رواية شظايا قلوب محترقة الفصل الخامس 5 بقلم سيلا وليد
"اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك "
+
وتسألُني ماذا أريدُ منكَ؟!..
دَعني أفسِّرُ لك:
أريدُ منكَ أمانًا..وحنانًا..ووطنًا..
وبيتًا..وظِلًّا...ودِفأً..
أريدُ منكَ حياةً..
ماضٍ و حاضرٍ و مستقبل..
نظرةُ عينٍ تُخبرُني أنِّي حبيبتُكَ..
لمسةُ يدٍ تُعيدُ الأمانَ لقلبي..
دموعٌ ﻻ تسيلُ إلَّا من شدَّةِ الفرحِ..
وآلامًا تزولُ بمجرَّدِ رؤياك..
أُريدُكَ أنتَ فحسب.
....
ياسااااادة:
كلُّ مياهِ المطرِ تُخمدُ للنارِ ألسنتَها..
إلَّاااا مياهُ عيناها.. تزيدُ من لهيبِ نيراني..
فأهلًا بوجهِكِ ..لا حُجِبَت عن ناظريَّ ... يافتنة القلبِ يانُزهةَ البصَرِ ..
تعالَي لأسألُكِ ما الذي أوحاهُ قلبُكِ لقلبي لينصاعَ لهُ طوعًا..
ويعقِدُ معهُ صفقةَ العُمُر ..
+
تحرَّكَ إلى وصولِ فريدة عندما فقدت سيطرتها وارتفعَ بكاؤها، احتضنها مصطفى يبعدُها عن مرمى نظرِ إلياس، لقد فقدت تمسُّكَها الذي وعدتهُ به، نظرَ إلى إلياس الذي تقدَّمَ إليهم وانتابتهُ رعشةً مخيفة، بالتأكيد ستنقلبُ حياتهِ إلى جحيمٍ وسيكونَ هو المسؤولُ الأوَّل..
بابا مدام فريدة مالها؟..شهقةٌ خرجت من احتراقِ قلبها الذي ينازعُ لخروجِ الروحِ وهي تريدُ أن يصيبها اللهُ بالصمم، قرَّةَ عينها الذي تبحثُ عنهُ منذ ثلاثينَ عامًا أصبحَ تحتَ كنفِ رعايتها ..يالله ماهذا الألم الذي أشعرُ به، ألمًا يفوق انتزاع الروح من الجسد ...نزعت نفسها من بينِ ذراعي مصطفى مقتربةً منه وعيناها تبحر فوق وجهه، تتمنى أن تلمس وجهه، ابتلعت ريقها بعدما هتف مصطفى:
-تعالي يافريدة علشان ترتاحي..ظلت كما هي تقترب من إلياس الذي يطالعها بصمت وهي تحاوره بعيناها قائلة بلهفة أم غاب عنها وليدها لأعوام:
حبيبي ممكن أطلب منَّك طلب ..رمقها بنظرةٍ مستفسرة، ابتلعت ريقها واقتربت خطوةً أخرى مع ازديادِ عبراتها، وهناكَ مايفيضُ القلبَ بالغصَّاتِ المريرة... ناهيكَ عن آلامها كالأشواكِ التي تنخرُ بجوفها، وهي تريدُ أن تضمَّهُ وتستنشقَ رائحتِه...عيناها تخترقهُ تبحثُ فيه عن وليدها المفقود...
ظلَّت تتحركُ إلى أن وصلت أمامِه، وعينيها تحاورهُ بأن يرحمَ ضعفها.
لايعلمُ لماذا انشطرَ قلبهِ على حالتها تلك التي لأوَّلِ مرَّةٍ يراها بها..
ضعُفَ أمامَ دموعها وكأنَّ الله وضعَ رحمتهِ بها ذاكَ الوقتِ لينحني ويحتضنَ كفَّيها:
تعالي ارتاحي، ماعرفشِ إيه اللي حصل معاكي، لو عايزة تحكيلي أنا سامعِك.
+
شهقةٌ مُلتاعةٌ خرجت من فمها لتضعَ كفَّيها على فمها بوصولِ ميرال التي هرولت على ارتفاعِ بكائها، رفعَ إلياس نظرهِ إلى والدهِ وهتفَ بصوتٍ مرتفعٍ إلى حدٍّ ما:
مالها، أكيد حضرتَك عارف..ابتعدَ بنظرهِ وعجزَ عن كلِّ شيئ، يحدِّثُ حاله، هل سيعاقبِهُ ربِّهِ بفعلته...تحرَّكَ إلياس إلى توقُّفِ والده:
بابا، مدام فريدة مالها؟..
أطبقت على جفنيها وكأنَّ كلمةَ مدام اخترقت أُذُنها وكأنها تستمع لصدى صوت عويلٍ مرتفعٍ يصيبها بالذعر.
ماما حبيبتي إيه اللي حصل، بقالِك كام يوم وإنتِ كدا، مخبيَّة على بنتك إيه؟!..
كانت عيناها على إلياس الذي توقَّفَ متخصِّرًا ثمَّ أردفَ بعد صمتِ والده:
-معرفش بتبص لي ليه..قالها مقتربًا منها، توقف أمام جلوسها
-مدام فريدة، متحاوليش تعملي كدا علشان مبحبش الأسلوب دا
آلمها حديثه، وكأنه غرس خنجرًا لصدرها..رفعت نظرها إلى مصطفى وهمست بضعف
-موافقة يامصطفى اروح للدكتور، تراجعت بنظرها إلى إلياس واكملت بارتجافة قلبها
-إلياس اللي ياخدني ...
-أنا طيب ليه؟!..توقفت بمقابلته، تحتضن كفيه، وابتلعت غصة كالعلقم أحكمت حلقها بالأختناق تتابعه بعيناها بترجي
-مش انت جوز بنتي، يعني ابني ..قالتها بمرارة مع دموعها
ميرال ساعديها، خلِّيها تِجهَز هناخُدها للدكتور ..
تراقصَ قلبها فرحًا من موافقته، قاطعهُ مصطفى:
إلياس إنتَ ماكانشِ وراك شغل يالَّه حبيبي، ربنا يوفَّقك.. قالها مصطفى حتى لا يتسلل الشك لقلبه بشيئا اخر، هو يعلمه حد المعرفة، سيقلب الموازين على فريدة
+
هزَّ إلياس رأسهِ وعينيهِ عليها، ثمَّ أشارَ إليها:
طيب خُدها لطبيب نفسي، شوف مالها..
ربتَ مصطفى على كتفهِ يهزُّ رأسهِ قائلًا:
ماتخافش، شوف إنتَ شُغلك حبيبي.
توقَّفت سريعًا مقتربةً منهُ قائلة:
مش إنتَ وعدتني تاخدني إنتَ وميرال، ليه غيَّرت رأيك؟..
+
فتحَ مصطفى فمهِ للحديثِ ولكنَّها قاطعتهُ تترجَّاهُ بعينيها، تريدُ أن تنعمَ ببعضِ الوقتِ بجواره، قاطعَ نظراتها مع مصطفى صوتِه:
بابا قال هيخدِك، عندي شُغل مهمّ يبقى طمِّني ..بترَ حديثهِ ينظرُ إلى ميرال وتابعَ قائلًا:
يبقى طمِّنيني ميرال علشان ماتقولشِ مش مهتم بيكي..
استدارَ للمغادرة، ولكنَّهُ توقَّفَ على صوتِ والدِه:
خلاص لو قدَّامَك وقت ممكن تاخدها معاك إنتَ وميرال، افتكرت عندي شغل مهم ...توقَّفَ متردِّدًا ينظرُ لدموعها، مسحت دموعها مع ابتسامةٍ وهو يهزُّ رأسِه:
هستناكوا بالعربية..قالها وتحرَّكَ للخارجِ سريعًا:
أشارَ مصطفى لميرال قائلًا:
إجهزي حبيبتي وأنا هطلع معاها..أشارت على خروجهِ وابتسمت:
شوفت يامصطفى كان خايف عليَّا إزاي...حاوطَ كتفها وصعدَ بها إلى غرفتهِم، توقَّفَ متنهِّدًا ثمَّ تحرَّكَ إلى خزانةِ ملابسها دونَ حديث، كانت تتابعُ تحرُّكهِ بحزن، جلست على الفراشِ وتمتمت:
إنتَ السبب في اللي أنا فيه..جحظت عيناهُ والتفتَ بنظرهِ إليها يشيرُ إلى نفسهِ متحيِّرًا:
أنا السبب!..ليه أنا اللي خطفت ولادِك؟..
هبَّت من مكانها واقتربت منهُ تنظرُ لمقلتيه:
إنتَ لو عرَّفتني الحقيقة من يوم ما دخلت البيت دا،كان هايكون أهوَن من عذابي دلوقتي، إلياس لازم يعرف إنِّي أمُّه.
توسَّعت عينيهِ بذهول، اقتربَ منها وأطبقَ على ذراعيها يهاتفها بتحذير:
يبقى بتقضي عليه، لازم تهدي علشان أعرف أفكَّر، لازم نمهِّدلُه الموضوع، أوعي يافريدة تتهوَري، وقتها بس هتخسريه للأبد، إنتِ فاهمة يعني إيه فجأة بعد العمرِ دا كلُّه يعرَف أنُّه مش ابني، إنتِ كدا هتدفنيه بالحياة، إلياس أنا عارفُه كويس، كرامتُه ورجولتُه فوق أي حد، وممكن وقتها يدوس عليَّا أنا شخصيًا.
هزَّت رأسها رافضةً حديثهِ وتمتمت من بينِ بكائها:
مش هقدر يامصطفى، احتضنت كفِّيهِ تقبِّلُه، وحياتي عندك يامصطفى ساعدني أقرَّب منُّه، هوَّ بيحبِّني بدليل النهاردة، مش يمكن ربنا حنِّن قلبه عليَّا ويتفهَّم الوضع.
احتضنَ رأسها يمسِّدُ على ظهرها طابعًا قبلةً فوقَ رأسها:
حاولي يافريدة علشان خاطرُه، ابنك ممكن يضيع منِّنا.
تراجعت مبتسمةً تزيلُ عبراتها تتمتمُ بخفوت:
ابني...ياحبيبي، الكلمة طعمها حلو أوي، ياااه لو أضمُّه بس ..
أخرجَ تنهيدةً متألِّمةً على حالتها ثمَّ سحبَ كفَّيها قائلًا باطمئنان:
إن شاء الله حبيبتي، إهدي وكلِّ حاجة هتحصل، كويس إنِّك هاتروحي للدكتور وهوَّ معاكي، إحكي للدكتور، أنا مش عايز آجي علشان وقتها هيشُك، وأوعي تنسي إن إلياس ذكي جدًا فوق ماتتخيَّلي، بدليل ملاحظتُه تغييرِك...عرفي الدكتور وهو هيقولك تعملي ايه
+