رواية شظايا قلوب محترقة الفصل الرابع 4 بقلم سيلا وليد
اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك
+
قادني إليك قدر ..
و سرقك مني آخر ..
و بين القدرين فقدت قلبي ..
فهم كاذبون حين أخبروني أنّ التعافي ببعد الأحبة هيّن وأنّ الزمن كفيلٌ بتضميد جراحي
كاذبون حين أخبروني أنني سأتجاوز وأتخطى..
مضَت سنين العُمر ولازلت كما أنا بل ساءَت حالتي أكثر..
+
أخبروهم أنّ أماكنهم لازالت شاغرة ..
أخبروهم أن كل منا يحمِل أوجاعه معه حتى نحظى بلقاء يطيب به القلب..
ف والله إن الأذى وكل الأذى ممن تركنا معلقين دون مرسى..
ممن قال أنا هنا ، كفي بكفك للمنتهى ..ثم ذهب وترك جراحا لا تندمل ولا تشفى
+
خطت بخطواتٍ تأكلُ بها الأرضَ وكأنَّ هناكَ من يطاردها، توقَّفت غادة أمامها :
هاتعملي إيه يامجنونة!..دفعت الباب والله لأندِّمُه، دلفت غرفتهِ دونَ استئذان، تصرخُ باسمه، خرجَ من المرحاضِ محاوطًا جسدهِ بمنشفة، وبيدهِ الأخرى يجفِّفُ خصلاتهِ، توقَّفَ حينما وجدها بتلكَ الهيئةِ الغاصبة:
عايزة إيه يا بوتجاز، داخلة أوضتي ليه؟!..لم تهتَّم بهيئته، اقتربت منه:
+
تدفعهُ بغضبٍ وهدرت وكأنَّها تحاربُ شياطينها:
هاموِّتَك، واللهِ هاموِّتَك لو قرَّبتِ من شغلي تاني، ورقة الجواز تبلَّها وتشرب ميِّتها،إنسان مستفز، مفكَّر الكل عليه الطاعة،هافضحَك يازوجي المستّّبِد، لو مارجعتِش في الهبل دا...قالتها واستدارت لتغادر.
استني عندِك يابت.....
دنا منها يشيرُ إليها بالاقتراب:
إيه اللي قولتيه دا ..اهتَّزت حدقتيها بعدما استفاقت على حالته، اقترب منها وهتف بصوت اجفلها
- متفكريش علشان ساكت وبعدي تسوقي فيها
تراجعُت للخلفِ تبتعدُ بنظراتها عن عينيه:
إنتَ واحد مستَّبِد، ماتفكَّرش هسكت على اللي عملته، فوق أنا مش خايفة منَّك ولا تفكَّر ورقة الجواز دي هاتخليك تتحكِّم فيَّا، أنا ميرال جمال الدين ولا إنتَ ولامليون زيك، فارد ضلوعك عليَّا ليه، أنا مش معترفة بيك أصلًا، قالتها وهمَّت بالمغادرة إلَّا أنَّهُ جذبها بقوةٍ يدفعها على فراشهِ عندما أخرجت شيطانهِ قائلًا:
وأنا دلوقتي هخليكي تعترفي بيَّا ياأستاذة نجمة الدين، ياله عايزة أعرف بنت جمال الدين هتعمل إيه.
ابتلعت ريقها بصعوبةٍ من هيئتهِ الغاضبة، واقترابهِ الغير مسموح:
إلياس ..أخرجت اسمهِ من بينِ شفتيها متقطِّعًا:
إبعِد بقولَّك ماينفعشِ كدا.
شعرَ بتخدُّرِ جسدهِ وعدم قدرتهِ على الصمود أمامَ جمالها الطاغي.
اشتعلت عينيهِ بلهيبِ الرغبة لتذوُّقِ كرزيتها..حاورتهُ بعينيهِ أن يرحمَ ضعفها بحضرته، من خلالِ لمعانها بطبقةٍ كريستالية. تصارعت أنفاسه وحرب داخليه ألهبت جميع حواسه
-إلياس ابعد انت كدا بتتمادى ..أنهت كلماته المتألمة التي خرجت من بين شفتيها بتقطع
رسم قناع بارد فوق ملامحه كي لا يعكس لهيب عشقه الدفين
اعتدلَ متمسِّكًا بكفَّيهِ ليعدلها من فوقِ فراشه، واستدارَ بظهرهِ قائلًا:
اطلعي برة، وتاني مرة إياكي تدخلي أوضتي تاني من غير إذن.
أغمضت عينيها تستمعُ إلى حديثهِ القاهرِ لقلبها، ثمَّ تحرَّكت بعضَ الخطوات، توقَّفت مستديرةً إليه:
أنا بحبِّ شغلي، ومن صغري وأنا نفسي أكون مذيعة، بس حضرتَك منعتني من الحلمِ دا من غير أسباب، حطِّيت أعذار وقولت يمكن علشان طبيعة شغلك ومن حقَّك، بس إنَّك تهدم شغلي اللي اتأقلمت عليه دا يبقى إنتَ بتهدمني لتاني مرة، اقتربت خطوةً تنظرُ لمقلتيه:
معرفشِ ليه كلِّ الكره دا، عايزني أترجَّاك، تمام ياإلياس ..اقتربت خطوةً أخرى حتى أصبحت المسافة بينهما تكاد معدومة ونظرت إليه متمتمة:
لو سمحت ياإلياس إلَّا شغلي، شغلي دا حياتي بلاش تسحبها مني كفاية امتلاكك ليَّا ..
صمتٌ من الأصواتٍ بالغرفة، ولكنَّ هناكَ ارتفاعَ أنفاسٍ تودي إلى توقُّفِ القلب، تدحرجت دمعةٌ غادرةٌ عبرَ وجنتيها، حينما وجدت جمودِه، فأزالتها واستدارت مغادرةً الغرفة بالكامل، دلفت غرفتها، وأغلقت البابَ خلفها، لتحتضنَ نفسها مع ذكرياتها المتألِّمة معه، اتَّجهت إلى مكتبتها وأخرجت ألبومًا من الصورِ يجمعهما في طفولتهما، فتحته بدموعِ عينيها التي طُبعت عليه، مع شهقاتها المرتفعة، تسألُ نفسها وهي تقلِّبُ بين الصور، وترى كيف هنا كانت نظراتُ الحبِّ والحنان، ومنذُ لحظاتٍ نظراتٍ جليديةٍ لا يوجدُ بها أي مشاعر.
أما عندهُ بعد خروجها اتَّجهَ إلى غرفةِ ثيابهِ وارتدى ملابسهِ بجسدٍ فاقدٍ لجميعِ حواسِّه، كلَّ ما يشعرُ به أنَّهُ يريدُ تحطيمَ كلَّ مايقتربُ منهُ بذاكَ الوقت.
دقائقَ وهو يحاولُ السيطرة على نداءِ قلبهِ الذي يحاربهُ بدقاتهِ العنيفة أن يخترقَ كلَّ الحواجزَ بينهما، حربٌ شعواءٌ صماءٌ تحرقُ داخلهِ بين صفعِ قلبهِ والتَّحكُمَ بنبضهِ وبين عقلهِ الذي يجزعُ من نبضِ القلب.
+
زفرَ باختناقٍ ليتَّجهَ إلى جهازهِ يجذبهُ ويجلسَ فوق فراشه، قامَ بحفظِ بعضِ المعلوماتِ التي توصلُ إليها، ثمَّ رفعَ هاتفهِ ليردَّ أحدهما بعدَ قليل:
أيوة ياباشا، آسف الفون كان بعيد.
إخلَص قول اللي عندك.
اسمعني ياباشا، وصلت للست اللي حضرتَك بدَّور عليها ..استمعَ إليهِ باهتمام:
الست اسمها إسراء متجوزة في العين السُخنة جوزها شغَّال في المينا، عندها ولد وبنت، الولد محامي لسة تحت التدريب والبنت ثانوية عامة، ليها أخ وحيد مسافر أبوظبي.
إبعت لي عنوانها ...
حاضر لحظة وهاتلاقيه عندك.
+
بالأسفلِ قبلَ قليل:
دلفَ إسلام من بابِ المنزلِ استمعَ إلى هرولةِ غادة على الدرج توقَّفَ أمامها :
مالِك يادودي..أشارت إلى الأعلى:
إلياس وميرال بيتخانقوا لازم أعرَّف بابا، خلَّاهم يفصلوها من الشغل.
ربتَ على كتفها يشيرُ إلى الأعلى:
طيِّب اطلعي إنتِ حاولي تهدِّيهم، أنا ماينفعشِ أدخل ..استدارت هاتفة:
طيِّب بسرعة ..تحرَّكَ إلى غرفةِ مكتبِ والدهِ، رفعَ يدهِ ليطرقَ فوقَ الباب ولكنَّهُ توقَّفَ حينما استمعَ إلى بكاءِ فريدة:
إلياس مش ابنك، إزاي،
دقائقَ يستمعُ إلى حديثهم بذهولٍ حتى شعرَ بدورانِ الأرضِ وكأنَّها تُسحَبُ من تحتِ قدميه..تراجعَ سريعًا للخارجِ محاولًا سحبَ أنفاسًا معتدلة، حينما شعرَ بارتفاعِ أنفاسهِ التي تزدادُ كالمتسارع.
+
بالداخلِ توقَّفَ مصطفى
واتَّجهَ إليها يرفعها من فوق الأرضية، ولكنها دفعتهُ بعيدًا، وهرولت للخارجِ ودموعها تفرشُ الأرضَ أمامها ...قابلها إلياس على الدرج، رفعَ رأسهِ إليها بعدما استمعَ إلى شهقاتها، توقَّفَ يطالعُها بتدقيق، شعرت بوجودهِ فرفعت عينيها إليه، وتقابلت العيونُ للحظات، لا يعلمُ لماذا خفقَ قلبهِ إشفاقًا على دموعها، لم يشعر بنفسهِ وتحرك مقتربَا منها متسائلًا:
إنتِ كويسة؟!..
كانت تسبحُ بعينيها تتفحَّصهُ بلهفةِ أم، تناست كلَّ شيئ، وكأنَّ العالمَ اختفى من حولها ولم يتبقَ سوى وليدها، اقتربت خطوةً وعينيها متعلقةً بعينيه، إلى أن وصلت إليه، حاولت الحديثَ ولكنّّها لم تقو كأنَّ لسانها ثقلَ أو هربت حروفه، استغربَ حالتها ووجهها الذي أصبحَ كلوحةٍ متفننةٍ بالأسى والحزن.
+
إنتِ كويسة؟!..تسائل بها مرةً أخرى حينما وجد نظراتها التائهة عليه، هزَّت رأسها وابتلعت غصَّتها وسحبت نفسها من جوارهِ بصعوبة، كالذي ينسحبُ إلى غرفةِ إعدامه، صعدت إلى الأعلى، بوصولِ مصطفى إلى إلياس الذي يراقبُ صعودها:
واقف كدا ليه يابني ..استدارَ إليهِ مقتربًا:
أبدًا مفيش، خطى من جوارهِ إلى الخارج، أوقفهُ والده:
إلياس…استدارَ برأسهِ منتظرًا حديثه، تراجعَ مصطفى إلى وقوفهِ وتساءل:
كنت في السويس بتعمل إيه؟..
ارتدى نظارتهِ قائلًا بنبرةٍ باردة:
شغل ياباشا...قالها وتحرَّكَ للخارجِ دونَ إضافةِ أيِّ حديث..
بالأعلى دلفت فريدة إلى غرفتها وهوت على الأرضيَّةِ خلفَ الباب، تضعُ كفَّيها على فمها تمنعُ شهقاتها كلَّما تخيَّلت ماذا لو أصبحُ ابنها..
+