رواية لعنة الخطيئة الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم فاطمة احمد
الفصل التاسع والعشرون : فقدان.
________________
موازين المرء مرهونة بلقاء ... عندما تتواجه الأجساد بتأهب كان ليِّناً في الماضي وتصطدم الأعين بحرارة الغضب والذنب ... فتتقلب القلوب بضراوة وتتبدل المشاعر ويترنح الزمن بصفعة العدائية ... والخيانة !!
وقفت مطالعة السرايا من الخارج بأحاسيس مختلطة مابين الشوق والاضطراب ثم استجمعت قواها وشقت طريقها إلى الداخل فقابلتها سلمى التي كانت جالسة في الفناء وظهرت على وجهها تعابير الذهول من حضورها وهي تتمتم :
- نيجار ؟
ابتسمت ببهوت واقترب منها مرددة اسمها بشوق وعانقتها لتتصنم الأخرى قبل أن ترفع يداها مبادلة العناق بسطحية قبل أن تبتعد عنها وتقول :
- انتي جيتي ازاي وليه ؟
تنهدت نيجار وأجابتها بنبرة جادة :
- أنا جيت اشوفكم و اكلم صفوان كمان.
اكتسب وجه سلمى التوتر فاِشرأبت بعنقها تنظر لما خلفها وهتفت :
- مينفعش ده صفوان متعصب جدا بسبب اللي عملتيه فيه وبقاله فترة مش على بعضه منصحكيش تخليه يشوفك دلوقتي.
فتحت فمها لتتحدث لكن الكلمات حشرت في حلقها عندما خرجت جميلة من المطبخ ورأتها أمامها فذُهلت وتقدمت ناحية مرددة :
- نيجار ... انتي بتعملي ايه هنا !
ثم استحالت ملامحها للضيق والغضب متابعة :
- جاية ليه بعد ما بعتي أخوكي وفضحتيه مش خلاص نسيتينا واعتبرتي نفسك من عيلة الصاوي عايزة ايه تاني ؟
اعتلَّ قلب نيجار بغصة مؤلمة فأمسكت يدها تستحثها على سماعها بإحباط :
- أنا لسه بعتبر نفسي من عيلة الشرقاوي وهفضل طول عمري كده كمان.
في الأعلى كان صفوان جالسا بين سجائره يدخن واحدة تلوَ الأخرى وانتبه لضجة تصدر من الأسفل فاِسترق السمع قليلا لتتوسع عيناه ويتخضب وجهه بالغضب وهو يلتقط صوتها من بين بقية الأصوات، انتفض واقفا بعنف نتج عنه سقوط كرسيه على الأرض ونزل بخطوات متلاحقة حتى رآها تقف أمام والدته وشقيقته فهدر بجنون :
- انتي بتعملي ايه هنا !!
اقترب مقلصا المسافة بينهما واقتلعها من مكانها جاذبا إياها من ذراعها مكملا بصوت صارخ :
- يا خاينة، ازاي تجيلك الجرأة تعتبي باب البيت ده بعدما بعتيني لعدوي جاية تعملي ايه جوزك بعتك عشان تشمتي فينا ؟
كتمت تأوه ألم بسبب قبضته على ذراعها وحاولت التملص من قيده بينما تهتف :
- أنا عارفة انك متنرفز مني بس اهدا علشان نتكلم ... أنا وآدم هـ ...
قاطعها برعونة وعيناه تقطران سُمًّا لمجرد ذكر اسمه :
- متجبيش سيرته يا وقحة انتي ليكي عين تجي وتتكلمي عنه كمان مش كفاية اني اتذليتله وكرامتي بقت في الأرض من وراكي هتقعدي تمدحي فيه قدامي.
- اهدا يابني مش كده.
تمتمت جميلة باِستعطاف محاولة ثنيه عما يفعله لكنه أزاح ذراعها عنه بفظاظة مرددا :
- لا يامّا أنا مش ههدا عايز افهم ازاي البنت اللي كانت بتكره الصاوي وبتتوعد بالانتقام اتحولت وبقت خدامة عندهم ايه هما ذلوكي للدرجة ديه ولا ابن سلطان لعب عليكي نفس لعبتك فقمتي صدقتيه وبعتي نفسك وبعتيني عشانه.
استطاعت أخيرا التملص من قيده واكتنفها الغضب من إهاناته فتشدقت هادرة بحدة :
- كفاية بقى أنا مبعتش حد انت اللي بعتني لما رميتني ليهم أول مرة واتخليت عني وبعدين جبت واحد بلطجي يقتل آدم قدامي ومفكرتش في اللي ممكن يحصلي، انت عارف انهم اتهموني باشتراكي في اغتياله عارف انه حكمت سجنتني يوم كامل وكنت هموت لولا هو لحقني وفضلت اسمع اهاناتهم واستحمل نظرات القرف منهم ؟
ولما تعبت وحاولت اهرب جه البلطجي بتاعك وخطفني وكان هيعتدي عليا !!
شهقت جميلة وسلمى بصدمة فطالعتهما وانهمرت دمعة من عينها هاتفة بسخرية :
- ايه ده هو صفوان مقالكمش ان جريمته طالتني أنا بردو.
- انتي بتقولي ايه.
- بقول اللي حصل يا مرات عمي، ابن عمي العزيز بعد جريمته رفض يدفع للبلطجي بتاعه و التاني اتوعدله فلما شافني لوحدي بليل قدر يتعرف عليا ولأنه عايز ينتقم من ابن حضرتك لقى اني الوسيلة الوحيدة فخطفني وضربني وكان هيغتصبني لولا آدم لحقني في آخر لحظة.
تحشرج صوتها بغصة تملكت حلقها وهي تتحدث وحدجت صفوان بنظرات حارقة مستدركة بألم أحرق روحها :
- ابن سلطان اللي مش عاجبك قطع الغابة وهو بيجري فنص الليل وبيدور عليا قتل مليجي وهو بيعرف انه الدليل الوحيد على جريمتك وشالني بكتفه المجروحة وركض بيا فعز المطر علشان يعالجني، ابن سلطان ده مرضيش يعرف عيلته باللي حصلي عشان ميكسرنيش قدامهم وحتى لما قولتله هشهد معاك رفض وقال مش هيؤذيلي بسبب مصالحه كان هيتحمل الذنب بس لأنه عارف قد ايه الموضوع ده حساس بالنسبة ليا.
هو متخلاش عني رغم اني غدرت بيه ووجعته بس انت عملت ايه لما روحت لبيته وشوفتني مضروبة وافتكرت انه هو عمل فيا كده ؟ قولت قدام كل العيلة اني غلطت ولازم ادفع التمن.
لوهلة ارتج قلبه وداعبته حسرة صغيرة متخيلا حجم معاناتها بسببه فهو لم يكن ليتمنى نهائيا أن تواجه ابنة عمه هذا المصير ومع ذلك فإن غروره وأنانيته تغلبتا على أي مشاعر أخرى فتوشحت عيناه بالجمود وهو يبرطم :
- أنا مكنتش عايز توصل الأمور لكده أبدا كنت راسم خطتي كويس ولو وافقتي من الأول تساعديني في قتل آدم كنت هقدر ساعتها اني اخلصك منه بس انتي رفضتي.
- متحاولش ترمي الغلط عليا أنا عمري ما كنت هقبل اشاركك في الجريمة مرة تانية.
رفع صفوان حاجبه مستنكرا وحادت شفته في إبتسامة متهكمة يسألها :
- انتي حبيتيه ولا ايه ؟
تبكمت نيجار وتمنعت عن الرد لكن وجهها كان ينضح عما بداخلها بوضوح فتوسعت عيناه وأطلق ضحكة عالية مستطردا بإستهزاء غاضب :
- وعلشان كده مفيش ع لسانك غير اسمه صح من امتى وانتي بالغباء ده روحتي تنتقمي منه قمتي وقعتي في حبه معقوله أنا مش مصدق ... دلوقتي فهمت ليه اتغيرتي ووقفتي فصفه انتي فاكرة انك لما تعملي كده هيرجع يحبك زي زمان صح تبقي غلطانة لانه خلاص كرهك وآخرك تكوني أداة استغلال بيستعملك لمصالحه و اول ما تخلص فايدتك هيرميكي.
رمقها بإزدراء كأنها مثيرة للشفقة ونظر لأمه وأخته مرددا بصوت عال وهو يشير عليها :
- أهو شايفين وسامعين بنفسكو عشان متقولوش اني ظلمتها هي ديه اللي خانتنا ونسيت جرايمهم في حقنا بسبب راجل كانت صياد ورجعت فريسة وجاية بكل وقاحة تدافع عن ابن سلطان ومن غير ما تتكسف تمام يا نيجار ده كان اختيارك ومن النهارده انتي ملكيش دعوة بعيلة الشرقاوي يلا اطلعي برا أنا مش عايز اشوفك هنا تاني.
- انت مين عشان تطردني نسيت انه ده بيتي كمان وليا حصة فيه زيي زيك بالظبط ومحدش ليه يقولي اطلع ولا افضل يعني اذا حبيت اقعد هعمل كده بكل بساطة وملكش حق انك تمنعني.
- بصي أنا ماسك نفسي عليكي بالعافية مش عايز ابتلى فيكي غوري من هنا وروحي نامي في حضن عدوك اللي بيستغلك.
- آدم عمره ما حاول يستغلني لأنه راجل بجد وشهم للدرجة اللي تخليه ميعتمدش على واحدة ست تمشيله مصالحه مش زيك وانت دايما بتتوعدله بس بتهاجمه غدر عمرك ما وقفت في وشه وواجهته زي الرجالة !!
وصادف آخر جملة نطقتها وصول آدم للسرايا وسماعه لهدرها الغاضب من الخارج فلم يكد رجاله يقاومون الحراس الذين منعوهم من التقدم حتى سمع صوت ضربة عنيفة نتج على إثرها صراخها المتألم !!
لم يدرِ بنفسه إلا وهو يلكم الحارس أمامه ويدفع الآخر ثم يركل الباب بعنف ويدخل ليجد نيجار ملقية على الأرض واضعة يدها على وجنتها وذاك الوغد يشرف عليها بملامح لا تبشر بالخير وهنا غلت الدماء المتدفقة في عروقه بجنون وتطايرت الشياطين من حوله فأطلق شتيمة بذيئة تليها صرخة نارية انبثقت منه :
- صــفــوان.
شهقت هذه الأخيرة بذعر ملتفتة إلى الخلف بعدما وقعت أرضا بسبب الصفعة التي باغتها بها ونظرت لصفوان الذي تلجلج ما إن قصف صوت آدم ورآه واقفا أمامه بوجه يخلو من الإنسانية، ثم سقط قلبها في الأسفل أيضا وهي تراه ينهب المسافة بينهما وقبل أن يتسنى لها استيعاب ماحدث وجدت ابن عمها يتكوَّم أرضا !
- يا واطي.
دوت زمجرته الساخطة ورجَّت المكان فاِنطلقت صرخات النساء المفزوعة والمستنجدة أما هي فتحاملت على نفسها ونهضت تتشبث بقميصه لتمنعه عن صفوان المتمرغ أرضا بشفة مشقوقة لكن آدم بدا كمن تلبسته الشياطين فأزاحها عنه وانقض على غريمه ملتقطا إياه من الأرض راجّاً إياه بوحشية هادرا :
- أنا هقتلك.
- يالهوي الحقوني.
صدع استنجاد جميلة المرعوبة على ولدها وهي ترى آدم يهوي عليه بضربة رأس فجرت الدما.ء من أنفه تليها ركلة عنيفة بمنتصف بطنه أسقطته مجددا فاِنكب فوقه مكيلا له المزيد حتى استطاع الآخر التملص منه وردّ الضربة له لتشتعل المشاجرة بينهما والكل عاجز عن إبعادهما عن بعض حتى اقتحم الحراس السرايا واستطاعوا إزاحتهما.
سدَّ أحد الرجال الطريق عن سيده لكي لا يعيد مهاجمته ويزيد الوضع سوءا وكان صفوان بنفس الحال حيث مسح دماءه بظهر يده وناظر عدوه بعينين مسختا بالشّر وهو يقاوم كي يبقى واقفا على قدميه بينما رفع آدم اصبعه بتحذير هادرا :
- ايدك ديه لو اتمدت تاني ع اللي بيخصني هقطعها فاهم يمين بالله العظيم اني هقطعهالك وادفنك جمبها بعد ما اخلص عليك وانت عارف كويس اني بقدر اعملها.
وقفت نيجار تراقب من بعي وقد دار الكون بها وأظلمت رؤيتها من هول الفوضى التي حدثت وكاد تماسكها يتقهقر لولا أنها تمسكت بالذرة المتبقية من القوة لتسمع جلجلة جميلة العدائية والمذعورة وهي تقول :
- انت فاكر نفسك مين عشان تجي وتهدد ولدي في بيته ايه ملكش كبير يوقفك عندك حدك مش خلاص خدت حقك منه قدام الكل عايز ايه تاني !
ثم حولت كلامها لنيجار مطالعة إياها بغضب نتج عن خوفها على ابنها :
- امشي من هنا يا نيجار خلاص انتي اخترتي طريقك فمفيش داعي تجي وتسببي مشاكل تانية احنا في غنى عنها يلا روحي.
التمعت عيناها بخذلان مرير وخيل لها بأنها استمعت لصوت تحطم قلبها إلى أشلاء وهي ترى أمها بالرضاعة تطلب منها أن تغادر وهي من جاءت اليوم لكي تخبرهم بأنها تنوي الطلاق فاِستقبلوها بالإهانات والطرد والضرب.
أحس آدم بما تشعر به الآن ولسبب ما لم يحبذ كسرتها بهذا الشكل فأمسك يدها يإحكام وجلجل بحزم وقوة :
- هتمشي فعلا لأن مكانها مش هنا مكانها الحقيقي فبيت جوزها بعيد عنكو.
سحبها وراءه وسط دهشتها وأركبها سيارته وانطلق بها وهي تناظره بدهشة منتظرة تفسيره لكنه ظل صامتا فسألته :
- ممكن افهم انت قلت ايه جوا ؟
زفر بضيق وأجابها دون أن يحيد بصره عن الطريق :
- هتفضلي معايا لحد ما تدبري مكان تروحيله سواء في المدينة ولا اي بلد تانية وقبل ما تقولي لأ ومن الكلام ده عايز اقولك اني فاهم روحتي ليه بس انتي شوفتي رد فعل عيلتك بنفسك اهو هما مش عايزينك جمبهم او محتاجين فترة على الاقل عشان يهدو ويتقبلوكي يعني قعدتك معاهم حاليا مستحيلة.
استمعت لكلماته التي دقت كالمسامير في قلبها بصمت ثم أسندت رأسها على زجاج النافذة لكي لا يلمح دموعها فتصبح بعينيه امرأة ضعيفة بشكل مثير للشفقة.
أساسا كرامتها أُهينت بما يكفي ويفيض فرغم علمها بأنه لا يقصد جرحها لكن كونه محق في جميع ما يقوله عن رفض عائلتها لها يجعلها تكره نفسها وتحقد على صفوان الذي رفع يده عليها للمرة الثانية...
حسنا هي لم تنوي السكوت عن ضربه كانت ستنهض وترد الضربة إلا أن ظهور آدم المفاجئ عرقلها وشتتها ولعل أكثر ما أوجع كبرياءها هو أنها تعرضت لكل هذه الأشياء أمامه وبالتأكيد هو يسخر في داخله ويسأل باِستهزاء عن إن كانت هذه هي العائلة التي لطالما افتخرت بها وغدرت به من أجلها.
تنهدت بتزمت وغيظ فهتفت محاولة الحفاظ على ما تبقى من مياه وجهها وهي لا تزال تحدق من النافذة :
- ياريت متفتكرش اني غلبانة ومقطوعة من شجرة لأنك سمعت مرات عمي بتقولي روّحي وأصلا أنا جيت بمزاجي علشان قولتلك اني مش هطول وإلا محدش منهم كان هيقدر يطردني انت عارف اني ليا حق في بيت الشرقاوي زيهم بالضبط.
لم تسمع جوابا منه وكأنها لم تتحدث من الأساس فعضت على باطن شفتها وطالعته ببعض من الحنق مدمدمة :
- انت مش سامعني ؟
- سمعتك، بس مع الأسف انا لسه طالع من خناقة كبيرة ومليش مزاج لحكاوي الحريم ديه.
برطم آدم ببرود وعبث خفي لينكمش وجه نيجار وتقول بنبرة أشد لينا :
- مكنش في داعي تتخانق معاه خالص أنا كنت هعرف اوقفه عند حده.
- معملتش كده علشانك عملته علشان اسمي وصورتي مكنتش هسمح لحد يمد ايده على مراتي.
تعثرت نبضة من قلبها وعرفت الابتسامة طريقا لوجهها وهي تستمع إليه كيف يردد بسهولة بأنها زوجته ولن يسمح لأحد بتعنيفها، فكادت تشكره لكن وصولهما للسرايا جعلها تتوقف وهنا التف اليها هاتفا بجدية :
- ادخلي انتي دلوقتي ومتحكيش اللي حصل لحد يعني لو سألوكي قوليلهم السواق خدني ورجعني مفهوم.
- انت مروح ع فين طيب.
- هرجع لشغلي طبعا نسيتي اني كنت بشتغل لما اتصلتي بيا.
أومأت على مضض متأملة كدمات وجهه السطحية وودت لو تعالجها لأنها السبب بها لكنها تعلم بأنه سيرفض ولهذا تركته وترجلت وحين كانت ستدخل توقفت عند الباب وحانت منها التفاتة لسيارته التي تبتعد وابتسمت بخفة هامسة :
- هو جه ورايا ليه معقوله كان خايف عليا وعشان كده لحقني.
_______________
بعد مرور أيام قليلة...
كان في مكتبه مشغولا بدراسة الملفات التي تصله من أصحاب العقارات فأسند جبينه على يده بتركيز مدققا في واحد بعينه حتى همس :
- هي الأرض ديه مش لصفوان امتى حب يبيعها وليه مش ع اساس ناوي يزرع فيها ... شكله واقع فمشكلة مالية عشان كده عرضها للبيع.
أشاح الملف بعيدا وأكمل المتابعة حتى رنَّ هاتف المكتب وأخبرته المساعدة بأن هناك سيدة تود مقابلته تساءل عن هويتها وسرعان ما تجهم وجهه وسمح لها بالدخول على مضض لتدلف هذه الأخيرة بعد لحظات وتبتسم لرؤيته :
- السلام عليكم ... ازيك يا مراد.
- وعليكم السلام اتفضلي ... يا حليمة هانم.
أشار لها بالجلوس واستدرك يسألها مباشرة :
- ايه جاب حضرتك لهنا بتوقع اني قولت اللي عندي من اسبوع لما جيتي وعرفتيني عن نفسك وقولتيلي ... انك بتبقي عمتي وعمة آدم.
ضغط على كلماته بحدة استرجعت بها حليمة ذكريات لسنوات طويلة مضت ... حينما جاء شقيقها سلطان وأخبرها بأنه تعرف على امرأة من المدينة تدعى فردوس وأحبها وتزوجها في الخفاء منذ أشهر دون أن يقول لها بأنه متزوج بالفعل، وهو الآن ولا يريد لأمه وزوجته الأولى أن تعرفا عن المرأة التي يحبها ...
انصدمت وقتها واستنكرت فعلته وتخريب بيته من أجل نزوة فأجابها بحزم بأنها ليست مجرد رغبة عابرة فلقد أحب تلك المرأة حقا ورغم محاولاته لنسيانها والتفرغ لزوجته -ابنة خالته في نفس الوقت- ولطفله آدم إلا أنه لم يستطع السيطرة على مشاعره أكثر من ذلك فتزوج فردوس ووعد نفسه بأن يحافظ عليها وألا يَدَع سوءا يمسّها.
إلا أن الأمور انقلبت والأسرار كُشفت فأقامت حكمت الدنيا على رأسه ولم تقعدها عندما علمت بزواجه من امرأة ليست بمستواهم وخيَّرته بين عائلته الأولى والسلطة التي يملكها وبين المدعوة فردوس ليقع سلطان في دوامة عميقة وكانت نهايتها أن اختارهم وترك زوجته الثانية التي كان يجهل وقتها بأنها كانت حاملا !!
تنهدت وهي تعود للحاضر ونظرت له بعينين صادقتين هاتفة :
- مش هدافع عن اخويا ولا ابررله كمان بس صدقني محدش مننا كان بيعرف أن مامتك حامل هي خبت عن سلطان لسبب مش فاهماه لغاية دلوقتي يمكن لانها انصدمت من انه متجوز قبلها ومخبي عليها وهو اضطر يسيبها عشان مراته وابنه وعشان متتأذاش من حكمت.
مط مراد شفته في ابتسامة قاسية واشتعل قلبه بالحقد وهو يستهزئ من حُجتها :
- متتأذاش من حكمت ! حكمت اللي هددت أمي بالقتل لو مبعدتش عن ابنها المصون وكأنها هي اللي ضحكت عليه وقالتله اتجوزني ومش هتخلى عنك ؟
نفسها الست اللي بسببها أنا وأمي اتشردنا وعشنا في عذاب لحد ما فقدت طاقتها وبقت زي الجثة لا بتتكلم ولا بتتحرك دلوقتي حضرتك جاية تقوليلي انا عمتك والمفروض اصدق نيتك الطيبة مش كده.
سقطت دمعة حليمة وانتفضت ممسكة يدها فأزاحها بنفور تلقائي لكنها لم تهتم وطفقت تقول :
- والله العظيم نيتي سليمة أول ما سمعت آدم وهو بيسأل عن واحدة اسمها فردوس سليمان وبعدين سمعته بيكلم مساعده وبيقوله انها بتبقى والدة حد اسمه مراد بدأت ادور عليك لغاية ما لقيتك وجيتلك ... كانت صدمة حياتي لما اكتشفت ان عندي ابن أخ تاني وطلع راجل طول بعرض زيك والصدمة الأكبر انك انت اللي اتعاونت مع اعدائنا عشان تؤذي أخوك الكبير.
حينها صفق سطح المكتب بحدة صائحا :
- أنا معنديش أخ !!
- سواء حبيت ولا كرهت هيفضل آدم أخوك وليلى أختك انتو لازم تتحدو مع بعض وتعاقبو حكمت لأنها هي اللي دمرت حياتكم.
هدرت حليمة بدفاعية فأوقفها مراد بحزم مجيبا :
- أنا فاهم من البداية حضرتك عاوزة مني ايه ناوية تعمليني بيدق في ايدك وتهاجمي حكمت بس مع الأسف جيتي للشخص الغلط لأني مش هدخل في مسرحية تصفية حسابات بين زوجة الأب وسندريلا ! وعلى فكرة مبيهمنيش اذا روحتي دلوقتي وحكيتي لآدم عن هويتي خلاص مبقاش يهمني.
فتحت فمها لتدافع عن موقفها لكنه أشار لها بيده مجددا في علامة على أن النقاش انتهى لتتنهد بيأس وتنهض مستسلمة لعناده لكنها قالت قبل أن تغادر :
- صحيح بكره حكمت وعايزة انتقم منها لأنها عملت في أمي ربنا يرحمها زي ما عملته في مامتك بس مش ناوية استغلك في محاربتها زي ما انت فاكر ... أنا بجد عايزاك تجتمع مع اخواتك وعيلتك وتحدد مين عدوك يا ابن اخويا ... غريمك الحقيقي بيبقى حكمت انت غلطان في مهاجمتك لآدم لأن هو بردو ضحية لطمعها وجبروتها زيك انت.
ألقت عليه مابجعبتها ثم حملت حقيبة يدها وغادرت تاركة دماءه تغلي في عروقه بعصبية تحولت تدريجيا إلى ألم نضح من حدقتيه بوضوح رغم محاولاته المستميتة لكي يظهر صلابته.
إذا لا ذنب لعمته ولا ذنب لآدم ولا ذنب لوالده الضعيف فيما حدث معه ومع والدته، حقا ؟
هذا الرجل الذي لعب بمشاعر فتاة فقيرة أرادت الهرب من معيشتها الصعبة فتهورت ووافقت على الزواج منه مصدقة أكاذيبه بخصوص أن والدته ووالده متوفيين ولا يقدر على أخذها لقريته بسبب ظروف عمله.
الرجل الذي لم تكن له شجاعة لتحمل مسؤولية أفعاله فطلق زوجته بعدما أعطاها حزمة من المال على أساس أنه سيعوضها عن أذيته، لقد قضى حياته وهو يرى أمه المسكينة تعمل صباح ومساء لتوفر له قطعة خبز جاف وتقدر على مصاريفه التعليمية لم يعلم سواهما بما يعانيانه حتى كبر وحان الوقت كي يعتمد على نفسه ويعوضها عن متاعبها ... بين أنه كان للقدر رأي آخر عندما أصيبت بجلطة دماغية جعلتها نصف حية ونصف ميتة !
مسح دموعه العالقة في عينه حين رن هاتفه بمكالمة من مساعدة أمه وسقط قلبه أسفل قدميه عندما أخبرته هذه الأخيرة بوجود أمر طارئ يستدعي حضوره على الفور فاِنتفض راكضا بأعلى سرعة إلى المنزل وبمجرد وصوله اقتحم الغرفة مترددا بهلع :
- في ايه ماما مالها.
نظرت له المساعدة بحيرة وقلة حيلة مجيبة :
- والدتك طلبت مني اناديلك من الصبح وهي عماله تحاول تفهمني عايزة ايه وقدرت افهمها بالعافية ... هي ... هي اتكلمت.
تلون وجهه بالصدمة مما يسمعه واقترب من والدته المتسطحة على الفراش أمسك يدها بيده المترجفة ووضعها أسفل وجنته متمتما :
- ماما ... ماما انتي اتكلمتي.
حركت فردوس أصابعها بضعف شديد وطالعته بعينيها المتعبتان وهي تجاهد لتحريك لسانها فخرجت منها حروف متقطعة بالكاد سمعها :
- مـ ... مـ ... مرا ... مراد.
تفجرت الدموع من مقلتيه ضاحكا بذهول وغير مصدق أنه سمع اسمه بصوتها بعد مرور سنوات وهتف :
- انتي اتكلمتي ... اتكلمتي ...
انتي سمعتيها وهي بتنطق اسمي مش كده.
وجه تساؤله للمساعدة وهو يلتف إليها فاِبتسمت مومئة ليعود وينظر لأمه وينزل وابلا من القبلات على يديها ووجهها مرددا برجاء :
- بالله عليكِ عيديها نفسي اسمع صوتك اللي اتحرمت منه بقالي سنين والله العظيم يا ماما انا كنت بصحى وبنام ع أمل اني اشوفك بتتحسني لولا الأمل ده كنت مُت من زمان.
نزلت دمعة حارقة على وجنتها الشاحبة بشكل مثير للريبة وأعادت همستها المتحشرجة :
- ا .. ابني ... مراد.
لم يكد يبتسم مجددا حتى وئدت البسمة وهو يلمح للتو تقاسيمها المهزولة وعينيها الواهنتين تبرقان من خلف رموشها وقد اكتنفها وهج بارد ... كما لو أنه ... كما لو أنه يفقد لونه رويدا رويدا !!
- ماما في ايه... انتي كويسة.
هتف بذعر متمسكا بيديها الباردتين كالجليد وطفق يتلمس وجهها الخامد بفجع وهو يراها تنظر لسقف الغرفة ساحبة أنفاسها باِختناق ... اختناق أدرك بألم أنها سكرات الموت !!
هز مراد رأسه بهستيرية وصرخ على السيدة الواقفة بجانبه آمرا بطلب الإسعاف ثم عاد لوالدته والتقط رأسها بين ذراعيه يحتضنها وكأنه يمنعها من الرحيل بينما ينتحب بلوعة وفجع :
- هتبقي كويسة متخفيش بالله عليكِ افضلي معايا يا ماما استحملي شويا بس الاسعاف هيوصل وهتكوني بخير.
- مراد.
كررت اسمه بثقل مميت فضمها أكثر ورفع رأسه للسماء مناجيا ببكاء حارق :
- يارب متحرمنيش منها مفضليش حد في حياتي غيرها يارب هي كل حاجة بالنسبالي.
كان يعلم بأنها النهاية ورغم هذا استمر بالتوسل لعله كابوس فقط وسيستيقظ منه سريعا لكنه ولبشاعة الألم لم يكن كابوسا بل كان حقيقة رآها وسمعها وهي ترفع اصبعها السبابة وتردد الشهادتين بين شفتيها ثم سقطت يدها ... وثقل جسدها بين أحضانه فجأة ...
_________________
ستووب انتهى البارت
________________
موازين المرء مرهونة بلقاء ... عندما تتواجه الأجساد بتأهب كان ليِّناً في الماضي وتصطدم الأعين بحرارة الغضب والذنب ... فتتقلب القلوب بضراوة وتتبدل المشاعر ويترنح الزمن بصفعة العدائية ... والخيانة !!
وقفت مطالعة السرايا من الخارج بأحاسيس مختلطة مابين الشوق والاضطراب ثم استجمعت قواها وشقت طريقها إلى الداخل فقابلتها سلمى التي كانت جالسة في الفناء وظهرت على وجهها تعابير الذهول من حضورها وهي تتمتم :
- نيجار ؟
ابتسمت ببهوت واقترب منها مرددة اسمها بشوق وعانقتها لتتصنم الأخرى قبل أن ترفع يداها مبادلة العناق بسطحية قبل أن تبتعد عنها وتقول :
- انتي جيتي ازاي وليه ؟
تنهدت نيجار وأجابتها بنبرة جادة :
- أنا جيت اشوفكم و اكلم صفوان كمان.
اكتسب وجه سلمى التوتر فاِشرأبت بعنقها تنظر لما خلفها وهتفت :
- مينفعش ده صفوان متعصب جدا بسبب اللي عملتيه فيه وبقاله فترة مش على بعضه منصحكيش تخليه يشوفك دلوقتي.
فتحت فمها لتتحدث لكن الكلمات حشرت في حلقها عندما خرجت جميلة من المطبخ ورأتها أمامها فذُهلت وتقدمت ناحية مرددة :
- نيجار ... انتي بتعملي ايه هنا !
ثم استحالت ملامحها للضيق والغضب متابعة :
- جاية ليه بعد ما بعتي أخوكي وفضحتيه مش خلاص نسيتينا واعتبرتي نفسك من عيلة الصاوي عايزة ايه تاني ؟
اعتلَّ قلب نيجار بغصة مؤلمة فأمسكت يدها تستحثها على سماعها بإحباط :
- أنا لسه بعتبر نفسي من عيلة الشرقاوي وهفضل طول عمري كده كمان.
في الأعلى كان صفوان جالسا بين سجائره يدخن واحدة تلوَ الأخرى وانتبه لضجة تصدر من الأسفل فاِسترق السمع قليلا لتتوسع عيناه ويتخضب وجهه بالغضب وهو يلتقط صوتها من بين بقية الأصوات، انتفض واقفا بعنف نتج عنه سقوط كرسيه على الأرض ونزل بخطوات متلاحقة حتى رآها تقف أمام والدته وشقيقته فهدر بجنون :
- انتي بتعملي ايه هنا !!
اقترب مقلصا المسافة بينهما واقتلعها من مكانها جاذبا إياها من ذراعها مكملا بصوت صارخ :
- يا خاينة، ازاي تجيلك الجرأة تعتبي باب البيت ده بعدما بعتيني لعدوي جاية تعملي ايه جوزك بعتك عشان تشمتي فينا ؟
كتمت تأوه ألم بسبب قبضته على ذراعها وحاولت التملص من قيده بينما تهتف :
- أنا عارفة انك متنرفز مني بس اهدا علشان نتكلم ... أنا وآدم هـ ...
قاطعها برعونة وعيناه تقطران سُمًّا لمجرد ذكر اسمه :
- متجبيش سيرته يا وقحة انتي ليكي عين تجي وتتكلمي عنه كمان مش كفاية اني اتذليتله وكرامتي بقت في الأرض من وراكي هتقعدي تمدحي فيه قدامي.
- اهدا يابني مش كده.
تمتمت جميلة باِستعطاف محاولة ثنيه عما يفعله لكنه أزاح ذراعها عنه بفظاظة مرددا :
- لا يامّا أنا مش ههدا عايز افهم ازاي البنت اللي كانت بتكره الصاوي وبتتوعد بالانتقام اتحولت وبقت خدامة عندهم ايه هما ذلوكي للدرجة ديه ولا ابن سلطان لعب عليكي نفس لعبتك فقمتي صدقتيه وبعتي نفسك وبعتيني عشانه.
استطاعت أخيرا التملص من قيده واكتنفها الغضب من إهاناته فتشدقت هادرة بحدة :
- كفاية بقى أنا مبعتش حد انت اللي بعتني لما رميتني ليهم أول مرة واتخليت عني وبعدين جبت واحد بلطجي يقتل آدم قدامي ومفكرتش في اللي ممكن يحصلي، انت عارف انهم اتهموني باشتراكي في اغتياله عارف انه حكمت سجنتني يوم كامل وكنت هموت لولا هو لحقني وفضلت اسمع اهاناتهم واستحمل نظرات القرف منهم ؟
ولما تعبت وحاولت اهرب جه البلطجي بتاعك وخطفني وكان هيعتدي عليا !!
شهقت جميلة وسلمى بصدمة فطالعتهما وانهمرت دمعة من عينها هاتفة بسخرية :
- ايه ده هو صفوان مقالكمش ان جريمته طالتني أنا بردو.
- انتي بتقولي ايه.
- بقول اللي حصل يا مرات عمي، ابن عمي العزيز بعد جريمته رفض يدفع للبلطجي بتاعه و التاني اتوعدله فلما شافني لوحدي بليل قدر يتعرف عليا ولأنه عايز ينتقم من ابن حضرتك لقى اني الوسيلة الوحيدة فخطفني وضربني وكان هيغتصبني لولا آدم لحقني في آخر لحظة.
تحشرج صوتها بغصة تملكت حلقها وهي تتحدث وحدجت صفوان بنظرات حارقة مستدركة بألم أحرق روحها :
- ابن سلطان اللي مش عاجبك قطع الغابة وهو بيجري فنص الليل وبيدور عليا قتل مليجي وهو بيعرف انه الدليل الوحيد على جريمتك وشالني بكتفه المجروحة وركض بيا فعز المطر علشان يعالجني، ابن سلطان ده مرضيش يعرف عيلته باللي حصلي عشان ميكسرنيش قدامهم وحتى لما قولتله هشهد معاك رفض وقال مش هيؤذيلي بسبب مصالحه كان هيتحمل الذنب بس لأنه عارف قد ايه الموضوع ده حساس بالنسبة ليا.
هو متخلاش عني رغم اني غدرت بيه ووجعته بس انت عملت ايه لما روحت لبيته وشوفتني مضروبة وافتكرت انه هو عمل فيا كده ؟ قولت قدام كل العيلة اني غلطت ولازم ادفع التمن.
لوهلة ارتج قلبه وداعبته حسرة صغيرة متخيلا حجم معاناتها بسببه فهو لم يكن ليتمنى نهائيا أن تواجه ابنة عمه هذا المصير ومع ذلك فإن غروره وأنانيته تغلبتا على أي مشاعر أخرى فتوشحت عيناه بالجمود وهو يبرطم :
- أنا مكنتش عايز توصل الأمور لكده أبدا كنت راسم خطتي كويس ولو وافقتي من الأول تساعديني في قتل آدم كنت هقدر ساعتها اني اخلصك منه بس انتي رفضتي.
- متحاولش ترمي الغلط عليا أنا عمري ما كنت هقبل اشاركك في الجريمة مرة تانية.
رفع صفوان حاجبه مستنكرا وحادت شفته في إبتسامة متهكمة يسألها :
- انتي حبيتيه ولا ايه ؟
تبكمت نيجار وتمنعت عن الرد لكن وجهها كان ينضح عما بداخلها بوضوح فتوسعت عيناه وأطلق ضحكة عالية مستطردا بإستهزاء غاضب :
- وعلشان كده مفيش ع لسانك غير اسمه صح من امتى وانتي بالغباء ده روحتي تنتقمي منه قمتي وقعتي في حبه معقوله أنا مش مصدق ... دلوقتي فهمت ليه اتغيرتي ووقفتي فصفه انتي فاكرة انك لما تعملي كده هيرجع يحبك زي زمان صح تبقي غلطانة لانه خلاص كرهك وآخرك تكوني أداة استغلال بيستعملك لمصالحه و اول ما تخلص فايدتك هيرميكي.
رمقها بإزدراء كأنها مثيرة للشفقة ونظر لأمه وأخته مرددا بصوت عال وهو يشير عليها :
- أهو شايفين وسامعين بنفسكو عشان متقولوش اني ظلمتها هي ديه اللي خانتنا ونسيت جرايمهم في حقنا بسبب راجل كانت صياد ورجعت فريسة وجاية بكل وقاحة تدافع عن ابن سلطان ومن غير ما تتكسف تمام يا نيجار ده كان اختيارك ومن النهارده انتي ملكيش دعوة بعيلة الشرقاوي يلا اطلعي برا أنا مش عايز اشوفك هنا تاني.
- انت مين عشان تطردني نسيت انه ده بيتي كمان وليا حصة فيه زيي زيك بالظبط ومحدش ليه يقولي اطلع ولا افضل يعني اذا حبيت اقعد هعمل كده بكل بساطة وملكش حق انك تمنعني.
- بصي أنا ماسك نفسي عليكي بالعافية مش عايز ابتلى فيكي غوري من هنا وروحي نامي في حضن عدوك اللي بيستغلك.
- آدم عمره ما حاول يستغلني لأنه راجل بجد وشهم للدرجة اللي تخليه ميعتمدش على واحدة ست تمشيله مصالحه مش زيك وانت دايما بتتوعدله بس بتهاجمه غدر عمرك ما وقفت في وشه وواجهته زي الرجالة !!
وصادف آخر جملة نطقتها وصول آدم للسرايا وسماعه لهدرها الغاضب من الخارج فلم يكد رجاله يقاومون الحراس الذين منعوهم من التقدم حتى سمع صوت ضربة عنيفة نتج على إثرها صراخها المتألم !!
لم يدرِ بنفسه إلا وهو يلكم الحارس أمامه ويدفع الآخر ثم يركل الباب بعنف ويدخل ليجد نيجار ملقية على الأرض واضعة يدها على وجنتها وذاك الوغد يشرف عليها بملامح لا تبشر بالخير وهنا غلت الدماء المتدفقة في عروقه بجنون وتطايرت الشياطين من حوله فأطلق شتيمة بذيئة تليها صرخة نارية انبثقت منه :
- صــفــوان.
شهقت هذه الأخيرة بذعر ملتفتة إلى الخلف بعدما وقعت أرضا بسبب الصفعة التي باغتها بها ونظرت لصفوان الذي تلجلج ما إن قصف صوت آدم ورآه واقفا أمامه بوجه يخلو من الإنسانية، ثم سقط قلبها في الأسفل أيضا وهي تراه ينهب المسافة بينهما وقبل أن يتسنى لها استيعاب ماحدث وجدت ابن عمها يتكوَّم أرضا !
- يا واطي.
دوت زمجرته الساخطة ورجَّت المكان فاِنطلقت صرخات النساء المفزوعة والمستنجدة أما هي فتحاملت على نفسها ونهضت تتشبث بقميصه لتمنعه عن صفوان المتمرغ أرضا بشفة مشقوقة لكن آدم بدا كمن تلبسته الشياطين فأزاحها عنه وانقض على غريمه ملتقطا إياه من الأرض راجّاً إياه بوحشية هادرا :
- أنا هقتلك.
- يالهوي الحقوني.
صدع استنجاد جميلة المرعوبة على ولدها وهي ترى آدم يهوي عليه بضربة رأس فجرت الدما.ء من أنفه تليها ركلة عنيفة بمنتصف بطنه أسقطته مجددا فاِنكب فوقه مكيلا له المزيد حتى استطاع الآخر التملص منه وردّ الضربة له لتشتعل المشاجرة بينهما والكل عاجز عن إبعادهما عن بعض حتى اقتحم الحراس السرايا واستطاعوا إزاحتهما.
سدَّ أحد الرجال الطريق عن سيده لكي لا يعيد مهاجمته ويزيد الوضع سوءا وكان صفوان بنفس الحال حيث مسح دماءه بظهر يده وناظر عدوه بعينين مسختا بالشّر وهو يقاوم كي يبقى واقفا على قدميه بينما رفع آدم اصبعه بتحذير هادرا :
- ايدك ديه لو اتمدت تاني ع اللي بيخصني هقطعها فاهم يمين بالله العظيم اني هقطعهالك وادفنك جمبها بعد ما اخلص عليك وانت عارف كويس اني بقدر اعملها.
وقفت نيجار تراقب من بعي وقد دار الكون بها وأظلمت رؤيتها من هول الفوضى التي حدثت وكاد تماسكها يتقهقر لولا أنها تمسكت بالذرة المتبقية من القوة لتسمع جلجلة جميلة العدائية والمذعورة وهي تقول :
- انت فاكر نفسك مين عشان تجي وتهدد ولدي في بيته ايه ملكش كبير يوقفك عندك حدك مش خلاص خدت حقك منه قدام الكل عايز ايه تاني !
ثم حولت كلامها لنيجار مطالعة إياها بغضب نتج عن خوفها على ابنها :
- امشي من هنا يا نيجار خلاص انتي اخترتي طريقك فمفيش داعي تجي وتسببي مشاكل تانية احنا في غنى عنها يلا روحي.
التمعت عيناها بخذلان مرير وخيل لها بأنها استمعت لصوت تحطم قلبها إلى أشلاء وهي ترى أمها بالرضاعة تطلب منها أن تغادر وهي من جاءت اليوم لكي تخبرهم بأنها تنوي الطلاق فاِستقبلوها بالإهانات والطرد والضرب.
أحس آدم بما تشعر به الآن ولسبب ما لم يحبذ كسرتها بهذا الشكل فأمسك يدها يإحكام وجلجل بحزم وقوة :
- هتمشي فعلا لأن مكانها مش هنا مكانها الحقيقي فبيت جوزها بعيد عنكو.
سحبها وراءه وسط دهشتها وأركبها سيارته وانطلق بها وهي تناظره بدهشة منتظرة تفسيره لكنه ظل صامتا فسألته :
- ممكن افهم انت قلت ايه جوا ؟
زفر بضيق وأجابها دون أن يحيد بصره عن الطريق :
- هتفضلي معايا لحد ما تدبري مكان تروحيله سواء في المدينة ولا اي بلد تانية وقبل ما تقولي لأ ومن الكلام ده عايز اقولك اني فاهم روحتي ليه بس انتي شوفتي رد فعل عيلتك بنفسك اهو هما مش عايزينك جمبهم او محتاجين فترة على الاقل عشان يهدو ويتقبلوكي يعني قعدتك معاهم حاليا مستحيلة.
استمعت لكلماته التي دقت كالمسامير في قلبها بصمت ثم أسندت رأسها على زجاج النافذة لكي لا يلمح دموعها فتصبح بعينيه امرأة ضعيفة بشكل مثير للشفقة.
أساسا كرامتها أُهينت بما يكفي ويفيض فرغم علمها بأنه لا يقصد جرحها لكن كونه محق في جميع ما يقوله عن رفض عائلتها لها يجعلها تكره نفسها وتحقد على صفوان الذي رفع يده عليها للمرة الثانية...
حسنا هي لم تنوي السكوت عن ضربه كانت ستنهض وترد الضربة إلا أن ظهور آدم المفاجئ عرقلها وشتتها ولعل أكثر ما أوجع كبرياءها هو أنها تعرضت لكل هذه الأشياء أمامه وبالتأكيد هو يسخر في داخله ويسأل باِستهزاء عن إن كانت هذه هي العائلة التي لطالما افتخرت بها وغدرت به من أجلها.
تنهدت بتزمت وغيظ فهتفت محاولة الحفاظ على ما تبقى من مياه وجهها وهي لا تزال تحدق من النافذة :
- ياريت متفتكرش اني غلبانة ومقطوعة من شجرة لأنك سمعت مرات عمي بتقولي روّحي وأصلا أنا جيت بمزاجي علشان قولتلك اني مش هطول وإلا محدش منهم كان هيقدر يطردني انت عارف اني ليا حق في بيت الشرقاوي زيهم بالضبط.
لم تسمع جوابا منه وكأنها لم تتحدث من الأساس فعضت على باطن شفتها وطالعته ببعض من الحنق مدمدمة :
- انت مش سامعني ؟
- سمعتك، بس مع الأسف انا لسه طالع من خناقة كبيرة ومليش مزاج لحكاوي الحريم ديه.
برطم آدم ببرود وعبث خفي لينكمش وجه نيجار وتقول بنبرة أشد لينا :
- مكنش في داعي تتخانق معاه خالص أنا كنت هعرف اوقفه عند حده.
- معملتش كده علشانك عملته علشان اسمي وصورتي مكنتش هسمح لحد يمد ايده على مراتي.
تعثرت نبضة من قلبها وعرفت الابتسامة طريقا لوجهها وهي تستمع إليه كيف يردد بسهولة بأنها زوجته ولن يسمح لأحد بتعنيفها، فكادت تشكره لكن وصولهما للسرايا جعلها تتوقف وهنا التف اليها هاتفا بجدية :
- ادخلي انتي دلوقتي ومتحكيش اللي حصل لحد يعني لو سألوكي قوليلهم السواق خدني ورجعني مفهوم.
- انت مروح ع فين طيب.
- هرجع لشغلي طبعا نسيتي اني كنت بشتغل لما اتصلتي بيا.
أومأت على مضض متأملة كدمات وجهه السطحية وودت لو تعالجها لأنها السبب بها لكنها تعلم بأنه سيرفض ولهذا تركته وترجلت وحين كانت ستدخل توقفت عند الباب وحانت منها التفاتة لسيارته التي تبتعد وابتسمت بخفة هامسة :
- هو جه ورايا ليه معقوله كان خايف عليا وعشان كده لحقني.
_______________
بعد مرور أيام قليلة...
كان في مكتبه مشغولا بدراسة الملفات التي تصله من أصحاب العقارات فأسند جبينه على يده بتركيز مدققا في واحد بعينه حتى همس :
- هي الأرض ديه مش لصفوان امتى حب يبيعها وليه مش ع اساس ناوي يزرع فيها ... شكله واقع فمشكلة مالية عشان كده عرضها للبيع.
أشاح الملف بعيدا وأكمل المتابعة حتى رنَّ هاتف المكتب وأخبرته المساعدة بأن هناك سيدة تود مقابلته تساءل عن هويتها وسرعان ما تجهم وجهه وسمح لها بالدخول على مضض لتدلف هذه الأخيرة بعد لحظات وتبتسم لرؤيته :
- السلام عليكم ... ازيك يا مراد.
- وعليكم السلام اتفضلي ... يا حليمة هانم.
أشار لها بالجلوس واستدرك يسألها مباشرة :
- ايه جاب حضرتك لهنا بتوقع اني قولت اللي عندي من اسبوع لما جيتي وعرفتيني عن نفسك وقولتيلي ... انك بتبقي عمتي وعمة آدم.
ضغط على كلماته بحدة استرجعت بها حليمة ذكريات لسنوات طويلة مضت ... حينما جاء شقيقها سلطان وأخبرها بأنه تعرف على امرأة من المدينة تدعى فردوس وأحبها وتزوجها في الخفاء منذ أشهر دون أن يقول لها بأنه متزوج بالفعل، وهو الآن ولا يريد لأمه وزوجته الأولى أن تعرفا عن المرأة التي يحبها ...
انصدمت وقتها واستنكرت فعلته وتخريب بيته من أجل نزوة فأجابها بحزم بأنها ليست مجرد رغبة عابرة فلقد أحب تلك المرأة حقا ورغم محاولاته لنسيانها والتفرغ لزوجته -ابنة خالته في نفس الوقت- ولطفله آدم إلا أنه لم يستطع السيطرة على مشاعره أكثر من ذلك فتزوج فردوس ووعد نفسه بأن يحافظ عليها وألا يَدَع سوءا يمسّها.
إلا أن الأمور انقلبت والأسرار كُشفت فأقامت حكمت الدنيا على رأسه ولم تقعدها عندما علمت بزواجه من امرأة ليست بمستواهم وخيَّرته بين عائلته الأولى والسلطة التي يملكها وبين المدعوة فردوس ليقع سلطان في دوامة عميقة وكانت نهايتها أن اختارهم وترك زوجته الثانية التي كان يجهل وقتها بأنها كانت حاملا !!
تنهدت وهي تعود للحاضر ونظرت له بعينين صادقتين هاتفة :
- مش هدافع عن اخويا ولا ابررله كمان بس صدقني محدش مننا كان بيعرف أن مامتك حامل هي خبت عن سلطان لسبب مش فاهماه لغاية دلوقتي يمكن لانها انصدمت من انه متجوز قبلها ومخبي عليها وهو اضطر يسيبها عشان مراته وابنه وعشان متتأذاش من حكمت.
مط مراد شفته في ابتسامة قاسية واشتعل قلبه بالحقد وهو يستهزئ من حُجتها :
- متتأذاش من حكمت ! حكمت اللي هددت أمي بالقتل لو مبعدتش عن ابنها المصون وكأنها هي اللي ضحكت عليه وقالتله اتجوزني ومش هتخلى عنك ؟
نفسها الست اللي بسببها أنا وأمي اتشردنا وعشنا في عذاب لحد ما فقدت طاقتها وبقت زي الجثة لا بتتكلم ولا بتتحرك دلوقتي حضرتك جاية تقوليلي انا عمتك والمفروض اصدق نيتك الطيبة مش كده.
سقطت دمعة حليمة وانتفضت ممسكة يدها فأزاحها بنفور تلقائي لكنها لم تهتم وطفقت تقول :
- والله العظيم نيتي سليمة أول ما سمعت آدم وهو بيسأل عن واحدة اسمها فردوس سليمان وبعدين سمعته بيكلم مساعده وبيقوله انها بتبقى والدة حد اسمه مراد بدأت ادور عليك لغاية ما لقيتك وجيتلك ... كانت صدمة حياتي لما اكتشفت ان عندي ابن أخ تاني وطلع راجل طول بعرض زيك والصدمة الأكبر انك انت اللي اتعاونت مع اعدائنا عشان تؤذي أخوك الكبير.
حينها صفق سطح المكتب بحدة صائحا :
- أنا معنديش أخ !!
- سواء حبيت ولا كرهت هيفضل آدم أخوك وليلى أختك انتو لازم تتحدو مع بعض وتعاقبو حكمت لأنها هي اللي دمرت حياتكم.
هدرت حليمة بدفاعية فأوقفها مراد بحزم مجيبا :
- أنا فاهم من البداية حضرتك عاوزة مني ايه ناوية تعمليني بيدق في ايدك وتهاجمي حكمت بس مع الأسف جيتي للشخص الغلط لأني مش هدخل في مسرحية تصفية حسابات بين زوجة الأب وسندريلا ! وعلى فكرة مبيهمنيش اذا روحتي دلوقتي وحكيتي لآدم عن هويتي خلاص مبقاش يهمني.
فتحت فمها لتدافع عن موقفها لكنه أشار لها بيده مجددا في علامة على أن النقاش انتهى لتتنهد بيأس وتنهض مستسلمة لعناده لكنها قالت قبل أن تغادر :
- صحيح بكره حكمت وعايزة انتقم منها لأنها عملت في أمي ربنا يرحمها زي ما عملته في مامتك بس مش ناوية استغلك في محاربتها زي ما انت فاكر ... أنا بجد عايزاك تجتمع مع اخواتك وعيلتك وتحدد مين عدوك يا ابن اخويا ... غريمك الحقيقي بيبقى حكمت انت غلطان في مهاجمتك لآدم لأن هو بردو ضحية لطمعها وجبروتها زيك انت.
ألقت عليه مابجعبتها ثم حملت حقيبة يدها وغادرت تاركة دماءه تغلي في عروقه بعصبية تحولت تدريجيا إلى ألم نضح من حدقتيه بوضوح رغم محاولاته المستميتة لكي يظهر صلابته.
إذا لا ذنب لعمته ولا ذنب لآدم ولا ذنب لوالده الضعيف فيما حدث معه ومع والدته، حقا ؟
هذا الرجل الذي لعب بمشاعر فتاة فقيرة أرادت الهرب من معيشتها الصعبة فتهورت ووافقت على الزواج منه مصدقة أكاذيبه بخصوص أن والدته ووالده متوفيين ولا يقدر على أخذها لقريته بسبب ظروف عمله.
الرجل الذي لم تكن له شجاعة لتحمل مسؤولية أفعاله فطلق زوجته بعدما أعطاها حزمة من المال على أساس أنه سيعوضها عن أذيته، لقد قضى حياته وهو يرى أمه المسكينة تعمل صباح ومساء لتوفر له قطعة خبز جاف وتقدر على مصاريفه التعليمية لم يعلم سواهما بما يعانيانه حتى كبر وحان الوقت كي يعتمد على نفسه ويعوضها عن متاعبها ... بين أنه كان للقدر رأي آخر عندما أصيبت بجلطة دماغية جعلتها نصف حية ونصف ميتة !
مسح دموعه العالقة في عينه حين رن هاتفه بمكالمة من مساعدة أمه وسقط قلبه أسفل قدميه عندما أخبرته هذه الأخيرة بوجود أمر طارئ يستدعي حضوره على الفور فاِنتفض راكضا بأعلى سرعة إلى المنزل وبمجرد وصوله اقتحم الغرفة مترددا بهلع :
- في ايه ماما مالها.
نظرت له المساعدة بحيرة وقلة حيلة مجيبة :
- والدتك طلبت مني اناديلك من الصبح وهي عماله تحاول تفهمني عايزة ايه وقدرت افهمها بالعافية ... هي ... هي اتكلمت.
تلون وجهه بالصدمة مما يسمعه واقترب من والدته المتسطحة على الفراش أمسك يدها بيده المترجفة ووضعها أسفل وجنته متمتما :
- ماما ... ماما انتي اتكلمتي.
حركت فردوس أصابعها بضعف شديد وطالعته بعينيها المتعبتان وهي تجاهد لتحريك لسانها فخرجت منها حروف متقطعة بالكاد سمعها :
- مـ ... مـ ... مرا ... مراد.
تفجرت الدموع من مقلتيه ضاحكا بذهول وغير مصدق أنه سمع اسمه بصوتها بعد مرور سنوات وهتف :
- انتي اتكلمتي ... اتكلمتي ...
انتي سمعتيها وهي بتنطق اسمي مش كده.
وجه تساؤله للمساعدة وهو يلتف إليها فاِبتسمت مومئة ليعود وينظر لأمه وينزل وابلا من القبلات على يديها ووجهها مرددا برجاء :
- بالله عليكِ عيديها نفسي اسمع صوتك اللي اتحرمت منه بقالي سنين والله العظيم يا ماما انا كنت بصحى وبنام ع أمل اني اشوفك بتتحسني لولا الأمل ده كنت مُت من زمان.
نزلت دمعة حارقة على وجنتها الشاحبة بشكل مثير للريبة وأعادت همستها المتحشرجة :
- ا .. ابني ... مراد.
لم يكد يبتسم مجددا حتى وئدت البسمة وهو يلمح للتو تقاسيمها المهزولة وعينيها الواهنتين تبرقان من خلف رموشها وقد اكتنفها وهج بارد ... كما لو أنه ... كما لو أنه يفقد لونه رويدا رويدا !!
- ماما في ايه... انتي كويسة.
هتف بذعر متمسكا بيديها الباردتين كالجليد وطفق يتلمس وجهها الخامد بفجع وهو يراها تنظر لسقف الغرفة ساحبة أنفاسها باِختناق ... اختناق أدرك بألم أنها سكرات الموت !!
هز مراد رأسه بهستيرية وصرخ على السيدة الواقفة بجانبه آمرا بطلب الإسعاف ثم عاد لوالدته والتقط رأسها بين ذراعيه يحتضنها وكأنه يمنعها من الرحيل بينما ينتحب بلوعة وفجع :
- هتبقي كويسة متخفيش بالله عليكِ افضلي معايا يا ماما استحملي شويا بس الاسعاف هيوصل وهتكوني بخير.
- مراد.
كررت اسمه بثقل مميت فضمها أكثر ورفع رأسه للسماء مناجيا ببكاء حارق :
- يارب متحرمنيش منها مفضليش حد في حياتي غيرها يارب هي كل حاجة بالنسبالي.
كان يعلم بأنها النهاية ورغم هذا استمر بالتوسل لعله كابوس فقط وسيستيقظ منه سريعا لكنه ولبشاعة الألم لم يكن كابوسا بل كان حقيقة رآها وسمعها وهي ترفع اصبعها السبابة وتردد الشهادتين بين شفتيها ثم سقطت يدها ... وثقل جسدها بين أحضانه فجأة ...
_________________
ستووب انتهى البارت