رواية فارس بلا مأوي الفصل الثامن 8 بقلم ولاء رفعت
تمكث لدي والديها منذ الأمس، فعندما كانت معه في طريق العودة لم يتفوه معها بحرف واحد وأكتفي بنظرات الإتهام لها التي كانت بمثابة سهام نارية تخترق قلبها، وكلما فتحت فاهها لتتحدث يسكتها بصيحة تجعلها تتراجع إلي الخلف آلاف الخطوات.
دلفت إليها والدتها داخل الشرفة تحمل طاجن صغير من الحلوي :
_ ندوش حبيبة ماما، دوقي بقي طاجن أم علي هتاكلي صوابعك وراه.
+
وبدون أن تلتفت إليها قالت بحزن دفين:
_ بالله عليكي يا ماما مش قادرة أكل حاجة فمتضغطيش عليا.
+
تنهد والدتها بحيرة من إبنتها التي منذ أن جاءت وتلتزم الصمت ولاتريد أن تخبرها مابها:
_ أنتي عرفاني مبحبش أتدخل في حياتك أنتي وجوزك، بس لما ألاقيكي بالمنظر ده من إمبارح ولا بتاكلي ولا بتنامي يبقي حصلت مشكلة كبيرة مابينك وبين أكرم، خلته يقطع أجازتكو من الساحل.
+
لا تريد أن تخبر والدتها بشئ لأنها تعلم ما ستلقنها إياه من توبيخ وكلمات لاذعة ليست في حمل إليها، فقامت بتأليف كذبة مقنعة إليها:
_ يا ماما مفيش حاجة، كل الحكاية إننا لسه مكملناش أول يوم هناك وجاله تليفون من الشغل لازم يرجع ومكلفينه بمأمورية، ده الي مخليني متنكده ومرضتش أرجع علي شقتي وقولتله أنا هاروح لماما.
+
عقدت ساعديها أمام صدرها ورمقتها بنظرات أربكتها فأردفت:
_ مالك يا ماما بتبصي لي كده ليه؟ .
+
أجابت:
_ عشان قلبي مش مطمن وحاسه فيه حاجه تانيه وأنتي مخبياها عشان عارفه هديكي علي دماغك كلام مش هايعجبك.
+
زفرت الأخري بتأفف وقالت:
_ لاء أطمني مفيش، دي مشكلتي الي مبتخلصش مع أكرم شغله.
+
_ هحاول أصدقك، بس عايزه أقولك علي حاجه الراجل مش غلطان في حاجة ومن أول ما دخل الكلية وأنتي عارفة طبيعة شغله أي، أومال لو تعملي أي لو جوزك بيسافر بره وبيجيلك مرة في السنة يقعد معاكي شهر ولا أتنين زي جوز إسراء بنت خالتك! .
+
نهضت من أمام عينين والدتها وأستندت بظهرها لدي حافة السياج الحديدي الذي يعلو سور الشرفة :
_ يا ماما والله عارفه ومقدره كل ده بس ساعات بيجي عليا وقت وأتخنق.
+
_ ألهي نفسك في الشغل، أومال لو مكنتيش بتشتغلي كنتي هتعملي أي في جوزك!.
+
أجابت بتوتر وترجع خصلات شعرها المتطايره خلف أذنها:
_ ما هو أنا يعتبر سبت الشغل.
+
ضيقت مابين حاجبيها وقالت بدهشة:
_ أي؟.
+
ولجت صغيرتها لارا إليهما تهلل بفرح:
_ مامي، مامي طنط مروة جت بره.
+
خرجت ندي إلي صديقتها التي تنتظر في غرفة الضيوف، نهضت مروة لتعانقها قائلة :
_ حمدالله علي السلامة ياقلبي.
+
بادلتها ندي العناق وقالت:
_ الله يسلمك يا حبيبتي.
+
صافحتها والدة ندي بترحاب وقالت:
_ يعني لو ندي مش هنا متجيش تسألي عليا؟.
1
ردت مروة بإستنكار مبتسمة:
_ لاء طبعاً يا طنط، هو بس والله الشغل الي واخد وقتي يا دوب برجع منه أتغدي وأترمي علي السرير، مفيش غير النهارده عشان المدير مشي بدري، فعرفت أزوغ وأجي أسلم عليكو وأشوف الحاجة بنتك وأطمن عليها.
+
_ طيب أروح أنا أجيب لكو تتغدي أنتي وندي.
+
أشارت لها:
_ ميرسي يا طنط والله ما قادرة القولون عندي عامل عمايله.
+
قالت والدة ندي:
_ يا دي القولون الي مش سايب ولا صغير ولا كبير، خلاص هاجبلك طاجن أم علي لسه عملاها، انا عارفه إنك بتموتي فيها.
+
أبتسمت وقالت بمكر:
_ خلاص أشطا ماشي، ده أنا بموت فيها وفي إبنها.
1
رمقتها ندي تهز رأسها يميناً ويساراً بسأم، ضحكت والدة ندي وقد تفهمت إن لمروة حبيب بهذا الإسم، فذهبت لجلب الطواجن إليهما.
+
ألتفتت مروة إلي ندي وتساءلت:
+
_ قلقت عليكي لما أتصلت علي جوزك وقالي إنك ولارا عند مامتك، قولت يبقي حصلت مشكلة عشان كده رجعتو.
+
زفرت ندي بحزن وألم:
_ أنا في كارثة يا مروة ومش عارفة أتصرف إزاي.
+
أنتبهت إليها الأخري بكامل حواسها:
_ كارثة أي بعد الشر؟.
+
نهضت وقالت:
ثواني بس.
وذهبت تطمأن بأن لايوجد أحد أمام الغرفة، فوجدت والدتها فحملت منها الصينية التي تعلوها الطواجن، وتركتها مع صديقتها، دلفت وأغلقت الباب، وضعت الصينيه علي الطاولة وجلست بجوار صديقتها:
_ هحكيلك كل حاجة من البداية خالص بس أوعي ماما تعرف بحاجة.
+
بدأت تسرد لها علاقتها بعلي الحسيني عندما كانت تدرس في الجامعة ومدي تقاربهما التي أنجرفت إليه بدون وعي لتعوض ما تفقده في غياب أكرم الذي كان خطيبها آنذاك، وعندما وجدت علاقتهما تتطور يوماً بعد يوم وخاصة لدي علي الذي أصبح متعلقاً بل مهوساً بها أبتعدت فجاءة، وفي هذا الوقت عاد إليها أكرم فندمت كثيراً، وكانت العودة بتحديد موعد الزفاف، وبالطبع علم علي من إحدي صديقاتها بالموعد وتفاجاءت بإتصاله عليها بعدما علم رقم هاتفها الجديد، أخذ يتوسلها ويرجوها أن لا تتخلي عنه فهي له كل شئ، فكان جوابها بأن ما كانت تشعر به نحوه مجرد صداقة تجاوزت بعض الحدود قليلاً لذا أبتعدت عنه وإنها لم تحب يوماً سوي أكرم عشق طفولتها وصباها.
ومرت الأيام والسنين وها هو قد عاد إليها بثوبه الجديد، ثوب الإنتقام الذي سيدمر حياتها ويقلبها رأساً علي عقب ويبدو من وصوله إلي زوجها فهذا دليل أن لديه خطة محكمة هدفها هو أن تدفع الثمن باهظاً علي قلبه ومشاعره التي أستغلتها أسوء إستغلال من وجهة نظره.
+
