اخر الروايات

رواية دوائي الضرير الفصل الثالث 3 بقلم نرمين ابراهيم

رواية دوائي الضرير الفصل الثالث 3 بقلم نرمين ابراهيم 

الفصل الثالث...

تفاجئ عاصم كوالديه بظروف سارة و جلس جميعهم مرة اخرى.. فتكلم صبري اولا...

صبري: يا جماعة انا عارف كويس انتو بتفكرو في ايه و انا صدقوني ماكنتش...
سارة(قاطعته بهدوء): معلش يا دكتور صبري تسمحلي اتكلم انا؟؟؟

إنصاع صبري لطلبها لثقته فيها و في رجاحة عقلها و في قدرتها على إقناعهم...

صبري: طبعا يا سارة اتفضلي.
سارة: طبعا انا عارفة انكو تقريبا مصدومين.. ازاي دكتورة عامية.. الحقيقة ان الموضوع مش مسببلي اي عائق.. بل بالعكس.. انا معظم المرضى بتوعي بيتعاملو معايا بمبدأ اللي يشوف بلاوي الناس تهون عليه بلوته.
و دة للأسف المبدأ الوحيد اللي هاينفع مع الانسة هدى..

ثم استطردت في حديثها...

سارة(بنبرة عملية بحتة): حسب الكلام اللي شرحهولي د/صبري ان هدى بنت رقيقة و خجولة و ده اللي انا هاشتغل عليه..
و بالنسبة لحالتي انا فمش هاقدر اكدب و اقول انكو اول ناس تتصدمو بالشكل دة.. لكن تقريبا اهالي كل المرضى بتوعي بيتصدمو نفس الصدمة..
لكن صدمتهم مش بتطول اوي لما بيشوفوا نتايج علاجي مع الحالات بتاعتهم.. و طبعا حضراتكم كلكم ليكم دور مهم جدا في العلاج.. يعني المسؤولية مش عليا انا لوحدي.
و حضراتكم لازم تبقو عارفين دة كويس..
انا خلصت كلامي.. و هاسيبكم تفكرو براحتكم.. د/ صبري هاستناك في العربية..
صبري: اوك يا سارة و انا مش هاتأخر عليكي.

لم تتحرك سارة فتعجب الجميع و هم في انتظارها أن تتحرك و لكنها تحدثت ايضا..

سارة: د/صبري.. هاستناك في العربية.
صبري: ماشي يا سارة روحي.
سارة(بتعجب): اروح حاضر.. بس انا اول مرة اجي هنا.

شعر صبري بالحرج... فهذه أول مرة لسارة بداخل هذا المنزل.. و لذلك فهي لا تعرفه.. لا تعرف تصميمه ولا أثاثه ولا طرقه و لذلك فمن الصعب عليها أن تتحرك فيه وحدها..

صبري(بحرج): اخ.. سوري.. معلش يا سارة نسيت..

ثم رفع صوته يهتف باسم فاطمة...

صبري: فاطمة... بت يا فاطمة.

اتت فاطمة ركضاً...

فاطمة: ايوة.. ايوة يا سي الدكتور صبري.
صبري: تعالي وصلي دكتورة سارة لعربيتي .
فاطمة: حاضر.. اتفضلي يا ست الدكتورة.
سارة(بمزاح): لا اتفضل ايه.. تعالي في حضني كدة تعالي ده انتي وحشاني اوي..

قالتها سارة بمرح حتى توضح أنها تحتاجها أن تمسك يدها و تقودها في طريقها... يالفعل اقتربت فاطمة منها و هي تستغرب كيف افتقدها و هي تقابلها لأول مرة.. في حين فهمها صبري أنها تريد أن تمسك يدها و لكن طلبت ذلك بشكل مستتر منعا للاحراج...

سارة(بعد امسك بيد فاطمة): انتي بقي فاطمة؟؟
فاطمة: ايوة.
سارة(و هما يتحركان نحو الباب): بس قمر يا فاطمة.. ولا اقولك يا بطة..؟؟

ضحكت فاطمة بخجل و لم ترد...

سارة: الله.. ده احنا بنتكسف اهو..

خرجت سارة مع فاطمة و كان حديثهما ذلك تحت نظرات الجميع المندهشة من هذه الطبيبة الضريرة... فمن في مثل حالها و ظروفها لا يبدي كل هذه البشاشة و التفاؤل.. التفت لهم صبري و بدأ الحديث...

صبري: ها ... انا سامعكم.. اتفضلو اسألوا..
عاصم(بلهجة صعيدية عصبية): نسأل ايه و نقول ايه يا خال.. يعني انت بقالك يجي ٦ اشهر من ساعة ما هدى رجعت البيت و انت عمال تقولنا عندي دكتورة عبقرية و اللي هاتجيب من الاخر و ماعرفش ايه.. و في الاخر تجيبلنا دي.. عامية يا خال.. عامية؟؟
صبري(بحدة): عاصم الزم حدودك و ماتتكلمش عنها كدة تاني.. فاهم؟؟
عاصم: و ليه بقي؟؟ مش هي دي الحقيقة؟؟
صبري(بتهكم ليعلمه درسا): طيب ما انت كمان اختك مشلولة.
عاصم(بحد. و عصبية شديدة): يا خال..
صبري(بهدوء): ايه.. اتعصبت ليه.. وجعتك الكلمة اوي.. مع ان دي برضه حقيقة..
عاصم: و انت بتقارن ما بين اختي و بين دي.
صبري: و مالها دي.. دي دكتورة اد الدنيا... و...
عاصم(مقاطعا): و عامية.
عبد الرحمن(بحدة): عاصم.. عيب اكدة.. مايصحش.
عاصم(وقف بغضب): يعني مانتش شايف يابوي.. بيشبه اختي بواحدة مانعرفاش.. لا و الدكتورة اللي طالعلي بيها السما طلعت عامية.
عبد الرحمن: عاصم.. قولتلك عيب.. من ميته احنا بنهينو الناس في بيتنا؟؟
(نظر لصبري)لامواخذة يا داكتور صبري.. معلش حقك عليا.. بس بصراحة انت عارف هدى تبجي عندينا كلنا ايه.. و عارف احنا جلجانين عليها كد ايه.. و الدكتورة اللي انت جايبها يعني ماتأخذنيش.. عايزة اللي يساعدها.
صبري(بتفهم): فاهم يا حاج عبد الرحمن.. و مقدر و انت كمان عارف ان هدى تبقي بنت اختي يعني زي نهى بنتي و إني مستحيل اضرها ولا اعمل حاجة مش في مصلحتها..
انا لو مش واثق في سارة زي ما انا واثق في نفسي تمام عمري ما كنت رشحتها ابدا أنها تتابع حالة هدى.. و اللي شجعني على كدة مش بس عشان هي دكتورة كويسة.. لا كمان عشان هما بنات زي بعض و تقريبا ظروفهم زي بعض..
هنية(باستفهام): ظروفهم زي بعض كيف يعني؟؟
صبري(موضحاً): سارة كمان اتعرضت لحادثة.. و الحادثة دي كانت سبب في عماها و انفصالها عن الشخص اللي حبته.. بس سارة قدرت تتخطاه و قدرت تنساه و تكمل حياتها..
و علي فكرة هي ماعملتش الموضوع ده لوحدها.. سارة كمان خضعت لعلاج نفسي مكثف عشان تقدر تقف علي رجليها تاني .
عاصم(بتهكم و بعد أن جلس ثانيةً): هه.. كمان كانت بتتعالج زيها.. يا زين ماخترت يا خال.
عبد الرحمن: عاصم.. جولتلك اسكت.. كمل يا صبري.

صبري(نظر لعاصم يضيقن و تأفف و لم يعلق): تشابه ظروفهم ده هو اكتر حاجة مشجعاني اني اتمسك باختياري لسارة.. و لو انتو شاكين اني مش هاختار احسن حاجة لهدى .. دي تبقي حاجة تانية بقي.

هنية: لا ياخوي.. لا.. بس احنا اتاخدنا شوية.. يعني دي في حالتها دي محتاجة مساعدة و عايزة حد يبقي ملازمها .. يبقي هاتساعد هدى ازاي بس؟؟
صبري(بتفهم): مين قالك كدة.. سارة مستقلة جدا.. و لأنها عايشة لوحدها فهي متعودة تعمل كل حاجة تقريبا لوحدها..
عبد الرحمن(بدهشة): واه يا صبري.. انت جايب لبتي واحدة عايشة وحديهى تعالچها؟؟ و يا عالم بقي...
صبري(مقاطعاً): قبل ما تكمل يا حاج عبد الرحمن.. سارة اخلاقها و سلوكها ماحدش يقدر يقول عليهم ربع كلمة .. و انا لو كنت شاكك فيها و لو ١٪ عمري ما كنت هاجيبها تعالج بنت اختي ولا كنت دخلتها بيت من بيوت العيلة ولا كنت عينتها عندي في المستشفى من أصله.. ولا انتو مش واثقين في اختياري.

نظر ثلاثتهم لبعضهم و بعد قليل رد الحاج عبد الرحمن...

عبد الرحمن: خلاص يا صبري .. طالما انت مالي يدك منيها اكدة.. يبقي علي خيرة الله.. و ربنا يجعل علي يدها الشفا.
صبري: تمام.. يبقى تجهزولنا الغدا و نتكلمو و احنا بناكلو.. و اني هاطلع اجيب سارة.
عبد الرحمن: بيتك و مطرحك يا صبري... قومي يا هنية جهزيلنا الوكل.

انصرفت هنية إلى المطبخ لمتابعة تجهيز الطعام و اتجه صبري للتحدث مع سارة.. أما الحج عبد الرحمن توجه لإبنه عاصم بحديث قد قرر أن يكون معاتباً لازعاً... نظر له فوجده شارداً قليلاً... هتف بإسمه حتي يسترعي انتباهه ...

عبد الرحمن: عاصم.. يا عاصم.
عاصم(بعد أن انتبه له): ها.. خير يابوي.. عاتكلمني؟؟
عبد الرحمن: ايوة عاكلمك و انت مانتاش هنا.. مالك يا عاصم فيك ايه؟؟
عاصم: سلامتك يابوي... اني كويس.
عبد الرحمن: و ايه رأيك في حديت خالك صبري.
عاصم: و الله ما عارف يابوي.. يعني مهما كانت دكتورة كويسة.. بس ماعتشوفش.. هاتتعامل مع هدى كيف دي؟؟ ده غير أنها حتي لو مستقلة زي ما بيقول خالي.. اكيد هاتحتاچ حدي يبقى چنبها طول الوقت.
عبد الرحمن: من الناحية دي اطمن.. اني هاقول لامك تخلي البت فاطمة ماتفارجهاش واصل.. ها... ايه تاني؟؟
عاصم: انت هاتكلمني كده ليه يابوي؟؟
عبد الرحمن: عايز اعرف في عندك اعتراض علي حاجة تاني غير أنها هاتحتاج مساعدة عشان ظروفها؟؟ ولا ليك رأي في اخلاجها ولا سلوكها؟؟
عاصم: و اني كنت اعرف اخلاجها ولا سلوكها منين يعني يابوي؟؟
عبد الرحمن: يبقي نشوف اللي باعتهالنا.. خالك صبري.. بتوثج فيه ولا لا؟؟
عاصم(تنهد بتعب و حيرة): ايوة يابوي .. واثج فيه.
عبد الرحمن: يبقي توثج فيها هي كمان.. و هو عايقول أنها شاطرة جوي.
عبد الرحمن: انت تقصد ايه يابوي بكل حديتك ده؟؟
عبد الرحمن: أقصد أن البنية في بيتنا ماينفعش نهينوها خصوصا اننا ماشوفناش منيها حاجة عفشة.. دي من ساعة ما چات عمالة تشرح و تفسر في حالتها و مازعلتش لما لقيتها كلنا انصدمنا أكده.
نعاملها بالحسنة لحد ما نشوف ميتها ايه.. صوح يا ولدي..
عاصم: صوح يابوي.. صوح.
عبد الرحمن: طيب ياللا جوم شوف الحاجة خلصت الوكل ولا لسة و اطلع نادم عليهم من برة.. ولا ابعتلهم حد.
عاصم: حاضر يابوي.

ترك عاصم مجلس والده ليستدعي صبري و سارة للغداء.. و لكنه توقف ليستمع لحديثهما معا عندما وجد فاطمة تتركهما وحديهما...

أما بالخارج....
اتجه صبري خارجا ليجد سارة تجلس على إحدي الارائك البلدية القديمة و تجلس فاطمة تحت قدميها يلهوان بالحديث و الضحكات العالية..
فعندما خرجا معا لم ترد سارة أن تحبس نفسها بالسيارة فورا ففضلت أن تجلس بحديقة السرايا تستمتع بالهواء النقي التي لا تجده في المدينة وسط أجوائها الملوثة و ضوضائها المزعجة...

سارة: ههههههههه.. يخرب عقلك يا بطوط.. دة انتي طلعتي حكاية.. ههههههههه
فاطمة (بخجل): دة انتي اللي زي العسل يا ست سارة.. و النبي انا جلبي انفتحلك من ساعة ماشوفتك..
سارة: دة انتي اللي زي السكر يا بطوط... انا هاقولك بطوط بعد كدة ماشي؟؟

وصل إليهما صبري و سعد جداً عندما رآي سارة تبتسم مع فاطمة..

صبري: الله الله.. ده ايه الضحك دة كله.. طيب قولولي كنت اجيلكم اضحك معاكم شوية.
سارة(ضحكت بمرح): اتفضل يا دكتور صبري الضحك لسة في أوله.
صبري: طيب روحي انتي يا فاطمة ساعدي ستك هنية في الغدا.
فاطمة: حاضر .
سارة: ايه ده.. لا الضحك من غير بطوط ماينفعش.
صبري: معلش انا هاكمل معاكي ضحك.

ذهبت فاطمة إلى داخل السرايا و جلس صبري بجانب سارة فبادرته هي بالسؤال....

سارة: ها.. وافقوا ولا هاتاخدني معاك مصر تاني؟؟
صبري: لا يا ستي وافقوا و بصمو بالعشرة كمان.
سارة: كويس.. بس بصراحة أنا ليا عتاب عند حضرتك يا دكتور صبري.. انت ازاي ماتقولهمش معلومة زي دي عني.. ازاي ماتقولهومش أن الدكتورة اللي هاتعالج بنتهم مش بتشوف؟؟
صبري: و هي دي حاجة فارقة معاكي يعني يا سارة..
سارة: مش فارقة معايا انا لكن واضح انها فرقت معاهم هما.. و بعدين كل اهالي المرضى بيشوفوني و بيعترضو و مش كلهم بيوافقو عليا.. شوف كام حالة رفضت اني اشتغل معاهم بسبب موضوع عنيا ده.
صبري: و شوفي كمان كام حالة وافقت و ربنا كتبلهم الشفا علي ايديكي..
سارة: بس حضرتك كان لازم تقولهم.
صبري: لا ماكنش لازم و بطلي رغي بقي و قومي عشان نتغدي...
اه صحيح.. هو الكرافان بتاعك هايوصل امتي..
سارة: يعني.. علي وصول.. الاسطى فوزي لسة مكلمني وقال أنه دخل البلد خلاص .
صبري: ياااه.. ده انتي كنتي واثقة انهم هايوافقو يعني.
سارة: طبعا.. إصرار حضرتك عليا ادني ثقة انك هاتقدر تقنعهم ..
صبري: و لو ما كنتش قدرت إقنعهم.. كان هايبقى ايه الوضع.
سارة(بإصرار): كنت هاقنعهم انا..
صبري: و ليه بقي الإصرار ده كله؟؟
سارة: عشان حالة هدى حالة خاصة بالنسبة لي.. يعني يمكن عشان اول مرة اقابل حالتها دي..(بتردد) و يمكن عشان.. عشان حالتها شبه حالتي شوية.
صبري(هز رأسه بتفهم): طيب تمام.. ياللا نتغدى عبال ما عم فوزي يوصل بالكرافان.

دخل كلاهما الي داخل السرايا و كانت سارة مرتكزة الي يد صبري و ما أن وصلا الي غرفة الطعام انتبه لهما الجميع و خاصة عاصم..

صبري: اتأخرنا عليكو؟؟
عبد الرحمن: لا يا صبري ما اتاخرتوش ولا حاجة.

اجلسها صبري اولا ثم جلس بجوارها بجانب الحاجة هنية فكانت سارة تتوسطهما.. و في الجهة المقابلة جلس عاصم أمامها ... يراقبها و يتفحص كل ما يخصها..

هنية(بترحاب): يا مرحب يا مرحب.. السرايا نورت بيكي والله.
سارة: منورة بأهلها.
هنية: تعيشي يا بتي.. جوليلي بجى.. تحبي أكلك ايه..
سارة: تأكليني؟؟ لا انا اتفطمت من فترة قريبة كدة و بعرف اكل لوحدي..
هنية(بحرج): يووه.. مش قصدي والله.. قصدي يعني....
سارة(قاطعتها): فاهمة قصدك يا حاجة هنية.. انا بهزر معاكي.. بصي يا ستي انتي حطيلي صنف واحد او اتنين بالكتير..
هنية: ليه بقي؟؟ انتي مكسوفة منينا ولا ايه.. ولا يكونش وكل الصعايدة مايعجبكيش..؟؟
سارة: لا طبعا لا ده ولا ده.. انا لو اتكسفت يبقى هاموت من الجوع.. و بالنسبة لاكل الصعايدة فأنا بحب كل حاجة فيه ماعدا أنه بيبقى دسم جدا.. و على فكرة أنا مامتي صعيدية جدا و اكلها كله من الصعيد فأنا متعودة عليه ...
بس انا بحط في طبقي صنف واحد او اتنين بس عشان ماعكش الدنيا.. انا باكل صنف صنف.. يعني حطيلي حاجة ولما تخلص تحطيلي غيرها و هكذا.. و غالبا انا بشبع بعد تاني صنف.. ايه ده(و بدأت تشمشم بأنفها) ايه ده.. استني كدة.. محشي ده صح؟
صبري: ايوة يا ستي.. و بكل أنواعه... و انتي بقى مادوقتيش محشي ام عاصم لا يعلى عليه.
سارة(بمكر): فعلا.. طيب هو ولا محشي المدام..
صبري: يا بنت انتي مش هاتبطلي مقالبك دي.. بقى بتوقعيني.. والله انا اصلا ما عارف هي مراتي دي بتحبك كدة ليه..
تصورو تقوم الصبح من النجمة تحضر فطار للأستاذة سارة و انا ماتعبرنيش بكيس مخلل حتي...

ضحك الجميع ماعدا عاصم الذي كان مازال يراقب سارة بتمعن...

سارة: طيب نشهد الناس الحلوة دي.. انا بنت وحدانية و غلبانة و مكسورة الجناح.. صعبت علي الست بتعملي فطار.. إنما حضرتك تقدر تقول لاي حد يجيبلك فطار هايجيبلك... إنما أنا يا حسرة عليا.. غلبانة.
صبري(بدهشة): انتي.. انتي غلبانة أنتي...
سارة: نتصل بالمدام نسألها.
صبري(بتراجع): لا و على ايه.. غلبانة يا ستي و مسكينة كمان ارتاحتي..؟؟
سارة(و هي تضحك بشدة): ههههههههه.. اه.. جدا.
صحيح هي هدى فين؟؟ مش هاتتغدى معانا ولا ايه؟؟
هنية: هدى يا حبة عيني ماعتخرجش من اوضتها واصل.. قاعدة فيها طول اليوم.. و الوكل بتاكله بالمحايلة هو و الدوا.. مايقدرش عليها غير عاصم اخوها..
سارة: طيب ما تجيبها يا استاذ عاصم تتغدي معانا.
عاصم: لا مش وقته...
سارة: ليه؟
عاصم: عشان هدى ماعاتاكولش مع حد غريب.
عبد الرحمن(بتحذير): عاصم.
سارة(بثبات و ثقة): ماحصلش حاجة يا حاج عبد الرحمن... استاذ عاصم عنده حق.. و كدة كدة هانتكلم بعد الغدا في بروتوكول العلاج..
ها يا حاجة هنية.. مش هاتدوقيني المحشي بتاعك ولا ايه..
هنية: بس اكدة من عنيا..

وضعت أمامها بعض أصابع "المحشي" و بدأت سارة بالاكل.. فمسكت الشوكة و السكينة الموضوعين بجانب الطبق و بدأت تأكل بكل هدوء و هي تتلذذ بطعم الطعام و تشكر هنية علي طعامها اللذيذ.
و لكن ما لفت نظر الجميع و خاصة عاصم هو طريقة اكلها... فكانت تأكل بهدوء و رقة و دون أن توقع اي طعام من الطبق.. فقد توقع عاصم أنها سوف تأكل بشكل فوضوي.. و أنها سوف ترتبك و تحتاج المساعدة..
و لكن على العكس تماما فقد كانت متمكنة تماما من كل حركاتها.. مما أثار اندهاش الجميع.

انتهي الغداء بسلام و جلس الجميع بغرفة الصالون يتناولون القهوة و بعض المشروبات الاخرى.. و بدأت سارة بالحديث..

سارة: تسلم ايدك يا حاجة هنية ولا تحبي اقولك يا ماما الحاجة؟؟
هنية(بسعادة): حلوة ماما الحاجة دي..
سارة: خلاص يا ماما حاجة.. تسلم ايدك علي الاكل الجميل ده.
هنية: الف هنا و شفا..
صبري: ها يا سارة.. قررتي هاتعملي ايه مع هدى..؟؟
سارة: لا طبعا.. حضرتك عارف اني لازم اشوف هدى الاول.. بس اول و اهم حاجة أن لازم كل الموجودين يسمعو كلامي.
عاصم(بحدة): ايه.. عايزة تمشي كلامك علينا ولا ايه؟؟
سارة: العفو طبعا.. انا اقصد انكم اسمعو كلامي في بروتوكول العلاج.. كمان انا الدكتورة اللي هاتعالجها و المفروض أن كل اللي يهمهم حالة هدى لازم يتعاونو معايا عشان خاطرها.. ولا ايه.
صبري: قصدك ايه يا سارة.
سارة(بثبات): قصدي إن اللي حصل علي الغدا النهاردة مش صح و مش مقبول.
عاصم: و هو ايه اللي حصل علي الغدا بقى؟؟
سارة: لما طلبت من سيادتك تجيب هدي عشان تتغدى معانا و حضرتك رفضت.. كان مفروض تسمع كلامي.
عاصم(بغضب و دهشة): اسمع كلامك؟؟
سارة: ايوة.. و بعدين حكاية أن هدى طول الوقت قاعدة في اوضتها دي غلط.. لازم تخرج من وحدتها و لازم علي الاقل تاكل معاكم.. انتو ازاي سايبينها كدة.
عبد الرحمن: احنا سايبينها براحتها..
سارة: امال جايبيني ليه طالما انتو عايزين تسيبوها براحتها.
عبد الرحمن: يعني ايه؟؟
سارة(بتوضيح): يعني هدى مرتاحة كدة في عزلتها دي... و ده طبعا غلط.. هي لازم تخرج من اوضتها عشان تواجه الدنيا تاني..
و ده مش هيحصل بسهولة.. لازم يكون في شوية حزم و شوية غصبانية.. لان لو سيبناها براحتها مش هاتخرج من حالتها دي أبدا.
عاصم: دكتور من اللي كانو قبلك قال أكده.. و غصب عليها جاب لها انهيار عصبي.. عايزة نجيبلها انهيار عصبي تاني ولا ايه؟؟
سارة: يبقي اكيد اتصرف غلط.. انا هاخلي هدي تخرج من عزلتها بس بمزاجها بتوجيه مني.. بس لازم انتو كمان تساعدوني.
هنية: احنا هنعمل اللي هاتجولي عليه..
سارة: كلكم؟؟
عبد الرحمن: ايوة طبعا.. كلنا.
سارة: و استاذ عاصم؟؟
عاصم(بتأفف): ماله عاصم؟؟
سارة: حضرتك لازم كمان توافق و تساعدني في مهمتي.. العلاج النفسي دايما بيبقى مشترك ما بين الطبيب المعالج و أهل المريض.. لان الطبيب بعد انتهاء مرحلة العلاج مش هيبقى عايش مع المريض طول عمره أهله اللي هايعيشو معاه.. فلازم يتعاونو مع الدكتور عشان يقدرو يساعدو المريض..
عاصم: ولازمتها ايه المحاضرة دي كلها؟
سارة: لازمتها أن حضرتك بالذات لازم تكون موافق علي وجودي هنا و موافق انك تساعدني.
عاصم: و اشمعنى انا اللي لازم يعني؟؟
سارة: عشان من كلام د/صبري و الحاجة هنية علي الغدا انت تعتبر أقرب واحد لهدى و هي اكيد بتثق فيك جدا.. فلو انت رافضني أو ثقتك فيا مش كبيرة و اللي واضح جدا طبعا انها مش موجودة أصلا خالص فوجودي هنا مالوش لازمة.. لان هدى هاترفضني زيك بالظبط.. سؤالي بقي هل انت بتثق فيا...
و طبعا الإجابة واضحة.. لاء.. بس لازم تديني فرصة.. اديني فرصة اثبت نفسي ليك و لو ماقتنعتش سهلة.. هامشي.
ها يا استاذ عاصم.. موافق تديني فرص؟؟

صمت عاصم قليلا يفكر و لم تحد عينيه عنها.. فظل يتأمل وجهها و شعرها و عيونها الخاطفة برغم انها لا ترى ..
لم يكن يحتاج الوقت للتفكير فهو يثق في خاله صبري و يعلم كم يهتم بحالة أخته و كم يحبها و أنه لن يرشح لهم سارة إلا لأنها طبيبة متميزة و متمكنة.. و لكن ما يثير خوفه و قلقه هو شيئاً آخر لا يعلمه..
فوجد نفسه يرد بدون وعي.....

عاصم: موافق.
سارة: تمام.. يبقى اتفقنا.

ثم دخل أحد الغفر و يدعي حسان ليبلغ عاصم بوصول من يسأل علي سارة...

حسان: سي عاصم بيه.
عاصم: ايوه.
حسان: في واحد اسمه فوزي واقف برة و بيسأل علي ست الدكتورة.. و معاه اتوبيس كبير جوي.
سارة: ايوة ايوة.. ممكن يا... اسمك ايه؟؟
حسان: خدامك حسان يا ست هانم.
سارة: ممكن يا حسان تساعده يوصل الكرافان.. قصدي الاتوبيس بحنفية مية و بلاعة..
حسان: ها.. مافهمش.
سارة: طيب ممكن يا حسان تروح لعم فوزي و تساعده في اللي هايقولك عليه.

نظر حسان لسيده ينتظر منه الاذن فسأل عاصم اولا..

عاصم: ممكن نفهم احنا لاول.. مين فوزي و إيه الاتوبيس اللي معاه دة..
سارة: آه طبعا.. انا أصلي جايبة معايا كرافان.. بيت متحرك كدة عشان اعيش فيه.
هنية: بيت بيتحرك كيف يعني؟؟
عاصم: ليه... و حد قالك أن ماحداناش اوض تجعدي فيها..
عبد الرحمن: هو في ايه يا عاصم يا ولدي.. و إيه الكرا.. الكرا ايه اللي عاتجول عليه ده؟؟
صبرى: ده بيت يا حاج.. بيت متنقل.. زي الاتوبيس كدة يا ام عاصم بيبقى مجهز من جوا للسكن.. فيه سرير و كرسيين و ترابيزة صغيرة و مطبخ صغير و حمام.. عشان الناس اللي بتسافر كتير يعني..
هنية: يادي العيبة ازاي بجى اكدة.. يبقي بيت الحاج عبد الرحمن مفتوح و تجيبي الكرا... البتاع ده؟؟
سارة: يا جماعة ماتكبروش الموضوع.. انا بالنسبة لي هابقى مرتاحة.. و بعدين واضح أن البيت هنا كبير ما شاء الله.. و هيبقى صعب عليا احفظه.
هنية: تحفظيه.. تحفظيه يعني ايه.
صبري: سارة لازم تبقى عارفة المكان اللي هي بتتحرك فيه عشان مايحصلهاش اي حادثة و فعلا البيت كبير أنها تحفظ كل اللي فيه من سلالم و كراسي و عفش و اوض.. كدة احسن.
عاصم: يعني ماهتدخليش السرايا واصل انتي؟؟
سارة: لا طبعا.. هادخل.. بس انا أخري الصالة هنا و اوضة هدى بس و دول سهلين عليا.. إنما صعب اني اعيش هنا و يبقي مطلوب مني اطلع اوضتي أو اتحرك ناحية الحمام أو المطبخ و كدة.. ممكن بقي حسان يروح لعم فوزي يركبولي الكرافان.
عاصم: روح يا حسان و شوف عم فوزي ده عايز ايه و اعمله معاه.. ماتسيبوش الا أما يخلص اللي هو عايزه.
حسان: أوامرك يا بيه.

سارة: طيب انا عايزة اشوف هدى لو سمحتو؟؟
هنية: ايوة طبعا.. اتفضلي معايا.
سارة: لا معلش.. ممكن تجيبوها هي هنا.
صبري: ليه؟؟ المفروض أول لقاء بينكم تكونو لوحدكم.
سارة: بس انا شايفة أنه مش هينفع.. هدى عدى عليها دكاترة كتير و زهقت منهم.. فلو حست أن انا جايالها مخصوص و مش ورايا غيرها ممكن اوي تعند معايا و ماترضاش بيا.
لكن لو حست أن انا مثلا صديقة البيت هنا مش مجرد دكتورة اعتقد ده تأثيره هايبقى افضل.. خصوصا لما تشوف أن البيت كله مرحب بيا.. خصوصا استاذ عاصم زي ما قلت من شوية.
هنية: بس ماعاترضاش تخرج.
سارة: بسيطة .. خلي الوحيد اللي بيقدر عليها يخرجها..

نظر الجميع نحو عاصم الذي أطلق تنهيدة قلقة و وقف ليذهب ليحضر أخته دون حديث..

يا ترى سارة هاتعمل ايه مع هدى في اول لقاء بينهم....
و ازاي هدى هاتتقبل وجودها..
و هل هاتقبل بيها أصلا ولا لا....
و ياترى سارة هاتيأس ولا هاتصر و تنجح في اللي فشل فيه غيرها....


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close