رواية مزيج العشق الفصل التاسع والثلاثون 39 بقلم نورهان محسن
الفصل التاسع و الثلاثون
كان عشقه بركانًا كامنًا في نقطة بعيدة ، مختبئًا بين ثنايا قلبها ، دون إدراك منها اندلعت الحمم بداخلها لتذيب الثلج الذي غلف قلبها ، حيث أنها كانت علي شفير الهلاك حتى أحاطت بها حرارة عشقه الناري ، ليعيد لها حياتها ويضخ الدماء في وتينها مرة أخرى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صباحا في منزل مالك البارون
وقف مالك أمام التسريحة ، ناظرًا في المرآة ، وهو يمشط شعره بينما يدندن أغنية بروقان بصوته العذب : يا جميل يا اللي هنا ما بقينا لوحدنا يا جميل يا جميل
تسللت يسر إلى الحجرة بخفة ، ووقفت وراءه ، وهي تضع كلتا يديها علي خصرها ، قائلة في غضب مصطنع : بتغني لمين وانت غزالتك رايقة كدا يا سي مالك؟
ضحك مالك بمرح ، وهو ينظر إليها من خلال المرآة ، وقال بغمزة : هو انا عندي غيرك انت يا جميل في حياتي
ضيقت يسر عينيها ، ثم أدارت جسده في مواجهتها ، قائلة برقة مفرطة : هممم انا كمان بقول كدا
رفعت يدها وبدأت تصلح ربطة عنقه ، و أردفت بدلال ، وهي ناظرة إليه بعيون متسعة ببراءة : ميكي حبيبي
علق مالك نظراته في السقف ، وقال بارتياب : طالما فيها ميكي و علي الصبح كدا .. يبقي وراها حاجة استرها من عندك يارب
وكزته يسر برفق في كتفه ، وقالت بعتاب ، بينما تقوس شفتيها للأسفل : اخس عليك يا مالك
قبل مالك خدها بحب. ثم أشار إليه بإصبعه ، وهو ينذرها : بهزر معاكي يا قلبي أأمريني .. بس بسرعة انا متأخر علي الشغل وابنك عنده حضانه
تنحنحت يسر قائلة بصوت منخفض : أحم كنت عايزاك تجيبلي حاجة معاك وانت راجع من الشغل
نظر مالك في المرآة ، وهو يعدل ملابسه ، رافعًا حاجبيه ، ليقول بملل : حاجة ايه دي ما تتكلمي علي طول يا يسر بلاش مقدماتك الطويلة دي
فركت يسر فروة شعرها بتوتر خفيف ، ثم إستجمعت شجاعتها ، ونطقت بسرعة : انا عايزة رنجة
التفت مالك إليها بسرعة ، وعيناه جحظت بصدمة ، وهتف بدون وعي و إستنكار : نعم يا اختي عيدي تاني كدا
إنتفضت يسر من صراخه عليها ، قائلة في ذعر ، بينما تجمع قبضتيها معا علي صدرها : خضتيتي ما براحة بقولك عايزة رنجة .. ايه جريمة دي
تشدق صدغ مالك بسخرية ، ثم سألها بصوت لاذع : من امتي وانتي بتاكلي الحاجات دي يا هانم
رفعت يسر كتفها ، وقالت دون أن تهتم باستهزائه بها : نفسي راحتلها .. مفيهاش حاجة لو جربتها .. ريحتها مش بتفارق مناخيري من كام يوم
ابتسم مالك بإيماءة صغيرة ، وقال بشك مليء بالفرح : الله الله انتي بتتوحمي يا سوسو
فتحت فاهها بصدمة ، وتفوهت ببلاهة : ها .. بلاش سخافة يا مالك .. وحم ايه دلوقتي
أمسكها مالك من كتفيها ، وهو يردد مجددا بحماس : لا انتي بتتوحمي انا متأكد
أسدلت يسر عينيها للأسفل ، وظلت تحسب الأمر في ذهنها لبعض الوقت ، تتخبط أفكارها دون أن تصل إلى أي شيء ، ثم نظرت إليه وقالت بحيرة : تصدق مش عارفه بس حاليا ضروري تجيبهالي و انت جاي
قال مالك بسرعة ، وهو يمشي بها إلى خزانة الملابس : ماشي هجيبلك اللي انتي عايزاه بس تعالي البسي عشان نروح للدكتور
توقفت يُسر ، وإستدارت إليه بكامل جسدها ، قائلة بدهشة من إلحاحه : مالك يا حبيبي انت اتجننت دكتور ايه .. انت وراك شغل و انا عايزة اروح لكارمن عشان اخد منها الكتاب
برزت عيناه ، وقال بلهفة ، وهو يربط الأشياء معًا في ذهنه : اهو الكتاب دا اكبر دليل ان كلامي مظبوط .. انتي بقالك فترة زنانه ومتغيرة عماله تزني علي البت تجيبهولك بقالك اسبوعين ومش طايقه نفسك ولا طايقاني
أشارت يسر إلى نفسها بغباء وقالت : معقولة انا بقيت كدا بجد
تنهد مالك بسأم من اعتراضاتها الكثيرة ، وقال بسرعة : مش وقته الكلام دا يلا البسي خلينا ننزل بسرعة يا حبيبتي
ربَّتت يُسر على ذراعه ، وقالت بتريث : اهدا يا قلبي واسمعني ياسين مستنيك عشان تاخده الحضانه لما ترجعه من الحضانه نوديه عند ماما و نروح للدكتور بليل في الروقان
قلب هذا الكلام في رأسه ، ثم أومأ إليها بالموافقة ، وقال بتحذير : خلاص موافق بس بشرط تاخدي بالك من نفسك و ماتنزليش .. اتصلي حالا بكارمن خليها تجيب الكتاب علي الشركة و انا هعدي اخده منها
قبلته يسر على خده بلطف ، وقالت بإبتسامة متسعة مظهرة أسنانها البيضاء : حبيب قلبي انت حاضر
★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••
في قصر البارون
داخل جناح ادهم
رن الهاتف الخلوي فوق السرير ، بينما كارمن كانت تقف أمام المرآة وهي تعدل مكياجها ، ليقطع رنين الهاتف إندماجها فذهبت إليه لالتقاطه ، وتنهدت بقلة حيلة عندما وجدت اسم يسّر مضاءً على الشاشة.
ألقت نظرة خاطفة على الحمام الذي دخله أدهم للتو ، ثم أجابت بهدوء : الو
هتفت يسر بمرح ، بينما تقف وراء النافذة تنظر إلى زوجها ، وهو يسير نحو سيارته وفي يده ياسين : صباح القشطة يا قلبي
ابتسمت كارمن ، وقالت بنبرة رقيقة : صباح الورد يا ياسو عاملة ايه
يسر بتنهيدة عميقة : فل الحمدلله و انتي طمنيني عليكي
جلست كارمن أمام الطاولة تمشط شعرها ناظرة إلى المرأة ، وقالت بلطف : يارب دايما انا تمام والله
همهمت يسر بتساءل : فينك كدا
كارمن بعدم إكتراث : ابدا لبست و نزلين علي الشركة
عقدت يسر حاجبيها قائلة بإستفهام : نزلين انتي و مين
لوت كارمن شفتيها ، وأجابت بسخرية : انا و ادهم يا تايهة
توجهت يسر نحو المطبخ لإعداد كوب قهوة ، بينما تسألها بعدم إستيعاب : هو رجع امتي مش المفروض مسافر
قامت كارمن من مكانها تتحرك في أرجاء الغرفة ، وقالت : لا رجع امبارح بليل
تمتمت يسر بإستغراب : غريبة مالك ماقلش انه جه يعني
كارمن بتنهيدة من كثرة اسئلتها : عشان مالك مايعرفش .. محدش عارف اصلا
ثم أضافت بإبتسامة خبيثة : بقولك ايه ماتقوليش حاجة و خليه يتفاجئ به قدامه في الشركة
ضحكت يسر أيضا بطريقة شريرة ، وأعجبت بتلك الفكرة حيث ستستطيع الانتقام منه لاستهزائه بها منذ قليل : ماشي يا سوسة مش هقول حاجة بس لو عرفتي تصوري الحدث دا ابقي ابعتيهولي
ثم أردفت بسرعة : بس اسمعي صحيح مالك هيعدي عليكي عشان ياخد منك الكتاب خديه معاكي اوعي ماتنسيش
قلبت كارمن عينها للجهة الأخري ، قائلة بملل واضح : يادي الكتاب يا ست الزنانه ماشي عايزة حاجة تانية لازم اقفل متأخرة ارحميني من رغيك شوية
قهقهت يسر بصخب ، وبدأت تصدق حديث مالك عن أسلوبها مؤخرًا : لا يا حضرت المهمه هانم روحي والقلب دعيلك و ابقي كلميني بليل
قالت كارمن بضحكة عالية : اوك يلا باي
يسر بإبتسامة مشرقة : مع السلامة
التفتت كارمن إلى زوجها بعد انتهاء مكالمتها ، وتشمله بإلقاء نظرة فاحصة من الرأس إلى أخمص القدمين ، قائلة بإعجاب صريح بجسده المعضل داخل بدلته الرسمية الأنيقة : قلبي لا ماقدرش علي الشياكة الفتاكة دي كلها
ابتسم أدهم بلطف علي تغزلها الرقيق به ، وهو يقترب منها قائلاً بصوت رخيم هادئ ، وهو يقبل جبهتها : كلي ليكي يا روحي .. يلا بينا ننزل نشوفهم بيعملو ايه تحت!!
أشارت كارمن بيدها إليه ، وقالت على الفور : حاضر بس لحظة واحدة حبيبي
انتهت من الحصول على الكتاب ، ووضعته في حقيبتها قبل أن تنسى ، ثم أخذت معطف زوجها ومعطفها وسلمته خاصته ، وبعد ذلك تأبطت ذراعه ونزلوا معًا إلى الطابق السفلي.
★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••
بعد قليل في الأسفل
دخل أدهم وكارمن غرفة الطعام حيث كان الجميع جالسين في أماكنهم بهدوء.
كانت أول من رأتهم هي ملك التي كانت تطعم كلبها الصغير بلطف ، لذا ركضت إلى أدهم قائلة بنبرة طفولية سعيدة : بابا
حملها أدهم من الأرض ، وهو ينظر إلى الجميع ، وقال معتذرًا : سامحوني يا جماعة بس السكر دي وحشاني جدا
ضمها بين يديه ، وهو يقبل خدها بشوق لرائحتها اللطيفة ، قائلا بابتسامة عريضة علي شفتيه : يا حبيبة بابا .. انا وحشتك قد ايه
همهمت ملك بكلمات غير مرتبة ، وهي فتحت يديها على مصراعيها وقبلته على خده بلطف ، لكن ملامحها عبست فجأة.
تساءل ادهم بعدم إدراك : هي مالها كشرت كدا ليه!!
قالت كارمن بضحكة ، مداعبة خد ابنتها بلطف ، ثم قرصت أنفها برفق ، وهي تبتسم إليها بحنان ، لتقول بشقاوة : ذقنك يا بابا طويلة شوكتها
ضحك ادهم ، وهو يومئ بتفاهم ، قائلا بحنو : معلش يا روحي عشانك انتي بس يا ام عيون تجنن هخفها
واصل حديثه بصوت منخفض بالقرب من أذن كارمن : وعشان عيون امك كمان
ابتسمت كارمن بخجل ثم أومأت برأسها ، وهي تبتعد عنه متجهة نحو طاولة الطعام.
أنزل أدهم الصغيرة إلى الأرض ، لتجري خلف كلبها الصغير ، وقد نست ما حدث منذ دقيقة ، ثم هتف ادهم بمرح : يا صباح الفل علي الحلوين
قالت ليلي بفرح لرؤيته أمامها ، وهو يبدو سعيدا : صباح الورد يا حبيبي حمدلله علي سلامتك
بينما ابتسمت مريم بإتساع ، وهي تصافحه بمحبة : نورت بيتك يا بني وحشتنا والله
بعد أن رد على تحياتها بأدب وود ، ذهب أدهم إلى ليلي واحتضنها بشوق كبير ، ثم انحنى وقبّل يدها ثم جبهتها ، قائلاً بابتسامة جذابة : وحشني حضنك جدا يا ست الكل طمنيني صحتك عاملة ايه؟؟
جلست كارمن أمام كرسي والدتها من الجانب الآخر للطاولة ، قائلة بابتسامة رقيقة مشرقة ، وعيناها تشعان بالسرور : صباحك هنا يا مامتي
قالت مريم بحبور : صباح الورد يا نن عين امك
كانت والدتها سعيدة للغاية بتألق عينيها ، وابتسامتها التي تذبلت على شفتيها منذ سفر أدهم ، وحتى وجبة الإفطار لم تتناولها معهم منذ فترة طويلة ، وكانت تذهب مباشرة إلى الشركة أثناء غياب زوجها.
دخلت نادين الغرفة برشاقة في ذلك الوقت ، لكنها توقفت فجأة عندما رأته أمام عيناها يصافح والدته.
تضاربت الأفكار في ذهنها بحيرة ، متي وصل من سفره ، ثم إرتسمت ابتسامة خبيثة على شفتيها ، وهي ترى ابتسامة كارمن السعيدة ، و سرعان ما اندفعت إليه بسرعة ، متظاهرة باللهفة : حبيبي ادهم
تفاجأ أدهم بمن إرتمت عليه وعانقته ، ثم تمسكت برقبته ، وقبلت خديه ، وهي تردد بدلال أنثوي مقصود : وحشتني موت .. حمدلله علي سلامتك يا روحي
اشتعلت عينا كارمن بلهيب أزرق ناريّا كاد أن يحرق نادين في ظهرها.
أما بالنسبة له ، فلم يشعر جسده بأي شعور يذكر عندما اقتربت منه نادين بهذه الطريقة ، وكأنها لا شيء على الإطلاق ، على عكس كارمن التي بلمسة بسيطة منها جعلته يشعر بتيار كهربائي في جميع أنحاء جسده ، ثم تمتم ببرود : الله يسلمك يا نادين
أنزل ذراعيها اللتين تلتف حول رقبته مثل الحية التي تلتف حول فريستها ، وهو يتنهد مما فعلته ، فهذا الأمر الآن بالطبع سيسبب له مشاكل مع كارمن ، بالتأكيد ستغضب منه الآن.
نظر إلى كارمن التي كانت جالسة تشاهد هذا العرض المسرحي الساخر أمامها دون أي رد فعل يظهر علي ملامحها المقتضبة.
اختفت الابتسامة المشرقة عن شفتيها ، وقد أقتحن وجهها بشدة حيث نجحت تلك المرأة البغيضة حرق أعصابها عندما اقتربت منه ، ولكن كيف لها أن تمنعها ، وهي زوجته في النهاية أيضًا.
جلس أدهم بهدوء بجانبها دون ان ينبس ببنت شفة.
تساءلت ليلي في محاولة لفت انتباه كارمن ، عندما رأت نظراتها النارية إلى نادين : انت رجعت امتي يا ادهم محدش من الخدم شافك و الا كانو بلغوني علي طول
بدأ أدهم بشرب قهوته بعد أن سكبتها كارمن في فنجانه ، ثم قال بعدم إكتراث : جيت بليل يا امي و محبتش ازعج حد طلعت علي جناحي فورا
نطقت ليلى بصوت خفيض ماكر ، وألقت نظرة سريعة على مريم التي فهمت عليها سريعا : قول كدا بقي انك ما صدقت وصلت و روحت طيران علي الناس اللي وحشوك
غصت كارمن أثناء شرب العصير من تلميحات والدته الجريئة ، لكنها سرعان ما ابتسمت بمكر أنثوي ، لأن الكرة أتت إليها ، ولابد من أن تسجل هدفا ذهبيا الآن.
اقتربت كارمن منه بجرأة ، وهي تميل عليه ، ثم وضعت كفها الناعم على خده ، ومسحت آثار قبلات تلك الحرباء بتعمد واضح ، ثم رفعت يدها الأخرى إلى صدره متظاهرة بتعديل رابطة عنقه.
حدقت كارمن في عينيه بإشتياق ، قائلة بنعومة مفرطة يتخللها الغنج : لا يا ماما بالعكس ماتظلميهوش .. انا اللي مسكت فيه امبارح اول ما لاقيته قدامي .. كان وحشني اوي اوي ماقدرتش اقوم من حضنه طول الليل
اختتمت جملتها بقبلة صغيرة بجوار فكه أمام كل الجالسين.
برزت عينا أدهم إلى الأمام ، وهو يحدق فيها بصدمة حقيقية ، لأنه توقع منها كل شيء بعد حركة نادين ، باستثناء هذه التصرفات الجريئة منها أمامهم ، لكنه ابتسم بدهاء من مكرها الذي أسعده وأرضاه كثيرًا ، وهي علمت بذلك جراء عيناه التي إلتمعت بشغف نحوها.
قالت ليلي بابتسامة متلاعبة ، وقد أحببت ما فعلته كارمن : ربنا يسعدكم يا حبيبتي
بينما كانت نادين تجلس بابتسامة سطحية على شفتيها ، تختبئ وراءها قدرًا هائلاً من الكراهية والحقد لكارمن ، التي انتصرت عليها للمرة المائة ، وبدلاً من مكايدتها ، كانت هي