رواية دوائي الضرير الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم نرمين ابراهيم
الفصل الثاني و العشرون...
و بعد مدة وجيزة وصل الجميع لمنزل آل جميل.. و ترجل الجميع و اتجهوا نحو البناية ليقابلهم حارس العقار المدعو أبو محمد.. رجل طاعن في السن لم يرحمه الزمن و قد ظهرت عليه علامات العمر بوضوح..
ابو محمد(بترحاب شديد): حمد على السلامة يا استاذ جميل.
جميل: الله يسلمك يا ابو محمد.. معلش من غير تكليف ممكن تساعد آسر في الشنط..
ابو محمد: من عنيا(ثم رآى سارة و هو قد علم ما حدث عبر الهاتف عندما تركوا المنزل بشكل مفاجئ) ست سارة الف حمد الله على سلامتك.
سارة: الله يسلمك يا راجل يا طيب.. عامل ايه يا راجل يا عجوز انت.. دة انت طلعت عجوز بجد؟؟
ابو محمد(ضاحكاً.. فهي قد اعتادت ان تقول له هذه الكلمة منذ ان عادت من أمريكا): هههه.. و هو اني كنت ضحكت عليكي و قولتلك اني شاب.. ما اني عجوز..
سارة: لا ماكنتش فاكراك عجوز اوي كدة..
آسر: ما تياللا يا عمنا ولا هانقضيها رغي.
ابو محمد: حالا اهو يا استاذ آسر.. مش كنت برحب بالدكتورة.
آسر: اه ترحب بالدكتورة و تنسى الباشمهندس.. ماشي يا ابو محمد مش هانسهالك ابدا..
ابو محمد: و انا اقدر برضك.. دة انت الخير و البركة..
و هم ان يحمل حقيبة من الحقائب و لكنها كانت ثقيلة فمنعه آسر ليعطيه أخرى اخف وزناً..
آسر: لا سيب دي انا هاشيلها عشان فيها حاجات تتكسر و خد دي..
ابو محمد(دون نقاش): حاضر يابني..
عاصم(همس لآسر بعد ان رحل البواب): يابني خلي عندك دم الراجل كبير بجد و مش قادر يشيل حاجة..
آسر: استنى بس و لما نطلع هافهمك.. و اتفضل انت بقى يا شاب يا صغير شيل معايا.
ساعده عاصم بالفعل ثم وصل الجميع الى شقة الاستاذ جميل و جلسوا ليرتاحو قليلا من السفر...
سعاد: ياللا يا بنات.. ياللا عشان نجهز حاجة ناكلها..
عاصم: ماتعمليش حسابنا أحنا يا مدام سعاد.. أحنا هانمشي... أحنا اطمنا عليكم خلاص..
جميل: لا طبعا هانتغدى مع بعض.. دة انت راجل من بيت كرم و تعرف في الاصول.. ولا هاتكسر كلمتي و تكسفني؟؟
عاصم: لا يا عمي طبعا ما عاش ولا كان اللي يكسر كلمتك ولا يكسفك.. بس اصل...
جميل(قاطعه): لا اصل ولا فصل.. أحنا يا عاصم خلاص بقينا اهل..
عاصم: بس كدة هانتعب مدام سعاد معانا.
جميل: ولا تعب ولا حاجة ماهي كدة كدة كانت هاتعمل لنا اكل.. ولا كانت هاتسيبنا جعانين يعني.. ياللا يا ام آسر حضريلنا حاجة ناكلها.
سعاد: حاضر يا جميل.. (ثم نظرت بغيظ لعاصم) الا قولي يا واد انت..
عاصم(بدهشة شديدة): واد؟؟
سعاد: آه واد.. انت أكبر من آسر بقد إيه مش سنة و نص.. تبقى زيك زيه.. قولي بقى..
عاصم(ابتسم عندما علم مصدر عفوية سارة و آسر): آمريني.
سعاد: هو إيه حكاية مدام سعاد دي اللي انت ماسكلي فيها دي.. ها؟؟
عاصم: اومال حضرتك عايزاني اقولك ايه؟؟
سعاد: قولي يا طنط.
عاصم(جحظت عيناه دهشةً): نعم؟؟ هو مش أحنا كنا اتفقنا قبل كدة على مدام.. رجعتي في كلامك ليه تاني..
و لم تستطع الفتاتان كبح ضحكاتهما المجلجلتين.. فنهرتهما سعاد قائلة...
سعاد: بتضحكو على إيه يا جزمة انتي و هي؟؟
سارة: ههههههه... اصل انا مش متخيلة عاصم و هو بلبسه الصعيدي بقى و عبايته الصوف و العمة بتاعته و هو بيقولك يا طنط دي.. هايبقى شكله مسخرة.
جميل: سارة عيب كدة.
عاصم: سيبها يا عمي سيبها.. عادتها ولا هاتشتريها يعني..
هدى(اكملت بضحك): هههههه.. والله العيال يزفوك في البلد..
جميل(ضحك برزانة): بصراحة يابني معاهم حق.
عاصم(لسعاد): يعني حضرتك عاجبك كدة.. و كل دة و انا لسة ما قولتهاش.. اومال لو قولتها بقى هايحصل ايه؟؟
آسر: ههههههههه.. هو أكيد اللي هايحصل مش هايكون خير..
سعاد(نهرتهم جميعا): بس أنت كمان.. و انتي و هي حسابكم معايا بعدين..(لعاصم) بس برضه انا مش بالعة كلمة مدام دي..
عاصم: طيب اقولك إيه بس؟؟
سعاد: قولي يا ماما.. كلهم بيقولولي يا ماما و هدى كمان و انت زيهم.. قولي يا ماما..
عاصم(ابتسم بحب و قبل يدها بإحترام): حاضر يا أمي..
سعاد: ربنا يخليك ليا يا حبيبي..
آسر: إيه الجو دة.. اللي عمرك ما قولتيلي يا حبيبي دي؟؟
سعاد: طيب هو باس ايدي انت بوست ايدي ؟؟
آسر: بس كدة؟؟(مقبلاً يدها) ادي ايدك(ثم رأسها) و ادي راسك كمان.
سعاد: ربنا يخليكم كلكم ليا و يسعدكم يارب.. ياللا يا بنات بقى نروح نعمل حاجة ناكلها.
ذهبت الفتاتان بصحبة سعاد الى المطبخ لإعداد الطعام و جلس عاصم بصحبة آسر و جميل...
آسر: منور يا ابو نسب.
عاصم: بنورك.. بس بجد انا عاتب عليك.
آسر: ليه بس؟
عاصم: عشان خليت ابو محمد يشيل الشنطة.. يابني دة راجل كبير مش مفروض تعامله كدة.
آسر: يا بني انت مش فاهم حاجة.
عاصم: طيب ما تقولي في ايه؟
جميل: انا اقولك يا عاصم.. ابو محمد أحنا اتعرفنا عليه من يجي خمس سنين لما جينا نشتري الشقة هنا قبل ما نسافر امريكا.. كان راجل طيب و بيسمع الكلام.. محترم و مش طماع..
لما كنا نجيب حاجة كان يصر انه يشيلها و انا و آسر كنا نرفض طبعا.. دة راجل أكبر مني انا شخصياّ.. لحد ما في يوم كان مُصر انه يشيل شنط مع آسر كان جايبها من السوبر ماركت..
و لما آسر رفض لقيناه بيبكي و لما سألناه ليه كل دة..
قال انه خلاص كبر و مابقاش ليه لازمة و ان ماحدش بقى محتاج خدماته.. فقلنا ان اننا نساعده بس بطريقة احسن شوية.. بقينا نخليه يساعدنا هنا في اي حاجة بسيطة.. يشيل شنطة خفيفة.. يشتريلنا حاجة من السوبر ماركت يعني عشان مايزعلش بس.
عاصم: آه دة انا كنت فاهم غلط.. عشان كدة يا آسر اديتله شنطة غير اللي مسكها..
آسر: ايوة... اديتله شنطة اخف.
لم يعلق عاصم و لكنهم انتقلو إلى الحديث في مواضيع أخرى...
على الجانب الآخر كانت الفتاتان تساعدان سعاد في تحضير الطعام.. او تتظاهران بذلك أثناء مراقبة كل منهما لحبيبها عبر ذلك المطبخ المفتوح ذو الطابع الامريكي..
سارة: شايفة يا بت انتي اخوكي و عمايله.. بيعاملني معاملة مراة الاب..
هدى: ولا اخوكي انتي.. قمر يخرب بيته..
سارة: يخرب بيتك انتي.. ما تركزي معايا شوية.. عايزين نشوف حل فيه سي عاصم دة..
هدى: حل إيه.. هو مافيش غير حل واحد ينفع معاه..
سارة: إيه هو يا فصيحة..
هدى: الهجوم.. احسن طريقة هي الهجوم المباشر بكل اسلحتك كمان..
سارة: ازاي؟
هدى: و انا اللي هاقولك برضه؟؟
سارة(بتفكير): خلاص يبقى استعنا على الشقا بالله.
سعاد(تدخلت لتقف بينهما): افهم بقى بتتودودو في إيه انتي و هي.
سارة: سلامتك يا قمر.. ادينا معاكي اهو.. عايزانا نعمل ايه؟؟
و بدأو في تجهيز الطعام و بعد ان انتهوا توجهوا الى غرفة الطعام ليتناولو طعامهم... و لم تنقطع نظرات الحب الشقية بين آسر و هدى.. و نظرات التحدي من سارة و الهروب من عاصم...
و بعد ان انتهوا من طعامهم... تطوعت سارة لعمل المشروبات و احضرتها...
سارة: و ادي احلى شاي من ايدي كمان.. عدو الجمال بقى...
جميل: تسلم ايدك يا روح قلب بابا.. وحشني اوي الشاي بتاعك يا سو يا قمر انتي.
سارة: بألف هنا يا احلى بابا... إيه دة اومال فين عاصم؟
هدى: جاله تليفون مهم و دخل البلكونة.
سارة(حملت كوباً من الشاي): طيب هادخل له الشاي عشان يشربه قبل ما يبرد..
اتجهت سارة الي الشرفة لتقف متأملة فيه.. كان يقف معطياً لها ظهره واضعاً يده في جيب بنطاله و ممسكاً بالهاتف فوق اذنه باليد الأخرى..
يتكلم بمتتهى الثقة و الحزم.. فقد رأت حزمه مع العاملين و الفلاحين في بلدته و لكنه يختلف تماما عن ذلك الشخص الذي يقف أمامها... فقد كانت مبىته أكثر حسماً و حزماً و ثقة.. ابهرتها طلته الخاطفة التي جمدت قدميها مكانهما تتأمله.
انهى اتصاله و التفت ليخرج و لكنه تفاجئ بها تقف خلفه دون ادنى صوت منها.. فوقف ساكناً هو أيضاً يفكر في طريقة للهرب و لكن زهنه لم يسعفه فوقف ساكناً..
لتدخل سارة لتقف امامه و تعطيه الكوب...
سارة: الشاي.
عاصم(و هو يمد يده لياخذ منها كويس الشاي): تعبتي نفسك ليه.. انا كنت خارج اهو.
سارة: تعبك راحة.. خفت احسن يبرد و انا عارفة انك بتحبه سخن.. صح؟؟
سألته بإهتمام و نبرة هامسة خرجت مباشرة من بين شفتيها لتستقر بداخل صدره.. تماسك بشكل جيد و استطاع ان يخفي ثورة مشاعره خلف قناع اللامبالاة الذي احكمه على ملامح وجهه...
عاصم(بتلعثم): صح.. مش.. مش ياللا نخرج لهم.
سارة: ممكن نقعد مع بعض شوية.
عاصم(بتهرب): لا.. ماهو.. مش هاينفع... مايصحش.
سارة(برجاء): عشان خاطري... خمس دقايق بس.
لم يقدر ان يرفض رجائها و هي تطلب منه من أجل خاطرها الذي يخاف عليه أكثر من حياته هو شخصياً.. فإستدار لينظر إلى الشارع الهاديء دون ان يرد واضعاً الكوب فوق سور الشرفة..
فتقدمت و وقفت بجانبه هي و لكنها كانت تنظر اليه بشوق اخترق مسام جلده رغماً عنه...
سارة: عامل ايه يا عاصم؟!!
عاصم(و لم يتحرك): كويس.
سارة: هو.. هو انت زعلان مني في حاجة.
عاصم(نظر لها بإهتمام): لا خالص.. مش زعلان منك ولا حاجة.. ليه بتقولي كدة؟؟
سارة(فركت اناملها بخجل): اصلك من ساعة ما انا كنت في المستشفى و انت مابقتش تكلمني خالص.. يعني من ساعة ما فوقت ماجتليش ولا مرة تطمن عليا ولا كلمتني حتى في التليفون.. برغم اني كلمتك كتير و ماكنتش بترد عليا ولا بترد على رسايل الواتس بتاعتي... ليه يا عاصم؟؟ حصل إيه؟؟
و ارجوك رد عليا المرة دي بصراحة من غير هروب.. انا سألتك كتير لكن انت لحد دلوقتي ماردتش عليا رد مقنع..
عاصم: ولا حاجة صدقيني.. كل الحكاية اني بس كنت مشغول اوي الفترة دي..
سارة(بحزن): مشغول عني؟؟
عاصم(لنفسه): عمري ما اقدر انشغل عنك ابدا... انا ممكن انشغل عن الدنيا كلها و ماتشغلش عنك انتي يا اغلى حاجة في عمري كله.
سارة(افاقته من شروده): مابتردش ليه؟؟
عاصم(عاد بنظره إلى الشارع): ابدا.. هاقول ايه؟؟
سارة: اي حاجة يا عاصم... قول اي حاجة.. انت ماكنتش بتبطل كلام معايا.. إيه اللي اتغير؟؟ ولا انت صدقت كلام كريم اللي قاله عليا..
عاصم(نظر لها و بنبرة مملوءة غيرة): ماتجيبيش اسم الحيوان دة تاني على لسانك.. فاهمة؟؟
سارة(تجاهلت غيرته و سألته بخوف): صدقت كلامه يا عاصم؟؟
عاصم(نظر لها بإستنكار): كلام إيه اللي صدقته؟
سارة(بصوت جاهدت ليخرج من حنجرتها الجافة): اني.. اني يعني كنت بساومه.. و اني انا اللي قولتله يجيلي اوضتي.. و اني.....
عاصم(قاطعها بغضب لم يصل لمن بالخارج): بس بس... اسكتي.
صمتت بحزن و صدمة.. فعنفه في نهرها فسرته بأنه يصدق ما قاله كريم...
سارة(و بدأت تتجمع الدموع في عينيها): تبقى صدقته.. صدقته و عشان كدة انت مابقتش تكلمني خالص..
ثم اقتربت منه حتى اصبح الفاصل بينهما خطوة واحدة و قالت بدفاع عن نفسها...
سارة: صدقني يا عاصم انا عمري ما عملت كدة ولا عمري فكرت حتى اني اتخطى حدودي معاه ولا مع اي حد.. صدقني يا عاصم انا...
عاصم(مقاطعاً مرة أخرى): بس قولتلك اسكتي.. انتي مين قالك ان انا مصدق اي حرف من اللي قاله.. عمري.. مستحيل يا سارة اصدق عنك كلمة واحدة من القرف اللي قاله دة.. مستحيل.
انارت كلمته نوراً في قلبها الذي اظلم من خوفها و اقتربت منه تلك الخطوة الفاصلة....
سارة(ابتسمت بأمل): صحيح يا عاصم.. انت مصدقني..
عاصم: طبعا مصدقك.. انتي مش ممكن تعملي كدة و انا مش عيل صغير عشان اصدق أي كلمة تتقال لي.. خصوصا لو من كلب زي كريم دة.
سارة(بحيرة كادت ان تعصف بما تبقى من عقلها): امال مالك.. ليه بقيت تتجنبني و مابقتش تكلمني زي الاول..
عاصم(اعطاه ظهره): لا ابدا ماحصلش.. بيتهيألك بس..
لم تجد بداً من المواجهة فاستدارت لتقف امامه بقوة لم تعلم من اين دبت بداخلها..
سارة(نظرت في عينيه بقوة حتى لا يحيد بعيد عنها): لا حصل... انت حتى مابقتش تبص في عنيا.. في إيه يا عاصم.. إيه اللي حصل..
انت نسيت اللي كان بينا.. نسيت كلامنا في الروف.. نسيت لهفتك عليا لما اهلي كانو بيطلبو هدى و ماعرفناش نتكلم و اول ما مشيو طلبت تشوفني..
و حضنتني..
كان حضن جميل و دافي... حسيت و كأنك كنت عايز تخبيني جوة قلبك عشان مابعدش عنك ابدا... او عشان ماحدش يقدر ياخدني منك او يبعدني عنك تاني..
معقولة.. معقولة يكون كل دة كان وهم.. كل دة كان خيال في دماغي..
بس لا مستحيل.. كلامك ليا كان كله حب كان كله... كله...
لم تجد ما يمكنها ان تكمل له جملتها حتى تصف حقيقة مشاعرها بقربه.. فسألته برجاء..
سارة: رد عليا يا عاصم.. ارجوك ماتسكتش..
عاصم(بألم لم تلاحظه هي نظراً لما تشعر هي به من حريق بقلبها): ماعنديش حاجة اقولها.
سارة(و زادت صدمتها عن الحد المعقول): يعني ايه؟؟ يعني كنت بتضحك عليا مثلا.. بتتسلى بالدكتورة العامية اللي عائشة معاك في بيت واحد.
عاصم(بصدمة): انا يا سارة.. انا بلعب بيكي.
سارة(بحيرة): اومال إيه.. قولي تصرفاتك دي معناها ايه؟
عاصم(عاد لجموده قبل ان ينهار أمام توسلاتها): يعني حمد الله على سلامتك يا دكتورة سارة انك خفيتي و نظرك رجعلك.. و انك خلاص رجعتي بيتك.. و لينا شرف نسب عيلة زي عيلتكم لما آسر خطب هدى..
يعني أحنا دلوقتي نسايب و عيلة واحدة.. و بس.. عن اذنك انا لازم امشي..
صدمتها من حديثه البارد الموجع اخرستها و جمدتها في مكانها بلا حراك و كأنها قد أصبحت تمثالاً حجرياً.. ظلت تفكر في معنى حديثه و الذي لم يكن يعني سوى شيئاً واحد و هو البعد.. البعد فقط..
لم تفيق سوى على صوت الباب و هو يغلقه خلفه بعد ان استأذن هو و شقيقته ليرحلا...
خرجت هي بعد ذلك لتتجه نحو غرفتها بعد ان قالت لأهلها انها تريد ان تنام حتى ترتاح من تعب السفر.. و تبدأ وصلة بكاء لم تعهدها قبلاً... فهي لم تشعر بهذا الكم من وجع الكرامة أو وجع القلب من قبل...
وظلت تسأل نفسها هل عاصم من نفس نوع كريم و انه استطاع ان يخدعها.. فهل كانت بالنسبة له مجرد تسلية وقتية و عندما حان وقت رحيلها رحل حبه أيضاً..
و عند هذه النقطة شعرت بألم قلبها يزداد و يزداد فوضعت يدها فوق موضع قلبها حتى تهديء وجعه قليلاً...
و قضت ليلتها كلها باكية....
أما عاصم
فلم ينطق بحرفٍ واحد نظراً لما شعر به من حيرة و حزن عندما رآى دموعها الحبيسة لأول مرة... و لم يستطع تحمل كون حزنها و دموعها بسببه هو.. فبدلاً من أن يسعدها و يعمل كل ما بوسعه ليفرحها بل كان سبب تعاستها..
وصل بصحبة شقيقته إلى ڤيلتهم التي تقع في أحد أرقى أحياء مدينة السادس من أكتوبر.. دخلا إلى داخل المنزل لتتنهد هدى بحنين.. فقد كانت تقضي أيام دراستها هنا...
هدى: ياااااه... ماتتصورش البيت هنا كان واحشني قد إيه يا عاصم..
لم يجيبها من الأصل فبمجرد ما دخل قام بقذف مفاتيحه بإهمال على الطاولة و ألقى بجسده بإهمال فوق الأريكة... لاحظت هدى صمته و ملامح التعب و الحزن على وجهه.. فجلست بجانبه ثم وضعت يدها على ساقه بدعم...
هدى: مالك يا عاصم.. ساكت ليه؟؟
عاصم: إيه يا هدى.. انتي بتكلميني؟
هدى: بكلمك يا حبيبي بس شكل بالك مشغول و ماسمعتنيش.. مالك في ايه؟
عاصم: ولا حاجة سلامتك..
هدى: لحد امتى بس هاتفضل كدة؟؟
عاصم: قصدك ايه؟
هدى: قصدي انت فاهمه كويس.. قصدي سارة .
عاصم: مالها سارة؟؟
هدى: انت فاهم انا اقصد إيه.
وقف بغضب و كاد ان ينفجر فيها فسألها بملل او قسوة...
عاصم: يووووه.. انتي هاتعملي زيها.. مالها سارة.. و انا مالي بيها.. الدكتورة بتاعتك.. حصل موقف ما و جبتلها حقها.. مطلوب مني إيه تاني..
انتو ليه متخيلين اني جبت لها حقها عشان في بيني و بينها حاجة.. و انتي اكتر واحدة عارفة اني كنت هاعمل كدة لو كريم دة كان هبب اللي هببه دة مع اي واحدة غيرها.. حتى لو من البنات اللي شغالين في البيت.
يبقى في إيه بقى؟؟
هدى: مافيش يا عاصم.. بس أنت بجد عايز تقنعني إن مافيش جواك اي مشاعر ناحية سارة ابدا..
عاصم(بتهرب): لا طبعاً.. مافيش.. سارة بالنسبة لي كانت الدكتورة بتاعتك.. و حالياً هي اخت خطيبك.. بس.
هدى: متأكد؟
عاصم: ايوة يا هدى متأكد.
هدى: اللي يريحك يا عاصم..
عاصم: انا هاطلع انام..
هدى: مش هاتتعشى؟؟
عاصم: ماليش نفس.. لو انتي عايزة حاجة الشغالين جوة.. انا خليتهم يجو لما عرفت ان أحنا جايين.. اطلبي منهم اللي انتي عايزاه.. تصبحي على خير..
لم ينتظر ردها فقلبه لم يعد يتحمل اي جدال ولا نقاش.. وصل إلى غرفته ليلقي بجسده على الفراش بتعب قلبه اولا ثم جسده.. و لم تفارق صورتها مخيلته.. بل ظل يتذكر كل ذكرى بينهما طوال الليل حتى غفا أخيراً بقلب مثقل بالهموم...
أما هدى..
حاولت كثيراً الاتصال بسارة حتى تطمئن عليها و لكنها لم تتلقى اي رد منها مما زاد قلقها على صديقتها.. و راحت تجيب على هاتفها عندما وجدت آسر يتصل بها..
هدى: الو..
آسر: حبيبي اللي واحشني.. عاملة إيه يا قلبي.. اوعي تكوني نمتي؟؟
هدى: لا طبعا.. انام ازاي قبل ما اكلمك..
آسر: قلبي يا ناس.. أخبارك إيه بقى قوليلي..
هدى: انا كويسة.. هي سارة فين؟؟
آسر: في اوضتها.. دخلت تنام اول ما انتو مشيتو.. ليه عاوزاها في حاجة؟؟
هدى(بتردد): لا.. مافيش بس اصلي برن عليها مش بترد.. فقلقت عليها بس.
آسر: لا تلاقينا نامت بس و هي لما بتنام بتعمل تليفونها صامت.
هدى: متأكد؟؟ احسن تكون تعبانة ولا حاجة؟؟
آسر: انتي هاتقلقيني ليه بس.
هدى: طيب بص.. قوم اتطمن عليها و ارجع كلمني.. انا كدة كدة سهرانه مش هانام..
آسر: بحبك على فكرة.
هدى(خجلت من كلمته المفاجئة): طيب.. طيب قوم بس شوف سارة و تعالى بسرعة.
آسر: ماشي.. بس لما ارجع هاسمعها يعني هاسمعها.. مش هاتهربي مني تاني.
هدى: طيب سلام دلوقتي..
انهى آسر معها مكالمته ثم اتجه بالفعل لغرفة شقيقته و طرق الباب عدة طرقات خفيفة ثم انتظر ردها...
أما سارة.. فقد كانت غارقة في دموعها تبكي حبها الأول و الوحيد حتى سمعت صوت الباب.. حاولت مسح دموعها و التماسك و ردت بصوت مرتعش....
سارة: ايوة مين..
آسر: دة انا يا سو... انتي لسة صاحية؟
سارة: لا يا آسر انا هانام اهو.. عايز حاجة؟؟
آسر: طيب ممكن ادخل اتكلم معاكي شوية.
سارة(مسحت دموعها و تماسكت سريعاً): ادخل يا آسر.
آسر (بعد ان دخل): سرسور القمر.. انتي لسة صاحية ولا إيه.. دة انا قولت انتي نايمة من بدري..
سارة: لا كنت لسة هانام اهو.. كنت عايز حاجة؟؟
آسر: سلامتك يا قلبي.. و لما انتي لسة صاحية قاعدة في الضلمة دي كدة ليه..
سارة: مافيش بس مش محتاجة النور... قلت كفاية الاباجورة الصغيرة دي.. او يمكن انا اللي اخدت على الضلمة..
شعر بالحزن في صوتها فاقترب منها و جلس امامها على الفراش و سألها بأهتمام و ترقب...
آسر: مالك يا سارة.. في إيه؟؟
لم تستطع هي ان تكمل تمثيلها بأنها بخير اكثر من ذلك.. فانطلق بكائها المر بصوت مزق نياط قلب آسر.. إرتمت بين أحضانه ليستقبلها هو بذراعيه الحاميين..
آسر: مالك يا سارة.. بتعيطي كدة ليه؟؟ إيه اللي حصل؟؟
سارة: انا زعلانة اوي يا آسر.. اوي.
آسر (و قد فهم ما بها): عاصم برضه؟؟
سارة(خرجت من حضنه و لكن لم تبتعد): انا مش عارفة إيه اللي حصل.. أحنا لحد اخر لحظة كنا كويسين جدا.. كان بيتفق معايا عشان يكلم بابا في كتب كتابك انت و هدى عشان يحدد معاد معاه و يجو هنا يخطبوني..
و فجأة لما حصل اللي حصل و فوقت في المستشفى لقيت بني ادم تاني مختلف تماما عن اللي كان معايا قبل كدة..
انا تخيلت انه مش هايسيبني لحظة واحدة.. و لما حد يسأله ليه هايرد يقوله انه هايتجوزني..
بس لقيته عمل العكس خالص.. لا جه يكلمني ولا بقى يشوفني ولا بيكلمني في التليفون ولا حتى على الواتس زي ما كان بيعمل.. و مش عارفة ليه..
ليه يا آسر إيه اللي حصل.. انا مش فاهمة حاجة..
آسر: طيب اهدي.. اهدي طيب و بطلي عياط.. خدي(و اعطاه كوبا من المياه) اشربي بس شوية ماية و اهدي..
تناولت بضع رشفات قليلة من المياه و استأنفت....
سارة: انا سألته لو كان صدق كلام كريم عني و عشان كدة متغير معايا..
آسر: أكيد لا..
سارة: ماهو برضه قالي لا.. بس أنت عرفت منين..
آسر: عشان لو كان مصدقه ماكنش عاقبه كل العقاب دة.
سارة: هو عمل فيه ايه صحيح؟؟
آسر: فضل حابسه في اوضة كدة ورا السرايا يجي اسبوعين.. و كل يوم يروح يسلم عليه ولا 4 مرات.
سارة(بتعجب): يسلم عليه.. ازاي يعني؟
آسر(ضحك لما تذكر شكل كريم): ههههه.. اقصد يعني يضربه.. كان بيضربه بكل وحشية.. لدرجة ان كريم كان ابتدى يصعب عليا من اللي عاصم كان بيعمله فيه.. لا و ختمت بحتة دين حركة..
سارة: ايه؟؟
آسر: جابله دكتور عشان يـ....
ترك جملته مفتوحة فلم تفهم هي ما حدث.. فسألته؟؟
سارة: عشان أيه.. يعالجه؟؟
آسر: تؤ..
سارة: اومال إيه يا آسر... هو انا نقصاك ماتتكلم يا اخي..
اقترب منها و همس في اذنها ببعض الكلمات التي جعلت وجهها يخضب باللون الاحمر.. فابتعدت عنه كمن لدغتها حية و وضعت يدها فوق فمها و جحظت عينيها... ثم هزت رأسها نفياً...
و لكن آسر هز رأسه ايجاباً مؤكداً على ما قاله...
سارة: مش ممكن..
آسر: صدقيني زي ما بقولك كدة.. خلاه ماينفعش ببصلة تاني.. عشان مايقدرش يرفع عينه في اي بنت تاني..
سارة: مش ممكن لا.. مش للدرجة دي..
آسر: عشان اقولك ان عاصم بيحبك.. نسي ان كريم ابن خالته و عمل فيه كدة..
سارة: بس دي جريمة.
آسر: إيه صعب عليكي؟؟
سارة: لا طبعا بس اي عقاب غير دة.. دة ضيع مستقبله..
آسر: و هو ليه مافكرش في مستقبله دة قبل ما يعمل كدة... ليه مافكرش في مستقبلك انتي قبل ما يحاول يعتدي عليكي.
سارة: بس أحنا مش زيه يا آسر.
آسر: معاكي حق.. بس هو يستاهل ولا مايستاهلش؟؟
صمتت بتفكير ينم عن موافقتها لما فعل.. فكنا قال عاصم سابقاً "الجزاء من حني العمل" و لكنها اكملت باهي و حزن...
سارة(بحيرة): و لما بس عمل كل دة عشاني.. ليه بقى بيعاملني كدة بس..
آسر: مش عارف.. أكيد في سر.. تحبي اكلمه.
سارة: لا طبعاً... هو مايعرفش انك تعرف حاجة..
لم يريد آسر ان يزيد حزنها بان يخبرها أنه قد سبق و طلب يدها منه بشكل مبدئي حتى لا يحزنها اكثر.. فقرر الإحتفاظ بتلك المعلومة و لو بشكل مؤقت... فأكمل بدعم لشقيقته....
آسر: طيب و بعدين.. هاتفضلي كدة كتير يعني؟؟
سارة: مش عارفة.. مش عارفة يا آسر.. انا اول مرة احب بجد و مش عارفة إيه اللي المفروض اعمله..
آسر(زفر بتفكير): بصي.. من الكلام اللي كنتي بتحكيهولي و اللي قولتيه دلوقتي.. انا شايف انك ماتسيبيش حقك..
سارة: يعني إيه..
آسر: يعني ماتسيبيش عاصم.. انتي بتحبيه و هو بيعشقك.. يبقى خلاص.. خليكي وراه لحد على الاقل ما تعرفي كل حاجة.. تعرفي الحقيقة كاملة.. و ساعتها انتي بنفسك هاتقدري تقرري إيه اللي مفروض تعمليه.
سارة: معاك حق.. و انا فعلا هاعمل كدة.
آسر: يعني خلاص.. مافيش عياط تاني؟؟
سارة: تؤ.. مافيش..
آسر: تمام.. و لو زهقتي منه انا الم اصحابي و نروح نرنهولك علقة سخنة لحد ما يقول حقي برقبتي.. خلاص جوزوهالي ابوس ايديكم.
سارة(ضحكت اخيراً): ههههههههههه... لا مش للدرجة دي.. يا أما يقولها من جواه و لوحده يا بلاش.. هو انا قليلة ولا إيه..
آسر: فشر.. دة انتي ست البنات كلهم..
سارة: ربنا يخليك ليا يا آسر..
آسر: و يخليكي ليا يا قلب آسر.. اسيبك تنامي و ترتاحي بقى.. تصبحي على خير...
سارة: و انت من اهله...
تركها لتفكيرها في خطة محكمة حتى تعرف ما حدث له و ما يدور في ذهنه.. حتى قررت عدم الاستسلام.. فهي سوف تحاصره من كل صوب حتى تصل اليه او حتى تبتعد عنه دون رجعة..
أما آسر فقد حزن كثيراً لحال شقيقته و تكونت بداخله كتلة غضب من عاصم و كرهه كثيراً لكم الالم الذي يسببه لها.. فقرر التدخل...
يا ترى آسر هايعمل إيه
و سارة هاتوصل للي هي عايزاه ازاي..
و هاتفضل لحد امتى مستحملة المناوشات اللي بينهم دي..
و عاصم هايفضل يحارب سارة و يحارب قلبه و حبه كتير.. هايصمد لحد امتى يا ترى..
كمان هدى هايبقى موقفها إيه..
و بعد مدة وجيزة وصل الجميع لمنزل آل جميل.. و ترجل الجميع و اتجهوا نحو البناية ليقابلهم حارس العقار المدعو أبو محمد.. رجل طاعن في السن لم يرحمه الزمن و قد ظهرت عليه علامات العمر بوضوح..
ابو محمد(بترحاب شديد): حمد على السلامة يا استاذ جميل.
جميل: الله يسلمك يا ابو محمد.. معلش من غير تكليف ممكن تساعد آسر في الشنط..
ابو محمد: من عنيا(ثم رآى سارة و هو قد علم ما حدث عبر الهاتف عندما تركوا المنزل بشكل مفاجئ) ست سارة الف حمد الله على سلامتك.
سارة: الله يسلمك يا راجل يا طيب.. عامل ايه يا راجل يا عجوز انت.. دة انت طلعت عجوز بجد؟؟
ابو محمد(ضاحكاً.. فهي قد اعتادت ان تقول له هذه الكلمة منذ ان عادت من أمريكا): هههه.. و هو اني كنت ضحكت عليكي و قولتلك اني شاب.. ما اني عجوز..
سارة: لا ماكنتش فاكراك عجوز اوي كدة..
آسر: ما تياللا يا عمنا ولا هانقضيها رغي.
ابو محمد: حالا اهو يا استاذ آسر.. مش كنت برحب بالدكتورة.
آسر: اه ترحب بالدكتورة و تنسى الباشمهندس.. ماشي يا ابو محمد مش هانسهالك ابدا..
ابو محمد: و انا اقدر برضك.. دة انت الخير و البركة..
و هم ان يحمل حقيبة من الحقائب و لكنها كانت ثقيلة فمنعه آسر ليعطيه أخرى اخف وزناً..
آسر: لا سيب دي انا هاشيلها عشان فيها حاجات تتكسر و خد دي..
ابو محمد(دون نقاش): حاضر يابني..
عاصم(همس لآسر بعد ان رحل البواب): يابني خلي عندك دم الراجل كبير بجد و مش قادر يشيل حاجة..
آسر: استنى بس و لما نطلع هافهمك.. و اتفضل انت بقى يا شاب يا صغير شيل معايا.
ساعده عاصم بالفعل ثم وصل الجميع الى شقة الاستاذ جميل و جلسوا ليرتاحو قليلا من السفر...
سعاد: ياللا يا بنات.. ياللا عشان نجهز حاجة ناكلها..
عاصم: ماتعمليش حسابنا أحنا يا مدام سعاد.. أحنا هانمشي... أحنا اطمنا عليكم خلاص..
جميل: لا طبعا هانتغدى مع بعض.. دة انت راجل من بيت كرم و تعرف في الاصول.. ولا هاتكسر كلمتي و تكسفني؟؟
عاصم: لا يا عمي طبعا ما عاش ولا كان اللي يكسر كلمتك ولا يكسفك.. بس اصل...
جميل(قاطعه): لا اصل ولا فصل.. أحنا يا عاصم خلاص بقينا اهل..
عاصم: بس كدة هانتعب مدام سعاد معانا.
جميل: ولا تعب ولا حاجة ماهي كدة كدة كانت هاتعمل لنا اكل.. ولا كانت هاتسيبنا جعانين يعني.. ياللا يا ام آسر حضريلنا حاجة ناكلها.
سعاد: حاضر يا جميل.. (ثم نظرت بغيظ لعاصم) الا قولي يا واد انت..
عاصم(بدهشة شديدة): واد؟؟
سعاد: آه واد.. انت أكبر من آسر بقد إيه مش سنة و نص.. تبقى زيك زيه.. قولي بقى..
عاصم(ابتسم عندما علم مصدر عفوية سارة و آسر): آمريني.
سعاد: هو إيه حكاية مدام سعاد دي اللي انت ماسكلي فيها دي.. ها؟؟
عاصم: اومال حضرتك عايزاني اقولك ايه؟؟
سعاد: قولي يا طنط.
عاصم(جحظت عيناه دهشةً): نعم؟؟ هو مش أحنا كنا اتفقنا قبل كدة على مدام.. رجعتي في كلامك ليه تاني..
و لم تستطع الفتاتان كبح ضحكاتهما المجلجلتين.. فنهرتهما سعاد قائلة...
سعاد: بتضحكو على إيه يا جزمة انتي و هي؟؟
سارة: ههههههه... اصل انا مش متخيلة عاصم و هو بلبسه الصعيدي بقى و عبايته الصوف و العمة بتاعته و هو بيقولك يا طنط دي.. هايبقى شكله مسخرة.
جميل: سارة عيب كدة.
عاصم: سيبها يا عمي سيبها.. عادتها ولا هاتشتريها يعني..
هدى(اكملت بضحك): هههههه.. والله العيال يزفوك في البلد..
جميل(ضحك برزانة): بصراحة يابني معاهم حق.
عاصم(لسعاد): يعني حضرتك عاجبك كدة.. و كل دة و انا لسة ما قولتهاش.. اومال لو قولتها بقى هايحصل ايه؟؟
آسر: ههههههههه.. هو أكيد اللي هايحصل مش هايكون خير..
سعاد(نهرتهم جميعا): بس أنت كمان.. و انتي و هي حسابكم معايا بعدين..(لعاصم) بس برضه انا مش بالعة كلمة مدام دي..
عاصم: طيب اقولك إيه بس؟؟
سعاد: قولي يا ماما.. كلهم بيقولولي يا ماما و هدى كمان و انت زيهم.. قولي يا ماما..
عاصم(ابتسم بحب و قبل يدها بإحترام): حاضر يا أمي..
سعاد: ربنا يخليك ليا يا حبيبي..
آسر: إيه الجو دة.. اللي عمرك ما قولتيلي يا حبيبي دي؟؟
سعاد: طيب هو باس ايدي انت بوست ايدي ؟؟
آسر: بس كدة؟؟(مقبلاً يدها) ادي ايدك(ثم رأسها) و ادي راسك كمان.
سعاد: ربنا يخليكم كلكم ليا و يسعدكم يارب.. ياللا يا بنات بقى نروح نعمل حاجة ناكلها.
ذهبت الفتاتان بصحبة سعاد الى المطبخ لإعداد الطعام و جلس عاصم بصحبة آسر و جميل...
آسر: منور يا ابو نسب.
عاصم: بنورك.. بس بجد انا عاتب عليك.
آسر: ليه بس؟
عاصم: عشان خليت ابو محمد يشيل الشنطة.. يابني دة راجل كبير مش مفروض تعامله كدة.
آسر: يا بني انت مش فاهم حاجة.
عاصم: طيب ما تقولي في ايه؟
جميل: انا اقولك يا عاصم.. ابو محمد أحنا اتعرفنا عليه من يجي خمس سنين لما جينا نشتري الشقة هنا قبل ما نسافر امريكا.. كان راجل طيب و بيسمع الكلام.. محترم و مش طماع..
لما كنا نجيب حاجة كان يصر انه يشيلها و انا و آسر كنا نرفض طبعا.. دة راجل أكبر مني انا شخصياّ.. لحد ما في يوم كان مُصر انه يشيل شنط مع آسر كان جايبها من السوبر ماركت..
و لما آسر رفض لقيناه بيبكي و لما سألناه ليه كل دة..
قال انه خلاص كبر و مابقاش ليه لازمة و ان ماحدش بقى محتاج خدماته.. فقلنا ان اننا نساعده بس بطريقة احسن شوية.. بقينا نخليه يساعدنا هنا في اي حاجة بسيطة.. يشيل شنطة خفيفة.. يشتريلنا حاجة من السوبر ماركت يعني عشان مايزعلش بس.
عاصم: آه دة انا كنت فاهم غلط.. عشان كدة يا آسر اديتله شنطة غير اللي مسكها..
آسر: ايوة... اديتله شنطة اخف.
لم يعلق عاصم و لكنهم انتقلو إلى الحديث في مواضيع أخرى...
على الجانب الآخر كانت الفتاتان تساعدان سعاد في تحضير الطعام.. او تتظاهران بذلك أثناء مراقبة كل منهما لحبيبها عبر ذلك المطبخ المفتوح ذو الطابع الامريكي..
سارة: شايفة يا بت انتي اخوكي و عمايله.. بيعاملني معاملة مراة الاب..
هدى: ولا اخوكي انتي.. قمر يخرب بيته..
سارة: يخرب بيتك انتي.. ما تركزي معايا شوية.. عايزين نشوف حل فيه سي عاصم دة..
هدى: حل إيه.. هو مافيش غير حل واحد ينفع معاه..
سارة: إيه هو يا فصيحة..
هدى: الهجوم.. احسن طريقة هي الهجوم المباشر بكل اسلحتك كمان..
سارة: ازاي؟
هدى: و انا اللي هاقولك برضه؟؟
سارة(بتفكير): خلاص يبقى استعنا على الشقا بالله.
سعاد(تدخلت لتقف بينهما): افهم بقى بتتودودو في إيه انتي و هي.
سارة: سلامتك يا قمر.. ادينا معاكي اهو.. عايزانا نعمل ايه؟؟
و بدأو في تجهيز الطعام و بعد ان انتهوا توجهوا الى غرفة الطعام ليتناولو طعامهم... و لم تنقطع نظرات الحب الشقية بين آسر و هدى.. و نظرات التحدي من سارة و الهروب من عاصم...
و بعد ان انتهوا من طعامهم... تطوعت سارة لعمل المشروبات و احضرتها...
سارة: و ادي احلى شاي من ايدي كمان.. عدو الجمال بقى...
جميل: تسلم ايدك يا روح قلب بابا.. وحشني اوي الشاي بتاعك يا سو يا قمر انتي.
سارة: بألف هنا يا احلى بابا... إيه دة اومال فين عاصم؟
هدى: جاله تليفون مهم و دخل البلكونة.
سارة(حملت كوباً من الشاي): طيب هادخل له الشاي عشان يشربه قبل ما يبرد..
اتجهت سارة الي الشرفة لتقف متأملة فيه.. كان يقف معطياً لها ظهره واضعاً يده في جيب بنطاله و ممسكاً بالهاتف فوق اذنه باليد الأخرى..
يتكلم بمتتهى الثقة و الحزم.. فقد رأت حزمه مع العاملين و الفلاحين في بلدته و لكنه يختلف تماما عن ذلك الشخص الذي يقف أمامها... فقد كانت مبىته أكثر حسماً و حزماً و ثقة.. ابهرتها طلته الخاطفة التي جمدت قدميها مكانهما تتأمله.
انهى اتصاله و التفت ليخرج و لكنه تفاجئ بها تقف خلفه دون ادنى صوت منها.. فوقف ساكناً هو أيضاً يفكر في طريقة للهرب و لكن زهنه لم يسعفه فوقف ساكناً..
لتدخل سارة لتقف امامه و تعطيه الكوب...
سارة: الشاي.
عاصم(و هو يمد يده لياخذ منها كويس الشاي): تعبتي نفسك ليه.. انا كنت خارج اهو.
سارة: تعبك راحة.. خفت احسن يبرد و انا عارفة انك بتحبه سخن.. صح؟؟
سألته بإهتمام و نبرة هامسة خرجت مباشرة من بين شفتيها لتستقر بداخل صدره.. تماسك بشكل جيد و استطاع ان يخفي ثورة مشاعره خلف قناع اللامبالاة الذي احكمه على ملامح وجهه...
عاصم(بتلعثم): صح.. مش.. مش ياللا نخرج لهم.
سارة: ممكن نقعد مع بعض شوية.
عاصم(بتهرب): لا.. ماهو.. مش هاينفع... مايصحش.
سارة(برجاء): عشان خاطري... خمس دقايق بس.
لم يقدر ان يرفض رجائها و هي تطلب منه من أجل خاطرها الذي يخاف عليه أكثر من حياته هو شخصياً.. فإستدار لينظر إلى الشارع الهاديء دون ان يرد واضعاً الكوب فوق سور الشرفة..
فتقدمت و وقفت بجانبه هي و لكنها كانت تنظر اليه بشوق اخترق مسام جلده رغماً عنه...
سارة: عامل ايه يا عاصم؟!!
عاصم(و لم يتحرك): كويس.
سارة: هو.. هو انت زعلان مني في حاجة.
عاصم(نظر لها بإهتمام): لا خالص.. مش زعلان منك ولا حاجة.. ليه بتقولي كدة؟؟
سارة(فركت اناملها بخجل): اصلك من ساعة ما انا كنت في المستشفى و انت مابقتش تكلمني خالص.. يعني من ساعة ما فوقت ماجتليش ولا مرة تطمن عليا ولا كلمتني حتى في التليفون.. برغم اني كلمتك كتير و ماكنتش بترد عليا ولا بترد على رسايل الواتس بتاعتي... ليه يا عاصم؟؟ حصل إيه؟؟
و ارجوك رد عليا المرة دي بصراحة من غير هروب.. انا سألتك كتير لكن انت لحد دلوقتي ماردتش عليا رد مقنع..
عاصم: ولا حاجة صدقيني.. كل الحكاية اني بس كنت مشغول اوي الفترة دي..
سارة(بحزن): مشغول عني؟؟
عاصم(لنفسه): عمري ما اقدر انشغل عنك ابدا... انا ممكن انشغل عن الدنيا كلها و ماتشغلش عنك انتي يا اغلى حاجة في عمري كله.
سارة(افاقته من شروده): مابتردش ليه؟؟
عاصم(عاد بنظره إلى الشارع): ابدا.. هاقول ايه؟؟
سارة: اي حاجة يا عاصم... قول اي حاجة.. انت ماكنتش بتبطل كلام معايا.. إيه اللي اتغير؟؟ ولا انت صدقت كلام كريم اللي قاله عليا..
عاصم(نظر لها و بنبرة مملوءة غيرة): ماتجيبيش اسم الحيوان دة تاني على لسانك.. فاهمة؟؟
سارة(تجاهلت غيرته و سألته بخوف): صدقت كلامه يا عاصم؟؟
عاصم(نظر لها بإستنكار): كلام إيه اللي صدقته؟
سارة(بصوت جاهدت ليخرج من حنجرتها الجافة): اني.. اني يعني كنت بساومه.. و اني انا اللي قولتله يجيلي اوضتي.. و اني.....
عاصم(قاطعها بغضب لم يصل لمن بالخارج): بس بس... اسكتي.
صمتت بحزن و صدمة.. فعنفه في نهرها فسرته بأنه يصدق ما قاله كريم...
سارة(و بدأت تتجمع الدموع في عينيها): تبقى صدقته.. صدقته و عشان كدة انت مابقتش تكلمني خالص..
ثم اقتربت منه حتى اصبح الفاصل بينهما خطوة واحدة و قالت بدفاع عن نفسها...
سارة: صدقني يا عاصم انا عمري ما عملت كدة ولا عمري فكرت حتى اني اتخطى حدودي معاه ولا مع اي حد.. صدقني يا عاصم انا...
عاصم(مقاطعاً مرة أخرى): بس قولتلك اسكتي.. انتي مين قالك ان انا مصدق اي حرف من اللي قاله.. عمري.. مستحيل يا سارة اصدق عنك كلمة واحدة من القرف اللي قاله دة.. مستحيل.
انارت كلمته نوراً في قلبها الذي اظلم من خوفها و اقتربت منه تلك الخطوة الفاصلة....
سارة(ابتسمت بأمل): صحيح يا عاصم.. انت مصدقني..
عاصم: طبعا مصدقك.. انتي مش ممكن تعملي كدة و انا مش عيل صغير عشان اصدق أي كلمة تتقال لي.. خصوصا لو من كلب زي كريم دة.
سارة(بحيرة كادت ان تعصف بما تبقى من عقلها): امال مالك.. ليه بقيت تتجنبني و مابقتش تكلمني زي الاول..
عاصم(اعطاه ظهره): لا ابدا ماحصلش.. بيتهيألك بس..
لم تجد بداً من المواجهة فاستدارت لتقف امامه بقوة لم تعلم من اين دبت بداخلها..
سارة(نظرت في عينيه بقوة حتى لا يحيد بعيد عنها): لا حصل... انت حتى مابقتش تبص في عنيا.. في إيه يا عاصم.. إيه اللي حصل..
انت نسيت اللي كان بينا.. نسيت كلامنا في الروف.. نسيت لهفتك عليا لما اهلي كانو بيطلبو هدى و ماعرفناش نتكلم و اول ما مشيو طلبت تشوفني..
و حضنتني..
كان حضن جميل و دافي... حسيت و كأنك كنت عايز تخبيني جوة قلبك عشان مابعدش عنك ابدا... او عشان ماحدش يقدر ياخدني منك او يبعدني عنك تاني..
معقولة.. معقولة يكون كل دة كان وهم.. كل دة كان خيال في دماغي..
بس لا مستحيل.. كلامك ليا كان كله حب كان كله... كله...
لم تجد ما يمكنها ان تكمل له جملتها حتى تصف حقيقة مشاعرها بقربه.. فسألته برجاء..
سارة: رد عليا يا عاصم.. ارجوك ماتسكتش..
عاصم(بألم لم تلاحظه هي نظراً لما تشعر هي به من حريق بقلبها): ماعنديش حاجة اقولها.
سارة(و زادت صدمتها عن الحد المعقول): يعني ايه؟؟ يعني كنت بتضحك عليا مثلا.. بتتسلى بالدكتورة العامية اللي عائشة معاك في بيت واحد.
عاصم(بصدمة): انا يا سارة.. انا بلعب بيكي.
سارة(بحيرة): اومال إيه.. قولي تصرفاتك دي معناها ايه؟
عاصم(عاد لجموده قبل ان ينهار أمام توسلاتها): يعني حمد الله على سلامتك يا دكتورة سارة انك خفيتي و نظرك رجعلك.. و انك خلاص رجعتي بيتك.. و لينا شرف نسب عيلة زي عيلتكم لما آسر خطب هدى..
يعني أحنا دلوقتي نسايب و عيلة واحدة.. و بس.. عن اذنك انا لازم امشي..
صدمتها من حديثه البارد الموجع اخرستها و جمدتها في مكانها بلا حراك و كأنها قد أصبحت تمثالاً حجرياً.. ظلت تفكر في معنى حديثه و الذي لم يكن يعني سوى شيئاً واحد و هو البعد.. البعد فقط..
لم تفيق سوى على صوت الباب و هو يغلقه خلفه بعد ان استأذن هو و شقيقته ليرحلا...
خرجت هي بعد ذلك لتتجه نحو غرفتها بعد ان قالت لأهلها انها تريد ان تنام حتى ترتاح من تعب السفر.. و تبدأ وصلة بكاء لم تعهدها قبلاً... فهي لم تشعر بهذا الكم من وجع الكرامة أو وجع القلب من قبل...
وظلت تسأل نفسها هل عاصم من نفس نوع كريم و انه استطاع ان يخدعها.. فهل كانت بالنسبة له مجرد تسلية وقتية و عندما حان وقت رحيلها رحل حبه أيضاً..
و عند هذه النقطة شعرت بألم قلبها يزداد و يزداد فوضعت يدها فوق موضع قلبها حتى تهديء وجعه قليلاً...
و قضت ليلتها كلها باكية....
أما عاصم
فلم ينطق بحرفٍ واحد نظراً لما شعر به من حيرة و حزن عندما رآى دموعها الحبيسة لأول مرة... و لم يستطع تحمل كون حزنها و دموعها بسببه هو.. فبدلاً من أن يسعدها و يعمل كل ما بوسعه ليفرحها بل كان سبب تعاستها..
وصل بصحبة شقيقته إلى ڤيلتهم التي تقع في أحد أرقى أحياء مدينة السادس من أكتوبر.. دخلا إلى داخل المنزل لتتنهد هدى بحنين.. فقد كانت تقضي أيام دراستها هنا...
هدى: ياااااه... ماتتصورش البيت هنا كان واحشني قد إيه يا عاصم..
لم يجيبها من الأصل فبمجرد ما دخل قام بقذف مفاتيحه بإهمال على الطاولة و ألقى بجسده بإهمال فوق الأريكة... لاحظت هدى صمته و ملامح التعب و الحزن على وجهه.. فجلست بجانبه ثم وضعت يدها على ساقه بدعم...
هدى: مالك يا عاصم.. ساكت ليه؟؟
عاصم: إيه يا هدى.. انتي بتكلميني؟
هدى: بكلمك يا حبيبي بس شكل بالك مشغول و ماسمعتنيش.. مالك في ايه؟
عاصم: ولا حاجة سلامتك..
هدى: لحد امتى بس هاتفضل كدة؟؟
عاصم: قصدك ايه؟
هدى: قصدي انت فاهمه كويس.. قصدي سارة .
عاصم: مالها سارة؟؟
هدى: انت فاهم انا اقصد إيه.
وقف بغضب و كاد ان ينفجر فيها فسألها بملل او قسوة...
عاصم: يووووه.. انتي هاتعملي زيها.. مالها سارة.. و انا مالي بيها.. الدكتورة بتاعتك.. حصل موقف ما و جبتلها حقها.. مطلوب مني إيه تاني..
انتو ليه متخيلين اني جبت لها حقها عشان في بيني و بينها حاجة.. و انتي اكتر واحدة عارفة اني كنت هاعمل كدة لو كريم دة كان هبب اللي هببه دة مع اي واحدة غيرها.. حتى لو من البنات اللي شغالين في البيت.
يبقى في إيه بقى؟؟
هدى: مافيش يا عاصم.. بس أنت بجد عايز تقنعني إن مافيش جواك اي مشاعر ناحية سارة ابدا..
عاصم(بتهرب): لا طبعاً.. مافيش.. سارة بالنسبة لي كانت الدكتورة بتاعتك.. و حالياً هي اخت خطيبك.. بس.
هدى: متأكد؟
عاصم: ايوة يا هدى متأكد.
هدى: اللي يريحك يا عاصم..
عاصم: انا هاطلع انام..
هدى: مش هاتتعشى؟؟
عاصم: ماليش نفس.. لو انتي عايزة حاجة الشغالين جوة.. انا خليتهم يجو لما عرفت ان أحنا جايين.. اطلبي منهم اللي انتي عايزاه.. تصبحي على خير..
لم ينتظر ردها فقلبه لم يعد يتحمل اي جدال ولا نقاش.. وصل إلى غرفته ليلقي بجسده على الفراش بتعب قلبه اولا ثم جسده.. و لم تفارق صورتها مخيلته.. بل ظل يتذكر كل ذكرى بينهما طوال الليل حتى غفا أخيراً بقلب مثقل بالهموم...
أما هدى..
حاولت كثيراً الاتصال بسارة حتى تطمئن عليها و لكنها لم تتلقى اي رد منها مما زاد قلقها على صديقتها.. و راحت تجيب على هاتفها عندما وجدت آسر يتصل بها..
هدى: الو..
آسر: حبيبي اللي واحشني.. عاملة إيه يا قلبي.. اوعي تكوني نمتي؟؟
هدى: لا طبعا.. انام ازاي قبل ما اكلمك..
آسر: قلبي يا ناس.. أخبارك إيه بقى قوليلي..
هدى: انا كويسة.. هي سارة فين؟؟
آسر: في اوضتها.. دخلت تنام اول ما انتو مشيتو.. ليه عاوزاها في حاجة؟؟
هدى(بتردد): لا.. مافيش بس اصلي برن عليها مش بترد.. فقلقت عليها بس.
آسر: لا تلاقينا نامت بس و هي لما بتنام بتعمل تليفونها صامت.
هدى: متأكد؟؟ احسن تكون تعبانة ولا حاجة؟؟
آسر: انتي هاتقلقيني ليه بس.
هدى: طيب بص.. قوم اتطمن عليها و ارجع كلمني.. انا كدة كدة سهرانه مش هانام..
آسر: بحبك على فكرة.
هدى(خجلت من كلمته المفاجئة): طيب.. طيب قوم بس شوف سارة و تعالى بسرعة.
آسر: ماشي.. بس لما ارجع هاسمعها يعني هاسمعها.. مش هاتهربي مني تاني.
هدى: طيب سلام دلوقتي..
انهى آسر معها مكالمته ثم اتجه بالفعل لغرفة شقيقته و طرق الباب عدة طرقات خفيفة ثم انتظر ردها...
أما سارة.. فقد كانت غارقة في دموعها تبكي حبها الأول و الوحيد حتى سمعت صوت الباب.. حاولت مسح دموعها و التماسك و ردت بصوت مرتعش....
سارة: ايوة مين..
آسر: دة انا يا سو... انتي لسة صاحية؟
سارة: لا يا آسر انا هانام اهو.. عايز حاجة؟؟
آسر: طيب ممكن ادخل اتكلم معاكي شوية.
سارة(مسحت دموعها و تماسكت سريعاً): ادخل يا آسر.
آسر (بعد ان دخل): سرسور القمر.. انتي لسة صاحية ولا إيه.. دة انا قولت انتي نايمة من بدري..
سارة: لا كنت لسة هانام اهو.. كنت عايز حاجة؟؟
آسر: سلامتك يا قلبي.. و لما انتي لسة صاحية قاعدة في الضلمة دي كدة ليه..
سارة: مافيش بس مش محتاجة النور... قلت كفاية الاباجورة الصغيرة دي.. او يمكن انا اللي اخدت على الضلمة..
شعر بالحزن في صوتها فاقترب منها و جلس امامها على الفراش و سألها بأهتمام و ترقب...
آسر: مالك يا سارة.. في إيه؟؟
لم تستطع هي ان تكمل تمثيلها بأنها بخير اكثر من ذلك.. فانطلق بكائها المر بصوت مزق نياط قلب آسر.. إرتمت بين أحضانه ليستقبلها هو بذراعيه الحاميين..
آسر: مالك يا سارة.. بتعيطي كدة ليه؟؟ إيه اللي حصل؟؟
سارة: انا زعلانة اوي يا آسر.. اوي.
آسر (و قد فهم ما بها): عاصم برضه؟؟
سارة(خرجت من حضنه و لكن لم تبتعد): انا مش عارفة إيه اللي حصل.. أحنا لحد اخر لحظة كنا كويسين جدا.. كان بيتفق معايا عشان يكلم بابا في كتب كتابك انت و هدى عشان يحدد معاد معاه و يجو هنا يخطبوني..
و فجأة لما حصل اللي حصل و فوقت في المستشفى لقيت بني ادم تاني مختلف تماما عن اللي كان معايا قبل كدة..
انا تخيلت انه مش هايسيبني لحظة واحدة.. و لما حد يسأله ليه هايرد يقوله انه هايتجوزني..
بس لقيته عمل العكس خالص.. لا جه يكلمني ولا بقى يشوفني ولا بيكلمني في التليفون ولا حتى على الواتس زي ما كان بيعمل.. و مش عارفة ليه..
ليه يا آسر إيه اللي حصل.. انا مش فاهمة حاجة..
آسر: طيب اهدي.. اهدي طيب و بطلي عياط.. خدي(و اعطاه كوبا من المياه) اشربي بس شوية ماية و اهدي..
تناولت بضع رشفات قليلة من المياه و استأنفت....
سارة: انا سألته لو كان صدق كلام كريم عني و عشان كدة متغير معايا..
آسر: أكيد لا..
سارة: ماهو برضه قالي لا.. بس أنت عرفت منين..
آسر: عشان لو كان مصدقه ماكنش عاقبه كل العقاب دة.
سارة: هو عمل فيه ايه صحيح؟؟
آسر: فضل حابسه في اوضة كدة ورا السرايا يجي اسبوعين.. و كل يوم يروح يسلم عليه ولا 4 مرات.
سارة(بتعجب): يسلم عليه.. ازاي يعني؟
آسر(ضحك لما تذكر شكل كريم): ههههه.. اقصد يعني يضربه.. كان بيضربه بكل وحشية.. لدرجة ان كريم كان ابتدى يصعب عليا من اللي عاصم كان بيعمله فيه.. لا و ختمت بحتة دين حركة..
سارة: ايه؟؟
آسر: جابله دكتور عشان يـ....
ترك جملته مفتوحة فلم تفهم هي ما حدث.. فسألته؟؟
سارة: عشان أيه.. يعالجه؟؟
آسر: تؤ..
سارة: اومال إيه يا آسر... هو انا نقصاك ماتتكلم يا اخي..
اقترب منها و همس في اذنها ببعض الكلمات التي جعلت وجهها يخضب باللون الاحمر.. فابتعدت عنه كمن لدغتها حية و وضعت يدها فوق فمها و جحظت عينيها... ثم هزت رأسها نفياً...
و لكن آسر هز رأسه ايجاباً مؤكداً على ما قاله...
سارة: مش ممكن..
آسر: صدقيني زي ما بقولك كدة.. خلاه ماينفعش ببصلة تاني.. عشان مايقدرش يرفع عينه في اي بنت تاني..
سارة: مش ممكن لا.. مش للدرجة دي..
آسر: عشان اقولك ان عاصم بيحبك.. نسي ان كريم ابن خالته و عمل فيه كدة..
سارة: بس دي جريمة.
آسر: إيه صعب عليكي؟؟
سارة: لا طبعا بس اي عقاب غير دة.. دة ضيع مستقبله..
آسر: و هو ليه مافكرش في مستقبله دة قبل ما يعمل كدة... ليه مافكرش في مستقبلك انتي قبل ما يحاول يعتدي عليكي.
سارة: بس أحنا مش زيه يا آسر.
آسر: معاكي حق.. بس هو يستاهل ولا مايستاهلش؟؟
صمتت بتفكير ينم عن موافقتها لما فعل.. فكنا قال عاصم سابقاً "الجزاء من حني العمل" و لكنها اكملت باهي و حزن...
سارة(بحيرة): و لما بس عمل كل دة عشاني.. ليه بقى بيعاملني كدة بس..
آسر: مش عارف.. أكيد في سر.. تحبي اكلمه.
سارة: لا طبعاً... هو مايعرفش انك تعرف حاجة..
لم يريد آسر ان يزيد حزنها بان يخبرها أنه قد سبق و طلب يدها منه بشكل مبدئي حتى لا يحزنها اكثر.. فقرر الإحتفاظ بتلك المعلومة و لو بشكل مؤقت... فأكمل بدعم لشقيقته....
آسر: طيب و بعدين.. هاتفضلي كدة كتير يعني؟؟
سارة: مش عارفة.. مش عارفة يا آسر.. انا اول مرة احب بجد و مش عارفة إيه اللي المفروض اعمله..
آسر(زفر بتفكير): بصي.. من الكلام اللي كنتي بتحكيهولي و اللي قولتيه دلوقتي.. انا شايف انك ماتسيبيش حقك..
سارة: يعني إيه..
آسر: يعني ماتسيبيش عاصم.. انتي بتحبيه و هو بيعشقك.. يبقى خلاص.. خليكي وراه لحد على الاقل ما تعرفي كل حاجة.. تعرفي الحقيقة كاملة.. و ساعتها انتي بنفسك هاتقدري تقرري إيه اللي مفروض تعمليه.
سارة: معاك حق.. و انا فعلا هاعمل كدة.
آسر: يعني خلاص.. مافيش عياط تاني؟؟
سارة: تؤ.. مافيش..
آسر: تمام.. و لو زهقتي منه انا الم اصحابي و نروح نرنهولك علقة سخنة لحد ما يقول حقي برقبتي.. خلاص جوزوهالي ابوس ايديكم.
سارة(ضحكت اخيراً): ههههههههههه... لا مش للدرجة دي.. يا أما يقولها من جواه و لوحده يا بلاش.. هو انا قليلة ولا إيه..
آسر: فشر.. دة انتي ست البنات كلهم..
سارة: ربنا يخليك ليا يا آسر..
آسر: و يخليكي ليا يا قلب آسر.. اسيبك تنامي و ترتاحي بقى.. تصبحي على خير...
سارة: و انت من اهله...
تركها لتفكيرها في خطة محكمة حتى تعرف ما حدث له و ما يدور في ذهنه.. حتى قررت عدم الاستسلام.. فهي سوف تحاصره من كل صوب حتى تصل اليه او حتى تبتعد عنه دون رجعة..
أما آسر فقد حزن كثيراً لحال شقيقته و تكونت بداخله كتلة غضب من عاصم و كرهه كثيراً لكم الالم الذي يسببه لها.. فقرر التدخل...
يا ترى آسر هايعمل إيه
و سارة هاتوصل للي هي عايزاه ازاي..
و هاتفضل لحد امتى مستحملة المناوشات اللي بينهم دي..
و عاصم هايفضل يحارب سارة و يحارب قلبه و حبه كتير.. هايصمد لحد امتى يا ترى..
كمان هدى هايبقى موقفها إيه..