رواية لعنة الخطيئة الفصل الخامس والثلاثون 35 بقلم فاطمة احمد
صدمة، الغضب، الحقد، كلها كلمات لا تستطيع شرح ما يشعر به الآن مطالعا آخر من توقع مجيئه لبيته.
المرأة التي كانت كابوسا له طوال حياته، مدمِّرة سعادة والدته، وعدوّه اللدود !
تشنج مراد وانتفضت خفقات قلبه بجنون وتصاعدت الشياطين إلى وجهه وهو يراها أخيرا بعد سنوات من الكره والرغبة بالانتقام لطالما تخيل أن يقابلها وجها لوجه وينظر مباشرة في عينيها لكن حضورها لقعر بيته بكل جرأة وبعدما خسر والدته أيضا يجعله يبدو مثل ... قاتل متسلسل فاقد لرُشده !
من الناحية الأخرى كانت حكمت تقف بجبروتها المعتاد محدجة الشابَّ الذي من المفترض أن يكون حفيدها وهو يستقيم بِطوله وقوامه ولوهلة ذاب جمود عينيها وهي تحاول التركيز في ملامحه لكن سرعان ما استعادت نفسها عندما قابلها بسخط وقتامة :
- انتي ازاي تجي لهنا.
حافظت حكمت على هدوئها وبرطمت بتفحص وقد تجاهلت ضيقه البائن من وجودها :
- بقى انت هو مراد.
الشابّ الذي كان يتعاون مع صفوان ليؤذي عائلتها ويقتل حفيدها ... اتضح بأنه حفيدها الثاني !!
- هتسيبني واقفة عند الباب كده ؟
- انتي آخر واحدة ممكن اتمنى انها تدوس عتبة بيتي ازاي تجيلك الجرأة عشان تقابليني.
- نفس الجرأة اللي خلتك تدخل لحياتنا بصفتك عدو وتفتكر نفسك قوي كفاية عشان تضرنا.
سألها مراد بإندفاع مستهجنا فردّت عليه حكمت بنفس التنعت ثم أردفت :
- أنا جاية أشوف الحفيد اللي مكنتش بعرف بوجوده لحد اول امبارح بس.
الواد اللي اتصدمت بـ انه بيبقى ولد ولدي من الست ...
رفع اصبعه في وجهه وقاطعها بتحذير :
- متجبيش سيرة أمي وأيوة مع الاسف انا بكون حفيدك وابن فردوس اللي ذليتيها وخليتي ابنك يطلقها لانها مش من مستواكم وصدمتك ديه بتأكد انه عمرك ما فكرتي تسألي عليها بعد ما اترمت في الشارع من غير ذرة ضمير.
- أنا مكنتش بعرف أنها حامل ولو عرفت ساعتها مكنتش هسمح انه ابن سلطان الصاوي يربى بعيد عن عيلته.
- فيكي الخير طيب حضرتك كنتي هتعملي ده ازاي كنتي هتجبري والدتي تتخلى عن ابنها وتديهولك ولا تخلصي عليها وتقوليلي مامتك توفت وهي بتولد ولا كنتي هتعمليني خدام عندك لأني مبليقش بمقام احفادك ولاد الحسب والنسب ؟!
زمجر بقسوة وعدائية نضحتا من عينيه بوضوح فأجفلت حكمت وتبين لها كم أنه حاقد عليها بالفعل ولكنها للمرة الثانية تجاهلت انفعاله وقابلته بهدوء وإتزان وهي تردد :
- بتعرف أنا كنت شاكة بخصوصك ومقدرتش اصدق كلام حليمة بس دلوقتي اتأكدت وأنا بشوفك واقف قدامي انت طلعت نسخة من ولدي سلطان الله يرحمه وشبه أخوك نفس الجسم والوش وطريقة الكلام حتى نفس العصبية والغضب ... الصفات ديه مبتجيش غير في عيلة الصاوي ولو قابلتك من قبل أكيد كنت هكشف الرابط اللي بيننا.
رمقها مراد باِستهجان وعدم تصديق من غرورها وفخرها الزائد بعائلتها فطالعها بقوة وضغط على حروفه بينما ينطقها :
- أنا مش معتبر نفسي حفيدك أو واحد من عيلتكم يا حكمت هانم انا ابن فردوس سليمان وهفضل طول عمري كده أما انتو هتفضلو أعدائي بس.
- مع انك بتشبهنا ظاهريا بس ناقصك كتير من ناحية الأدب والاحترام ... والدتك اللي علمتك تتكلم بالطريقة ديه مع الاكبر منك ؟
سألته بتجهم وهي تفكر بأن أحفادها لم يكونوا ليتصرفوا بهذه الطريقة معها نهائيا فكانت كمن وضع وقودا على ناره فغَلت الدماء في عروق مراد أكثر وانفرطت عقال صبره وهو يشرف عليها بقامته الطويلة ويرفع اصبعه في وجهها هاسًّا بحدة :
- قولتلك متجبيش سيرة والدتي على لسانك أنا لسه فاكر كل لحظة عشتها معاها كل دمعة وكل قطرة عرق نزلت من جبينها وهي بتشتغل ليل ونهار عشان تربيني، لسه فاكر غصّتها وهي بتصلي وتشكي لربنا ع اللي عملتوه فيها وكل وجع عاشته علشان كده متحاوليش ابدا تجي تعلميني الاحترام.
كان مساعد حكمت المخلص يقف خلفهما على بُعد بضع خطوات وكاد يقترب حينما خُيِّل له بأن مراد يهمّ بالتهجم على سيدته إلا أن هذه الأخيرة أوقفته بإشارة من يدها فعاد إلى المكان أما هي عادت ببصرها لمراد وتشدقت :
- هعذرك لأنك لسه مجروح ومتأثر بموتها وعموما أنا جيت علشان اتعرف عليك وبما اني شوفتك خلاص مفيش داعي اطول اكتر من كده يلا مع السلامة.
ألقت كلمتها الأخيرة منهية اللقاء مثلما بدأته ثم مشت نحو السيارة وجلست في المقعد الخلفي بوجه لا يُفسر دواخلها ولعلّه كان من الغريب أن تحفظ هدوءها وجمودها في لقائها مع حفيدها الذي عرفت بوجوده من يومين فقط ولكن لطالما كانت حكمت تجيد إخفاء عواطفها وتعرف بالتأكيد متى تحول ورقتها الخاسرة إلى ورقة رابحة !
انطلقت السيارة مبتعدة تحت نظرات مراد الذي ضرب إطار الباب بقبضته وكتم شتيمة بداخله وهو يتعرق من فرط الجنون والانفعال فرؤية هذه المرأة التي تدوس على الناس بقدمها كفيل بجعله يفقد اتزانه حقا ...
__________________
وقف على مسافة قريبة يطالع العمال وهم يشرفون على المحل منهم من يخرج الاغراض المحطمة ومنهم من يلملم قطع الزجاج المكسور وغيرهم ...
أخذ نفسا عميقا مستذكرا مدى الجهود والأموال التي قام عليها مشروع محل القماش وضاعت هباءً في غفلة منه ولعل أكثر ما يزعجه هو أنه لأول مرة لا يعلم من الوغد الذي فعل به هذا كي يذهب فورا وينتقم بتحطيم عظامه فلقد اعتقد في البداية بأن صفوان الفاعل لكنه تراجع بعد معرفة ما حدث مع هذا الأخير وهو حقا يلا يستطيع التفكير في هويته أو مالذي أراده من مهاجمتهما هما الاثنان !!
زفر بغلظة خرجت من صدره معبرة عن ضيقه ليشعر بعد ثوانٍ بوقوف فاروق بجواره قائلا بنبرة جادة :
- أنا دورت في قصة مستودع الشرقاوي وعرفت انه اتولع فيه بجد وبضايعهم اتحرقت وكلفتهم خسارة كبيرة و دورت ورا مـ ... ورا السمسار وبظن انه ملوش دعوة كمان لانه مرجعش طلع من بيته بعد لقائكم امبارح او اتواصل مع بلطجية.
نظر له آدم بطرف عينه وعلّق ساخرا :
- ليه اترددت وانت بتجيب سيرته ولا مخطط انك هتبقى تناديله يا بيه.
تنحنح فاروق وأجابه بصوت منخفض وهو ينظر يمينا وشمالا خوفا من أن يسمعه أحد :
- ماهو اللي سمعته منك مبيصدقهوش عقل يعني الراجل المتعاون مع عدونا وكان عاوز يقتلك طلع فرد من عيلتك وأخوك كمان ! أنا مبقتش عارف لازم اناديه بـ ايه دلوقتي.
- عادي حتى انا مش عارف لازم اقوله ايه وبعدين أنا بقيت متعود ع أذية الناس القريبين مني اكتسبت مناعة.
أردف آدم ببرود مختلط بالعبث فاِنزلقت ضحكة من فاروق كتمها سريعا وهو يعتذر ثم ذهب يساعد العمال في أشغالهم...
بعد دقائق حضر شريك آدم والذي كان سامح مقترح المشروع من البداية وحينما رآه هذا الأخير قال له بجدية :
- أنا بعرف انه اكيد انت متضايق من اللي حصل لأنك حطيت فلوس كبيرة في مشروع المحل ولو حبيت تلغي الشراكة فـده حقك وأنا فكل الأحوال هجهزلك مبلغ التعويض لانه الهجوم حصل في أرضي ومقدرتش امنعه.
طالعه سامح باِحترام وتفهم مجيبا :
- آدم بيه صحيح أنا انصدمت من الخبر ومكنتش متخيل انه المحل يتكسر بعد ما قربنا نخلصه بس ده مبيعنيش اني جيت عشان اللي في بالك.
على العكس أحنا شركاء ولازم نقف مع بعض في الظروف ديه وياما شوفت تعب حضرتك وحرصك على المشروع ده بس قدر الله و ما شاء فعل هنقف على رجلينا من اول وجديد ونرجعه زي ما كان وأفضل كمان.
تفاجأ آدم وناظره بتعجب من رد فعله بعدما توقع أنه قادم من أجل المطالبة بحقه لكنه استعاد جديته وهز رأسه بإيجاب مغمغما :
- بإذن الله هترجع كل حاجة زي الأول وهنوصل للبلطجي ده ونحاسبه.
- الأهالي في البلد بتقول انه غالبا عيلة الشرقاوي اللي عملت كده انت ايه رأيك.
تنهد آدم ونظر إلى المحل مبرطما باِقتضاب :
- صفوان اتعرض لنفس الهجوم وخسر كتير ومعتقدش انه ممكن يتمادى لدرجة يؤذي نفسه ورزقه، ومع ذلك كل حاجة واردة أنا مش هسيب الموضوع وهفضل متابعه أول بأول عشان اوصله ... ودلوقتي خلينا نروح نساعد العمال عشان نخلص بدري.
- ماشي.
تحركا سويا وبدآ في حمل الاغراض المكسورة ووضعها في المكان المناسب وتنظيف الأتربة وفُتات الخشب حتى سمع صوت رنين هاتفه، تجاهله في البداية لكنه استمر في الرنين فتأفف وذهب لزاوية معزولة وردَّ :
- نعم عايزة ايه مش المفروض تفهمي اني مشغول ومعنديش وقت اضيعه معاكي !
وصله صوتها الامبالي وهي تجيبه :
- انت لو كان عندك وقت العالم كله بردو مكنتش هترد بس أنا حلفت مبطلش اتصال غير لما ترد عليا.
قلب عيناه بنزق من عنادها وهتف :
- انجزي ايه سبب المكالمة ديه.
- عاوزة اعرف ايه حصانك بياكل كام مرة في اليوم.
- نعم ؟
- عشان اعرف لو عادي اوكله قطع السكر اللي عندي ولا لا.
وقف آدم ببلاهة كمن يتحدث إلى كائن فضائي ثم استنار عقله وسألها باِحتراز :
- انتي قاعدة فين دلوقتي ؟
تبسمت نيجار ونظرت للحظيرة من حولها مجيبة ببساطة :
- في المزرعة بتاعتك ومع حصانك سلطان.
كانت هذه آخر جملة نطقتها قبل أن يغلق الخط ويتجه نحو مزرعته باِستعجال ليصل بعد دقائق ويذهب إلى الاصطبل فوجدها تلفّ بحيوية داخله تُطعم هذا وتنظف مكان الآخر وترتب كومات القش والعشب مدندنة بمزاج رائق.
رفعت رأسها فجأة وحين رأته ابتسمت مجددا وقالت :
- انت وصلت بسرعة.
ضغط على أسنانه بغيظ وشدَّها من ذراعها مبرطما بصوت منخفض :
- انتي بتعملي ايه هنا مين سمحلك تخرجي.
تأوهت بألم وامتعاض :
- استنى انت بتوجعني.
- انطقي ومتطلعيش جناني عليكي !
وبخها آدم بتقريع وحِدة فأفلتت نيجار ذراعها من يده وتأففت بتذمر من تصرفه ثم ابتسمت كأن شيئا لم يكن وقالت :
- حسيت نفسي زهقت من قعدة البيت وفكرت في اني اجي اتسلى شويا والصراحة استغليت انه حكمت هانم طلعت من بدري وخرجت ديه فرصة مبتتكررش.
- ستي طلعت على فين وبعدين يعني ايه زهقتي وجيتي تتسلي انتي محدش عارف يلمك ولا ايه ؟
نفخت نيجار مستنكرة مبالغته من وجهة نظرها وتمتمت :
- بتتكلم كأنك شوفتني قاعدة في كباريه مش فمزرعتك.
تفاجأ من وقاحتها وكاد يوبخها لكنها قاطعته عندما غمزته بشقاوة وهمست متسائلة :
- ولا انت غيران عليا ومبتحبش تشوفني قاعدة لوحدي في مكان كله رجالة.
طرق آدم جانب رأسها عدة مرات مهمهما :
- بالضبط مكان كله رجالة هو ده اللي انا عاوز اوصله.
انتفضت نيجار ولمعت عيناها بحماس ولهفة :
- يعني انت غيران عليا بجد ؟!
أغمض عيناه بيأس ورفع رأسه للسماء مستغفرا ثم عاد إليها وقال :
- المهم عملتي ايه وانتي بتتسلي وليه مقولتليش من قبل انك هتنوريني يا هانم.
عضت على شفتها بدلال وأعادت خصلة من شعرها وراء أذنها هامسة :
- عشان تعمل حسابك وتستضيفني بطريقة أجمل ؟
مطَّ شفته باِزدراء من براءتها المزيفة وأجاب :
- لا علشان انبّه العمال يقعدو في بيوتهم لسلامتهم الشخصية واقفل باب الحظيرة واحط جهاز أمني برا عشان يفتشوكي وانتي داخلة لجوا.
عادت لحالتها الطبيعية ورددت بينما تتململ :
- على فكرة انتي بتظلمني أنا قعدت اشتغل وانظف والاحصنة اللي هنا حبتني اوي حتى سلطان ااا....
قطعت كلامها عندما انتفض هو بذعر وهرع لحصانه يتلمّسه ويتأكد من سلامته مبرطما :
- ماهو انا جيت جري عشان اطمن عليه لأني مبثقش في نواياكي انتي عملتيله ايه بالضبط داهية لتكوني سمّمتيه.
شهقت نيجار بصدمة وهي تراه خائفا حقا وكأنها ستؤذي حصانه فضربت الأرض بقدمها وهتفت :
- انا غلطانة لأني جيت اهون عليك هرجع للبيت ومش هترجع تشوف وشي هنا حتى دول مش هتاكلهم.
أشارت لعلبة بلاستيكية معقمة تحتوي على قطع حلويات موضوعة في الجانب ثم حملتها بين يديها فنظر لها آدم والتقط ذراعها قبل خروجها متسائلا :
- ايه اللي في ايدك ده مين عملها.
رفعت حاجبها بغرور كمن فعل شيئا عظيما وأجابت :
- طبعا أنا هيكون مين غيري دخلت أول ما شوفت ستك خرجت قلت الحمد لله بركة وجريت للمطبخ عشان اعملهملك بس دلوقتي مش هتدوق منهم.
مال برأسه متأملا شكلها الجميل والمُرتب والراحة الشهية منها ثم تنحنح وهزَّ كتفه بلا اكتراث :
- براحتك كأني هموت و اكلهم ... أصلا ايه عرفني متكونش فيها حاجة كده ولا كده.
رشقته بسخط وكتمت شتيمة كادت تلقيها عليه لكنها تمالكت نفسها وفتحت العلبة لتتذوق إحدى القطع ثم أردفت بإيضاح :
- شوفت مفيهاش حاجة اهو.
همهم مدعيا التفكير ثم أردف :
- عموما حتى لو حطيتي فيها حاجة مش هتقدري تطلعي لبرا بسلام.
قضم بعضا من الحلوى وبمجرد أن بلعها تجمد مكانه وفجأة وضع يده على حلقه وانحنى يسعل مختنقا !
صعقت نيجار وأمسكته بذعر وخوف وهي تنادي اسمه حتى وجدته يستقيم كأن شيئا لم يكن وقال ببرود :
- حطتيلها سكر زيادة.
رمشت مطالعة إياه بغير استيعاب للحظات قبل أن تتدارك مقلبه ويملأ الغيظ والغضب وجهها لتصيح :
- الحق عليا لأني صدقتك انا مروحة.
في نفس اللحظة دخل أحد العمال وأخبره بأن لديه زائر تحفز آدم وسرعان ما شهقت نيجار بصدمة وهي ترى صفوان واقفا أمامهما، نظرت لزوجها بترقب فوجدته يطالع ابن عمها بجمود وهنا ارتاعت وخافت من قيام مشاجرة بينهما بيد أن توقعها خاب حين تقدم صفوان ونظر لهذا الأخير مغمغما :
- أنا فكرت باللي حصل امبارح ولقيت انك مش هتستفيد حاجة لما تحرق المستودع بتاعي ... ياترى انت عندك نفس الرأي ؟
رفع كتفاه بثقة تليق به وأجاب بنفس اللهجة المتزنة :
- وأنا بردو بفكر فنفس الشي.
أماء بروية وأخرج ورقة من جيبه وأعطاها له ففتحها آدم وقرأ ما بها بصوت عالٍ " الدور جاي عليكم واحد واحد" ، قضب حاجباه بتعجب وتساؤل أوضحه صفوان الذي قال :
- لقيتها النهارده الصبح واحنا بنلم اكياس الحبوب وزي ما انت شايف ده تهديد صريح من الشخص اللي اتهجم على الرزق بتاعنا.
- فعلا شكله واثق من نفسه جدا لدرجة انه يهدد بشجاعة كده ... بس مش فاهم انت جاي لعندي ليه.
- ايا كان الشخص ده مين بس هو قاصدنا احنا الاتنين وناوي على حاجة كبيرة وثقته بنفسه بتخليني افكر في انه مش مجرد بلطجي من الشارع وعلشان كده ...
توقف عن الحديث مفكرا فيما سيقوله ونظرت له نيجار بترقب وتركيز ليستطرد بعد ثوان بنبرة جادة :
- انا بعرض عليك اتفاق مؤقت ... بعرف انه صعب علينا لانه بيننا عداوة من سنين طويلة بس حتى الأعداء بيتفقوا في وضع معين خلينا نتعاون مع بعض لحد ما نوصل للطرف التالت ونحاسبه.
وضع يده في جيبه وأطرق بصمت وغموض جعل الأخرى تتخلى عن دهشتها من العرض وتتوجس من رفضه لكن صفوان لم يتراجع بل مدَّ يده في الهواء وأضاف بتصميم :
- أنا بطلب انه ننسى عداوتنا ونبقى في صف واحد سوا يا ابن الصاوي وانت ليك حق توافق او ترفض.
وقفا أمام بعضهما البعض ونيجار بينهما متأملة كل شخص منهما حتى تنهد آدم ورفع يده يصافحه قائلا :
- وأنا موافق على عرضك يا ابن الشرقاوي !!
المرأة التي كانت كابوسا له طوال حياته، مدمِّرة سعادة والدته، وعدوّه اللدود !
تشنج مراد وانتفضت خفقات قلبه بجنون وتصاعدت الشياطين إلى وجهه وهو يراها أخيرا بعد سنوات من الكره والرغبة بالانتقام لطالما تخيل أن يقابلها وجها لوجه وينظر مباشرة في عينيها لكن حضورها لقعر بيته بكل جرأة وبعدما خسر والدته أيضا يجعله يبدو مثل ... قاتل متسلسل فاقد لرُشده !
من الناحية الأخرى كانت حكمت تقف بجبروتها المعتاد محدجة الشابَّ الذي من المفترض أن يكون حفيدها وهو يستقيم بِطوله وقوامه ولوهلة ذاب جمود عينيها وهي تحاول التركيز في ملامحه لكن سرعان ما استعادت نفسها عندما قابلها بسخط وقتامة :
- انتي ازاي تجي لهنا.
حافظت حكمت على هدوئها وبرطمت بتفحص وقد تجاهلت ضيقه البائن من وجودها :
- بقى انت هو مراد.
الشابّ الذي كان يتعاون مع صفوان ليؤذي عائلتها ويقتل حفيدها ... اتضح بأنه حفيدها الثاني !!
- هتسيبني واقفة عند الباب كده ؟
- انتي آخر واحدة ممكن اتمنى انها تدوس عتبة بيتي ازاي تجيلك الجرأة عشان تقابليني.
- نفس الجرأة اللي خلتك تدخل لحياتنا بصفتك عدو وتفتكر نفسك قوي كفاية عشان تضرنا.
سألها مراد بإندفاع مستهجنا فردّت عليه حكمت بنفس التنعت ثم أردفت :
- أنا جاية أشوف الحفيد اللي مكنتش بعرف بوجوده لحد اول امبارح بس.
الواد اللي اتصدمت بـ انه بيبقى ولد ولدي من الست ...
رفع اصبعه في وجهه وقاطعها بتحذير :
- متجبيش سيرة أمي وأيوة مع الاسف انا بكون حفيدك وابن فردوس اللي ذليتيها وخليتي ابنك يطلقها لانها مش من مستواكم وصدمتك ديه بتأكد انه عمرك ما فكرتي تسألي عليها بعد ما اترمت في الشارع من غير ذرة ضمير.
- أنا مكنتش بعرف أنها حامل ولو عرفت ساعتها مكنتش هسمح انه ابن سلطان الصاوي يربى بعيد عن عيلته.
- فيكي الخير طيب حضرتك كنتي هتعملي ده ازاي كنتي هتجبري والدتي تتخلى عن ابنها وتديهولك ولا تخلصي عليها وتقوليلي مامتك توفت وهي بتولد ولا كنتي هتعمليني خدام عندك لأني مبليقش بمقام احفادك ولاد الحسب والنسب ؟!
زمجر بقسوة وعدائية نضحتا من عينيه بوضوح فأجفلت حكمت وتبين لها كم أنه حاقد عليها بالفعل ولكنها للمرة الثانية تجاهلت انفعاله وقابلته بهدوء وإتزان وهي تردد :
- بتعرف أنا كنت شاكة بخصوصك ومقدرتش اصدق كلام حليمة بس دلوقتي اتأكدت وأنا بشوفك واقف قدامي انت طلعت نسخة من ولدي سلطان الله يرحمه وشبه أخوك نفس الجسم والوش وطريقة الكلام حتى نفس العصبية والغضب ... الصفات ديه مبتجيش غير في عيلة الصاوي ولو قابلتك من قبل أكيد كنت هكشف الرابط اللي بيننا.
رمقها مراد باِستهجان وعدم تصديق من غرورها وفخرها الزائد بعائلتها فطالعها بقوة وضغط على حروفه بينما ينطقها :
- أنا مش معتبر نفسي حفيدك أو واحد من عيلتكم يا حكمت هانم انا ابن فردوس سليمان وهفضل طول عمري كده أما انتو هتفضلو أعدائي بس.
- مع انك بتشبهنا ظاهريا بس ناقصك كتير من ناحية الأدب والاحترام ... والدتك اللي علمتك تتكلم بالطريقة ديه مع الاكبر منك ؟
سألته بتجهم وهي تفكر بأن أحفادها لم يكونوا ليتصرفوا بهذه الطريقة معها نهائيا فكانت كمن وضع وقودا على ناره فغَلت الدماء في عروق مراد أكثر وانفرطت عقال صبره وهو يشرف عليها بقامته الطويلة ويرفع اصبعه في وجهها هاسًّا بحدة :
- قولتلك متجبيش سيرة والدتي على لسانك أنا لسه فاكر كل لحظة عشتها معاها كل دمعة وكل قطرة عرق نزلت من جبينها وهي بتشتغل ليل ونهار عشان تربيني، لسه فاكر غصّتها وهي بتصلي وتشكي لربنا ع اللي عملتوه فيها وكل وجع عاشته علشان كده متحاوليش ابدا تجي تعلميني الاحترام.
كان مساعد حكمت المخلص يقف خلفهما على بُعد بضع خطوات وكاد يقترب حينما خُيِّل له بأن مراد يهمّ بالتهجم على سيدته إلا أن هذه الأخيرة أوقفته بإشارة من يدها فعاد إلى المكان أما هي عادت ببصرها لمراد وتشدقت :
- هعذرك لأنك لسه مجروح ومتأثر بموتها وعموما أنا جيت علشان اتعرف عليك وبما اني شوفتك خلاص مفيش داعي اطول اكتر من كده يلا مع السلامة.
ألقت كلمتها الأخيرة منهية اللقاء مثلما بدأته ثم مشت نحو السيارة وجلست في المقعد الخلفي بوجه لا يُفسر دواخلها ولعلّه كان من الغريب أن تحفظ هدوءها وجمودها في لقائها مع حفيدها الذي عرفت بوجوده من يومين فقط ولكن لطالما كانت حكمت تجيد إخفاء عواطفها وتعرف بالتأكيد متى تحول ورقتها الخاسرة إلى ورقة رابحة !
انطلقت السيارة مبتعدة تحت نظرات مراد الذي ضرب إطار الباب بقبضته وكتم شتيمة بداخله وهو يتعرق من فرط الجنون والانفعال فرؤية هذه المرأة التي تدوس على الناس بقدمها كفيل بجعله يفقد اتزانه حقا ...
__________________
وقف على مسافة قريبة يطالع العمال وهم يشرفون على المحل منهم من يخرج الاغراض المحطمة ومنهم من يلملم قطع الزجاج المكسور وغيرهم ...
أخذ نفسا عميقا مستذكرا مدى الجهود والأموال التي قام عليها مشروع محل القماش وضاعت هباءً في غفلة منه ولعل أكثر ما يزعجه هو أنه لأول مرة لا يعلم من الوغد الذي فعل به هذا كي يذهب فورا وينتقم بتحطيم عظامه فلقد اعتقد في البداية بأن صفوان الفاعل لكنه تراجع بعد معرفة ما حدث مع هذا الأخير وهو حقا يلا يستطيع التفكير في هويته أو مالذي أراده من مهاجمتهما هما الاثنان !!
زفر بغلظة خرجت من صدره معبرة عن ضيقه ليشعر بعد ثوانٍ بوقوف فاروق بجواره قائلا بنبرة جادة :
- أنا دورت في قصة مستودع الشرقاوي وعرفت انه اتولع فيه بجد وبضايعهم اتحرقت وكلفتهم خسارة كبيرة و دورت ورا مـ ... ورا السمسار وبظن انه ملوش دعوة كمان لانه مرجعش طلع من بيته بعد لقائكم امبارح او اتواصل مع بلطجية.
نظر له آدم بطرف عينه وعلّق ساخرا :
- ليه اترددت وانت بتجيب سيرته ولا مخطط انك هتبقى تناديله يا بيه.
تنحنح فاروق وأجابه بصوت منخفض وهو ينظر يمينا وشمالا خوفا من أن يسمعه أحد :
- ماهو اللي سمعته منك مبيصدقهوش عقل يعني الراجل المتعاون مع عدونا وكان عاوز يقتلك طلع فرد من عيلتك وأخوك كمان ! أنا مبقتش عارف لازم اناديه بـ ايه دلوقتي.
- عادي حتى انا مش عارف لازم اقوله ايه وبعدين أنا بقيت متعود ع أذية الناس القريبين مني اكتسبت مناعة.
أردف آدم ببرود مختلط بالعبث فاِنزلقت ضحكة من فاروق كتمها سريعا وهو يعتذر ثم ذهب يساعد العمال في أشغالهم...
بعد دقائق حضر شريك آدم والذي كان سامح مقترح المشروع من البداية وحينما رآه هذا الأخير قال له بجدية :
- أنا بعرف انه اكيد انت متضايق من اللي حصل لأنك حطيت فلوس كبيرة في مشروع المحل ولو حبيت تلغي الشراكة فـده حقك وأنا فكل الأحوال هجهزلك مبلغ التعويض لانه الهجوم حصل في أرضي ومقدرتش امنعه.
طالعه سامح باِحترام وتفهم مجيبا :
- آدم بيه صحيح أنا انصدمت من الخبر ومكنتش متخيل انه المحل يتكسر بعد ما قربنا نخلصه بس ده مبيعنيش اني جيت عشان اللي في بالك.
على العكس أحنا شركاء ولازم نقف مع بعض في الظروف ديه وياما شوفت تعب حضرتك وحرصك على المشروع ده بس قدر الله و ما شاء فعل هنقف على رجلينا من اول وجديد ونرجعه زي ما كان وأفضل كمان.
تفاجأ آدم وناظره بتعجب من رد فعله بعدما توقع أنه قادم من أجل المطالبة بحقه لكنه استعاد جديته وهز رأسه بإيجاب مغمغما :
- بإذن الله هترجع كل حاجة زي الأول وهنوصل للبلطجي ده ونحاسبه.
- الأهالي في البلد بتقول انه غالبا عيلة الشرقاوي اللي عملت كده انت ايه رأيك.
تنهد آدم ونظر إلى المحل مبرطما باِقتضاب :
- صفوان اتعرض لنفس الهجوم وخسر كتير ومعتقدش انه ممكن يتمادى لدرجة يؤذي نفسه ورزقه، ومع ذلك كل حاجة واردة أنا مش هسيب الموضوع وهفضل متابعه أول بأول عشان اوصله ... ودلوقتي خلينا نروح نساعد العمال عشان نخلص بدري.
- ماشي.
تحركا سويا وبدآ في حمل الاغراض المكسورة ووضعها في المكان المناسب وتنظيف الأتربة وفُتات الخشب حتى سمع صوت رنين هاتفه، تجاهله في البداية لكنه استمر في الرنين فتأفف وذهب لزاوية معزولة وردَّ :
- نعم عايزة ايه مش المفروض تفهمي اني مشغول ومعنديش وقت اضيعه معاكي !
وصله صوتها الامبالي وهي تجيبه :
- انت لو كان عندك وقت العالم كله بردو مكنتش هترد بس أنا حلفت مبطلش اتصال غير لما ترد عليا.
قلب عيناه بنزق من عنادها وهتف :
- انجزي ايه سبب المكالمة ديه.
- عاوزة اعرف ايه حصانك بياكل كام مرة في اليوم.
- نعم ؟
- عشان اعرف لو عادي اوكله قطع السكر اللي عندي ولا لا.
وقف آدم ببلاهة كمن يتحدث إلى كائن فضائي ثم استنار عقله وسألها باِحتراز :
- انتي قاعدة فين دلوقتي ؟
تبسمت نيجار ونظرت للحظيرة من حولها مجيبة ببساطة :
- في المزرعة بتاعتك ومع حصانك سلطان.
كانت هذه آخر جملة نطقتها قبل أن يغلق الخط ويتجه نحو مزرعته باِستعجال ليصل بعد دقائق ويذهب إلى الاصطبل فوجدها تلفّ بحيوية داخله تُطعم هذا وتنظف مكان الآخر وترتب كومات القش والعشب مدندنة بمزاج رائق.
رفعت رأسها فجأة وحين رأته ابتسمت مجددا وقالت :
- انت وصلت بسرعة.
ضغط على أسنانه بغيظ وشدَّها من ذراعها مبرطما بصوت منخفض :
- انتي بتعملي ايه هنا مين سمحلك تخرجي.
تأوهت بألم وامتعاض :
- استنى انت بتوجعني.
- انطقي ومتطلعيش جناني عليكي !
وبخها آدم بتقريع وحِدة فأفلتت نيجار ذراعها من يده وتأففت بتذمر من تصرفه ثم ابتسمت كأن شيئا لم يكن وقالت :
- حسيت نفسي زهقت من قعدة البيت وفكرت في اني اجي اتسلى شويا والصراحة استغليت انه حكمت هانم طلعت من بدري وخرجت ديه فرصة مبتتكررش.
- ستي طلعت على فين وبعدين يعني ايه زهقتي وجيتي تتسلي انتي محدش عارف يلمك ولا ايه ؟
نفخت نيجار مستنكرة مبالغته من وجهة نظرها وتمتمت :
- بتتكلم كأنك شوفتني قاعدة في كباريه مش فمزرعتك.
تفاجأ من وقاحتها وكاد يوبخها لكنها قاطعته عندما غمزته بشقاوة وهمست متسائلة :
- ولا انت غيران عليا ومبتحبش تشوفني قاعدة لوحدي في مكان كله رجالة.
طرق آدم جانب رأسها عدة مرات مهمهما :
- بالضبط مكان كله رجالة هو ده اللي انا عاوز اوصله.
انتفضت نيجار ولمعت عيناها بحماس ولهفة :
- يعني انت غيران عليا بجد ؟!
أغمض عيناه بيأس ورفع رأسه للسماء مستغفرا ثم عاد إليها وقال :
- المهم عملتي ايه وانتي بتتسلي وليه مقولتليش من قبل انك هتنوريني يا هانم.
عضت على شفتها بدلال وأعادت خصلة من شعرها وراء أذنها هامسة :
- عشان تعمل حسابك وتستضيفني بطريقة أجمل ؟
مطَّ شفته باِزدراء من براءتها المزيفة وأجاب :
- لا علشان انبّه العمال يقعدو في بيوتهم لسلامتهم الشخصية واقفل باب الحظيرة واحط جهاز أمني برا عشان يفتشوكي وانتي داخلة لجوا.
عادت لحالتها الطبيعية ورددت بينما تتململ :
- على فكرة انتي بتظلمني أنا قعدت اشتغل وانظف والاحصنة اللي هنا حبتني اوي حتى سلطان ااا....
قطعت كلامها عندما انتفض هو بذعر وهرع لحصانه يتلمّسه ويتأكد من سلامته مبرطما :
- ماهو انا جيت جري عشان اطمن عليه لأني مبثقش في نواياكي انتي عملتيله ايه بالضبط داهية لتكوني سمّمتيه.
شهقت نيجار بصدمة وهي تراه خائفا حقا وكأنها ستؤذي حصانه فضربت الأرض بقدمها وهتفت :
- انا غلطانة لأني جيت اهون عليك هرجع للبيت ومش هترجع تشوف وشي هنا حتى دول مش هتاكلهم.
أشارت لعلبة بلاستيكية معقمة تحتوي على قطع حلويات موضوعة في الجانب ثم حملتها بين يديها فنظر لها آدم والتقط ذراعها قبل خروجها متسائلا :
- ايه اللي في ايدك ده مين عملها.
رفعت حاجبها بغرور كمن فعل شيئا عظيما وأجابت :
- طبعا أنا هيكون مين غيري دخلت أول ما شوفت ستك خرجت قلت الحمد لله بركة وجريت للمطبخ عشان اعملهملك بس دلوقتي مش هتدوق منهم.
مال برأسه متأملا شكلها الجميل والمُرتب والراحة الشهية منها ثم تنحنح وهزَّ كتفه بلا اكتراث :
- براحتك كأني هموت و اكلهم ... أصلا ايه عرفني متكونش فيها حاجة كده ولا كده.
رشقته بسخط وكتمت شتيمة كادت تلقيها عليه لكنها تمالكت نفسها وفتحت العلبة لتتذوق إحدى القطع ثم أردفت بإيضاح :
- شوفت مفيهاش حاجة اهو.
همهم مدعيا التفكير ثم أردف :
- عموما حتى لو حطيتي فيها حاجة مش هتقدري تطلعي لبرا بسلام.
قضم بعضا من الحلوى وبمجرد أن بلعها تجمد مكانه وفجأة وضع يده على حلقه وانحنى يسعل مختنقا !
صعقت نيجار وأمسكته بذعر وخوف وهي تنادي اسمه حتى وجدته يستقيم كأن شيئا لم يكن وقال ببرود :
- حطتيلها سكر زيادة.
رمشت مطالعة إياه بغير استيعاب للحظات قبل أن تتدارك مقلبه ويملأ الغيظ والغضب وجهها لتصيح :
- الحق عليا لأني صدقتك انا مروحة.
في نفس اللحظة دخل أحد العمال وأخبره بأن لديه زائر تحفز آدم وسرعان ما شهقت نيجار بصدمة وهي ترى صفوان واقفا أمامهما، نظرت لزوجها بترقب فوجدته يطالع ابن عمها بجمود وهنا ارتاعت وخافت من قيام مشاجرة بينهما بيد أن توقعها خاب حين تقدم صفوان ونظر لهذا الأخير مغمغما :
- أنا فكرت باللي حصل امبارح ولقيت انك مش هتستفيد حاجة لما تحرق المستودع بتاعي ... ياترى انت عندك نفس الرأي ؟
رفع كتفاه بثقة تليق به وأجاب بنفس اللهجة المتزنة :
- وأنا بردو بفكر فنفس الشي.
أماء بروية وأخرج ورقة من جيبه وأعطاها له ففتحها آدم وقرأ ما بها بصوت عالٍ " الدور جاي عليكم واحد واحد" ، قضب حاجباه بتعجب وتساؤل أوضحه صفوان الذي قال :
- لقيتها النهارده الصبح واحنا بنلم اكياس الحبوب وزي ما انت شايف ده تهديد صريح من الشخص اللي اتهجم على الرزق بتاعنا.
- فعلا شكله واثق من نفسه جدا لدرجة انه يهدد بشجاعة كده ... بس مش فاهم انت جاي لعندي ليه.
- ايا كان الشخص ده مين بس هو قاصدنا احنا الاتنين وناوي على حاجة كبيرة وثقته بنفسه بتخليني افكر في انه مش مجرد بلطجي من الشارع وعلشان كده ...
توقف عن الحديث مفكرا فيما سيقوله ونظرت له نيجار بترقب وتركيز ليستطرد بعد ثوان بنبرة جادة :
- انا بعرض عليك اتفاق مؤقت ... بعرف انه صعب علينا لانه بيننا عداوة من سنين طويلة بس حتى الأعداء بيتفقوا في وضع معين خلينا نتعاون مع بعض لحد ما نوصل للطرف التالت ونحاسبه.
وضع يده في جيبه وأطرق بصمت وغموض جعل الأخرى تتخلى عن دهشتها من العرض وتتوجس من رفضه لكن صفوان لم يتراجع بل مدَّ يده في الهواء وأضاف بتصميم :
- أنا بطلب انه ننسى عداوتنا ونبقى في صف واحد سوا يا ابن الصاوي وانت ليك حق توافق او ترفض.
وقفا أمام بعضهما البعض ونيجار بينهما متأملة كل شخص منهما حتى تنهد آدم ورفع يده يصافحه قائلا :
- وأنا موافق على عرضك يا ابن الشرقاوي !!