اخر الروايات

رواية لعنة الخطيئة الفصل السادس والعشرون 26 بقلم فاطمة احمد

رواية لعنة الخطيئة الفصل السادس والعشرون 26 بقلم فاطمة احمد 


لفصل السادس والعشرون : اعتراف.
__________________

تحشرجت أنفاس مراد وازرقت شفتاه اختناقا فحاول استجماع قوته البقية وركل بطن آدم متحررا منه وقبل أن يندلع الشجار مجددا خرجت سيدة أربعينية من المنزل المظلم وهرعت تركض ناحيتهما بهلع مرددة :
- الحق يا مراد بيه والدتك قاطعة النفس وبتموت !

هتافها المستنجد بدَّد ملامح الإحتقان عن وجه مراد واستحال لرعب خالص وهو ينتفض بهيأته المشعثة ويهمس قبل أن يركض للداخل :
- ماما.

تسمر الآخر في مكانه بتشتت لحظي وهو لا يزال يسترد أنفاسه المسحوبة ثم نظر لذلك الذي اختفى بين تلافيف الظلام وظهر بعد مدة وهو يحمل امرأة شاحبة بين يديه ويجري بها، وصل مراد للسيارة ونظر خلفه منتظرا المساعدة لتصل وتفتح الباب فاِمتدت يد آدم بتلقائية متوليا مهمة فتحه وعاد إلى الخلف مفسحا المجال كي يأخذها للمستشفى ...

ثم وقف في منتصف الساحة يحدق في السيارة التي انطلقت بسرعة البرق حتى توارت عن الأنظار وهنا تشدق بخفوت :
- ايه اللي حصل من شويا ده.

لا يكفي أنه عرف للتو بوجود عدو مهووس يتربص به من دون أن تجمعهما صلة سابقة تكفي لشن حملة كره شرسة عليه هاقد ظهر شخص آخر وهو والدته المريضة، شد آدم على شعره زافرا بغلظة وقرر العودة لأن الوضع الحالي لا يسمح له بالإقدام على فعل أي شيء فاِتصل بفاروق مخبرا إياه بألا يلحقه ثم ذهب إلى المنزل وبمجرد دخوله قابلته نيجار التي شهقت وطفقت تتحسس وجهه مرددة بذعر :
- في ايه مالك ايه اللي حصلك !

انكمش وجهه بضيق لأنها أحدثت جلبة وجعلت الجميع ينتبه حيث اقتربت منه حليمة مذعورة هي الأخرى وهرعت ليلى كي تجلب له علبة الإسعاف أما حكمت فوقفت أمامه بصلابة مغمغمة :
- انت اتخانقت مع عديم الأصل إياه ؟

نظرت لها نيجار وهي تعلم هوية من تقصده ثم عادت ببصرها لآدم الذي أجابها بجدية :
- لا ولو سمحتو بلاش تبالغو كده مجرد خناقة بسيطة وخلصت فمفيش داعي للإنفعال.

تركهن وصعد على درجات السلم مرددا بأنه يود البقاء بمفرده لكن نيجار لم تكن لتنفذ طلبه بالطبع فلحقته على الفور والتقت بليلى في طريقها ومدت يدها للعلبة وهي تقول :
- لو سمحتِ ممكن تديهالي.

استنكرت طلبها وكادت ترفض لكن إشارة صغيرة من جدتها جعلتها تمط شفتها بفتور ممتعضة :
- خدي وعلى الله متكونش عيلتك السبب زي العادة.

تجاهلت تقريعها ودخلت إلى الغرفة ووجدته جالسا على السرير وحين رآها غمغم ببرود :
- أنا بعرف ان الناس اللي عندها عقل بتفهم الكلام من اول مرة، مش قولت اني عايز اقعد لوحدي.

لم يظهر على وجهها تعبير على الإنزعاج من إهانته وابتسمت ببرود مماثل وهي تجلس مقابلة له ثم تقول وهي تخرج المواد الازمة :
- يبقى أنا معنديش عقل.

وضعت القطن على الجرح وبدأت بمسح قطرات الدن فكتم آدم تأوهه المتألم وهو يستمع لها :
- انت عالجتني قبل كده وخدت بالك عليا ازاي عايزني اتجاهلك وانت في الحالة ديه.

- قولتلكم اني كويس.

- كويس ايه مش شايف وشك متشلفط ازاي ده انا مكنتش هتعرف عليك إلا شويا.
وكتمت بداخلها حقيقة أنها ستتعرف عليه حتى لو كانت لا تبصر.

انتهت من تطهير جراحه وشرعت بتوزيع المرهم حتى انتهت وسألته بهدوء :
- انت متخانقتش مع صفوان بجد ولا قولت كده لأنك مش عايز ستك تتعصب.

تجاهل الرد عليها لكنها أعادت تسأله باِستماتة وإصرار :
- حصلت مشكلة جديدة مابينكو يعني طب اذا مكنش صفوان يبقى انت اتخانقت مع مين ؟

زفر بصبر نافذ وحدجها مجيبا بنزق :
- وانتي مالك مش ملاحظة ان العشم واخدك بزيادة وعماله تحشري مناخيرك فحاجات مبتخصكيش ومتوقعة مني ارضي فضولك ولا انتي قلقانة على ابن عمك العزيز وخايفة يكون اتأذى ؟ متشغليش بالك هو حسابه بقى مليان عندي صحيح بس وقت ما احب اهاجمه مش هعمل كده من وراه زي ماهو عمل ... او زي ما انتو الاتنين عملتو.

نهرها بحدة وغادر الغرفة وظلت نيجار جالسة مكانها ترزح تحت طيات قسوة حديثه وذكر جريمتها في كل مرة تحاول فيها التقرب منه فتنهدت بقلة حيلة وتركت ما بيدها مبرطمة بصوت منخفض :
- ازاي هخلي آدم يلين من ناحيتي وهو لسه منساش اي حاجة عملتها في حقه ياربي.

نزل آدم للطابق السفلي وبعد انتهاء العائلة من تناول طعام العشاء طلبت منه حكمت أن يتحدثا في غرفتها وعند دخوله تشدقت بجدية :
- مين ده اللي سيبت الأرض وروحتله ع ملي وشك عشان تتخانق معاه بعد ما جبلك فاروق صوره وعنوانه.

لم يتفاجأ آدم من معرفتها بالأمر لأنه يعلم بأن عيون جدته متربصة في كل مكان فجلس على المقعد أمامها ورد عليها بجدية مماثلة :
- نفسه اللي اتعاون مع صفوان قبل كده وحاول يضرني في شغلي طلع سمسار واسمه مراد وانا روحتله عشان اعرف هو مين بالضبط وايه مشكلته معايا بس مقدرتش افهم.

- وانت تحاول تعرفه ليه كنت خلص عليه مباشرة.
تشدقت حكمت بصرامة حادة وتابعت بعدما رأت استهجان آدم الواضح على وجهه :
- دوافع الراجل ده مش مهمة طالما هو عدونا وواقف ضد مصالحنا فلازم نخلص عليه.

- مقلتيش الكلام ده لما اقنعتيني اصبر ع صفوان واتجوز بنت عمه بدل ما اخلص عليهم هما الاتنين.

- في اختلاف مابينهم ولاد الشرقاوي معروفين وقتلهم كان هيتقلب علينا بالسلب ومكنتش هتقدر تبقى عمدة البلد لو رفضت نيجار، بس الواد ده نكرة ومش معروف أصلهم منين يبقى لازم يموت احنا مش ناقصنا وجع راس زيادة.

رمقها بوجوم دام بضع ثوانٍ ثم نهض مبرطما :
- على كل حال هشوف ايه اللي هعمله معاه ودلوقتي بعد اذنك تصبحي على خير.

هزت رأسها بإيجاب وبمجرد خروجه شددت على عكازها المثبت على الأرضية ورسمت ابتسامة مستهزئة على وجهها وتمتمت :
- طالما انت مبتحبش تقتل الناس اشمعنا قتلت الراجل اياه يوم هروب مراتك ودفنته بعيد يعني اذا كان اتعرضلها وحب يسرقها وضربها عشان كده انت دمك اتحرق وقتلته اومال ليه مقولتليش ع اللي حصل ... إلا لو كان القتيل ده وراه حاجة تانية مخبيها عليا يا حفيدي بس مسيرها تتعرف.

في الخارج اصطدم آدم بشقيقته بشكل عرضي فعادت إلى الخلف مجفلة ثم ابتسمت حين رأته :
- خضيتني وانت طالع من الظلمة يا ابيه.

بادلها ابتسامة سطحية فاِستطردت تسأله :
- انت كويس ؟ انا عايزة اسأل حضرتك اتخانقت مع مين بس عارفة انك مش هترد عليا.

مسح على شعرها بلطف وقال لها :
- قولتلكو انها خناقة عادية وانا متعود ع الحوادث ديه مفيش لقلقك بس أنا بردو عايز اسألك.

- طبعا اتفضل.

اختفت السماحة من وجهه وقطب حاجبيه متشدقا :
- لما طلعتي من الجامعة من اسبوع وروحتي تمشي لوحدك في الشارع في حاجة حصلتلك ساعتها.

- حاجة زي ايه.

- يعني حد ضايقك ولا خوفك.

ارتبكت ليلى من سؤاله وخافت أن تخبره بإقتراب مجموعة شباب منها فيغضب ويثور لكنه حينما طمأنها بهزة من رأسه استجمعت شجاعتها وهتفت قائلة :
- بصراحة في كام واحد كانو بيبصولي وانا خفت منهم وكنت هرجع بس في واحد ساعدني من غير مايحسو جه وقف قدامي وهما افتكروه بيعرفني عشان كده مشيو.

اعتلى الجنون ملامحه وقبض على يده بخنق نافثا أنفاسه وهو يتخيل أن أخته تعرضت لمثل هذا الموقف وخافت دون أن يكون هو بجانبها ثم رمقها هادرا بحمية :
- ومقولتليش ليه عشان اروح ادور عليهم واحد واحد و اشيل عيونهم من مكانها ازاي تخبي عليا حاجة زي ديه اومال أنا اسمي اخوكي ليه اذا مقدرتش احميكي.

انتفضت مجفلة من انفعاله وهبَّت تهدؤه بكلماتها :
- صدقني يا ابيه مفيش حاجة حصلت ولا كلموني نص كلمة يدوب عدو من قدامي وراحو لحالهم.

- والسواق كان فين بقى ؟

- هو مطولش عليا اول ما الراجل وقف قدامي لقيت التاني جاي وخدني معاه فورا.
هتفت مبررة وتابعت خوفا من أن يصب أخوها غضبه على محمد ويطرده من عمله :
- لو سمحت متعملش لمحمد حاجة لأن ملوش علاقة على العكس هو دايما بينفذ المطلوب منه وعمره ما قصر في شغله.

لم يلحظ آدم حمِّيتها الزائدة في الدفاع عن سائقها لأن عقله كان مشغولا بتفسير أشياء أخرى فطمأنها ووقف على الشرفة مفكرا، هل كان ظهور مراد أمام ليلى وإنقاذه لها مجرد صدفة أم ظهر بشكل مدروس منه.
حسنا أيعلم بأنها شقيقته أو يجهل هويتها ورأى بأنها فتاة غريبة تتعرض للمضايقة فهب لمساعدتها ؟

وبغض النظر عن هذه الحادثة بأكملها ترى ما مشكلة ذاك السمسار معه ولماذا يحقد عليه لهذه الدرجة المريبة وهل والدته تلك لها دور فيما يفعله أم أنها مجرد امرأة مريضة لا تعي شيئا ؟
________________
صباح اليوم التالي...
حملت الأطباق بين يديها وأخذتها لطاولة الإفطار وعادت تنقل بقية اللوازم بحرص حتى انتهت فتحدثت العمة مستفهمة :
- آدم فين منزلش ليه ؟

ردت عليها نيجار وهي تعدل مكان جلوسه باِهتمام :
- أنا سبته وهو بيصحى ونزلت للمطبخ مباشرة مش عارفة اتأخر ليه ممكن مشغول بحاجة.

طالعتها حكمت باِمتعاض وأشارت للخادمة كي تذهب وتنادي حفيدها لكن حليمة أوقفتها باِبتسامة :
- مراته موجودة اهي من الأحسن هي اللي تنادي ع جوزها يلا يا نيجار.

ثم همست بمكر لحكمت :
- مينفعش تبعتي واحدة غريبة لاوضتهم في الاخير الاتنين دول متجوزين وممكن الشغالة تشوف حاجة كده ولا كده حضرتك فاهماني طبعا.

من الناحية الأخرى صعدت نيجار إلى غرفتها وعند دخولها التقطت أذناها صوت آدم العالي والمتضايق من داخل الشرفة التابعة للجناح فتوجست خيفة واقتربت من الباب الزجاجي مسترقة السمع لتجده يردد بنزق :
- أنا بقالي فترة كويسة مستنيك تلاقي اي دليل يأكد تعامل صفوان مع اللي حاول يقتلني وانت بتفشل اومال انا حطيتك في البستان بتاعه ليه علشان تجي تتحجج فكل مرة وتبررلي فشلك ؟

اتسعت عيناها بدهشة ووضعت يدها على ثغرها كاتمة صوتها مفكرة هل وضع آدم جواسيس في بستانهم لينقل الأخبار اليهم حسنا لقد شكت هي بذلك حينما أحرق أرضهم أول مرة ولكنها لم تركز كثيرا بسبب ظهور مسألة زواجهما ...

ابتعدت نيجار عن الحاجز الزجاجي وجلست على السرير وهي تهتف :
- رغم انه حاطط جواسيس بس من يوم جوازنا عمره ما بدأ يعمل مشاكل بالعكس كل تصرفاته كانت ردود لفعل صفوان وفضل يفكر ازاي يطور شغله عكس ابن عمي اللي شغله الشاغل ازاي يغلبه ويدمره وآخر شي حاول يقتله.

ضربت جبينها بغيظ مردفة :
- وبسببي قتل الواطي اللي تهجم عليا وقضى ع اكبر دليل لجريمة صفوان والا كان زمانه وصل لمليجي وسلمه للعمدة ... ياربي هعمل ايه دلوقتي من جهة حاسة بالذنب ناحيته ومن جهة بفكر هيحصل ايه لصفوان لو القصة انكشفت.
انا لسه بقلق عليه ليه مش هو خاطر بحياتي ولبسلي تهمة قتل آدم ومهتمش لـ ايه ممكن يحصلي لو مصدقوش اني بريئة وبردو لما على اساس جه يدافع عني وشاف وشي مضروب ولمحتله ع مليجي معملش اي ردة فعل ولا قلق عليا ده خاف ع نفسه بس.

في هذا الوقت ولج آدم للغرفة وكان سيغادر فاِنتصبت نيجار واقفة فجأة وهتفت :
- استنى.

اقتربت نيجار منه وهي تعبث بأصابع يديها وقالت :
- أنا ... أنا لسه عند كلامي.

- كلام ايه ؟

- بخصوص الشهادة أنا لسه عند عرضي مستعدة اروح للعمدة واحكيله عن كل حاجة سمعتها ولو قلقان من ان موضوع التعدي ينكشف فأنا بقدر اتحمل المسؤولية واقول اني أنا قتلته من خوفي لما اتعرضلي.

نجحت في إدهاشه بحديثها وطلبها الذي عرضته عليه في السابق ورفضه وعادت تطلبه الآن لكنه تمالك نفسه وردد بثبات :
- وأنا بردو لسه عند رأيي انتي هتشهدي ولا تعملي أي حاجة تانية مطلبتش مساعدة منك.

امتقع وجه نيجار من رفضه مجددا فسارعت تقول بمهادنة علها تستطيع إقناعه :
- مطلبتش مساعدة مني بس اللي حصل كان بسببي لو مهربتش مكنش الراجل ده اتهجم عليا ولا كنت انت قتلته وقضيت ع الدليل الوحيد ضد صفوان ... أنا عايزة اكفر عن ذنبي واتحمل نتيجة غلطي.

- ذنبك؟ احنا لو جينا للتكفير عن ذنوبك يبقى مش هنخلص.
أجفلها آدم برده القاسي واستطرد بشك ساوره :
- وبعدين ايه اللي بيخليني اقتنع انك بقيتي فجأة كده عاوزة تساعديني وتثبتي تهمة ابن عمك اللي عملتي حاجات كتيرة عشانه بتخططي لـ ايه بالظبط.

تجهمت بعبوس من شكوكه الدائمة وعدم تصديقه لنواياها فقالت :
- أنا مبخططش لحاجة وحشة قولتلك اني عارفة غلطي وعاوزة اصلحه ولو بتلمح لـتعاوني مع صفوان ف انت عارف كويس ان ده مش حقيقي ومش هرجع اتواصل معاه بعد ما وقعني في مشكلة كبيرة واتخلى عني بعدها.

- يعني انتي مستعدة تقفي ضد عيلتك بسبب غضبك منهم ولا عشان حاسة بالذنب وعاوزة تشكريني بردو لأني ساعدتك.

تلكأت باِضطراب طفيف ووقفت محتارة بعض الشيء حتى ردت عليه :
- عشان الاتنين أنا عارفة اني هبقى غبية لو شكرتك ع انقاذ مراتك لأن راجل زيك مبيستناش شكر على حاجة زي ديه بس ده مبيمنعش اني مصممة ع كلامي.

سكت آدم متأملا إياها بنظرات تدقيقية وفكر لوهلة ان كانت ستبقى مصرة على قرارها اذا عرفت بأنه يفكر في تطليقها بعد كشف هوية المجرم الأصلي وحينها هل ستعتبرها فرصة للنجاة من براثينه وتُسعد بتحريرها أم تغضب وتثور، لكن لِمَ ستغضب من الأساس ؟

هي مجرد امرأة لعوبة خدعته في السابق وانصدمت عند وقوعها في الفخ الذي نصبته بنفسها بالتأكيد لن تتوانى عن الاحتفال في حال تخلصها من الرجل الذي توعد بقتلها وعاشت المتاعب والمصاعب في منزله، ومع هذا لا يصدق نيتها الصافية في هذا الموضوع حسنا هو لا يستطيع تصديق أي شيء مرتبط بها مهما كان بسيطا إلى درجة لو أخبرته بأن الخلاص يكمن في الطريق الأيمن سيكذبها ويسلك الطريق الأيسر !!

وضع يداه خلف ظهره وبلل شفته مفكرا تركيز لتتلهف نيجار وتتأمل موافقته بيد أن آدم تخلى عن سكوته واقترب منها ثم طرق بإصبعه على جانب رأسها عدة مرات قبل أن يقول :
- حلو كلام تأنيب الضمير ورد الجميل ده بس أنا معنديش ذرة ثقة بيكي مش بعيد توصلي للعمدة وتقلبي الحوار أو مخططة لحاجة تانية بعد ما تطلعي من البيت، وعلشان كده وفري اعترافك لنفسك ياحبيبتي ماشي.

فغرت فمها مصعوقة كأنه ألقى عليها دلو ماء بارد في منتصف الشتاء وانتفضت مبتعدة عنه كمن لسعتها الكهرباء ثم هدرت باِنفعال :
- قولتلك اني عاوزة اساعدك ونيتي سليمة مش فاهمة ليه الشك ده كله.

- تمام فهمنا بس مساعدتك ديه وراها ايه ؟!!

فتحت فمها لتخبره بأنها أحبته وهي نادمة على كل ما اقترفته في حقه وتنوي تعويضه لكن رنين هاتفه الذي صدع فجأة جعلها تتأفف وتصمت على مضض أما آدم فنظر لإسم فاروق المشع في الشاشة وأجاب :
- ايوة يا فاروق.

- صباح الخير يا آدم بيه، زي حضرتك ما طلبت مني أنا كلفت واحد من رجالتنا يروح للمشفى ويراقب السمسار ولقى ان والدته بجد تعبانة وهو فضل الليل بطوله قاعد جمبها ولسه من شويا بس خد تصريح خروج ورجعو ع بيتهم.

انزوى بعيدا عنها نسبيا وردد بصوت منخفض :
- معرفتش والدته عندها ايه ممكن يساعدنا ف اننا ناخد خلفية عنهم.

- ايوة الست جتها جلطة دماغية من سنين ومبقتش تتكلم أو تتحرك وكل فترة بتحصلها انتكاسة وبيودوها للمشفى بس مفيش أمل من حالتها تقريبا هي بتقضي أيامها الباقية بس.

تغضن وجه آدم بالأسى عليها وشعر بغصة تؤلمه في قلبه وقد تذكر أمه المتوفية فتنهد وأغلق الخط ونظر لنيجار التي كانت واقفة مكانها بإحباط ليقول لها :
- هنبقى نكمل كلامنا بعدين دلوقتي انزلي افطري ومتجبيش سيرة صفوان ومليجي لحد فاهمة.

قلبت عيناها مرددة بضيق :
- طبعا انت مش محتاج تنبهني ... هسبقك عشان ستك متوقفنيش وتسمعني كلمتين من عندها لأني اتأخرت.

فتحت الباب وغادرت بإنزعاج فحدق في أثرها بغرابة وأردف :
- مالها ديه بتتصرف كأنها بتموت فيا وانصدمت لأني مبثقش فكلامها اومال لو مكنتش عارفة اللي فيها هتعمل ايه.

تناول إفطاره وغادر السرايا وعند منتصف الظهر كان يقف أمام منزل عدوه المجهول يتربص فيه بتركيز حتى فتح الباب وخرج مراد الذي صعق من وجوده وبرطم بحدة :
- انت بتعمل ايه هنا.

امتدت يده لأسفل سترته ليسحب سلاحه فرفع آدم يده في الهواء مغمغما :
- مفيش داعي أنا مش جاي عشان اتهجم عليك.

- اومال مشرفني ليه هنا.

- والدتك عامله ايه دلوقتي.

- لا والله !
هدر مراد بدهشة ساخرة من سؤاله وضحك مردفا :
- انت النهارده رايق وجاي تهزر معايا ولا ايه.

هز الآخر كتفاه ببساطة معقبا عليه بمنطقية :
- لا بتكلم جد أنا شوفت حالتها امبارح ومهما كان اللي بيننا مستحيل افرح ع تعب أي أم في الدنيا فأكيد هسأل عليها ديه طبيعتي.

زفر مدلكا عيناه الحمراوتان وأسفلهما هالات سوداء تدل على قلة نومه ليقول :
- بص أنا مش حمل أي كلمة دلوقتي فلو سمحت وفرها لوقت تاني ولا خلينا نرجع نتخانق هنا لغاية ما حد فينا يموت ومع ذلك انت مش هتسمع اللي عايزه مني.

ألقى مراد ما بجعبته وكاد يدخل لكنه شعر بجسده يعود إلى الخلف ثم يلتصق بالحائط بعنف إثر دفعة آدم القوية أحكم يده على صدره الآخر مانعا إياه من التحرك وبرطم بصوت قاتم :
- بص أنت وافهمني كويس أنا خلاص عرفت العدو اللي بيلعب معايا في الخفاء وكشفت مكانك وعرفت اللي بتخططله في الحالة الطبيعية كنت هعذبك لحد ما تقريبا بكل حاجة جواك واقتلك بعدها بس مع الأسف اللي بيمنعني من اذيتك دلوقتي هو ان عندك أم مريضة ومحتاجاك، رغم اني مبعرفهاش شخصيا بس فاهم انها ملهاش غيرك يبقى اقصر الشر واحكيلي ايه هي قصتك معايا.
وياريت متحورش وتقول انك اتفقت مع فلان لمجرد الطمع والربح المادي عشان مش هصدقك فاهم.

تحشرجت أنفاس مراد الضائقة وعجز عن ابعاد قبضة آدم عن صدره فزفر بيأس وهو يعلم بأن لا نفع من الانكار أكثر بعدما انكشفت هويته وعُرفت والدته، لكن حديث آدم عن أنه لا يعرف أمه بشكل شخصي جعله يستهزئ منه فاِنزاح عنه بصعوبة وتشدق برعونة :
- انتو عيلة الصاوي بتبقو عاملين زي كده بتقتلو القتيل وبتمشو في جنازته لازم فكل مرة تورولنا قد ايه ناس أكابر وعيلة محترمة مبتقبلش بظلم المساكين.

مسح على وجهه بفقدان أعصاب وأوشك على دخول منزله مستغلا تعجب آدم وتحليل عبارته بيد أنه تراجع وعاد اليه مبرطما :
- انت عايز تعرفني انا مين وليه بشتغل ضدك مع انه مفيش علاقة مابيننا صح ؟ ماشي لما تخلص مسرحية تمجيدك روح لحكمت هانم ست البلد واسألها لو كانت بتعرف واحدة باِسم فردوس سليمان ولا لأ.

ضيق عيناه بغرابة وأعاد نطق الاسم بين شفتيه بينما يتابع مراد بلوعة انبثقت من داخل طيات جموده :
- ده لو كانت لسه فاكرة الاسم أصلا، ودلوقتي لو خلصت تحقيقك ممكن تروح من هنا.

رافق جملته الأخيرة صوت صفق الباب تحت أنظار آدم الذي ركب سيارته بحيرة أكبر من تلك التي جاء بها فمن هذه فردوس ولماذا طلب أن يسأل جدته عنها هل هذه المرأة المريضة لها علاقة بالسيدة حكمت أو ليسأل بصيغة صحيحة ... هل حالة المرأة الصحية لها علاقة بشكل أو بآخر بجدته ؟!

_______________
غربت الشمس وأسدلت ستارها فصعد القمر إلى السماء ليأخذ مكانها رفقة النجوم المتلألئة وطفقت نسمات الهواء الباردة ترسل رعشات في نفوس الجميع إلا ذاك الذي كان داخله يحترق بلهيب هادر لدرجة التعرق ...
دخل للسرايا وسأل عن حكمت وأخبروه أنها واقفة في الشرفة العلوية فصعد إليها ملقيا تحية المساء وعندما رأته ابتسمت ونادته كي يقف بجوارها نفذ آدم طلبها ونظر للسماء المظلمة مثلما فعلت هي بينما تقول :
- وانت صغير كنت بتحب تقف جمبي ونفضل نبص للسما زي دلوقتي ولما مامتك تزعقلك وتقولك ادخل عشان متبردش انت بتزعل وبتتحايل عليا علشان اخليهم يسيبوك معايا.

ابتسم لذكر ذلك الحدث من الماضي فتابعت حكمت :
- وبعدين بتجي لأوضتي وتحط راسك على رجليا وبتخليني العب فشعرك لحد ما تنام ... أنا كنت اهم شخص في حياتك.

تنهد آدم بشوق لتلك الأيام وتمتم باِعتلال :
- ولسه بعتبرك أكثر حد بحبه وبهتم بيه مع أن طبيعة علاقتنا اتغيرت لأن زمان كنت عيل صغير بيقضي وقته مع جدته بس دلوقتي ...

احتفظ ببقية الجملة داخله مقررا ألا يصرح بها لكن حكمت التي فهمت مايجول بعقله أدارت وجهها ناحيته مرددة بإيجاب :
- انت لسه حفيدي اللي بحبه وبتمناله الراحة يا آدم بس الظروف بتتغير كل لما بتكبر وبتشيل المسؤولية دلوقتي انت ابن أكبر العيل في البلد وخليفة العمدة كمان عشان كده بنضطر أحيانا لأننا نتخد قرارات قاسية علينا وعلى اللي بنحبهم علشان نحميهم ونحفظ حقوقهم وأنت اكتر واحد هيفهمني.

- عندك حق.
علق بشرود وتحرك ليغادر لكنه توقف في منتصف الطريق واستدار اليها نصف استدارة هاتفا :
- أنا عايز اسألك يا ستي حضرتك بتعرفي واحدة اسمها فردوس ... فردوس سليمان ؟

لاحظ جمود جسدها على حين غرة والتقطت عيناه اهتزاز حدقتيها اللحظي قبل أن تتلبس الوجه البارد المعتاد وتهتف بإنكار :
- مين ديه وليه بتسألني عليها.

- لا ولا حاجة مجرد اسم عدى عليا وقولت انك ممكن تبقي عارفاه بحكم مكانتك في البلد بس ... بعد اذنك.

راقبته حكمت وهو يرحل بعدم اقتناع نضح من ملامحه بوضوح ثم ضغطت بيديها على الحاجز وارتاع قلبها المتلبد محدثة نفسها :
- هو عرف الاسم ده ازاي مين قاله عليه وليه جه يسألني عنه ايه علاقة حفيدي بفردوس أصلا عشان اسمها يعدي عليه.

** دخل آدم لغرفته متوقعا أن يجدها فارغة فخاب ظنه حين رآها جالسة مقابل التلفاز وتقلب قنواته بلا اكتراث لمحتوياتها وسرعان ما انتبهت لحضوره فاِستقامت واقفة بلهفة :
- ممكن اتكلم معاك.

- أنا مصدع دلوقتي فأجليها لوقت تاني.

- تحب اعملك مساج عشان تريح ؟

- لا هبقى كويس بعد شويا.
رد عليها برفض وهو يأخذ مكانه على طرف السرير ليشعر بها بعد ثوانٍ تجلس خلفه وتمد يداها لصدغيه اعترض في البداية وحاول إزاحتها فأوقفته نيجار هامسة :
- استنى مش انت عملتلي مساج قبل كده انا بقى بعملك دلوقتي عشان نشوف مين أشطر واحد فينا.

- أشطر !
علق عليها بإستهزاء وأغمض عيناه مستسلما لأصابعها التي تنقلت بنعومة بداية من جانبي رأسه لغاية الخلفية وطفق الصداع يتراجع شيئا باعثا الاِسترخاء بداخله حتى انتهت وسألته :
- حاسس نفسك بقيت أحسن ؟

فرق آدم جفونه وهمهم بإيجاب فجلست نيجار بجواره وعادت تسأله بفضول :
- ايه اللي حصل عشان تصدع كده ولا خلاص متردش عليا عارفة انك هتقولي وانتي مالك متدخليش في اللي ملكيش فيه.

قلدته وهي تجعل صوتها خشنا مثله فحدق فيها برهة من الوقت ونطق في النهاية :
- انتي لسه عندك كلامك بخصوص الشهادة ؟

تفاجأت نيجار من فتحه للموضوع وانتفضت مومئة وهي تضم يداه بلوعة :
- ايوة لسه عند كلامي صدقني انا نيتي سليمة والله ونفسي اساعدك واخلصك من الحمل اللي بقى تقيل عليك.

نظر لعينيها الامعتين ثم لتمسكها به ولهنيهة صغيرة اعترى روحه بؤس غريب لم يعرف سببه وسرعان ما طمسه وتشدق بنبرة جادة :
- بس في حاجة لازم تعرفيها هقولهالك وابقي قرري بنفسك لو لسه عايزة تكملي ولا تتراجعي ... الحاجة ديه بتخص علاقتنا.

- تخص علاقتنا ؟ ايه هي.

- بصي أنا كنت ناوي انهي كل حاجة بمجرد ما صفوان ينكشف للكل واحرر نفسي من القيود اللي اتفرضت عليا.
نطق كلماته بتشدد وراقب وجهها الذي بدأ ينكمش بريبة وتوجس ثم زفر مكملا دفعة واحدة :
- وبالتالي انتي لو اعترفتي للعمدة فأنا هطلقك بعدها مباشرة !!
_______________
ستووب انتهى البارت.
رايكم بيه ؟ قدرتو تتوقعو مين والدة مراد وايه طبيعة علاقتها بحكمت ؟
من وجهة نظركم هل تصرفات الجدة وقراراتها نابعة من حبها لمصلحة احفادها زي ماهي بتقول ولا من أنانيتها ورغبتها في السلطة؟
ياترى نيجار هتعمل ايه بعدما عرفت ان آدم ناوي يطلقها بعد كشف حقيقة الاغتيال وفي رايكم هل طلاقهم في الظروف ديه صحيح ولا غلط ؟


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close