اخر الروايات

رواية كوخ باخر المدينة الفصل الثامن 8 بقلم سارة سيف

رواية كوخ باخر المدينة الفصل الثامن 8 بقلم سارة سيف



في شركة الحناوي كانت هناك عاصفة شديدة تطيح بكل شئ أمامها بدون تمييز...
كرم مهدئا: خلاص يا آسر مش كدا !
آسر بغضب: مش كدا ؟ اومال عايزني اعمل ايه؟... ارقص ولا اغني ؟
جاسر بإحباط: قدر الله وما شاء فعل ... الحمدلله
كرم: طب مين اللي أخد الصفقة دي ؟
آسر بقوة: مختار السعيد !
جاسر مستغربا: يعني هو عرف يقدم عرض أحسن من بتاعنا؟ معقول؟
آسر مزمجرا: ما هو دا اللي هيجنني ... احنا رتبنا عرض ما حدش يقدر يقول عليه كلمه ! .. فجأة كدا يقدم أستاذ مختار عرض أحسن وترسى عليه؟ ... طب ما كان باب أولى أنه ما يخليش شركته توصل للحالة الزفت اللي هي فيها دلوقتي
كرم متهتها:ما هو اصل ... أصل
استدار إليه آسر بغضب: أصل ايه؟ ما تنطق!
كرم مترددا: أصل واحد تبعنا قالي انه سمع المندوب بتاع الشركة اللي أخدت الصفقة بيتكلم في التليفون وبيقوله انه المعلومات اللي جاتله وتفاصيل الصفقة اللي احنا كنا داخلين بيها كانت صح والصفقة اخدوها
استدار آسر لينظر من النافذه مفكرا بينما صاح جاسر بدهشه: يعني فيه حد خاين وسطنا؟... ومن هيكون يعني؟
آسر متمهلا: واحد كان معانا من إمبارح واحد بنحضر فيها وعرف
كرم وهو يحاول التوصل لذلك الشخص: مين يعني ؟
نظر آسر لجاسر الذي لاحظ نظرات الشك في عينيه فقال مدافعا: وانا اعمل حاجه زي دي ليه يعني يا جاسر ؟ .... أنا مصلحتي من مصلحتك أنت ناسي انه ليا نسبه هنا في الشركه وانه خسارتها معناها خسارة ليا ؟
أيده كرم مضيفا: دا غير انه كان فيه صفقة أكبر من دي بكتير وكان جاسر معانا فيها يعني لو ناوي يخون كان عملها من زمان !
تخلل آسر شعره بأصابعه قائلا بصوت عالي: اومال مين؟ مين؟!
-------------------------
كان الجميع مجتمع في صالون الفيلا ، يحاولون التفكير بمن يمكن أن يكون ذلك الخائن ، انفرد آسر بنفسه في غرفة المكتب لا يريد أن يشارك أحدا أفكاره ، تاركا البقية بمفردهم في الخارج يدور التساؤل بينهم.
شروق متسائلة: يعني هيكون مين؟
كرم مفكرا: ما انا بافكر من الصبح ومش لاقي حل
جاسر معبرا عن أفكاره بصوت مرتفع: يعني اللي يعرف اللي في الورق دا أنا وآسر نفسه و أنت وإيلين بس ... مافيش حد مننا ممكن يعمل حاجة زي كدا
كرم معترضا: لا 3 بس لانه إيلين كانت شافت الورق قبل التعديل مش بعد التعديل يعني بردوا يا أنا يا أنت يا آسر ... مستحيل حد فينا !
إيلين بضيق: استغفر الله العظيم ... أومال هيكون مين يعني ؟
تنهد الجميع ليعود كلا منهم لينشغل بأفكاره ولم يشعر أحد بنهوض كوثر هانم من مكانها لتدخل غرفة المكتب حيث يجلس ابنها وحيدا ، مفكرا في الخائن الموجود بجواره ولا يعرفه.
دلفت والدته طالبة الحديث معه ، فبدأ يصغي إليها وبمجرد أن انتهت حتى نهض من مكانه منطلقا إلى الدور العلوي ، وابتسامة انتصار تعلو شفتي كوثر هانم فهي على وشك تحقيق هدفها للتخلص من تلك الدخيله .... إيلين
--------------------------
دخلت فريدة الفيلا بإرهاق ، وأثناء صعودها إلى غرفتها سمعت صوتا من غرفة مكتب والدها ، فاتجهت تلقي عليه التحية قبل الصعود إلى غرفتها ، وكان الباب شبه مفتوح عندما سمعت حديثه على الهاتف ، فوقفت تصغي للحديث الذي جذب انتباهها.
-هههههههههههه طبعا يا ابني اومال انت فاكر ايه؟.... اكيد مش هاخلي حتة عيل زي آسر دا يغلبني....هههههههه أحب؟ أنا أحب؟ ... انت عارف كويس أوي اني مش ممكن أحب بعد مامة فريدة الله يرحمها... يا ابني ما تفتح مخك معايا اومال! انا فهمتها اني باحبها وكدا عشان أخليها تقنع ابنها يتجوز من بنتي عشان فريده كانت هتموت عليه دا غير طبعا اني اعرف الصفقات واكسبها ضدهم...هههههههه كوثر مين يا ابني ... قال أحب كوثر قال.
عند تلك اللحظه فتحت فريدة الباب وملامحها تحمل كل الصدمه التي تشعر بها، التفت مختار إلى الباب ليجدها تنظر إليه نظرة احتقار فأغلق الخط دون أن يشغل نفسه بالشخص الذي كان يحادثه ، قطعت فريده الصمت الذي دام عدة دقائق شعروا بأنها ساعات بصوت متحشرج ضعيف: انت يا بابا؟ انت تعمل كدا ؟
تنحنح مختار قائلا بحرج: انتي سمعتي ايه بالظبط؟
فريده: كل حاجه ... ضحكك على طنط كوثر والصفقة اللي أخدتها من آسر ... بس مش فاهمه ليه كل دا ؟
جلس مختار على أقرب كرسي قائلا بهدوء: أنا هاشرحلك كل حاجه.
جلست فريدة أيضا على الكرسي المقابل له مستمعه له بصمت حتى ينتهي فبدأ: انا شوفتك متعلقه بآسر ازاي وقد ايه بتحبيه فقررت انه اساعدك وبدأت اتقرب من مامته كوثر لحد ما اقنعتها اني باحبها وهي حبتني ، اقنعتها انه ابنها مش هيقبل بجوازنا غير لو اتجوزك وابقى ساعتها حماه وبكده يبقى فيه كارت ضغط عليه زياده واللي هو انتي ونسبي ليه فبدأت تحاول توفق بينكم اومال انتي فاكره انها ممكن تتمسك بيكي انتي بالذات دونا عن كل البنات التانيين اللي احسن مننا مركز وفلوس من غير سبب؟.... المهم بعد كدا قولت استفيد أكتر وخليتها تجيبلي الصفقة الاخيرة اللي كانوا داخلينها عشان يخسرها ويعرف انه فيه حد بيخونه وبيسرب المعلومات وبصراحه انا كنت مستني فرصة أكبر من دي بس هي كانت جات تكلمني وتشكيلي انه مراته عرفت تساعدهم وتحللهم ازمه في الصفقه دي فلاقيتها حجه مناسبه اني اقولها هاتي الورق في مقابل انه تطلع مراته هي الخاينه اللي باعت الورق دا
فريده متعجبه من تفكير والدها: وليه كل دا؟ ما احنا مش محتاجين اهو وعايشين كويس !
مختار ساخرا: كويس؟... انا خلاص قربت اعلن افلاسي بس ما حبتش اجيب سيرة قدامك عشان ما اضايقكيش
نهضت فريده من مكانه وقالت بعصبيه: مهما كان السبب دا ما يدكش الحق انك تأذي حد في شغله عشان شغلك ، لا وكمان بتوقع بين واحد ومراته عشاني!... على فكره بقى واحب اقولك اني ما حبتش آسر.
نظر لها والدها مصدوما: اومال ايه؟
أجابته ساخره: كان حاجه صعبه وبعيد عن ايدي وكنت عايزاها، بس لما لاقيته بيحب مراته وهي شكلها بتحبه بعدت عنهم خالص واتمنيت لهم السعادة من قلبي
اتجهت ناحية الباب عندما اوقفها صوت والدها قائلا بضعف: رايحه فين؟
أجابته: هاروح ألحق بيت انت سبب في دماره
وقبل أن تغلق الباب خلفها استدارت إليه متسائلة: بس ازاي هيعرف آسر إن إيلين هي الخاينة اللي ادتك المعلومات ؟
أخفض مختار رأسه قائلا بصدق: مش عارف... كوثر قالتلي انها هتتصرف في الباقي ... بس ما قالتليش هتعمل ايه بالظبط
ألقت عليه نظرة أخيره قبل أن تغادر قائلة: يا خيبة أملي فيك ... كانت في عيني أحسن واحد في الدنيا ... كنت قدوتي... عملتك نجم في السما...بس انت وقعت نفسك لسابع أرض... ياخساره... ياخساره يا بابا... حتى كلمة بابا صعبان عليا أقولهالك .
اتجهت لتركب سيارتها صافقة الباب خلفها بقوة ، متجهه إلى فيلا الحناوي علها تستطيع أن تخبرهم الحقيقة قبل أن يحدث ما لا تحمد عقباه.... ولكن هل ستسطيع إمساك الإناء قبل إرتطامه بالأرض؟... أم هل ستسطيع تجميع الزجاج لتلصقه ببعض ليعود كما كان؟.....
---------------------
كان الجميع جالسا على حاله عندما دخل آسر إليهم كالعاصفة الهوجاء والشرر يتطاير من عينيه وهو يحمل علبة من القطيفة الحمراء بين يديه ، تعجب الجميع من مظهره ، لكنه اتجه صوب إيلين مباشرة دون أن يهتم لوجود أحد ، نهضت إيلين واقفة ما غن راته يقترب منها قائلة بابتسامة هادئة: إن شاء الله الامور هتبقى بخير وهتعرف مين اللي خانك
ابتسم ابتسامة ساخرة وقال بنبرة إحتقار: لا ما أنا خلاص عرفت
نظرت له إيلين متعجبة بينما أسرع كرم سائلا: بجد؟ مين؟
ركز نظره عليها ليقول بنبرة مليئة بالاحتقار: انتي
نادين مستغربه: ايه اللي بتقوله دا يا بابا؟ إيلين؟
فغرت إيلين فمها بدهشه قائلة: انا؟... انا ايه؟ وازاي؟ وليه؟
أجابها وعينه مليئة بالازدراء: انتي اللي اخدتي الورق أو قولتيلهم على اللي فيه.. ازاي بقى دا لما حضرتك خرجتي بعد الضهر ورجعتي بعدها بساعه تقريبا ... ليه بقى فعشان دا (رفع العلبة التي بيده أمام عينيها وتابع) او يمكن حاجه تانيه وانا ما اعرفش.
كرم بصدمة: انت بتقول ايه يا آسر... بلاش تهور ابوس ايدك
ظلت إيلين تنظر في عينيه التي تحتقرانها الآن وقالت بهدوء: بس أنا ما خرجتش انهارده
دون أن يحول نظره عنها سأل شروق: خرجت ولا لا يا شروق؟
هزت شروق كتفيها قائلة بضعف: ما اعرفش انا كنت بره من الصبح ورجعت قبلكوا بنص ساعة
كرر آسر السؤال لوالدته التي أجابت مؤكده: ايوه خرجت
نظرت لها إيلين بذهول مستغربة كذبها وهي بهذا العمر فمهما كانت كرهيتها لها فهي لو تتوقع أن تكذب وأمامها ، عادت بنظرها لآسر قائلة بثقة: هي بتكدب عشان مش بتحبني وانت عارف لكن أنا ماخرجتش!
لم يشعر بنفسه ألا وهو يهوى على وجهها بصفعة دوت في أرجاء المكان كله، من قوتها اسقطت إيلين على الاريكة التي كانت تجلس عليها قبل قدومه ، اتبعها بقوله الصارخ: ما تقوليش على أمي انها كدابة! ... انتي سامعه؟!... لانه مافيش حد كداب هنا غيرك!... انتي الكدابه الوحيدة هنا وانتي الخاينة الوحيدة هنا !
ألقى إليها العلبة قائلا : ودا تمن خيانتك ليا !... مين جابهولك ها؟؟؟ مختار بيه؟؟ اللي قد والدك !.... فضلتيه عليا ليييه؟!!... انتي في مرة طلبتي حاجه وقولتلك لا؟ لو كان فعلا غرضك كوليه زي اللي في العلبة دي كنتي قولتيلي كنت هاجبلك زي ان ما كانش احلى منه كمان !... كنت وفرت عليكي كل دا !... بس أقول ايه؟ واحده طماعه!... دا انتي حتى ما فكرتيش تحملي وتجيبي مني عيل يمكن كان يشفعلك في لحظه زي دي !
عند تلك النقطه نهضت إيلين متماسكه لتقول بقوة: قول كدا بقى !... قول انه كل هدفك مني من ساعة ما اتجوزتني اني أجبلك عيل !... انت ما اتجوزتنيش عشاني انا مش عشان أنا إيلين... لا انت اتجوزتني عشان اجيبلك العيل مش كدا ؟
أجابها ساخرا: وياريتك جبتي حاجه... دا انتي خايبه لا عرفتي تربطيني بيكي وتجيبي ولد كان يربطني بيكي بس كان هيمنع مصالحك التانية ولا عرفتي توقعي جاسر ما انكرش انه اعجب بيكي ويمكن حبك بس ما قدرش يخوني روحتي لفيتي على راجل قد ابوكي ومش بعيد قد جدك كمان عشان طمعك وجشعك دا !
لم تعد تتحمل أكثر فرفعت يدها لتصفعه قائلة بصراخ: اخرس! أنا اشرف منك
قبل أن تصل يدها إلى وجهه كان قد أمسكها لاويا إياها خلف ظهرها وهمس في أذنها بقوة بينما تحاول كبح جماح دموعها من شدة الألم النفسي والجسدي: عمر ما واحدة مدت إيديها عليا ... ومش هتيجي انتي وتمديها فاهمه؟
صرخت إيلين به وهي تنظر في عينيه بقوة: باكرهك !! باكرهك!! باكرهك!!
لم يستطع تحمل سماع المزيد فسحبها خلفه بقوة وفتح باب الفيلا والجميع يلحق به مذهولين مما يحدث أمامهم فمهما بلغ غضبه كان يتحكم به ، لكنه تحول فجأة إلى وحش كاسر يقضي على أي شئ أمامه ، ألقاها أمام باب الفيلا قائلا بغضب هادر: مش عايز أشوف وشك تاني ! انتي فاهمه ؟!
دلف إلى الفيلا مرة أخرى وقبل أن يقفل الباب خلفه تلاقت أعينهما لتقول له بقوة: هيجي يوم تندم فيه على اللي قولته واللي عملته فيا وتطلب مني أسامحك بس زي ما قلبك بقى حجر عليا دلوقتي ! هتلاقي قلبي حجر بردوا ... وعمري ما هاسامحك عمري يا آسر فاهم؟ ... عمرررري !
صفق آسر الباب بوجهها وبوجه شعوره ببراءتها فكل الأدلة ضدها ، ليس هناك مخرج ، إلتفت ليجد الجميع يحدق به ، أول من قطع الصمت كانت نادين التي توجهت إلى الباب باكية: انت ايه اللي عملته دا ؟
امسك آسر ذراعها بقوة ومنعها من الخروج: سبيها دي مش داخله هنا تاني
نادين بإصرار: يبقى أنا مش داخله هنا تاني ... أنا عايزه أكون معاها !
آسر محاولا ألا تنال شيئا من غضبه: نادين اطلعي على اوضتك
نادين بإصرار: لا مش طالعة
كوثر هانم نهرتها قائلة: نادين اسمعي كلام بابا واطلعي
ازداد إصرارها: لا مش طالعه!
عند ذلك الحد جذبها من ذراعها ودفعها جهة السلام وقال بقوة: على أوضتك !!!
نظرت إليه بخوف شديد قبل أن تسرع بالصعود إلى غرفتها بعد أن حستها شروق على أن تطيعه الآن فهو في حالة غير طبيعية.
اتجه جاسر إلى الباب عندما أوقفه صوت آسر قائلا: رايح فين؟
جاسر بصمود أمام غضبه: هاشوف المسكينة اللي بهدلتها دي حصلها ايه
آسر ساخرا: صعبت عليك أوي ... بتحبها أوي كدا ؟
جاسر متمالكا أعصابه: دي تصعب عالكافر ... نسيت أنها ما تعرفش البلد دي ولا ايه؟ ...عن إذنك
غادر جاسر الفيلا واتجهت كوثر إلى ابنها تجذبه ليجلس لعله يهدأ قليلا ، بعد لحظات دق جرس الفيلا فاتجهت شروق لتفتح فوجدت أخر من توقعت أن تراه أمامها في تلك اللحظه .....
---------------------------
كانت تسير دون أن تعرف وجهتها ، لا تعلم إلى أين تذهب في تلك الساعة ، ليس معها أموال ولا ملابس ولا إثبات شخصية لقد طردها بالملابس التي عليها فقط ، كم تكرهه في تل اللحظة ، لقد تحول الحب الذي تكنه له إلى كره وإحتقار شديد. لما صدق والدته وكذبها فهو يعلم أنها تكرهها وكانتتريد التخلص منها منذ زمن ، أيمكن أن يكون السبب هو رغبته في التخلص منها؟ ولكن لماذا؟... ألان سبب زواجه منها لم يتحقق؟ لمجرد أنها لو تنجب خلال تلك الفترة القصيرة من الزواج قد قرر أن يتركها؟ ولكن لماذا بتلك الطريقة؟... أه يالله ساعدني لا تتركني أنا بحاجة إليك فلا ملجأ منك إلا إليك .... سأعود إلى جدي لقد أخطأت منذ البداية عندما ظننت أن أي مكان برفقة من أحب سيكون جنة ولم أفكر أن الشيطان لا يمكن أن يسكن الجنة !... أجل فآسر أصبح بنظري مجرد شيطان... أه يا جدي ليس هناك رجلا بالعالم يضاهيك حنانا كم أشتاق إليك وإلى دعمك لأنساه ... فهو لم يكن يستحق سوى النسيان! ....
قررت أن تعبر الطريق دون أن تنظر جيدا ، وأثناء عبورها ارتفع فجأة زمور عالي بقوة لتنظر في اتجاهه لتجد سيارة مسرعة تتجه إليها وضوءها يكاد يعمي بصرها ، أرادت أن تتحرك من مكانها ولكنها لم تستطع كأن قدميها قد ثبتت مكانها ومع اقتراب السيارة منها ارتفعت يديها لتخفي وجهها من شدة الضوء ، ولإعتقادها أن ذلك قد يخفف شدة الألم.

دخلت فريدة تنظر إلى وجوههم فلا تجد سوى التجهم ليستقر نظرها بالنهاية على وجه كوثر الهانم الذي يبدو عليه بعض السرور ، فهمت أنها قدمت متأخره.
نهضت كوثر مرحبه: اهلا اهلا يا فيري ... تعالي يا حبيبتي اقعدي
فريدة: ميرسي يا طنط 
كان آسر على وشك المغادره لكنها تقدمت منه بسرعه لتوقفه قائلة: معلش يا آسر من اتكلم معاك شوية ؟
آسر ببرود: مش عايز اتكلم مع حد دلوقتي
أجابته بإصرار: أنا اللي هاتكلم بس انت لازم تقعد وتسمعني
كرم: خلاص يا آسر اقعد .... يلا بينا يا شروق
فريدة: لا وانتوا كمان خليكوا ... عايزه الكل يسمع
شروق بقلق: قلقتيني .... يا ترى فيه إيه؟
تنهدت فريده محاولة أن تبدأ الحديث: آسر... إيلين ما خانتكش زي ما انت فاكر
رماها آسر بنظرة متمعنه: ايه ؟
تابعت موضحه: مش إيلين اللي أخدت الورق بتاع الصفقة ولا هي اللي سربت المعلومات بتاعتها
كرم بانتباه: اومال مين؟
نظرت فريدة إلى كوثر قبل أن تتابع: كوثر هانم
شهقت شروق واضعة يدها فوق فمها: ايه..؟؟؟؟؟
رمق آسر والدته فوجدها تتصب عرقا وبدا عليها التوتر لكنه تابع الحديث بهدوء: وانتي عرفتي منين؟
سحبت نفسا قويا قبل أن تجيب: من بابا ... أنا هاقولكوا كل اللي اعرفه
بدأت فريدة تقص عليهم ما سمعته من مكالمة والدها والحديث الذي تلاها وانهت الحديث نظرة بخجل إلى كوثر هانم: صدقيني يا كوثر هانم أنا ماكنتش اعرف انه قالك انه بيحبك ... وحتى حضرتك ما جبتليش سيرة... أنا آسفة على اللي بابا عمله معاكي ... ومعاك يا آسر ... أنا اول ما عرفت قولت لازم أجي اقولك
كانت كوثر هانم في دوامة لا تستطيع استيعاب عدم حبه لها أو خداعه لها بتلك الطريقة ، لقد صدقت مجرد مخادع ، وقفت ضد سعادة ابنها ونجاحه بسببه!
بينما كان آسر يشعر بندم لا مثيل له ، تذكر كلماتها الأخيرة له... "هيجي يوم تندم فيه على اللي قولته واللي عملته فيا وتطلب مني أسامحك بس زي ما قلبك بقى حجر عليا دلوقتي ! هتلاقي قلبي حجر بردوا ... وعمري ما هاسامحك عمري يا آسر فاهم؟ ... عمرررري !".... لم يتوقع أن يأتي هذا اليوم ... فكيف أتى بهذه السرعة ، ظل يٌمني نفسه بان يعود جاسر بصحبتها.
شروق بذهول: بقى كل دا يطلع من اونكل مختار ومنك يا عمتو ؟
آسر بشك: بس ايه حكاية الكولييه دا؟
هزت فريده كتفيها مجيبة: مش عارفه ... أنا قولت كل اللي أعرفه
بدأت كوثر هانم تتحدث بضعف: أنا هاقولك حكاية الكولييه دا ... بعد ما اديت مختار الورق فرت ازاي انت ممكن تفكر انها هي اللي خانتك فعلا فضلت افكر لحد ما وصلت للكولييه دا ... استغليت انها بتشتغل فترة الصبح دي في الجنينة وطلعت حطيت الكولييه دا في اوضتها
أمسكت شروق العلبة وألقت نظرة على الكولييه: بس أنا عمري ما شوفتك لابساه ولا عندك
كوثر بحزن: ما دا جالي هديه في آخر عيد ميلاد ليا عملته...انتي كنتي لسه مسافره وما رجعتيش وقتها.. عشان كدا اخترته خصوصا انه آسر وجاسر مش بيركزوا في الحاجات دي
شروق محفزه: طب وبعدين كملي
ضحك آسر ساخرا وهو ينظر للأرض: تكمل ايه بقى؟... تقولك انها بقالهافترة عماله تزرع الشكوك في دماغي وانه إيلين طماعه وانه اهمالي ليها خلاها تقرب من جاسر وتعجب بيه هو ، وانها مش عايزة حاجه تربطني بيها عشان كدا لحد دلوقتي ما حملتش؟
وجه نظراته إلى كوثر هانم متابعا: ولا ايه يا .... ماما !
انهمرت الدموع من عينيها قائلة بتوسل: صدقني أنا عملت كل دا عشانك أنت
نهض متوجها إليه وهو يصرخ بوجهها: عشاني؟... لا ما توهميش نفسك اوي كدا كل دا عشانك انتي ، عشان خوفك انه ارفض جوازك بعد بابا الله يرحمه ، كنتي فاكراني زيك هأقف في طريق سعادتك مع الشخص اللي حبتيه عشان أنانيتي مش هو دا السبب اللي خلاكي تقفي في وش سعادتي أنا وإيلين وإننا نعيش سوا مرتاحين ؟... يا ريت بقى ما تقوليش عشانك وتبيني نفسك الام الضحية ! ... لا أنا ولا انتي ضحية يا كوثر هانم ... الضحية هي إيلين !.... عجبتني نظرتها للدنيا على طول بتضحك وتهزر مش حاطه في دماغها هموم ولا مشاكل ، مش بتقلق من مشكلة احتمال تحصل بكره غير لما تيجي فعلا ، حبيتها قولت هأجيبها معايا هنا اهو تعمل روح هنا كمان عشان هي بتنقل الراحه والفرحه من غير ما تحس زي ما نقلتهملي لما كنت هناك عندها ، ما كنتش اعرف انه الكره والانانية اللي هنا أقوى منها لدرجه انها عايزه تدمرها ، دلوقتي بس لاحظت قد إيه هي كانت عايشة هنا ومستحمله ، بدل ما تأثر هي فيهم اثروا هما فيها ، دلوقتي بس لاحظت قد ايه موتوا فيها حاجات ، بقتهنا حزينة وحيدة ملل وبس واستحملت كل دا عشاني ، كانت بتحاول تثبت لنفسها انها لسه في مكانها في بيئتها عند جدها بالجنينة اللي بره، هي عاملة زي السمك ما تقدرش تعيش بره المايه ولو اخدتي سمكة وحطتيها في حوض عندك بتفضل تحاول تقنع نفسها انها لسه في البحر والمايه بتاعتها ومش لوحدها لحد ما تيأس وتموت من القهر، كل ما أفكر في كمية الشر والكره اللي جواكي ليها ، باقول لنفسي هي استحملتك كدا ازاي؟ ما هربتش ليه ؟ .... عشان واحد زيي ما يستاهلش.
توجهت إليه والدته تمسك وجهه بين كفيها مستعطفه بضعف: أسفة أسفة يا ابني انا كنت انانيه فعلا يا ريت تسامحني
أبعد يديها عنه: اسفه؟ وهتعمل ايه اسفه؟.... عمر ما إيلين هتسامحني على اللي عملته فيها .. واللي زاد وغطى انه عملت كدا قدامكوا
كوثر هانم بإصرار: وهاعتذر منها هي كمان بس انت سامحني
في تلك اللحظه فٌتح باب الفيلا ليدلف منه جاسر ، اتجه آسر إليه بأمل سائلا: إيلين معاك ؟ ... واقفه بره ؟
نظر إليه جاسر باشمئزاز: انت فاكرها ايه عشان ترجع معايا بعد كل اللي عملته فيها دا ؟
كرم مهدئا: ما خلاص يا جاسر مش ناقصه شعلله هي
جاسر بحنق: انت مش شايف يعني؟... انا خرجت ما لاقتهاش بره وبعدين دورت عليها لانها اكيد مش هتلحق تبعد لاقيتها بس كنت هاخبطها بالعربية لكن ربنا ستر وسألتها تحب تروح فين فقالتلي اي موقف تركب منه يوصلها المنصورة وهي هتتصرف من هناك حاولت اقنعها تبات الليلة في فندق وتسافر بكره ما قبلتش فوصلتها وركبتها ولما اطمنت انه معاها فلوس كفاية رجعت... وبعدين مش لسه طاردها بقدرة قادر دلوقتي نفسه انها ترجع ؟
أشارت شروق إلى فريده: أصل فيه مستجدات
نظر جاسر في الاتجاه الذي أشارت إليه شقيقته ، لاحظ وجود فريده لأول مرة بينما كانت تحاول إخراج هاتفها من الحقيبة ، فقد تعالى صوتها لأقصى درجه مصرا عليها للإجابة.
فريده: ايوه يا داده ... اييييه؟.... بابا؟.... مستشفى ايه؟...طيب طيب أنا جايه دلوقتي حاالا...ماشي مسافة السكه
شروق بقلق: حصل ايه؟
فريده والدموع تتساقط من عينيها: بابا ... بابا بعد ما سبته وخرجت جاتله أزمة قلبية ونقلوه على المستشفى... أنا لازم أروح دلوقتي
شروق: بس ما ينفعش تسوقي وانتي في الحالة دي ... كدا هتروحي ترقدي جنبه مش تقفي معاه
انطلق جاسربرفقة فريدة إلى المستشفى ، واتجه آسر صاعدا الدرج وعندما حاولت شروق اللحاق به ، أمسك كرم يدها قائلا بتعقل: خليه لوحده شوية يراجع نفسه ويفكر في حل لمشكلته
أومأت موافقة وتابعوا بنظراتهم صعوده ، ولأول مرة يبدو عليه الكسرة والهزيمة بتلك الطريقة....
--------------------------
انفرد آسر بنفسه ، يفكر في كل لحظه قضاها معها منذ أن تعرف عليها ، مزاحها ضحكها ، كم اشتاق إليها ولم يمضي على مغادرتها سوى ساعة أو أكثر ، نهض وفتح الخزانه الخاصة بها ويتناول أحد شالاتها متلمسا رائحتها العالقة به ، انهار أرضا كلما فكر في أنه لن يراها مرة أخرى ، لن تسامحه أبدا ، لقد اخطأ بحقها كثيرا ، اهملها لم يقدر صبرها وتحملها لجفاءه ، كانت الدموع تنهمر بغزارة ،لم يبكي أبدا منذ سنوات حتى قبل أن يتعرف على زوجته الأولى كان يظن الدموع ضعف ، الآن هي التي تخرج ما يعتمر بداخله من مشاعر وأحاسيس ، حدث نفسه قائلا بعزم شديد: لازم لازم اعمل حاجه اخليها تسامحني !... سافرت عند جدها أكيد دا اكتر مكان بتحبه واكتر شخص بتحس معاه بالراحه
بقى على حاله يفكر في حل وطريقة ليرضيها ، حتى حانت صلاة الفجر فنهض يقيم الصلاة ويدعو ربه أن يهديه لوسيلة ترضيها وأن تصفح عنه وتسامحه ، من ثم تناول أحد المصاحف التي كان يراها تحب القراءة فيه ، وبدأ يتلو آيات القرآن العطرة ....
أشرقت الشمس فتطلع من النافذه إليها وبعدها وقع نظره على الحديقة حيث كل زاوية تحمل بصمة يدها واهتمامها بها.... وأتت فكره على ذهنه فجأة فيعيد إليه الحماس مرة أخرى والابتسامة إلى ثغره قائلا: هاعرف ارجعك ليا تاني يا إيلين!

+


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close