اخر الروايات

رواية شظايا قلوب محترقة كامله وحصريه بقلم سيلا وليد

رواية شظايا قلوب محترقة كامله وحصريه بقلم سيلا وليد 


                                   
اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك 

+


أنا وانت ...نشبه الحرب والسلام
لا نلتقي ولا نفترق..كلانا يبحث عن الآخر ...
والهدنة بيننا حفنة أحلام..
كاذبوون أنتم..
من اخبرتمونا بأننا سنتجاوز ونتخطى كما تخطى غيرنا....فواجع الفقد والرحيل..
مضت الأيام واحترق الفؤاد اشتياقًا...
والله مانسيناكم..أماكنكم هنا لا زالت شاغرة..
ياسااادة
نرسم أحلامنا ونحن نعلم ..
بأن الرسم ليس سبيلا لتحقيقها 
ولكن أمل مرسوم خير من ألم مكتوم..
ف والله كان اللقاء بك قدر..
وللقدر رأي آخر لا يوافق أحلامنا الهادئة..
باختصار لا القدر يجمعنا ولا البعد يفرقنا

+


أبطال الرواية 
إلياس مصطفى السيوفي :
يبلغ من العمر اثنين وثلاثين عامًا..

+


أرسلان فاروق الجارحي :
يبلغ من العمر ثلاثين عامًا 

+


يزن إبراهيم السوهاجي :
يبلغ من العمر ثلاثين عامًا 

+


آدم زين الرفاعي :
يبلغ من العمر ثلاثين عامًا 

+


ميرال راجح الشافعي :
تبلغ من العمر خمسة وعشرين عامًا 

+


إيلين محمود الجندي :
تبلغ من العمر اثنين وعشرين عامًا

+


غرام محمود الزهيري :
تبلغ من العمر اثنين وعشرين عامًا

+


رحيل مالك العمري :
تبلغ من العمر خمسة وعشرين عامًا

+


بأحد أحياء القاهرة الراقية، وخاصة بتلك الفيلا التي يدون على خارجها
فيلا اللواء مصطفى السيوفي ..بالأعلى 
بذاك الجناح سيدة بمنتصف عقدها الخمسون جلست على سجادة صلاتها 
لتنهي وردَها اليومي، صدقت تفتح كفيها وتنظر بعيون مرققة بالدموع أن يربط على قلبها لغياب فلذة كبدها، تدعو من الله أن يجمعها بهما، ظلت لدقائق ثم نهضت من مكانها متَّجهةً إلى نافذةِ غرفتها تفتحها بخروجِ زوجها من الحمام:
صباح الخير يافريدة...استدارت مبتسمة :
صباح الخير يامصطفى، عامل إيه دلوقتي لسة جنبك بيوجعك؟.
خطى إلى أن جلسَ على الأريكة، ثمَّ بسطَ كفَّيهِ إليها :
تعالي قوليلي الصُّداع لسَّة بيجيلك؟..
خطت إليه، ثمَّ جلست بجوارِه : 
لا، الحمد لله، باخد العلاج وأديني ماشية عليه..
مسَّدَ على وجهها بحنان، ثمَّ حاوطها بذراعيهِ يجذبها تختبأُ تحتَ جناحِ حنانِه :
اهتَّمي بصحتِّك يافريدة، أنا مقدرشِ أعيش من غيرِك..رفعت رأسها تطالعهُ بعيونٍ لامعة :
ربِّنا يخليك ليَّا يامصطفى، إنتَ أكبر نعمة ربنا أنعمني بيها بعد سنين مرار .

+


قبلةً عميقةً بمعاني كثيرة فوقَ جبينها :
طيِّب حبيبتي اهتَّمي بصحتِك، وسيبك من عصبيتِك طولِ اليوم..اعتدلت قائلة :
فكَّرتِني هتفضل ساكت على إلياس كدا، العمر بيجري بيه وهوّّ مش حاسس، نهضَ من مكانهِ يشيرُ إليها :
هاتي بدلِتي فيه اجتماع في الوزارة النَّهاردة، وربِّنا يستر مالقَهوش عامل مصيبة، إلياس خلاص مبقتِش قادر عليه، نفسي أجوِّزُه النهاردة قبلِ بكرة، بس إنتِ شايفة رفضه ..
ربتت على كتفهِ تتعمَّقُ بالنظرِ إليه :
إيه رأيك أكلِّمُه مرَّة تانية، يمكن يسمع مني المرَّة دي ..
هزَّ رأسهِ بالرَّفض :
لا لا ..بلاش إنتِ وترجعي تزعلي وضغطِك يعلى، سبيه بكرة الأيَّام تعدِلُه . 
أومأت بحزنٍ واستدارت متَّجهةً إلى غرفةِ ثيابه :
براحتك يا مصطفى..أطبقَ على رسغها يجذبها إليه :
فريدة إنتِ فهمتي إيه؟..هزَّت رأسها ثمَّ رفعت كتفها للأعلى بعدمِ رضا :
عارفة إنَّك خايف يزعَّلني، بس أنا خلاص اتعوَّدتِ عليه ومبقتش أزعل منُّه، دنت منهُ تحتضنُ وجهه :
مصطفى..إلياس سواء رفض أو قبل هوَّ ابني وعمري ماهزعل منُّه، مهما يقول ومهما يعمل، هوّّ معذور ياحبيبي، شايفني مرات أبوه اللي مفكَّرها السبب في موت أمُّه .
ضمَّها بحنان :
ربِّنا يباركلي فيكِ يافريدة وميحرمنيش منِّك، خرجت من أحضانهِ ورسمت ابتسامة قائلة :
هنزل أشوفهم خلَّصوا الفطار ولَّا لأ...أومأَ لها دونَ حديث..غادرت الغرفة تشعرُ بدموعها تتكوَّرُ تحتَ أهدابها، إلى أن وصلت إلى غرفةِ ابنتها، دلفت إليها وهي تضعُ كفَّيها فوقَ فمها تمنعُ غصَّتها المتألِّمة، ظلَّت لدقائقَ تستعيدُ اتِّزانها، ثمَّ خطت حتَّى وصلت إلى فراشِ ابنتها :
ميرال حبيبتي قومي الساعة تمانية وعندِك Meeting ..رفرفت بأهدابها عدَّةَ مرَّات، انحنت فريدة تطبعُ قبلةَ فوقَ خصلاتها :
صباح الخير حبيبتي..اعتدلت تُرجِعُ خصلاتها للخلف :
صباح الخير ياماما، هيّّ الساعة كام ؟..
نظرت بساعةِ هاتفِ ابنتها :
الساعة تمانية حبيبتي، قولتي عندِك اجتماع مهِّم الساعة عشرة، هبطت من فوقِ سريرها متَّجهةً إلى الحمَّام : 
فنجان القهوة ياستِّ الكُل قبلِ ما أنزِل .. 
ابتسمت لها ثمَّ نهضت من مكانها واقتربت منها :
محكتيش لماما إيه اللي حصل معاكي إمبارح ..استدارت تنظرُ بصمتٍ للحظاتٍ ثمّّ تأفَّفت بضجر :
ولا حاجة سيادة الظابط العظيم رفض أعمِل الحوار الصحفي مع المسجون، وطردني كالعادة..
أفلتت فريدة ضحكة على حركاتِ ابنتها، ثمَّ هزَّت رأسها وخرجت مردِّدة :
واللهِ جننتيني إنتِ والياس ..
ماما ..توقَّفت على بابِ الغرفة استدارت إلى ابنتها :
عرَّفي عمو مصطفى مش كلِّ مرَّة هسكُت على تبجحه، واللهِ هقدِّم فيه شكوى لنقابةِ الصحفيين ..
خرجت فريدة متذمِّرة من أحاديثها التي لا تنقطعُ عن قسوةِ إلياس، وصلت إلى الأسفلِ قابلها إسلام على الدرج :
صباح الخير ياماما فريدة .
ابتسامة تجلَّت بملامحها عندما اقتربَ منها ثمَّ قبَّلَ وجنتيها :
أنا مطيع أهو وقدِّمت الولاء والطاعة .
ربتت على ظهرهِ بحنانٍ أمومي : 
صباح الورد ياروح ماما، أخوك مصحيش..قاطعهم صوتهِ وهو يردفُ بصوتهِ الرخيم :
صباح الخير...قالها وتحرَّكَ إلى طاولةِ الطعام، ثمَّ جذبَ الصحيفةَ يتفحصُ الأخبار، اتَّجهَ إسلام إليها حتى يُخرِجها من حالةِ الحزن :
بقولِّك ياجميل، إيه رأيك تحضري النهاردة حفلةِ التَّخرُج، إنتِ وسيادة اللوا، بس البتِّ ميرال لا، لأنها شقيَّة وهتبوَّظ الحفلة ..
سامعة دبَّانة بتجيب بسيرتي، تحرَّكَ إليها يحيِّها بيدهِ :
ميرو، وحشتيني الكام ساعة دول..توجَّهت إلى طاولةِ الطَّعامِ وعينيها على ذاكَ الذي جلسَ يرتشفُ قهوتِه ويتفحَّصُ الأخبار، ثمَّ جذبت المقعد بقوَّةٍ حتى أصدرَ صوتًا، رفعَ عينيهِ إليها :
بالرَّاحة يامعزة على الصُبح، إيه مفكَّرة نفسِك في حديقة حيوان، لم تعيرهُ اهتمامًا و رفعت عينيها إلى إسلام :
سلُّومي حفلتِك الساعة كام، علشان أعدِّي عليك، جلسَ بجوارِها : 
قولي واللهِ وهتفضَلي ساكتة ولَّا تجيبينا مجلسِ الشّّعب، أفلتت ضحكةً مرتفعةً ثمَّ ضربتهُ بخفَّةٍ على رأسه :
بس يالا، قاطعهم دلوفُِ غادة توأمَ إسلام : 
صباح الخير ياعفاريت السيالة..قبلة على الهوا من ميرال إليها .. 
خلَّصتوا مسرحيتكم التافهة، قالها وعينيهِ كالطَّلقاتِ النَّارية إليهم :
مش عايز تفاهة على الصُّبح، إفطروا وأنتوا ساكتين ..نظرت غادة إليه :
صباح الخير ياأبيه إلياس، آسفة مكنشِ قصدنا نزعج حضرتك ..
أشارَ بعينيهِ لطعامها :
كُلي وإنتِ ساكتة، متبقيش تافهة زي الأغبية الرَّغايبن ..أومأت لهُ وبدأت تتناولُ طعامها بصمت، وصلت فريدة تضعُ إليهم أكوابَ اللبن :
ممكن تبَّطلوا قهوة على الصبحِ وتشربوا اللبن ..
رمقها إلياس وتمتمَ بتهكُّم :
ناقص تقوليلُهم إغسلوا سنانكم قبلِ النوم، قالها ونهضَ ملقيًا محرمتِه، يحملُ أشيائه الخاصَّة بعدما ارتدى نظَّارته .. 
طالعتهُ بأعينٍ حزينة :
هتمشي من غير فطار..رفعَ رأسهِ إليها بدخولِ والدهِ ملقيًا تحيَّةَ الصباح :
صباح الخير ياولاد..ردّّ على والدهِ التحيَّة ثمَّ رمقَ فريدة بنظرةٍ سريعةٍ قائلًا :
ماليش نفس، أتمنَّى تعاملينا على إننا كبرنا، بلاش مثالية الستِّ المصرية المتأفوَرَة دي..قالها وخطا لبعضِ الخطواتِ ثمَّ استدارَ ينظرُ لتلكَ التي توقَّفت بجوارِ والدتها :
ماما حبيبتي أقعدي علشان تفطري، واللي يفطر يفطَر واللي مفطِرش يشرب من البحر ..
تحرَّكَ إليها وتوقَّفَ أمامها مردِّدًا بنبرةٍ قاسية :
عارفة لو شوفتِك عندي هحبسِك في الزنزانة، آخر تحذير سمعتي، ثمَّ ألقى نظرة على والدِه : 
قولَّها تبعد عن طريقي، خلِّيها تلعب بعيد مش ناقص غباء من واحدة غبية زيَّها ..قالها وتحرَّكَ للخارجِ وكأنّّه يسابقُ عدوِه . 
ربتَ مصطفى على كفِّ فريدة، ابتسمت وأومأت له :
إلياس خلاص اتعودَّتا ...ابتلعت غادة طعامها :
أه والله ياماما فريدة، بقى عندنا تناحة من كترِ ماتعوِّدنا .. 
اتَّجهت ببصرها إلى ابنتها الصامتة :
ميرال مابتكليش ليه؟!
توقَّفت تمسحُ فمها ورسمت ابتسامة :
شبعت حبيبتي لازم أتحرَّك علشان متأخرَش، استدارت إلى مصطفى وطبعت قبلةً فوقَ رأسِه :
صباح الفُل ياحضرةِ اللواء..ضمَّها بحنانٍ أبوي :
صباح الخير على القمر..حملت حقيبتها واتَّجهت إلى والدتها ثمّّ دمغتها بقبلةٍ على وجنتيها :
دعواتِك ياستِّ الكُل..توقَّف إسلام يشيرُ إلى غادة :
ياله يادودي هنتأخَر على المحاضرة، هبَّت واقفة واتَّجهت تجمعُ أشياءها : 
باي يابابي، باي ماما فريدة..قالتها غادة وغادرت برفقةِ أخيها ..
ظلَّت فريدة تطالعُ ذهابِهم إلى أن اختفوا، بعدَ فترةٍ انتهى مصطفى من طعامِه، ثمَّ همَّ بالمغادرة، توقَّف لتوديعها :
خلِّي بالك من نفسِك، لو حسِّيتي بحاجة كلِّميني فورًا أنا مش هتأخر ..
أومأت لهُ دونَ حديث..نهضت من مكانها متَّجهةً إلى الحديقةِ، جلست بمكانها المفضَّل تنظرُ لتلكَ الأشجارِ التي بدأت تتأثرُ بقدومِ فصلِ الخريف .
غامت عينيها لذكرياتِ تلكَ الأشجارِ، التي قامت بغرسها والعنايةِ بها بكلِّ حب، جلست بجوارِها تلملمُ أوراقها المتساقطة، تنهيدة عميقة حرقت جوفها متذكِّرةً الماضي بآلامه .. 

+          
فلاش باك قبلَ ثلاثون عامًا

+


بإحدى أجملِ محافظاتِ مصر المطلَّة على البحرِ الأحمرِ والتي تعدُّ من أكبرِ المراكز التجارية والحضارية، ألا وهي محافظة السويس خاصَّةً في ذاك الحيِّ القديم، ..انتهت تلكَ السيدة التي تبلغُ من العمرِ خمسة وعشرون عامًا من صلاتها، ونهضت متَّجهةً إلى موقدِ الغاز لتقومَ بتجهيزِ طعامِ الإفطار لزوجها قبل ذهابهِ لعملهِ في البحر، حيث يمتلكُ متجرًا كبيرًا للأسماك، أنهت فريدة إعدادَ الطَّعامِ ثمَّ توجَّهت إليه وقامت بإيقاظِه :
جمال ..قوم الساعة تمانية زمان الصيَّادين على وصول..فتحَ عينيهِ بإرهاقٍ ينظرُ بساعتِه، ثمَّ اعتدلَ يمسحُ على وجههِ مستغفرًا ربهِ علَّه يطردُ شيطانه :
صباح الخير ياأمِّ يوسف، اتَّجهت إلى النافذة وفتحتها مبتسمة :
صباح الخير ياحبيبي، نهضَ معتدلًا وابتسامة زيَّنت وجهه،
يزيد عامل إيه؟..ابتسامة زيَّنت ثغرها تشيرُ على بطنها :
خلاص سمِّيتُه يزيد، مش يمكن تكون بنت..

+


إن شاء الله ولد، إنتِ قولي يارب .
استدارت واتَّسعت ابتسامتها التي أنارت وجهها حلو التقاسيم :

+


ربنا يرزقنا بالذريَّة الصالحة أهمَّ حاجة، بنت ولد مش مهمّ، المهمِّ يكون ولد ياخد بأيدينا للجنَّة في الآخرة ويكون عونًا لينا في الدنيا، حاوطَ جسدها ثم دمغَ جبينها بقبلة حنونة:
إن شاء الله ياحبيبتي، راضي باللي يجيبه ربنا، نفسي في أخ ليوسف، يبقى يوسف ويزيد .

+


ربتت على كتفِه : 
إن شاء ياجمال، أنا راضية، مع إنِّ نفسي في بنت بس في الأوَّل والآخر اللي ربنا يجيبُه كويس .
حاوطَ بطنها بكفَّيه :
إنتِ في الشهرِ الكام دلوقتي؟..
وضعت كفّّها على كفَّيهِ وأجابته :
لسة في بداية الرابع، خير إن شاءالله حبيبي..إجهز وأنا هشوف يوسف صحي ولَّالأ..الولد من إمبارح وجسمُه سخن، 
تحرَّكَ بعدما شعرَ بالخوفِ على ابنه :
ياخبر أبيض، ليه مقولتيش، كنت أخدتُه للدكتور، 
وصلَ إلى غرفةِ ابنهِ الذي يبلغُ من العمرِ سنتين، وجدهُ مستغرقًا بالنوم، انحنى وطبعَ قبلةً فوقَ جبينه :
ربنا يباركلي فيك ياحبيبي، وأشوفك أحسن واحد في الدنيا .

+


قطعَ حديثهم طرقاتٍ على بابِ منزلهما، اتَّجهت متحرِّكةً تشيرُ إليهِ : 
اطلع إفطر وبعدين صلِّي الضحى..قالتها واتَّجهت تفتحُ الباب، دلفت سيدة تبلغُ من العمرِ ثمانية وعشرون عامًا :
صباح الخير يافريدة ..جذبتها من ذراعها :
صباح الخير حبيبتي، أدخلي هتفضلي واقفة ..دلفت بخطى متعثِّرة تكادُ قدميها تحملنها، أسرعت فريدة تساندها :
رانيا مالك ياقلبي؟!..سحبتها لتجلسَ على الأريكة التي تقابلُ طاولةَ الطَّعامِ ثمَّ جلست بجوارها ..ارتفعَ بكاؤها : 
شوفتي، راجح عايز يرجَّع طليقتُه.. 
شهقة خرجت من فمِ فريدة :
ليه يرجعها، هوَّ مش كان طلَّقها وخلاص؟..ابتلعت جمرة حارقة وهي تشيِّعُ جمال بنظرةٍ قائلة :
علشان قولتلُه مش عايزة ولاد دلوقتي .

+



        

          

                
ضربت على صدرها بحركةٍ تنمُّ عن غضبها :
إنتِ مجنونة!..بعد إيه إنتِ حامل يارانيا، مينفعش تنزلِّيه حرام عليكي .

+


رمقها جمال مستاءًا، ثم أردف :
أنا لو منُّه كنت كسرت رقبتِك، ارتفعت شهقاتِها ومازالت نظراتَها عليه .
توقَّفَ يستغفرُ ربه، ثمَّ اقتربَ منهما :
عايزة تقتلي روح يابنت سيدة، إيه الجبروت اللي إنتِ فيه دا، إحمدي ربنا إن راجح سابِك عايشة، ثم أشارَ إلى زوجته، 
اتعلِّمي من بنت عمك الصغيرة، عندها ولد والتاني جاي في السِّكة، وحضرتِك لسة عايشة صغيرة على الحب..
فريدة هنزِل الشغل، وعقَّلي بنت عمك وعلِّميها تكون ست زيِّك .
توقَّفت تصرخُ بوجهه :
إنتَ ليه دايمًا شايفني شيطانة ياجمال، إيه قولي عملت لك إيه ..
استدارَ وتحرَّكَ للداخل يردِّدُ الاستغفار .
حضنتها فريدة تربتُ على ظهرها :

+


طيِّب إهدي حبيبتي، متنسيش إنِّك حامل ودا غلط على اللي في بطنك، أقعدي وإحكي لي إيه اللي حصل ..
توسَّلتها برجاء، فجلست على المقعدِ وداخلها نيرانُ الغيرة تكوي أحشائها، 
إحكي لي إيه اللي حصل، ليه عايزة تنَزِّلي الولد، إنتِ ممكن ماتعرفيش تخلِّفي تاني حرام عليكي ..

+


قطعت حديثها عندما خرجَ جمال من الغرفة :
أنا نازل يافريدة، وخلِّي بالِك من نفسِك، ومن يوسف واللي في بطنك، دول أهم حاجة عندي.قالها بنبرة مشمئزة وهو يرمق رانيا، ثم تابع حديثه:
- هبعتلِك مرات حودة تشوف طلباتِك، هزعل منِّك لو عملتي حاجة..تحرَّكَ بعض الخطواتِ ثمَّ توقَّفَ مستديرًا يرمقُ رانيا :
وهبعتلِك معاها لزوم الغدا، علشان رانيا تتغدَّى معاكي، وتغذِّي الولد كويس ..تحرَّكت إليه :
متبعتش حاجة ياجمال، خيرَك موجود ياحبيبي، بلاش مصاريف على الفاضي 
حملَ جاكيتهِ يشيرُ إليها بالتقرب إليه ثمَّ طوَّقها بين أحضانِه : 
حبيبتي أنا ومالي تحتِ رجليكي، اوعي تسخسري حاجة في نفسك والولاد ..حاوطت خصرِه :
ربِّنا يخليك ليَّا ياجمال يارب، دمغها بقبلةٍ فوقَ جبينها ثم غادرَ إلى عمله .
كانت هناكَ عيون تطلقُ شرار من ذلكَ المشهد..هبَّت واقفةً واتَّجهت إلى بنت عمها كالنيرانِ التي تريدُ التهامَ كلَّ شيئ .

+


سايبة بنت عمك اللي بتقولي عليها اختك في همَّها وحزنها وحضرتِك قاعدة تحبِّي في جوزك!..
أنا غلطانة مفكَّراكي أخت بحق وحقيقي لكن إنتِ كلِّ همِّك جمال وبس إنَّما أختِك لا، هقول ايه ماانا مش شقيقتك..

+


سحبت كفَّها تجذبها إلى الداخل :
إهدي حبيبتي، ايه اللي بتقوليه دا، انتِ زي اختي وحبيبتي ومالناش غير بعض بعد موت عمي، ارتاحي واسحبي نفس إنت دايمًا كدا تقفشي..جلست تضربُ على ساقيها :
أنا عايزة أطَّلق يافريدة من راجح، مستحيل أفضل على زمِّتُه لحظة واحدة بعدِ اللي قالُه .
أطلقت فريدة تنهيدة عميقة، وحاولت تهدئتها :
طيِّب ممكن تهدي دلوقتي علشان الولد اللي في بطنِك، الطلاق مش سهل وخصوصًا معاكي ولد، راجح ابن حلال، احكي لي اللي حصل، ووعد لمَّا يرجع جمال من الشُغل هخلِّيه ينزل يكلِّمُه، بس المهم تشيلي فكرة تنزِّلي الحمل حرام عليكي .
لم تستطع الردَّ عليها،كيف ستقصُّ لها أنَّها تريدُ الطلاقَ لأنها تحبِّ زوجها..فكرة شيطانية خطرت بذهنها فتمتمت:
عايزة بيت جديد يافريدة، البيت دا بقى قديم، لازم يشوف شغل مع جمال، هنفضل في الشقَّة القديمة دي لحدِّ إمتى ..، وليه ماسك في الوظيفة

+



        
          

                
تأفَّفت فريدة بضجرٍ وهي تسحبها إلى طاولةِ الطَّعام وهتفت بنزق :
تعالي إفطري يارانيا، وإحمدي ربِّنا جوزِِك ربنا أنعم عليه بوظيفة كويسة، ليه بتحاربيه في شغله، يابنتي فيه رجَّالة كتير تتمنَّى تكون مكانه .
مصمصت شفتيها معترضةً وضربت بكفَّيها بعضها البعض :
على إيه ياحسرة الكام ملطوش اللي بياخدُهم، هوَّ فيه أحسن من الشغل الحر، شوفي جمال بيكسب في أسبوع أكتر ماهوَّ بيكسبُه في شهر .
لا حولَ ولا قوَّةَ إلا بالله العلي العظيم، رددتها فريدة قائلة
- إيه اللي بتقوليه دا يارانيا، دي أرزاق، جوزِك ظابط يابنتي يعني قيمة، وبعدين متزعليش إنتِ اللي بتصرفي كتير، راجح بيدخَّل كتير لكن إنتِ اللي مش حريصة، مين قالِّك جمال ياما هنا ياما هناك ...جمال ياحبيبتي معاه عمَّال يعني اللي بيطلع لنا بسيط بس دي بتكون بركة..إنتِ اهتمي بجوزِك يابت دا كفاية عليكي مرات حضرة الظابط .

+


وضعت الطعام بفمها تلوكهُ وتتحدَّثُ بغضب:
مش عايزاه ياختي الظابط دا، أنا عايزة راجل يحسِّ بيا .
جاهدت في إخفاءِ حزنها من بنت عمها على عدمِ الرضا بالمكتوب..وضعت أمامها كلَّ ماتشتهيهِ ثمَّ أردفت بهدوء :
حبيبتي طول ماإنتِ مابتشكريش ربِّنا كدا عمر ربنا ما يزيدك، مش دا راجح اللي كنتي هتموتي عليه رغم أنُّه كان متجوِّز ، شوفتي آخرتها إيه

+


تصنَّعت الحزنَ ونكست رأسها للأسفلِ قائلة:
كنت مفكَّراه هيطلع زي جمال يافريدة، نفسي في راجل يحبِّني ويهتمِّ بيا زيك كدا .
ضحكت فريدة ببراءة ثم ربتت على كتفها :
يابتِّ راجح بيحبِّك، وبيموت فيكي كمان، هو فيه واحد يتجوز على مراته غير عاشق، بس ضغوطِك عليه دي غلط ..
هزَّت جسدها تلُّوحُ بكفَّيها غيرَ راضية وأجابتها ممتعضة :
لا والله إنتِ متعرفيش حاجة كلِّ فلوسه على إبنه الزفت، طليقتُه سوسة كلِّ شوية تتكهون عليه، وإيش الواد عايز دكتور مرَّة وعايز مصاريف منها غير كلِّ شوية ينطِّ لها بحجة الولد .

+


هزَّت رأسها غير راضية .
حرام عليكي يامفترية، البنت غلبانة وفي حالها وأهلها شايلين كل حاجة 

+


هيَّ مين اللي في حالها دي، لمَّا جمال يتجوِّز عاوزة أشوفِك بتقولي كدا .

+


تذمَّرت فريدة فنهضت تلملمُ طاولةَ الطعام :
قومي يارانيا ارتاحي شوية، وبلاش كلامِك اللي يزعَّل دا، حافظي على جوزِك، المهمِّ قوليلي عايزة تاكلي إيه أعمِله ليكي؟..

+


تجوَّلَت بعينيها على المنزل فهتفت :
إنت جبتي صالون جديد؟..
تحرَّكت فريدة وهي تحملُ الأطعمة المتبقيِّة تضعها بالمطبخ، ثم توقَّقت تشيرُ إليها على مطبخها :
وغيَّرت المطبخ إيه رأيك؟..
إش إش يافريدة، إيه الحلاوة دي، شوفتي علشان تصدَّقيني تجارة السمك دي بتكسِّب إزاي، لو جوزِك شغَّال زي كان زمانِك مش لاقية حاجة .

+


توجَّهت إلى ثلاجتها وأخرجت بعضَ المجمدات :
غلطانة يارانيا، أنا كنت عملت جمعية كبيرة والستِّ عفاف قالتلي على معرض بيصفِّي شُغلُه جبت منه المطبخ والصالون، وكمان أوضة النوم، مقدرش أقرَّب من فلوس تجارة جمال، إنتِ عارفة البحر يوم ليك ويوم عليك .

+



        
          

                
المهم روحي ارتاحي، زمان البتِّ سميحة هتيجي وأخلِّيها تعملِك كلِّ الأكل اللي بتحبيه، إنتِ عارفة جمال بيضَّايق لمَّا بعمل شغلِ البيت أهمِّ حاجة عنده يوسف واللي في بطني .
نزلت ببصرِها على بطنها متسائلة :
جمال بيحبِّ الولاد شكله كدا، بدليل الولد لسَّة ماكمِّلش ٣سنين وعايز تاني .
ابتسمت تضعُ يديها على بطنها قائلة :
أوي يارانيا، ونفسُه كلِّ خلفتُه تكون صبيان، أنا شاكة برضو المرة دي كمان هجيب ولد نفس اللي بيحصلي دلوقتي حصل أيام يوسف .
استمعت إلى بكاءِ ابنها فنهضت سريعًا متجهةً إليه :
هشوف الولد وراجعة لك..أومأت لها .

+


تابعتها رانيا بعينين تنبثقُ منهما الغيرة ونيرانًا تريدُ إحراق كلَّ ما تملكه..خرجت تحملُ الولد :
يالهوي الولد سُخن أوي، أنا كدا لازم أنزِل بيه للدكتور، أتِّصل بجمال وأعرَّفه ولَّا إيه، بس جمال ممكن يقلق 
رفعت كفَّيها قائلة :
طيِّب هاتيه وروحي إجهزي، ولا تقولي ولا تعيدي..تناولت الولد وتصنّّعت الحزن قائلة بأسى : 
ياحبيبي الولد نار، إجهزي بسرعة وأنا هنزلِ معاكي .

+


بعدَ فترة بالمشفى جلست بجانبِ ابنها بعد قرارٍ من الطبيبِ بحجزهِ بالرعاية، 
ربتت رانيا على ظهرها :
ألف سلامة عليه يافريدة ماعلى قلبُه شر حبيبتي ..
أومأت لها وهي تحتضنُ كفَّ الصغير، إتِّصلي براجح يعرَّف جمال، معرفش تليفوني شكلي نسيتُه في البيت .

+


استدارت قائلة :
ولا يهمِّك هعرَّفُه، كان نفسي أقعد معاكي لكن مش قادرة إنتِ عارفة الحمل وتعبُه . 
أومأت لها وتجمَّعت العبرات بعينيها :
ولا يهمِّك، المهمِّ جمال يعرف علشان مايقلقش ..ولَّا هاتي تليفونِك أكلِّمه . 
رفعت الهاتف وأشارت لها :
هكلِّم راجح أهو وأعرَّفُه، قالتها وتحركت للخارج، لحظاتٍ وأجابها : 
إنتِ فين ؟!
أنا في المستشفى مع فريدة، عرَّف جمال ..قطعَ حديثها :
خير إن شاءالله..تراجعت للخارجِ وهمست :
الولد تعب شويَّة أصرِّت الدكتور يشوفُه، وقال إيه لازم يفضَل للصبح، علشان تطَّمِن عليه، مع إنِّ الدكتور قالَّها روحي الولد كويِّس بس تقول إيه لازم تجنِّن جمال، علشان تفهِّمُه أنَّها مهتمِيِّة بالولد .
جمال مش هنا، هيبات في البحر، عندُه نقص في أعدادِ العمَّال واتصَل بعد ما معرفش يوصَل لفريدة، وقالِّي أعرَّفها أنُّه هيبات برة .

+


بعدَ عدَّةِ ساعات تجلسُ بجوارِ زوجها تتناولُ الطعام، نهضَ من مكانهِ :
هروح أشوف الولد، برضو مينفعش يارانيا نسيبها لوحدها .
ألقت مابيديها وتوقَّفت : 
هي اللي عايزة كدا، الدكتور قالَّها مالوش لازمة، بس أهو تقول إيه..
سحبت كفِّهِ وأجلستهُ بجوارها،
أقعد الولد كويس، هيَّ اللي بتحبِّ تظهر قدَّام الكل إنَّها شاطرة وبتخاف على ابنها وكأنِّ مفيش غيرها.
ظلَّ يطالعُها بصمت، فتراجعت إلى الخلفِ تسحبه، تحاوط عنقه
-اقعد ياراجل وحشتني الله، ضمها من خصرها
-بحبك يارانيا نفسي تعقلي وتحطي الكلمتين دول في عقلك، رفعت نفسها وطبعت قبلة على وجنتيه
-عارفة ومتأكدة يارجوحة، بس انت اللي بضايقني وكل شوية فين الفلوس، بتسخسر فيا شوية فلوس ياراجح -ايه اللي بتقوليه دا، دا انت الحب كله دفعته ليجلس على المقعد، 
طيب علشان الكلمتين الحلوين دول شوف هعملك ايه

+



        
          

                
ثم قامت بتشغيلِ إحدى الأغاني الشعبيَّة وبدأت تتراقصُ عليها، إلى أن وصلت إلى ماتخطِّطُ إليه . 

+


فجرًا بأحدِ المشافي الحكوميَّة، قامت إحدى الممرضات بمهاتفتها :
أيوة ياستّ، الولد فاق وبقى كويس، وممكن يخرُج النَّهاردة . 
هبَّت فزعة وتحرَّكت بعيدًا حتى لا يستمعَ إليها زوجها :
يعني إيه يابت، إنتِ مش أكدِّتي أنُّه هيموت..أجابتها الممرضة بصوتٍ خافت :
معرفش فيه دكتور جديد كشف عليه، من شوية عرفت إنِّ الولد فاق .
بدأت تتآكلُ من الداخلِ وتهمسُ لنفسها كالتي فقدت عقلها :
يعني الولد هيعيش وهي تتهنَّى معاه، تعملي إيه يارانيا لازم تفكَّري بسرعة قبل ماجمال يرجع،
اتَّجهت لذاكَ المقعد وجلست تنظرُ للخارجِ وعقلها يعملُ بكافَّةِ الاتجاهات، ظلت لعدة ساعات وهي بتلك الحالة، إلى أن ابتسمت بشيطنيَّة، نهضت، متجهة إلى زوجها تيقظها
-الساعة داخلة على ٩ ايه هتفضل نايم، مش هتروح الشغل، اعتدل يجذب سجائره وأردف قائلًا
-لا إجازة النهاردة، إنتِ بتعملي ايه؟! جذبت وشاحها وصاحت قائلة:
هنزِل السُّوق أشتري شويِّة خضار، البيت مفهوش حاجة .

+


خرجَ زوجها وحاولَ إيقافها :
استنِّي أشوف حدِّ ينزل بلاش إنتِ الجو قلب ..
لفَّت حجابها بطريقةٍ عشوائية ثمَّ ارتدت حذاءها :
هاتلي بس 1000 جنيه، فيه فيتامين ناقص وعايزة أشتري شويِّة حاجات كمان . 
أشارَ إليها بالانتظارِ ثمّّ توجَّهَ إلى حافظة نقوده ليُحضرَ النقود..تحرَّكت رانيا الى إحدى المناطقِ تنتظرُ أحدَهم، خرجَ أحدُ الرجالِ الخارجينَ عن القانون يُعرَف بعطوة :
عامل إيه ياعطوة ؟..
كويِّس ياستِّ الناس ..تلفَّتت حولها ثمَّ أردفت بصوتٍ خافت :
عايزة منَّك خدمة تعملها زي اللي عملتها في الأوِّل ياعطوة وتتصدَّق ..
ظلَّ يستمعُ إليها بهدوء، استندَ على الجدارِ يحكُّ ذقنهِ ثمَّ رمقها قائلًا :
بس الموضوع صعب ياستِّ الناس، دا خطف وكمان متنسيش حضرة الظَّابط إيدُه طايلة .
جذبتهُ من ذراعهِ وتراجعت للخلف :
إسمعني، كلِّ اللي عاوزُه هتاخدُه زي المرَّة اللي فاتت المهم تخلصلي من الولد دا النهاردة قبلِ بكرة، ومتخفش من حضرة الظابط..
صمت ثم رفع عيناه إليها:

+


التمن المرَّة دي غالي ياستِّ رانيا، المرَّة اللي فاتت كانت شويِّة صور على شويِّة مكالمات، المرَّة دي خطف يعني أقلِّ حاجة سجن .
طالعتهُ بتذمُّر : 
إخلص ياعطوة عايز كام؟..
نصِّ مليون .
إيه إيه، نعم ياعنيَّا نُصِّ عفريت يشلُّوك، إنتَ مجنون يابني، همَّا 50 ألف ياكدا يا يفتحَ الله .
100 ألف ومينقصوش ولا جنيه، وبكرة تسمعي كلِّ خير .
ربتت على ذراعهِ وأفلتت ضحكة شيطانيَّة :
عليك نور، أيوة كدا عايزة عطوة الجدع اللي يعرف يخدِم صاحبة أختُه، بس أوعى هناء تعرف أزعل منَّك ..

+


مساء اليوم التالي :
جالسةً تشاهدُ التلفاز وتتناولُ بعضَ المكسَّرات، دلفَ ملقيًا السلام :
عاملة إيه يارانيا..طالعت التلفاز دونَ أن تعيرهُ اهتمام .
جلسَ بجوارها وسحبَ نفسًا يلفظهُ على مراحل ثمَّ أشارَ إليها :
فريدة رجعت من المستشفى ولَّا لسة؟..أغلقت التلفاز وتوقَّفت ترمقُه : 

+



        
          

                
هوَّ إيه كلِّ شوية تتصل وتسأل على فريدة، أوعى يكون شيطانك بيلعب بعقلك ،،
هبَّ من مكانِه، وأطبقَ على ذراعها :
اتجننتي!.. دي زي أختِك ومرات أخويا، شعرت بتسرُّعها فارتمت على صدرهِ تبكي بتصنُّع : 
آسفة ياراجح، بغير عليك، كلِّ ماأشوف حدِّ فيكم بيشكُر فيها بتجنن، يعني سبت بيت أبويا وهنا برضو، عجباكم شوية السَهوكة اللي بتعملهُم، محدِّش فاهمها أدي...

+


مسَّدَ على خصلاتها وضمَّها : 
متزعليش حقِّك عليَّا، أنا بسأل عادي علشان منكنشِ قصَّرنا معاها ويجي جمال يزعل ...خرجت من أحضانهِ : 
زمانها جاية تلاقيها خرجت من المستشفى وراحت تشتري حاجات، أصلها مابتبطَّلشِ إغراء في جمال، إنتَ مش شايف راحت حملت تاني علشان تربطُه بيها، 
تلاعبت بزرِّ قميصِه، وأردفت بغنج :
قولِّي هتجبلي إيه في عيد ميلادي ؟..
غمزَ بطرفِ عينهِ : 
حسب ماتقدِّمي ياروحي، أطلقت ضحكة رنانة وهتفت بدلال :
متنساش إنِّي حامل ..بعدَ فترة اعتدلَ متحرِّكًا للخارجِ يدندن، ثمَّ صاحَ بصوتِه : 
رينو تعالي حطِّي الأكل أنا جعان ..خرجت وهي تجذبُ روبها ترتديهِ ثمَّ هتفت :
معملتِش أكل ياراجح، كنت تعبانة ونمت ..
وليه مخلتيش البنتِ الشَّغالة تعمل الأكل؟..طلبتي زيادة علشان هتغيَريها وتجيبي واحدة أحسن منها إيه اللي حصل ؟!..

+


يوووه هوَّ تحقيق، البنت مرضيتشِ تيجي قالت الفلوس مش مكفِّية،

+


يعني إيه الفلوس مش مكفِّية، أومال ليه اتَّصلتي بمكتبِ الخدم، وفين الفلوس اللي المفروض تجدِّدي بيها البيت؟!..
طالعت البيت وأردفت بتهكُّم :
بيت إيه ياأبو بيت، أنا عايزة بيت زي طليقتَك، ماليش دعوة، أنا مش أقَّلِ منها ولو هي معاها الولد أنا كمان حامل وهجبلَك الولد ..
ألقى مابيدهِ واقتربَ منها غاضبًا :
وبعدهالك يارانيا، قولتلِك الشقَّة دي مش أنا اللي جبتهالها، هيَّ أخدت النفقة وكمِّلت واشترتها، وبعدين البيت مالُه ماهو حلو زيُّه زي بيت جمال، بس عايز اهتمام منِّك شوية .
نفخت بضجرٍ وجلست تحدجهُ :
قولِّي بقى الستِّ فريدة هيَّ اللي عجباك مش بيت جمال ..تأفَّفَ وثارت جيوشُ غضبه :
وبعدين معاكي، كلِّ ما نحاول ننسى ترجعي بينا لنقطةِ الصفر، مابقتشِ عيشة دي ..قالها وهمَّ بالمغادرة، هبَّت متَّجهةً إليهِ سريعًا :
رايح لها ياراجح، الجو خليلَك وعايز ترُوحلها، للدرجادي مقدرتِش تنساها حتى بعدِ ماتجوزتِ اتنين!..

+


دفعها صارخًا : 
إنتِ بتقولي إيه يامجنونة؟!..قالها وهو يلطمُها على وجهها .
برقت عينيها متسمِّرة لأوَّلِ مرَّة، يصفعُها، هل حقًا ذاكَ الرجلَ الذي تنازلت وتزوَّجته، يهاتُفُها بتلكَ الطريقة..اقتربت منهُ وكأنَّها أصابها الجنون :
بتضربني ياراجح !..طيِّب طلَّقني، أنا لازم أسبلَك البيت وأمشي، أنا غلطانة رضيت أتجوِّز واحد زيك، واللهِ لأفضحَك وورِّيني هتعمل إيه ياحضرة الظابط، دنى منها وعيناها كالهيب من قاع جهنم، قاطعَ تشاجرهُم رنينَ هاتفِه، 
استمعَ إلى بكائها : 
إلحقني ياراجح، مش لاقية يوسف في أوضتُه ابني اتخطف ياراجح، وجمال لسة مرجعِش ..
تسمَّرَ جسدهِ وشعرَ بدورانِ الأرضِ به، ليردِّد : 
يعني إيه يوسف مش في أوضتُه!.. اسألي الدكاترة، أنا جاي في الطَّريق .
رمقتُهُ الأخرى بنظرةٍ خبيثةٍ مقتربةً منه :
إيه اللي حصل ياراجح؟..لم يُعرها اهتمام وتوجَّهَ إلى سيارتهِ وغادرَ المكان...هوت على المقعدِ وابتسامةِ الانتصار تزيِّنُ وجهها تهمسُ بفحيح :
أخيرًا هعرف آخد حقِّي منِّك يافريدة، خلِّيهم يعرفوا إهمالِك، نفسي أشوف جمال لمَّا يرجع ويعرَف إنِّ ابنُه اتخطف...تؤتؤ ياحرام ياجيمي، الستِّ اللي رفضتِني علشانها ضيَّعِت ابنك اللي بتموت فيه .. رفعت الهاتف :
عملت إيه ياعطوة؟..توقَّفَ على جانبِ الطريق :
كلُّه تمام وزيِّ الفُل ياستِّ الكل، الولد واخده ملجأ في القاهرة، يعني مهما يدَّوروا عليه مش هيعرفوا يوصلولُه .
-القاهرة!!
ليه القاهرة مش اتَّفقنا على إنَّك تسفَّرُه برَّة مع الناس اللي بيشتروا العيال؟!
تلفَّتَ حولهِ وقامَ بإشعالِ سيجارة :
صعب حاليًا، المهمِّ إنِّك اتخلصتي منُّه، لازم اتحرك قبل الحكومة ماتشم خبر 
أجابتهُ على الجانبِ الآخر :
عندَك حق، بكرة هتلاقي حقَّك وصلَّك وزيادة كمان علشان تعرف أنا حقَّانية..قالتها وأغلقت الهاتف .

+



        
          

                
نهضت من مكانِها وتوقَّفت أمامَ المرآةِ تنظرُ إلى نفسِها بالمرآة :
يادي النيلة على الحملِ وسنينُه، وشِّي انطفى غير جسمي اللي بقى يقرِف، اتَّجهت إلى خزانتها وأخرجت عباءتها السوداء :
لازم احتفِل بأوَّل انتصار ليَّا، واللهِ شكلَها هتلعب معاكي يارانيا..وصلت بعدَ قليل إلى إحدى صالوناتِ التجميل، 
جلست إلى أن توجَّهت إليها إحدى العاملات، نظرت لنفسها بالمرآةِ تشيرُ على وجهها وشعرها :
عايزة نيولوك كأنِّي واحدة جديدة تعرفي ولَّا أشوف غيركم... 
أمسكت الفتاةُ بعضَ المجلَّاتِ الخاصَّةِ بقصةِ الشعرِ وتجميلاتِ الوجه :
اختاري يامدام وإحنا في الخدمة .

+


بعد عدَّةِ ساعات عادت إلى منزلها، قابلتها فريدة التي تهبطُ من سيارةِ راجح ووجهها لوحةً من الألمِ والحزن
توقفت رانيا ترمقه، عينيها متورِّمة من كثرةِ بكاؤها، يحاوطها راجح، يشيرُ إليها ..اقتربت رانيا وتصنَّعت الدهشة :
مالِك يافريدة وفين الولد..رفعت فريدة عينيها المنتفخة تحاوطُها بنظراتها من أسفلها لأعلاها ثمَّ همست بتقطُّع : 
رانيا إيه اللي إنتِ عملتيه في نفسك دا، اتجننتي! 
خلعتي حجابك!!ألقت نظرة على زوجها ثمَّ مسَّدَت على خصلاتِها القصيرة :
إيه رأيَك ياراجح، حلو؟..
رمقَ فريدة بنظرةٍ وصمَت، اقتربت فريدة ومازالت نظراتها المصدومة :
إيه الجنان اللي إنتِ عملاه دا، إنتِ إيه؟! ابني اتخطَف وإنتِ رايحة الكوافير تتجمِّلي وتغيَّري تسريحة شعرِك وتخلَعي حجابك ؟!
شهقة بتصنُّع تضربُ على صدرها :
بتقولي إيه اللي حصل لابنِك، إزاي اتخطَف يعني؟! استندت على الجدارِ تحرِّكُ أقدامها بصعوبة، وساحت عبراتها على وجنتيها حتى فقدت الرؤية..، سحبتها إلى داخل منزلها ثم ساعدتها بالجلوس:
إهدي يافريدة يمكن حدِّ عايز قرشين، ماعملتيش بلاغ ؟..
جلست تمسحُ على وجهها بحزن :
راجح عمل البلاغ، وبيدوَّروا عليه، قلبي مولَّع نار يارانيا ابني حبيبي ..
تابعتها بملامحٍ جامدة، احكي لي ازاي اتخطف، أنتِ كنتِ فين
-لعبوا عليا دخلت واحدة لابسة لبس ممرضات قالتلي الدكتور عايزك، رجعت مالقتوش من عند الدكتور اللي مكنش دكتور اصلًا..قالتها بشهقة وقلبها يئن من الوجع
جلست بجوارهِا : 
المهم فكَّري هتقولي إيه لجوزِك لمَّا يرجع...قالتها ونهضت قائلة :
معلش يافريدة، تعبانة معرَفش من وقتِ مارجعت من عندِك وبطني وضهري بيوجعوني ليه..كان نفسي ابات معاكي، بس أنا تعبانة اوي 
رمقتها فريدة بنظرةٍ خرساء، ونهضت متحرِّكةً بدخولِ راجح :
فريدة رايحة فين؟! استندت للخارج : 
رايحة بيتي، لو عرفتِ حاجة 
ياراجح عرفَّني . 
حاولَ إيقافها ولكنَّها تحرَّكت وكأنَّها تتحرَّكُ فوقَ بلُّور، أطبقت على جفنيها تتمتمُ : 
إنتَ فين ياجمال، تعالَ هاتلي ابني ياجمال..تشبثت بسياجِ الدرجِ وخطت إلى منزلها الذي يقابلُ منزلَ بنت عمها ..فتحت الباب وهوت على الأرضيَّةِ تبكي بنشيج :
إنتَ فين يايوسف، إنتَ فين ياحبيب ماما..ظلَّت تبكي بمكانها حتى أصابتها غمامةً سوداء ونزلت بجسدها بالكاملِ مغشيًا عليها .

+



        
          

                
بالأسفل :

+


اقتربَ راجح من رانيا بعد مغادرةِ فريدة :
مكنتيش تطلعي معاها، شكلها مش مطمِّني يارانيا .
تعاظمَ الغضبُ بداخلها، ورغمَ ذلك حاولت السيطرة على نفسها، فاقتربت منهُ بغنجٍ تحاوطُ عنقهِ ثمّّ طبعت قبلةً فوقَ خاصتِه : 
كلِّ سنة وإنتَ طيِّب ياحبيبي، مفيش حاجة في الدنيا هتبعدني عنَّك الليلة سمعتني، هيَّ شوية وهتنسى، الليلة عيد ميلادك، وبكرة عيد ميلادي
سحبت كفِّه ودلفت للداخل، وزَّعَ نظراتهِ على الغرفة المزيَّنة، جحظت عيناهُ من تلكَ الكعكةِ المعدَّة على اسمه، نظرت له قائلةً :
فيه عصير في الثلاجة هاتُه لحدِّ مااأرجعلَك ..قالتها وتحرَّكت بخطواتها الأنثوية الذي أفقدتهُ اتزانهِ فأردفَ بصوتهِ الأجش :
رينو متتأخريش عليَّا، قالها غامزًا بطرفِ عينهِ .. 

+


دلفت للداخلِ وتزيَّنت ثمَّ جلست أمامَ المرآةِ تضعُ أحمرَ شفاه، نظرت لنفسها بتباهي وفخر :
بقى الجمال دا مش عجبك ياأستاذ جمال، فيها إيه يعني علشان يحبَّها أكتر منِّي، إنتَ السبب ياجمال في اللي أنا عمَلتُه، إنتِ ياستِّ فريدة الشريفة الخضرة، لازم أخليه يطردِك، وزي ماوقَّعت راجح اللي مكنش حدِّ بيقدَر عليه، بكرة أخليه يركع تحتِ رجلي،

+


أغمضت عينيها وابتسامة تجلَّت على ملامحها، تهمسُ لنفسها :
هانِت ياجمال، مبقاش كتير، أخلص من فريدة وبعدها راجح، وبعد كدا مفيش حاجة هتمنعنا، فتحت عينيها تتلاعبُ بخصلاتها، ثمَّ وضعت كفَّها على أحشائها :
دلوقتي إنتَ أهمِّ حاجة، علشان هيلاقي عوض ابنُه هنا، بعد ماأخلص من ابنُه التاني هانت أهي ياستِّ فريدة، علشان تتجوِّزي حبيبي حلو، إشربي خلتيني أتجوِّز أخوه المتجوِّز، وإنتِ روحتي اتهنيتي بحبيب بنت عمك بعدِ سنين انتظار ،رحتي في الآخِر اتجوزتيه .
خرجت لزوجها بتلكَ البدلةِ التي ينحني أمامها أعتى الرجال وهي تتراقصُ بجسدِها الأنثوي بإغراء، 
إلى أن فقدَ سيطرتهِ وجذبها إليهِ في وسطِ ضحكاتها ..

+


بعدَ عدَّةِ ساعات :
استيقظَ على رنينِ هاتفه، اعتدلَ :
أيوة ..
إلحق ياراجح بيه مركِب أخوك جمال غرقِت في البحر، وكلِّ اللي عليها ماتوا .
هبَّ من مكانه، يجذبُ ثيابهِ يرتديها سريعًا :
إنتَ بتقول إيه ياحمار إنتَ !..

+


بعد يومين، بعدما استلم راجح جثة جمال، فقدت الشعورَ بكلِّ مايحيطُ بها، جسدًا خاويًا من الروح، 
تتمدَّدُ على الفراشِ كالجثَّةِ الهامدةِ لا حولَ لها ولا قوَّة، دموعٌ فقط تنهمرُ عبرَ وجنتيها تتمنَّى بداخلها أن يُزهقَ اللهَ روحها ..دلفَ إليها راجح:
فريدة لازم تقوي ومتنسيش اللي في بطنِك..
دلفت رانيا تطالِعُها بأعينٍ كارهةٍ تريدُ أن تطبقَ على عنقها حتى تلفظَ أنفاسها..أشارَ إليها راجح:
أدخلي يارانيا حاولي تخفِّفي عنها .
جلست بجوارِها ونظراتها مازالت متعلقة بجسد بنت عمها المسجى على الفراش، انهمرت دموعها وشهقة خرجت رغمًا عنها 
مات يافريدة اللي استنيتوا العمرِ كلُّه مات، شوفتي لا إنتِ اتهنيتي بيه ولا سبتهولي أعيش شوية في حُضنه، أنا شمتانة فيكي عارفة ليه؟.. لأنِّك كنتي عارفة إنِّي بحبُّه ورغمِ كدا روحتي اتجوزتيه، ولسة ربنا هينتقِم منِّك، ابنك وجوزِك في يوم واحد...

+



        
          

                
قالتها وخرجت من الغرفةِ سريعًا، ودموعها كزخَّاتِ المطر ..وقفت متسمِّرةً أثناءَ خروجِ الجثمانَ لمثواه الأخير..
ظلَّت تتابعُ تابوتَ الموتى إلى أن شقَّ جوفها صرخةً وهم يحملونهُ ويغادرونَ المكان ..ظلَّت تصرخُ وتصرخ إلى هوت فاقدةً الوعي ...

+


مرَّت عدَّةَ أسابيع :
ذاتَ مساءٍ، فتحت عيناها على ألمٍ شديدٍ، نهضت تصرخُ ليهرولَ زوجها إليها :
مالِك يارانيا، حاوطت بطنها تصرخُ من شدَّةِ آلامها إلى أن شعرت بالدماءِ تسيلُ بين ساقيها، حملها زوجها وهرولَ بها إلى سيارتِه : 

+


بعد فترةٍ خرجَ الطبيب :
آسف فقدنا الجنين بس حالة الأمّ كويسة، قالها الطبيبُ وتحرَّك، هوى راجح على المقعدِ عندما خانتهُ ساقيه، انسابت عبراتهِ رغمًا عنه . 

+


مرَّت الأيامُ سريعًا إلى أن جاءَ موعدُ ولادةِ فريدة، هبَّت من نومها فزعةً على ألمٍ بظهرها، استندت على الجدارِ إلى أن وصلت لهاتِفها وقامت بمهاتفةِ جارةٍ لها : إسراء الحقيني هولِد..
جذبت إسراء عباءتها وأيقظت أخيها :
محمد قوم تعالَ نطلَع لفريدة شكلها بتولِد، و ياحبيبتي لوحدها بعدِ عمايل الزِفتة رانيا فيها .

+


وصلت بعدَ قليلٍ إلى المشفى، ظلَّت لفترةٍ بغرفةِ العملياتِ إلى أن خرجَت الممرضة :
-مبروك ولد ..جذبت إسراء حافظةَ نقودِ أخيها :
شكرًا حبيبتي، ثمَّ أعطتها بعضَ النقود، وتحرَّكت متَّجهةً للداخل، وصلَ راجح بجوارهِ رانيا بعدَ قليل،
دفعَ البابَ ودلفَ يرمُقها بنظراتٍ حادَّة : 
يعني اتصلِّتي بالغريب ومهنشِ عليكي تتصلي بأخو المرحوم جوزِك.. 
رفعت بصرها إلى ابنَةِ عمِّها التي تحرَّكت بدلال :
خلاص ياراجح، خلِّيهم يجيبوا الولد نطَّمِن عليه، جحظت عيناها تنظرُ إليها بخوف، ابتسمت رانيا بنصر واقتربت تتبخترُ بخطواتها :
يتربَّى في عزِّك وفي عزِّ راجح طبعًا، ماهو عمُّه في مقام أبوه...
دلفت الممرِّضة تحملُ الطفل..توقَّفَ راجح أمامها :
هاتيه أنا هسمِّيه، ابتلعت غصَّتها بصمتٍ خوفًا على وليدها، وكأنَّها فقدت الكلام، أطبقت على جفنيها بعدما حملتهُ رانيا تنظرُ إليه :
الولد شبه جمال الله يرحمُه مش كدا ياراجح؟..
ابتسمَ وهو يمسِّدُ على خصلاتهِ الخفيفة الناعمة :
اللي خلِّف مامتش فعلًا...تلقَّاهُ مرَّةً أخرى من رانيا وتحرَّك مقتربًا يضعهُ بين يديها هامسًا لها :
أنا دلوقتي جبتهولِك وبحطُّه بين إيديكِ ياريت تفكَّري كويس في كلامي بدل ماأخدُه منِّك يافريدة ..
شعرت بانسحابِ الأوكسجين من رئتيها وكأنَّ جدرانَ الغرفةِ ينطبقُ فوقَ صدرها، ارتعشَ جسدها بالكامل حينما رفعَ كفَّيهِ على وجنتيها 
مبروك ياأمِ جمال، شوفتي أنا كريم إزاي وهسميه على إسمِ جمال ..قالها وانتصبَ عودهِ يرمقها بصمت، ثمَّ استدارَ إلى رانيا :
خليكي مع بنتِ عمِّك لحدِّ ماأشوف الدكتور ..رمقت إسراء : 
شكرًا على تعبِك ياإسراء، خدي أخوكي وروحي، فريدة مش محتاجة غير بنتِ عمَّها وجوزها دلوقتي 

+



        
          

                
تحرَّكَت إسراء إليها :
حبيبتي لازم أمشي، ولمَّا ترجعي هزورِك، انحنت وقبَّلت الطفلَ على جبينهِ قائلة :
ربِّنا يباركلِك فيه ..أومأت دونَ حديث، 
جلست رانيا تضعُ ساقًا فوقَ الأخرى تطالِعُها بشماتة :
مبروك يافريدة، شوفتي الولد حلو إزاي زي أبوه، أهو دا اللي شفعلِك عندي، هاخدُه وأربيه يافريدة وأخلِّيه يكرهَك وأحصَّرِك عليه زي أخوه
ضمَّت ابنها بخوفٍ وانسابت عبراتها بصمت...
هزَّت رانيا ساقيها ترمُقها بسخرية :
هتتجوزي راجح يافريدة، وتتنازلي عن كلِّ ماتملكيه، مكُنتش أعرف أنُّه بيحبِّك أوي كدا لدرجة يكتبلك كلِّ حاجة، حتَّى بيت أبوه ..
استندت على الفراشِ واقتربت منها ترمقها بنظراتٍ ناريَّة : 
كلِّ اللي أخدتيه منِّي هاخدُه، حبِّ أبويا اللي مكنشِ شايف غير الستِّ فريدة بنتِ أخوه، وحسرة أمي وهيَّ شيفاني كلِّ ليلة نايمة معيَّطة، بسببِك، جِه الوقتِ كلِّ حاجة هاخدها منِّك، وأنا شيفاكي ذليلة كدا، هتوافقي على راجح دا لو عايزة ابنِك في حُضنِك، وأوعي تفكَّري أنُّه هيتجوزِك حق وحقيقي، تبقي مجنونة، دا علشان أسيبِك طول حياتك زي الحيطة الوقف كدا ..

+


قالتها وهبَّت من مكانها :
إجهزي ياعروسة علشان أسبوعين بالتَّمام تكوني ضُرُّتي ..قالتها بعدما أطلقت ضحكةً رنانةً دوت بالمكانِ كصوتِ عويلٍ من الإعصارِ يصمُّ الآذان

+


مرَّت عدَّةِ شهورٍ عاشتها فريدة بالجحيم، حفاظًا على ابنها...ليلةً شتويَّة عاصفة..جلست لإرضاعِ ابنها، استمعت إلى شجارهُما بالخارج، ولكنَّها لم تكترِث ..مسَّدت على خصلاتِ طفلها، 
حبيب ماما إنت، ربِّنا يقوِّيني وأقدر أربِّيك كويس، لازم نصبِر شويَّة علشان نهرَب من هنا، أصبُر حبيب ماما ..
كانَ الطفلُ يداعبُ وجهها وكأنَّه يفهمها، ضمَّتهُ لأحضانها تستنشقُ رائحتهِ متذكِّرةً ابنها المفقود ؛
ياترى يايوسف إنتَ عايش ياحبيبي، وحشتِ ماما أوي، حاسَّة ربنا هيجمعني بيك قريِّب . 
استمعت إلى طرقاتِ البابِ ثمَّ دفعَهُ ودلف، احتضنت ابنها : 
عايز إيه ياراجح؟..إزَّاي تدخُل عليَّا كدا من غير استئذان؟!.. 
اقتربَ منها وعينيهِ كأسدٍ مفترس :
ناسية إنِّي جوزِك ولَّا إيه، عايز حقِّي.. 
تراجعت وهي تحتضنُ ابنها :
إرجَع، عارف جوازنا ليه هصَّوَت وألمِّ عليك النَّاس . 
كانت بالخارجِ تغلي كمرجلٍ فوقَ النَّار، تريدُ أن تحطِّمَ ذاكَ البابَ عليهما، ظلَّت تجوبُ المكان ذهابًا وإيابًا، يأكُلَها الغيظ منَ الدَّاخل : 
ماشي يافريدة فضلتي وراه لحد ماوقعتيه، توقَّفت بعدما استمعت إلى صرخاتِها بالدَّاخل : 
لو قرَّبت منِّي هموِّتَك ياراجح مستحيل أكون لراجل بعد جمال .

+


جلست رانيا وعلى وجهها ابتسامةَ انتشاءٍ، وهي تستمعُ إلى صرخاتها وترجِّيها له، ولكنَّهُ كانَ كالذِّئبِ البشري ..صمتت بعدَ دقائق..ورغمَ نيرانِ صدرِ رانيا من الغيرة إلَّا أنَّ وجودَ فريدة مذلولةً أمامها برَّدَ تلكَ النيران .
ظلَّت لدقائق، ثمَّ نهضت تدفعُ البابَ وتوقَّفَت على بابِ الغرفة، وكأنَّ أحدَهُم صفعها بقوَّةِ لتشعرَ بترنُّحِ جسدها، وهي ترى زوجها بتلكَ الحالة، وكأنه لأول مرة يرى سيدة صرخت به :
خلاص بقى، استمتعتِ شوية تعالَ عايزاك وارميلها قرشين، تمن استمتاعك..
رفعَ رأسهِ وعينيهِ تخترقُ وجهَ فريدة التي ذُبِحت بسكينٍ بارد، ثمَّ هدرَ بها :
إطلَعي برَّة اتجنِّنتي، إزاي تدخلي كدا؟!دي مراتي وزيَّها زيك بعد كدا .
شعرت وكأنَّ أحدًا سكبَ عليها دلوًا منَ الماءِ المثلَّج، لتشعرَ بشحوبِ وجهها :
إنتَ اتجنِّنِت ياراحج!! بتقولِّي أنا الكلام دا ؟!..
سحبَ فريدة لأحضانِه، يجذُبُ الغطاءَ عليها ثمَّ رمقَ الأخرى بعينيهِ لتخرجَ صافعةً البابَ خلفها، استيقظَ على أثرهِ الطفلُ يبكي .

+



        
          

                
دفعتهُ صارخةً به :
إطلَع برَّة روحلها، إنتَ واحد حقير زيها، برَّة..
قالتها بصُراخ، حاولَ الحديثَ إلَّا أنَّها 
ظلَّت تصرخُ بهِ كالمجنونة، نهضَ متَّجهًا إلى الخارج .

+


مرَّت الشهورُ والوضعُ كما هو عليهِ بينَ فريدة ورانيا، بل ازدادَ سوءًا بعدَ تعلُّقِ راجح المجنونَ بفريدة وحملِها منه، 
دلفت إلى غرفتها وبدأت تحطِّمُ كلَّ ما يقابِلُها :
ليه هيَّ اللي تجيب العيال، ليه، ظلَّت تصرخُ كالذي مسَّها جِن، لازم اخلص منك يافريدة، دلفَ من عملهِ على صوتِ صراخها : 
رانيا اتجنِّنتي مالك فيه ايه؟!صمتت وعيناها ترسلُ إليهِ لهيبًا من قاعِ جهنَّم : 
فريدة حامل وعايزة تهرَب بابنك، 
لم يستمع سوى فريدة حامل ..لمعت عيناهُ بالسعادة، ليغادرَ الغرفة متّّجهًا إليها :
فريدة إنتِ حامل ؟!
ألقت مابيديها واقتربت تطالعهُ شزرًا :
هموِّتُه ابنِ الزنا دا، لأنُّه من حيوان زيك..
لطمةً قويِّةً على وجهها، ثمّّ سحبها من شعرها ، يهمسُ إليها :
حاولت معاكي بكلِّ الطُّرق، لكن الغبيَّة مصرِّة برضو، طيِّب إسمعيني.. الولد دا لو حصلُّه حاجة هموِّتِك .. 
قالها ثمَّ دفعها بقوَّةٍ لتهوى على فراشها .

+


كتمت صرخاتِها بوسادتها، تبكي بنشيجٍ على رجُلٍ يُحسَبُ من أشباهِ الرِّجال، 

+


بعدما شعرت بألمٍ يسري بجسدها، نهضت متَّجهةً إلى الحمَّامِ بعدما ازدادَ الألم، أمسكت بطنها وآلامًا مبرحةً بظهرها.. جذبت وشاحها وخرجت من المنزلِ متَّجهةً إلى العيادة النسائية، التي بجوارِ المنزلِ بعدَّةِ أمتار، بعدما وجدت ابنها يستغرقُ بنومه . وسفر رانيا ليومين لأحد اقاربها
وصلت إلى العيادةِ وجسدها يئنُّ بالألم..شعرت بتدفقِ سائلٍ بينَ ساقيها، بكت حينما فقدت الحركة، ساعدتَها إحدى النساءِ التي كانت في العيادة، 
مرَّت قرابةُ الساعتَينِ بعدما أخبرتها الطبيبة على فقدانِ جنينها ..

+


عادت بعد فترة إلى المنزلِ متلهفةً لرؤيةِ ابنها الذي تركتهُ وحيدًا بذاكَ الجحيم، دلفت تبحثُ عنهُ كالمجنونة ثمَّ دفعت البابَ، وهي بين حالة الوعي واللا وعي
قابلتها رانيا تطالعُها بابتسامةٍ حمقاء :
حمدلله على السلامة ياضُرِّتي .. 
سحبت نفسًا محاولة السيطرة على نفسها من عدم اغمائها، دلفت بخطوات هزيلة تبحث عن ابنها، شهقة خرجت من جوفها مستديرة تستند على الجدار:
ابني فين يارانيا؟..أنا كنت سيباه نايم ..
نظرت إلى أظافرِها المطليَّة ثمَّ رفعت عيناها قائلة :
اثبتي، وشوفي هتعملي إيه مع راجح لمَّا يرجع، هتقوليلُه إزَّاي الولد اللي في بطنِك نزل، وكمان ابنِ أخوه اتخطَف وهوَّ متأكِّد إنِّي مش موجودة في البلد كلَّها ..توقَّفت كالجُثَّةِ التي فقدت الحياةَ ولم تشعر بنفسها لتهوى ساقطةً على الأرضيِّةِ الصلبة ..أنتِ اللي سقطيني صح خططي علشان اسيب الولد ..تحركت إليها تهجم عليها ورغم أنينها إلا أنها سيطرت عليها لتلطمها على وجهها تجذبها من خصلاتها 
-هموتك ياحقيرة .
دفعتها بقوة وظلت تركلها ببطنها حتى هوت على الأرضية وانسدلت الدماءمنها
-حقي ولادك الاتنين كانوا حقي انا ولسة ياما تشوفي، وراجح كل ليلة يهجم عليكي زي الحيوان ياحيوانة
حاوطت بطنها بعدما شعرت بآلام بكامل جسدها

+



        
          

                
بمكانٍ ما بعيدًا عن السويس..

+


خرجَ من المسجدِ بعدَ قضاءِ صلاةِ الفجرِ ومازالَ لسانهِ يردِّدُ ذكرَ الله، استمعَ إلى صوتِ بكاءِ طفلٍ بجوارِ المسجد، وضعَ مسبحتهِ بجيبِ جاكيتهِ الثقيل، واتَّجهَ مردِّدًا : 
لا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللهِ العليِّ العظيم، استمعَ إلى صوتِ أخيهِ خلفه:
بتعمِل إيه؟!
أشارَ على الطِّفل ...
فيه طفل بيبكي هنا، انحنى يحملهُ ونزعَ عنهُ جاكيتهِ مردِّدًا : 
لا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللهِ العليِّ العظيم، النَّاس مبقاش في قلوبِهم رحمة، إزَّاي أم أو أب هانوا عليه يحطُّوه في البردِ دا!..نظرَ للطفلِ الذي يتضوَّرُ جوعًا، رفعهُ إلى صدرهِ وضمَّهُ بحماية :
ياحبيبي يابني، ربِّنا يسامح اللي عمَل فيك كدا..
إنتَ هتاخدُه ولَّا إيه؟!..
حاوطهُ بعنايةٍ يدَثِّرُهُ بجاكيتهِ من قطراتِ المطر :
نروح ونشوف هنعمل إيه، مش هاين عليَّا أسيبُه وأمشي ..
دخَلَّه المسجد إنتَ مجنون، دي مسؤوليَّة، رمقَ أخيهِ بنظرةٍ أخرسته :
تعرَف تسكت، قولت هاخدُه يعني هاخدُه . 

+


فتحت عيناها بعدَ فترةٍ وجدتها تجلسُ بجوارِها :
حمدلله على السلامة، اعتدلت بعدما تذكَّرت ماصارَ تهمسُ بتقطُّع : 
ابني فين؟ أبوس إيدِك يارانيا قوليلي ودِّيتي الولد فين؟.. 

+


بسطت يدها إليها قائلة :
بوسي إيدي وأنا أقولِّك ..صاعقة ألجمتها عن الحديثِ تطالُعها بذهول، لتسحبَ كفَّها تقبلهُ بدموعِ عينيها : 
فين ابني بقى..تراجعت متوَّقفة :
قومي اعمليلي الغدا أنا جعانة، وزمان راجح على وصول معرفش ابنِك فين .
هبَّت من مكانها رغمَ تألُّمِها وسحبتها من خصلاتِها وظلَّت تضربُها إلى أن دفعَ البابَ ودلفَ إليها :
نزَّلتي الولد يافريدة، عملتي اللي في دماغِك..رفعت كفّّيها لتتحدَّثَ ولكنَّهُ لم يعطها فرصة، ليبدأَ بضربها بقوَّةٍ حتَّى فقدت الوعي..كانت تنظرُ إليها بشماتة تهمسُ لنفسها :
علشان قرَّبتي لحاجة تخصُّني يافريدة استحملي ..نهضَ من مكانه :
فين جمال يارانيا ؟..
هزَّت كتفها بعدمِ معرفة قائلة :
معرفَش ياراجح، أنا رجعت لقيتها بتقابلني وبتقولِّي نزلِّت الولد، وفضلت تشتِم فيك وتقول مستحيل أخلِّف منُّه حتى لو فيها موتي، ولما حاولت امنعها هجمت عليا 
ثارت جيوشُ غضبِه، وبدأ يحطِّمُ كلّّ مايقابلهُ وصاحَ يزأرُ كالأسدِ الفاقدِ لطعامه :
فين جمال، الولد فين، هعيِّشِك في مرار لو مقولتيش هرَّبتي الولد لمين، قالها بعدما دلفَ إليها يدفعها بقدمهِ مرَّةً أخرى ..

+


بعدَ خمسِ سنوات :
عاشت فيهم فريدة كجثَّةٍ رغمَ محاولاتها الهروب، ولكنَّها فشلُت بسببِ الوضعَ الأمني الذي فرضهُ راجح عليها 
يعاملها كالجارية، التي يُستباحُ جسدها كلَّ ليلة بعدَ معرفتهِ بعمليةِ استئصالها للرَّحمِ بعدما حملت منهُ مرَّةً أخرى وحاولت إسقاطِ الجنين، فساءت حالتها وقامَ الأطباءُ باستئصالِ الرحم .

+



        
          

                
حملت رانيا بعدما فقدت الأمل في الإنجاب بعد فقدانها لجنينها بعدَ موتِ جمال، مرَّت الأيامُ إلى أن أتت اللحظة الحاسمة التي ستذوقُ مثلما أذاقتها ..

+


جلست على فراشها تنتظِرُ دلوفهِ للغرفة ككلِّ ليلة، دخلَ كعادتهِ وجدها تتألقُ بمنامتها كما طلبَ منها، ظلَّ معها لبضعةِ دقائقَ ثمَّ جلسَ يدخِنُّ سيجارة، 
اعتدلت وحاولت تستعملُ أساليبَ رانيا :

+


راجح، متعرفشِ رانيا ودِّت ابني فين؟.. 
استدارَ إليها غيرَ مستوعبٍ حديثها :
إنتِ مجنونة!!رانيا ليه هتخطَف ابنك؟!..زحفت وجلست أمامهِ وهمست له :
علشان تنتقِم منِّي، أصلها كانت بتحبِّ جمال...
جحظت عيناهُ وحديثها أذهبَ عقلهِ فهبَّ من مكانه :
إنتِ مجنونة مين دي اللي بتحب جمال؟!..رفعت أحدِ حاجبيها قائلة :
إسألها لو مش مصدَّق، ولَّا أقولَك، مش هي والدة بقلَها اربع شهور.. ليه بقت تمنع نفسها عنَّك، اتَّجهَ سريعًا يصرخُ باسمها 
خرجت على صرخاتِه :
اتجنِّنتِ ياراجح!! البنتِ نايمة ماصدَّقتِ نيَّمتها .
اقتربَ وشياطينُ الأرضَِ تأكلُ بعقله :
إنتِ كنتي بتحبِّي جمال أخويا؟!.. 
شهقة خرجت من فمها :
إنتَ اتجنِّنتِ ياجمال، خرجت فريدة بقميصها الشفَّافَ تطالعها بابتسامةٍ ساخرة..هرولت إليها :
إنتِ ياحيوانة قولتيلُه..حاولت ضربها إلَّا أنَّهُ توقَّفَ أمامها :
رُدِّي عليَّا الكلام دا حقيقي..توقَّفت تطالعهُ بذهول :
كدا ياراجح، بعدِ الحبِّ دا كلُّه تشُكِّ فيا!! تصدَّق فريدة اللي قتلت ولادَك، وأنا اللي كنت هموت على ضُفرِ عيِّل منَّك، لو مش بحبِّك كنت خلِّفتِ ليه.. 
استدارَ إلى فريدة يشيرُ إليها :
أدخلي جوَّا بكرة هحاسبِك...دفعتهُ واتَّجهت إليها تجذبُها من خصلاتها :

+


صرخت تلكمَها : 
ودِّيتي ابني فين ياحيوانة، خمس سنين على أمل يكون عندك رحمة، حيوانة..صرخت بها فريدة التي جذبت السكِّين وحاولت الهجوم عليها ولكنَّهُ صفعها بقوَّة :
إخرسي بقى، بطَّلي تمثِّلي علينا، أنا عارف ومتأكِّد إنك غيرانة منها، شوفي ضيعتيه فين زي اخوه .
بصقت بوجههِ مردِّدة : 
حسبيَ الله ونعمَ الوكيل فيكم، ثمَّ نظرت لتلكَ التي تقفُ على بابِ غرفتها بمنامتها التي تكشفُ أكثرَ مما تستر،

+


راجح سيبَك منها دي مريضة، ياريتَك تطلَّقها وترميها لكلابِ السكك..

+


استدارت ترمقها بانتصارٍ ثمّّ أشارت لزوجها :
حبيبي ياله علشان ننام الجوِّ برد، خلِّيها تكلِّم نفسها، يالة استنيتَك كتير عايزاك تدَّفيني، قالتها بنبرةٍ شامتة، ثمَ أشارت للواقفة :
الصُّبح أقوم ألاقيكي مخلَّصة كُلِّ شغلِ البيت، قالتها وتحرَّكت بخيلائها كأنَّها تملكُ العالم..رمقتهُ بنظرةٍ كارهة تمَّ اقتربت :
السنِّ بالسن والبادي أظلَم، قالتها وتحرَّكت بعضَ الخطواتِ إلَّا أنَّها تسمَّرَت بمكانها :
دي اللي مانعة نفسها عني، عايزة توصلي لأية يافريدة 
-لو راجل وأخو جمال فعلا خلي عندك دم وطلقني، انت اخدت كل حاجة، ومراتك اخدت ولادي 
حك ذقنه وعيناه عليها ثم أردف:
انا اتجوزتك علشان اعرفك اني راجل يافريدة، مش رحتي قولتي لرانيا ازاي وافقتي تتجوزي نص راجل
ايه يافريدة شوفتيني راجل ولا لا .دنى منها وغرز عيناه بمقلتيها:
-اللي رحمك مني إنك صونتي اخويا بعد موته، ودلوقتي كل حاجة كانت عنده بقت ليا حتى انتِ، بس عمري ماأحبك قد حبيبتي، حاولت احميكي من كلاب السكك، بس إنتِ متستهليش
إنتِ طالق يافريدة، كفاية لحدِّ كدا مش عايز أشوف وشِّك تاني ..قالها وغادر إلى غرفته

+



        
          

                
بعدَ عدَّةِ ساعات وهي جالسةً على الأرضيَّةِ الباردة، وشياطينُ الأرضِ تتلاعبُ بعقلها، هبَّت من مكانها وتحرَّكت بخطواتٍ هادئة تتلفَّتُ حولها إلى أن وصلت إلى غرفةِ ابنتهم، وحملتَها تخرجُ من بابِ المنزل ، ظلَّت تهرولُ كالمجنونة، إلى أن وصلت إلى الطريقِ العامِّ لتضعها على طرفِ الطريقِ وغادرت المكانَ بأكملهِ وهي تهرولُ تدعو اللهَ أن يسامحها لما فعلته..استمعت إلى بكائها، فاستدارت بقلبها الذي ضعُفَ ولم تنتبه لتلكَ السيارةِ التي تتحرَّكُ أمامها لتصدمُها وتُلقي بها على الأرض، هرولَ الرجلُ إليها يفحصها مع نزولِ زوجتِه، رفعت عيناها إليه :
لسَّة عايشة ولَّا ماتت ..
حملها متَّجهًا إلى سيارتهِ قائلًا :
عايشة، همست بصوتٍ خافت :
البنت، أنزلَ رأسهِ ليستمعَ إلى ماتقولُه :
بنتي..تلفَّتَ حولهِ يقولُ لزوجتِه :
بتقول بنتي، لحظاتٍ واستمعَ إلى بكاءِ الطفلة، هرولَ إليها يحملُها متَّجهًا بها إلى وجهته..تساءلَت زوجته :
مصطفى الستِّ هتعيش؟..
أومأَ برأسهِ وهو يطالِعُها من خلالِ المرآة :
إن شاء الله ياغادة هتعيش، المهمِّ أوصَل بيها للعيادة محمد، أخرجَ محرمة قائلًا :
إربطي دماغها عشان النزيف..

+


بعدَ عِدَّةِ ساعات داخلَ إحدى العيادات الخاصَّة، خرجَ الطبيبُ إليهِ مبتسمًا : 
يعني لو مفيش مريض ياحضرة الظَّابط منشفشِ وشَّك..
ربتَ مصطفى على ذراعِه : 
إنتَ عارف شغلِ الشرطة،المهمِّ الستِّ عاملة إيه ؟.. 
كويسة ياسيدي، إحمد ربِّنا لولا إنَّك كنت سايق بالرَّاحة كان زمانها توكَلِت .. 
طيِّب الطفلة؟. 
والطِّفلة كويسة، دي حديثة ولادة عمرها حوالي أربع شهور ..
أومأَ لهً ثمَّ تساءل :
الستِّ هتفوق إمتى يا محمد؟.. 
نظرَ بساعةِ يدهِ ثمَّ تحرَّك : 
يعني نصِّ ساعة كدا، تعالَ نشرب القهوة وإحكي لي عملتِ إيه الفترة دي ....

+


نهاية الفلاش..
خرجت من ذكرياتها المؤلمة، على رنين هاتفها
-فريدة فيه ملف ازرق في درج المكتب ابعتيه مع السواق 
نهضت بعدما أجابته
-حاضر ...

+


بمكانٍ آخرٍ وخاصَّةً بمطارِ القاهرة :

+


خرجَ من صالةِ المطارِ متَّجهًا إلى الخارج، وجدَ صديقَ عمرهِ بإنتظاره، ترجَّلَ من السيارةِ سريعًا :
أهلًا يادكتور..مصر نوَّرت والله..
رفعَ كفِّهِ يخلِّلُ أناملهِ بين خصلاتِ شعرهِ الناعمة.. يسحبُ نفسًا عميقًا داخلَ رئتيهِ ثمَّ زفرهُ على مهلٍ حتَّى يخرجَ نيرانَ اشتياقه

+


حدجَ صديقهِ وابنِ خالهِ وهتفَ متهكِّمًا :
مصر منوَّرة باللي فيها يا كرم أفندي..قهقهَ كرم يشيرُ إلى سيارته :
أفندي إيه يادكتور، إنتَ مش غايب كتير يعني دي كلَّها سبع سنين ياعم ...

+


استقلَّ السيارة يشيرُ إليهِ بالتَّحرُّك، مردفًا بعدما ارتفعت ضحكاتُ كرم : صوتك يا دكتور الحيوانات..طرقَ كرم على المقوَدِ يرفعُ حاجبهِ بشقاوة :
مش أحسن منَّك يادكتور البنات..إنَّما بتوقف وسط البنات إزاي وتمسِك أعصابك ؟!..

+



        
          

                
زفرَ آدم بغضبٍ من ثرثرته، فأشارَ بيدهِ :
بُص قدَّامك لتموِّتنا قبلِ مانوصل .

+


في منزلٍ متوَّسطِ الأثاث، بهِ عدَّةِ مفروشاتٍ بسيطة..ورغمَ ذلكَ يُحاطُ بهِ حديقة أقلُّ مايقالُ عنها حديقة من الجنَّة.. 

+


تجلسُ تلكَ الأميرة التي تبلغُ من العمرِ اثنى وعشرينَ عامًا وهي تضعُ دفترها وأقلامها أمامها تنظرُ بصمتٍ وخيطٍ من الدموعِ يزيِّنُ فيروزتها .

+


أطلقت تنهيدة مرتعشة من عمقِ داخلها كعمقِ الليلِ الحالكِ في فصلِ الشتاء .

+


وصلت أختها وجلست بمقابلتها :
وبعدهالك يا إيلين هتفضلي كدا، من وقتِ ماعرفتي برجوع آدم وإنتِ مش مبطَّلة عياط ..

+


ابتلعت غصَّتها المتورِّمة ونهضت تجمعُ أشيائها :
لا آدم ولا حتَّى كرم بقوا يعنولي بشيئ، من فضلِك يامريم مش عايزة أتكلِّم .. 

+


ربتت أختها على ظهرها، وطبعت قبلةً على خصلاتها :
براحتك حبيبتي، بس فكَّري في بابا ومتنسيش مرات أبوكي وعمايلها فينا..قالتها وتحرَّكت : 

+


ظلَّت صامتةً لثواني تقاومُ غلالةَ دموعٍ وخزت جفنيها ثمَّ قالت بصوتٍ مختنق :
اللي يبيع مرَّة يبيع ألفِ مرَّة يامريم .
..استمعت لصوتِ سيارة تدلفُ لذاكَ المنزلِ الذي يقابلهما ..

+


ابتسمت بسخريَّة عندما استمعت إلى الأعيرَة الناريَّة التي بدأت تَمطرُ بالمكان .
بعد ساعتين من وصوله وصلَ أخيها ووقفَ أمامها :
إيلين قاعدة كدا ليه، وليه مبتروحيش بيت خالِك؟!..إنتِ نسيتي إنِّ آدم رجع النَّهاردة!.. 

+


نهضت من مكانها وأجابت أخيها :
أنا مش هروح لحدّ ياكرم اللي عايز يجي هنا يسلِّم علينا مرحب بيه، واللي مش عايز براحتُه يبقى وفَّر ..

+


سحبها كرم بقوََةٍ وسطَ صرخاتها :
لا، هتيجي وغصبِ عنِّك كمان..حاولَت الفكاكَ من قبضتهِ ولكنَّهُ كانَ الأقوى في السيطرة عليها . 

+


وقفَ زين الرفاعي وهو يفردُ ذراعيهِ لابنةِ أختِه :
يامرحب ببنتِ الغالية..تسمَّرت بوقفتها تنظرُ إلى أخيها بغضبٍ ثمَّ رفعت نظرها إلى خالها :

+


إزاي حضرتك ياخالو.. 
صدمة أزهقت روحهِ من جفائها فاقتربَ منها :
كدا ياإيلين مش عايزة تيجي في حضنِ خالِك، وبتقوليها من بعيد، أنا لسَّة راجع من مصر والله يابنتِ الغالية، حتى إسألي كرم أخوكي .. 

+


دنت منهُ ورفعت كفِّهِ لتقبيله :
أبدًا ياخالو، بس زعلانة من كرم عشان جابني غصبِ عنِّي، أنا عارفة إن حضرتك مشغول ..
ليه مكنتيش عايزة تيجي كمان؟!..أشارَ إلى آدم الصامت كالمشاهد فقط :
طيِّب مش تقولي لابنِ خالِك حمدلله على سلامته!..

+


رمقتهُ سريعًَا ثمَّ تحدَّثت :
أهلًا يادكتور..حمدلله على السلامة..ثمَّ اتَّجهت إلى خالها :
الموضوع عندي مذاكرة كتيرة، حضرتَك عارف كلية الطُّب عايزة مذاكرة على طول ..

+



        
          

                
اقتربَ آدم يطالعُها بتعمق لعدَّةِ دقائق ثمَّ أشارَ إلى كرم متسائلاً:
مين دي؟! 

+


سؤالهِ البسيط نزلَ على قلبها كضربةِ خنجرٍ قاتلةٍ فتَّتهُ من الوجع ..التفتت إليهِ وداخلها يحترقُ كمرجلٍ جفَّ مائهِ من كثرةِ الغليان، وأجابتهُ بصوتها الحزين المتألِّم :
إيلين الجندي يادكتور، معلِش السنين عدِّت كتيرة قوي هتفتكر إزاي .

+


أنهت حديثها بأعينٍ يتطايرُ منها الشررَ ثمَّ أشارت إلى كرم وتحدَّثت متهكِّمة :
مش كنتِ تفكَّر الدكتور بقرايبُه ياكرم حتى يعرَف هو بيسلِّم على مين..بس هنقول إيه معذور .

+


معركة حامية بين كبريائها الذي أهدرهُ من عدمِ معرفتهِ لها وبينَ أشواقها، التي جعلتها تتحدَّثُ كالمنتقمِ فأكملت حديثها :

+


آسفة ياخالو مش هقدر أرحَّب بالدكتور أكتر من كدا، عندي محاضرة بعدِ ساعة ولازم أجهز .

+


قالتها واستدارت متحرِّكة، ولكن توقَّفت بعد حديثِ خالها :
إيلين آن الأوان عشان نتمِّم خطبتِك بآدم .

+


جحظت أعينُ آدم من قرارِ والدهِ المفاجئ، فصاحَ غاضبًا :
آدم مين إن شاءالله، إنتَ لسة ماسك في كلامنا لمَّا كنَّا عيال !..

+


أشارَ والدهِ لهُ وأردفَ منهيًا الحوار :
إعمل حسابك الجمعة هنكتِب كتابك إنتَ وإيلين، ودا آخر كلام ..

+


هنا لم تستطع الإهانة من رفضهِ القاطعِ لها، فصاحت رافضةً بصوتها المرتفع متناسيةً وقوفها وسطَ جميعِ العائلة :

+


ومين قالَّك إنِّي موافقة عليك، خالو هوَّ اللي إتكلِّم وأنا مقولتش قراري، بناءً على إيه ،معرفشِ آخد القرار !..
صاحَ كرم غاضبًا بأختِه :
إيلين!!

+


تحرَّكت ولم تعيرُ أي اهتمامٍ لأخيها، ووقفت أمامهِ ونظرت إلى داخلِ مقلتيه :
وأنا بقولَّك في وشك يابنِ خالي إنِّي مش موافقة عليك، ولو كنت آخر راجل في الدنيا ..

+


قالتها وهي توزُّعُ نظراتها بينَ الجميع، 
هوَّ عشان أنا يتيمة تتحكِّموا في حياتي، لا، أنا آه يتيمة بس مش ضعيفة، ولو الدكتور مش عايز الجوازة دي قراط..أنا مش عايزاها مليون قراط ..

+


قالتها وتحرَّكت سريعًا وعبراتها تفرشُ الأرضَ أمامها حتى وصلت إلى منزلها، وسقطت على الأرضِ كزهرةٍ تبعثرت وريقاتها في مهبِّ الريحِ من غصنها الرقيق، 
وهي تبكي بنشيجٍ وتهزُّ رأسها بقوَّة .

+


بمكانًا اخر 

+


بأحدِ الأحياءِ الشعبيِّة، بمحافظةِ القاهرة، استيقظت على صوتِ أذانِ الفجر 
"الصلاةُ خيرٌ من النوم"..فتحت عينيها تستعيذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيم، ثمَّ جذبت وشاحها الثقيل ووضعتهُ على أكتافها ونهضت متَّجهةً إلى والدها لكي توقِظُهُ لصلاةِ الفجر ..قابلها على الباب :
صباح الخير حبيبة أبوكي .. 
صباح الخير حبيبي، كويس إنَّك صحيت، هروح أصلِّي وأجهزلَك الفطار لحدِّ ماترجع، عندي جامعة ولازم أكون في محطِّة القطرِ بدري، وحضرتَك عارف، الميزانية ضاربة مش ناقصة ميكروباص ..
ربتَ على كتفها بحنانٍ أبوي : 
ربِّك هيعدلها يابنتي، طول ماإنتِ بتقولي يارب ربنا هيقولِك مسألتِك عندي ..ربِّنا ربِّ قلوب يابنتي .
ونعمَ باللهِ يابابا، هوَّ فيه موضوع كنت عايزة أكلِّم حضرتك فيه بس لمَّا أرجع بإذنِ الله .
أومأَ وتحرَّكَ وهو يردِّد : 
"أصبحنا وأصبحَ الملكُ لله"
"اللهمَّ ارزقنا السترَ والنعمة ياالله "
عادَ بعدَ قليل، وجدها أعدَّت لهُ طعامهِ وأيقظت أخيها الذي يدرسُ بالصفِّ الثالثِ الثانوي ..
دلفَ إلى بابِ منزلهِ ولسانُ حاله :
اللهمَّ صلِّ على خيرِ الأنام ..نظرَ إلى الطعامِ المعَّد، ثمَّ رفعَ نظرهِ الى ابنتهِ التي تقفُ أمامَ المرآةِ ترتدي حجابها :
أقعدي إفطري معانا ياقلبِ أبوكي، ثمَّ اتَّجهَ بنظرهِ إلى ابنهِ الذي يتابعُ هاتفه :
زياد، توصَّل أختَك لمحطةِ القطرِ ياحبيبي، الجو شتا برَّة ومفيش حدِّ في الطريق ..
حاضر يابابا، هشرَب الشاي وأقوم أهو ..حملت حقيبتها ونظرت بساعةِ يدها : 
خليك ياحبيبي علشان تلحق تراجِع قبلِ درسك، أنا هعدي على أمل ممكن ربنا يهديها وتيجي معايا النهاردة، وإنتَ ياسي بابا متنساش حقنة السكر في ميعادها لو سمحت، وأه صفاء مش هتروح المدرسة النهاردة قالتلي عايزة تروح تزور أمَّها . 
أومأَ متفهِّمًا ثمَّ أطلقَ زفرة حارَّة تنمُّ عن غضبه، حملت حقيبتها بوقوفِ أخيها :
هوصَّلِك، ممكن أمل ترفض تروح إنتي عرفاها هوائية .
عانقت ذراعهِ وتحرَّكت مع نظراتِ والدها إليها وهو يدعو لها :
بعدَ فترةٍ بالقرب من محطَّةِ القطار، هرَجٌ ومرَجٌ وطلقاتٍ ناريِّة واعتقالِ الكثيرِ بالمكان، لفَّ زياد ذراعهِ حولَ أختهِ يجذبها بعيدًا عن الطلقاتِ التي زادت بالمكان، ولكن كانَ من نصيبهِ تلكَ الطلقة التي استقرَّت بكتفهِ حينها جذبَ أحدهما أختهِ يضعُ السلاحَ برأسها :
اللي يقرَّب هقتل البنت..صرخ زياد وهو يضعُ كفِّهِ موضعَ الجرح :
غرام..ارتجفَ جسدها وهي ترى الكثيرَ من الرجالِ وهم يحملونَ الأسلحة، نظرت إلى أخيها الذي سقطَ متأوِّهًا ثمَّ نادت بصرخاتها :
زياد ..جذبها الرجلَ للخارج، ولكن طلقة من أحدهما أدَّت إلى مقتلهِ..هزَّة عنيفة أصابت جسدها حينما وجدت الرجلَ سقطَ أمامها غارقًا بدمائِه ...اقتربَ منها أحدُ الرجال :
إنتِ كويسة ..رفعت عينيها مع ارتجافِ جسدها تهتفُ بتقطُّع : أخويا، 
قالتها لتسقطَ بين ذراعيه، أشارَ لأحدِ الرجال : 
اتِّصل بالإسعاف ينقل الولد، وإنتَ نضَّف المكان، قالها لأحدهما وهو يشيرُ بسلاحِه، تلفَّتَ بأنظارهِ حولَ المكان، ليضعَ الفتاةَ على المقعدِ ويتحرَّكَ كالزئبقِ من المكان ..قادَ سيارتهِ وقامَ بمهاتفةِ قائده :
تم ياباشا، الولد اتصفَّى، والمطلوب معايا، والتاني تحتِ إيدين أمنِ الدولة .
أشارَ بيديهِ علامةِ انتصار :
برافو صقر، كنت عارف إنَّك قدها .
-ولو إسحاقو حبي، إنتَ تؤمر، المهمِّ الشارع اللي قبلِ المحطة أخد الولد رهينة والولد اتصاب، خليتهُم يكلِّموا الإسعاف ؟..
على تواصل اسحاقوا باشا، مهما كان الأمن في خدمةِ الشعب .
قهقهَ الآخر :
تشكُّرات صقور، تشكرات ..قالها وأغلقَ الهاتفَ ليتحرَّكَ الآخرَ متَّجهًا إلى عمله .

+


بأحدِ الأحياءِ الشعبيَّة القديمة: 
استيقظت تلكَ الفتاة التي تبلغُ من العمرِ ثمانية عشرَ عامًا، اتَّجهت إلى غرفةِ أخيها الأصغر :
-معاذ قوم ياله علشان تلحق تجبلنا الفول والطعميَّة قبلَ ميعادِ المدرسة، فتحَ عينيهِ ثمَّ جذبَ غطائه :
إيمان، سبيني شوية عايز أنام، إطفي النور، دفعت الغطاءَ من فوقه ؛
قوم يامعاذ هنادي على أبيه يزن..نهضَ يتمتمُ بامتعاض :
أوووف كلِّ شوية قوم يامعاذ، مفيش غير معاذ في البيت دا ..قالها الصغيرُ وهو يجذبُ منها الصحنَ واتَّجهَ إلى الأسفلِ بعدما ارتدى جاكيتهِ الشتوي .
تحرَّكت متَّجهةً إلى غرفةِ أخيها الأكبر
ابيه يزن،حبيبي الساعة تمانية ياله علشان تلحق تفطر قبلِ ما تنزِل الشغل .
اعتدلَ ينظرُ بساعته، مسحَ على وجههِ ثمَّ تحدَّثَ بصوتٍ مفعمٍ بالنوم:
صباح الخير ياموني ..
صباح الخير ياأبيه، ياله قوم صلِّي لحدِّ ماأجهَّز الفطار .
دفعَ الغطاءَ وأجابها : 
صلِّيت الفجر حبيبتي، عايز شاي وأي حاجة علشان أنزِل بسرعة..
تحرَّكت متَّجهةً للمطبخِ قائلة :
عيوني شوية وهتلاقي كلِّ حاجة جاهزة، خرجَ يبحثُ عن أخيهِ فتساءل : 
فين معاذ، 
ضحكت بشقاوة :
نزِل يجيب فول وماقولَّكش، قال إيه..
ضحكَ عليها وجلسَ على المقعدِ بمقابلةِ المطبخ متسائلًا :
حبيبتي معندكيش دروس ولَّا إيه؟. 
خرجت تحملُ الخبزَ والجبنَ وأجابته :
عندي الساعة تلاتة بعد مامعاذ يرجع من المدرسة، أومأَ برأسِه :
فيه حاجة واقفة معاكي في الكيمياء 
هزَّت رأسها بالنفي :
معايا أحسن مستر وهغلط برضو !.. تسلملي يازينو، قاطعهم صوتُ الباب 
اتَّجهَ يفتحُ الباب، توقَّف متسمِّرًا عندما وجدَ دموعها تسيلُ على خديها :
يزن أنا قررت أتجوِّز، آسفة مش هقدر أكمِّل معاك..تحرَّكت للداخلِ ووضعت أشيائهِ ثمَّ خرجت سريعًا من المنزل، 
دقائق وهو متوقِّفًا كأنَّ روحهِ سُحبَت لبارئها يردِّد : 
أنا أكيد بحلم .

+


الثاني من هنا 

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close