رواية ما ذنب الحب كاملة وحصرية بقلم شهد الشوري
قبل ما نبدأ البارت، تذكير لابطال الجزء الأول وأولادهم كتير منهم دورهم ثانوي
عائلة حياة وبدر :
يوسف، مروان، عشق، وعاصم (توأم).
عائلة آدم وزينة :
ياسين، وصافي
عائلة أوس ومهرة :
مالك، حمزة، وليلى
عائلة ريان وندا :
ليلة وزياد
عائلة أمير وفرح :
جوان وجوري (توأم)، وآدم
عائلة أدهم وهنا :
سليم، وقمر
عائلة إلياس ونسرين :
سيدرا ويوسف
عائلة عمر وسارة :
جومانا (ابنة عمر من زواجه الأول)، وريماس، وعلي
.......
توأمان، ملامحهما قد تبدو متشابهة، لكن شخصيتيهما مختلفتان كل الاختلاف إحداهما هادئة متزنة، تسيطر العواطف على كل تصرفاتها وتوجهها نحو طريق مدروس ،
بينما الأخرى على النقيض تمامًا جريئة إلى أبعد الحدود، تفيض ثقة وربما غرورًا، لا مكان للعواطف في عالمها المتمرد، فهي تعيش للحظة ولا تلقي بالاً لما بعدها
إنهما "جوان" و"جوري" أمير العمري
في تلك اللحظة، كانت "جوان أمير العمري" تقف على منصة ضخمة، تضيئها الأضواء الساطعة بينما يهتف الجمهور بأسمها بحماس الهتافات كانت تشعرها بالقوة والفخر، إذ تحققت لها أحلامها التي لطالما سعت إليها
نظرت إلى الحشد أمامها بعينين تتقدان ثقة، وكأنها تقول للعالم إنها وصلت، وأن هذا هو المكان الذي كانت تستحقه دائمًا !!
بدأت بالغناء، وصوتها العذب ملأ الأجواء صوت مميز ورثته من والدها، لكنه لم يكن كافياً ليشعل شغف شقيقتها "جوري"، التي لطالما نظرت إلى الفن بهدوء وترفع، دون أن تجد فيه ملاذها لكن جوان، على العكس، كان الغناء والرقص وسيلتها للهرب من كل ما يحيط بها، وسيلة لإعلان تمردها على العالم جميع أغانيها كانت تعكس شخصيتها الطائشة، المتمردة، تماماً كما هو الحال في حياتها لا تخاف من أي شيء، ولا تتراجع أمام أي تحدٍ
بعد ساعات قضتها في الغناء والرقص بحركات جريئة تتجاوز الخطوط المعتادة، ودعت جوان جمهورها بابتسامة مفعمة بالثقة، وغادرت الحفل وسط حراسها الذين رافقوها نحو الفيلا.....
على الناحية الأخرى، كان والدها "أمير العمري" يشاهد الحفل عبر البث المباشر على أحد مواقع التواصل الاجتماعي عيناه كانت تعكسان خليطًا من الاستياء والغضب !!!!
في حين كانت "فرح" زوجته تجلس بجانبه وقد لمحت التوتر على ملامحه
سألته فرح بقلق وهي تحاول أن تقرأ تعابير وجهه الصارمة :
مالك يا حبيبي متضايق ليه
أجابها بنبرة حملت حدة لم يستطع إخفاءها :
من اللي بتعمله بنتك يا فرح
تنهدت بحزن واضح في عينيها ، ثم قالت :
عملت إيه تاني !!
ردد أمير الذي بات ضيقه يزداد ، بعدما أطلق تنهيدة عميقة كأنما يحاول أن يتخلص من حمل ثقيل على صدره :
قولي معملتش ابه، كل حاجة بتعملها غلط، انتي اللي طول الوقت بتحوشيني عنها بس انا خلاص جبت اخري منها ومن تصرفاتها !!!!
حاولت فرح تهدئة الأمور قائلة :
أمير، جوان عنيدة جدًا، ولو حاولنا نضغط عليها زياده تزيد عناد، مش عايزين نخسرها أو نستخدم أسلوب يخليها تكرهنا او تبعد عنا
رد أمير بحدة أشد و هو ينظر لشاشة الهاتف :
واقفة تغني وترقص بجسمها قدام الناس بلبسها اللي زي الزفت ده !!!
في هذه اللحظة، دخلت جوان إلى المنزل، وصوت ضحكاتها المرح يملأ الأجواء لكنها ما إن رأت ملامح والديها المتوترة حتى أدركت أن هناك مشاجرة تلوح في الأفق
ألقت تحية سريعة وصعدت مباشرة إلى غرفتها المشتركة مع شقيقتها، لا ترغب في مواجهة ما يحدث بالأسفل غير أنها، دون أن تعلم، كانت تنتظر مواجهة أخرى هناك
دخلت إلى الغرفة لتجد "جوري" جالسة، عيناها تلمعان بالعتاب ما إن استقرت جوان داخل الغرفة حتى قالت لها جوري بنبرة معاتبة :
إيه اللي عملتيه ده يا جوان
اقتربت جوان منها، محاولة أن تمتص الغضب بقبلة خفيفة على وجنتها.ثم قالت مبتسمة :
جوري، حبيبتي، أنا مودي حلو النهاردة لو عندك أي نصايح أو محاضرات خلينا نأجلها لبكره
لكن جوري لم تتراجع، نبرة صوتها كانت هادئة لكنها حازمة :
مودك حلو؟ فرحانة بالحفلة، بالغنا، بالرقص، واللبس اللي مش ساتر جسمك وقلته أحسن ، فرحانة بتشجيع ناس تافهة ليكي !!!
تنهدت جوان بضيق، لكن جوري تابعت بصوت أكثر حدة وهي تنظر إلى ملابس شقيقتها القصيرة التي تكشف ساقيها النحيلتين وحمالات الثوب الرفيعة :
مش هتكلم عن كلام الناس، ولا عن بابا وماما....بس أنتي عارفة شيلتي كام ذنب من الحفلة دي؟ عارفة كام واحد أثارتيه برقصك ولبسك؟ كل كلمة غنيتيها كام واحد سمعها؟ وكل واحد سمع أغانيكي بياخد ذنب وانتي كمان معاه
ردت جوان بعناد :
أنا بعمل الحاجة اللي بحبها وبتخليني مبسوطة
نظرت إليها جوري بعينين مشبعتين بالحزن، وقالت :
المعصية هي اللي بتخليكي مبسوطة ، بتحسي بالسعادة و اللذة وانتي بتعملي معصية !!!
شعرت جوان بالضيق، فقد اعتادت أن تتلقى النصائح من شقيقتها برحابة صدر، لكنها في هذا الموضوع بالتحديد ترفض أي تدخل لا أحد يفهم شغفها، ولا أحد يقدر ما يجعلها تشعر بأنها على قيد الحياة
أخذت ملابسها ودخلت إلى الحمام، تاركة جوري وراءها غارقة في حزن عميق !!!
همست جوري بدعاء داخل نفسها، وهي تنظر لأثر شقيقتها :
اللهم اصرف عنها لذة معصيتك، وارزقها لذة طاعتك
خرجت جوان بعد قليل من الحمام، ثم استلقت على الفراش متعبة من الحفل وصخب الحياة، وأدارت ظهرها لجوري التي ظلت تحدق في السقف غارقة في أفكارها وقلقها على شقيقتها من أفعالها
........
في صباح يوم جديد، كانت الحياة تنساب أمامها كحلمٍ لطالما تمنته منزل هادئ، يلفه دفء العائلة، وأطفالها الذين أصبحوا الآن شبابًا يحيطون بها وكأنهم أعمدة هذا الكيان إلى جانبها، زوجها بدر، الذي لم يتغير حبه لها رغم مرور السنين كان حبه عميقًا، مثل بحرٍ لا قاع له عيناه اللتان طالما نظرتا إليها بنفس الطريقة، لا تزالان تمنحانها دفئًا، أمانًا، وشعورًا لا يُضاهى بأنها الأجمل في هذا العالم
ورغم هذا الكمال الذي أحاط بها، كان هناك ظلٌ معتم يخيم على قلبها، ظلٌ صنعه غياب ابنها الأكبر "يوسف"
كلما مر ذكر يوسف، شعرت حياة بوخزة في قلبها، وكأن غيابه يسرق منها قطعة صغيرة في كل مرة كانت تتذكره كل صباح، رغم محاولاتها المستمرة لإخفاء الألم تحت ستار الحياة اليومية
انتهت من تجهيز مائدة الإفطار، تتابع الخدم الذين ينجزون ما تبقى، وتضع لمساتها الأخيرة على الأطباق بنفسها
كانت تعلم أن باقي أفراد العائلة سينزلون تباعًا، وكأن هذا الروتين الصباحي هو الشيء الوحيد الذي يمنحها بعض الطمأنينة
نزل بدر أخيرًا، هادئًا كما كان دائمًا، بوسامته التي لم تتلاشى رغم مرور الزمن خصلات شعره التي بدأت تكتسي ببعض من البياض لم تضعف جاذبيته، بل زادته وقارًا وهيبة
اقترب منها بحب عميق ثم طبع قبلة خفيفة على وجنتها وجبينها، وقال بمزيج من المزاح والعشق الذي لم يتغير : صباح الجمال يا صغنن
ابتسمت بخفة تلك الابتسامة التي تحمل في طياتها ذكريات السنين الطويلة كيف رغم كل شيء لا يزال يراها صغيرة في نظره
ردت بحب كبير و هي تقبل وجنته برقة :
صباح الخير يا حبيبي
بدر بطريقته المعتادة، نظر حوله، كأنه ينتظر سماع ضجيج المنزل الذي اعتاد عليه...ثم قال بمرح، لكن بحس من الاستغراب :
فين العيال!!!....مش عاملين دوشة زي كل يوم ، إيه، هي القيامة قامت ولا إيه
ضحكت حياة، ضحكة قصيرة لكنها حملت معها مزيجًا من الفرح والحنين لما كان :
عشق بتجهز وهتنزل، مروان راجع النهاردة من السفر، وعاصم راح يستقبله
لكن عند ذكر مروان، تغيرت ملامح بدر فجأة تراجع قليلاً، وكأن ثقلاً قد سقط على قلبه
تنهد تنهيدة عميقة، وحين نطق، كانت كلماته تخرج ببطء، كأنها تعبر مسافة طويلة بين القلب واللسان :
عقبال يوسف لما يرجع هو كمان...وحشني اوي يا حياة ، اه غلط و غلطه كبير و زعلان منه اوي.... بس وحشني !!!
كانت كلماته مثل سكين في قلبها لكنها لم تستطع أن تُظهر ألمها كما يفعل هو بدلاً من ذلك، أغمضت عينيها للحظة ، تنهدت بصمت، ثم قالت بهدوء تحاول أن تتماسك.:
أنا كمان وحشني اوي يا بدر
كان يوسف أكثر من مجرد ابن، كان جزءًا من روحها ورغم كل ما حدث بينه وبينهم، لم تستطع أن تتخلى عن أمل عودته، أمل أن يعود إليها ذلك اليوم الذي غادر فيه وتركت خلفه فجوة لا تُملأ
ظل بدر صامتًا للحظات، وكأن كلماته قد أخرجت ما كان يحاول كتمانه منذ زمن عيناه، اللتان كانتا دائمًا تحملان الدفء، أصبحتا الآن مزيجًا من الحزن والخذلان نظر إلى الأرض، وكأنه يبحث عن كلمات لشرح ما بداخله، لكنه لم يجد سوى تنهيدة أخرى تخرج منه بصوت خافت :
أنا مغلطتش معاه يا حياة....ولا حتى انتي هو اللي اختار يبعد.....اختار يخسرنا كلنا ، اختار يبقى ضدنا ، انا لحد دلوقتي مش قادر استوعب ان بعد كل السنين دي و تربيتنا ليه يفكر كده !!!!
حاولت حياة أن تخفف عنه، لكنها كانت هي الأخرى غارقة في ذات الألم جلست أمامه، وضعت يدها على يده بلطف، وحدقت في عينيه محاولة أن تجد الكلمات المناسبة لتضميد جرحه....ابتسامة صغيرة ومغلفة بالدموع ظهرت على وجهها، لكنها كانت تعلم أن الألم لا يمكن إخفاؤه بالكلمات :
مسيره يوم يعرف الحقيقة ويرجع، يا بدر....مسيره يرجع !!
لم يكن هناك رد فقط صمت ثقيل يملأ الفراغ بينهما، صمت يحمل كل الذكريات التي حاول كلاهما نسيانها فجأة، قطعت حياة الصمت قائلة بتردد :
طب ما نكلمه يا بدر !!!!
لكن بدر، الذي كان دائمًا صلبًا في مواقفه، هز رأسه بحسم :
لا يا حياة، احنا مغلطناش في، هو اللي قرر يمشي، سنتين بعيد عننا مفكرش حتى يتصل بينا و لا حتى بأخواته ، بيعاقبنا يعني، مين فينا الأب مش فاهم !!!
كانت تعلم أن بدر على حق، لكن قلب الأم لا يعرف المنطق كانت تشتاق لابنها، لابتسامته، لصوته، لكل لحظة جمعتهم.ط لكنها لم تستطع الرد الصمت كان رفيقها الوحيد في تلك اللحظة
بدر محاولاً التخفيف من ثقل اللحظة، استدار فجأة وقال بابتسامة صغيرة :
المهم، فين القهوة ، اتأخرت وعندي شغل لسه هوصلك كمان في طريقي
ابتسمت حياة برقة وتابعت بهدوء :
انا أجازة انهارده
ضحك بدر، وكأنه قد توقع ذلك، وقال مازحًا :
طبعًا عشان مروان جاي....ده غاب عنك أسبوع واحد بس يا حياة
قبل أن ترد عليه، قاطعهما صوت عشق، التي نزلت من الطابق العلوي شبيهة لأمها بكل شيء في ملامحها ورقتها ثم قالت بابتسامة مشرقة :
صباح النور
رد الاثنان بتحية دافئة، ثم سألتها حياة :
رايحة فين بدري كده
أجابت عشق وهي ترتدي حقيبتها :
رايحة لجوري
- ليه !!!!
ابتسمت وهي تقبل وجنت والدها بحب :
كنت طالبة منها حاجة، فهروح أخدها قبل ما اروح الجامعة
حياة بابتسامة هادئة :
طب استني شوية، سلمي على مروان....زمانه وصول
ضحكت عشق وردت برقة :
هرجع بدري يا ماما متقلقيش
غادرت عشق بعدما ألقت تحية سريعة بينما عادت حياة لتحضير قهوة بدر ولكن عقلها لم يكن هنا، بل كان يسرح بعيدًا...إلى تلك الليلة المظلمة، الليلة التي خرج فيها يوسف بعد أن نال صفعة قاسية من والده لأول مرة !!!!
......
كانت جوري تجلس خلف تلك المنضدة الكبيرة، محاطة بأدوات عملها الخاصة التي تملأ المكان بألوان جميلة تعشق تصميم الإكسسوارات الديكورية، خاصة تلك المصنوعة من الريزن، وتبدعها بيديها، عارضة إبداعاتها في معرضها الذي نال شهرة واسعة في فترة قصيرة
إتقانها للعديد من الأشياء جعل من هذه الهواية جزءًا من حياتها، أكثر من مجال دراستها الذي لم تجد فيه مكانًا فقد حصلت على شهادتها، لكنها اكتفت بذلك وانغمست في عالمها الذي يعكس شغفها
ورغم كل هذا النجاح، ومع وجود عائلة رائعة من حولها، كانت تشعر بفراغ كبير !!
كيف يمكن أن تشعر بالسعادة وقد فقدتها منذ سنوات بسبب شخص أحبته بصدق؟ ربطت سعادتها به، وكان هذا خطئها الوحيد !!!
كانت تنظر إلى الفراغ، غارقة في شرود وحزن عميق، غافلة عن الشخص الذي يقف خارج المعرض فقد كانت واجهته المصنوعة من الزجاج الشفاف سمحت له برؤية كل تفاصيلها، لكن قلبه كان يعتصره الندم والاشتياق
تمالك نفسه بصعوبة، غير قادر على الركض نحوها واحتضانها لعله يروي بها اشتياقه الكبير، لكنه تساءل " بأي عذر سيواجهها "
نظر إلى باقة الورود التي كانت بيده، وأخرج قلمًا من جيب سترته وكارتًا صغيرًا خط عليه كلمات من القلب
ثم استوقف أحد المارين، طالبًا منه أن يُدخل لها باقة الورد، بعد ان اعطاه عدة ورقات مالية جعلته يوافق على الفور
استفاقت جوري من شرودها على صوت الفتاة العاملة تتحدث مع الرجل بعد لحظات من الانتظار، غادر الرجل، و اقتربت منها الفتاة باحترام قائلة :
آنسة جوري، الورد ده لحضرتك
سألتها جوري بتعجب : مين اللي بعته !!!
أجابت الفتاة بعدم معرفة :
معرفش، سألته، قال إن فيه واحد طلب منه يدخل بالورد، بس فيه كارت عليه أكيد مكتوب مين اللي بعته
فتحت جوري الكارت، وعيناها تلمعان بإعجاب برؤية الورد الأحمر الجوري الذي يحمل اسمها لكن عندما قرأت الكلمات المكتوبة، تعالت دقات قلبها بصخب، وكأن إحساسها يخبرها بأنه هو !!!
"أشتاق إليكِ، وأريدك أن تعودي إلي...هل تظنين أنني أستطيع نسيانك....كل ما أفعله الآن هو التفكير بك "
قربت الكارت من أنفها لتستنشق رائحة عطره، ذلك العطر الذي حفظته عن ظهر قلب....كيف لا؟ ألست هي من انتقته له من قبل !!
لكن يبقى السؤال هل هو هو بالفعل ؟
وإن كان هو، فلماذا عاد من جديد !!!!!!
......
كان يجوب بعينيه على تلك الماثلة أمامه، متأملاً من أعلى لأسفل بنظرات غير بريئة بالمرة ولم تكن الأخرى بممانعة، بل كانت أكثر من سعيدة، إذ علمت أنها ستنال مبتغاها من تلك النظرات التي تتراقص في عينيه نحوها فهي "شدوى" التي تملك القدرة على جذب أنظار الرجال إليها بكل سهولة نظراً لجمالها الساحر !!!
ابتسمت بتفاخر وهي تراقبه يغمغم ببرود، لكن نظرات الإثارة والرغبة التي لمعت في عينيه كانت تشي بعكس ذلك :
سهر، عرفتك، شغلك عبارة عن إيه !!
أومأت له برقة مبالغ فيها، قائلة :
اه يا باشا، متتصورش حضرتك انا مبسوطه قد ايه عشان هشتغل مع سليم باشا بنفسه
أومأ لها، لكن عيناه لم تفارقا منحنيات جسدها التي تعمدت إظهارها بفستانها الذي التصق بجسدها كجلد ثانٍ، كاشفاً عن ساقيها البيضاء الممشوقة
استأذنت منه وغادرت، وهي على يقين بأنه يتابعها بعينيه من الخلف، فتعمّدت السير ببطء وغنج
ما إن أغلقت الباب، حتى لمع بريق مكر في عينيه، يفوق مكرها بكثير !!!
يبدو أنها لا تعرفه جيداً إنه "سليم أدهم الجارحي"
المعنى الحرفي للمكر والدهاء يصعب معرفة ما يدور في عقله، فهدوؤه هو ما يميزه، حتى في أصعب الأوقات، لا تجد سوى الهدوء مرتسماً على ملامح وجهه !!!
دخلت إلى مكتبه مرة أخرى، وابتسامة ترتسم على شفتيها، قائلة بدلال وهي تقترب منه :
مستر سليم، في ورق مهم لازم حضرتك تمضيه
تلاعبت بخصلات شعرها بين أصابعها، ثموضعت الأوراق أمامه في حركة متعمدة، تأمل ما أظهرته من أنوثة وإغراء
كان نظره يتابعها بإعجاب، وارتسمت على وجهه ابتسامة ماكرة وفجأة، جذبها نحوه مما جعلها تفقد توازنها وتقع على قدميه، قائلاً بنبرة ماكرة :
قدم اوي جو الإغراء اللي بتعمليه ده !!
حاولت دفعه برفق، معارضة ولكن بحذر :
سليم بيه، من فضلك، عيب كده
ابتسم بزاوية شفتيه، وهو يمرر يده على ساقها المكشوفة، وتعلو عينيه نظرة تحذيرية :
ما تخليكي معايا ضهري، وبلاش لف ودوران....أنا عارف وأنتي عارفة أخرة اللي بتعمليه ده إيه
أجابته بحماسة، وكأنها لم تسمع سؤاله :
الجواز
ضحك بسخرية، وهو ينظر إليها باحتقار :
مكنتش أعرف إن الجمال ده وراه الغباء ده، صحيح الحلو ميكملش
شعرت بالإهانة ولكنها تغاضت عن ردها، لتستمر في إغوائه فحررت أزرار قميصه ببطء، ومررت يدها على صدره العاري، وهي تبتسم بدلال :
يعني عجبتك
أمسك بفكها بين يديه بقوة، وهو ينظر في عينيها بنظرة حادة :
هتجوزك !!
توسعت عيناها، متسائلة بسعادة :
بجد، هتتجوزني
لكن آمالها تبخرت عندما قال ببرود :
عرفي!!
ثم ابع بصرامة :
بلاش نلف وندور على بعض ، من الآخر انتي عجبتيني وأنا عايزك، وانتي كمان نفس الكلام، مش كده برضو !!!
أجابته بإحباط :
طب ليه متخليش الجواز رسمي
زفر بضيق، رافعًا حاجبيه بصرامة :
عشان أنا عايز كده، ومش أنا اللي أعمل علاقة مع واحدة في الحرام.....عشان كده بقولك جواز عرفي نقضي كام يوم ولما نزهق، هطلقك لو حد شم خبر عن الموضوع ده، اعتبري نفسك من الأموات...
فاهمة !!
وافقت بلا تردد وهي تدرك أنها أمام فرصة قد لا تتكرر سليم الجارحي، الذي لطالما حلمت به، سيتزوجها صحيح أنه زواج عرفي، لكن هذا لا يهم فهو لا يدري انه بذلك سهل لها مهمتها !!!!!
.......
في مطار القاهرة الدولي
أعلنت شركة مصر للطيران عن وصول الطائرة القادمة من المكسيك بعد فترة من الانتظار، ظهر شابٌ وسيمٌ في صالة المطار، يخطف الأنظار من حوله، لكن بدا عليه عدم الاكتراث بأي شيء !!
كان يتجول بنظراته الفضولية، وكأن هذا المكان لم يسبق له أن وطأه كانت مصر بالنسبة له أرضًا جديدة لم يزرها من قبل،
أشرق وجهه بابتسامة تلقائية بدون سبب واضح، كأن قلبه يخبره أن هذه الزيارة ليست مجرد عابرة، بل بداية لمغامرة جديدة تمامًا !!!!
اقترب منه "سلطان" ذراع والده الأيمن، وهو يضع الحقائب في صندوق السيارة، مرحبًا به بحرارة :
اياد باشا، نورت مصر كلها والدك عنده اجتماع مهم مقدرش يأجله، وبيبلغك تنتظره في البيت، هيكون عندك بعد ساعة بالكتير
أومأ أياد بهدوء وصعد إلى السيارة، يجلس في الخلف متأملًا الشوارع المحيطة، بينما سلطان يقود السيارة ينظر له عبر المرآة من حين لآخر
سأله اياد ببرود، دون أن ينظر إليه :
هشام، ابن عمي، فين دلوقتي، خدني عنده
نفذ سلطان الطلب على الفور، بعد أن أجرى اتصالًا لمعرفة مكان "هشام" وما إن وصلوا، حتى اقترب هشام معانقًا أياد بابتسامة عريضة :
نورت مصر يا بن عمي
رد عليه الآخر ببرود :
عارف
ابتسم هشام ولكنه لم يعلق فسأله اياد :
فين عمي
أجاب هشام ببرود، وهو يجلس بجانبه :
مع أبوك في الشركة
رد أياد بفتور :
طب، أنت مش هناك ليه
فجأةً، أطلت السخرية من عيني هشام وهو يقول :
أنت أولى بالسؤال ده، المفروض أنك ابن صاحب الشركة، أنا وأبويا حيالله شغالين عندكم بمرتب
شعر أياد بالملل من هذه اللعبة السخيفة، فهو يعرف تمامًا أن حديث ابن عمه ليس سوى محاولة لجذب العطف والشفقة فرد عليه بسخرية وملل :
ما تعيشش في الدور يا هشام، لو أنت وأبوك مجرد موظفين بمرتب زي ما بتقول، مكنتش هتركب عربية زي اللي راكنها بره، ولا كنت هتسافر بلد كل شهر وتصرف الفلوس على الحشيش....مرتب إيه اللي يخليك تعمل كل ده !!!
صمت هشام ولم يجب، ليسأله اياد :
هتسهر فين انهاردة
رد هشام بسخرية، وهو يدخن سيجارته :
جاي حامي أنت أوي
أخذ أياد السيجارة منه يضعها بين شفتيه قائلاً بجرأة :
عندي فضول أجرب
فهم هشام ما يرمي إليه ابن عمه، فهو يرغب في قضاء ليلة ماجنة مع شرقية
قبل أن يتحدث هشام، وصلت له رسالة من أحد أصدقائه ابتسم فجأة، والتمعت عينيه بمكر قائلاً :
جيت في وقتك يا بن عمي !!!!!!
.......
في فيلا بدر الجارحي
مرت ساعات طويلة على حياة، ولم يصل أبناؤها من المطار شعرت بالإرهاق، فقررت أن تصعد إلى غرفتها لتستريح قليلًا على فراشها، حتى عودتهم
بعد ساعة، توقفت سيارة عاصم، أصغر أبنائها، أمام باب الفيلا الداخلي ترجل منها برفقة شقيقه الأكبر مروان، الذي كان على خلاف مع نهج العائلة في حين أن معظم أبناء بدر الجارحي اتبعوا نفس مسار والدهم في الأعمال، اختار مروان أن يكون مختلفًا، حاملًا حلمًا قديمًا بأن يصبح قبطانًا بحريًا
بحث مروان بعينيه عن والدته، ولهفة اللقاء تملأ قلبه كان يتوقع أن يجدها في انتظاره، لكنه صُدم عندما لم يراها سأل عبير كبيرة الخدم، عن والدته بقلق فأجابته بهدوء :
حمد الله ع السلامة يا مروان بيه، حياة هانم انتظرت حضرتك كتير وطلعت ترتاح في أوضتها لحد ما توصلوا
بصمتٍ قرر مروان أن يصعد إلى غرفته مباشرة، ليأخذ حمامًا سريعًا ويبدل ملابسه قبل أن يذهب لرؤية والدته
بعد وقت قصير، خرج من الحمام، وقطرات الماء تتساقط من شعره الذي يجففه بمنشفة صغيرة، بينما التف حول خصره بمنشفة أخرى كان يدندن بخفوت، مستمتعًا بلحظات الهدوء، حتى فاجأته صرخة من داخل الغرفة
انتفض مروان على اثرها، بحث حوله بعينين غاضبتين، ليجد فتاة تقف بأحد الأركان، ظهرها له، مرتجفة من الخوف
صرخ بغضب :
"إنتِ مين...إزاي تدخلي كده من غير استئذان !!
جاء صوتها مختنقًا بالدموع والخوف :
والله ما كنت أعرف إن حضرتك موجود....أنا اسفة
في تلك اللحظة، دخلت حياة الغرفة مسرعة، فقد انتفضت من نومها على صوت الصراخ العالي، ومن خلفها عبير
سألت بقلق :
إيه اللي حصل، إيه الصوت ده !!
مروان، وهو لا يزال غاضبًا :
مين دي يا ماما
نظرت حياة إلى الفتاة التي كانت تقف مرتعشة في الزاوية، ثم عادت بنظرها إلى ابنها، قائلة بتعجب :
دي غنوة بدأت شغل هنا انهاردة مكان رشا إيه اللي حصل
غنوة، بصوت مرتجف، محاولة أن تبرر ما حدث وهي تشعر بالخوف من فقدان عملها الجديد :
والله ما كنت أعرف إنه موجود....البنت اللي تحت قالتلي أطلع أمسح التراب...ما كنتش أعرف....
نظرت حياة إلى غنوة بحنان وشفقة :
حصل خير يا بنتي ماتقلقيش
زفر مروان بضيق، ثم تركهم ودخل إلى غرفة الملابس، صافعًا الباب خلفه بقوة فالشعور بالإحراج من هيئته أمام الخادمة كان يغلي بداخله
غنوة، بعد أن ارتجفت من صوت الباب العالي، أخذت نفسًا عميقًا واستمرت في عملها، وهي تحاول التماسك
بعد فترة، خرج مروان من غرفته ليجد والدته جالسة على الفراش، تنتظره اقترب منها بابتسامة مشتاقة :
حياتي...وحشتيني
ضحكت حياة بخفوت، ثم احتضنته بحنان :
وأنت كمان وحشتني يا حبيبي
دار بينهما حديث قصير، قبل أن تتردد حياة وتقول :
شوفت أخوك
تنهد مروان بحزن، وقال بأسى :
حاولت يا ماما، بس مرضيش يقابلني، ولا حتى يرد على تليفوني !!
نظرت حياة بحزن، ولم تجد ما تقوله سوى :
ربنا يهديه ويصلح حاله
ربت مروان على يدها بحزن وضيق خاصة من شقيقه الأكبر يوسف، الذي بات يعزلهم جميعاً عن حياته
في المساء، نزل مروان الدرج بحماس، يبحث بعينيه عن والده وأشقائه كان قد اشتاق إليهم كثيرًا، لكنه لم يجدهم بدلاً من ذلك، وقع بصره على تلك الخادمة التي تسببت في الإرباك في الصباح كانت تمسح الأتربة بحذر، تحاول التعامل مع الكريستال والتحف دون أن تسبب أي ضرر
تذكر مروان الموقف الصباحي، وحاول أن يستعيد اسمها لكنه فشل، فقال بمرح :
بس بس
نظرت غنوة خلفها، لتلتقي عيناه للحظة، ثم خفضت بصرها على الفور، خوفًا وارتباكًا وسألته بتوتر :
في حاجة، حضرتك !!
ابتسم مروان وقال :
ايوه، تعالي هنا
اقتربت منه حتى وقفت أمامه، فسألها بابتسامة :
اسمك إيه
أجابت بصوت منخفض :
غنوة
أعجبه اسمها فردده مرة أخرى قائلاً :
غنوة...اسمك جميل، أول مرة أسمعه !!
خفضت رأسها بخجل، فسألها مبتسمًا محاولًا فتح حوار بعدما لاحظ خوفها منه، بسبب ما حدث في الصباح :
عندك كام سنة
ردت عليه بخجل :
18 سنة يا بيه
تساءل مروان :
بتدرسي ايه !!!
أجابته بحرج وحزن خفي؛:
معايا إعدادية بس... وطلعت من التعليم
صمت مروان للحظة، ثم قال بهدوء معتذرًا منها :
ما تزعليش من اللي حصل الصبح....أنا بس اتفاجأت
حركت رأسها بهدوء، متفاجئة من اعتذاره :
حصل خير، حضرتك
سألها وهو يبحث بعينيه يميناً ويساراً :
ماما والباقيين فين
أشارت إلى غرفة الطعام :
لسه داخلين اوضة السفرة عشان يتغدوا
أومأ برأسه بابتسامة قبل أن يغادر قائلاً :
إن شاء الله تنبسطي في الشغل هنا، يا غنوة
زفرت براحة، فقد كانت تخشى أن يعمد إلى مضايقتها أو يأمر بطردها لكنها الآن، بعد أن تحدث معها بلطف، شعرت بالطمأنينة، وأخذت تحمد الله
......
بين جدران قصر الأخوة الأربعة الفخم كانت العائلة مجتمعة حول طاولة الطعام الفاخرة
آدم يجلس في صدر الطاولة، عيناه تمتلئان بالفخر وهو يتأمل أسرته المتزايدة لم تعد العائلة محصورة عليه وأشقائه فقط بل زوجته، أبناؤه، أشقاؤه، زوجاتهم، وأبناؤهم، جميعهم هنا الحياة التي صنعها كانت أمامه، ممتدة وثرية
لكن فجأة، ساد الصمت عندما كسرت صافي الجو بحديثها المفاجئ قائلة :
بابا، في حفلة بكرة بالليل، أصحابي عزموني أنا وجوان وليلى...ممكن نروح
رفع آدم عينيه نحوها، قائلاً بصوت هادئ :
حفلة إيه وهتكون الساعة كام يا صافي
أجابت صافي بتوتر ملحوظ، كأنها كانت تتوقع اعتراضه :
حفلة تنكرية يا بابا...وصحابنا كلهم هيكونوا هناك، هتبدأ الساعة عشرة بالليل
سادت لحظة صمت توترت فيها الأجواء فقال آدم بنبرة هادئة رغم الضيق الذي بدأ يتسلل إلى صوته :
الساعة عشرة!!!!....وتخلص الساعة كام وإحنا متفقين إن رجوعكم البيت ميكونش متأخر ، والساعة عشرة دي وقت متأخر أساساً
تململت صافي بضيق وهي تحاول الدفاع عن رغبتها :
بس يا بابا، دي مرة واحدة وممكن تبعت حراس معانا ، مفيش حاجة تقلق صدقني
قبل أن يتمكن آدم من الرد، تدخل أوس، الذي كان يشاهد الحديث بصمت، ليضيف بصرامة :
صافي الكلام مش ليكي لواحدك ، خروجك و رجعوك متأخر كده ده غلط جدًا يا بنتي
رددت جوان، التي كانت تراقب الموقف بصمت :
يا عمي، دي أول مرة نطلب حاجة زي كده....الحفلة هتبقى جميلة وكل صحابنا هناك، هننبسط جداً
لكن آدم قطع الحديث بحزم، وكأن قراره لا رجعة فيه :
صحابكم سمعتهم مش كويسة، وتصرفاتهم طايشة، عشان كده بقول لأ، والموضوع انتهى...كملوا أكل
اعترضت صافي لأول مرة، أظهرت تمرداً وهي ترد بضيق :
بس أنا عايزة أروح يا بابا !!!
نظرت زينة إلى ابنتها بعتاب هادئ، محاولة تهدئة الموقف :
صافي، عيب تتكلمي كده
لكن صافي قالت بحزن واضح :
أنا مش بعمل حاجة غلط، من حقي أعمل حاجة نفسي فيها طالما مش بضر حد
ارتفع صوت آدم بحدة لم يكن فيها تراجع :
اطلعي على أوضتك
نظرت صافي إلى والدها بصدمة، لكن عندما كرر الأمر بغضب اكبر وحدة :
قولت اطلعي !!!
انفجرت صافي بالبكاء وركضت إلى غرفتها، تضرب الأرض بقدميها في لحظة تمرد طفولية. تبعتها جوان سريعًا محاولة تهدئتها، بينما غادرت "ليلى" بهدوء، هدوء يخفي الكثير من المشاعر المضطربة التي حاولت إخفاءها خلف قناع من الصمت !!!
نظرات العائلة كلها صوبت نحو ليلى وهي تغادر، تلك النظرات التي كرهتها دومًا.....نظرات الشفقة !!
.....
في غرفتة صافي كانت تجلس على الفراش، يدها مكورة بقوة وغضب يغلي بداخلها :
أنا مش طفلة....هروح الحفلة دي يعني هروح، حتى لو من وراهم....أنا مش بعمل حاجة غلط، امتى هيثقوا فينا ويعاملونا على اننا كبار بقى !!!!
.......
في الحديقة الخلفية لأحد القصور، حيث الظلام يحتضن المكان ويسود الصمت المريب، كانت خطواتها تتسلل بحذر على أطراف أصابعها
التفتت يمينًا ويسارًا، وكأنها تبحث عن شيء أو تخشى شيئًا قلبها يخفق بسرعة، يتأرجح بين التوتر والخوف
وفجأة، شهقت بصوت خافت عندما شعرت بيد قوية تجذبها بسرعة خلف شجرة ضخمة قبل أن تتمكن من الصراخ أو الرد، لامستها كلمات همس دافئ، مشبع بالشوق والحنين
اقترب منها أكثر، ودفن وجهه في عنقها، يستنشق عبقها المميز كمن وجد ملاذه :
وحشتيني، يا أحلى من القمر....وأجمل أميرة !!!!
ابتسمت ابتسامة واسعة، قلبها يخفق بذكريات تلك اللحظة الأولى عندما قال لها نفس الكلمات، كانت تلك اللحظة محفورة في قلبها، لا يمكنها أن تنساها أبدًا
همست باسمه بحب جارف، كلماتها تخرج من أعماق مشاعرها بينما شعرت بشفتيه تلامسان عنقها برقة ونعومة لا تضاهى، كأنهما تعزفان سيمفونية عشق هادئة على بشرتها :
نـــوح !!
عائلة حياة وبدر :
يوسف، مروان، عشق، وعاصم (توأم).
عائلة آدم وزينة :
ياسين، وصافي
عائلة أوس ومهرة :
مالك، حمزة، وليلى
عائلة ريان وندا :
ليلة وزياد
عائلة أمير وفرح :
جوان وجوري (توأم)، وآدم
عائلة أدهم وهنا :
سليم، وقمر
عائلة إلياس ونسرين :
سيدرا ويوسف
عائلة عمر وسارة :
جومانا (ابنة عمر من زواجه الأول)، وريماس، وعلي
.......
توأمان، ملامحهما قد تبدو متشابهة، لكن شخصيتيهما مختلفتان كل الاختلاف إحداهما هادئة متزنة، تسيطر العواطف على كل تصرفاتها وتوجهها نحو طريق مدروس ،
بينما الأخرى على النقيض تمامًا جريئة إلى أبعد الحدود، تفيض ثقة وربما غرورًا، لا مكان للعواطف في عالمها المتمرد، فهي تعيش للحظة ولا تلقي بالاً لما بعدها
إنهما "جوان" و"جوري" أمير العمري
في تلك اللحظة، كانت "جوان أمير العمري" تقف على منصة ضخمة، تضيئها الأضواء الساطعة بينما يهتف الجمهور بأسمها بحماس الهتافات كانت تشعرها بالقوة والفخر، إذ تحققت لها أحلامها التي لطالما سعت إليها
نظرت إلى الحشد أمامها بعينين تتقدان ثقة، وكأنها تقول للعالم إنها وصلت، وأن هذا هو المكان الذي كانت تستحقه دائمًا !!
بدأت بالغناء، وصوتها العذب ملأ الأجواء صوت مميز ورثته من والدها، لكنه لم يكن كافياً ليشعل شغف شقيقتها "جوري"، التي لطالما نظرت إلى الفن بهدوء وترفع، دون أن تجد فيه ملاذها لكن جوان، على العكس، كان الغناء والرقص وسيلتها للهرب من كل ما يحيط بها، وسيلة لإعلان تمردها على العالم جميع أغانيها كانت تعكس شخصيتها الطائشة، المتمردة، تماماً كما هو الحال في حياتها لا تخاف من أي شيء، ولا تتراجع أمام أي تحدٍ
بعد ساعات قضتها في الغناء والرقص بحركات جريئة تتجاوز الخطوط المعتادة، ودعت جوان جمهورها بابتسامة مفعمة بالثقة، وغادرت الحفل وسط حراسها الذين رافقوها نحو الفيلا.....
على الناحية الأخرى، كان والدها "أمير العمري" يشاهد الحفل عبر البث المباشر على أحد مواقع التواصل الاجتماعي عيناه كانت تعكسان خليطًا من الاستياء والغضب !!!!
في حين كانت "فرح" زوجته تجلس بجانبه وقد لمحت التوتر على ملامحه
سألته فرح بقلق وهي تحاول أن تقرأ تعابير وجهه الصارمة :
مالك يا حبيبي متضايق ليه
أجابها بنبرة حملت حدة لم يستطع إخفاءها :
من اللي بتعمله بنتك يا فرح
تنهدت بحزن واضح في عينيها ، ثم قالت :
عملت إيه تاني !!
ردد أمير الذي بات ضيقه يزداد ، بعدما أطلق تنهيدة عميقة كأنما يحاول أن يتخلص من حمل ثقيل على صدره :
قولي معملتش ابه، كل حاجة بتعملها غلط، انتي اللي طول الوقت بتحوشيني عنها بس انا خلاص جبت اخري منها ومن تصرفاتها !!!!
حاولت فرح تهدئة الأمور قائلة :
أمير، جوان عنيدة جدًا، ولو حاولنا نضغط عليها زياده تزيد عناد، مش عايزين نخسرها أو نستخدم أسلوب يخليها تكرهنا او تبعد عنا
رد أمير بحدة أشد و هو ينظر لشاشة الهاتف :
واقفة تغني وترقص بجسمها قدام الناس بلبسها اللي زي الزفت ده !!!
في هذه اللحظة، دخلت جوان إلى المنزل، وصوت ضحكاتها المرح يملأ الأجواء لكنها ما إن رأت ملامح والديها المتوترة حتى أدركت أن هناك مشاجرة تلوح في الأفق
ألقت تحية سريعة وصعدت مباشرة إلى غرفتها المشتركة مع شقيقتها، لا ترغب في مواجهة ما يحدث بالأسفل غير أنها، دون أن تعلم، كانت تنتظر مواجهة أخرى هناك
دخلت إلى الغرفة لتجد "جوري" جالسة، عيناها تلمعان بالعتاب ما إن استقرت جوان داخل الغرفة حتى قالت لها جوري بنبرة معاتبة :
إيه اللي عملتيه ده يا جوان
اقتربت جوان منها، محاولة أن تمتص الغضب بقبلة خفيفة على وجنتها.ثم قالت مبتسمة :
جوري، حبيبتي، أنا مودي حلو النهاردة لو عندك أي نصايح أو محاضرات خلينا نأجلها لبكره
لكن جوري لم تتراجع، نبرة صوتها كانت هادئة لكنها حازمة :
مودك حلو؟ فرحانة بالحفلة، بالغنا، بالرقص، واللبس اللي مش ساتر جسمك وقلته أحسن ، فرحانة بتشجيع ناس تافهة ليكي !!!
تنهدت جوان بضيق، لكن جوري تابعت بصوت أكثر حدة وهي تنظر إلى ملابس شقيقتها القصيرة التي تكشف ساقيها النحيلتين وحمالات الثوب الرفيعة :
مش هتكلم عن كلام الناس، ولا عن بابا وماما....بس أنتي عارفة شيلتي كام ذنب من الحفلة دي؟ عارفة كام واحد أثارتيه برقصك ولبسك؟ كل كلمة غنيتيها كام واحد سمعها؟ وكل واحد سمع أغانيكي بياخد ذنب وانتي كمان معاه
ردت جوان بعناد :
أنا بعمل الحاجة اللي بحبها وبتخليني مبسوطة
نظرت إليها جوري بعينين مشبعتين بالحزن، وقالت :
المعصية هي اللي بتخليكي مبسوطة ، بتحسي بالسعادة و اللذة وانتي بتعملي معصية !!!
شعرت جوان بالضيق، فقد اعتادت أن تتلقى النصائح من شقيقتها برحابة صدر، لكنها في هذا الموضوع بالتحديد ترفض أي تدخل لا أحد يفهم شغفها، ولا أحد يقدر ما يجعلها تشعر بأنها على قيد الحياة
أخذت ملابسها ودخلت إلى الحمام، تاركة جوري وراءها غارقة في حزن عميق !!!
همست جوري بدعاء داخل نفسها، وهي تنظر لأثر شقيقتها :
اللهم اصرف عنها لذة معصيتك، وارزقها لذة طاعتك
خرجت جوان بعد قليل من الحمام، ثم استلقت على الفراش متعبة من الحفل وصخب الحياة، وأدارت ظهرها لجوري التي ظلت تحدق في السقف غارقة في أفكارها وقلقها على شقيقتها من أفعالها
........
في صباح يوم جديد، كانت الحياة تنساب أمامها كحلمٍ لطالما تمنته منزل هادئ، يلفه دفء العائلة، وأطفالها الذين أصبحوا الآن شبابًا يحيطون بها وكأنهم أعمدة هذا الكيان إلى جانبها، زوجها بدر، الذي لم يتغير حبه لها رغم مرور السنين كان حبه عميقًا، مثل بحرٍ لا قاع له عيناه اللتان طالما نظرتا إليها بنفس الطريقة، لا تزالان تمنحانها دفئًا، أمانًا، وشعورًا لا يُضاهى بأنها الأجمل في هذا العالم
ورغم هذا الكمال الذي أحاط بها، كان هناك ظلٌ معتم يخيم على قلبها، ظلٌ صنعه غياب ابنها الأكبر "يوسف"
كلما مر ذكر يوسف، شعرت حياة بوخزة في قلبها، وكأن غيابه يسرق منها قطعة صغيرة في كل مرة كانت تتذكره كل صباح، رغم محاولاتها المستمرة لإخفاء الألم تحت ستار الحياة اليومية
انتهت من تجهيز مائدة الإفطار، تتابع الخدم الذين ينجزون ما تبقى، وتضع لمساتها الأخيرة على الأطباق بنفسها
كانت تعلم أن باقي أفراد العائلة سينزلون تباعًا، وكأن هذا الروتين الصباحي هو الشيء الوحيد الذي يمنحها بعض الطمأنينة
نزل بدر أخيرًا، هادئًا كما كان دائمًا، بوسامته التي لم تتلاشى رغم مرور الزمن خصلات شعره التي بدأت تكتسي ببعض من البياض لم تضعف جاذبيته، بل زادته وقارًا وهيبة
اقترب منها بحب عميق ثم طبع قبلة خفيفة على وجنتها وجبينها، وقال بمزيج من المزاح والعشق الذي لم يتغير : صباح الجمال يا صغنن
ابتسمت بخفة تلك الابتسامة التي تحمل في طياتها ذكريات السنين الطويلة كيف رغم كل شيء لا يزال يراها صغيرة في نظره
ردت بحب كبير و هي تقبل وجنته برقة :
صباح الخير يا حبيبي
بدر بطريقته المعتادة، نظر حوله، كأنه ينتظر سماع ضجيج المنزل الذي اعتاد عليه...ثم قال بمرح، لكن بحس من الاستغراب :
فين العيال!!!....مش عاملين دوشة زي كل يوم ، إيه، هي القيامة قامت ولا إيه
ضحكت حياة، ضحكة قصيرة لكنها حملت معها مزيجًا من الفرح والحنين لما كان :
عشق بتجهز وهتنزل، مروان راجع النهاردة من السفر، وعاصم راح يستقبله
لكن عند ذكر مروان، تغيرت ملامح بدر فجأة تراجع قليلاً، وكأن ثقلاً قد سقط على قلبه
تنهد تنهيدة عميقة، وحين نطق، كانت كلماته تخرج ببطء، كأنها تعبر مسافة طويلة بين القلب واللسان :
عقبال يوسف لما يرجع هو كمان...وحشني اوي يا حياة ، اه غلط و غلطه كبير و زعلان منه اوي.... بس وحشني !!!
كانت كلماته مثل سكين في قلبها لكنها لم تستطع أن تُظهر ألمها كما يفعل هو بدلاً من ذلك، أغمضت عينيها للحظة ، تنهدت بصمت، ثم قالت بهدوء تحاول أن تتماسك.:
أنا كمان وحشني اوي يا بدر
كان يوسف أكثر من مجرد ابن، كان جزءًا من روحها ورغم كل ما حدث بينه وبينهم، لم تستطع أن تتخلى عن أمل عودته، أمل أن يعود إليها ذلك اليوم الذي غادر فيه وتركت خلفه فجوة لا تُملأ
ظل بدر صامتًا للحظات، وكأن كلماته قد أخرجت ما كان يحاول كتمانه منذ زمن عيناه، اللتان كانتا دائمًا تحملان الدفء، أصبحتا الآن مزيجًا من الحزن والخذلان نظر إلى الأرض، وكأنه يبحث عن كلمات لشرح ما بداخله، لكنه لم يجد سوى تنهيدة أخرى تخرج منه بصوت خافت :
أنا مغلطتش معاه يا حياة....ولا حتى انتي هو اللي اختار يبعد.....اختار يخسرنا كلنا ، اختار يبقى ضدنا ، انا لحد دلوقتي مش قادر استوعب ان بعد كل السنين دي و تربيتنا ليه يفكر كده !!!!
حاولت حياة أن تخفف عنه، لكنها كانت هي الأخرى غارقة في ذات الألم جلست أمامه، وضعت يدها على يده بلطف، وحدقت في عينيه محاولة أن تجد الكلمات المناسبة لتضميد جرحه....ابتسامة صغيرة ومغلفة بالدموع ظهرت على وجهها، لكنها كانت تعلم أن الألم لا يمكن إخفاؤه بالكلمات :
مسيره يوم يعرف الحقيقة ويرجع، يا بدر....مسيره يرجع !!
لم يكن هناك رد فقط صمت ثقيل يملأ الفراغ بينهما، صمت يحمل كل الذكريات التي حاول كلاهما نسيانها فجأة، قطعت حياة الصمت قائلة بتردد :
طب ما نكلمه يا بدر !!!!
لكن بدر، الذي كان دائمًا صلبًا في مواقفه، هز رأسه بحسم :
لا يا حياة، احنا مغلطناش في، هو اللي قرر يمشي، سنتين بعيد عننا مفكرش حتى يتصل بينا و لا حتى بأخواته ، بيعاقبنا يعني، مين فينا الأب مش فاهم !!!
كانت تعلم أن بدر على حق، لكن قلب الأم لا يعرف المنطق كانت تشتاق لابنها، لابتسامته، لصوته، لكل لحظة جمعتهم.ط لكنها لم تستطع الرد الصمت كان رفيقها الوحيد في تلك اللحظة
بدر محاولاً التخفيف من ثقل اللحظة، استدار فجأة وقال بابتسامة صغيرة :
المهم، فين القهوة ، اتأخرت وعندي شغل لسه هوصلك كمان في طريقي
ابتسمت حياة برقة وتابعت بهدوء :
انا أجازة انهارده
ضحك بدر، وكأنه قد توقع ذلك، وقال مازحًا :
طبعًا عشان مروان جاي....ده غاب عنك أسبوع واحد بس يا حياة
قبل أن ترد عليه، قاطعهما صوت عشق، التي نزلت من الطابق العلوي شبيهة لأمها بكل شيء في ملامحها ورقتها ثم قالت بابتسامة مشرقة :
صباح النور
رد الاثنان بتحية دافئة، ثم سألتها حياة :
رايحة فين بدري كده
أجابت عشق وهي ترتدي حقيبتها :
رايحة لجوري
- ليه !!!!
ابتسمت وهي تقبل وجنت والدها بحب :
كنت طالبة منها حاجة، فهروح أخدها قبل ما اروح الجامعة
حياة بابتسامة هادئة :
طب استني شوية، سلمي على مروان....زمانه وصول
ضحكت عشق وردت برقة :
هرجع بدري يا ماما متقلقيش
غادرت عشق بعدما ألقت تحية سريعة بينما عادت حياة لتحضير قهوة بدر ولكن عقلها لم يكن هنا، بل كان يسرح بعيدًا...إلى تلك الليلة المظلمة، الليلة التي خرج فيها يوسف بعد أن نال صفعة قاسية من والده لأول مرة !!!!
......
كانت جوري تجلس خلف تلك المنضدة الكبيرة، محاطة بأدوات عملها الخاصة التي تملأ المكان بألوان جميلة تعشق تصميم الإكسسوارات الديكورية، خاصة تلك المصنوعة من الريزن، وتبدعها بيديها، عارضة إبداعاتها في معرضها الذي نال شهرة واسعة في فترة قصيرة
إتقانها للعديد من الأشياء جعل من هذه الهواية جزءًا من حياتها، أكثر من مجال دراستها الذي لم تجد فيه مكانًا فقد حصلت على شهادتها، لكنها اكتفت بذلك وانغمست في عالمها الذي يعكس شغفها
ورغم كل هذا النجاح، ومع وجود عائلة رائعة من حولها، كانت تشعر بفراغ كبير !!
كيف يمكن أن تشعر بالسعادة وقد فقدتها منذ سنوات بسبب شخص أحبته بصدق؟ ربطت سعادتها به، وكان هذا خطئها الوحيد !!!
كانت تنظر إلى الفراغ، غارقة في شرود وحزن عميق، غافلة عن الشخص الذي يقف خارج المعرض فقد كانت واجهته المصنوعة من الزجاج الشفاف سمحت له برؤية كل تفاصيلها، لكن قلبه كان يعتصره الندم والاشتياق
تمالك نفسه بصعوبة، غير قادر على الركض نحوها واحتضانها لعله يروي بها اشتياقه الكبير، لكنه تساءل " بأي عذر سيواجهها "
نظر إلى باقة الورود التي كانت بيده، وأخرج قلمًا من جيب سترته وكارتًا صغيرًا خط عليه كلمات من القلب
ثم استوقف أحد المارين، طالبًا منه أن يُدخل لها باقة الورد، بعد ان اعطاه عدة ورقات مالية جعلته يوافق على الفور
استفاقت جوري من شرودها على صوت الفتاة العاملة تتحدث مع الرجل بعد لحظات من الانتظار، غادر الرجل، و اقتربت منها الفتاة باحترام قائلة :
آنسة جوري، الورد ده لحضرتك
سألتها جوري بتعجب : مين اللي بعته !!!
أجابت الفتاة بعدم معرفة :
معرفش، سألته، قال إن فيه واحد طلب منه يدخل بالورد، بس فيه كارت عليه أكيد مكتوب مين اللي بعته
فتحت جوري الكارت، وعيناها تلمعان بإعجاب برؤية الورد الأحمر الجوري الذي يحمل اسمها لكن عندما قرأت الكلمات المكتوبة، تعالت دقات قلبها بصخب، وكأن إحساسها يخبرها بأنه هو !!!
"أشتاق إليكِ، وأريدك أن تعودي إلي...هل تظنين أنني أستطيع نسيانك....كل ما أفعله الآن هو التفكير بك "
قربت الكارت من أنفها لتستنشق رائحة عطره، ذلك العطر الذي حفظته عن ظهر قلب....كيف لا؟ ألست هي من انتقته له من قبل !!
لكن يبقى السؤال هل هو هو بالفعل ؟
وإن كان هو، فلماذا عاد من جديد !!!!!!
......
كان يجوب بعينيه على تلك الماثلة أمامه، متأملاً من أعلى لأسفل بنظرات غير بريئة بالمرة ولم تكن الأخرى بممانعة، بل كانت أكثر من سعيدة، إذ علمت أنها ستنال مبتغاها من تلك النظرات التي تتراقص في عينيه نحوها فهي "شدوى" التي تملك القدرة على جذب أنظار الرجال إليها بكل سهولة نظراً لجمالها الساحر !!!
ابتسمت بتفاخر وهي تراقبه يغمغم ببرود، لكن نظرات الإثارة والرغبة التي لمعت في عينيه كانت تشي بعكس ذلك :
سهر، عرفتك، شغلك عبارة عن إيه !!
أومأت له برقة مبالغ فيها، قائلة :
اه يا باشا، متتصورش حضرتك انا مبسوطه قد ايه عشان هشتغل مع سليم باشا بنفسه
أومأ لها، لكن عيناه لم تفارقا منحنيات جسدها التي تعمدت إظهارها بفستانها الذي التصق بجسدها كجلد ثانٍ، كاشفاً عن ساقيها البيضاء الممشوقة
استأذنت منه وغادرت، وهي على يقين بأنه يتابعها بعينيه من الخلف، فتعمّدت السير ببطء وغنج
ما إن أغلقت الباب، حتى لمع بريق مكر في عينيه، يفوق مكرها بكثير !!!
يبدو أنها لا تعرفه جيداً إنه "سليم أدهم الجارحي"
المعنى الحرفي للمكر والدهاء يصعب معرفة ما يدور في عقله، فهدوؤه هو ما يميزه، حتى في أصعب الأوقات، لا تجد سوى الهدوء مرتسماً على ملامح وجهه !!!
دخلت إلى مكتبه مرة أخرى، وابتسامة ترتسم على شفتيها، قائلة بدلال وهي تقترب منه :
مستر سليم، في ورق مهم لازم حضرتك تمضيه
تلاعبت بخصلات شعرها بين أصابعها، ثموضعت الأوراق أمامه في حركة متعمدة، تأمل ما أظهرته من أنوثة وإغراء
كان نظره يتابعها بإعجاب، وارتسمت على وجهه ابتسامة ماكرة وفجأة، جذبها نحوه مما جعلها تفقد توازنها وتقع على قدميه، قائلاً بنبرة ماكرة :
قدم اوي جو الإغراء اللي بتعمليه ده !!
حاولت دفعه برفق، معارضة ولكن بحذر :
سليم بيه، من فضلك، عيب كده
ابتسم بزاوية شفتيه، وهو يمرر يده على ساقها المكشوفة، وتعلو عينيه نظرة تحذيرية :
ما تخليكي معايا ضهري، وبلاش لف ودوران....أنا عارف وأنتي عارفة أخرة اللي بتعمليه ده إيه
أجابته بحماسة، وكأنها لم تسمع سؤاله :
الجواز
ضحك بسخرية، وهو ينظر إليها باحتقار :
مكنتش أعرف إن الجمال ده وراه الغباء ده، صحيح الحلو ميكملش
شعرت بالإهانة ولكنها تغاضت عن ردها، لتستمر في إغوائه فحررت أزرار قميصه ببطء، ومررت يدها على صدره العاري، وهي تبتسم بدلال :
يعني عجبتك
أمسك بفكها بين يديه بقوة، وهو ينظر في عينيها بنظرة حادة :
هتجوزك !!
توسعت عيناها، متسائلة بسعادة :
بجد، هتتجوزني
لكن آمالها تبخرت عندما قال ببرود :
عرفي!!
ثم ابع بصرامة :
بلاش نلف وندور على بعض ، من الآخر انتي عجبتيني وأنا عايزك، وانتي كمان نفس الكلام، مش كده برضو !!!
أجابته بإحباط :
طب ليه متخليش الجواز رسمي
زفر بضيق، رافعًا حاجبيه بصرامة :
عشان أنا عايز كده، ومش أنا اللي أعمل علاقة مع واحدة في الحرام.....عشان كده بقولك جواز عرفي نقضي كام يوم ولما نزهق، هطلقك لو حد شم خبر عن الموضوع ده، اعتبري نفسك من الأموات...
فاهمة !!
وافقت بلا تردد وهي تدرك أنها أمام فرصة قد لا تتكرر سليم الجارحي، الذي لطالما حلمت به، سيتزوجها صحيح أنه زواج عرفي، لكن هذا لا يهم فهو لا يدري انه بذلك سهل لها مهمتها !!!!!
.......
في مطار القاهرة الدولي
أعلنت شركة مصر للطيران عن وصول الطائرة القادمة من المكسيك بعد فترة من الانتظار، ظهر شابٌ وسيمٌ في صالة المطار، يخطف الأنظار من حوله، لكن بدا عليه عدم الاكتراث بأي شيء !!
كان يتجول بنظراته الفضولية، وكأن هذا المكان لم يسبق له أن وطأه كانت مصر بالنسبة له أرضًا جديدة لم يزرها من قبل،
أشرق وجهه بابتسامة تلقائية بدون سبب واضح، كأن قلبه يخبره أن هذه الزيارة ليست مجرد عابرة، بل بداية لمغامرة جديدة تمامًا !!!!
اقترب منه "سلطان" ذراع والده الأيمن، وهو يضع الحقائب في صندوق السيارة، مرحبًا به بحرارة :
اياد باشا، نورت مصر كلها والدك عنده اجتماع مهم مقدرش يأجله، وبيبلغك تنتظره في البيت، هيكون عندك بعد ساعة بالكتير
أومأ أياد بهدوء وصعد إلى السيارة، يجلس في الخلف متأملًا الشوارع المحيطة، بينما سلطان يقود السيارة ينظر له عبر المرآة من حين لآخر
سأله اياد ببرود، دون أن ينظر إليه :
هشام، ابن عمي، فين دلوقتي، خدني عنده
نفذ سلطان الطلب على الفور، بعد أن أجرى اتصالًا لمعرفة مكان "هشام" وما إن وصلوا، حتى اقترب هشام معانقًا أياد بابتسامة عريضة :
نورت مصر يا بن عمي
رد عليه الآخر ببرود :
عارف
ابتسم هشام ولكنه لم يعلق فسأله اياد :
فين عمي
أجاب هشام ببرود، وهو يجلس بجانبه :
مع أبوك في الشركة
رد أياد بفتور :
طب، أنت مش هناك ليه
فجأةً، أطلت السخرية من عيني هشام وهو يقول :
أنت أولى بالسؤال ده، المفروض أنك ابن صاحب الشركة، أنا وأبويا حيالله شغالين عندكم بمرتب
شعر أياد بالملل من هذه اللعبة السخيفة، فهو يعرف تمامًا أن حديث ابن عمه ليس سوى محاولة لجذب العطف والشفقة فرد عليه بسخرية وملل :
ما تعيشش في الدور يا هشام، لو أنت وأبوك مجرد موظفين بمرتب زي ما بتقول، مكنتش هتركب عربية زي اللي راكنها بره، ولا كنت هتسافر بلد كل شهر وتصرف الفلوس على الحشيش....مرتب إيه اللي يخليك تعمل كل ده !!!
صمت هشام ولم يجب، ليسأله اياد :
هتسهر فين انهاردة
رد هشام بسخرية، وهو يدخن سيجارته :
جاي حامي أنت أوي
أخذ أياد السيجارة منه يضعها بين شفتيه قائلاً بجرأة :
عندي فضول أجرب
فهم هشام ما يرمي إليه ابن عمه، فهو يرغب في قضاء ليلة ماجنة مع شرقية
قبل أن يتحدث هشام، وصلت له رسالة من أحد أصدقائه ابتسم فجأة، والتمعت عينيه بمكر قائلاً :
جيت في وقتك يا بن عمي !!!!!!
.......
في فيلا بدر الجارحي
مرت ساعات طويلة على حياة، ولم يصل أبناؤها من المطار شعرت بالإرهاق، فقررت أن تصعد إلى غرفتها لتستريح قليلًا على فراشها، حتى عودتهم
بعد ساعة، توقفت سيارة عاصم، أصغر أبنائها، أمام باب الفيلا الداخلي ترجل منها برفقة شقيقه الأكبر مروان، الذي كان على خلاف مع نهج العائلة في حين أن معظم أبناء بدر الجارحي اتبعوا نفس مسار والدهم في الأعمال، اختار مروان أن يكون مختلفًا، حاملًا حلمًا قديمًا بأن يصبح قبطانًا بحريًا
بحث مروان بعينيه عن والدته، ولهفة اللقاء تملأ قلبه كان يتوقع أن يجدها في انتظاره، لكنه صُدم عندما لم يراها سأل عبير كبيرة الخدم، عن والدته بقلق فأجابته بهدوء :
حمد الله ع السلامة يا مروان بيه، حياة هانم انتظرت حضرتك كتير وطلعت ترتاح في أوضتها لحد ما توصلوا
بصمتٍ قرر مروان أن يصعد إلى غرفته مباشرة، ليأخذ حمامًا سريعًا ويبدل ملابسه قبل أن يذهب لرؤية والدته
بعد وقت قصير، خرج من الحمام، وقطرات الماء تتساقط من شعره الذي يجففه بمنشفة صغيرة، بينما التف حول خصره بمنشفة أخرى كان يدندن بخفوت، مستمتعًا بلحظات الهدوء، حتى فاجأته صرخة من داخل الغرفة
انتفض مروان على اثرها، بحث حوله بعينين غاضبتين، ليجد فتاة تقف بأحد الأركان، ظهرها له، مرتجفة من الخوف
صرخ بغضب :
"إنتِ مين...إزاي تدخلي كده من غير استئذان !!
جاء صوتها مختنقًا بالدموع والخوف :
والله ما كنت أعرف إن حضرتك موجود....أنا اسفة
في تلك اللحظة، دخلت حياة الغرفة مسرعة، فقد انتفضت من نومها على صوت الصراخ العالي، ومن خلفها عبير
سألت بقلق :
إيه اللي حصل، إيه الصوت ده !!
مروان، وهو لا يزال غاضبًا :
مين دي يا ماما
نظرت حياة إلى الفتاة التي كانت تقف مرتعشة في الزاوية، ثم عادت بنظرها إلى ابنها، قائلة بتعجب :
دي غنوة بدأت شغل هنا انهاردة مكان رشا إيه اللي حصل
غنوة، بصوت مرتجف، محاولة أن تبرر ما حدث وهي تشعر بالخوف من فقدان عملها الجديد :
والله ما كنت أعرف إنه موجود....البنت اللي تحت قالتلي أطلع أمسح التراب...ما كنتش أعرف....
نظرت حياة إلى غنوة بحنان وشفقة :
حصل خير يا بنتي ماتقلقيش
زفر مروان بضيق، ثم تركهم ودخل إلى غرفة الملابس، صافعًا الباب خلفه بقوة فالشعور بالإحراج من هيئته أمام الخادمة كان يغلي بداخله
غنوة، بعد أن ارتجفت من صوت الباب العالي، أخذت نفسًا عميقًا واستمرت في عملها، وهي تحاول التماسك
بعد فترة، خرج مروان من غرفته ليجد والدته جالسة على الفراش، تنتظره اقترب منها بابتسامة مشتاقة :
حياتي...وحشتيني
ضحكت حياة بخفوت، ثم احتضنته بحنان :
وأنت كمان وحشتني يا حبيبي
دار بينهما حديث قصير، قبل أن تتردد حياة وتقول :
شوفت أخوك
تنهد مروان بحزن، وقال بأسى :
حاولت يا ماما، بس مرضيش يقابلني، ولا حتى يرد على تليفوني !!
نظرت حياة بحزن، ولم تجد ما تقوله سوى :
ربنا يهديه ويصلح حاله
ربت مروان على يدها بحزن وضيق خاصة من شقيقه الأكبر يوسف، الذي بات يعزلهم جميعاً عن حياته
في المساء، نزل مروان الدرج بحماس، يبحث بعينيه عن والده وأشقائه كان قد اشتاق إليهم كثيرًا، لكنه لم يجدهم بدلاً من ذلك، وقع بصره على تلك الخادمة التي تسببت في الإرباك في الصباح كانت تمسح الأتربة بحذر، تحاول التعامل مع الكريستال والتحف دون أن تسبب أي ضرر
تذكر مروان الموقف الصباحي، وحاول أن يستعيد اسمها لكنه فشل، فقال بمرح :
بس بس
نظرت غنوة خلفها، لتلتقي عيناه للحظة، ثم خفضت بصرها على الفور، خوفًا وارتباكًا وسألته بتوتر :
في حاجة، حضرتك !!
ابتسم مروان وقال :
ايوه، تعالي هنا
اقتربت منه حتى وقفت أمامه، فسألها بابتسامة :
اسمك إيه
أجابت بصوت منخفض :
غنوة
أعجبه اسمها فردده مرة أخرى قائلاً :
غنوة...اسمك جميل، أول مرة أسمعه !!
خفضت رأسها بخجل، فسألها مبتسمًا محاولًا فتح حوار بعدما لاحظ خوفها منه، بسبب ما حدث في الصباح :
عندك كام سنة
ردت عليه بخجل :
18 سنة يا بيه
تساءل مروان :
بتدرسي ايه !!!
أجابته بحرج وحزن خفي؛:
معايا إعدادية بس... وطلعت من التعليم
صمت مروان للحظة، ثم قال بهدوء معتذرًا منها :
ما تزعليش من اللي حصل الصبح....أنا بس اتفاجأت
حركت رأسها بهدوء، متفاجئة من اعتذاره :
حصل خير، حضرتك
سألها وهو يبحث بعينيه يميناً ويساراً :
ماما والباقيين فين
أشارت إلى غرفة الطعام :
لسه داخلين اوضة السفرة عشان يتغدوا
أومأ برأسه بابتسامة قبل أن يغادر قائلاً :
إن شاء الله تنبسطي في الشغل هنا، يا غنوة
زفرت براحة، فقد كانت تخشى أن يعمد إلى مضايقتها أو يأمر بطردها لكنها الآن، بعد أن تحدث معها بلطف، شعرت بالطمأنينة، وأخذت تحمد الله
......
بين جدران قصر الأخوة الأربعة الفخم كانت العائلة مجتمعة حول طاولة الطعام الفاخرة
آدم يجلس في صدر الطاولة، عيناه تمتلئان بالفخر وهو يتأمل أسرته المتزايدة لم تعد العائلة محصورة عليه وأشقائه فقط بل زوجته، أبناؤه، أشقاؤه، زوجاتهم، وأبناؤهم، جميعهم هنا الحياة التي صنعها كانت أمامه، ممتدة وثرية
لكن فجأة، ساد الصمت عندما كسرت صافي الجو بحديثها المفاجئ قائلة :
بابا، في حفلة بكرة بالليل، أصحابي عزموني أنا وجوان وليلى...ممكن نروح
رفع آدم عينيه نحوها، قائلاً بصوت هادئ :
حفلة إيه وهتكون الساعة كام يا صافي
أجابت صافي بتوتر ملحوظ، كأنها كانت تتوقع اعتراضه :
حفلة تنكرية يا بابا...وصحابنا كلهم هيكونوا هناك، هتبدأ الساعة عشرة بالليل
سادت لحظة صمت توترت فيها الأجواء فقال آدم بنبرة هادئة رغم الضيق الذي بدأ يتسلل إلى صوته :
الساعة عشرة!!!!....وتخلص الساعة كام وإحنا متفقين إن رجوعكم البيت ميكونش متأخر ، والساعة عشرة دي وقت متأخر أساساً
تململت صافي بضيق وهي تحاول الدفاع عن رغبتها :
بس يا بابا، دي مرة واحدة وممكن تبعت حراس معانا ، مفيش حاجة تقلق صدقني
قبل أن يتمكن آدم من الرد، تدخل أوس، الذي كان يشاهد الحديث بصمت، ليضيف بصرامة :
صافي الكلام مش ليكي لواحدك ، خروجك و رجعوك متأخر كده ده غلط جدًا يا بنتي
رددت جوان، التي كانت تراقب الموقف بصمت :
يا عمي، دي أول مرة نطلب حاجة زي كده....الحفلة هتبقى جميلة وكل صحابنا هناك، هننبسط جداً
لكن آدم قطع الحديث بحزم، وكأن قراره لا رجعة فيه :
صحابكم سمعتهم مش كويسة، وتصرفاتهم طايشة، عشان كده بقول لأ، والموضوع انتهى...كملوا أكل
اعترضت صافي لأول مرة، أظهرت تمرداً وهي ترد بضيق :
بس أنا عايزة أروح يا بابا !!!
نظرت زينة إلى ابنتها بعتاب هادئ، محاولة تهدئة الموقف :
صافي، عيب تتكلمي كده
لكن صافي قالت بحزن واضح :
أنا مش بعمل حاجة غلط، من حقي أعمل حاجة نفسي فيها طالما مش بضر حد
ارتفع صوت آدم بحدة لم يكن فيها تراجع :
اطلعي على أوضتك
نظرت صافي إلى والدها بصدمة، لكن عندما كرر الأمر بغضب اكبر وحدة :
قولت اطلعي !!!
انفجرت صافي بالبكاء وركضت إلى غرفتها، تضرب الأرض بقدميها في لحظة تمرد طفولية. تبعتها جوان سريعًا محاولة تهدئتها، بينما غادرت "ليلى" بهدوء، هدوء يخفي الكثير من المشاعر المضطربة التي حاولت إخفاءها خلف قناع من الصمت !!!
نظرات العائلة كلها صوبت نحو ليلى وهي تغادر، تلك النظرات التي كرهتها دومًا.....نظرات الشفقة !!
.....
في غرفتة صافي كانت تجلس على الفراش، يدها مكورة بقوة وغضب يغلي بداخلها :
أنا مش طفلة....هروح الحفلة دي يعني هروح، حتى لو من وراهم....أنا مش بعمل حاجة غلط، امتى هيثقوا فينا ويعاملونا على اننا كبار بقى !!!!
.......
في الحديقة الخلفية لأحد القصور، حيث الظلام يحتضن المكان ويسود الصمت المريب، كانت خطواتها تتسلل بحذر على أطراف أصابعها
التفتت يمينًا ويسارًا، وكأنها تبحث عن شيء أو تخشى شيئًا قلبها يخفق بسرعة، يتأرجح بين التوتر والخوف
وفجأة، شهقت بصوت خافت عندما شعرت بيد قوية تجذبها بسرعة خلف شجرة ضخمة قبل أن تتمكن من الصراخ أو الرد، لامستها كلمات همس دافئ، مشبع بالشوق والحنين
اقترب منها أكثر، ودفن وجهه في عنقها، يستنشق عبقها المميز كمن وجد ملاذه :
وحشتيني، يا أحلى من القمر....وأجمل أميرة !!!!
ابتسمت ابتسامة واسعة، قلبها يخفق بذكريات تلك اللحظة الأولى عندما قال لها نفس الكلمات، كانت تلك اللحظة محفورة في قلبها، لا يمكنها أن تنساها أبدًا
همست باسمه بحب جارف، كلماتها تخرج من أعماق مشاعرها بينما شعرت بشفتيه تلامسان عنقها برقة ونعومة لا تضاهى، كأنهما تعزفان سيمفونية عشق هادئة على بشرتها :
نـــوح !!