اخر الروايات

رواية المعلم الفصل الرابع 4 بقلم تسنيم المرشدي

رواية المعلم الفصل الرابع 4 بقلم تسنيم المرشدي 

رواية المعلِم
الفصل الرابع ..
_________________________________________________
_ ها وبعدين يا بابا حصل إيه؟
تساءل يحيى بفضولٍ من أمر تلك العائلة بينما ارتشف ماهر القليل من المياه ثم واصل حديثه:
_ أخباره اتقطعت يابني وكانوا عيلته فقدو الأمل أنهم يلاقوه تاني، ده حتى كنت سمعت أنه ساب المدينة عشان خاله ميعرفش يوصله ويبلغ أهله بمكانه، يااااه يا ولاد دنيا غريبة بس ربنا يستر على بنته وميطلعوش عليها القديم كله
توقفت هاجر عن تناول الطعام وتساءلت بعدم فهم:
_ هما ممكن يعملوا فيها إيه؟
أبتسم ماهر لسذاجتها وأجابها بتريث:
_ ممكن يحمولها ذنب اللي حصل زمان ويتهموها إنهم سبب في أن أخوهم يبعد عنهم
تبادل الجميع نظرات التعجب، بينما تساءل ريان بغرابة:
_ وهي ذنبها إيه مش أبوها وأمها هما اللي بعدوا عنهم؟
رد عليه علي وهو يحاول إثبات وجهة نظر العم ماهر:
_ في ناس كده يا ريان، أنا شوفت ناس أغرب مما تتخيل بيعملوا حاجات العقل ميصدقهاش ربنا يكفينا شرهم، المهم يجماعة أنا هستأذن أنا لأن في شحنة موبليا هتتسلم في المعرض وبيرنوا عليا بقالهم نص ساعة ومش هقدر أتأخر أكتر من كده، سفرة دايمة
تحدث ريان وهو يرمق هاني بنظرات تحمل اللوم:
_ ياريت كل الناس همها على شغلها زيك كده يا علي كان زمانهم في مستوى تاني
فهم علي وجميع الجالسين ما يرمي إليه ريان، بينما نفخ هاني في ضيق وهب واقفًا بغضب وهو ينظر لريان وصاح بحنق:
_ قصدك إيه يا ريان بالكلام ده تقصدني أنا صح؟
استشاط ريان غيظًا، وهب واقفًا بإندفاع هو الآخر، سيطرت حالة من الذعر بين الجميع لما هو أتٍ، حاول علي التدخل بطيب نوايا:
_ صلوا على النبي يجماعة وأنت يا هاني ريان ميقصدش حاجة
أجابه هاني وهو يرمق ريان بنظرات مشتعلة وردد بغضب عارم:
_ لا يقصد وأنا بقى مش هسمح له يت..
"هااااااني"
_ صاح ماهر عاليًا بصوت جهوري، نظر إليه الجميع في توجس بينما التفت نحوه هاني وهو يسحق أسنانه بغضب:
_ أنت هدافع له برده، هو أنا إيه مش إبنك زي ماهو إبنك ولا هو يعني عشان إبن حبيبة القلب وأنا إبن ال...
توقف هاني عندما تفاجئ بتلك الصفعة التي دوت على وجهه، تحولت تعابير وجهه إلى الغضب ومن ثم غادرهم مسرعًا وولج غرفته دافعًا الباب خلفه بعنف.
أغمض ريان عيناه بصدمة لما فعله والده وردد معاتبًا:
_ ليه بس كده يا حج أنت كده صعبت الأمور أنا مكنتش عايز نوصل ل..
_ ريااااان مش عايز كتر كلام
_قالها والده بعصبية شديدة، ثم حاول الإبتعاد عنهم بيديه التي يحاول الإمساك بأي شيء أمامه، شعر بتلك الحرارة الساخنة التي تخللت جلبابه وتسللت إلى جسده الهزيل إثر وقوع الحساء عليه، ركضت نحوه هاجر ودينا مسرعين وأردفت هاجر بنبرة مشفقة على حالته:
_ معلش يا بابا تعالي وأنا هغيرلك الجلابية ..
سحب ذراعه من يدي إبنته وأجابها وهو يتجه إلى غرفته:
_ أنا هعرف أغيرها يابنتي، عن إذنك يا علي
_إذنك معاك يا حج
قالها علي بحرج لكن ماهر قد أوصد باب غرفته قبل أن يقع الحديث على مسامعه، تنهد علي بحرج بائن ومال على هاجر هامسًا:
_ همشي أنا
أمأت بقبول ثم هم بالمغادرة سريعًا، نظرت إليه رنا بخضروتاها وهي تشعر بالشفقة وأردفت مواسيه إياه:
_ معلش يا ريان مضايقش نفسك
رمقها الجميع شزرًا ممزوج بالذهول، أهي تواسي شقيق زوجها، بينما لم تهتز منها خصلة عندما صُفع زوجها! يا للغرابة، اقتربت هاجر من ريان وقالت بتلعثم:
_ ريان، أهدى، أكيد كل حاجة هتكون كويسة
زفر أنفاسه بضجر بائن ثم توجه للخارج وأغلق الباب خلفه بعنف كاد أن يُسقِطه من شدة غلقه، وضع يحيى راحتي يده خلف رأسه يحكها بشدة:
_ إيه اللي بيحصل ده بس!
أجابته رنا بنزق وعلامات الضجر جلية علي ملامحها:
_ هاني اللي غلطان وكبر الموضوع و...
قاطعتها هاجر بنبرة حادة وصاحت بها مندفعة:
_ جرا إيه يا رنا هو إحنا بنقول مين غلطان ومين لأ دول في الآخر أخوات وبعدين أنتِ واقفة هنا بتعملي إيه، أولى أنك تقفي جنب جوزك مش تقفي معانا هنا
استشاطت رنا غيظًا من تلك البغيضة التي أخجلتها، وبسبب حديثها التافه ستُجبر على المكوث بجانب ذلك الرجل الذي يدُعي زوجها.
رمقتهم رنا بنظرات مشتعلة ثم ولجت غرفتها وهي تُتمتم ببعض الكلمات الغير المفهومة.
_ بني آدمة غريبة!
تمتمت بهم هاجر بينما تساءلت دينا بقلق:
_ يا ترى ريان راح فين أكيد مطلعش البيت
رمقها يحيى بغرابة ثم تنهد بحرارة وهتف:
_ أنتِ كل ده معرفتيش ريان لما بيضايق بيروح فين، أكيد طلع للحمام على السطح
تنهدت دينا مستاءة مما حدث ثم نظرت إلى هاجر وقالت:
_ أنا آسفة يا هاجر هطلع أطمن عليه وهجيلك تاني
أماءت لها هاجر بالإيجاب ثم تحدثت وكأنها تذكرت شيء ما:
_ أنا همشي أكيد محدش محتاجني لو في جديد عرفيني
أماءت دينا رأسها ومن ثم قبلتها من وجنتيها وصعدت إلى الطابق العلوي حيث ( السطح )، ابتعلت ريقها واقتربت من ريان بخطوات هادئة، حيث كان يلهو مع تلك الطيور الملونة، ينشغل معهم لدرجة أنه لم يلاحظ وجودها.
حمحمت دينا ووقفت بجواره محافظة على مسافة بينهما ثم أردفت بلوم:
_ ريان مكنش ينفع تلقح بالكلام على هاني مهما كان أخوك وده غلط ومينف...
_انزلي تحت يا دينا!
قاطعها بنبرته الحادة الغليظة، فرمقته هي بصدمة وتمتمت بعدم تصديق:
_ أنزل!، يعني عشان بقول كلمة الحق وبعرفك غلطك تقولي انزلي؟
استدار بجسده نحوها وهو يسحق أسنانه بغضب واندفع بها:
_ أنتِ شيفاني عيل قدامك عشان تعرفيه غلطه؟
توجست خيفة من نظراته الثاقبة عليها وعادت خطوة تلو الأخرى إلى الخلف حتى اختفت خلف الباب ( السطح ).
أغمض ريان عيناه بغضب يحاول كبحه قدر المستطاع لكي لا يحرق الأرض بمن عليها، أخذ شهيقًا ثم عاد ليداعب طيوره التي تنجح دائمًا في امتصاص جزءًا من غضبه.
_________________________________________________
_ وإحنا نصدق منين إنك بنت سيف الدين مش يمكن نصابة وجاية تنصبي علينا وتسرقينا؟
صاح بهم منصور بنبرة مليئة بالحدة وعدم الرأفة بينما شعرت عنود لوهلة أنها كانت مخطئة عندما غادرت بلدتها الحبيبة التي ترعرت بها وجاءت بقدميها إلى هنا، فالان ليس بحين يسمح فيه بالتبرير لما حدث في الماضي، هي لم تتعدى بعد فترة حدادها و حزنها على والديها لتدخل في صراعات عائلية بسبب ماضي والديها.
لن تيأس من أول الطريق، ستعافر وتثبت لهم مهما كلف الأمر فهي لم تعتاد الخسارة.
سحبت نفسًا عميق وأردفت بتريث:
_ أنا بنته ودي صورنا مع بعض حتى الجواب اللي كتبهولي أهو بخط أيده وفيه أساميكم وصوركم، ولو تحب تشوف شهادة الميلاد معنديش مشكلة، وبعدين أنا هنصب عليكم ليه يعني أنا معايا فلوسي ومش محتاجة أنصب على حد
يا حبذا، مال! اتسعت مقلتي منصور عندما وقع على مسامعه أكثر شيء يحبه في الحياة وتمتم ببلاهة:
_ فلوس؟!
أماءت برأسها مؤكده حديثها، بينما تدخل ياسر وحاول تغير مسار الحوار:
_ أنتِ إزاي عيشتي في أمريكا كل المدة دي وبتتكلمي عربي كويس، كويس إيه ده أنتِ بتتكلمي أحسن من المصريين نفسهم!
ابتسمت عنود بعذوبة أذابت قلبه من فرط جمالها، تقوس ثغر ياسر بإبتسامة دون وعي منه، بينما أجابته برقتها المعتادة:
_ بابا الله يرحمه عل...
"هو مات؟"
تساءلت سعاد بدهشة بينما أماءت عنود رأسها بآسى:
_ أه اول امبارح عملوا حادثة هو و والدتي وهما راجعين من الحِج
انفجر منصور ضاحكًا وتمتم بسخرية:
_ حِج! هو أمك المسيحية تنفع تحج زينا كده؟
انعكست تعابير وجهها إلى الحدة كما شعرت بالضجر من ذلك المنصور الذي يسخر من والدتها ولا يكترث لحرمة المتوفي ولا حتى لمشاعرها، اقتربت منه وأجابته بحدة:
_ والدتي أسلمت قبل ما تتوفى بمدة بسيطة وأظن مش من حق أي حد يتكلم عن أهلي بالشكل ده!
اتسعت مقلتي منصور بذهول تام، اقترب منها وجذبها من تلابيب ثوبها وأردف بحنق:
_ بت أنتِ، أنتِ بتكلميني أنا كده يابت، لا سيف أخويا عرف يربي بصحيح مع إني شاكك أنك بنته أصلًا!
حررت عنود نفسها من بين قبضته وحاولت أن تسيطر على دموعها التي تهدد بالنزول وتمتمت بنبرة نادمة:
_ أنا كنت غلطانة لما سمعت كلام بابا وجيت هنا، هو قالي أهلي هيحموكي وأنا جريت عليكم لأني مليش حد، كنت فاكرة أنكم هتقفوا جنبي وتخافوا عليا
حك منصور كفيه ضاربًا إياهم في بعض قائلًا:
_ نخاف على مين يابت أنتِ إحنا نعرفك أصلًا وحتى لو صدقنا إنك بنت سيف الدين تفتكري هننسي اللي عمله أبوكي زمان وإنه يسيبنا عشان يختار واحدة مش من ملتنا، إوعي تكوني مستنية مننا نصرف عليكي إحنا أصلًا مش عارفين نصرف علي نفسنا لما نصرف على البلوة دي كمان
لم تستطيع تمالك دموعها أكثر من ذلك وأجهشت في البكاء غير مصدقة ما سمعته لتوها، أشفق ياسر على حالتها المذرية ورمق والده بنظرات مشتعلة:
_ في إيه يا بابا هي دي معاملتنا لأهلنا برده وبعدين دي شكلها صغيرة هنسيبها كده لازم نراعيها دي من دمنا مهما كان، لو سمحت يا بابا خلي مشاكل زمان على جنب وأنا متكفل بيها من كل حاجة
لطمت سعاد على صدرها بصدمة:
_ متكفل بمين يواد أنت، أنت مالك ومالها، إحنا منعرفش عنها حاجة وبعدين دي تربية أجانب يعني الله أعلم بيها بقا ربنا يستر على ولايانا
صُعقت عنود مرة أخرى مما سمعته وصاحت بهم هدراً:
_ أنا مسمحلكيش أبداً تتكلمي عني كده أنا محترمة والأجانب اللي بتتكلمي عنهم دول ربوني أحسن تربية، رسخو حب ديني في قلبي وعلموني الصح من الغلط، علموني كويس إزاي أحافظ على نفسي وأصمم على رأيي بإحترام أنا مش هسمح لأي حد فيكم يتكلم عني أو عن أهلي بالطريقة دي
صمتت عنود من تلقاء نفسها عندما شعرت بألم تلك الصفعة المدوية انسدلت على وجهها من قِبل منصور، وضعت راحتي يدها تتحسس وجنتها بألم، رمقتهم بأعين ترقرقت فيهم الدموع ثم أمسكت حقائبها وهرولت إلى الخارج مسرعة.
هبطت الأدراج سريعًا وما إن وصلت أمام الباب الرئيسي حتى انفجرت في البكاء ألمًا، لكن ليس من ألم تلك الصفعة إنما من ألم شعور اليُتم التي شعرت به في تلك اللحظة.
رمقهم ياسر بنظرات تحمل اللوم واندفع بهم:
_ ليه كده دي ملهاش حد أنتوا بتعملوا كده ليه، أنا عمري ما شوفتكوا بالقسوة دي
أنهي جُملته وغادر مسرعًا لعله يلحق بها، زفر أنفاسه براحة عندما لمح طيفها لا زال أمام باب البناية، اقترب منها وتحدث بحرج بائن:
_ أنا آسف بالنيابة عنهم أنا بجد مصدوم من اللي عملوه أنا مش عارف عملوا كده إزاي
كفكفت عنود عبراتها براحة يدها، ثم استدارت إليه بأعين لامعة أثارت الجدل بداخله، لم يمنع نفسه من النظر إلى تلك البندقتين اللامعتين خلصتها.
خفقت نبضات قلبه بصورة أعنف بمراحل عندما تغلغلت تلك الرائحة العطرة إلى أنفه، أوصد عينيه لبرهة وهو يتلذذ برائحتها الذكية لا يدري أنه فقط معطر للثياب.
نظرت إليه عنود بغرابة من أمره، ماذا يفعل ذلك؟ تمتمت سؤالها بداخلها ثم حمحمت وأردفت بنبرة مرتفعة عندما ظل على نفس وضعه لبعض الوقت:
_ احم، أنت مش محتاج تبرر ولا تعتذر عن اللي عملوه أنا كنت غلطانة لما جيت هنا أنا هرجع تاني
اتسعت مقلتيه بصدمة ورد عليها بنبرة شغوفة:
_ لا لا تمشي إيه، أنتِ هتقعدي هنا وأنا هتكفل بيكي وهتكوني في حمايتي ومحدش هيقدر يقرب لك
شعرت بالغرابة من أمره، ماذا يقول هذا؟ ما تلك العفوية التي يتحدث بها؟! لن تنكر أنها أُعجبت بتلك الثقة المنبعثة من كلماته.
شعرت ببعض الراحة قد سكنت داخلها، لكن لن يمنعها شعورها ذاك من المغادرة، لن تمكث دقيقة أخرى في تلك البلدة الغريبة، لقد أخذت الكثير من وقتها وهي ليست على استعداد بأن تُكمل بقية حياتها في تلك الصراعات الأبدية.
نظرت إليه ممتنة وفجأته بحديثها:
_ أنا لازم أسافر أنا لا يمكن أقعد هنا بعد اللي سمعته وحصلي، بابا كان غلطان لما قالي أرجع هنا
عقد ياسر ذراعيه وأردف بثقة:
_ صدقيني محدش هيقدر يقرب لك طول ما أنا موجود، أنا حمايتك هنا ثقي فيا
عقدت عنود ما بين حاجبيها وقد اعتلت ملامحها علامات التعجب مما يتفوه به ذلك الشاب، من أين يأتي بتلك الثقة التي يتحدث بها، وكأنها ستُأمن على نفسها معه دون غيره.
ابتلعت ريقها ولا تدري بماذا تجيبه، هل تمكُث كما يريد أم تعود من حيث جاءت وكأن شيء لم يكن، تخبطت بين أفكارها وتاهت لدقائق لا تعلم مدتها لكنها حتماً لا تدري ما عليها فعله.
تنهدت بضيق وقررت أن تستخير الله كما تفعل دومًا عندما تقع في الحيرة بين أمرين، نظرت إليه فتفاجئت بعيناه تتابعها بتركيز شديد بدي وكأنه طفل صغير يريد اللعب ويقف قيد انتظار قبول والدته.
ابتسمت بعفوية على حالته وكذلك بادلها ياسر ابتسامة عذبة بلا وعي منه، لم تصدق ابتسامته الصافية التي تؤكد تلقائيته عكس والديه تمامًا.
_ ممكن أعرف أنت بتضحك علي إيه؟ أنا لسه متكلمتش عشان تضحك؟"
تساءلت عنود بفضول وهي تتابع ملامحه جيدًا، بينما أجابها ياسر بتلقائية:
_ ضحكتك خلتني أضحك
اتسعت حدقتاها بذهول بينما أنتبه هو لما قاله وقد تلونت وجنتيه بالحُمرة خجلًا بسبب زلة لسانه في الحديث دون إدراك، حمحم بحرج بائن وقال وهو يحك ذقنه بتوتر:
_أنا آسف مش قصدي والله، بس ياريت تفكري قبل ما تاخدي قرار سريع
أجابته عنود بثقة:
_ أنا هعمل كده فعلًا، أنا هستخير ربنا وبعدها أقرر هعمل إيه بعد ما ربنا يدلني على الطريق الصحيح
أُعجب ياسر بنبرتها التي لم تخلو من ذكر الله، فمنذ أن رآها وقد جذب انتباهه ثيابها الفضفاضة التي لا تُظهِر أي أنش من جسدها والأن تتحدث عن الله بسلاسة كأنها لا تخطو خطوة قبل استخارته.
رفعت هي إحدى يدها ذات الكف الصغير وأشارت بها أمام وجهه لتجذب انتباهه إليها:
_ أنت روحت فين؟
شكل ابتسامة على ثغره تعجبت منها عنود وسألته بحيرة:
_ هو في إيه أنت بتضحك كل شوية على إيه وبتوه كتير ليه؟
تنهد ياسر بحرارة ولوعة وحاول السيطرة على نبضات قلبه التي تخفق بشدة كأنه في سباق، حمحم بإرتباك خجِل ثم قال بتريُث:
_ أنا معاكي في أي قرار هتاخديه
أماءت برأسها ممتنة له ثم رمقت المنطقة الشعبية من خلفها بتفحص وتمتمت قائلة:
_ ممم طيب أنا محتاجة فندق أبات فيه لبكرة تقدر تساعدني؟
أومأ بالإيجاب لها ومن ثم مد يده إليها بتلقائية:
_ تعالي معايا
_ ما قولنا مش بسلم ولا بحب الحركات دي
قالتها بضجر فلعن غباءه قائلًا:
_ أنا آسف، معلش اعذريني أنا مش عارف أنا مالي أول مرة أكون كده
_ حصل خير
هتفت بها عنود وهي تشعر بالغرابة الشديدة حياله، سارت بجواره تاركة بعض المسافة بينهما وهما في طريقهما إلى الفندق الكائن على بداية طريق ذلك الحي.
_________________________________________________
ضجرت من المكوث بجواره كل تلك المدة، تأففت بضجر بائن ورمقته بخضروتاها التي ينطق منهم الشرار:
_ أنت هتفضل قاعد كده؟
تحدثت بنبرة حادة بينما أجابها هاني بنبرة موجوعة وهو ينظر للفراغ أمامه:
_ هعمل إيه يعني، واحد عنده ٣٨ سنة بيضرب من أبوه المفروض يعمل إيه؟
تنهدت بضجر بائن وتأففت ثم نهضت ووضعت يديها في منتصف خصِرها رافعة إحدى حاجبيها:
_ تعمل أي حاجة إلا إنك تقعد لي زي الست المطلقة كده
نهض هو الآخر واقترب منها وحاوط خصرها بيديه الغليظة ومال برأسه على كتفها وتحدث بنبرة متوسلة:
_ رنا أنا محتاجلك أوي
دفعته بعيدًا عنها بكل ما أوتيت من قوة ورمقته بنظرات تحمل الإشمئزاز:
_ يا أخي أنت في إيه ولا إيه واحد في وضعك ده وبيفكر في القرف اللي مفيش في حياته غيره أنت إيه يا أخي أنت إيه؟
هربت للخارج مسرعة لا تدري أنه بحاجة لعناق يغيبه عما يدور حوله، بينما رمقها يحيى شزرًا لنبرتها الحادة مع أخيه، لوهلة شعر بالشفقة على أخيه وقرر أن يكون عونًا له ويسانده.
طرق الباب ثم ولج للغرفة مُشكلًا إبتسامة على ثغره، قابله هاني بنظرات جامدة وأردف بفتور:
_ جاي تدافع عن أخوك ولا تبرر لأبوك اللي عمله؟
تنهد يحيى مستاءً ثم جلس على طرف الفراش أمامه وردد موضحًا:
_ ولا جاي أبرر ولا جاي أدافع، أنا جاي لك أنت
انفجر هاني ضاحكًا ومن ثم تحدث من بين ضحكاته الساخرة:
_ لا يراجل جاي لي أنا!
صمت هاني وقد انعكست تعابير وجهه إلى الضيق:
_ أنا محدش كان جنبي ولسه لوحدي، أنتوا التلاتة مع بعض ديما لأنكم أخوات من أم واحدة لكن أنا ديما منبوذ منكم ومن أبوك ومن كل اللي حواليا أنتوا مش شايفيني أصلًا
فغر يحيى فاهه ببلاهة لما سمعه لتوه وأردف معاتبًا:
_ أنت بتقول إيه يا هاني ده أنا اللي بتقولوا عليه عيل عمري ما فكرت زيك ولا هفكر كدا، وبعدين جبت منين فكرة إنك منبوذ مننا دي؟ أنا عن نفسي طول عمري شايفك أبويا التاني، وبحترمك جدًا، ومفتكرش في مرة إني ضايقتك أو حتى عملت تصرف يقلل من احترامي ليك، والحاج عمره ما فرق بينا إحنا الأربعة، وديمًابيشوف إحنا عايزين إيه ويحاول يعمله عشان يسعدنا، وريان اللي أنت واخد منه موقف ده أكتر واحد بيحبك فينا وديمًا بيكلمني إنه عايز يعملك أي حاجة عشان تكون مبسوط بس أنت اللي شايف عكس كده يا هاني بص لكل اللي بيعمله لينا هو تقريبًا مش بيعمل أي حاجة لنفسه كله راجع لينا إحنا، من تعليمي لمصاريف هاجر رغم إنها متجوزة لمصاريف علاج الحاج ولـ...
صمت يحيى من تلقاء نفسه فهو لا يجرُأ على مواصلة حديثه فـ فيه إهانة لشقيقه الكبير بينما اعتدل هاني في جلسته وأردف بتهكم:
_ ومصاريفي أنا ومراتي، كمل كلامك
زفيرًا وشهيق فعل يحيى وقال بنبرة رزينة:
_ أقصد من كلامي إن لو حد فينا كان اتظلم فهيكون ريان، لأنه مكملش تعليمه بسبب وفاة أمي اللي اتوفت وأنا طفل سنتين وهاجر ٨سنين يعني كنا عيال أوي منعرفش يعني إيه مسؤولية، هو اللي شالها بدري وساب أكتر حاجة بيحبها وهي دراسته، هو صحى فجأة لقى نفسه شايل مسؤولية طفلين وأبوه اللي نظره راح بسبب السكر، وساب تعليمه بعد ما جاب في الثانوية العامة ٩٨ونص، وهب حياته لينا ولسه بيعطي كل حاجة لينا، يبقى لازم نلتمس له العذر يا هاني وأنت الكبير بتاعنا يعني أنت اللي تشيلنا مش هو بس دلوقتي معتش هينفع لأننا كبرنا خلاص المفروض نكون سند ليه مش نزود همه فهمتني!
رمقه هاني بلا مبالاة وكأنه لم يصغي لحرف مما قاله يحيى وسأله بجمود:
_ هي رنا فين؟
اتسعت مقلتي يحيى بدهشة لجمود ردوده، نهض بإندفاع ثم أجابه وهو يتوجه إلى الخارج:
_ معرفش، شوفتها وهي خارجة من الباب
أنهى جملته ثم توجه للخارج غير مصدق أنه لم يكترث لحرف واحد مما قاله في حق ريان، تنهد بضيق ثم فتح الباب وخرج مم المنزل وصعد إلى حيث يكون ريان.
_________________________________________________
شعر بأناملها تتحسس ظهره بنعومة بالغة، نفخ في ضيق وتمتم بعصبية:
_ قولتلك يا دينا انزلي وسبيني لوحدي إيه اللي في كلامي مش مفهوم؟
_لم يشعر بإختلاف كثيرًا بل إزداد تقربها منه وعانقته بشدة وهي تتنهد بحرارة:
_ للدرجة دي مش قادر تفرق بينا؟
اتسعت مقلتي ريان بصدمة جلية قد تملكته عندما عرف هويتها، أبتعد وهو ينظر إليها بعدم استيعاب لما فعلته لتوها، أغمض عينيه لبرهة ربما هذا كابوس، فتح عينيه مرة أخرى، لكن لا ليس بكابوس لازالت واقفة أمامه مُشكلة ابتسامة على ثغرها دون خجل، بأي وقاحة تتصرف تلك اللعينة؟
ازدرد ريقه وصاح بها مندفعًا:
_ أنتِ إيه اللي أنتِ عملتيه ده، أنتِ اتجننتي؟
_ اقتربت منه لكنه دفعها بكل ما أوتي من قوة مستنكراً تقربها منه، تنهدت رنا مرة أخرى بشوق أكبر وأردفت بنبرة قد باتت محترقة من لهيب عشقها له:
_ أنا اتجننت بيك يا ريان، أنت إزاي مش حاسس بيا، إزاي مش شايف حبي ليك اللي كل يوم بيزيد أنا بحبك أوي، أنا أدمنتك، أنا بقيت حافظة كل تفصيلة فيك حافظة ملامحك عارفة إيه اللي بيضايقك وإيه اللي بيفرحك، عارفة لما بتزعل بتروح فين، عارفة إنك بتحب الرسم بس بقالك فترة مش بترسم بسبب الضغوط اللي عليك، عارفة بتحب إيه وبتكره إيه، بتنزل امتى وترجع أمتى، حفظت هدومك كلها وريحة برفاناتك، حفظتك يا ريان!
تقوس ثغرها بإبتسامة باهتة وتابعت مضيفة بألم وقد ترقرت الدموع من عينيها:
_ بحب التيشيرت الأسود اللي كان فيه خط أبيض عريض عارف أنت بقالك أد ايه ملبستوش بقالك حوالي شهرين و٤ أيام، معتش بتلبسه ليه يا ريان؟
صُعق ريان بما تتفوه به، حسنًا إنه ليس إلا كابوس سخيف، لابد وأن يكون كذلك لا يمكن أن يكون حقيقة قط، فرك عينيه بعصبية شديدة ونظر إليها مرة أخرى وهي لا زالت واقفة أمامه مُثبتة بصرها عليه بأعين لامعة تتمنى أن يخضع لها.
اقتربت منه بدلال بينما هو من هول الصدمة لم يستطيع رفع قدميه عن الأرض كأنه تجمد مكانه، تحسست هي صدره من أعلى قميصه السماوي، تنهدت وقالت بشغف وتمني:
_ نفسي أقرب منك أوي، نفسي أدوق طعم حضنك، هعيش لك خدامة طول عمري بس أنت وافق واتجوزني هوريك اللي عمرك ما شوفته، هدوقك الشهد كله، هدلعك أكتر من دينا اللي أشك أنها بتعرف تعمل حاجة أصلاً جرب أنت بس ومش هتندم
دنت منه أكثر وهي تقف على أصابع قدميه وتتحسس صدره بنعمومة شديدة، كادت أن تفتك برجولته، ما تلك المشاعر التي عصفت به، لم يسبق له وأن شعر بتلك المشاعر القوية من قبل، شعر وكأن روحه تُسلب منه شيئًا فشيء، ماذا تفعل تلك الرنا به، اللعنة من ؟؟ رنااا
صفعها ريان بكل ما أوتي من قوة على وجهها بغضب عارم، ثم دفعها بعيداً مستنكرًا تصرفه، رمقها بنظرات احتقارية مشتعلة وصاح بتقزز:
_ أنتِ إيه اللي عملتيه ده، إزاي تسمحي لنفسك تقربي مني بالشكل ده، قسما بالله لولا إني عامل حساب لاخويا لكنت دفنتك مكانك يا **** ، أنتِ مش عارفة أنا مين يابت ولا إيه، أنتِ مش عارفة أنا ممكن أعمل فيكي إيه؟ لو أنتِ عرفاني أوي كده أكيد عارفة إني شري وحش ومحدش يحب يجربه، والقرف اللي أنتِ قولتيه ده تنسيه خالص أصل والله العظيم لا يهمني أخويا ولا حتى أبويا وهقتلك أنتِ فاهمة ولا لأ، امشي غوري من وشي قبل ما صبري ينفذ وأطربق البيت دا على دماغك يا ****
لم يلاحظ أيًا منهم تلك العيون التي تقف على بُعد تراقب ما يحدث في ذهول شديد، انسحب بهدوء لكي لا يراه أحد وهبط إلى منزله سريعاً وولج غرفته وأوصد الباب خلفه، وقف يستنشق الصعداء وهو يلهث بعدم تصديق، صعد صدره وهبط بصورة عنيفة مضطربة من هول ما رأى وسمعته أذنيه.
وقف أمام مرآته وتمتم لصورته المنعكسة:
_ يحيى أنت لازم تنسي اللي شوفته، عشان أنت لو منستش الدنيا هتطربق ومحدش هيصدقك ولو صدقوك أخواتك هيقعو في بعض عشان حتة **** متستاهلش، ريان أكيد هيوقفها عند حدها وهيعرفها قيمتها كويس، بس هاني.. هاني هيعيش معاها إزاي وهي بتحب أخوه؟!
زفر يحيى أنفاسه بصعوبة وواصل حديثه بعد أن جلس على طرف الفراش:
_ إيه اللي بيحصل ده بس أنا إيه اللي خلاني أطلع لريان وأشوف اللي شوفته؟!
عاد بظهره للخلف وأستلقى بجسده علة الفراش وهو يطالع سقف الغرفة بعدم تصديق:
_ أنا لازم أتكلم مع ريان، لازم يعرفني أنا المفروض أعمل إيه، ومن هنا لوقتها أنسى كل حاجة
_________________________________________________
صُدمت رنا من رد فعله التي كانت على دراية بها لكنها لم تتوقع تلك القسوة المبالغة منه، اقتربت منه ولم تكترث لتحذيراته، أستندت بمرفقها على صدره وشكلت إبتسامة ماكرة:
_ أنت مش هتقول لأخوك عشان مش هيصدقك أصلًا
تراجعت للخلف عدة خُطوات ورفعت إحدى أصابع يدها وأشارت بيدها الأخرى عليه:
_ أخوك خاتم في صابعي مش هيصدق غيري أنا وبس، أنت عارف بتعامل معاه إزاي عشان يكون بالشكل ده؟
تعالت ضحكاتها بميوعة وتابعت مضيفة:
_ تحب تجرب وتقيم بنفسك؟
وصل ريان لذروة تحمله، بصق عليها بإشمئزاز وهي ما زالت واقفة بشموخ ولم تهتز لها خصلة، بينما هبط ريان إلى الأسفل سريعًا وفتح باب منزله ليجدها جالسة على الأريكة بتلك العباءة اللعينة.
تذكر تلك المشاعر التي راودته من خلف ما فعلته رنا بأناملها الناعمة، فلم يسبق لدينا وأن فعلت مثل تلك الأشياء المثيرة، لم يشعر مسبقًا ولو بذرة مثلما شعر في تلك الدقائق المعدودة، تنهد بضيق واندفع بها قائلًا:
_ قومي أدخلي الأوضة يا دينا
نظرت إليه بسودتاها متسائلة بفتور:
_ ليه، أنا عملت إيه؟
_ ماهي دي المشكلة إنك مش بتعملي، قومي ادخلي الأوضة لو سمحتي
_ قالها ريان بحنق وهو يحاول جاهداً كبح غضبه، بينما نهضت دينا متعجبة من أمر ذاك الريان التي لا تدري ماهي طريقة التعامل معه، وقبل أن تدلف لغرفتها سألته مستفسرة عن كل يقصده:
_ أنت تقصد إيه بالكلام دا؟ وايه بالظبط اللي اللي مش بعمله؟ وضح كلامك
استنكر ريان أسئلتها الغبية وصاح وهو يرمقها بنظرات مشمئزة:
_ إيه العباية؟ أنتِ قاعد في بيتك ولا قاعدة في الشارع؟ وشعرك ماله مش مستاب ليه؟
صمت وأغمض عينيه لبرهة وأضاف بنفاذ صبر:
_ ادخلي يا دينا الأوضة، عشان متزعليش من كلامي أكتر..
طالعته قليلًا بصدمةٍ، ثم ولجت غرفتها وألقت جسدها على الفراش ودسرت الغطاء أعلاها، انسدلت دموعها على الوسادة ولم تتوقف عن البكاء حتى باتت في ثُبات عميق.
سحق ريان أسنانه بغضب عارم وهو يتذكر كلمات رنا له، من أين جائت بتلك الجرأة بل وتعدت حدود الوقاحة، وسمحت لنفسها بلمس جسده بجرأة دون أن تشعر بالحياء والخوف منه.
نهض بذعر وولج مرحاض غرفته ووقف في منتصف المغطس الرخامي وهو يحك جسده بعصبية لكي يمحي أثار لمساتها القذرة التي لم تصل لجسده من الأساس.
يشعر بالتقزز الشديد ويريد التقيأ كلما تذكر قُربها منه، أنهي حمامه وعاد للخارج، رمق دينا بضيق شديد، أيعقل أن لا يشعر معها بتلك المشاعر التي تمنى تجربتها مرة أخرى، طرد أفكاره التي تصل دائمًا لذروة غضبه وارتدى ثيابه وتوجه للخارج جاذبًا معه غطاءه وغاص في نومه بين أحضان الأريكة.
_________________________________________________
_ وقفا معًا أمام الغرفة التي قامت بحجزها عنود ورفضت أي مساعدة من ياسر الذي حمد الله على رفضها فهو لم يكُن يملُك قرشًا واحدًا وحتمًا كان سيخجل أمامها، ابتسمت له عنود بتكلف وأردفت بنبرة ممتنة:
_ شكرًا جدًا لمساعدتك
_ مساعدة إيه أنا معلمتش أي حاجة خالص أنا يدوب دليتك على طريق الفندق
قالها ياسر بحرج وهو معلق نظريه عليها، ولم تستطع عنود تفسير تلك النظرات المبهمة.
حمحمت ثم أردفت بخجل:
_ بعد اذنك أنا عايزة أقفل الباب لأني تعبانة ومحتاجة أنام
أماء رأسه بقبول و سألها قائلًا بإهتمام:
_ هتعرفيني قرارك امتى؟
عقدت ما بين حاجبيها بغرابة فهي لم تعي قصده جيدًا:
_ قرار إيه؟
أجابها ياسر بنبرة متلهفة لسماع قرارها:
_ قرار إنك هترجعي ولا تستقري هنا؟
رمقته عنود متعجبة من اهتمامه بها، تنهدت بحرارة وأجابته بتريث:
_ بكرة بإذن الله
أماء رأسه بتفهم وقال بتردد بائن:
_ طيب خدي رقمي عشان لو احتجتي حاجة.
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close