رواية شظايا قلوب محترقة الفصل الثاني 2 بقلم سيلا وليد
"اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك "
+
وَجعُ فراقِ الأحبّةِ يُعادلُ آلامَ الموتِ ،،
و بعض الحب خلق ليبقى رغم البعد..
رغم استحالة اللقاء ،
رغم وجع الفراق ،
رغم الكبرياء ،
ورغم الأمل المفقود ...
يبقى فقط لأنه خلق ليبقى.!!
ثم______ماذا
هناك أرواح حبها لا يحكى ولا يكتب ، هم حكاية قدر جميلة لكنها لن تكتمل ولن تتكرر أبدًا..!!
+
توقَّفَ يزن محاولًا استيعابَ ماقالتُه، رفعَ عينيهِ إليها :
استني عندِك، إيه اللي بتقوليه دا ؟!.
فركت كفَّيها تبتعدُ ببصرها عنه :
كلِّ شيء قسمة ونصيب يايزن…
بتقولي إيه يامها؟!
ابتعدت بخطواتِها بوقوفِ إيمان بجوارِ أخيها :
مها أدخلي إفطري معانا، قالتها بدخولِ معاذ :
أهلًا أبلة مها، وأنا بقول الطعميَّة لذيذة ليه، علشان أبلة مها هتفطَر معانا …
كانت تطأطئُ برأسها للأسفلِ ولم تقوَ على النظرِ إليه :
أنا هتخطب يايزن ربِّنا يرزقك ببنتِ الحلال ..
رجفةٌ قويةٌ حتى شعرَ بسحقِ عظامه، فتراجعَ خطوةً للخلفِ وعينيهِ تلتهمها بنيرانِ صدرهِ المشتعلة..دقائقَ حتَّى يستوعبُ ماقالتهُ تلكَ المجنونة، مسحَ على وجههِ بكفوفهِ مع عدَّةِ أنفاسٍ مضطربة، أعادهُ لحالتهِ صوتَ أختِه :
أبيه أدخلوا جوَّا، استدارَ إليها وعينيهِ على معاذ :
خُدي معاذ وأدخلي جوا ياإيمان .
أومأت برأسها قائلة:
حاضر.. سحبت أخيها وألقت نظرة على مها، ثمَّ دلفت للداخل :
تراجعَ يجذبُ مقعدَ طاولةِ الطَّعام، ثمَّ أشارَ لها بالدخول :
أدخلي نتكلِّم، عايز أعرف إيه اللي حصل..
مفيش حاجة نتكلِّم فيها يايزن، أنا تعبت، بقالنا خمس سنين مخطوبين، العمر بيسرقني، إنتَ راجل، السِّن عندك مش فارق لكن أنا دلوقتي عندي تمانية وعشرين سنة عايزة أعيش حياتي يايزن، أتجوِّز وأجيب أطفال، وأعيش حياتي مرفَّهة ودا مش هلاقيه معاك، متزعلشِ مني أنا ذنبي إيه أشيل مسؤولية
أختك وأخوك، بحبَّك أه، لكن الحبّ مابأكلشِ عيش، كلِّ شوية أقول أعذار لأمِّي وأبويا، تعبت من نظراتهم وخصوصًا بعد آخر عريس و…أشارَ بيديهِ أن تتوقَّفَ عن الحديث، ألقى نظرةً على أشيائهِ التي أحضرتها :
علشان كدا مختفية بقالِك أسبوعين وكلِّ ماأروحلِك يقولوا تعبانة، ياترى كنتي واخدة القرار ومكسوفة تقوليلي ولَّا بتهربي؟..
يزن أنا بحبَّك بس ظروفك أقوى من الحبِّ دا، مقدرش أفضل كدا ..
+
مبروك عليكي العريس يامها، الحاجات دي متلزمنيش، مبروكة عليكي، اقتربت تهزُّ رأسها مع انسيابِ عبراتها :
لا يايزن مش حقِّي، أنا اللي فركشِت .
توقَّفَ سريعًا، ورمقها بنظرةٍ مستاءة :
إسمها أنا اللي بعت، وأنا اللي يبعني ضغطَ على أسنانه، وعيناه تطلق أسهمًا ناريَّة يرمقها بها، ثم دنا منها مردِّدًا بجفاء:
أحرق اللي يفكَّرني بيه..غرزَ عينينهِ بمقلتيها..جاية بكلِّ بجاحة توقفي قدامي، تقولي واحد إتقدملِك وإنتِ موافقة !.
دنا إلى أن أصبحت المسافة بينهما معدومة ثمَّ انحنى بجسدِه :
خنتي العهد اللي بينا يامها، حرقتي قلبي، روحتي اتكلِّمتي مع واحد وإنتِ مخطوبة، إنتِ عارفة أنا شايفِك إيه دلوقتي ؟..
نكست رأسها بأسفٍ وتمتمت بخفوت :
لو سمحت يايزن، بلاش تجريح .
خاينة إنتِ واحدة خاينة وكذَّابة وأنا اللي غلطان.. تراجعَ وجنونُ العشقِ الغادرِ بداخلهِ يحرقُ روحه :
اطلعي برَّة وخدي الحاجات دي، خُديها حتى لو هاترميها .
همَّت بالمغادرة إلا أنّّهُ صاحَ باسمها :
مها منتظر دعوةِ الفرح.. هرولت للخارج، أمَّا هو فهوى بجسدهِ على المقعد، وخزاتٌ كالمسامير تغرز بصدره دونَ رحمة، لحظاتٌ يشعرُ بانسحابِ أنفاسهِ وكأنَّهُ داخلَ قبر، خرجت أختهِ تطالعهُ بأنينِ قلبها، كم تعلم عشقهِ الذي دُفنَ لسنوات، خطت
إلى أن جثت بركبتيها أمامَ أخيها :
يزن ليه كدا، ليه تتنازل عن حبَّك، قولتها قبلِ كدا، من حقَّك تعيش، لو سمحت يايزن، فكَّر في نفسك شوية، مش من حقَّك تحرم نفسك علشانا ..
انحنى وحاوطَ وجهها :
أنا أبيع الدنيا كلَّها علشانِك إنتِ ومعاذ، أوعي أسمعِك تقولي كدا، أنا قبلِ ماأكون أخوكي فأنا أبوكي.. هوَّ فيه أب بيجي على ولادُه علشان نفسه، أنا راضي بيكم حتى لو متجوزتِش طول حياتي ..
هزَّت رأسها رافضةً حديثه :
تضيَّع حياتك ليه، إنتَ مش أبونا..
إيمي مش عايز أسمع كلام في الموضوع دا، أهمَّ حاجة دلوقتي تهتَّمي بدراستك وبس، متنسيش إنتِ ثانوية عامة، كفاية السنة اللي اتأجلِّت بسبب وفاة ماما مش هاقبل أعذار، عايز طب ياإيمي غير كدا مش مسمحولِك تفكَّري في حاجة، لو فعلاً بتحبِّي أخوكي.. عايز نجاح باهر.
قبَّلَت كفِّهِ الذي يحتضنُ بهِ وجهها :
إنتَ أحسن أخ في الدنيا، ربِّنا مايحرمني منِّك .
دمغَ جبينها بقبلةٍ حنونةٍ :
ولا منِّك حبيبة قلبي، وبنتي الغالية، هاعوز إيه أكتر من إنِّي أشوفِك إنتِ وأخوكي في أحسن حال ..
طيِّب مها، هتقدَر تنساها، تنسى حبِّ حياتك.
أشاحَ ببصرهِ بعيدًا عنها ثمَّ أردف :
ربِّنا أنعم علينا بالنسيان علشان ننسى أعزِّ النَّاس، فتخيلي اللي ميستهلوش مش هنقدر ننساهم؟..قومي ياقلبي جهِّزي الفطار أنا اتأخرت ..
+
حبيبي متزعلشِ هيَّ الخسرانة لأنَّها متستهلكش، أوعى واحدة زي دي تكسر يزن السوهاجي، اللي كلِّ بنات المنطقة هتموت على نظرة من عيونُه :
رسمَ ابتسامة، وارتفع جانبَ وجههِ بشبهِ ابتسامةٍ ساخرة قائلًا :
بنات المنطقة كلها مرَّة واحدة، قومي يالِمضة قومي..
بعدَ فترةٍ على طاولةِ الطعامِ أردفَ معاذ :
أبيه يزن عايز فلوس درسِ الانجليزي، الميس طلبتهم منِّي الحصَّة اللي فاتت.
+
حاضر.. قالها وأخرجَ سيجارة يرتشفُ من كوبِ الشاي، وعينيهِ شاردة بكافَّةِ الاتجاهات، كانت تتابعهُ بعينيها، أصابَ قلبها الألم على نظراتهِ الحزينة رغمَ محاولتهِ بالظهورِ أَّنَّهُ على مايرام .
وضعَ الكوبَ وتوقَّفَ متحرِّكًا إلى أشيائه، جمعها ثمَّ أخرجَ نقودًا من الحافظة الخاصَّة به :
موني دي فلوس درسِ معاذ، عدِّي على الميس وشوفيه عامل إيه معاها، وكمان فلوس الفيزيا، آسف حبيبتي نسيتهم امبارح، كان لازم تفكَّريني بدل ماتلغي الحصَّة كدا .
توقَّفت واتَّجهت إليهِ متمتمة :
لا يايزن أنا سمَّعت الدرس فيديو على اليوتيوب، استفدت مكنشِ له لزوم الدَّرس ..
داعبَ خصلاتها مبتسمًا:
على يزن برضو ياموني، النِّت أصلًا فصل، مش عيب تكذبي على أخوكي..
جذبها لأحضانهِ بعدما شعرَ بحزنها :
شوفتي بتزعَّليني إزَّاي، مكسوفة تسأليني على الفلوس، نسيت واللهِ ياقلبِ أخوكي، بعد كدا هقبَّضِك شهريًا كلِّ دروسك، إحسبي الحسبة وقولي عايزة إيه وأنا تحتِ أمرِك .
ابتسمت تهزُّ رأسها دونَ حديث، فيكفي مايشعرُ به، همَّ بالمغادرة إلى أن أسرعَ معاذ يحملُ حقيبته :
وصَّلني معاك بالمكنة ياأبيه، عمُّو اسماعيل عامل عمرة للتوكتوك، أومأَ وتحرَّكَ إلى دراجتهِ البخاريَّة .
ارتدى الخوذة وأشارَ إليهِ بالتحرُّك :
استناني برَّة لمَّا أخرَّج المكنة، خرجَ وتوقَّفَ أمامَ معاذ، رفعَ نظرهِ على تلكَ السيارةِ التي توقَّفت أمامَ منزلِ خطيبته، ترجَّلَ منها شاب يافعَ الطول، عرفهُ من ظهره، نعم صاحبَ العمل الذي تعملُ به، وصلت إليهِ بجوارِ والدتها، التي رمقت يزن بنظرةٍ مستاءة ثمَّ أشارت على ذاكَ الشابِّ الذي يُدعى طارق وصاحت بصوتٍ مرتفعٍ ليصلَ إلى آذان يزن :
تعالَ إفطَر معانا ياخطيب بنتي، حماتك بتحبِّك ..
كوَّرَ قبضتهِ حتى ابيضت مفاصلِه، يضغطُ على شفتيه بقوَّةٍ بأسنانهِ ولم يشعر بدمائها.. رفعت عينيها لتتقابلَ بعينيهِ وهناكَ الكثير من الأحاديثِ الملامة، ضغطَ بقدمهِ على الوقودِ ليصدحَ صوتُ الدراجةِ وكأنَّهُ لم يعد يستمع لأصواتِ تلكَ الشمطاءِ وهي ترحبُّ به، كيفَ يفعلوا به ذلك، كيفَ تقبَّلت أن تجلسَ معهُ وهي على عهدٍ معه…
قادَ دراجتهِ بسرعةٍ فائقةٍ مما أزعجهم بخارَها، كانت تطالعهُ بأعينٍ حزينة، تعلمُ أنَّها خلت بوعدهما ولكن ماذا عليها أن تفعلَ بعد إصرارِ والديها بجبرها على الزواجِ في ظلِّ ظروفه، استقلَّت السيارة بجوارِ من اعتبرتهُ زوجها المستقبلي ولم تعلِّق على حديثهِ حينما قال :
شكلِك عرَّفتي الولد اللي كنتي مخطوباله، شايفه مش طايق نفسه..
أشارت على الطريقِ وردَّدَت :
هنتأخَّرعلى الشغل، أمالَ برأسهِ مقتربًا منها، حتَّى أصبحت المسافة بينهما معدومة، ليهمسَ لها :
مفيش شغل النَّهاردة فيه طارق وبس، عازمِك على فسحة هاتعجبِك أوي .
يعني إيه؟..
قادَ السيارة وتحرَّكَ قائلًا :
هانعمل تور أنا وإنتِ وبعد كدا نروح نشوف الفستان ..
ضيَّقت عينيها متسائلة:
فستان إيه، ليه هوَّ الفرح إمتى؟!
غمزَ بطرفِ عينهِ قائلًا :
وقتِ مالجميل يؤمر..
عندَ يزن وصلَ إلى مكانِ عمله، ودلفَ للدَّاخلِ ملقيًا تحيَّةَ الصباحِ على صاحبِ العمل، نظرَ بساعةِ يده :
اتأخرتِ ليه يايزن النهاردة ؟..
ارتدى ثيابَ عملِه، متهرِّبًا بنظراتهِ من ذاكَ الرجلِ الذي يعتبرهُ بمقامِ والده، ثمَّ أجابه :
مشكلة واتحلِّت ياعمو اسماعيل.. ربتَ على كتفِه :
حبيبي ربِّنا ييسرلك أمورَك دايمًا .
يارب.. قالها بدلوفِ إحدى السيارات، فأشارَ لهُ الرجلِ بمقابلةِ زبائنه