اخر الروايات

رواية لعنة الخطيئة الفصل السابع والعشرون 27 بقلم فاطمة احمد

رواية لعنة الخطيئة الفصل السابع والعشرون 27 بقلم فاطمة احمد 


الفصل السابع والعشرون : اللحظة الموعودة.
__________________
" ماذا نفعل والمسافة بيننا كعمق المحيط ...
أنتِ لا تستطيعين الطفو إلي
وأنا إن غصت إليك سنغرق معا

- بصي أنا كنت ناوي انهي كل حاجة بمجرد ما صفوان ينكشف للكل واحرر نفسي من القيود اللي اتفرضت عليا.
نطق كلماته بتشدد وراقب وجهها الذي بدأ ينكمش بريبة وتوجس ثم زفر مكملا دفعة واحدة :
- وبالتالي انتي لو اعترفتي للعمدة فأنا هطلقك بعدها مباشرة !!

وكأنه قتلها وسحب الروح منها !
انتفضت محررة يداه بلوعة كمن كان يمسك جمرا مشتعلا، وأحست بقشعريرة سوداء تغزو جسدها بعنف وقد غابت عن وجهها أمارات الحياة وهَوَت مرتطمة بالقاع من كلماته ...

- تطلقني ؟
همست بلهجة ميتة فأومأ بإيجاب مؤكدا :
- ايوة لأن علاقتنا ديه مفيش منها فايدة ومحدش مننا عايزها ولا اللي حوالينا عايزينها.

ثم استطرد بعدما لاحظ تيبسها :
- مالك عامله كده.

هزت نيجار رأسها بتشوش واغتصبت ابتسامة شاحبة على وجهها مبرطمة :
- لا انا اتفاجأت بس، يعني انت اتجوزتني لأنك بتكرهني وعاوز تنتقم مني فمكنتش متوقعة الموضوع يخلص بالبساطة ديه.

- لأني لاحظت ان جوازنا بيضرني انا اكتر ماهو بيضرك والحياة مابيننا مستحيلة والمشاكل عماله تقع على راسي من ابن عمك وستي وغيرهم فخلاص قررت اريح دماغي عشان السبب اللي غصبني اتجوزك حصلت عليه وبقيت خليفة العمدة فمفيش داعي نضيع وقت اكتر من كده ... ولا انتي بتفكري هتروحي فين بعد ما تقفي ضد صفوان خايفة انه يحقد عليكي وميسمحلكيش تعيشي معاهم ؟

طالعته بدموع مترقرقة أخطأ آدم في تفسيرها ليستطرد بجدية :
- عشان كده أنا قولتلك القرار في ايديكي مش هجبرك تشهدي ضده بقدر استنى لحد ما الاقي دليل بنفسي وبالطريقة ديه مش هتحطي نفسك في مواجهة معاه.

- اه فعلا انا بفكر في الموضوع ده يعني صفوان هيتعصب وعيلتي هتكرهني بردو ... هو ده اللي شاغل بالي.
همهمت بتقطع مانعة دموعها من النزول أمامه ثم رفعت رأسها وطالعته ببسالة مردفة :
- أنا بقيت مترددة بعد اللي قولته صحيح فكرة الطلاق فرحتني بس كمان لازم افكر في المستقبل واحدد هروح ع فين بعد ما ننفصل فممكن تسيبلي شوية وقت عشان اعرف ارتب أموري ؟

تأمل آدم صلابتها بصمت وفكر بأنها لم تهتم سوى بمصيرها بعد أن تكشف جريمة ابن عمها وهذا ما كان يتوقعه تماما فبالطبع سوف تكون هي أكثر شخص سعيد بالطلاق والتخلص من عائلته.
لذلك هز رأسه موافقا على طلبها واستطرد متحدثا بثبات :
- ماشي بس خدي بالك لو كنتي ناوية تشهدي لازم تعرفي انك هتروحي معايا وتقولي الكلام اللي انا عايزه يعني محدش هيعرف ان مليجي خطفك وحاول يعتدي عليكي.

- ليه انت مكسوف يعرفو ان مراتك ...
كانت ستسأله باِنكسار عما إذا كانت حادثتها تجرح رجولته فرفع آدم يده بتحذير موقفا إياها عن المواصلة.
ثم أخذ نفسا عميقا ليهدئ من روعه ورد عليها :
- في الأول كنت بفكر بالشكل ده فعلا بس لما هديت استوعبت ان الحادثة أذتك اكتر مني ومهما كان اللي بيننا مش هرضى انك تحطي نفسك في موقف محرج علشان تساعديني ... هنروح مع بعض للعمدة وتقوليله انك كنتي مروحة زيارة لبيت أهلك ومليجي اعترض طريقك ولما عرف انتي مين حاول يسرقك عشان ينتقم من صفوان بس انا لحقتك وخلصت عليه.

ركزت نيجار في كلامه وضيقت حاجباها بحيرة متسائلة :
- بس انت كده هتنحط في موضع الملام والعمدة هيقولك ان اللي حصل مش دافع يخليك تقتله ولو قتلته فكان لازم تروح تقوله فورا مش تدفنه وتخبي القصة عنه ... وممكن الغلط يتقلب عليك لانك اتسرعت بقتله من غير ماترجعله.

- هو ده اللي هيحصل فعلا بس مش مهم طالما سيرة الاعتداء مش هتتعرف، صحيح ان اللي حصل في الليلة اياها مكنش ذنبك وفي المواضيع ديه في مذنب واحد لازم يتكسف ويتعاقب وهو الحيوان اللي بيتجرأ يؤذي ست بالطريقة ديه وبعيدا عن رأيي وردة فعلي بس انا عارف كويس انك مش هتبقي مبسوطة لو اظهرتي جرحك لأي حد تاني.

ألقى عباراته الحازمة ثم غادر الغرفة تاركا تشخص بصرها في الفراغ محاولة استيعاب ماسمعته، هل هو مستعد لأن يضع نفسه في موقع الرجل المتسرع الذي تكتم عن حادثة القتل حتى لا يتأذى فقط لأنه يود حفظ كرامتها وجروحها المستترة بما أنه يعلم جيدا بأن آخر شيء ستريد حدوثه هو أن تكون امرأة مثيرة للشفقة عجزت عن حماية نفسها.
هل هذا الرجل هو نفسه من صرّح بأنه سينفصل عنها بمجرد كشف حقيقة المجرم ! وهنا ارتجفت ساقي نيجار كخيط من الهلام الرفيع وفقدت قوتها المتبقية فاِنهارت جالسة على السرير ووضعت يدها على جانبها الأيسر المختض مهمهمة :
- انت بتتوجع ليه كنت فاكر ان هتبقى عندنا فرصة تانية ويسامحني ونكمل حياتنا مع بعض ؟
ايوة انا اتأملت واتمنيت بس كان لازم افوق من حلمي، آدم بيكرهني وماصدق لقى فرصة عشان يخلص مني وده حقه مبقدرش ألومه كفاية انه ... اه.

تأوهت بألم عاجزة عن صدِّ غصة قوية جعلت خافقها يتعثر عثرة وراء عثرة فطفقت تمسح على مكان قلبها لعلها تهون عليه وتعيده إلى رشده ثم انزوت في فراشها وغطت نفسها كليا كي تنهمر في البكاء براحتها ...
_________________

استيقظ صباحا واغتسل وتوجه للغرفة المقابلة له ليصطدم بالمساعدة بشكل عرضي فسألها بجدية :
- ماما بقت عامله ايه دلوقتي.

ردت عليه بنبرة مماثلة :
- أحسن من الاول بقالها يومين رافضة تدخل لقمة لبوقها بس النهارده عرفت اخليها تاكل وتاخد العلاج كمان.

تمتم شاكرا ودخل ليجدها مستلقية على السرير بلا حول ولا قوة كعادتها ومثل كل مرة يراها هو بهذا الشكل تعثرت خفقات قلبه وترقرقت عيناه الحزينتان عليها ثم ذهب وجلس بجوارها متمتما بحنية :
- سمعت انك فطرتي وخدتي علاجك ايوة كده يا فردوس هانم عايزين ناخد بالنا ع صحتنا عشان نتحسن في أسرع وقت ماشي.

قابلته بسكونها الدائم ولم تبادله نظرة حتى فتنهد مراد بحرقة وعانق بوجنته باطن يدها الباردة هاتفا بلوعة وحنين :
- نفسي ارجع اسمع صوتك ولو لمرة واحدة نفسي تبصيلي وتمسحي على شعري زي ماكنتي بتعملي وأنا صغير وتقوليلي متعيطش ياحبيبي انا معاك وكل حاجة هتتحسن.
عارف ان حالتك ديه غصب عنك بس علشان خاطري متستسلميش حاولي علشاني يا ماما أنا محتاج انك تكوني جمبي.

اختنق صوته عند آخر كلمة وانهمرت دموعه بعجز ولو كان الأمر بيده لقدم صحته وسلامة جسده قربانا حتى تتحسن وتعود مثل سابق عهدها ولكن هل للمطالب أن تحقق بالتمني ؟
تلجلج مراد ماسحا عبراته ونهض مجهزا نفسه كي يذهب إلى مكتبه وبمجرد خروجه لمح سيارة آدم قادمة فزفر ولعن تحت أنفاسه ليقترب منه الآخر بعد قليل مرددا ببرود :
- صباح الخير.

- انت ايه جابك لهنا فاكر البيت وكالة من غير بواب ؟!
بادر مراد معبرا عن ضيقه إلا أن الثاني لم يستشعر الإهانة بل على العكس هز كتفه بسماجة معقبا :
- ده نفس سؤالي انهي وكالة بالضبط لقيتها من غير بواب عشان تعلن نفسك عدو لعيلة الصاوي.

استعاد جمود وجهه وتشدق بخشونة مستدركا :
- فردوس سليمان هو اسم والدتك مش كده وبسببها هي دخلت في صراع انت مش قده.

كتم أنفاسه بكبت واحتدت نظراته الساخطة فحاول تجاهله وتجاوزه لكي لا يسمح بإستفزازه أكثر غير أن آدم قبض على ذراعه معيدا إياه لمكانه وقال :
- انا عمري ماسمعت بالاسم ده بقالي يومين بدور في ورق الشغل وورق المتعاملين مع عيلتنا قولت ممكن حد مننا غلط فيها وأذاها عشان كده انت حقدت علينا وجيت تنتقم بس ملقتش دليل لتفكيري وحتى لما سألت ستي قالتلي انها مبتعرفهاش.

حادت شفته في ابتسامة مستهجنة
- بجد ستك مبتعرفهاش يا سلام.

دلك آدم جانب رأسه بصبر نافذ ثم دفعه ليلتصق ظهره بالسيارة وصاح :
- طيب مادامك انت بتعرف انطق وخلصنا لو فضلت بالشكل ده هفقد أعصابي وادفنك مكانك بس للأسف مبحبش اقتل حد وانا مش فاهم هو مين وعايز ايه مني يبقى اتكلم واحكيلي عن كل حاجة تخصك وأنا بوعدك اتساهل معاك.

انزلقت ضحكة سخيفة من فمه ورفع يداه في الهواء ساخرا :
- ايه الحنان ده كله ربنا يكتر خيرك.

- ماشي ده قرارك.
همهم ببلادة وهو يستعد لانتشال سلاحه من اسفل سترته لكن رنين هاتفه أوقفه ولدهشته كان المتصل هو مساعد العمدة الشخصي وطلب منه الحضور على الفور.
مط شفته بإمتعاض وأفلت مراد مهددا اياه قبل أن يغادر :
- لسه كلامنا مخلصش انا هرجعلك.

ركب سيارته وانطلق بها ليلكم الآخر سقف خاصته بنقمة مهمهما :
- كل خططي خربت واتكشفت قبل ما اقدر اوصل للي انا عايزه وكل ده بسبب الغبي صفوان مكنش ينفع اتعاون معاه من الاول وانا عارفه واحد فاشل.

** ركز على الطريق أمامه وهو يقود مفكرا بما يريده العمدة من لقائه في الحال ثم تأفف بملل هامسا :
- مليون حاجة في دماغي لازم افكر فيها والاقيلها حل هلحق ع ايه ولا ايه.

بعد وقت وصل للمبنى الكبير وترجل دالفا للداخل وهنا صدع رنين الهاتف بمكالمة من عمته تجاهلها على الفور لتتصل به مجددا فاِستغرب وهمَّ بالرد بيد أن اصبعه توقف وهو يبصر صفوان يلج للسرايا !!
تسمر مكانه وتعلقت به عيناه المشتعلتان متسائلا عما جلبه لهنا وكان رد فعله هو نفس رد فعل الآخر الذي تفاجأ بدوره وتوجس من وجوده.

وقفا أمام بعضهما البعض كل منهما يطالع الثاني، قنبلة من غضب هادر تفجرت في داخل آدم وحطمت سدود تعقله وهو ينظر إليه كمن يود الاطباق عليه وشقَّ عنقه، الوغد الجبان الذي حاول قتله مرتين غدرا وفي المرة الثانية كادت ابنة عمه تدفع ثمن سفالته ... ومع الأسف هو يقف بصمت عاجزا عن الأخذ بثأره والانتقام !!

قطع وصلة نظراتهما مجيء الغفير واستدعائهما للمجلس وفي طريقهما رن هاتف آدم فأجاب على عجل :
- نعم يا فاروق.

- انت فين يا آدم لسه معرفتش اللي حصل ؟

- مالك في ايه مش فاهم.

سمع صوت أنفاسه المضطربة تليها كلماته المتزمتة :
- مراتك نيجار ... مش لاقيينها في السرايا رجعت طلعت من غير ما حد ياخد باله.

كانت هذه الجملة هي آخر ما سمعه آدم قبل أن تتوقف قدماه ويخفض الهاتف بذهول ليس من معرفته باِختفائها من بيته ... بل لأنه يراها الآن واقفة في منتصف المجلس !!

رمش بعينيه متنقلا ببصره بينهما بلا استوعاب حتى ظن انه يتخيل لكن بهوت صفوان وصدمته جعلاه يستعيد وعيه فهمس باِسمها متحفزا وأرسل لها نظرات ساخطة زاجرة فأشاحت بصرها عنه وهي تسمعه يغمغم :
- ممكن اعرف ايه بيحصل هنا ... وانتي جاية تعملي ايه.

جلس العمدة على مقعده بوقار مرتكزا بيده على عكازه معلنا عن حلول السلطة والقوة، ورشقهما بنظراته المهيبة قبل أن يتشدق بهيبة :
- مراتك جت لحد عندي وقالت انها عايزة تعترف بحاجة مهمة بتتعلق بيكم انتو الاتنين.

لعن هو تحت أنفاسه مستدركا ما تنوي عليه بينما تلكأ صفوان بحيرة حول ماستقوله وفكر بذعر ان كانت قد جُنَّت وستخبره بما اقترفاه سويا من قبل ... غير أن الحقيقة كانت أسوء مما توقع حين سمعه يردف :
- بتقول أنها عارفة مين اللي حاول يقتل آدم وشافت الراجل اللي ضربه بالنار واعترف قدامها كمان.

تسارعت خفقات قلبه بجنون وسحبت الدماء من جسده فحدجها بذهول وتلعثم قائلا :
- ايه الكلام ده هي هتعرفه منين مش قالت انها مشافتش حد وقت الحادثة.

ضغط على حروفه الأخيرة محذرا إياها من التكلم إلا أنها أخذت نفسا عميقا ورفعت رأسها مرددة بقوة :
- مشوفتوش يوم الحادثة أنا شوفته ساعة ما طلعت من البيت بليل من حوالي أسبوعين واعترض طريقي ولما عرف اني بنت عيلة الشرقاوي حاول يؤذيني.

- ايه علاقة عيلتك بالأذية ؟

- عشان ينتقم من صفوان اللي ضحك عليه ومدفعلوش تمن اغتيال آدم ... صفوان هو ورا محاولة القتل.

انتفض هذا الأخير بصدمة واشتعل صدره بالغضبية وهو يهدر :
- انتي اتجننتي ايه اللي بتقوليه ده ! حضرة العمدة متصدقهاش ديه لعبة من ابن سلطان عشان يوقعني وأكيد هو مهدد بنت عمي وجابرها تكدب.

رمقه آدم باِستهزاء وصمت أما هي فدافعت عن موقفها باِستماتة متشدقة :
- أنا مش بكدب ومحدش جابرني وحتى آدم مكنش بيعرف اني هجي النهارده ... صدقني حضرتك هو ده اللي حصل وبالعلامة قالي " انتي جايالي ع طبق من دهب عشان اخد بتاري من ابن عمك اللي مرضيش يديلي حقي "

- اخرسي بقى !!
صاح باِنفعال وانتفض متجها نحوها فقبض عليه الآخر بعنف معيدا إياه للخلف بينما ضرب العمدة بعكازه على الأرضية مبرطما بخشونة :
- ايه قلة الاحترام ديه قدامي الزم حدودك يابن الشرقاوي.

كز صفوان على أسنانه وهتف محاولا إنكار الحقيقة :
- قدر موقفي لو سمحت انا واحد واقف قدام بنت عمه واخته في الرضاعة وهي بتتهمه بحاجة معملهاش ده أنا أول حد رضي بالجواز عشان الصلح وراح يطمن عليه ازاي ههدى وأنا سامعها بتفتري عليا وبتقول اني اتفقت مع مليجي.

حينها طالعته مباشرة وتمتمت بدهاء :
- بس أنا مذكرتش نهائيا ان الراجل ده اسمه مليجي.

ابتلع لسانه الذي زل وكشفه وشتم نفسه في داخله بينما وجه العمدة سؤالها لها باِستجواب :
- بتقدري توصفي شكل البلطجي اللي شوفتيه.

أومأت نيجار باِيجاب وارتعشت أطرافها بقرف وهي تسترجع هيأته معيدة في ذاكرتها تفاصيل تلك الليلة :
- هو طويل وجسمه ضخم وعنده علامة بتخوف ع طول خده الشمال كأنها أثر خياطة لضربة سكين ولون عينيه مختلف واحدة خضرا والتانية سودا ... اول ماشافني ضحك وقالي "مش انتي الست اللي كانت واقفة مع ابن الصاوي يوم ضربته بالنار"

همهم بغموض ونادى على الغفير بصوته الجهوري ليدخل بعد لحظات ويقدم له ظرفا ما ويرحل استلمه العمدة وانتصب واقفا وأعطاه لنيجار التي فتحته فاِندهشت عندما وجدت صور المدعو مليجي وحدقت فيهم متمتمة :
- هو ده نفسه.

هز رأسه بتفهم وردد :
- أنا طول الفترة ديه كنت بدور ع الجاني وخدت بالاعتبار الناس اللي عندها سوابق ومن خلال تحرياتي عرفت ان مليجي كان مختفي من القرية يوم الحادثة ورجع بعدها بيوم ... عرفت كمان أنه قابل صفوان اكتر من مرة واداله مبلغ معتبر من الفلوس صرفهم على قرفه وادمانه ساعتها شكيت وحطيت ابن الشرقاوي اول حد في قائمة الاتهام ودلوقتي في اكتر من دليل ضدك.

هز رأسه بهستيرية جاحدا لجميع الأدلة وبرطم بجنون :
- كله كدب وافتراء أنا معملتش حاجة وبعدين طالما ابن سلطان بقاله اسبوع عارف الحقيقة اومال سكت لغاية دلوقتي ليه وفين مليجي ده مجبتوش ليه ولا هتقول انه هرب من ايدك ؟

تلجلجت نيجار واضطربت أنفاسها بتزمت مطالعة آدم الذي وقف بصلابة تليق به وثبات في عينيه هادرا :
- مش هقدر أجيبه لأني قتلته ودفنته.

انتفض كمن صعقته كهرباء وفتح فمه بذهول وهو يعلم للتو بأن سبب اختفاء مليجي الغريب هو أنه ميت !!
تقدم منه العمدة بثبات ووقف أمامه مباشرة هاتفا :
- قتلته ؟ ليه وازاي.

- لما سمعت صوت عياط مراتي وجريت ناحيتها لقيت مليجي بيتهجم عليها فمن غير ما افهم ضربته بالنار مباشرة وبعدين عرفت انه كان عاوز يسرقها كنوع من الانتقام.
ردد تبريره الكاذب بهدوء فضيق الآخر عيناه بغموض مردفا :
- معتقدش أن ده سبب كافي يخليك تعمل كده وحتى لو افترضنا انك فقدت اعصابك وقوصته من خوفك على مراتك يبقى ممكن افهم انت ليه محكيتليش ودفنته من سكات كأنك دوست على حشرة ... الا لو عرفت من البداية انه هو اللي ضربك بالنار وحبيت تاخد انتقامك بنفسك من غير ما ترجعلي او تحط في الاعتبار طبيعة منصبك في البلد.
ولا قصة السرقة مش حقيقية.

استغل صفوان الموقف وسكوت آدم فوجه اصبع الاتهام ناحيته هاتفا :
- أنا قولت لحضرتك ان ديه لعبة منه وشكله مهدد بنت عمي عشان تشهد ضدي بالكدب وعلى فكرة أنا روحت لبيتهم من فترة عشان اشوفها واطمن عليها قمت لقيتها مضروبة ووشها مليان كدمات زرقا وراسها مجروحة ساعتها عرفت انه أذاها ودلوقتي فهمت ليه عمل كده طلع لأنه بيجبرها تسمع كلامه هو وحكمت هانم.

- الكلام ده صحيح يا بنتي صفوان قابلك ولقاكي مضروبة ؟

- ااا ... اه حضرتك بس البلطجي اياه هو عمل فيا كده آدم ملوش دعوة.

- متصدقهاش مين الحرامي اللي هيضربها بالطريقة ديه عشان ياخد قطعة دهب منها كان بيقدر يسرقها بسهولة من غير ما يضطر يعنفها بالشكل ده.

- لا هو بيضطر يعمل كده لما ...

تمتمت ببطء فتجهز آدم لسماع ما أملاه عليها قبل لكن تقاسيم وجهها المتشنجة أوقدت الشك بداخله فأجفل متوجسا وردد اسمها بتنبيه للتراجع عما تنوي فعله إلا أن الأوان كان قد فات عندما فجرت نيجار الوسط بإعلانها :
- بيضطر يعمل كده لو خطفني وحاول يعتدي عليا وأنا قاومته.

- نيجار !!

لكنها لم تسمعه ولم تكترث بتحذيره فهي ليست مستعدة لأن يصبح المُلام بسبب أعراف غبية تقضي بضرورة تعامل ذوي المناصب العالية بدبلوماسية حتى في المسائل التي تخص شرفهم.
لن ترضى بأن يستغل صفوان سكوته ويخلص نفسه من جريمته مجددا حتى لو اضطرت لتعرية جروحها المتقرحة أمامهم فطفقت تسرد بقهر خروجها المتهور في الظلام متكتمة عن رغبتها في الهروب ثم اعتراض طريقها وخطفها انتهاء باِقتحام آدم للكوخ وقتله للمجرم دفاعا عن زوجته ومن دون أن يكترث لكونه الدليل الوحيد الذي سيحفظ حقه.

كانت دموعها تنزل واحدة تلوَ الأخرى وهي تتذكر ماحدث معها فقلَّ لهيب آدم الغاضب منها واِعتلى الأسى وجهه مشاهدا محاولاتها الجاهدة لمقاومة نوبة بكائها حتى أنهت سردها بجملتها الأخيرة :
- آدم محبش يكشف الحقيقة ديه عشان مش عايز يحطني في موقف يجرح كبريائي حتى لو اتهمته أنه اتسرع ومعملش اعتبار لحضرتك وهو اصلا من البداية مكنش ناوي يخليني اشهد بس أنا أصريت عليه.

- يعني انت كنت بتعرف انه هو المجرم ومع ذلك قتلته.
سأله العمدة بجدية ليجيبه الآخر مباشرة ومن دون تردد :
- ايوة، الواطي حط عينه على شرفي واتعدى على حرمتي وأنا رجولتي مكنتش هتسمحلي اسيب نور الشمس يطلع عليه وهو لسه بيتنفس حتى لو ادالي الدنيا باللي فيها.

ظن أن ينال نصيبا من غضبه وسخطه لكن كتبت ظنونه حينما اعتلت العمدة ابتسامة رضا وفخر وربت على كتفه مرددا :
- وهو ده المتوقع منك يا سيد الرجالة كنت متأكد أن في حكاية ورا الجثة اللي لقيناها مدفونة.

اندهش الجميع من تصريحه وحدجه هذا الأخير بعينين متسعتين متشدقا :
- حضرتك كنت بتعرف ان ...

ابتسم بوقار وعاد لمقعده بخطوات متزنة بينما يجيبه :
- وانا بدور ع الجاني وصلتلي مصادر بتقول ان رجالتك خدو جثة قتيل ودفنوها في الغابة وفنفس الوقت مليجي اختفى وصفوان اتهجم على بيتكم فكنت بعرف ان في خيط مشترك مابينكم بس معرفتش ايه هو بالضبط غير لما مراتك قررت تتكلم.

تركهم في صدمتهم ووجه كلامه نحو صفوان الذي مازال في حالة غريبة منذ معرفة بحادثة التهجم وانكشاف جميع الحقائق :
- لسه عايز تنكر يابن الشرقاوي بعد ما عرفت ان جريمتك كانت هتقضي على بنت عمك ؟
ليه عملت كده وضيعت نفسك في الوقت لي كنت بتقدر تبتدي صفحة جديدة ونظيفة معقوله كل ده علشان اعلنته خليفتي انت طمعت في المنصب واعتبرته من حقك صح طيب ازاي التصرفات ديه ممكن تليق بعمدة البلد هو في حق بيتاخد بالباطل يا صفوان.

لمعت عينا نيجار بتعاطف أخوي رغم جميع ماتسبب به إلا أنها لا تقوى على رؤية انكساره بهذا الشكل أمامها حتى لو أخطأ في حقها ، انزلقت دمعة من عينها فمسحتها سريعا واستأذنت للمغادرة وبعد مدة أصبح المكان ممتلئا برجال المجلس الذين استغربوا من استدعائهم وانصدموا حين أعلن العمدة عن هوية الجاني الفعلي ليس صدمة من كونه هو من فعلها لأن المعظم كان شبه متأكد من تورطه في الجريمة، وإنما من شهادة ابنة عمه ضده لأسباب لا يعرفونها ولا يفهمون ما علاقة نيجار بالمدعو مليجي.

وقف العمدة في الواجهة بهيبة وحزم قائلا :
- ودلوقتي بعد ما الحقيقة اتكشفت قدامكم عايز اقول لآدم ان ليك الحق تقرر عقابه بنفسك وتطلب اللي عايزه سواء تعويض مادي ولا مالي او حتى اني احرمه من كل صلاحياته.

رفع رأسه برضا وصدر منشرح عكس ذاك الذي اِسود وجهه أمام عشرات الأشخاص وانتظر أن تنتهي هذه المحكمة التافهة بحرمانه من جميع حقوقه وأملاكه فهاهو يتغلب عليه مجددا ويضعه في موقف لا يستحقه ... نعم هو لا يستحقه فلقد كان يدافع عن حقه المسلوب فقط !!

تلكأ في وقفته منتظرا العقاب الإعتيادي بيد أن الدنيا دارت حوله ومادت الأرض من تحته عندما صدع صوت عدوه اللدود في القاعة هادرا :
- أنا مش عايز تعويض منه ولا حرمانه من صلاحياته لأن سبق وخد العقاب ده ومنفعوش والنتيجة انه حاول يقتلني المرة ديه.
عشان كده أنا هقبل اسامحه واتغاضى عن اللي عمله لو اعتذر مني قدام حضراتكم اعتذار حقيقي وتشهدوا على وعده بأنه ميكررهاش ممكن المرادي يعقل ويفهم ان مفيش فايدة من العداوة معايا.

تحدث باِحترام مزيف مدعيا رغبته في السلام والتسامح والتمعت عيون البقية باِعجاب من رحمته وتسامحه إلا صفوان الذي كان يعلم جيدا ماقصده ... آدم يدرك بأن لا شيء سيهينه أكثر من اظهار عجزه أمام من كان يغتر عليهم دوما واحناء رأسه لأكثر شخص يكرهه في الحياة لهذا طلب الاعتذار !
تصدتت خلايا عقله وانفجرت عروقه بحمم بدلا من الدماء متمنيا لو تنشق الأرض وتبتلعه الآن أو يأتِ أحد ويشنقه فيرتاح من تأدية المطلوب منه ولكن هذا لن يحصل طبعا ... واللعنة ألف مرة لأنه لن يحدث !!

تقدم صفوان بخطوات متثاقلة ووقف أمام آدم هامسا :
- أنا ... أنا آسف اللي حصل كان جهل وغفلة مني.

أغمض عيناه بصعوبة متابعا :
- بوعدك قدام الكل اني مش هعيدها و... هبقى ممتن ليك لأنك سامحتني.

اتسعت شفتاه في ابتسامة شيطانية وهو يشعر بانتعاش حماسي يسري في أوردته متأملا انكساره الواضح وعيناه المظلمتين وقرر اضفاء أكثر شيء يريده لتدمير خصمه فمدَّ آدم يده وأشار بعينيه ناحيتها ... كعلامة على وجوب تقبيلها اعتذارا وشكرا ... وقد كان !!


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close