اخر الروايات

رواية ما ذنب الحب الفصل الثاني 2 بقلم شهد الشوري

رواية ما ذنب الحب الفصل الثاني 2 بقلم شهد الشوري





في الحديقة الخلفية لقصر الجارحي، حيث الظلام يحتضن المكان ويسود الصمت المريب، كانت خطواتها تتسلل بحذر على أطراف أصابعها

التفتت يمينًا ويسارًا، وكأنها تبحث عن شيء أو تخشى شيئًا قلبها يخفق بسرعة، يتأرجح بين التوتر والخوف

وفجأة، شهقت بصوت خافت عندما شعرت بيد قوية تجذبها بسرعة خلف شجرة ضخمة قبل أن تتمكن من الصراخ أو الرد، لامستها كلمات همس دافئ، مشبع بالشوق والحنين

اقترب منها أكثر، ودفن وجهه في عنقها، يستنشق عبقها المميز كمن وجد ملاذه :
وحشتيني، يا أحلى من القمر....وأجمل أميرة !!!!

ابتسمت ابتسامة واسعة، قلبها يخفق بذكريات تلك اللحظة الأولى عندما قال لها نفس الكلمات، كانت تلك اللحظة محفورة في قلبها، لا يمكنها أن تنساها أبدًا

همست باسمه بحب جارف، كلماتها تخرج من أعماق مشاعرها بينما شعرت بشفتيه تلامسان عنقها برقة ونعومة لا تضاهى، كأنهما تعزفان سيمفونية عشق هادئة على بشرتها :
نـــوح !!!

ابتعد قليلًا ليتمكن من رؤية وجهها الذي اشتاق لرؤيته طيلة الأيام الماضية أمسك بيدها برفق، وكأنه يخشى أن يضيع منها، وهمس بحب :
تعالي معايا يا قمر

نظرت إليه بصدمة قائلة :
معاك فين؟ لو حد لاحظ غيابي، هتحصل كارثة يا نوح !!

اقترب منها بخطوات ثابتة، وعينيه تشتعلان إصرارًا، حتى تراجعت للخلف دون أن تدرك :
خلاص، هطلع أنا معاكي

رفعت يدها أمامه كأنها وصوتها امتزج بالذهول والقلق :
تطلع فين يا مجنون؟ نوح، بالله عليك امشي دلوقتي لو بابا أو سليم شافوك هنا، هتحصل مصيبة...بكره نتقابل

زفر بعمق، والغضب يحرق صدره، لكن عينيه كانت مليئة بخيبة أمل :
براحتك يا قمر....بس خلي بالك، أنا زهقت من الوضع ده

شعرت بخنجر من الحزن يقطع قلبها، وكأنها لا تملك شيئًا تقدمه له :
طب....أنا في ايدي ايه !!

نظر إليها بحدة لم تعهدها منه من قبل، صوته صارم لكنه مليء بالوجع :
الحل في إيدك....بس إنتي اللي مش موافقة

ترك يدها وغادر بغضب، خطواته كانت ثقيلة، وكأنه يحمل فوق كاهله كل ثقل المشاعر التي لم يستطع التعبير عنها لم يلتفت، ولم يحاول أن يجذب انتباه أحد، فقط مضى تاركًا إياها غارقة في بحر من الحيرة !!
حتى وإن كانت تحبه، ما يطلبه منها مستحيل كيف لها أن تتزوجه زواجًا عرفيًا، لا يمكنها ارتكاب هذا الخطأ بحق عائلتها ، وهم بالأساس يكرهونه !!!!!!
.......
أغلقت عينيها بقهر، وكلماته القاسية من آخر لقاء بينهما تتكرر في ذهنها كأنها لعنة لا تبارحها، صوتها يملأ كل لحظة من يومها، وكل ليلة تتحول إلى كابوس يؤرق نومها.

انهمرت دمعة حارقة من عينيها وهي تتذكر كيف كادت روحها أن تزهق بين يديه بينما كان يصرخ عليها بغضب أعمى وكراهية مُدمرة :
فاكرة إن بموتها هبصلك؟ هاجري عليكي زي ما بتتمني؟ تبقي غلطانة انتي وهما لو فاكرين كده....عمري ما هسامحكم، اللي بيني وبينكم بعد اللي عملتوه مش هيبقى إلا كره.....كره و عدواة طول العمر !!!!

كانت غارقة في عالمها المظلم، لم تستمع للطرقات المتتالية على الباب، ولا لخطوات والدها أوس الذي سئم الانتظار ودخل ليراها غارقة في دموعها، مغلقة عينيها وكأنها تهرب من واقعها القاسي

تألم قلبه لرؤية ابنته الصغيرة، مدللته، في هذه الحالة
اقترب منها وحاول إخفاء حزنه خلف ابتسامة باهتة وهو يقول بمرح مختنق :
قلب أبوها....سرحانة في إيه؟ مش سامعة كل الخبط ده على الباب

انتفضت ليلى من مكانها جالسة بسرعة، وبدأت تمسح دموعها على عجل :
مفيش يا بابا، آسفة...مسمعتش

جلس بجوارها، وبدون أن ينطق بكلمة جذبها إلى حضنه تشبثت به وكأنها تغرق، وعادت دموعها تتساقط بصمت، كأنها لا تجد في الكلام خلاصًا
بعد وقت طويل قطعت الصمت بصوت متهدج :
أنا مقتلتهاش يا بابا....ولا كنت شمتانة في موتها زي ما بيقول ، أنا عمري ما أعمل كده ابدا

أجابها أوس بصوت ملؤه الحزن وهو يشد من عناقها :
عارف يا ليلى، عارف وكلهم عارفين ده كويس....هو اللي غبي، وبكره يندم

سألته ليلى بصوت مثقل بالوجع :
بكرة ده مش بيجي ليه يا بابا؟ بقاله أكتر من سنتين... مرجعش ولا الحقيقة ظهرت هفضل قاتلة في نظره لحد إمتى؟ أنا ماشي...لكن ذنب عمته و أونكل بدر إيه؟ أنا بنت خاله....لكن هما؟ عيلته، أمه وأبو....متأكدة إن الوجع جواهم أكبر بكتير من وجعي

نظر إليها أوس وسألها مباشرة :
قلبك حن ليه

صمتت للحظات، وكأنها تبحث عن إجابة عميقة داخلها، ثم قالت بمرارة تسري في صوتها :
حبه... دفنته خلاص يوم ما شوفت نظرته ليا يومها، واتهامه ليا....ولما كان هيقتلني...لولا إنكم أنقذتوني منه !!!!

تنهدت وأكملت بصوت حزين :
كل الحكاية إني مش عايزاه يفضل شايف نفسه مظلوم كتير...عايزاه يندم يا بابا، عايزاه يحس بالوجع زي ما أنا موجوعة

ثم تملكتها الكراهية فجأة وهي تضيف بصوت يفيض بالانتقام :
أنا عايزة حقي... عايزة أذله زي ما ذلني قدام الكل وأهانني... أنا بكرهه أوي ، بكرهه أوي يا بابا

أغمض أوس عينيه بحزن شديد، وكأن الزمن يعيد نفسه من جديد... بكل الألم، لكن هذه المرة كان الوجع أكبر، وأعمق
يبدو أن الألم قدر لكل من يحمل اسم ليلى ويوسف !!!
......
كان إلياس يقف بشرفة غرفته، عيناه تائهتان في السماء، وأفكاره تتقلب بين صفحات الماضي
يتساءل إلى متى سينتهي هذا العقاب الذي يشعر بأنه سجن فيه لأكثر من خمسة وعشرين عامًا، يعيش وحيدًا، مسؤولًا عن تربية أبنائه بمفرده

ظن في البداية أن الأيام ستجعل النسيان يسكن قلبه، لكنه كان مخطئًا، إذ لم تستطع السنين أن تمحو حبها من ذاكرته
ألقى بنظره نحو الأسفل، فرأى ابنته " سيدرا " تجلس وحيدة على الأرجوحة التي كانت تشبه الأريكة، غارقة في أفكارها هي الأخرى. قرر أن ينزل إليها

اقترب منها وسألها بحنان يفيض من صوته :
قاعدة لوحدك بتعملي إيه يا سيدرا !!

ابتسمت وهي تفسح له مكانًا بجوارها، قائلة بلطفو:
كنت بجري شوية، وقعدت أرتاح

أومأ إلياس بصمت، لكن ابنته فاجأته بسؤال غير متوقع :
بابا، عمرك حبيت ؟

شعر بتوتر طفيف، فسألها بنبرة مترددة :
ليه بتسألي السؤال ده

رفعت كتفيها بلا مبالاة، وكأنها لا تريد أن تظهر اهتمامها العميق بالسؤال :
مجرد فضول، مش أكتر

تنهد إلياس وأجاب بابتسامة حزينة.:
أكيد، أنا بشر زيي زي أي حد، وعندي قلب

نظرت إليه سيدرا بتردد، وكأنها لا تجرؤ على ذكر تلك المرأة التي ملأت قلبه ذات يوم، فسألته بحذر :
اللي حبيتها دي....تبقى....

فهم إلياس ما تقصده، فأكمل عنها :
تقصدي حبيت مامتك !!

أجابت بضيق ملحوظ :
"بابا، لو سمحت، الست دي خسارة فيها كلمة أم ومهياش امي عشان تقول عنها كده

عاتبها إلياس بلطف :
"سيدرا، دي مامتك...اتكلمي عنها كويس

أشاحت بوجهها بعيدا، وقالت بسخرية ممزوجة بالغضب :
أم بأمارة إيه؟ خليني ساكتة، بابا، بلاش نفتح الموضوع ده

أومأ إلياس بصمت، لكنه تفاجأ بسؤالها المباغت مرة أخرى :
طب...كمل لسه بتحبها

نفى برأسه قائلاً بحسم :
محبتهاش جوازي من والدتك مكنش حب أبداً

نظرت إليه بعينيها الواسعتين، وسألته بفضول حذر :
يعني كنت بتحب واحدة تانية

أومأ إلياس برأسه، ثم أطلق تنهيدة طويلة قبل أن يجيب بحب دفين :
محبتش في حياتي غيرها....كانت بالنسبالي نجمة في السماء، أقدر أشوفها، لكن مستحيل أوصل لها مهما حصل

زاد فضول سيدرا، فسألته :
طالما بتحبها كده، ليه متجوزتهاش

ظهر الحزن على وجهه بوضوح، فأجاب :
كنت هتجوزها، لكن ضيعتها من إيدي بغبائي....زمان، كنت عصبي ومتهور ، فيا صفات وحشة كتير...وكانت السبب اني أخسرها !!

كانت سيدرا تستمع بانتباه شديد، ووالدها يتابع بحزن :
مكنتش قادر أفهم هي محتاجة إيه، كنت متردد في إني أقرب منها، وخفت أندم لو اخترتها خوفي ده خلاها ما تحسش بالأمان معايا، وزودت الإحساس ده بغلطة غبية مني...كانت الناهية لعلاقتنا اللي يدوب لسه بتبدأ

سألت سيدرا بعد لحظات من الصمت :
هي دلوقتي فين؟ بتشوفها !!!

ابتسم إلياس بحزن قائلاً :
بشوفها علطول وكل مرة بشوفها بحس بحسرة كبيرة في قلبي....إني ضيعتها من إيدي

نظرت إليه بحزن وسألتهز:
اتجوزت

أومأ برأسه، وابتسم ابتسامة حزينة :
اتجوزت اللي يستاهلها....قدرت تلاقي معاه الحب والأمان اللي فشلت أنا أحسسها بيه هما الاتنين يستاهلوا بعض، وعلى قد ما بحس بالندم لما بشوفها مع غيري، بفرح لما أشوفها سعيدة

شعرت سيدرا بألم عميق لأجل والدها، وسألته بحزن :
عشان كده سمتني سيدرا

نظر إليها بدهشة، لتتابع.:
اسمي معناه نجمة...زي ما وصفت حبك ليها كان نفسك تسميني على اسمها، صح

تنهد إلياس وقال بحزن :
كان نفسي

سألته بخفوت :
طب ليه ما عملتش كده

تنهد وأجاب :
"في أسباب كتير

سألته بفضول :
إيه هي الأسباب

هز رأسه قائلاً :
هحتفظ بيها لنفسي

لم تستطع كبح فضولها، فسألته :
طب...مين هي !!

صمت إلياس، ولم يجب ففهمت ابنته أنه لا يريد أن يتحدث أكثر....ساد الصمت بينهما لدقائق، إلى أن سألته بصوت منخفض :
هي ليه سابتنا ومشيت، يا بابا !!

عرف أنها تتحدث عن والدتها "نسرين" ظل يستمع لها بصمت، وهي تتابع بحزن حاولت جاهدة أن تخفيه، لكنه كان واضحًا في نبرة صوتها :
كنا صغيرين أوي، مش ممكن نكون عملنا حاجة تزعلها و تخليها تمشي وتسيبنا....ولو حضرتك كنت السبب

ضحكت بسخرية وتابعت :
حتى ده مش مبرر إنها ترمينا وتختفي كده و متبصش وراها ولا مرة.....ده أنا حتى معرفش شكلها

حاول إلياس أن يجد كلمات تواسيها، لكنه لم يجد ما يخفف من ألمها فتكلمت هي بدلاً منه :
مش بقول كده زعلانة بس مستغربة إزاي فيه أم تبقى كده !!

صمت إلياس مجددًا، فتابعت سيدرا بحب :
عارف يا بابا، إنت أحن وأجمل أب في الدنيا والحمد لله إنك إنت اللي معانا، مش هي....متأكدة إنها مكنتش هتحبنا زي ما إنت بتحبني أنا ويونس

ابتسم إلياس، وجذبها إلى حضنه بحنان أبوي دافئ :
إنتي وأخوكي كل حياتي يا سيدرا، والحاجة الوحيدة اللي مصبراني ع الدنيا....أنا مليش غيركم

في تلك اللحظة، جاء صوت يونس، توأم سيدرا، وهو يقول بمرحٍ معتاد :
خيانة، مش عيب يا إلياس باشا تحضن بنتك لوحدها كده و تنساني

ضحك إلياس فاتحًا ذراعيه له :
تعالى يا أهبل

ألقى يونس بنفسه في حضن والده، الذي شدد من عناقهم ثم قال بحب وحنان :
ربنا يخليكم ليا

قبل الاثنان يد والدهما بحب قائلين :
ويخليك لينا يا بابا
........
في صباح اليوم التالي
بخطوات بطيئة، دخل أكمل من باب المعرض الخاص بجوري، عينيه تبحث عنها بلهفة، وقلبه ينبض بالخوف من تلك اللحظة التي يقترب منها

كان المكان مليئًا بالألوان الهادئة والأدوات الفنية، لكن عقله كان مشغولًا بشيء واحد فقط....رؤيتها !!!

دارت عيناه في المكان حتى وقعت عليها، تجلس في أحد زوايا المعرض، أمام منضدة مستطيلة كبيرة، محاطة بأدوات العمل الخاصة بها

كانت تركيزها الكامل على ما تفعله، حتى أنها لم تشعر بوجوده،نطق باسمها بصوت مليء بالاشتياق :
جوري

تجمدت في مكانها، صدمتها الكلمات هذا الصوت تعرفه جيدًا، بل تعرف صاحبه تمام المعرفة !!!
لبالتأكيد هناك شيء خاطئ، ربما أصاب أذنها شيء ما !!!

رفعت وجهها ببطء، وعندما وقعت عيناها عليه، جمدت في مكانها ها هو أمامها بعد كل هذا الوقت، يقف بقدميه أمامها بعد كل ما فعله

كانت عكس شقيقتها في كل شيء، جوان تمتلك القوة لتواجه هكذا مواقف دون أن تضعف لكنها كانت مختلفة تمامًا، دموعها تسبقها في كل مرة عند الألم، لا تستطيع التحكم بنفسها، وتلك الصفة أكثر ما تبغضه في شخصيتها

تمنت في تلك اللحظة أن تستطيع السيطرة على دموعها، لكن كالعادة خذلتها عيناها وسقطت دمعة منها تلتها المزيد، وكأنها سيول لا يمكن إيقافها

ألمه قلبه لرؤيتها بهذه الحالة، فتقدم خطوتين نحوها، لكنها تراجعت قائلة بجدية وهي تمسح دموعها سريعًا :
تحت أمرك يا فندم، في حاجة عجبتك، ولا هتطلب تصميم مخصوص

عاد ينطق اسمها بحزن واشتياق : جوري

حاولت أن تكبح جماح مشاعرها، قائلة بصوت حاولت أن تجعله طبيعيًا :
طلبك يه يا فندم

أجابها بحزن وعشق :
أنتِ طلبي وكل حاجة عاوزها من الدنيا، أنتي وبس يا جوري

أجابت بجدية وهي تشير إلى الباب من خلفه :
طلب حضرتك مش موجود....شرفتنا

نطق اسمها بتوسل، راغبًا في أن تتوقف عن الحديث بتلك الطريقة التي تؤلم قلبه : جوري، من فضلك

تجاهلته وجلست خلف المنضدة، عائدة إلى عملها، لكنها شعرت بوجوده يقترب منها حتى بات واقفًا بجانبها، مرددًا باشتياق :
وحشتيني أوي

بصعوبة، تمكنت من السيطرة على مشاعرها وكافحت للحفاظ على تعبير وجهها الجاد انحنى، جالسًا على ركبتيه بعد أن حرك مقعدها، ليكون وجهها مقابلاً لوجهه، قائلاً بحزن و اشتياق :
أكمل الزيني، جالك راكع لحد عندك زي ما قولتيله زمان

ضحكت بسخرية، دون أن تنظر إليه :
يمكن زمان كان يفرقلي إنك تيجي راكع، لكن دلوقتي مبقتش فارقة زي ما وجودك مش فارق معايا...وعلى فكرة، جوان موجودة في النادي....اعتقد إنك عارف العنوان، تقدر تروح لها هناك

تمنى أن تنظر له، لكنها حتى تلك حرمته منها فأجابها بصدق و عشق خااص :
أنا هنا عشانك يا جوري، مش عشان جوان ، انا رجعت لأن كل لحظة بعيد عنك كانت بتقتلني، وكل ما حاولت أهرب من اللي حسيت بيه، لقيت نفسي أكتر غرقان في حبك

ثم تابع بحزن وندم :
أنا مش وحش يا جوري، بعترف إني غلطان، بس فوقت قبل فوات الأوان.....ده ميشفعش ليا في قلبك

ضحكت قائلة بعدم تصديق :
فوقت!!! ، طب صباح الخير يا بشمهندس، صحيت متأخر

تنهد بحزن قائلاً بوجع :
طريقتك وكلامك بيوجعوا قلبي يا جوري، بلاش كده....أنا غلطت وعارف اني وجعتك، بس والله ما كان قصدي، فوقت وكل اللي عايزه فرصة أخيرة نصلح بيها اللي بينا

لم تنظر له، وتابعت عملها بيدين مرتجفتين، وكأنما كل حركة منها كانت محاولة لتجاهل وجوده...عيونها المملوءة بالحزن خفقت بسرعة، لكنها لم تسمح لدمعة اخرى أن تسقط منها كان قلبها يؤلمها، لكنها أصرت على أن تبقى قوية، أن لا تتركه يرى ضعفها من جديد

بينما هو يقف هناك، تتعالى نبضات قلبه من الداخل، وكأن كل كلمة خرجت منه لم تصل إليها كان يشعر بثقل الصمت الذي بينهما، وبأن كل شيء بينهما قد تآكل فردد بتبرير و رجاء :
كنت غبي لما عملت كده وندل كمان، بس فوقت ومقدرتش أخدعك وأكمل للآخر يا جوري

انحنى على ركبتيه أمامها، وأدار كرسيها بقوة ليجبرها على النظر إليه، ثم قال لها بتوسل :
كل اللي طالبه منك فرصة تانية، مش كل واحد ليه فرصة تانية....أنا عارف إني غلطت، بس إنتي الوحيدة اللي فِي قلبي، ومقدرش أعيش من غيرك ، مستعد أعمل أي حاجة عشان أثبتلك إنني فعلاً ندمان وأستاهل فرصة تانية ، والله بحبك يا جوري

ردت عليه أخيرًا بنظرة ملؤها خيبة الأمل والوجع، تلك النظرة التي حاولت أن تخفيها وراء سكونٍ ظاهر، لكنها كانت تنبض بألم لا يمكن إنكاره كلماتها خرجت ببطء، كما لو كانت تنقش كل حرف على قلبها :
وأنا بكرهك لدرجة كارهة نفسي... وقلبي اللي في يوم دق ليك، كان نصيبه في الآخر إنك خدعته ومصونتش الحب اللي حبه ليك

أجفل قليلاً أمام كلماتها، وكأنها صاعقة نزلت عليه من السماء، لكنها لم تُضعف عزيمته

أجابها بصوتٍ منخفض حزين : عشان غبي

تساقطت دموعها بصمت، وكأن كل كلمة تخرج من فمه تزيد من عمق جرحها لكنها لم تقوى على الرد إلا بعد لحظة صمت طويلة، نظرته ما زالت تُحاصرها، ونظرتها كانت ثابتة في عينيه، لكن قلبها كان مليئًا بالضيق

تنهد أكمل بمرارة، كأن ثقلًا من الذنب يضغط على صدره، و
قال بصوت خافت :
أنا مش ببرر لنفسي يا جوري، بس واحد غيري كان هيكمل في اللي بيعمله مكنش هيفكر فيكي أو يعترف لك بكل حاجة كنتي ساعتها بدل ما تكوني فاسخة خطوبتك، هتبقي مطلقة

صمتت، تكمل بدلاً عنه بسخرية مريرة :
او متجوزة واحد في الأصل بيحب اختي !!

كاد أن يتحدث، لكنها سبقته قائلة بتهكم :
لو كان بيفكر فيا وعايز مصلحتي، مكنش دخلني في لعبة زي دي من الأول !!!

نطق اسمها بتوسل : جوري

ردت عليه بجفاء يخالف كل ما بداخلها :
قولت لك، طلبك مش موجود.....اتفضل امشي !!!

أمسك يدها حتى تنظر له، لكنها نفضتها بعيدًا عنها قائلة بحدة وغضب :
إياك تتجرأ وتلمسني

اعتذر منها ثم اعتدل واقفًا، وكذلك هي فتوسلها قائلاً : علاقتنا تستاهل فرصة تانية يا جوري...لو ليا خاطر عندك سامحيني واديني فرصة أخيرة بس انتي بتحبيني !!!

نفت برأسها قائلة بسخرية :
قصدك أنت بتحب، وحتى دي أنا مش واثقة منها

نظر إلى داخل عينيها بحزن قائلاً :
بطلتي تحبيني !!

أومأت له : بطلت

نفى برأسه غير مصدقًا :
كدابة !!

حركت كتفها لأعلى بلا مبالاه قائلة :
مش مجبرة أخليك تصدق، لأن الحقيقة إنك مش فارق معايا

ثم تابعت وهي تشير بيدها إلى الباب :
لو مش هتطلب حاجة، اتفضل امشي، ومتعطلنيش عن شغلي

في تلك اللحظة، دخلت العاملة التي تساعدها في البيع، قائلة بتساؤل :
أستاذة جوري، في حاجة

نفت برأسها قائلة بسخرية :
وصلي الأستاذ للباب، ملقاش طلبه هنا

دخلت جوان من الباب ، قائلة بحماس سرعان ما تبدد عندما رأت أكمل :
ايه رأيك في المفاجأة دي يا جوج.....انت !!!

نظرت له بغضب، قائلة بصدمة :
بتعمل إيه هنا

تدخلت العاملة قائلة بجدية لأكمل :
اتفضل يا أستاذ

أوقفتها جوري قائلة :
خلاص، روحي شوفي شغلك....هو لقى طلبه خلاص، لأ وجاله لحد عنده كمان

جوان بحدة وغضب :
جوري، هو بيعمل إيه هنا

أشارت له جوري بيدها قائلة :
أهو، عندك، اسأليه

تنهد أكمل بحزن، مغادرًا المكان بأكمله لتسأل جوان جوري مرة أخرى بضيق :
جوري، جاوبيني، إيه اللي بيحصل هنا، وده ايه اللي جابه عندك !!!

ردت جوري بحزن، وهي تنظر إلى الباب إثر خروجه :
كان جاي فاكر إنه هيلاقي طلبه.....بس ملقهوش !!!!
.......
في منتصف اليوم بفيلا بدر الجارحي
جلست غنوة أخيرًا على المقعد، تسترخي لدقائق قليلة قبل أن تعود لعملها المتواصل

عزمت على الاتصال بصديقتها المقربة والوحيدة حبيبة التي بمجرد أن رأت اسمها على شاشة هاتفها، أجابت على الفور، بنبرة لهفة وقلق :
طمنيني، يا بت أحوالك إيه؟ مرتاحة في شغلك

أجابتها غنوة، وشعور بالراحة يعتريها :
الحمد لله، والناس اللي بشتغل عندهم كويسين أوي

تنهدت حبيبة براحة، قائلة :
طب الحمد لله...ابعتيلي العنوان في رسالة، وسيبي تليفونك مفتوح علطول عشان أطمن عليكي من وقت للتاني

- حاضر
ردت غنوة بهدوء ثم صمتت لحظات قبل أن تسأل بتوتر :
حبيبة هو....هو بابا مسألش عني !!

ترددت حبيبة قليلاً، لكنها قررت أن تخبرها :
ابوكي خد مراته وبناتها وسافر امبارح بلدكم بعد ما باع الشقة لجابر الجزار

أغمضت غنوة عينيها، غارقة في مشاعر القهر، منعت نفسها بصعوبة من البكاء، خاصةً في ظل وجود الخدم حولها
رددت حبيبة بحزن :
متزعليش نفسك، يا غنوة، بكرة يندم

ردت غنوة بسخرية مريرة.:
او ميندمش، مش فارقة، خلاص

حاولت حبيبة أن تجد كلمات لتواسيها :
غنوة.....

لكنها قاطعتها، قائلة باقتضاب :
انا هقفل، ورايا شغل بينادوا عليا....هكلمك وقت تاني، يا حبيبة، سلميلي على خالتي واخواتك لحد ما أشوفكم...سلام

أغلقت الهاتف وعادت إلى عملها، لكن ذهنها كان شاردًا وقلبها محطمًا لقد تخلى عنها والدها، سافر وتركها وحدها دون ان يسأل عن حالها أو كيف تعيش

ردت باقتضاب على إحدى الخادمات التي طلبت منها تنظيف غرفة ما بالطابق العلوي "ماشي."

تعمل كآلة، تنظف الأتربة هنا وهناك، وتغير شراشف الفراش كانت تمسك بيدها أحد التحف ذات اللون الأسود لتنظفها، بينما عقلها يسترجع كلمات حبيبة وأفعال والدها وزوجته معها تشكلت طبقة شفافة من الدموع على عينيها، ولم تشعر بدخول مروان إلى الغرفة ولا بصوته وهو ينادي عليها اقترب منها، محركًا إياها بطرف إصبعه، قائلاً بقلق :
يا آنسة

أفلتت قطعة الزينة من بين يديها بفزع، لتدوي صوت تحطيمها في المكان تزامنًا مع بكائها !!!

سألها مروان بقلق، وهو يرى انتفاضة جسدها وعلو شهقاتها:
اهدئي! بتعيطي ليه دلوقتي

لم تهدأ بل زاد الأمر سوءًا تحول وجهها إلى اللون الأحمر، والدموع تنساب من عينيها بغزارة حتى أغرقت وجهها لم يعرف ماذا يفعل عندما كانت تبكي شقيقته، كان يجذبها إلى حضنه، لكن غنوة ليست شقيقته

جذبها من يدها برفق حتى تجلس على طرف الفراش، قائلاً بقلق وصوت حنون دافيء :
اهدئي يا اسمك ايه انتي بتعيطي ليه؟ حد ضايقك من اللي في البيت !!!

نفت برأسها ولا تزال تنتحب بقوة، فسألها بحيرة :
طب مالك بتعيطي كده ليه بس....تعبانة !!

لم تجد ما تقوله، فأشارت بيدها على حطام تلك الزينة، قائلة بتلعثم من بين شهقاتها :
كسرتها غصب عني

توسعت حدقتاه بدهشة، قائلاً :
بقى المناحة دي كلها عشان دي اتكسرت

أومأت له بتوتر ولا تزال تبكي لم تكذب عليه، فسبب من أسباب بكائها هو أنها ستخسر العمل الذي وجدته بعد بحث طويل بسبب كسر تلك التحفة التي بالتأكيد باهظة الثمن، و لن تقدر على دفع ثمنها

ضرب كفًا بالأخرى من الصدمة، وضحك قائلاً :
لا حول ولا قوة إلا بالله يا شيخة، ده أنا قولت حد معذبها أو حصلت مصيبة

"زفر بضيق، سرعان ما ضحك بخفوت قائلاً بجدية :
اقفي!!!

فعلت ما قال، ليأخذ هو إحدى التحف التي تزين مكتبة الحائط الخاصة به، ثم دفعها بالأرض بعيدًا لتتحطم لأشلاء على الفور، تزامنًا مع شهقتها الفزعة قائلاً بابتسامة :
اهدي، محصلش حاجة مش مستاهلة تبكي بالشكل ده عليها فداكي يا ستي ألف واحدة زيها.....المهم إنك ما تأذيتيش منها !!!

أخفضت وجهها بخجل، ليسألها بمرح :
عايزة منديل، ولا بتستخدمي الكم عادي

انحنت لتنظف الزجاج من الأرض قائلة بحرج و هي تمسح دموعها بيدها :
انا آسفة، هنضف كل حاجة بسرعة !!

تنهد وانحنى هو الآخر، جذبها من يدها لتقف قائلاً بابتسامة :
اقفي بس وسيبي اللي في ايدك، هتنضفي إزاي الإزاز وأنتي بتترعشي كده، هتجرحي إيدك وبعد كده، أوعي توطي قدام أي راجل !!!!!

أخفضت وجهها بخجل، وقد فهمت مغزى كلماته ، تابع حديثه مرددًا بهدوء :
انا مش بقول كده عشان أحرجك أو أني نيتي وحشة، لأ، أنا بنصحك معايا أو مع غيري، خدي بالك من تصرفاتك يا غنوة

ثم تابع بابتسامة :
مش اسمك غنوة بردو

أومأت له بحرج، ليردد :
طب يلا، روحي اغسلي وشك واهدي

غادرت قائلة بخفوت وخجل :
متشكرة

ما إن اختفت من أمامه حتى ضحك بخفوت، متذكرًا هيئتها وهي تبكي لأجل شيء لا يستحق، مرددًا :
يا بنت المجنونة !!
.......
دخلت عشق إلى الشركة التي تديرها والدتها واخوالها، متجهة نحو مكتب خالها "أوس" بعد أن تلقت اتصالاً منه يدعوها للحضور وقبل أن تفتح الباب، استوقفتها كلمات ابن خالها الأكبر "مالك"، الذي قال بصوت خافت :
إزيك يا عشق

استدارت نحو مالك بابتسامة أسرت قلبه للمرة التي لم يعد يستطيع إحصاءها، وأجابت بهدوء :
الحمد لله يا مالك، إنت إزيك؟

تلعثم مالك وهو يجيب وكأنه في حالة غياب عن الواقع، صوته يحمل شوقاً مكتوماً :
بقيت كويس لما شوفتك

بدت عليها علامات الحرج، لكن ابتسامتها لم تغب عن وجهها سألها مالك وهو يحاول أن يخفي ارتباكه :
انتي رايحة فين؟

أشارت بيدها نحو مكتب والده أوس وقالت بابتسامة لطيفة :
جاية أشوف خالو أوس، كان عايزني

ابتسم مالك وقد أضاءت عينيه ببريق الحب المكبوت :
طب لما تخلصي ممكن تيجي مكتبي....يعني مش معقول تيجي الشركة وما تشربيش حاجة عند ابن خالك

ابتسمت بخجل وقالت :
حاضر

تنهد مالك بارتياح، كأنه حصل على وعد ثمين، وقال :
حضرلك كل خير

في تلك اللحظة، خرج حمزة، شقيق مالك الأصغر، ورآها، فابتسم تلقائيًا قائلاً :
عشق، إزيك....وحشتينا !!!

لم تستطع الرد، إذ أن أوس خرج من مكتبه فجأة قائلاً :
واقفين عندكم بتعملوا إيه !!!

أجابته عشق بابتسامة على وجهها :
مفيش يا خالو، كنا بنسلم على بعض

نظر إليها أوس بحنان، وقال وهو يضع يده على كتفها برفق :
حبيبة قلب خالك، تعالي معايا

دلفت عشق إلى المكتب معه، تاركة وراءها مالك وحمزة، كلاهما مشدوه بنظرات معلقة على الباب المغلق

داخل المكتب
جلس أوس على الأريكة بجانب عشق، وسألها بجدية :
قوليلي، مامتك عاملة إيه....أوعي يكون أبوكي مزعلها

ضحكت عشق بخفوت وردت.:
لا يا خالو، بابا مستحيل يزعلها، ده لو حد فينا ضايقها بكلمة، يقلب الدنيا علينا

ابتسم أوس بسعادة وارتياح لقد أثبت بدر، زوج شقيقته، أنه كان على قدر الثقة التي منحتها له العائلة، محافظاً على عهده في إسعادها وحمايتها

قطع أوس الصمت وسألها :
كنت عايزك في موضوع مهم

أومأت عشق قائلة باحترام :
اتفضل حضرتك ، إيه الموضوع

نظر إليها أوس بنظرة ماكرة، وقال بابتسامة جانبية :
ايه رأيك في مالك

تفاجأت عشق من السؤال، فأجابته مترددة :
مالك؟!

ضحك أوس ضحكة خفيفة وقال :
مش عارفاه يعني

ردت بخجل واضح :
لأ طبعاً، في حد ميعرفش ابن خاله، بس حضرتك بتسألني رأيي فيه من أي ناحية

أجابها مباشرة ودون تردد :
كزوج !!!!

تلعثمت عشق، وتوردت وجنتاها بلون الخجل، ثم قالت بصوت مرتبك :
هو كويس...وأي بنت تتمناه...بس حضرتك بتسألني ليه؟

ضحك أوس بخفوت مرة أخرى وقال :
تفتكري ليه

لم تجب عشق، فأكمل أوس بصوت جاد :
من الآخر، يا عشق، أنا مش هلاقي لمالك زوجة أحسن منك و مفتحتش الموضوع إلا لما شفت إن فيه مشاعر متبادلة بينك انتي وهو

شعرت بالتوتر الشديد وهي تفرك يديها ثم قالت بحرج :
خالو.....أنا آسفة، بس....أنا مش موافقة

تفاجأ أوس من ردها، نظر إليها بتعجب وسألها :
ليه؟ في حد في حياتك يا عشق !!!

هزت رأسها نفياً، وقالت بتردد وحزن :
حمزة طلب يتجوزني !!!!

ساد الصمت للحظة كأن الزمن توقف وقع كلامها على أوس كالصاعقة، ابنَيه الاثنين واقعان في حب نفس الفتاة !!!!!
........
في المساء كان الحفل يعج بالصخب، الظلام يكتسح المكان متخللاً بين الأنوار الخافتة الحمراء التي تنبعث من كرة معلقة في السقف، فيما كانت أصوات الموسيقى تصدح بقوة تجعل من المستحيل سماع أي شيء آخر الأجساد تتمايل بإيقاع منتظم مع دقات الموسيقى، مشهد يعكس حالة من الغياب عن الواقع

الضيوف يتوافدون على المكان، كل واحد منهم يرتدي قناعاً يخفي إما جزءاً من وجهه أو يغطيه بالكامل، مما أضفى مزيداً من الغموض على الأجواء دخل إياد إلى الحفل برفقة ابن عمه هشام وعدد من أصدقائه، ينظر بعينيه إلى المكان حوله بفضول وإعجاب لم يمضِ وقت طويل حتى كان يحاوط خصر فتاة بجواره، يمرح معها بانسجام

فجأة، توقفت الموسيقى، وتعالت الهمسات، الكل ينظر إلى الخلف بترقب دفعه الفضول إلى أن ينظر بدوره، وانحبست أنفاسه فور رؤية ما وراءه

كانت هناك فتاتان، فاتنتان، تتمايلان وكأنهما من ملكات الجمال لكن إحداهما، تلك صاحبة البشرة الحليبية، والفستان الأحمر الناري الذي ينساب على جسدها بلا أكتاف، شدت انتباهه بشدة خصلات شعرها الذهبية التي تميل إلى البرتقالي كانت مصففة بعناية، وقناع ذهبي لامع غطى منتصف وجهها رغم أنه لم يرى ملامح وجهها كاملة، إلا أنه كان متيقناً أن جمالها لن يقل عن جمال جسدها الذي تفحصه بعين الخبير المتمرس في النساء

مرت الفتاتان من أمامه، لكنه لم يستطع أن يرفع عينيه عن صاحبة الفستان الأحمر ما الذي فعلته هذه الفتاة لتجذبه بهذه القوة وهو الذي اعتاد أن تكون الفتيات هن من يلاحقنه، لا العكس.....لكنها قلبت هذه القاعدة !!!

تعالت صيحات الحضور فرحاً، يهتفون بأسماء الفتاتين، لكنه لم يركز إلا عليها وفجأة، رآها تصعد إلى المنصة الدائرية برفقة الفتاة الأخرى التي لم تقل عنها جمالاً

بدأت بالغناء بصوت رخيم أخذ الجميع إلى عالم آخر حتى انتهت من الغناء، لكن إياد لم ينتهي من النظر إليها
تساءل في داخله، وعيناه ترفض أن تتركها من تكون هذه الفتاة !!!

قبل أن يتمكن من النطق، تدخلت كارلا، إحدى الفتيات التي يعرفها هشام، وأجابت بنبرة مليئة بالغيرة :
دول بنات عيلة العمري، صافي وجوان

سأل إياد باهتمام وهو لا يزال مسحوراً بها :
واللي لابسة الفستان الأحمر؟

أجابه هشام وهو يرتشف من كأسه :
دي صافي، بنت آدم العمري....فكرت انك تعرفهم، أبوك وعيلة العمري وعيلة عمران في منافسة على مشروع ضخم في الساحل....القرية السياحية، اللي هيتولى تصميمها هيكسب مكاسب مهولة، المشروع ده مش لعبة، بالعكس ده وراه ناس تقيلة جداً

استمع إياد باهتمام، وعيناه لا تزالان على صافي انطفأت الأضواء جميعها فجأة، إلا نور خافت يضيء المكان المخصص للرقص

لم يدرك كيف، لكن قدماه قادته نحوها، رفع يده لها وقال بصوت رجولي عميق جعلها ترتجف من الداخل دون أن تدري السبب : تسمحيلي

نظرت في عينيه الجريئتين، ثم ابتسمت له بثقة تماثل ابتسامته قبل أن تضع يدها في يده !!!
كانت تلك أول رقصة تشاركها مع شخص غريب عنها

ما تفعله الليلة كان يتعارض تماماً مع ما تربت عليه، لكنها فعلت ذلك نكاية بوالدها، ولا شيء أكثر

بدأ الرقص معها باحترافية شديدة، تبادلوا النظرات بصمت تام شعرت بأنها تذوب تحت نظراته، وتاهت في عينيه العميقتين ، في نفس اللحظة، كانت جوان مشغولة برفاقها، أولئك الذين يسميهم أمير "رفاق السوء"، بينما صافي كانت في عالم آخر

ما أن انتهت الموسيقى حتى جذبها إياد من يدها دون أن ينطق بكلمة، وقادها نحو الحديقة بعيداً عن الحفل وعن أعين الناس سارت خلفه وكأنها في حالة غيبوبة، كما لو كان قد ألقى عليها تعويذة تمنعها من الاعتراض

وأخيراً تحدثت بارتباك : انت مين !!!

لكنه لم يبعد عينيه عنها وهو يهمس : مش عارف

حاولت أن تتحرك لتغادر، لكنه أمسك بيدها وجعلها تدور حول نفسها عدة مرات قبل أن تستقر بين أحضانه وضعت يدها على صدره، بينما أحاط خصرها بيديه، قائلاً بصوت مسحور : ارقصي معايا

تحرك معها برقة، ولم تستطع أن تعترض أو تنطق بأي كلمة مضى الوقت ببطء، وكأن كل شيء توقف إلا تلك اللحظة توقفا أخيراً، وعيناه تركزت على شفتيها، يميل برأسه نحوها، مغيباً عن العالم من حوله
........




تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close