اخر الروايات

رواية لعنة الخطيئة الفصل الرابع والثلاثون 34 بقلم فاطمة احمد

رواية لعنة الخطيئة الفصل الرابع والثلاثون 34 بقلم فاطمة احمد 


الفصل الرابع والثلاثون : عدو متربص.
_________________
أصدرت عجلات السيارة صوتا عاليا وهي تحتك بالأرض وترجّل منها مطالعا التجمع ليهرع داخلا وسطه ومزيحا المتجمعين بيديه حتى قابل المحلَّ وانصدم وهو يراه مخرّبا تماما حيث كان الباب مكسورا حاله حال النوافذ حتى الأغراض بداخله والتي تحصَّل على مثل جودتها بصعوبة وجدها محطمة أيضا.

وقف آدم في منتصف المحل بوجه جامد وعينين مشتَّتين مطالعا تعبه الذي خُرِّب ببساطة ثم استحالت ملامحه للشرِّ الخالص وهو يزفر بقتامة مغمغما :
- ايه اللي حصل بالضبط.

جاء فاروق من خلفه وأجابه باِضطراب :
- البواب قال ان في جماعة طلعتله فجأة وضربوه واغمى عليه، بعدين لما قدر يصحى ع نفسه شويا اتصل بيا فجيت جري ولقيت كل حاجة متكسرة.

- والبواب ده فينه دلوقتي أنا عاوز افهم منه اكتر.

- الرجالة ودته لأقرب مستوصف لأنه كان متأذي اوي بس سألته عن البلطجية وقالي انهم كانوا ملتمين وجم في عربية نقل مفيهاش لوحة أرقام من ورا يعني صعب نعرف هما مين.

لعن آدم بين أنفاسه واستدار له برعونة مزمجرا :
- يعني ايه صعب نعرف هما مين انتو بتهرجو و ازاي ده حصل اصلا فين الحراسة اللي أمرت بيها عشان شوية بلطجية يجم يتهجمو على المحل بسهولة ويمشو ومتعرفوش تتصدولهم ... ودلوقتي بتقولي في وشي انه صعب نوصلهم ايه الجرأة ديه !!

صرخ بوحشية نقلت الرعب في نفوس جميع عماله فطأطأ فاروق رأسه مثقلا بذنب التقصير وتمتم :
- الحق كله عليا وهقبل بأي عقاب بتفرضه حضرتك.

حدّجه آدم بعدم رضا وتزمت حتى أخذ نفسا عميقا وزفره على دفعات مرددا :
- والعقاب هيفيد بـ ايه دلوقتي احنا لازم نعرف مين الـ*** اللي عمل كده ونفكر الاول ازاي نعوض الخساير ديه وبعدين كل واحد منكم هيتحاسب أشد الحساب على تقصيره في شغله.

أومأ بإيجاب ثم حمحم وهتف متوجسا :
- أنا متأكد أنه ابن الشرقاوي اللي عمل كده لأنه بصراحة محدش غيره عايز ينتقم منك بعد آخر مواجهة حصلت ما بينكم.

- وأنا بردو بفكر زيك صفوان اول واحد جه اسمه في بالي بس ...
تلكأ آدم لثوانٍ ونزل على إحدى ركبتيه ليلتقط هراوة ملقية على الأرض ومن الواضح أنها استعملت في تكسير الأغراض ثم أردف باِقتضاب :
- مبقالوش كتير مطرود من المجلس ومتعاقب ازاي هيخاطر دلوقتي وهو بيعرف كويس انه هيبقى المشتبه الوحيد في الحادثة يعني لو اتكشف انه ليه علاقة هيبقى آخر فرصة اداهاله العمدة.

- ممكن رغبة صفوان بالانتقام عمتله عيونه متنساش حضرتك انه فكل مرة بيغلط بسبب تهوره واندفاعه.

نظر له بطرف عينه مفكرا مليًّا في حديثه ووجده مقنعا بطريقة ما لأن لا أحد يُكِنُّ له عداوة بقدر صفوان فنهض واقفا على قدميه وضغط على القداحة هامسا :
- أنا لو روحت قتلته دلوقتي هيبقى عندي حق أكيد بس لازم اكسرله عظمه الأول زي ما هو تجرأ وكسر المحل.

في هذه الأثناء وصل غفير من الخارج ودخل على عجل مرددا بلهاث :
- في حاجة تانية حصلت يا بيه ... النار ولعت في المستودع بتاع صفوان الشرقاوي !

*** وضع يده على رأسه بذهول مُحدِّقا في المراد المحيط في المكان وبقايا الحبوب الناجية من النار التي ألمَّت بمستودع كامل وأحرقت بضاعته ثم استند على الباب بعدم تصديق مبرطما :
- ازاي ... ازاي ده حصل.

لاذ الجميع بالصمت فاِستدار وقبض على مساعده من تلابيب قميصه صائحا :
- ازاي كل ده بيحصل و ليه انتو كنتو فين يا بهايم والمستودع بيتولع فيه انت عارف المصيبة ديه هتكلفني كام ؟!

أخفض الآخر عيناه وتمتم بكلمات مفادها أن الحارس كان في مناوبته كالعادة وفجأة اشتمَّ رائحة حريق في الداخل ولم يكد يطلب المساعدة حتى انتشرت النيران المستعرة ملتهبة ما يأتِ في طريقها دون توقف.
شتمه صفوان بسخط ودفعه عنه وهو يصرخ :
- كل اللي قصر هيتحاسب أنا مش هغفر لأي حد على قلة مسؤوليته بس الأول شوفو الحريق حصل ازاي ولو كان بفعل فاعل ولا لأ مع اني شبه متأكد انها مش حادثة.

ضرب الأرض بقدمه لاعناً وطفق يجول داخل المستودع المتفحم حتى شعر بأنه داس على شيء ما فنظر إلى الأسفل ليجد علبة كبريت مرمية بين الأكياس !
تصاعدت الدماء لوجهه المحتقن واشتعلت عيناه بالغضب الحانق ضاغطا بعنف على العلبة التي بين يديه ليدمدم بخشونة :
- طلعت مدبرة مش مجرد حادثة وأنا بتوقع اني بعرف مين المسؤول.

- حضرتك بتقصد انه آدم الصاوي اللي عملها ؟

- ايوة تماما ... لأنه اللي بيولع في الأرض بتاعتي مرة بيقدر يولع في البضايع كمان بس المرة ديه مش هسكتله ولا هخليه ينفذ بجلده زي اول مرة.

رن هاتفه بغتة برقم مساعد العمدة فأجاب على المكالمة وهو يعلم بأنه اتصل به بعدما وصلته الأخبار ليسمع الطرف الثاني يقول بجدية :
- صفوان بيه ... حضرة العمدة طالبكم في المجلس بتاعه انت و آدم بيه وعايزكم تحضرو بسرعة.

________________

جلس الإثنان مقابل بعضهما البعض كل واحد من جهة وكرسي العمدة يفصل بينهما لكن هذا لم يمنعهما من التواصل البصري الحاد آدم يحدق في صفوان بتوعد وتهديد والآخر يطالعه باِنفعال لم يستطع السيطرة عليه عندما انفجر قائلا :
- يا عمدة حضرتك عرفت باللي حصل وأكيد هوية الجاني واضحة وأنا بتمنى تاخد الاجراءات الازمة وإلا أنا بنفسي هاخد بتاري من ابن الصاوي.

ضرب طرف المقعد بقبضته وتأهب في جلوسه بملامح خشنة مغمغما :
- مين اللي لازم ياخد بتاره من مين بالضبط هو انت هتفضل دايما كده بتقتل القتيل وبتمشي في جنازته ؟!

فتح فمه ليرد عليه لكن العمدة ضرب عصاه على الأرضية بهيبة كي يقاطع جدالهما وزمجر :
- أنا مش ملي عينكم ولا ايه نسيتو نفسكم انتو قاعدين فين ومحدش منكو عاملي اعتبار.

اعتذرا منه واِلتزما الصمت على مضض كاتمين حنقهم ليستطرد هو بجدية :
- الواضح اني لازم احط النقط على الحروف عشان تفهموا كل اللي حصل عشان باين اننا مش هنوصل لنتيجة مادامكموهتفضلو تتهمو فبعض واللي عايز اقوله لكل واحد فيكم انه مش انت الوحيد اللي حصله كده الليلة ديه.

قضب الأول حاجبه باِستغراب وعدم فهم كحال الثاني فتابع العمدة :
- يا آدم زي ما انت اتعرضت لهجوم فـ ابن الشرقاوي كمان المستودع بتاعه اتحرق وانت يا صفوان في بلطجية كسَّرو المحل بتاع ابن الصاوي وضربو الغفير المسؤول عن الحراسة.

- ازاي ده !

- امتى حصل أنا مسمعتش بكده خالص.

ظهرت الدهشة على وجهيهما وتبعها الاستنكار لينطق صفوان :
- أنا مش مصدق أكيد ديه لعبة منه أو هو خطط للهجوم على المحل بتاعه علشان يبعد التهمة من عليه.

- وأنا غبي عشان اضيع فلوسي وتعبي علشانك انت ما ان شاء الله عنك ما عشت مين داري عنك وبعدين أنا ايه اللي يضمنلي انك معملتش نفس اللي بتتهمني بيه دلوقتي ماهو انت متعود تغدر وتلعب من ورا الستارة.

- يعني من كل عقلك هحرق بضاعتي بإيديا عشان محدش يشك فيا ده انا خدت سلفة عشان اجيبها يبقى هولع فيها ازاي يا ابن الصاوي.
برَّر بتجهم ودفاع عن نفسه ثم نظر للعمدة مكملا :
- حضرتك أنا وعدتك قبل كده اني مش هتعامل معاه تاني ومنافستي ليه هتبقى في الشغل بس عشان اخسّره أصلا أنا بعرف كويس اني هكون المتهم الأول في الحكاية علشان كده مستحيل اهجم على المحل بتاعه.

زفر آدم ووافقه الرأي معلقا :
- وأنا كمان مش متعود اعمل الحركات ديه ولا كنت بتمنى اني ارجع اتقابل مع ابن الشرقاوي.

- يعني انتو الاتنين بتقولو انه ملكمهش علاقة بالهجوم مش كده.

- أيوة.

- وده بيعني انه في طرف تالت عايز يوقعكو فبعض أو بيكنلكم عداوة وهدفه يؤذيكم وبعت بلطجية فنفس الليلة تخسركم في مشاريعكم اللي كنتو قايمين عليها.

- بس مين ده وليه ظهر فجأة وايه علاقته بينا احنا الاتنين اصلا.
تساءل صفوان بحيرة مفكرا في مدى صحة هذا التوقع ليردّ عليه آدم باِقتضاب :
- لو في طرف تالت بجد فأنا بعتقد ان بقاله كتير بيراقبنا وعرف الوقت المناسب اللي يهاجمنا فيه وعايز يتحدانا وبعتلنا اشارة ع انه موجود وقادر يضرّنا.

كتم في داخله احتمالية أن يكون مراد وراء ما حدث كدافع للانتقام لأنه يعلم جيدا بأن هذا الأخ الجديد ليس في مزاج جيد كي يخطط وينفذ ورغم هذا سيحرص آدم على التأكد من كونه متآمرا أم لا.

بينما انتفض الآخر في مكانه مدمدما بسخط :
- ايا كان هو مين بس ازاي بيتجرأ هو مش عارف انه بيلعب بالنار وهيروح في داهية كمان لما يتكشف اومال جتله الشجاعة منين علشان يعمل كده.

صمت مسترجعا أنفاسه المنفعلة ثم تدارك شيئا ما وأخرج غرضا من جيبه هاتفا :
- صحيح أنا لقيت ديه ورا المستودع وباين انهم ولعو بيها ووقعت منهم ولا حاجة.

نظر آدم لعلبة الكبريت وضغط على أسنانه بعدائية كاتما شتائما بداخله وقال :
- وأنا لقيت عصايا مرمية جوا المحل وباين انهم استعملوها وده بيعني انها موقعتش منهم لا دول سابوها قصدا عشان نلاقيها.

استمع العمدة لحواراتهما وشكلهما بتركيز بعدما كاين يعتقد أن كل شخص منهما هاجم الآخر في لحظة وحاولا إخفاء الأمر عنه لكنه الآن تراجع عن تفكيره وتيقَّن بأن هناك من يريد اللعب بهما وتحدِّي المجلس ولهذا سيحرص على إيجاد ذاك الذي تملكته الوقاحة والدناءة لدرجة أن يقوم بهجوم كهذا.
________________

جالت في الغرفة ذهابا وإيابا باِضطراب وعصبية ظاهران عليها وشرعت تطلب رقمه من حين لآخر وقد كاد القلق يقتلها وفجأة التقطت أذناها ضجة في الأسفل وصوته الرجولي يعلو فاِنتفضت وهرعت إلى الخارج ووجدته واقفا أمام جدته التي راحت تزمجر بحدة :
- ابن الشرقاوي هو اللي عملها صح أنا كنت عارفة انه مش هيهمد ولا يتكسف من نفسه لأن اللي زيه متربيين على الوضاعة وقلة الشرف.

زمت حليمة شفتها وتمتمت بصوت هادئ لم يصل لنيجار التي كانت تقف في أعلى الدرج :
- ماهو قال ان عيلة الشرقاوي ملهاش دعوة وفي حد تاني عملها حتى هما بضايعهم اتحرقت.

- لتكوني صدقتي المسخرة اللي اتقالت ديه مسرحية عملوها عشان يبعدو التهمة من عليهم محدش في البلد واطي قد ابن الشرقاوي هو وعيلته.
برطمت بصوتٍ عالي واستدارت تنظر خلفها بتحدٍّ فضغطت نيجار على أسنانها وتمتمت :
- يارب صبرني على الوليه ديه.

مسح آدم على وجهه بإرهاق وقطع وصل نظراتهما وهو يتحدث بصلابة :
- الله أعلم مين المسؤول احنا لسه متأكدناش بس أيا كان مين هيتكشف وساعتها هيعرف ايه عاقبة اللي يلعب معانا.
ودلوقتي بعد تحقيقكم ما خلص هطلع انام شويا علشان اصحى وانا عندي قوة اواجه بيها اللي بتعرضله كل يوم ... من بعد اذنكم.

صعد إلى غرفته بتجهم فتبعته نيجار وأغلقت الباب من خلفهما لتخاطبه مباشرة :
- انت بقيت بتحب تتواصل بالحمام الزاجل ؟

لفتت انتباهه المشتت بكلامها الغريب فاِستدار لها آدم نصف استدارة ورفع حاجبه مستفهما :
- نعم قولتي ايه.

كتفت يديها بحزم واستطردت :
- انا بسألك ايه لازمة التلفون اللي جبتهولي طالما انت مبتردش على اتصالاتي ولا بطمني عليك انت عارف قد ايه كنت خايفة وقلقانة ولا ده مبيهمكش واتفلق عادي.

زفر وألقى هاتفه ومفاتيحه على المنضدة بخنق وهو يتمتم مقتضبا :
- أنا مش مجبر أرد عليكي وملكيش حق عندي أصلا علشان تعاتبيني لذلك بلاش تلعبي دور الزوجة ده لأني مش ناقص.

بهتت نيجار من ردِّه وتضاءل اندفاعها وهي تسمعه يقول بأن ليس لديها حق لتقلق عليه وتعاتبه لكن سرعان ما استعادت نفسها وسألته بتوجس عمَّا يؤرقها :
- طب ممكن اعرف ايه اللي حصل بالضبط ... ومين كسرلك المحل.

ازدردت لعابها عند آخر جملة وتقطعت وتيرة أنفاسها المضطربة متخوفة من الإجابة أما آدم ففهم قصدها وتحرك ليقف أمامها مباشرة ثم غمغم بجدية :
- عاوزة تعرفي اذا ابن عمك عنده إيد في الهجوم ولا لا صح وعشان كده انتي لسه قاعدة مستنياني مش لسواد عيوني طبعا بس لأنك خايفة على صفوان.

- مادامك مصمم تحرف كلامي يبقى مفيش فايدة من اني ابررلك بس لسه عايزة اعرف مين اللي عمل كده و ايه مشكلته معاك.

- بتسأليني كأنك حاطة في دماغك احتمالية انه حد تاني غير ابن الشرقاوي عملها.

- مش بالضبط بس حسب معرفتي بصفوان فهو لسه معداش عليه فترة كويسة من آخر مواجهة مابينكم ولسه تحت تأثيرها فـ احتمال كبير انه بيحاول دلوقتي يقف ع رجليه الاول وبعدين يرجع يهاجمك أو على الأقل هو عارف كويس انه هيبقى المتهم الأول في القصة وبالتالي مش هيخاطر بهجومه عليك.

أجابته نيجار بعقلانية وثقة جعلتاه يتعجب من كونها تعلم مايدور في عقل ابن عمها تماما ولوهلة فكَّر بأنها من الممكن أن تكون قد تواصلت مع صفوان وقرر تجريبها فتنحنح وهز رأسه بوجوم :
- فعلا هو ده اللي قاله وأنا كمان قلت نفس الشي بخصوصي لما ابن عمك اتهمني اني انا اللي حرقتله المستودع بتاعه.

- ايه ؟

- اه صحيح انتي مبتعرفيش انه اتعرض لهجوم بردو وبضاعته اتحرقت.

صُعقت نيجار كمن أُلقي على رأسها دلو ماء بارد وانتفضت متسائلة عما حدث فطفق يقصّ عليها باختصار بينما يراقب تعبيراتها ولغة جسدها وكان واضحا للعيان بأنها مصدومة حقا بل وقلقة أيضا، وبالفعل بمجرد انتهائه همست بصوت مسموع :
- أكيد خسر كتير وباين انه الفلوس اللي جاب البضاعة بيها كان مستلفها أصلا.

ثم رفعت رأسها إليه وأضافت :
- بس مين ليه مصلحة يهاجمكم انتو الاتنين اللي بعرفه ان العداوة قايمة مابينكم بس يبقى البلطجي ده هيستفاد من ايه لما يقومكم ع بعض.

- لسه معرفناش بس فتحنا تحقيق وهيتكشف قريب ولو مش النهارده بكره.
تحدث آدم بحزم ضاغطا على حروفه ثم جلس على طرف السرير بوجه متصلب وأعصاب مشدودة ليشعر بعد قليل بأناملها تمرُّ بنعومة على كتفيه ورقبته، ولأنه يعلم جيدا بأنها لن تتراجع تركها تتابع ما تفعله وأغمض عيناه مستسلما لتدليكها لعلَّ يرتاح قليلا باِرتخاء عضلاته المتشنجة.
أما نيجار فشردت في مسألة الهجوم وتساءلت عن اذا كان هناك شخص آخر تهجم عليهم بالفعل أم أنه يخفي شيئا عنها فمن المعروف أن العداوة الوحيدة في هذه القرية قائمة بين الصاوي والشرقاوي ونتجت عنها كوارث ومصائب إذًا من هذا الذي لديه الجرأة والقوة لكي يضم نفسه للقائمة و ما هدفه أساسا.

تأففت بصوت عالٍ ومن دون قصد منها ففتح آدم عيناه وتكلم بجلافة ساخرة :
- لو بعرف انه موضوع المستودع هيضايقك اوي كده مكنتش حكتهولك قصدي كفاية تعرفي انهم خربو محل القماش بتاعي بس.

- ليه فاكرني مش مهتمة بالمحل وبالي معلق بصفوان بس ؟ أنا بعرف انك تعبت عليه جدا وخدت شريك معاه عشان تقدرو تخلصو المشروع يعني الخسارة بقت مضاعفة وبعرف كمان انه انت أكيد بتفكر ازاي تعوضها ومين الشخص اللي عنده جرأة يتعدى على رزقك.
وبعرف انه كلامي ده هيضايقك بس أنا كمان بفكر في مرات عمي وسلمى وهيعملو ايه بعد المصيبة ديه من غير حاجة صفوان غرقان في الديون وأكيد خسارته للبضاعة هتكلفه كتير.

- انتي بتحبي عيلتك للدرجة ديه ؟
بادرها آدم بسؤال مفاجئ فتوقفت يداها عن التدليك وتجمدت مكانها لينظر لها الآخر بطرف عينه واعتقد أنها لن تجيبه لكن نيجار خالفت توقعاته عندما أجابته بحسرة درأتها وراء جمود صوتها :
- كل واحد في الدنيا ديه بيحب عيلته زي ما انت بتحبها وبتعمل أي حاجة عشان عيلتك تفضل مبسوطة ومرتاحة مع اني اكتشفت متأخر انه مكانتي في قلوبهم أقل بكتير من مكانتهم عندي.

- ليه بتقولي كده ؟

- لأنه مع أول مطب ضحوا بيا واتخلوا عني تعرف يا آدم من اول ما اتولدت وأنا بسمع مرات عمي بتفضل تفكرني انها رضعتني واهتمت بيا ساعة ما كانت ماما مريضة وبعد وفاتها هي وبابا عملت اللي بقدر عليه عشان سعادتهم ودلوقتي عرفت انه كل التصرفات ديه كانت محاولة فاشلة مني علشان يحبوني وارجع احس انه لسه عندي أم وأخوات بس هما غالبا اعتبروني حاجة تانية ... واحدة بديلة وجودها وعدمه واحد بالنسبالهم.

تحشرج صوتها حتى اختفى مع آخر كلمة فاِمتلأت عيناها ونظرت حولها بكدر محاولة اخفاء دموعها المتحجرة بيد أنها فشلت لأن آدم كان قد رأى انعكاس وجهها المتألم على المرآة وهي تقبع خلفه فاِحتقنت أوداجه بشكل جعله يحمرّ انفعالا وزمّ شفتاه هادرا بوصب :
- ومن كتر حبك وامتنانك لعيلتك دخلتي لحياتي وانتي مخططة تدمريها عشانهم.

تنهدت مثقلة بالذنب وأنكرت تفكيره قائلة :
- أنا مكنتش حاطة في دماغي الفكرة ديه نهائيا من أول لقاء لينا لغاية ما رجعنا شوفنا بعض في البستان بتاعك وحتى وقت كنا بنقعد وبنتكلم سوا كانت نيتي سليمة، لحد ما صفوان جه وقالي انه لاحظ قرينا من بعض وطلب اني اسحب منك الكلام ع أمل تقولي هتحط سبايك الدهب فين والباقي انت بتعرفه.

ثم ارتسمت بسمة شاردة عليها واستدركت مردفة :
- تعرف حاجة دلوقتي وأنا بفتكر في الماضي عماله اخد بالي من حاجة مهمة ... غالبا أنا كنت مهتمة بيك ومعجبة بشخصيتك وتصرفاتك وممكن كنت شويا وهقع في حبك لولا قصة الخداع والانتقام دخلت في النص.

مالت شفة آدم للأعلى كتعبير عن الاستهزاء بكلامها الذي لا يقدم ولا يؤخر فلم يُعقب عليها ونهض محمحما :
- الوقت اتأخر يلا روحي نامي.

أدركت أنه يغير مسار الحديث قصدا لعدم رغبته في استرجاع ذكرياته المؤلمة فتنهدت وأومأت بإيجاب ثم تراجعت ودخلت إلى الفراش ببساطة وسط تحديقه بها ليقضب حاجباه متسائلا :
- انتي بتعملي ايه ؟

- هنام اهو مش انت اللي قولتلي روحي نامي في ايه.

- مش فاكر اني قولتلك نامي على السرير.

شددت نيجار الغطاء عليها ورمشت بعينيها مدعية البراءة وهي تقول :
- عادة الست بتنام جمب جوزها يا حبيبي انت مبتعرفش ولا ايه.

همهم آدم وكتف يديه معلقا باِستهجان :
- و انتي الشهادة لله اكتر واحدة بتفهم في الأصول مش كده.

ابتسمت ببلاهة مستفزة فتأفف بيأس واستلقى على ظهره بجوارها مريحا يده أعلى رأسه وغرق في شرود قطعته نيجار وهي تسأله بهدوء :
- هتعمل ايه بعد ما طلع عندك أخ تاني.

- ايه لازمة السؤال ده دلوقتي ؟

- عندي فضول اعرف انت هتحاول تصلح علاقتك معاه ولا لا، وكمان حكمت هانم بقالها من الصبح ساكتة ع الموضوع ده ومتكلمتش فيه خالص والله اعلم هي هتعمل ايه.

- مش عارف وياريت انتي متحشريش نفسك ولا تحاولي تدخلي في مسألة زي ديه لأنها بتخصنا احنا بس.
هتف آدم بجدية مغلقا عليها أي مجال يسعها للتدخل في الأمر فنظرت له بوجه هادئ كاتمة انزعاجها بداخلها ثم تبسمت باِصطناع وأومأت تعبيرا عن موافقتها على طلبه ...
_________________
في اليوم التالي.

تململ على الفراش وتأوه بتعب وهو يفتح عيناه المرهقتين بعد نوم دام ساعتين فقط ليجد نفسه في غرفة والدته مرر بصره من حوله بحسرة ثم تنهد ونهض ليغتسل ويتجهز ليوم جديد بقلب معطوب.
وبينما هو في المطبخ يملأ دلّة القهوة بالماء رن هاتفه معلنا عن مكالمة من مساعده فأجاب باِقتضاب :
- الو.

- صباح الخير يا استاذ مراد.

- صباح النور خير في ايه.

- اتصلت بحضرتك عشان افكرك بميعاد الاجتماع مع العميل اللي أجلته من قبل هو كلمني من شويا وعاوز يعرف اذا انت هتشوفه النهارده فعلا ولا ترجع تأجل.

دلّك مراد صدغيه بسأم وهمَّ بإخباره أن يلغي الاجتماع اليوم أيضا لأنه ليس في مزاج جيد للعمل لكنه تراجع ومكث قليلا قبل أن يقول :
- لا مفيش داعي للتأجيل أنا هشوفه النهارده في الوقت المحدد واتفاهم معاه هخلص اللي فـ ايدي واجي فورا.

أغلق الخط ووضع الهاتف على المنضدة وهو يفكر في أنه ربما عليه أن يحاول النهوض على قدميه وعدم الاستسلام لنوبة اكتئابه طالما أن الحياة ستبقى مستمرة ولو كانت والدته ماتزال على قيد الحياة لما أعجبها تخاذله هذا.
أخرج مراد نفسا عميقا من داخله وبدأ في تحضير القهوة حتى رن هاتفه مجددا وهذه المرة من أحد يعرفه والذي أخبره بما حدث ليلة أمس مع آدم وصفوان فاِتسعت عيناه بذهول وقال :
- انت متأكد من كلامك ده ؟

رد عليه الآخر بثقة :
- ايوة يا بيه محل القماش اللي كان آدم الصاوي واقف عليه اتكسّر ومستودع الشرقاوي ولعوا فيه.

- ومعرفوش مين اللي عملها ؟!

- لا، بيقولو ان اللي عمل كده قصده يوقعهم في بعض ومحدش عارف هو مين.

ظل مراد على ذهوله مصغيا للحديث ثم أنهى المكالمة واستند على سطح المطبخ مرددا :
- طلع في عدو تالت كمان ده باين انه عيلة الصاوي والشرقاوي محبوبين جدا.

استهزأ من الأمر وشرب قهوته ثم ارتدى ملابس العمل وأخذ أغراضه متجها للخارج...
وبمجرد فتح الباب تجمدت يده وتصنم هو مكانه مصعوقا، ليس لأنه رأى شبحا أو العالم وهو ينهار مثلا ...
بل لأنه رأى السيدة حكمت تقف أمامه !!


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close