رواية دوائي الضرير الفصل الخامس 5 بقلم نرمين ابراهيم
الفصل الخامس
بدأت سارة في علاج هدى و التي اتضح أنها عنيدة أكثر مما يظهر عليها مما جعل مهمة سارة أصعب و لكنها لن تستلم مهما حدث.
مرت عدة أيام لم يتغير فيهم الحال كثيرا.. فقد كانت سارة تزور هدى في غرفتها في أوقات متفرقة من اليوم و تتحدث هي فقط و احيانا ترد عليها هدى و احيانا لا.. لم تضغط عليها سارة ولا مرة واحدة حتى تتحدث مما زاد حيرة هدى.. فسألتها هدى بغضب ذات يوم...
هدى: إيه هو دة؟!! هو انتي جاية هنا عشان تحكيلي قصة حياتك.. مش المفروض انك هنا عشاني انا.. عشان تسمعيني انا ولا انا غلطانة.
سارة: لا مش غلطانة.. بس اعمل ايه يعني.. أهلك اصلهم بيدفعو كويس اوي.. و انا بدخلك قدامهم بس عشان مايمشونيش و بضطر اتكلم انا طالما انتي مش عايزة تتكلمي عشان أضيع وقت بس.. لكن طبعا لو انتي عايزة تتكلمي في اي حاجة انا ممكن اسمعك..
هدى(بغضب طفولي): لا مش عايزة..
سارة(بلامبالاة): خلاص.. براحتك.
تراجعت هدى عن غضبها و عصبيتها و سألت سارة مرة أخرى حتى تتاكد من مكانها عندها.. و لكن سارة لنزتعطسها ما يقدمه الاخرون لها و هو الاهتمام المفرط الذي أدى بها إلى هذا الدلال المبلغ فيه...
هدى: يعني انتي بجد هنا بس عشان اهلي بيدفعو كويس و خايفة يمشوكي.
سارة: مش بالظبط.. بس بصراحة الجو هنا تحفة.. و اكل مامتك فظيع.. انا حاسة اني تخنت يجي ٥ كيلو في الاسبوعين اللي قعدتهم هنا.
هدى(بحزن و يأس): بس كدة؟؟
سارة: انتي عايزاني اقولك ايه.. ما انا جيت لك اول يوم و قولتلك نبقى صحاب و انتي رفضتي.. خلاص بقى سيبيني استرزق.
هدى(بحزن اكبر): هاسيبك.
سارة: طيب كفاية عليكي صداع كدة النهاردة و أشوفك بكرة..
هدى(سريعاً): هو انتي مش هاتيجي بعد الغدا زي كل يوم..
سارة(ابتسمت بداخلها لأن هدي بدأت أن تعتاد وجودها و تريده أيضاً و تريد أن تتحدث و لكنها لازالت خائفة): مش عارفة الحقيقة اصل عندي اجتماع مهم اوي.. بس لو عايزاني اجيلك انا ممكن الغيه و اجي اقعد معاكي زي كل يوم..
هدى: اجتماع ايه.. هو انتي هاتسافري؟؟
قالتها بقلق و خوف لاحظته سارة فحاولت أن تطمئنها دون أن تُشعرها بفرحهها لأنها بدأت في الإستجابة لها.. حتى لو كانت بطيئة....
سارة: لا ده video conference يعني على النت.. ها الغيه؟؟
هدى(تراجعت سريعاً): لا مش مهم.
تنهدت سارة بيأس و وقفت و اتجهت للباب و قبل أن تخرج سمعت هدى...
هدى: طيب ممكن لو خلصتي بدري تيجي .
سارة(ابتسمت بحب و فرحة): طبعا ممكن.. هاخلصه بسرعة و اجيلك نتعشى مع بعض موافقة؟؟
هدى: بس انا مش باكل برة.
سارة: مين قال هانطلع برة... احنا هاناكل هنا في الاوضة.. ممكن؟؟
هدى: ممكن.
خرجت سارة من الغرفة لتجد الجميع و قد تقابلوا على طاولة الغداء في جو صامت نوعا ما اعتاد الجميع أن تملئه سارة بالضحكات المرحة...
و لكن عاصم كان مغتاظاً بشكل كبير من سارة كعادته و لكن تلك المرة كان غيظه و غضبه اكبر و اكثر و بالطبع لم يلاحظه سوى والده الذي كان يراقبه عن كثب منذ وصول سارة إليهم..
و لاحظ شجاره معها بشكل دائم.. لم يمنعه أو ينهره لأن سارة كانت دائماً تستطيع أن ترد بكل حزم و احترام دون أن تترك أي ضغائن في صدر عاصم ..
كاد عاصم أن ينفجر من غيظه و ظهر ذلك في طريقه اكله العنيفة و هنا علم عبد الرحمن أنهم على وشك أن يشهدوا معركة جديدة.. فحاول أن يبدأها مبكراً حتى ينهيها سريعاً...
عبد الرحمن: و اخبار هدى ايه دلوجتي يا د/ سارة؟؟
سارة: تاني دكتورة دي.. تاني يا حاج.
عبد الرحمن: امال اجولك ايه بس؟؟
سارة: تقولي زي ما ماما هنية ما بتقولي.. سارة.. سارة بس من غير اي حاجة.. ولا هو اسمي وحش و محتاج حاجة تزوقه..
عبد الرحمن: لا يابتي.. دة انتي اسمك حلو و كلامك حلو و كلك جمر.
قصدها عبد الرحمن و لاحظ نظرات عاصم الغاضبة التي تشتعل بنيران الـ......
حسناً لن اقول خمنوا انتم...
سارة: ايه يا حاج عبده انت بتعاكس ولا ايه.. خدي بالك يا ماما هنية؟؟
عاصم: و هو الحاچ عبد الرحمن بجى اسمه الحاچ عبده.. من ميته ده؟؟
سارة: لا معلش هو مابقاش الحاج عبده الا ليا انا بس.. صح يا هنون؟
عاصم(بغيظ أكبر): و كمان هنون.. طيب.
صمت رغما عنه فتابعت هنية الحديث...
هنية: ماتاخديناش في دوكة بس و ردي على ابوكي الحاچ..
سارة: حاضر يا ستي هارد على ابويا الحاچ.. هدى ممتازة و ماشية على الخطوات اللي انا رسماهالها كويس اوي اوي.
عبد الرحمن: طيب كويس.. بس هي برضه مابتخرجش من اوضتها ولا بتاكل معانا.
سارة: ماتقلقش يا حاج عبده.. اوعدك في خلال الأسبوع ده هدى هاتبقى معانا هنا.
هنية: يارب.
عاصم(و هو يقطع طعامه بالسكين كمن يذبح أضحية): اممممم.. بس يعني عرفتي منين.. و إيه اللي خلاكي متوكدة أكده أنها هاتخرچ جريب؟
ابتسمت سارة لأنها كانت تعرف أنه سمعهما في جلستها الصباحية مع أخته و عرف ما دار بينهما و كانت تنتظر انتقامه بفارغ الصبر... و لكنها فضلت أن تجعله يخرج كل ما في جعبته اولا قبل أن تريحه...
سارة: يعني.. دة شغلي.
عاصم: شغلك؟!! بجى شغلك..(و قرر ان ينفجر فيها كعادته)طيب و هو شغلك ده مش المفروض انك تسمعيها فيه.. ولا بتاخدي فلوس عشان تجعدي تتحدتي و تحكي لها و هي تسمعك و بس.
عبد الرحمن(بتحذير): عاصم.
سارة: سيبه يا حاج عبده.. استاذ عاصم ممكن أسألك سؤال..
عاصم: انتي جاية هنا تسأليني ولا تعالچي هدى؟
سارة: معلش خدني على قد عقلي.
عاصم(بنفاذ صبر): اتفضلي.
سارة: هو حضرتك عرفت منين اني مش بسمع هدى لأنها مش عايزة تتكلم معايا لسة و اني بتكلم اكتر منها و بحكيلها فعلا قصة حياتي؟؟
عاصم(بتلعثم): ها.. اصل.. هدى.. هدى هي اللي قالتلي.. هدى ماعاتتحدتش غير ليا.
سارة(بنصف ابتسامة): هدى؟؟ غريبة.
عاصم: ليه غريبة؟؟
سارة: عشان الحوار ده دار بيني و بينها من ساعة واحدة بس.. و انت مادخلتلهاش من ساعة ما رجعت.
صمت عم المكان مع الاستعداد التام لانفجار أحدهم و الذي يعلم الجميع أنه سيكون عاصم بالتأكيد.. فقاطع الصمت عبد الرحمن...
عبد الرحمن: ماتفهمونا يا چماعة في ايه؟؟
سارة: الحكاية أن هدى متدلعة..
هنية: متدلعة.. متدلعة كيف يعني؟!!
عبد الرحمن: جصدك إيه يا سارة؟
سارة: مش قصدي حاجة وحشة يا جماعة.. بس هي اتعودت منكم على الاهتمام و الحب الغير مشروط.. اتعودت أنها محور حياتكم كلكم...
ثم اردفت بشرح ...
سارة: الحاج عبد الرحمن مالوش غير أنه يدعي لها في كل صلاة و يحاول يشوفلها دكاترة تساعدها و مابيوفرش جهد أنه يعمل اي حاجة تسعدها و يحاول يخليها تخف و تتعالج..
التفتت برأسها لهنية التي كانت تجلس بجوارها و اكملت...
سارة: و ماما هنية اللي مابتبطلش عياط على حالها و طول الوقت تتحايل عليها و تترجاها تاخد الدوا ولا تاكل لقمة..
و نظرت نحو عاصم و رفعت حاجبها الأيمن بتحدي مقصود..
سارة: و استاذ عاصم.. اكتر واحد هدى بتحبه في الدنيا كلها... ما بيخرجش الصبح قبل ما يعدي عليها ولا ينام قبل ما يشوفها..و يا ويله يا سواد ليله اللي يفكر بس أنه يضايقها... هايلاقي استاذ عصام واقفله بالمرصاد.
كلكم واقفين دنيتكم و حياتكم كلها عليها... و هي معتمدة تماما على النقطة دي عشان تعمل اللي هي عايزاه..
عبد الرحمن: و هو إهتمامنا بيها و حبنا ليها غلط ولا ايه؟
سارة: مش بالظبط لكن للاسف اللي هي عايزاه عكس اللي احنا عايزينه.. هي عايزة تفضل تعبانة و مريضة عشان تفضلو حواليها عشان هي خايفة تواجه الدنيا لوحدها.
و احنا عايزينها تخف و تبقى كويسة و ترجع تاني لحياتها و تخلص كليتها و تشوف حياتها.. تقف على رجليها من تاني مش بس فعلياً و كمان معنوياً
ثم اكملت بتوضيح ما قاله عاصم...
سارة: فلما سألتني نفس السؤال اللي سألهوني استاذ عاصم قلتلها اني هنا بس عشان الفلوس طالما انتي مش عايزة تتعالجي.. و إني بدخل عندها قدامكم بس عشان يبقى اسمي اني بعمل بالفلوس اللي باخدها حتى لو بالكدب...
عبد الرحمن: و ليه يابنتي جولتيلها أكده...
سارة: عشان تعرف اني مش عشان سيبت القاهرة و جيت فضلت هنا يبقى خلاص ماوراييش غيرها.. لا انا ورايا مذاكرتي و الماجستير و اهلي و اخويا و الف حاجة تانية.. و حسستها أن المفروض الواحد يبقى خفيف حتى لو على أهله..
عايزة اوصل لها ان كل حد فينا ليه حياته الخاصة.. حتى ابوها و أمها و اخوها طبعاً.
عاصم: و ده اللي هايخليها تخرچ من وحدتها تاني.
سارة: أن شاء الله.
عاصم: اشك.. ابجى زودلها الفلوس شوي يابوي عشان تبدأ تسمع هدى زي ما هدى بتسمعها.
عبد الرحمن(بغضب و صوت مرتفع): عاصم.. بكفياك لحد اكده..
عاصم(وقف بعصبية): لا ماكفياش.. ماكفياش يابوي.. اني اصلا مانيش عارف هي بقالها اكتر من اسبوعين هنا مابتعلمش اي حاچة غير أنها بتجعد معاها نص ساعة ولا ساعة بالكتير عشان تحلل الجرشين اللي بتاخدهم.
عبد الرحمن: جلتلك بكفياك يا عاصم..
عاصم: لا ماكفياش.. اني عايز اعرف انتو ساكتينلها ليه.. ليه؟؟
هنية: عشان سارة ماعتاخدش فلوس منينا .
صدمة ألجمت لسان عاصم.. جحظت عيناه بدهشة و ازدرد لعابه بصعوبة و توتر..
عاصم: عاتجولي ايه ياما.
سارة: طيب انا هاستأذن انا عشان عندي شغل مهم لازم اعمله.
هنية: استني يا بتي.. كملي وكلك.
سارة: شبعت الحمد لله يا ماما هنية.. تسلم ايدك..
عبد الرحمن(بأسف حقيقي و خجل من تصرفات ابنه): حجك عليا يابتي.. حجك عليا.
سارة(بابتسامة هادئة): مش مستاهلة يا حاج عبده انا مش زعلانة اصلا.. عن اذنكم.
تركتهم و رحلت و تبعتها أنظار عاصم النادمة على فعلته و جرحه لها.. و لكن عيون عبد الرحمن و هنية يتبادلان النظرات الغاضبة منه و المهدئة منها..
و ما أن خرجت سارة و أغلقت خلفها الباب حتى التفت عاصم لوالدته متسائلاً..
عاصم: ماعاتاخدش فلوس ليه؟؟ و كيف يعني ماعاتاخدش فلوس.
هنية: ماخدتش غير اچر اول سبوع بس.. و بعديها لجيت صبري اخوي بيكلم ابوك و يجوله أن سارة ماعيزاش تاخد فلوس على علاچها لهدى..
عاصم: و انتو وافجتو؟؟
هنية: ابوك فضل يتحدت مع صبري يومين بحالهم.. و جاله أن سارة عنيدة و لو مانفذتش اللي في رأسها ممكن جوي تسيبنا و ترچع مصر تاني..
و اني ما صدجت أن هدى ابتدت تاكل و تاخد علاچها من غير وچع جلب..
عبد الرحمن: اتفجت مع صبري اني ابعتله اتعابها يحطهالها في البنك من غير ما تعرف.. عشان أكده هي فاكرة أنها شغالة من غير فلوس زي ما طلبت.
عاصم: ليه؟؟
هنية: قالت لخالك أنها مابتعتبرش هدى مريضة و هي داكتورة.. لا هي بتشوف فيها نفسها عشان مرت بنفس ظروفها تجريبا.. بس سارة لجيت اللي يوجف معاها و هي عايزة تعمل لهدى نفس اللي اتعمل معاها.
لم يرد عاصم أيضا.. فهو يكتشف بها شيء جديد كل يوم و كل يوم يزداد إعجابه الذي يحاول أن يحجمه بل و يقتله و لكنه لا يستطيع..
فهي تجبره دون أن يشعر أن يحترمها و يعجب بها... حتى افاقه صوت والده من شروده ..
عبد الرحمن(بتحذير): عاصم.. لآخر مرة هاجولهالك.. ماليكش صالح بسارة واصل.. فاهم.. البت ماشوفناش منيها غير كل خير و انت مابتفوتش فرصة الا بتهينها و تچرحها.. (بعصبية)من ميته احنا بنهينو الناس في بيتنا ها.. رد عليا..
عاصم: يابوي انا مش جصدي.. انا بس....
عبد الرحمن(قاطعه بحدة): يعني ايه مش جصدك... بتتحدت و انت نايم اياك.. ولا مانتاش راچل كبير و ملو هدومك و خابر زين انت عاتجول إيه.. بجولهالك تاني اهه.. ماليكش صالح بسارة واصل..
ثم وقف بغضب و تركهما و صعد لغرفته فاتجهت والدته إليه حتى تهدئه قليلا و حتى لا يغضب من والده.. فربتت على كتفه بحنان و قالت...
هنية: معلش.. معلش ياولدي.. ماتزعلش من ابوك.. بس بصراحة كمان انت مزودها معاها جوي.. مابتطيقلهاش كلمة.. و البت ماشوفناش منيها حاچة عفشة.. يبجى ليه بجى.
عاصم(بجمود): اني خارج اشم شوية هوا..
ثم قبل رأسها و خرج ليجلس في الحديقة فوق كرسيه الخيزران الخاص به... و ظل يفكر....
=================================
جلس في الحديقة وحده لمدة طويلة و كان يعنف نفسه و يتحدث معها في عتاب طويل و تفكير كثير... و ظل يحدث نفسه كثيراً...
عاصم(لنفسه): و بعدهالك يا واد العمدة.. مالك بيها انت.. مانتاش طايجها ليه.. و ماتقوليش عشان شايفها فاشلة و مش جد مسؤولية زي علاچ اختك.. لا هي جدها و جدود.. و كمان هي مش فاشلة ابدا..
ولا يمكن خايف منها... صُح انت خايف منها..
لا مش صُح.. اني ماعاخافش من حد..
لا خايف خايف من حديتها و ضحكتها و عنيها.. عينها اللي رغم انها ماعتشوفش بس بتدبح الجلب دبح.
طيب و الحل.. الحل الوحيد بقى اني ابعد عنيها..
صُح.. انت بس لو بعدت عنيها على جد ما تجدر و لو ماقربتش منيها اللي انت خايف منه مش هيحصل .
بس دلوقت انت لازم تصالحها و تعتذر لها و تستسمحها و تراضيها كمان..
ايه ده كله.. حيلك حيلك... ليه يعني كل ده...
عشان.. عشان هدى اختي... عشان دي الدكتورة بتاعتها ولازم على الاقل تحترم دة.. ايوة عشان هدى بس.
انا هاجوم اخبط عليها و استسمحها في كلمتين و خلاص.. ايوة بسرعة كدة..
ظل في صراعه لمدة طويلة حتى اقنع نفسه في النهاية بأنه يريد الاعتذار فقط من أجل خاطر أخته هدى.. وقف و عدل من عباءته الصوفية و اتجه لمقصورتها.. شجع نفسه و طرق الباب بتوتر ليسمع صوتها من الداخل..
سارة: ايوة.. مين؟؟
عاصم: اني عاصم يا داكتورة سارة.
سارة: خير يا استاذ عاصم.. في حاجة؟؟
عاصم: كنت عايزك في كلمتين بعد اذنك..
سارة: طيب لحظة واحدة لو سمحت.
فقد كانت تجلس سارة في مقصورتها بعد أن تركتهم و بعد أن اهانها عاصم للمرة التي لا تتذكر رقمها.. و لكنها لسبب ما تلتمس له العذر.. فهدى هي أخته الوحيدة و حالتها تحزنه.. يخاف عليها حتى من الهواء..
تتفهم موقفه لان آسر أخيها قد مر بكل هذه المراحل معها و كان يحميها بروحه مثل ما يفعل عاصم.. فتفهمت موقفه جيدا.. خلعت معطفها و كادت أن تبدل ملابسها لولا طرق على الباب منع ذلك....
ارتدت معطفها مرة اخرى و فتحت الباب لتسأله....
سارة: خير يا استاذ عاصم.. في حاجة.. هدى كويسة؟؟
عاصم(تنحنح ليجلي صوته): احمم.. لا مافيش حاچة.. و هدى كمان زينة.. اني بس كنت عايز اجولك كلمتين..
سارة(و هي تفسح له المجال ليدخل): طيب اتفضل .
عاصم: اتفضل فين؟؟
سارة: هنا.. هو طبعا صغير مايجيش اوضة في السرايا بتاعتكم بس هو محندق كدة على قدي.
عاصم(سريعا): لا والله ماقصدي.. بس مايصحش يعني ادخل و انتي لوحدك.. أحنا اهنه لينا نظام غير مصر خالص يعني.. مايصحش.
سارة(بإقتناع): اه فعلا معاك حق... طيب اخرج انا... ماهو مش معقول هانفضل واقفين كدة.
عاصم: اتفضلي.
و نزلت بالفعل من مقصورتها و سمعته يقول...
عاصم: تعالي نقعد عن تكعيبة العنب من الشمس دي.
تحرك خطوتين و لكنه لم يجدها تتحرك خلفه فعاد ليسألها...
عاصم: اتفضلي يا دكتورة.. ماجيتيش ليه؟
سارة: عشان أنا ماعرفش فين تكعيبة العنب دي..
عاصم: بس انتي خرجتي من السرايا و جيتي هنا لوحدك..
سارة: دة عشان فاطمة خدتني و رجعتني كام مرة قبل كدة فأنا حفظت الطريق مش اكتر... لكن انا ماعرفش فين تكعيبة العنب دي ولا عمري روحتها.
عاصم: اه معلهش.. بلامواخذة.. اني اسف.
سارة: عادي ماحصلش حاجة..(بحرج) بس هو انا مش هاعرف اروح لوحدي.. لازم حد يمشيني.
عاصم(بنبرة غريبة لم تفهمها سارة): ممكن تمسكي ايدي و انا اوديكي..
سارة(بتعجب من نبرته الحنونة الجديدة عليها): أه طبعا.. ده لو مايضايقكش.
عاصم: اتفضلي.
مدت يدها ليستقبلها هو بكفه الكبير القوي... فتسري كهرباء غير معلومة المصدر بطول عموده الفقري و يشعر أيضاً بمشاعر تجتاحه للمرة الأولى.. لكنه يحاول ان يتجاهلها.. و إتجه بها الي حيث كان يقصد..
ساعدها لتجلس اولا و جلس هو في مقابلها.. فتبدأ هي بالحديث...
سارة: خير يا استاذ عاصم.. حضرتك كنت عايز ايه؟؟
عاصم: لا سلامتك.. هو الحقيقة يعني... انا... كنت يعني... قصدي اني..
سارة: ياااه.. هو الموضوع كبير اوي كدة..
عاصم: لا مش كبير ولا حاجة.. بس اصل.. بصراحة أنا كنت جاي اعتذرلك عن قلة زوقي من شوية..
سارة(بعد أن لاحظت لهجته القاهرية المتقنة): ايه ده.. ما انت بتتكلم عادي زينا اهو.
عاصم(بتعجب): زيكم.. زيكم ازاي يعني؟؟
سارة: مش صعيدي يعني أقصد...
عاصم: ااه.. لا عادي.. انا قضيت في القاهرة شوية وقت مش قليل يعني.. فاتعلمت اتكلم زي ناسها و بسمع افلام كتير يعني.. كدة...
سارة: تمام... بس انا بحب اللهجة الصعيدي اكتر.
عاصم: خلاص يبجي نتحدتو بيها .
سارة(سريعاً): لا استني انت ما صدقت ولا ايه.. استني لما تخلص الكلام اللي انت جاي تقوله لأن شكله مهم و انا كمان مش بفهم صعيدي اوي يعني.
عاصم(و هو يضحك): ههههههههه.. طيب خلاص خلينا نتكلم بحراوي..
سارة: غريبة.
عاصم: ايه اللي غريبة..
سارة: مع أن ضحكتك حلوة اوي.. بس تقريبا دي اول مرة اسمعك فيها بتضحك.. ليه كدة؟؟
عاصم(و هو يحاول أن يهرب من حصارها): ايه.. هو.. هو انتي هاتعملي عليا دكتورة انا كمان ولا ايه.
سارة: ايه ده انت قفشتني..
عاصم: ههههههههه.. ايوة.
سارة(بمرح): خلاص.. و ادي زبون طار... المهم كنت عايزني في ايه بقى تاني معلش..
عاصم: ما انا قلتلك.. كنت عايز اعتذرلك عن قلة زوقي جوة ساعة الغدا.. اعذريني يا دكتورة.. هدى دي اختي الوحيدة مش قادر شوفها في حالتها دي و انا حاسس بالعجز و انا مش قادر اعملها حاجة..
حاسس اني متكتف و انا شايفها كدة دبلانة و تعبانة.. فقدت الامل في كل حاجة حواليها.. و انا مش عارف اعمل حاجة.. ارجوكي اعذريني.
سارة(ابتسمت بود و تفهم): صدقني عذراك و مقدرة موقفك كويس جدا... عشان شايفة فيك اخويا.. انا كمان لما عملت الحادثة اكتر حد تعب معايا كان هو..
فضل معايا في المستشفى تقريبا شهرين و بعدها في معهد التأهيل اللي دخلته.
فصدقني انا حاسة بيك و بـ هدى جدا.. عشان كدة انا مش هاسيبها الا لما تكون واقفة على رجليها..
عاصم: يعني مش زعلانة..
سارة: تؤ.. خلاص.
عاصم: صحيح.. انتي عرفتي منين اني سمعتكو..
سارة(ابتسمت بمكر): انا ماقلتش انك سمعتنا.. انت قلت أن هدى هي اللي قالتلك..
عاصم: ذكية اوي..
سارة: و دي حاجة حلوة ولا وحشة..
عاصم: حاجة تخوف.
سارة: تخوف؟؟ ازاي يعني.
عاصم: مش مهم.. المهم ان.....
ظلا يتحدثان معا كثيرا في علاج هدى و في أمور أخرى و قضيا معا وقت كبير لم يشعرا به.. و لكنه كان وقتاً ممتعاً لكليهما..
و في المساء ذهبت سارة لهدى بالفعل كما وعدتها و تناولا معا عشائهما في جو متوتر.. كانت سارة تتحدث كعادتها و كانت هدى تستمع إليها فقط و لكنها بدأت أن تشاركها الحديث بتحفز قليلاً و كانت تضحك بهدوء على خفة ظلها دون ان تلاحظها سارة...
=================================
و في صباح أحد الأيام المشمسة...
و قبل الافطار دخلت سارة الي هدى كالعادة و ألقت التحية..
سارة: صباح الخير.. عاملة إيه يا هدهد النهاردة؟
لم ترد هدى و لكنها تأففت بغضب و ملل.. تجاهلت سارة رد فعلها و أكملت..
سارة: شكلك بيقول كويسة..(ثم قالت بحماس كبير) أما ماما هنية النهاردة بقى عملالنا حتة فطار إنما ايه.. ملوكي .
هدى(بتعجب): ماما هنية؟؟!!!
سارة(بسعادة لأنها ردت عليها): ايوة.. انا أصلي دخلت عشان الفطار زي كل يوم بس قالتلي بما أن النهاردة الجمعة و بتفطرو متأخر فهي قررت تعمل فطير مشلتت إنما ايه يستاهل بقك.. ريحته جابتني من على السرير.. مش ناوية تشاوري عقلك و تيجي تفطري معانا برضه.
هدى: لا.
سارة: يابنتي راجعي نفسك.. دة فطير و عسل و جبنة و ليلة كبيرة اوي..
عدى: قولتلك لا.. انتي إيه مابتفهميش.
سارة: خلاص براحتك.. ماتزوقيش.. انتي الخسرانة.
ظلت سارة صامتة لمدة كبيرة و لم تحتمل هدى الصمت أكثر من ذلك.. فهي كانت تتوق للغاية حتى تعرف ما حل بها.. ما وجه الشبه بينهما الذي دوما تتحدث عنه سارة.. فسألتها هدى سؤال صريح...
هدى: هو انتي ازاي فقدتي عنيكي..؟؟
سارة(بسعادة لأنها هي من تريد أن تعلم): دة موضوع كبير و حكاية طويلة.. مستعدة تسمعيها ؟؟
هدى: ايوة مستعدة...
ياترى إيه هي حكاية سارة..
و ازاي فقدت نظرها..
و ياترى هدى هاتغير رأيها لما تسمع حكاية سارة ولا دة مش هايبقى ليه اي تأثير عليها...
كل دة و اكتر في الفصل الجاي ..
بدأت سارة في علاج هدى و التي اتضح أنها عنيدة أكثر مما يظهر عليها مما جعل مهمة سارة أصعب و لكنها لن تستلم مهما حدث.
مرت عدة أيام لم يتغير فيهم الحال كثيرا.. فقد كانت سارة تزور هدى في غرفتها في أوقات متفرقة من اليوم و تتحدث هي فقط و احيانا ترد عليها هدى و احيانا لا.. لم تضغط عليها سارة ولا مرة واحدة حتى تتحدث مما زاد حيرة هدى.. فسألتها هدى بغضب ذات يوم...
هدى: إيه هو دة؟!! هو انتي جاية هنا عشان تحكيلي قصة حياتك.. مش المفروض انك هنا عشاني انا.. عشان تسمعيني انا ولا انا غلطانة.
سارة: لا مش غلطانة.. بس اعمل ايه يعني.. أهلك اصلهم بيدفعو كويس اوي.. و انا بدخلك قدامهم بس عشان مايمشونيش و بضطر اتكلم انا طالما انتي مش عايزة تتكلمي عشان أضيع وقت بس.. لكن طبعا لو انتي عايزة تتكلمي في اي حاجة انا ممكن اسمعك..
هدى(بغضب طفولي): لا مش عايزة..
سارة(بلامبالاة): خلاص.. براحتك.
تراجعت هدى عن غضبها و عصبيتها و سألت سارة مرة أخرى حتى تتاكد من مكانها عندها.. و لكن سارة لنزتعطسها ما يقدمه الاخرون لها و هو الاهتمام المفرط الذي أدى بها إلى هذا الدلال المبلغ فيه...
هدى: يعني انتي بجد هنا بس عشان اهلي بيدفعو كويس و خايفة يمشوكي.
سارة: مش بالظبط.. بس بصراحة الجو هنا تحفة.. و اكل مامتك فظيع.. انا حاسة اني تخنت يجي ٥ كيلو في الاسبوعين اللي قعدتهم هنا.
هدى(بحزن و يأس): بس كدة؟؟
سارة: انتي عايزاني اقولك ايه.. ما انا جيت لك اول يوم و قولتلك نبقى صحاب و انتي رفضتي.. خلاص بقى سيبيني استرزق.
هدى(بحزن اكبر): هاسيبك.
سارة: طيب كفاية عليكي صداع كدة النهاردة و أشوفك بكرة..
هدى(سريعاً): هو انتي مش هاتيجي بعد الغدا زي كل يوم..
سارة(ابتسمت بداخلها لأن هدي بدأت أن تعتاد وجودها و تريده أيضاً و تريد أن تتحدث و لكنها لازالت خائفة): مش عارفة الحقيقة اصل عندي اجتماع مهم اوي.. بس لو عايزاني اجيلك انا ممكن الغيه و اجي اقعد معاكي زي كل يوم..
هدى: اجتماع ايه.. هو انتي هاتسافري؟؟
قالتها بقلق و خوف لاحظته سارة فحاولت أن تطمئنها دون أن تُشعرها بفرحهها لأنها بدأت في الإستجابة لها.. حتى لو كانت بطيئة....
سارة: لا ده video conference يعني على النت.. ها الغيه؟؟
هدى(تراجعت سريعاً): لا مش مهم.
تنهدت سارة بيأس و وقفت و اتجهت للباب و قبل أن تخرج سمعت هدى...
هدى: طيب ممكن لو خلصتي بدري تيجي .
سارة(ابتسمت بحب و فرحة): طبعا ممكن.. هاخلصه بسرعة و اجيلك نتعشى مع بعض موافقة؟؟
هدى: بس انا مش باكل برة.
سارة: مين قال هانطلع برة... احنا هاناكل هنا في الاوضة.. ممكن؟؟
هدى: ممكن.
خرجت سارة من الغرفة لتجد الجميع و قد تقابلوا على طاولة الغداء في جو صامت نوعا ما اعتاد الجميع أن تملئه سارة بالضحكات المرحة...
و لكن عاصم كان مغتاظاً بشكل كبير من سارة كعادته و لكن تلك المرة كان غيظه و غضبه اكبر و اكثر و بالطبع لم يلاحظه سوى والده الذي كان يراقبه عن كثب منذ وصول سارة إليهم..
و لاحظ شجاره معها بشكل دائم.. لم يمنعه أو ينهره لأن سارة كانت دائماً تستطيع أن ترد بكل حزم و احترام دون أن تترك أي ضغائن في صدر عاصم ..
كاد عاصم أن ينفجر من غيظه و ظهر ذلك في طريقه اكله العنيفة و هنا علم عبد الرحمن أنهم على وشك أن يشهدوا معركة جديدة.. فحاول أن يبدأها مبكراً حتى ينهيها سريعاً...
عبد الرحمن: و اخبار هدى ايه دلوجتي يا د/ سارة؟؟
سارة: تاني دكتورة دي.. تاني يا حاج.
عبد الرحمن: امال اجولك ايه بس؟؟
سارة: تقولي زي ما ماما هنية ما بتقولي.. سارة.. سارة بس من غير اي حاجة.. ولا هو اسمي وحش و محتاج حاجة تزوقه..
عبد الرحمن: لا يابتي.. دة انتي اسمك حلو و كلامك حلو و كلك جمر.
قصدها عبد الرحمن و لاحظ نظرات عاصم الغاضبة التي تشتعل بنيران الـ......
حسناً لن اقول خمنوا انتم...
سارة: ايه يا حاج عبده انت بتعاكس ولا ايه.. خدي بالك يا ماما هنية؟؟
عاصم: و هو الحاچ عبد الرحمن بجى اسمه الحاچ عبده.. من ميته ده؟؟
سارة: لا معلش هو مابقاش الحاج عبده الا ليا انا بس.. صح يا هنون؟
عاصم(بغيظ أكبر): و كمان هنون.. طيب.
صمت رغما عنه فتابعت هنية الحديث...
هنية: ماتاخديناش في دوكة بس و ردي على ابوكي الحاچ..
سارة: حاضر يا ستي هارد على ابويا الحاچ.. هدى ممتازة و ماشية على الخطوات اللي انا رسماهالها كويس اوي اوي.
عبد الرحمن: طيب كويس.. بس هي برضه مابتخرجش من اوضتها ولا بتاكل معانا.
سارة: ماتقلقش يا حاج عبده.. اوعدك في خلال الأسبوع ده هدى هاتبقى معانا هنا.
هنية: يارب.
عاصم(و هو يقطع طعامه بالسكين كمن يذبح أضحية): اممممم.. بس يعني عرفتي منين.. و إيه اللي خلاكي متوكدة أكده أنها هاتخرچ جريب؟
ابتسمت سارة لأنها كانت تعرف أنه سمعهما في جلستها الصباحية مع أخته و عرف ما دار بينهما و كانت تنتظر انتقامه بفارغ الصبر... و لكنها فضلت أن تجعله يخرج كل ما في جعبته اولا قبل أن تريحه...
سارة: يعني.. دة شغلي.
عاصم: شغلك؟!! بجى شغلك..(و قرر ان ينفجر فيها كعادته)طيب و هو شغلك ده مش المفروض انك تسمعيها فيه.. ولا بتاخدي فلوس عشان تجعدي تتحدتي و تحكي لها و هي تسمعك و بس.
عبد الرحمن(بتحذير): عاصم.
سارة: سيبه يا حاج عبده.. استاذ عاصم ممكن أسألك سؤال..
عاصم: انتي جاية هنا تسأليني ولا تعالچي هدى؟
سارة: معلش خدني على قد عقلي.
عاصم(بنفاذ صبر): اتفضلي.
سارة: هو حضرتك عرفت منين اني مش بسمع هدى لأنها مش عايزة تتكلم معايا لسة و اني بتكلم اكتر منها و بحكيلها فعلا قصة حياتي؟؟
عاصم(بتلعثم): ها.. اصل.. هدى.. هدى هي اللي قالتلي.. هدى ماعاتتحدتش غير ليا.
سارة(بنصف ابتسامة): هدى؟؟ غريبة.
عاصم: ليه غريبة؟؟
سارة: عشان الحوار ده دار بيني و بينها من ساعة واحدة بس.. و انت مادخلتلهاش من ساعة ما رجعت.
صمت عم المكان مع الاستعداد التام لانفجار أحدهم و الذي يعلم الجميع أنه سيكون عاصم بالتأكيد.. فقاطع الصمت عبد الرحمن...
عبد الرحمن: ماتفهمونا يا چماعة في ايه؟؟
سارة: الحكاية أن هدى متدلعة..
هنية: متدلعة.. متدلعة كيف يعني؟!!
عبد الرحمن: جصدك إيه يا سارة؟
سارة: مش قصدي حاجة وحشة يا جماعة.. بس هي اتعودت منكم على الاهتمام و الحب الغير مشروط.. اتعودت أنها محور حياتكم كلكم...
ثم اردفت بشرح ...
سارة: الحاج عبد الرحمن مالوش غير أنه يدعي لها في كل صلاة و يحاول يشوفلها دكاترة تساعدها و مابيوفرش جهد أنه يعمل اي حاجة تسعدها و يحاول يخليها تخف و تتعالج..
التفتت برأسها لهنية التي كانت تجلس بجوارها و اكملت...
سارة: و ماما هنية اللي مابتبطلش عياط على حالها و طول الوقت تتحايل عليها و تترجاها تاخد الدوا ولا تاكل لقمة..
و نظرت نحو عاصم و رفعت حاجبها الأيمن بتحدي مقصود..
سارة: و استاذ عاصم.. اكتر واحد هدى بتحبه في الدنيا كلها... ما بيخرجش الصبح قبل ما يعدي عليها ولا ينام قبل ما يشوفها..و يا ويله يا سواد ليله اللي يفكر بس أنه يضايقها... هايلاقي استاذ عصام واقفله بالمرصاد.
كلكم واقفين دنيتكم و حياتكم كلها عليها... و هي معتمدة تماما على النقطة دي عشان تعمل اللي هي عايزاه..
عبد الرحمن: و هو إهتمامنا بيها و حبنا ليها غلط ولا ايه؟
سارة: مش بالظبط لكن للاسف اللي هي عايزاه عكس اللي احنا عايزينه.. هي عايزة تفضل تعبانة و مريضة عشان تفضلو حواليها عشان هي خايفة تواجه الدنيا لوحدها.
و احنا عايزينها تخف و تبقى كويسة و ترجع تاني لحياتها و تخلص كليتها و تشوف حياتها.. تقف على رجليها من تاني مش بس فعلياً و كمان معنوياً
ثم اكملت بتوضيح ما قاله عاصم...
سارة: فلما سألتني نفس السؤال اللي سألهوني استاذ عاصم قلتلها اني هنا بس عشان الفلوس طالما انتي مش عايزة تتعالجي.. و إني بدخل عندها قدامكم بس عشان يبقى اسمي اني بعمل بالفلوس اللي باخدها حتى لو بالكدب...
عبد الرحمن: و ليه يابنتي جولتيلها أكده...
سارة: عشان تعرف اني مش عشان سيبت القاهرة و جيت فضلت هنا يبقى خلاص ماوراييش غيرها.. لا انا ورايا مذاكرتي و الماجستير و اهلي و اخويا و الف حاجة تانية.. و حسستها أن المفروض الواحد يبقى خفيف حتى لو على أهله..
عايزة اوصل لها ان كل حد فينا ليه حياته الخاصة.. حتى ابوها و أمها و اخوها طبعاً.
عاصم: و ده اللي هايخليها تخرچ من وحدتها تاني.
سارة: أن شاء الله.
عاصم: اشك.. ابجى زودلها الفلوس شوي يابوي عشان تبدأ تسمع هدى زي ما هدى بتسمعها.
عبد الرحمن(بغضب و صوت مرتفع): عاصم.. بكفياك لحد اكده..
عاصم(وقف بعصبية): لا ماكفياش.. ماكفياش يابوي.. اني اصلا مانيش عارف هي بقالها اكتر من اسبوعين هنا مابتعلمش اي حاچة غير أنها بتجعد معاها نص ساعة ولا ساعة بالكتير عشان تحلل الجرشين اللي بتاخدهم.
عبد الرحمن: جلتلك بكفياك يا عاصم..
عاصم: لا ماكفياش.. اني عايز اعرف انتو ساكتينلها ليه.. ليه؟؟
هنية: عشان سارة ماعتاخدش فلوس منينا .
صدمة ألجمت لسان عاصم.. جحظت عيناه بدهشة و ازدرد لعابه بصعوبة و توتر..
عاصم: عاتجولي ايه ياما.
سارة: طيب انا هاستأذن انا عشان عندي شغل مهم لازم اعمله.
هنية: استني يا بتي.. كملي وكلك.
سارة: شبعت الحمد لله يا ماما هنية.. تسلم ايدك..
عبد الرحمن(بأسف حقيقي و خجل من تصرفات ابنه): حجك عليا يابتي.. حجك عليا.
سارة(بابتسامة هادئة): مش مستاهلة يا حاج عبده انا مش زعلانة اصلا.. عن اذنكم.
تركتهم و رحلت و تبعتها أنظار عاصم النادمة على فعلته و جرحه لها.. و لكن عيون عبد الرحمن و هنية يتبادلان النظرات الغاضبة منه و المهدئة منها..
و ما أن خرجت سارة و أغلقت خلفها الباب حتى التفت عاصم لوالدته متسائلاً..
عاصم: ماعاتاخدش فلوس ليه؟؟ و كيف يعني ماعاتاخدش فلوس.
هنية: ماخدتش غير اچر اول سبوع بس.. و بعديها لجيت صبري اخوي بيكلم ابوك و يجوله أن سارة ماعيزاش تاخد فلوس على علاچها لهدى..
عاصم: و انتو وافجتو؟؟
هنية: ابوك فضل يتحدت مع صبري يومين بحالهم.. و جاله أن سارة عنيدة و لو مانفذتش اللي في رأسها ممكن جوي تسيبنا و ترچع مصر تاني..
و اني ما صدجت أن هدى ابتدت تاكل و تاخد علاچها من غير وچع جلب..
عبد الرحمن: اتفجت مع صبري اني ابعتله اتعابها يحطهالها في البنك من غير ما تعرف.. عشان أكده هي فاكرة أنها شغالة من غير فلوس زي ما طلبت.
عاصم: ليه؟؟
هنية: قالت لخالك أنها مابتعتبرش هدى مريضة و هي داكتورة.. لا هي بتشوف فيها نفسها عشان مرت بنفس ظروفها تجريبا.. بس سارة لجيت اللي يوجف معاها و هي عايزة تعمل لهدى نفس اللي اتعمل معاها.
لم يرد عاصم أيضا.. فهو يكتشف بها شيء جديد كل يوم و كل يوم يزداد إعجابه الذي يحاول أن يحجمه بل و يقتله و لكنه لا يستطيع..
فهي تجبره دون أن يشعر أن يحترمها و يعجب بها... حتى افاقه صوت والده من شروده ..
عبد الرحمن(بتحذير): عاصم.. لآخر مرة هاجولهالك.. ماليكش صالح بسارة واصل.. فاهم.. البت ماشوفناش منيها غير كل خير و انت مابتفوتش فرصة الا بتهينها و تچرحها.. (بعصبية)من ميته احنا بنهينو الناس في بيتنا ها.. رد عليا..
عاصم: يابوي انا مش جصدي.. انا بس....
عبد الرحمن(قاطعه بحدة): يعني ايه مش جصدك... بتتحدت و انت نايم اياك.. ولا مانتاش راچل كبير و ملو هدومك و خابر زين انت عاتجول إيه.. بجولهالك تاني اهه.. ماليكش صالح بسارة واصل..
ثم وقف بغضب و تركهما و صعد لغرفته فاتجهت والدته إليه حتى تهدئه قليلا و حتى لا يغضب من والده.. فربتت على كتفه بحنان و قالت...
هنية: معلش.. معلش ياولدي.. ماتزعلش من ابوك.. بس بصراحة كمان انت مزودها معاها جوي.. مابتطيقلهاش كلمة.. و البت ماشوفناش منيها حاچة عفشة.. يبجى ليه بجى.
عاصم(بجمود): اني خارج اشم شوية هوا..
ثم قبل رأسها و خرج ليجلس في الحديقة فوق كرسيه الخيزران الخاص به... و ظل يفكر....
=================================
جلس في الحديقة وحده لمدة طويلة و كان يعنف نفسه و يتحدث معها في عتاب طويل و تفكير كثير... و ظل يحدث نفسه كثيراً...
عاصم(لنفسه): و بعدهالك يا واد العمدة.. مالك بيها انت.. مانتاش طايجها ليه.. و ماتقوليش عشان شايفها فاشلة و مش جد مسؤولية زي علاچ اختك.. لا هي جدها و جدود.. و كمان هي مش فاشلة ابدا..
ولا يمكن خايف منها... صُح انت خايف منها..
لا مش صُح.. اني ماعاخافش من حد..
لا خايف خايف من حديتها و ضحكتها و عنيها.. عينها اللي رغم انها ماعتشوفش بس بتدبح الجلب دبح.
طيب و الحل.. الحل الوحيد بقى اني ابعد عنيها..
صُح.. انت بس لو بعدت عنيها على جد ما تجدر و لو ماقربتش منيها اللي انت خايف منه مش هيحصل .
بس دلوقت انت لازم تصالحها و تعتذر لها و تستسمحها و تراضيها كمان..
ايه ده كله.. حيلك حيلك... ليه يعني كل ده...
عشان.. عشان هدى اختي... عشان دي الدكتورة بتاعتها ولازم على الاقل تحترم دة.. ايوة عشان هدى بس.
انا هاجوم اخبط عليها و استسمحها في كلمتين و خلاص.. ايوة بسرعة كدة..
ظل في صراعه لمدة طويلة حتى اقنع نفسه في النهاية بأنه يريد الاعتذار فقط من أجل خاطر أخته هدى.. وقف و عدل من عباءته الصوفية و اتجه لمقصورتها.. شجع نفسه و طرق الباب بتوتر ليسمع صوتها من الداخل..
سارة: ايوة.. مين؟؟
عاصم: اني عاصم يا داكتورة سارة.
سارة: خير يا استاذ عاصم.. في حاجة؟؟
عاصم: كنت عايزك في كلمتين بعد اذنك..
سارة: طيب لحظة واحدة لو سمحت.
فقد كانت تجلس سارة في مقصورتها بعد أن تركتهم و بعد أن اهانها عاصم للمرة التي لا تتذكر رقمها.. و لكنها لسبب ما تلتمس له العذر.. فهدى هي أخته الوحيدة و حالتها تحزنه.. يخاف عليها حتى من الهواء..
تتفهم موقفه لان آسر أخيها قد مر بكل هذه المراحل معها و كان يحميها بروحه مثل ما يفعل عاصم.. فتفهمت موقفه جيدا.. خلعت معطفها و كادت أن تبدل ملابسها لولا طرق على الباب منع ذلك....
ارتدت معطفها مرة اخرى و فتحت الباب لتسأله....
سارة: خير يا استاذ عاصم.. في حاجة.. هدى كويسة؟؟
عاصم(تنحنح ليجلي صوته): احمم.. لا مافيش حاچة.. و هدى كمان زينة.. اني بس كنت عايز اجولك كلمتين..
سارة(و هي تفسح له المجال ليدخل): طيب اتفضل .
عاصم: اتفضل فين؟؟
سارة: هنا.. هو طبعا صغير مايجيش اوضة في السرايا بتاعتكم بس هو محندق كدة على قدي.
عاصم(سريعا): لا والله ماقصدي.. بس مايصحش يعني ادخل و انتي لوحدك.. أحنا اهنه لينا نظام غير مصر خالص يعني.. مايصحش.
سارة(بإقتناع): اه فعلا معاك حق... طيب اخرج انا... ماهو مش معقول هانفضل واقفين كدة.
عاصم: اتفضلي.
و نزلت بالفعل من مقصورتها و سمعته يقول...
عاصم: تعالي نقعد عن تكعيبة العنب من الشمس دي.
تحرك خطوتين و لكنه لم يجدها تتحرك خلفه فعاد ليسألها...
عاصم: اتفضلي يا دكتورة.. ماجيتيش ليه؟
سارة: عشان أنا ماعرفش فين تكعيبة العنب دي..
عاصم: بس انتي خرجتي من السرايا و جيتي هنا لوحدك..
سارة: دة عشان فاطمة خدتني و رجعتني كام مرة قبل كدة فأنا حفظت الطريق مش اكتر... لكن انا ماعرفش فين تكعيبة العنب دي ولا عمري روحتها.
عاصم: اه معلهش.. بلامواخذة.. اني اسف.
سارة: عادي ماحصلش حاجة..(بحرج) بس هو انا مش هاعرف اروح لوحدي.. لازم حد يمشيني.
عاصم(بنبرة غريبة لم تفهمها سارة): ممكن تمسكي ايدي و انا اوديكي..
سارة(بتعجب من نبرته الحنونة الجديدة عليها): أه طبعا.. ده لو مايضايقكش.
عاصم: اتفضلي.
مدت يدها ليستقبلها هو بكفه الكبير القوي... فتسري كهرباء غير معلومة المصدر بطول عموده الفقري و يشعر أيضاً بمشاعر تجتاحه للمرة الأولى.. لكنه يحاول ان يتجاهلها.. و إتجه بها الي حيث كان يقصد..
ساعدها لتجلس اولا و جلس هو في مقابلها.. فتبدأ هي بالحديث...
سارة: خير يا استاذ عاصم.. حضرتك كنت عايز ايه؟؟
عاصم: لا سلامتك.. هو الحقيقة يعني... انا... كنت يعني... قصدي اني..
سارة: ياااه.. هو الموضوع كبير اوي كدة..
عاصم: لا مش كبير ولا حاجة.. بس اصل.. بصراحة أنا كنت جاي اعتذرلك عن قلة زوقي من شوية..
سارة(بعد أن لاحظت لهجته القاهرية المتقنة): ايه ده.. ما انت بتتكلم عادي زينا اهو.
عاصم(بتعجب): زيكم.. زيكم ازاي يعني؟؟
سارة: مش صعيدي يعني أقصد...
عاصم: ااه.. لا عادي.. انا قضيت في القاهرة شوية وقت مش قليل يعني.. فاتعلمت اتكلم زي ناسها و بسمع افلام كتير يعني.. كدة...
سارة: تمام... بس انا بحب اللهجة الصعيدي اكتر.
عاصم: خلاص يبجي نتحدتو بيها .
سارة(سريعاً): لا استني انت ما صدقت ولا ايه.. استني لما تخلص الكلام اللي انت جاي تقوله لأن شكله مهم و انا كمان مش بفهم صعيدي اوي يعني.
عاصم(و هو يضحك): ههههههههه.. طيب خلاص خلينا نتكلم بحراوي..
سارة: غريبة.
عاصم: ايه اللي غريبة..
سارة: مع أن ضحكتك حلوة اوي.. بس تقريبا دي اول مرة اسمعك فيها بتضحك.. ليه كدة؟؟
عاصم(و هو يحاول أن يهرب من حصارها): ايه.. هو.. هو انتي هاتعملي عليا دكتورة انا كمان ولا ايه.
سارة: ايه ده انت قفشتني..
عاصم: ههههههههه.. ايوة.
سارة(بمرح): خلاص.. و ادي زبون طار... المهم كنت عايزني في ايه بقى تاني معلش..
عاصم: ما انا قلتلك.. كنت عايز اعتذرلك عن قلة زوقي جوة ساعة الغدا.. اعذريني يا دكتورة.. هدى دي اختي الوحيدة مش قادر شوفها في حالتها دي و انا حاسس بالعجز و انا مش قادر اعملها حاجة..
حاسس اني متكتف و انا شايفها كدة دبلانة و تعبانة.. فقدت الامل في كل حاجة حواليها.. و انا مش عارف اعمل حاجة.. ارجوكي اعذريني.
سارة(ابتسمت بود و تفهم): صدقني عذراك و مقدرة موقفك كويس جدا... عشان شايفة فيك اخويا.. انا كمان لما عملت الحادثة اكتر حد تعب معايا كان هو..
فضل معايا في المستشفى تقريبا شهرين و بعدها في معهد التأهيل اللي دخلته.
فصدقني انا حاسة بيك و بـ هدى جدا.. عشان كدة انا مش هاسيبها الا لما تكون واقفة على رجليها..
عاصم: يعني مش زعلانة..
سارة: تؤ.. خلاص.
عاصم: صحيح.. انتي عرفتي منين اني سمعتكو..
سارة(ابتسمت بمكر): انا ماقلتش انك سمعتنا.. انت قلت أن هدى هي اللي قالتلك..
عاصم: ذكية اوي..
سارة: و دي حاجة حلوة ولا وحشة..
عاصم: حاجة تخوف.
سارة: تخوف؟؟ ازاي يعني.
عاصم: مش مهم.. المهم ان.....
ظلا يتحدثان معا كثيرا في علاج هدى و في أمور أخرى و قضيا معا وقت كبير لم يشعرا به.. و لكنه كان وقتاً ممتعاً لكليهما..
و في المساء ذهبت سارة لهدى بالفعل كما وعدتها و تناولا معا عشائهما في جو متوتر.. كانت سارة تتحدث كعادتها و كانت هدى تستمع إليها فقط و لكنها بدأت أن تشاركها الحديث بتحفز قليلاً و كانت تضحك بهدوء على خفة ظلها دون ان تلاحظها سارة...
=================================
و في صباح أحد الأيام المشمسة...
و قبل الافطار دخلت سارة الي هدى كالعادة و ألقت التحية..
سارة: صباح الخير.. عاملة إيه يا هدهد النهاردة؟
لم ترد هدى و لكنها تأففت بغضب و ملل.. تجاهلت سارة رد فعلها و أكملت..
سارة: شكلك بيقول كويسة..(ثم قالت بحماس كبير) أما ماما هنية النهاردة بقى عملالنا حتة فطار إنما ايه.. ملوكي .
هدى(بتعجب): ماما هنية؟؟!!!
سارة(بسعادة لأنها ردت عليها): ايوة.. انا أصلي دخلت عشان الفطار زي كل يوم بس قالتلي بما أن النهاردة الجمعة و بتفطرو متأخر فهي قررت تعمل فطير مشلتت إنما ايه يستاهل بقك.. ريحته جابتني من على السرير.. مش ناوية تشاوري عقلك و تيجي تفطري معانا برضه.
هدى: لا.
سارة: يابنتي راجعي نفسك.. دة فطير و عسل و جبنة و ليلة كبيرة اوي..
عدى: قولتلك لا.. انتي إيه مابتفهميش.
سارة: خلاص براحتك.. ماتزوقيش.. انتي الخسرانة.
ظلت سارة صامتة لمدة كبيرة و لم تحتمل هدى الصمت أكثر من ذلك.. فهي كانت تتوق للغاية حتى تعرف ما حل بها.. ما وجه الشبه بينهما الذي دوما تتحدث عنه سارة.. فسألتها هدى سؤال صريح...
هدى: هو انتي ازاي فقدتي عنيكي..؟؟
سارة(بسعادة لأنها هي من تريد أن تعلم): دة موضوع كبير و حكاية طويلة.. مستعدة تسمعيها ؟؟
هدى: ايوة مستعدة...
ياترى إيه هي حكاية سارة..
و ازاي فقدت نظرها..
و ياترى هدى هاتغير رأيها لما تسمع حكاية سارة ولا دة مش هايبقى ليه اي تأثير عليها...
كل دة و اكتر في الفصل الجاي ..