نصيحتك أبي فيما سأفعل “
هز محمود رأسه و قال ..” أخبريني عزيزتي ما الأمر “
*********************
” يا إلهي ..يا إلهي جدتي أين ذهبتي هل تريدين قتلي خوفاً “
قالها طِراد بقلق و هو يمسك بيد فريدة التي تستند على عصاها لتدلف إلى المنزل بهدوء قائلة ..” و لما القلق طِراد هل أنا فتاة صغيرة “
أجلسها على المقعد و قال لها بضيق و هو يجثم أمامها على ركبتيه ..
” لا لست صغيرة و لكن ألا يحق لي أن أقلق عليكِ فمنذ الصباح و أنا لا أستطيع الوصول إليك مع نسيانك لهاتفك النقال لم لم تأخذينه معك لتوفري على القلق جدتي “
ربتت فريدة على رأسه و هى تشعث خصلاته البنيه بحنان ..” أسفة حبيبي لم أتذكر وضعه في حقيبتي عندما ذهبت “
قال طِراد بحزم ..” هذه المرة الأخيرة التي يحدث فيها هذا سأتي لك بمرافقة أتفقنا “
قالت فريدة و هى تهز رأسها رفضا ..” عندما أحتاج سأخبرك لا تقلق طِراد أنا بخير “
تنهد بضيق ..” حسنا أخبريني أين كنت طوال النهار “
أجابته فريدة بلامبالاة ..” في الحديقة العامة التي تبعد عنا حارتين “
عقد حاجبيه و سأل بريبة فالمكان بعيد عنهم سيرا تقريباً نصف ساعة لمن هو مثله قوي و سريع الحركة فماباله بجدته التي تسير الهوينا حتى لا تتعب ..” قولي أنك أستقليتي سيارة “
أبتسمت فريدة ثم ضحكت على حفيدها الذي يريد منها طمئنته و لو بالكذب ..” فعلت و أنا عائدة إلى هنا لا تقلق “
تنهد براحة و سألها ..” هل تناولت الطعام “
هزت رأسها موافقة فقال يكمل ..” ستأكلين مرة أخرى الآن لأطمئن أنك لست جائعة أتفقنا “
مطت شفتيها و طيف إبتسامة يظهر عليها عند تذكرها ما حدث اليوم مع نجمة و الصغير وسيم تعتقد لو علم طِراد سيصاب بصدمة مما فعلاه مع الصبي الصغير فهن قد أتفقتا على اللقاء في نفس الموعد مع وسيم كانت نجمة قد أحضرت بعض الطعام لهما و زجاجة مياة و بعض الحلوى ليتناولونها بعد الطعام و بعد أن انتهيا جميعاً من تناوله أمسكت نجمة بيد وسيم قائلة بجدية ..” وسيم أنت تريد أن تعود لدراستك و تكف عن التسول من المارة و عدم إرتداء هكذا ملابس قبيحة أليس كذلك “
هز وسيم رأسه موافقا فقالت نجمة تكمل ...” إذن أفعل ما سأقوله لك أتفقنا “ و ظلت تخبره ما ستفعله و فريدة تنظر إليها بإعجاب عن رجاحة عقلها و تناولها للوضع بدون أن تقحم نفسها بطريقة مباشرة
بعد نصف ساعة
جلس يستند على الحائط يمسك برأسه من هول الصدمة و ما علمه أن زوجته تفعله بطفله الوحيد بدون علمه فقال الضابط بغضب شديد ..” أنهض يا رجل و كفاك تذمر مثل النساء “
نظرت إليه نجمة بغضب فأبتسم هارون بمرح قائلاً ..” و الآن ستفعل ما سأخبرك به “
نهض الرجل بتخاذل و دنا منهم فأكمل هارون ..” أنت سترجو الآنسة التنازل عن محضر السرقة الذي أقامته ضد ولدك و حينها سيكون الأمر بخير و لكني أعدك أن وجدته يتسول في الطرقات سأقبض عليه و سيدخل السجن و لن تستطيع إخراجه بعدها لحين يكبر و سيكون الأوان قد فات للإصلاح و ستكون قد أضعت مستقبله ماذا قلت “
رفع الرجل يديه يأسا و هو يسأل هارون ..” ما تراه مناسبا سيدي سأفعله “ ثم نظر لنجمة و فريدة الجالستين بهدوء قائلاً ..” أرجوكي آنستي و سيدتي سأفعل أي شئ فقط لا تتهما ولدي بالسرقة ارجوكما لا تضيعا مستقبله بسبب زلة صغيرة “
قالت نجمة بغضب ..” تقول زلة بسيطة ولدك هذا يأتيني كل يوم عند جلوسي في الحديقة يستجديني فأعطيه و أطعمه و اليوم اليوم عندما لم أعطيه شيئاً يسرق حقيبتي و يركض ليعطيها لزوجتك المصون التى لم تحافظ عليه و أنت تتركه أمانه لديها أي أم اتيت بها هذه لطفلك “
قال الرجل برجاء ..” أقسم سأطلقها فأنا لن أستطيع أن أءمنها عليه مرة أخرى و لكن أرجوكي تنازلي عن القضية “
صمتت نجمة بتفكير ثم أجابت بهدوء ..” حسنا سأفعل و لكن أن وجدته يتسول مرة أخرى كما قال الضابط هارون سأتي به هنا و أسلمه له “
شكرها الرجل كثيرا و هو يأخذ وسيم و ينصرف و قبل أن يرحل عاد وسيم ركضا ليحتضنها و يبكي قائلاً بخفوت ..” شكراً لك نجمة أختي أنا أحبك “
ضمته بحنان قائلة ..” تعال لرؤيتي عندما تسنح الفرصة يوم إجازتك من المدرسة تعرف أين ستجدني “
رحل و والده و هو يأشر لها بذراعه فنهضت نجمة و فريدة شاكرين ..
” شكراً لك سيدي لولا مساعدتك ما إستطعنا فعل شئ “
أبتسم هارون بمرح قائلاً فهذه الفتاة تذكره بمجنونته نسيم شعر بالشوق إليها فأراد العودة سريعًا إلى المنزل ليرها ..” لا عليكي هذا واجبي إلى اللقاء آنستي إلى اللقاء سيدتي “
عادت فريدة على صوت طِراد و هو يسألها ..” جدتي أين ذهبت بأفكارك ما الذي يجعلك باسمة هكذا “
ردت فريدة بمرح ..” لا شئ عزيزي أين هو الطعام الذي أخبرتني عنه يا ولد “
ضحك طِراد و نهض ..” فوراً جدتي سأمر الخادمة بتحضيره “
تركها منصرف تحت نظراتها الحنونه فهو حفيدها الوحيد تتمنى أن يحظي بزوجة تحبه و تجعله سعيدا ...
**************
دلف إلى المنزل وجدها تجلس جلستها المفضلة أمام التلفاز و تضع طبق من البوشار على معدتها تأكل منه و هى تشاهد التلفاز فدنا منها بهدوء و إنحنى يقبلها برقة على عنقها فأبتسمت قائلة ..” وحشتني يا هارون الرشيد“
جلس بجانبها يضمها بقوة ..” واضح أني وحشتك مانا شايفك أهو بتفكرى فيا “
ضحكت نسيم بمرح ..” أعمل إيه إبنك مش مخليني أعرف أفكر غير في الأكل و بس لدرجة أني بصحي من النوم بالليل عشان أكل الواد ده طالع لمين طفس كده مش عارفة“
رد هارون بسخرية ..” أكيد مش ليا يا حبيبتي ده طالع لأمه بدليل أنك بعد ما بتخلصي أكل بتعدي تتفرجي على التلفزيون لحد الصبح مين برأيك يشبه “
ضحكت نسيم و مدت له طبق البوشار فغمز لها بعينيه قائلاً ..” أنا عايز أكل حاجة تانية ينفع “
ردت بمكر ..” لا مينفعش ماما زمانها جاية من عند مريم مش عايزها تيجي تلاقينا في وضع مخل بالأداب يا حضرة الظابط “
أحنى رأسه يقبلها بإغواء ..” ما تخافيش هتيجي تلاقينا خلصنا و كله تمام و مفيش شهود عيان كمان “
دفعته بغيظ بعيداً عنها ..” هارون قولتلك طريقتك دي في الكلام بتحسسني أني قاعدة معاك في القسم نفسي لما ترجع البيت تفصل “
ضحك هارون بمرح و نهض يحملها و يدخلها غرفتهم و هى تتذمر ..” هارون ماما جاية قولتلك “.
أخفض رأسه يوقفها عن الحديث و يدفع الباب بقدمه قائلاً ..” تعرفي فكرتيني بفيلم زمان كان إسمه إيه يا هارون إسمه إيه ..“
ضحكت نسيم ..” اتحداك لو عرفته “ وضعها على الفراش يلتصق بها يهمس بحب ..” بحبك يا مجنونة “ لفت يديها حول عنقه تشده إليها ..” بعشقك يا هارون الرشيد بس خالي بالك ماما زمانها ...“
أسكتها بطريقته التي باتت تحبها منه منذ كانا مخطوفين لدى ذلك المجرم شوقي متذكرة كل ما مرت به معه منذ قابلته على الطريق
جلست على مقعد صغير بالحديقة العامة القريبة من منزلها بتعب و هى تمسد بيدها على قدميها المتألمة من كثرة ما سارت اليوم بحثا عن عمل كانت قد تركت عملها القديم لمضايقة رئيسها الجديد الذي أستلم مكان والده الرجل الذي كان يعاملها بإحترام كإبنة له فهى ظلت تعمل معه لمدة عامين ونصف منذ أصيب والدها في حادث أدا لإصابته إصابة خطرة منعته أن يزاول مهنته مرة أخرى و هى سائق سيارة أجرة و لم يستطع العمل لفترة طويلة بعدها بسبب حاجته للعلاج الطبيعي حتى يتحسن و مع ضيق الحال أضطرت نجمة لتعمل في وظائف متدنية تاركة جامعتها في سنتها الأولى أعتدلت على المقعد بعد أن أراحت قدميها بيدها قليلاً و هى تمسدها كالطفل الصغير ليهدء متذكرة أخرجت من حقيبتها بعض الطعام الذي أعدته لها والدتها قبل خروجها صباحاً كان رغيفا جبن و بيض ملفوفين بإعتناء أبتسمت نجمة فوالدتها مازالت تفعل معها مثل ما كانت تفعل و هى في المرحلة الابتدائية فضت الورقة البيضاء بعد أن أخرجتها من كيس صغير شفاف و تمسك الرغيف لتقضم منه قطعة صغيرة تلوكها ببطء و هى تنظر حولها للمارة ..هذا ولد صغير يلعب بالكرة ..و هناك ترى حبيبين يجلسان أسفل شجرة من شجر الزيتون الصغيرة فهذه الحديقة الوحيدة التي ترى بها أشجار النخيل و الزيتون و الموالح و التوت كلا يزهر في موسمه أبعدت عينيها خجله مما ترى الشاب يفعله لتقع عيناها على إمرأة عجوز تنظر إليها مبتسمة برقة فقامت نجمة بهز رأسها مرحبة بإبتسامة فنهضت السيدة تتوكأ على عكازها الخشبي الصلب بيده النحاسية اللامعة تحت ضوء الشمس أقتربت منها قائلة بهدوء ..
” تسمحين لي بالجلوس معك قليلاً “
أشارت لها نجمة بالجلوس مرحبة ..” أجل طبعاً سيدتي يسعدني ذلك فأنا كما ترين أجلس بمفردي و لا أمانع ببعض الصحبة“
أبتسمت السيدة العجوز التي قالت بترحاب ..” بل أنا التي أحتاج للصحبة لشعوري ببعض الوحدة أما أنت فمازلت صغيرة ماذا يجعلك وحيدة “
كانت امرأة قد تخطت السبعين عاما بأعوام قليلة ترتدي ثوب أسود طويل و حذاء بدون كعب و تضع على رأسها حجاب صغير ملامحها ناعمة بعينيها السوداء و بشرتها السمراء بها بعض التجاعيد حول عينيها و فمها و لكنها تبدو بصحة جيدة بالنسبة لعمرها ردت عليها نجمة برزانة ..” ليس بالضرورة أن نشعر بالوحدة عند تقدم العمر بنا أحياناً الإنسان يحتاج مساحة ليكون وحيداً حتى يقوم بتقيم حياته و ما فعله بها و ما سيفعله فيما بعد “
أبتسمت المرأة و قالت بدون أن تسألها ..” فريدة إسمي فريدة “
أبتسمت نجمة و مدت لها بالرغيف المغلف الآخر و هى تقول ..” نجمة “
أخذت السيدة الرغيف ممتنه و قالت ..” كوني دوماً نجمة عالية مشعة تبعث الدفء و الضوء لمن حولها “
أبتسمت نجمة و قالت بخجل ..” شكراً لك سيدتي “
ردت فريدة برقة ..” قولي جدتي سأحب ذلك منك إن لم تمانعي “
هزت نجمة رأسها ..” لا ..لا أمانع جدتي “
جاء صبي صغير يقف أمامهم ملابسه رثه و وجهه ملطخ بالتراب و حذائه ممزق و يظهر إصبعه الصغير كان ينظر إلى الطعام الذي يتناولنه فمدت فريدة يدها برغيفها فأمسكت نجمة بيدها تمنعها فتعجبت للأمر و همت أن تتحدث فقالت نجمة تسأل الصغير و هى تمد له برغيفها الذي أخذه بلهفة يتناوله بسرعة كبيرة كأنه خائف من أن تعود لتأخذه مرة ثانية منه ..” ما إسمك يا ولد “
أجاب الصغير بفم ملئ بالطعام ..” وسيم “
ضحكت نجمة بمرح قائلة ..” وسيم و أنت وسيم قل لي إذن يا وسيم ماذا تفعل على الطريق بملابسك هذه هل أنت تائه من المنزل “
هز الصبي رأسه بنفي و قال و هو مازال يتناول طعامه ..” لا إنها زوجة أبي عندما يذهب للعمل تجعلني أرتدي هذه الملابس الممزقة لأستجدي من المارة فيعطوني عندما يروني هكذا “
شعرت نجمة بالصدمة و شهقت فريدة و هى تهتف به متسأله ..” ماذا تجعلك تفعل “؟؟
و لما لم يجيب تساؤلها و هو يمضغ طعامه بجوع نظرت إليه فريدة بشفقة فزفرت نجمة بغضب و قالت متسأله ..” هل والدك يعلم ذلك “
نفى الصبي قائلاً ..” لا لا يعرف فهى تجعلني ابدل ملابسي قبل عودته للمنزل حتى لا يراني هكذا “
فسألته فريدة بغضب من تلك المرأة القاسية زوجة أبيه ..” هل تدرس يا وسيم “
أومأ برأسه مؤكداً و هو يبتلع طعامه ..” نعم و لكني أتغيب كثيرا عن دراستي بسبب زوجة أبي “
قالت نجمة حانقة ..” لمَ لم تخبر أباك بما يحدث معك و ما تفعله تلك المرأة بك “
قال الصبي بقلق و قد أنهى طعامه ..” لا أستطيع أخشى أن يضربني فهى دوماً تشكو من سوء تصرفي رغم أني لا أفعل شيئاً و أبي يصدق حديثها “
سبته نجمة بغضب بكلمة بذيئة فقالت فريدة ..” أهدئي نجمة لا تتلفظي بهكذا سُباب أمام الصبي فهو والده في النهاية لنفكر ما سنفعله لمساعدته و نجعل أبيه يستفيق قبل ضياع الصبي “
قالت نجمة تجيبها ..” معك حق لدي حل لذلك نظرت في ساعة يدها و قالت ..” وسيم حبيبي هل لك أن تأتي هنا غداً في مثل هذا الموعد سأجلب لك المزيد من الطعام “
أبتسم الصغير و هم بالرحيل فقالت له فريدة و هى تخرج من حقيبتها بعض النقود تعطيها له ..” خذ هذه إعطيها لزوجة أبيك حتى لا تؤذيك اليوم أن عدت باكرا و غداً تعال لتقابلنا هنا هيا أذهب صغيري “
أبتعد وسيم بفرح لعودته مبكرا اليوم فهو قد تعب من الدوران في الشوارع التفتت فريدة لنجمة سأله ..” على ما تنوين فعله عزيزتي “
أجابتها نجمة بثقة ..” ستعلمين غداً جدتي عندما يأتي وسيم لهنا و لكن أريد دعمك فقط فيما أفعله و ثقي أنه سيكون في صالح وسيم في النهاية “
************
دلفت إلى المنزل بهدوء بعد أن تركت فريدة في الحديقة العامة على وعد للقائها غداً عادت مرة أخرى لتبحث عن عمل مر الوقت و غربت الشمس و لم توفق في البحث فقررت العودة إلى المنزل على وعد بالعودة للبحث غداً بعد الإنتهاء من مشكلة وسيم نزعت حذائها أمام الباب تبحث عن والدتها و والدها و أخواتها الصغار فظلت تنادي من الردهة المتوسطة التى تحتوى على ثلاث مقاعد و أريكة من الخشب الذي بدأ في التهالك من كثرة ما يقفز عليه أخواتها عندما يلعبون في فترة راحتهم من دراستهم ..” أمي ..أبي.. جميلة.. ياسين .. ممدوح أين أنتم “
خرجت والدتها مسرعة تقول بحنق ..” الن تكفي نجمة عن تصرفاتك الطفولية هذه لقد أخبرتك مرارا أن تغلقي الباب أولا ثم تصرخي بنا هكذا حتى لا يستمع إلينا الجيران فيشكونا للشرطة بسبب الإزعاج الذي تحدثينه يومياً“
ضحكت نجمة و دنت من والدتها تضمها بمرح تحركها بين ذراعيها و هى تقبلها على وجنتها مرارا مما جعل والدتها تصرخ ...” إنجدني محمود من إبنتك المجنونة تلك “
خرج محمود مبتسما يستند على عصاه بتحامل و يسير ببطء حتى لا يرهق قدمه المصابة فيتألم ليلاً من الوجع الذي يشتد عليه ..” أتركي والدتك نجمة وإلا سلطنا عليك وحش المنزل “
رفعت نجمة يديها مستسلمة بمرح قائلة ..” لا لا أرجوك أبي لقد تبت الآن و لكن لا تفعل “
خرج الصغار من الداخل جميلة الصف الثالث الاعدادي و ياسين في الصف السادس الابتدائي و ممدوح الصغير في الصف الثالث عندما سأل ممدوح ..” ماذا يحدث أبي ما بها نجمة ترفع ذراعيها كالطالب المعاقب لدينا في الصف “
أبتسم محمود بخبث و والدتها تكتف يديها أمام صدرها و تشير برأسها لنجمة أن أخبريه فقالت نجمة بعد أن أخفضت ذراعيها قائلة بمرح..
” ممدوح ما رأيك ببعض الحلوى ألا تريد “
لمعت عينا ممدوح و أسرع إليها يمد يده فأبتسمت نجمة بنصر و هى تعطيه الحلوى لينصرف للداخل حتى يتناولها بدون أخويه فقالت
” هذا ما يقال عنه ترويض الوحش أمي أبي لا تتحاذقا على بعد الآن “
لم يفهم الأولاد ما يدور فيما بينهم و ياسين يتقدم سألا ..” و أنا أليس لي بعض الحلوى أيضاً “
أجابته نجمة ..” لا ليس لك أنت لا تمثل لي خطراً يا فتى “
ضحك أبويها على نظرات ياسين الحائرة فقالت نجمة تفهمه ..” هذه الحلوى جلبتها لوحش البيت الصغير حتى لا يقوم بصنع علامته في جسدي ككل مرة فهمت “
رفع ياسين حاجبه بفهم فأخيه ممدوح دوماً ما يقوم بعضهم عند غضبه أو ممازحته معهم أو عقابا عندما يفعلان له شيئاً يضايقه فهى عادة سيئة لم يستطيعا مساعدته على التخلص منها فقال ياسين ..” أنا أيضاً أن لم تحضري لي الحلوى في المرة القادمة سأقوم بتجربة أسناني عليكي نجمة “
نظرت إليه بغضب و نهرته ..” أذهب من أمامي أيها المبتز الصغير “
ضحك ياسين و هو يدلف للداخل قائلاً ..” سأذهب لأسأله أن يعطيني قطعة لعله يوافق “
أجابته جميلة ..” فلتحاول يبدو أنه سيكون دورك اليوم ليقوم برسم لوحته على جسدك “
ضحك والدها فأمسكت نجمة بيد والدها لتساعده على الجلوس قائلة
” أبي لدي شئ أريدك إخبارك به “
جلس محمود بتعب و قال باسما ..” أخبريني عزيزتي هل حدث شئ معك اليوم “
هزت رأسها تطمئنه فقالت والدتها لجميلة ..” تعالي جميلة لنعد الطعام سويا لحين ينتهيان من الحديث فيبدو أن نجمتنا تتهرب “
أبتسمت نجمة بمكر ..” دوماً تفهمينني أمي “
ضحكت والدتها و أنصرفت تأخذ جميلة المتذمرة من المساعدة فالتفتت نجمة لوالدها قائلة ..” أريد نصيحتك أبي فيما سأفعل “
هز محمود رأسه و قال ..” أخبريني عزيزتي ما الأمر “
*********************
” يا إلهي ..يا إلهي جدتي أين ذهبتي هل تريدين قتلي خوفاً “
قالها طِراد بقلق و هو يمسك بيد فريدة التي تستند على عصاها لتدلف إلى المنزل بهدوء قائلة ..” و لما القلق طِراد هل أنا فتاة صغيرة “
أجلسها على المقعد و قال لها بضيق و هو يجثم أمامها على ركبتيه ..
” لا لست صغيرة و لكن ألا يحق لي أن أقلق عليكِ فمنذ الصباح و أنا لا أستطيع الوصول إليك مع نسيانك لهاتفك النقال لم لم تأخذينه معك لتوفري على القلق جدتي “
ربتت فريدة على رأسه و هى تشعث خصلاته البنيه بحنان ..” أسفة حبيبي لم أتذكر وضعه في حقيبتي عندما ذهبت “
قال طِراد بحزم ..” هذه المرة الأخيرة التي يحدث فيها هذا سأتي لك بمرافقة أتفقنا “
قالت فريدة و هى تهز رأسها رفضا ..” عندما أحتاج سأخبرك لا تقلق طِراد أنا بخير “
تنهد بضيق ..” حسنا أخبريني أين كنت طوال النهار “
أجابته فريدة بلامبالاة ..” في الحديقة العامة التي تبعد عنا حارتين “
عقد حاجبيه و سأل بريبة فالمكان بعيد عنهم سيرا تقريباً نصف ساعة لمن هو مثله قوي و سريع الحركة فماباله بجدته التي تسير الهوينا حتى لا تتعب ..” قولي أنك أستقليتي سيارة “
أبتسمت فريدة ثم ضحكت على حفيدها الذي يريد منها طمئنته و لو بالكذب ..” فعلت و أنا عائدة إلى هنا لا تقلق “
تنهد براحة و سألها ..” هل تناولت الطعام “
هزت رأسها موافقة فقال يكمل ..” ستأكلين مرة أخرى الآن لأطمئن أنك لست جائعة أتفقنا “
مطت شفتيها و طيف إبتسامة يظهر عليها عند تذكرها ما حدث اليوم مع نجمة و الصغير وسيم تعتقد لو علم طِراد سيصاب بصدمة مما فعلاه مع الصبي الصغير فهن قد أتفقتا على اللقاء في نفس الموعد مع وسيم كانت نجمة قد أحضرت بعض الطعام لهما و زجاجة مياة و بعض الحلوى ليتناولونها بعد الطعام و بعد أن انتهيا جميعاً من تناوله أمسكت نجمة بيد وسيم قائلة بجدية ..” وسيم أنت تريد أن تعود لدراستك و تكف عن التسول من المارة و عدم إرتداء هكذا ملابس قبيحة أليس كذلك “
هز وسيم رأسه موافقا فقالت نجمة تكمل ...” إذن أفعل ما سأقوله لك أتفقنا “ و ظلت تخبره ما ستفعله و فريدة تنظر إليها بإعجاب عن رجاحة عقلها و تناولها للوضع بدون أن تقحم نفسها بطريقة مباشرة
بعد نصف ساعة
جلس يستند على الحائط يمسك برأسه من هول الصدمة و ما علمه أن زوجته تفعله بطفله الوحيد بدون علمه فقال الضابط بغضب شديد ..” أنهض يا رجل و كفاك تذمر مثل النساء “
نظرت إليه نجمة بغضب فأبتسم هارون بمرح قائلاً ..” و الآن ستفعل ما سأخبرك به “
نهض الرجل بتخاذل و دنا منهم فأكمل هارون ..” أنت سترجو الآنسة التنازل عن محضر السرقة الذي أقامته ضد ولدك و حينها سيكون الأمر بخير و لكني أعدك أن وجدته يتسول في الطرقات سأقبض عليه و سيدخل السجن و لن تستطيع إخراجه بعدها لحين يكبر و سيكون الأوان قد فات للإصلاح و ستكون قد أضعت مستقبله ماذا قلت “
رفع الرجل يديه يأسا و هو يسأل هارون ..” ما تراه مناسبا سيدي سأفعله “ ثم نظر لنجمة و فريدة الجالستين بهدوء قائلاً ..” أرجوكي آنستي و سيدتي سأفعل أي شئ فقط لا تتهما ولدي بالسرقة ارجوكما لا تضيعا مستقبله بسبب زلة صغيرة “
قالت نجمة بغضب ..” تقول زلة بسيطة ولدك هذا يأتيني كل يوم عند جلوسي في الحديقة يستجديني فأعطيه و أطعمه و اليوم اليوم عندما لم أعطيه شيئاً يسرق حقيبتي و يركض ليعطيها لزوجتك المصون التى لم تحافظ عليه و أنت تتركه أمانه لديها أي أم اتيت بها هذه لطفلك “
قال الرجل برجاء ..” أقسم سأطلقها فأنا لن أستطيع أن أءمنها عليه مرة أخرى و لكن أرجوكي تنازلي عن القضية “
صمتت نجمة بتفكير ثم أجابت بهدوء ..” حسنا سأفعل و لكن أن وجدته يتسول مرة أخرى كما قال الضابط هارون سأتي به هنا و أسلمه له “
شكرها الرجل كثيرا و هو يأخذ وسيم و ينصرف و قبل أن يرحل عاد وسيم ركضا ليحتضنها و يبكي قائلاً بخفوت ..” شكراً لك نجمة أختي أنا أحبك “
ضمته بحنان قائلة ..” تعال لرؤيتي عندما تسنح الفرصة يوم إجازتك من المدرسة تعرف أين ستجدني “
رحل و والده و هو يأشر لها بذراعه فنهضت نجمة و فريدة شاكرين ..
” شكراً لك سيدي لولا مساعدتك ما إستطعنا فعل شئ “
أبتسم هارون بمرح قائلاً فهذه الفتاة تذكره بمجنونته نسيم شعر بالشوق إليها فأراد العودة سريعًا إلى المنزل ليرها ..” لا عليكي هذا واجبي إلى اللقاء آنستي إلى اللقاء سيدتي “
عادت فريدة على صوت طِراد و هو يسألها ..” جدتي أين ذهبت بأفكارك ما الذي يجعلك باسمة هكذا “
ردت فريدة بمرح ..” لا شئ عزيزي أين هو الطعام الذي أخبرتني عنه يا ولد “
ضحك طِراد و نهض ..” فوراً جدتي سأمر الخادمة بتحضيره “
تركها منصرف تحت نظراتها الحنونه فهو حفيدها الوحيد تتمنى أن يحظي بزوجة تحبه و تجعله سعيدا ...
**************
دلف إلى المنزل وجدها تجلس جلستها المفضلة أمام التلفاز و تضع طبق من البوشار على معدتها تأكل منه و هى تشاهد التلفاز فدنا منها بهدوء و إنحنى يقبلها برقة على عنقها فأبتسمت قائلة ..” وحشتني يا هارون الرشيد“
جلس بجانبها يضمها بقوة ..” واضح أني وحشتك مانا شايفك أهو بتفكرى فيا “
ضحكت نسيم بمرح ..” أعمل إيه إبنك مش مخليني أعرف أفكر غير في الأكل و بس لدرجة أني بصحي من النوم بالليل عشان أكل الواد ده طالع لمين طفس كده مش عارفة“
رد هارون بسخرية ..” أكيد مش ليا يا حبيبتي ده طالع لأمه بدليل أنك بعد ما بتخلصي أكل بتعدي تتفرجي على التلفزيون لحد الصبح مين برأيك يشبه “
ضحكت نسيم و مدت له طبق البوشار فغمز لها بعينيه قائلاً ..” أنا عايز أكل حاجة تانية ينفع “
ردت بمكر ..” لا مينفعش ماما زمانها جاية من عند مريم مش عايزها تيجي تلاقينا في وضع مخل بالأداب يا حضرة الظابط “
أحنى رأسه يقبلها بإغواء ..” ما تخافيش هتيجي تلاقينا خلصنا و كله تمام و مفيش شهود عيان كمان “
دفعته بغيظ بعيداً عنها ..” هارون قولتلك طريقتك دي في الكلام بتحسسني أني قاعدة معاك في القسم نفسي لما ترجع البيت تفصل “
ضحك هارون بمرح و نهض يحملها و يدخلها غرفتهم و هى تتذمر ..” هارون ماما جاية قولتلك “.
أخفض رأسه يوقفها عن الحديث و يدفع الباب بقدمه قائلاً ..” تعرفي فكرتيني بفيلم زمان كان إسمه إيه يا هارون إسمه إيه ..“
ضحكت نسيم ..” اتحداك لو عرفته “ وضعها على الفراش يلتصق بها يهمس بحب ..” بحبك يا مجنونة “ لفت يديها حول عنقه تشده إليها ..” بعشقك يا هارون الرشيد بس خالي بالك ماما زمانها ...“
أسكتها بطريقته التي باتت تحبها منه منذ كانا مخطوفين لدى ذلك المجرم شوقي متذكرة كل ما مرت به معه منذ قابلته على الطريق