اخر الروايات

رواية دوائي الضرير الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم نرمين ابراهيم

رواية دوائي الضرير الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم نرمين ابراهيم 

الفصل الثالث و العشرون...

و في اليوم التالي..
إستيقظت سارة بكل همة و نشاط و هي كلها إصرار على تنفيذ خطة الهجوم المتواصل التي قررتها.. اتصلت بهدى حتى تتفق معها على خطواتهم لذلك اليوم.. و علمت منها ان عاصم قد ذهب الى مقر شركته حتى يتابع بعض الاعمال بها بما انه موجود بالقاهرة..
فأتصلت به هدى حسب الخطة... و قد كان هو منهمكاً في مراجعة بعض الاوراق بتركيز عندما سمع صوت هاتفه...

هدى: الو.. ايوة يا عاصم.. صباح الخير.
عاصم: صباح النور يا هدهد.. صحيتي يعني.. دة انا قولت مش هاتصحي قبل الضهر..
هدى: كان بودي والله بس مافيش وقت.. هانزل انا و سارة و آسر ننقي فستان لكتب الكتاب.. فحبيت اعرفك..
عاصم(انتبه عندما سمع اسمها): و.. هي.. سارة يعني خارجة معاكم؟؟
هدى: ايوة طبعا.. عشان ننقي مع بعض.. هاتيجي معانا؟؟
عاصم: ها.. لا.. انا اصلي عندي شغل كتير اوي متأخر هنا.. لازم اخلصه.
هدى: و لو آسر سألني عليك اقوله إيه؟؟
عاصم(بعصبية لأنه كان يريد ان يراها و لكنه يحاول ان يمنع نفسه بأي شكل): اعتذريله و خلاص يا هدى بقى...(ثم قفزت بذهنه فكرة سريعة) ولا اقولك... انا لو لقيت نفسي فاضي ممكن اقابلكم على الغدا.
هدى: خلاص اتفقنا.

حاول بعد ذلك ان يصب تركيزه على عمله و لكنه فشل و بجدارة.. فبرغم تلك المعركة الدائرة ما بين قلبه و عقله إلا ان شوق قلبه لها هو الذي انتصر كما ينتصر دائماً و أراد أن يراها ليطمئن عليها بعد ما حدث بينهما بالأمس...
مر آسر بصحبة سارة على هدى ليصطحباها في جولتهم للبحث عن مستلزمات حفل عقد القران... فسألتها سارة سراً...

سارة: اخوكي فين؟؟ ماجاش ليه؟
هدى: راح الشركة من بدري و قالي انه يمكن يحصلنا على الغدا.
سارة: افففففف... لما نشوف..

ثم توجهوا إلى أحد أكبر مراكز التسوق المتخصصة في بيع مستلزمات الزفاف و الأفراح... دخلوا معاً إلى أحد المحال هناك و الذي كان يحوي مجموعة متميزة من فساتين الزفاف و السهرة....

سارة(و هي تمسك بفستان جميلاً): إيه رأيك في دة ؟؟
هدى: اممم.. لا مش حساه.. بصي انا عايزة فستان يكون جامد زحليقة فاهماني؟؟
سارة(بتقزز مصطنع): زحليقة.. و بتقولو عليا انا اللي بيئة.. ماشي ياختي ندور... (ثم أشارت إلى غيره) طيب إيه رأيك في دة؟؟

هنا تدخل آسر بكل حسم...

آسر: لما تكون هاتتجوز سوسن ان شاء الله نبقى نجيبلها دة..
سارة: و ماله دة بس؟؟
آسر(بغيظ من اخته و اختياراتها): مالوش.. مفتح من كل ناحية بس.. بسيطة خالص.. اختارو حاجة محترمة بدل ما نروح و مانجيبش حاجة خالص. ولا انتي إيه رأيك يا عروسة؟؟
هدى(ابتسمت بحب لغيرته عليها): على فكرة انا ماكنتش هاوافق عليه أصلا .
آسر(ابتسم بحب): بجد..

هزت هدى رأسها ايجاباً دون تعليق فقالت سارة بغيظ غير خبيث..

سارة: يارب صبرني..
آسر: مالك بس يا سو مش بنحط النقط على الحروف قبل ما نطلع على الروف..

ابتسمت هدى بخجل و نظرت ارضاً فقالت سارة بحنق..

سارة: طيب ياللا نكمل لف خلونا نخلص بقى.. و بطلو مرقعة انتو الاتنين.

و اكملوا رحلة بحثهم حتى استقرو على فستانين للفتاتين و قرروا ان بتناول طعام الغداء قبل أن يستأنفوا رحلة التسوق خاصتهم...
جلس ثلاثتهم ينتظرون عاصم و الذي قد هاتف هدى عندما فشل في التركيز في عمله و قرر أن ينضم لهم و يتناول معهم الغداء... و قد حدث...
و عندما أراد الفتاتان ان يشتروا بدلة آسر رفض ان يختار بدلته و فضل أن ينتظر عاصم ليختارا بدلتهما معاً.. و لكنه في الحقيقة كان ينوي شيئاً أخر.

عاصم: مساء الخير يا جماعة.. اتأخرت عليكم ولا إيه؟؟
آسر: يعني مش اوي..
هدى: انت موتنا من الجوع بس.
عاصم: يا ساتر موتكم من الجوع مرة واحدة.
هدى: طبعاً.. انت ماتعرفش ان الجوع خطر على الشوبنج؟؟
عاصم(بصدمة مزيفة): اوبااا.. فعلا؟؟ يعني طلع الجوع خطر على الشوبنج؟؟
هدى: ايوة طبعا اوعي تخرج تعمل شوبنج على معدة فاضية.. غلط خالص.
عاصم: لا طبعاً انا مستحيل اعمل شوبنج على معدة فاضية.. ميرسي على المعلومة القيمة التافهة دي .
هدى(بتكبر متصنع): عفوا عفوا..
آسر: انا حاسس ان انا انضحك عليا سيكا في الجوازة دي.. ولا إيه رأيك يا سو..
سارة(و التي تعمدت الصمت و تجاهل عاصم كلياً): لا طبعا.. هدى مافيش منها ابدا.. دى هي اللي اتضحك عليها .
هدى: ربنا يخليكي ليا يا سو يا قمر انتي ياللي نصفاني دايما..
آسر(لهدى): لا والنبي إيه..(و نظر لسارة) ثم انا عايز اعرف انتي اختي انا ولا اختها هي..
سارة(ضحكت بخفوت): هههههههه.. هو انا عشان بقول الحق ابقى وحشة يعني.. و بعدين بقولك إيه انتي و هو أحنا مش فاضيين عايزين نتغدى بسرعة عشان نقوم نكمل اللي ورانا..
آسر: هو أحنا لسة هانلف.. و بعدين أحنا مش هانجيب غير بدلتي بس.
سارة: و هي بدلتك دي شوية.. و بعدين دي بدلة العريس و مش اي عريس دة آسر أحلى عريس في الدنيا.
آسر(قبل يدها بحب): ربنا يخليكي ليا يا أحن و اجمل اخت في الدنيا.
هدى: سيدي يا سيدي على الحب دة..
آسر(رفع كفه فارداً اصابعه في وجهها): الله أكبر الله أكبر... هاتحسدينا ولا إيه...
هدى(تشبثت بذراع شقيقها و استندت برأسها على كتفه): و احسدكم ليه ياخويا ربنا يخليلي اخويا حبيبي.. ولا إيه يا عاصم..
عاصم: طبعا يا حبيبتي.. ربنا يسعدك..
هدى: طيب ياللا نطلب بقى عشان هانجيب بدلة لعاصم كمان..
عاصم: و انا كمان؟؟
هدى: طبعا.. و احلى من بدلة العريس كمان.
آسر: دة تحدي بقى..
هدى(بإصرار): ايون.
آسر: هانشوف..

طلبوا الطعام و تناولوه في جو لطيف و لكن لم يخفى على عاصم تورم عينا سارة و التي علم منه انها قضت ليلتها في بكاء منه و بسببه و قد تألم قلبه كثيراً لذلك.. فلم يتناول سوى بضع لقيمات صغيرة حزناً عليها و ندماً على ما بدر منه نحوها.
حتى ان قلبه همس له حتى يعود عن قراره بالبعد عنها و لكن عقله سريعاً أعاده لأرض واقعه و خوفه مما قد يترتب على ذلك.. فرجع عن قراره و فضل الصمت...
انتهى الجميع بعد قليل من طعامهم ثم اتجهوا معاً إلى أحد محال بيع الملابس الرجالية و اختارت كل فتاة بدلة لأخيها و لو انهما تشاركا الاختيار في الخفاء لتختار كل منهما لحبيبها..
ثم اتجه آسر و عاصم الى غرفة تبديل الملابس... فجلست سارة على احد المقاعد الكبيرة في المتجر بينما قامت هدى تبحث لآسر عن رابطة عنق تتماشى مع مناسبة عقد قرانهما و مع لون فستانها...

هدى: قوليلي بقى اجيب لأخوكي كرافتة لونها إيه... ولا نخليها بيبيون.. ولا اقولك لا خلي البيبيون للفرح..

لم ترد عليها سارة فقد كانت سارحة في ما يدور بينها و بين عاصم و فيما يجب ان تفعل.. نظرت لها هدى بعتب لأخيها و لما سببه لها من حزن... فجلست هدى بجوار سارة التي لم يغفل تجهمها و حزنها على اي منهم... و سألتها بعد ان ربتت على كتفها..

هدى: مالك يا سارة.. انتي كويسة؟؟
سارة(بعد أن عادت من شرودها): آه يا حبيبتي كويسة.. في حاجة ولا ايه؟؟
هدى: بكلمك من الصبح مش بتردي.
سارة(ابتسمت ابتسامة مصطنعة): معلش يا حبيبتي ماخدتش بالي.. كنتي عايزة إيه.
هدى: سيبك انتي من اللي انا كنت عايزاه.. خلينا فيكي انتي.. زعلانة من عاصم صح؟؟
سارة(تنهدت بحزن و حيرة): انا بس نفسي اعرف إيه اللي غيره كدة.. عارفة عقلي بيقولي ايه.. بيقولي انه كان بيتسلى بيا و لما خلاص الموضوع كبر بعد كريم و اللي عمله و كمان جوازك انتي و آسر و لما لقي الحكاية داخلة في الجد و فيها نسب حب يخلع.
هدى: إيه بس يا سارة اللي انتي بتقوليه دة... لا طبعا عاصم عمره ما كان كدة.. لا.
سارة: برضه عقلي بيقولي كدة.. خصوصا انه قالي انه كان هايكلم بابا يوم كتب كتابكم عشان يخطبني منه..

زفرت بدنيران الحيرة التي بداخلها و قالت بتعب...

سارة: امال إيه طيب.. إيه اللي حصل.. يابنتي مش انا كنت بحكيلك على كل حاجة.. و انتي قبلي كنتي بتأكديلي انه بيحبني..
هدى: صدقيني انا مش عارفة اقولك ايه.. عاصم عمره ما خبى عليا حاجة خصوصاً بعد الحادثة.. كان بيكلمني في كل حاجة.. كلمني حتى في شغله اللي ماكنتش بفهم فيه اي حاجة..
لكن لحد سبب تصرفاته معاكي بعد ما خرجتي من المستشفى دي و هو مش عايز يتكلم معايا حتى مجرد كلام.. بمجرد ما بفتح معاه الموضوع دة بيقفله أصلا و يبقى عايز يتخانق معايا كمان.
(نظرت لها بإبتسامة أمل) بس سيبك.. أحنا وراه لحد مايرجع لعقله.. ولا انتي عايزاه يرجع لقلبه؟؟

ابتسمت الفتاتان و احتضنتها هدى بدعم...

أما بداخل غرفة تبديل الملابس.. كان كل منهما بغرفة منفصلة.. و بعد حوالي 5 دقائق خرج اثنتيهما يرتديان بدلتيهما الجديدتين و وقفا بجانب بعضيهما امام المرآة الكبيرة التي تغطي الجدار يهندمان مظهرهما اكثر...

آسر: ها يا عاصم إيه رأيك فيا.. انفع عريس؟؟
عاصم: و أحلى عريس كمان..
آسر(ضحك بتهكم): غريبة..
عاصم: هي إيه دي اللي غريبة؟؟
آسر: بتكرر كلمة سارة مع انك مش طايق تبص في وشها حتى.. ولا بتتكلم معاها كلمتين على بعض.. مع ان دة ماكنش حالك قبل كدة.
عاصم(التفت له بدهشة): إيه يا آسر اللي انت بتقوله دة ؟؟
آسر(التفت له بهدوء خارجي فقط): الحقيقة... مش هي دي الحقيقة برضه ولا انا غلطان..
عاصم: طبعا غلطان.. مين قال ان انا مش طايقها ولا اني مابتكلمش معاها..
آسر: هي.
عاصم(بصدمة): هي اللي قالتلك كدة..

كاد ان يقص عليه ما دار بينه و بين شقيقته من حديث بالأمس و لكنه تراجع.. فلم يريد ان يعطيه مساحة أكبر مما يستحق..

آسر: ايوة هي.. عنيها المنفخة من كتر عياطها اللي انا سامعه بودني طول الليل من ورا بابها هو اللي قالي.. و لما اخبط عليها ماتردش و تعمل نايمة عشان ماكلمهاش ولا اسألها مالك و هي مايبقاش عندها رد..
نظرة الحزن اللي بقت ملازماها كل ما تشوفك هي اللي قالتلي..
سارة اختي و انا بعرفها من غير كلام.
عاصم: آسر انا...
آسر(بعنف): انت ندل و واطي..
عاصم(بغضب): آسر.. الزم حدودك.
آسر: بلا حدود بلا زفت بقى دة انت خليتها خل على الاخر... انت طلبتها مني يوم ما انا كلمتك على هدى.. حصل ولا بتبلى عليك؟

صمت عاصم دون رد خجلاً من أفعاله... فأكمل آسر هجومه الحاد عليه...

آسر: طبعا ماعندكش رد.. بس كمان اظن اني كنت قد كلمتي.. انما انت بقى بتتهرب و ماحدش عارف ليه..
إيه اللي حصل.. إيه اللي غيرك.. صدقت كلام كريم.. مش معقول ماكنتش عملت فيه اللي عملته دة.
يبقى إيه.. معذبها معاك ليه..
عاصم(طأطأ رأسه بخجل): مافيش يا آسر.. انا.. انا بس إكتشفت اني كنت غلطان و اني اتسرعت..
آسر(احتدت عيناه بغضب مكتوم): اتسرعت.. بقى عاصم ابن الحاج عبد الرحمن المنياوي عمدة بلدهم و كبير سوهاج اتسرع..؟؟
مافكرش 1000 مرة قبل ما يختار البني ادمة اللي عايزها تشاركه حياته.. ماحسبهاش بدل المرة مليون قبل ما يقرر هو عايز إيه بالظبط من الدكتورة اللي بتعالج اخته..
كنت بتعاملها على أنها دكتورة ولا ضيفة ولا صديقة ولا اكتر؟؟
ماترد عليا ساكت ليه؟؟
عاصم(و هو يعطيه ظهره بخجل): هاقول إيه يا آسر؟؟
آسر(مسك ذراعه و لفه له بغضب): قولي ليه.. ليه عملت فيها كدة.. ليه طلعت بيها سابع سما و بعدين رميتها على طول دراعك لسابع ارض.. ليه.. إيه اللي غيرك بعد ما فاقت.. ايه؟؟
عاصم.. سارة دي مش اختي الصغيرة بس.. لا دي روحي عارف يعني ايه.. يعني سارة بالنسبة لي زي هدى بالنسبة ليك بالظبط.
عاصم(نظر له بتهديد يشوبه بعض التوتر): قصدك ايه؟؟
آسر(فهم ما يدور بخلده فضحك بتهكم): ماتخافش.. انا مش ممكن اخد هدى بذنبك.. انا بحب هدى بجد و مش ممكن اظلمها.. بس انا كفاية عليا نظرة القلق اللي ظهرت على وشك بمجرد ما حسيت اني ممكن آذي هدى.. دي تخليك تتخيل انا نفسي اعمل فيك إيه دلوقتي بسبب اللي انت عملته في سارة..
و بقولهالك لأول و لأخر مرة... مالكش دعوة بسارة نهائي تاني و مالكش دعوة بيها خالص بعد كدة.. و اياك اشوفك بتتكلم معاها ولا حتى تقول لها صباح الخير... انت فاهم؟
عن اذنك..

خرج آسر و حاول ان يتمالك نفسه و يبدو طبيعياً قدر الإمكان و لكنه لم يستطيع ان يخفي ما بداخله على شقيقته...

آسر: ها يا بنات إيه رأيكم.
سارة: قمر يا آسر.. شكلك حلو اوي.
هدى: يابني بتسأل على إيه انا زوقي لا يعلى عليه..
آسر(نظر لها بخبث و غمز لها بعينيه): يعني دي زوقك مش زوق سارة ؟؟
هدى(بتلعثم و خجل): لا مين قال كدة.. خالص.
سارة: خلاص بقى يا هدهد... اتكشفت يا جميل و اللي كان كان.
هدى(بتهرب): هو فين عاصم صحيح ماخرجش ليه..
آسر: مستنيكي جوة مش عايز يخرج..
هدى: طيب هادخل اشوفه.

دخلت هدى و تركتهما فوقفت سارة أمام اخيها الذي كان يضبط ملابسه و نظرت لعينيه الذي كان يبتعد بهما عنها...

سارة: كلمته.. صح؟؟

لم يرد آسر سوى بنظرة حنونة لها...

سارة: ليه كدة يا آسر.. انا ماكنتش عايزاك تتدخل في الموضوع دة لا انت ولا هدى..
آسر: هدى برة الموضوع فعلا.. لكن انا لا.. مش قادر اشوف اللي بيحصل دة و اقف ساكت كدة..
سارة انتي مش اختي بس.. مع ان الفرق بينا مش كبير بس كمان بحسك بنتي.
سارة: ربنا يخليك ليا يا حبيبي.. بس ارجوك تبعد نفسك انت و هدى عن الموضوع دة عشان ماتحصلش بينكم مشاكل بسببه.. عشان خاطري يا آسر.
آسر(قبل جبينها و احتضنها بحب و دعم): ماتخافيش عليا انا و هدى.. انا مخرج علاقتنا برة حكايتكم خالص.. عشان هي فعلا مالهاش ذنب.. ماتقلقيش.

اما بالداخل...
دخلت هدى لتجد عاصم يجلس على أحد المقاعد واضعاً رأسه بين كفيه مستنداً بكوعيه فوق ساقيه و يبدو عليه الحزن الشديد..
فأقتربت منه و جلست بجانبه ثم ربتت على كتفه بحنان ام....

هدى: عاصم.. مالك قاعد كدة ليه؟؟

رفع رأسه و حاول ألا يظهر حزنه و ما به من مشاعر سلبية من وراء قلبه الذبيح...

عاصم: مافيش يا هدى سلامتك.
هدى: متأكد يا عاصم؟؟
عاصم(تنهد بتعب): متأكد.. بس مصدع شوية.
هدى: بس صداعك دة مش هاتلاقيله مسكن..

نظر لها بإستفهام حتى اكملت هي...

هدى: صداع الراس مقدور عليه.. لكن اللي عندك دة صداع في قلبك يا عاصم.. و صداع القلب يا حبيبي مالوش مسكن غير عند الحبيب.
عاصم(نظر لها بابتسامة): كبرتي يا هدى و بقيتي تقولي حكم في الحب.
هدى: تلميذتك و تربية احن قلب في الدنيا.
عاصم(احتضنها): ماتشغليش بالك بيا انتي و ركزي مع خطيبك.. آسر بيحبك و واضح ان انتي كمان بتحبيه.. ولا ايه؟؟
هدى(اختبأت في حضنه بخجل): اللي تشوفه يا عاصم..
عاصم: ربنا يسعدك و يتمملكو بخير يا حبيبتي..
هدى: و يريح قلبك انت كمان يا حبيبي.

انتهى يومهم و كان عاصم و آسر يتجنبان بعضهما طوال الوقت حتى لا يشتعلان بنار الغضب...
ثم انتهت عطلة عاصم و هدى في القاهرة و انتهى الجميع من تجهيز انفسهم لتلك المناسبة و سافر الشقيقين اولا على اتفاق بان تلحق بهم أسرة الاستاذ جميل لاحقاً...
تقرر عقد قران آسر و هدى في منزل الحاج عبد الرحمن يوم الخميس حسب العادات و التقاليد الصعيدية..
وصلت عائلة الاستاذ جميل يوم الاربعاء حسب طلب الحاج عبد الرحمن حتى يستريحو قبل الخميس و تعبه...
و قد اتفقتا هدى و سارة مع إحدى أكبر صالونات التجميل في سوهاج حتى تأتي لهم في المنزل يوم الخميس لتجهيزهن.. و انهيا جميع التجهيزات..

اجتمعت أسرة الحاج عبد الرحمن و اقاربهم في اليوم السابق لعقد القران... كان المنزل يعج بالمدعويين.. منهم المحب و منهم الكاره.. و منهم عبير التي كانت تشتعل بالغيرة من تلك الزيجة و زيادة القرابة بين عاصم و سارة و التي تعلم ان هناك شيئاً ليس عادياً بينهما و هو الحب و هي التي كانت تريد ان تعود له مرة أخرى.. و منه فقد قررت ان تفسد علاقتهما.

ظلت تتعمد مضايقة سارة في كل وقت دون مراعاة لشعورها ولا لكونها ضيفة في قريتهم.. حتى انها لم تعود لبيت أبيها تلك الليلة و ظلت في بيت عمها بحجة مساعدتهم في تجهيزات عقد القران و لكن سارة كانت لها بالمرصاد.. فلم تعطيها فرصة الانتصار مطلقاً...

ثم أتى اليوم المنتظر...
بدأ اليوم بشكل عادي جداً.. تناول الجميع الفطور معاً.. و هذه المرة لم توافق سارة هدى بأن يتناولا فطورهما في الغرفة مثل ما حدث من قبل.. فقد كانت تتحين الفرصة لتبقى مع عاصم اطول فترة ممكنة..
لم تتركه عيناها قط طوال الوقت.. حتى أنه إعتذر بشكل مفاجئ...

عاصم(و هو يقف من مكانه): الحمد لله.
هنية: على فين يا ولدي.. ماكملتش فطورك زين.
عاصم: معلش ياما ورايا حاچات كتير لازم اعملها جبل الليل..
هنية: طيب اجعد كمل وكلك هي الدنيا طارت؟؟
سارة(بنبرة ذات معنى): سيبيه يا ماما هنية براحته.. احسن شكله كدة مش بياكل مع حد غريب.
عبير(تأكيداً على حديثها و حتى تزيد من الفجوة التي شعرت بها بينهما): و انتي عاتجولي فيها.. عاصم واد عمي ماعيعرفش ياكل مع حد غريب صُح.
عبد الرحمن(نهرها بحسم طفيف): إيه اللي عاتجوليه ده يا عبير يابتي.. و هو في حد غريب... أحنا خلاص بجينا اهل..
جميل(بمزاح خفي حتى يمتص حدة جملة ابنته): قال يا عاصم.. مش عايز تاكل معانا عشان أحنا غرب..
عبد الرحمن: إيه اللي عاتجوله ده يا ابو آسر.. لا طبعاً.. أكيد عاصم مايجصدش اكده.. ولا إيه يا عاصم..
عاصم(بغيظ من تلك المستفزة التي بدأت حربها اليومية عليه مبكراً): طبعاً يابوي.. إحنا خلاص بجينا اهل و مافيش بانتنا حد غريب.. هي بس الدكتورة بتحب تهزر بس هزارها النهاردة تجيل حبيتين.
سارة(بإستفزاز أكبر و هي تتناول لقمة بشوكتها): و هما الاهل في بينهم القاب برضه يا عاصم ولا ايه؟؟
عاصم(ببرود): المجامات محفوظة برضيك يا دكتورة.
سارة: قصدك إيه.. قصدك اني قليلة الزوق لما بندهلك بإسمك كدة من غير القاب.
عاصم: لا استغفر الله.. العفو.. بس كل واحد ينام على الچنب اللي يريحه..

لم ترد سارة لما قاله.. فقد شعرت بالإهانة و بشكل كبير... لاحظ آسر تلك النبرة المتحدية بينهما و لكنه لم يرد التدخل بشكل مباشر حتى لا يفتعل مشكلة قد تؤدي إلى ولادة ضغائن بين الهائلتين مما قد يطيح بزيجته المنتظرة أدراج الريح.
و لكنه لن يترك شقيقته فريسة سهلة لبرود و تجاهل عاصم.. فرد عنها...

آسر: معاك حق يا عاصم.. كل واحد ينام على الجنب اللي يريحه.. بس يارب يكون مرتاح فعلاً.

لم يرد عاصم أيضاً ليس خوفاً على إتمام زيجة أخته كما خاف آسر... و لكن إحتراماً لأسر و لعلاقته بشقيقته و الذي يعرف كم يخاف عليها و كم يحبها مثلما يحب هو هدى..
فقد كان مقدراً لذلك بشدة.. ففضل الإنسحاب...

عاصم: صُح.. معاك حج.. بالإذن انا بجى.. سلامو عليكم.
الجميع: و عليكم السلام.
سارة(وقفت بحدة بعد ان خرج هو من المنزل): عن إذنكم.
سعاد: على فين يا حبيبتي.. كملي فطارك.
سارة: معلش يا ماما.. انا شبعت.. هاستناكي في اوضتك يا هدى.
هدى: لا استني انا كمان اكلت الحمد لله.. هاجي معاكي.

صعدت الفتاتان الى الغرفة و دخلتها سارة اولاً و هي تزفر بغضب و ضيق و خلفها هدى و التي لم تلاحظ عبير التي اتبعتهما و وقفت تتنصت عليهما من خلف الباب مثل عادتها مع أي شخص...

سارة(و هي تجلس بغضب على الفراش): اففففففف.
هدى(و هي تغلق الباب): مالك بس يا سو.. إيه اللي حصل لكل دة؟؟
هدى: يعني مانتيش شايفة اخوكي و برودة.. شايفة بيعاملني ازاي.. لا و في الاخر يقول عليا انا قليلة الزوق.. عاجبك كدة يعني ؟؟
هدى(جلست بجانبها و قالت بهدوء حتى تمتص غضبها): هو امتى بس قال أنك قليلة الزوق؟؟ هو ماقالش كدة.
سارة(اعتدلت بعنف لتقابلها): امال يعني كان قصده إيه لما قالي(و قلدت صوته) "كل واحد ينام على الچنب اللي يريحه".. ها كان قصده إيه.. مش قصده انه هو يعني محترم و حاطط حدود و القاب بينا و ان انا لا..
هدى(ضحكت على غضبها و نبرتها): هههههههه... يابنتي و هو كدة قال أنك قليلة الزوق؟؟
سارة: اومال قصده إيه .
هدى(تنهدت بحزن على حال أخيها): والله ما عارفة اقولك ايه.. انا بجد مش عارفة هو بيعمل كدة ليه؟
سارة: طيب و بعدين..دي كلها يوم ولا اتنين بالكتير و اسافر..
هدى: عارفة مين اللي ممكن تجيبلك قرار عاصم؟؟
سارة: مين ؟؟
هدى: هنية .
سارة(بملل): تااااني؟؟
هدى: ايوة صدقيني.
سارة(بتردد): لا بس مش معقول هاطلب مساعدتها تاني.. كدة هابان مدلوقة اوي قدامها.. لا انا اتكسف... يعني معقول هاروح اقولها تاني و النبي يا طنط اصلي بحب ابنك و هو مش معبرني فقوليلي اعمل ايه.. لا طبعاً.
هدى(بذكاء): مين قالك بس ان أحنا هانقولها كدة.. بقولك إيه سيبي انتي الموضوع دة عليا و انا هاظبطهولك.

ثم تفاجئ الاثنتين بدخول عبير عليهما دون حتى ان تطرق الباب... فنهرتها هدى بحدة...

عبير: سالخير عليكم.
هدى: هو إيه دة.. مش في باب تخبطي عليه يا بنتي انتي.
عبير: وااه يا بت عمي هو اني غريبة ولا ايه؟
هدى: مش مسألة غريبة ولا قريبة مسألة زوقيات.. ولا انا بكلم مين يعني..
عبير: اكده.. الله يسامحك يا بت عمي.. هاعديهالك بس عشان انتي عروسة..
هدى(تأففت بملل): كتر خيرك ياختي.. المهم عايزة إيه.. منورانا بطلتك الباهية ليه؟؟

دخلت هنية لتجد ثلاثتهن في الغرفة....

هنية: إيه يا بنات عاتعملو ايه؟؟ واه.. انتي اهنه يا عبير و أني عادور عليكي.
عبير: واه يا مراة عمي.. كنتي شيعيلي حد من البنات و هي تنادم عليا.. ماكنش لازم تطلعي بنفسك.
هنية: لا ما اني طالعة اطمن على البنات برضيك.. ها عاملين إيه يا بنات.. ماعيزينش حاچة؟؟
هدى: لا يا ماما سلامتك.. بس كنا لسة بنتكلم و بقول لعبير انها المفروض تخبط على الباب قبل ما تدخل..
عبير: يرضيكي اكده يا مراة عمي تكسفني جدام الغرب ؟؟
هنية: غرب مين اللي كسفتك جدامهم دول.

فهمت سارة انها تقصدها ففضلت ان تبدأ تلك المعركة مبكراً حتى تنتهي منها سريعاً...

سارة: قصدها عليا يا ماما هنية.
هنية(صكت صدرها): صُح يا عبير الحديت ده.. جصدك على سارة؟؟ و هي سارة غريبة..
عبير(بخبث): واه يا مراة عمي.. هو اني نطجت.. بس كيف ما بيجولو اللي على راسه بطحة عايحس بيها عاد.. و بعدين دة حتى ولدك عاصم لسة جايل عليها هي و اهلها اكده..
ولا كلمتي اني اللي بتوجف في الزور.
هنية: لا يا عبير.. عاصم ماجالش اكده.. عاصم بس بيحب يناغش سارة.. صح يا سارة.
سارة(و لكي تغيظ عبير): طبعا يا ماما هنية.. انا و عاصم متعودين نهزر مع بعض بس هزارنا تقيل شوية مش اي حد يفهمه.
هنية(ضحكت لزوجة ابنها المزعومة): اي والله يا سارة مافيش غيرك بيجدر عليه..
عبير: وااه يا مرات عمي.. و انتي ازاي تجبلي ان عاصم يهزر اكده مع اي واحدة غيري..
هنية: و دي فيها إيه دي كمان يا ست عبير؟؟
عبير: فيها كتير يا مراة عمي.. فيها ان عاصم مايصحش يهزر مع واحدة غيري طبعا.
هدى(بفظاظة مقصودة): دة اللي هو ليه بقى إن شاء الله ؟؟ كان مضالك على عقد احتكار ولا ايه؟
عبير(تصنعت المحل بوضوح): واااه يا هدى.. بكرة يمضي.
هدى: يمضي على إيه..
عبير: على عجد چوازنا.. هو انتو ماتعرفوش ان اني و عاصم هانرچعو لبعض.
هنية: عاتجولي إيه انتي.. كيف يعني ترچعو لبعض.
عبير: وااه يا مراة عمي.. هما المتچوزين عايرچعو لبعضيهم كيف يعني..
هدى: اديكي قولتيها.. المتجوزين مش المتطلقين.. لا و إيه كمان اتجوزتي بعده و اتطلقتي..
عبير: اهو نصيب بجى.. و شكل نصيبي مع واد عمي زي ما چدي كان حكم زمان.. دة حتى لما بعدنا اني مارتحتش مع غيره ولا هو عرف يتچوز غيري...

قالتها و هي تنظر لسارة التي لم يبدو على ملامحها اي تعبير سوى البرود عكس ما بداخلها من نيران الغيرة... فقد تخيلت نفسها تمسك بعبير من شعرها و هي تضربها و من الممكن ان تقتلها أيضاً.
نفضت تلك الفكرة الشريرة من رأسها و قررت الانتقام منها بشكل أخر...

سارة: و يا ترى بقى اتطلقتي ليه للمرة التانية يا عبير؟؟ نصيب برضه ولا ماحدش قدر يستحملك للمرة التانية..

احتدت عيناها و صرت أسنانها بغيظ و قالت بغضب..

عبير: جصدك ايه؟؟
سارة: لا ماقصديش.. بس يعني مش حاجة غريبة دي انك تتجوزي و تطلقي مرتين في اقل من 3 سنين.. غريبة شوية صح.
عبير: اهو نصيب.. و بعدين أني اللي يشوفني مايدينيش اكتر من 18 سنة .. الدور و الباجي بجى على اللي تمت ال 26 سنة و ماحدش عبرها..
سارة: فعلا.. بس انتي عارفة اصل اللي تمت الـ 26 دي ماكنتش فاضية للجواز للأسف.. كان عندها جامعة و ماستر و سافرت تكمل تعليمها برة.. يعني الجواز مش محور حياتها.. لا كان في حاجات تانية قبل الجواز.

خشيت هنية من احتداد نقاشهما لدرجة لا تستطيع ان توقفه فقررت ان توقفه الان...

هنية: الله.. مالكم بس يا بنات.. و انتي يا عبير انتي چاية تساعديني ولا تجعدي تحكي مع البنات اهنه.
هدى(بدهشة و تعجب): تساعدك؟؟ و دو من امتى دة.. هي عبير كانت من امتى بتساعد في اي حاجة في البيت.. ما طول عمرها بتقعد حاطة رجل على رجل و بتبقى عايزة اللي يخدمها.
عبير: لا يا بت عمي.. الحديت ده كان زمان... بس دلوجتي ماينفعش.. عشان كتب كتابك و اني لازمن اجف چنب مراة عمي و اساعدها..
هنية(لمجرد إنهاء النقاش): كتر خيرك يا بتي.. طيب انزلي اسبجيني بجى و شوفي البنات خلصو تنضيف الطيور ولا لسة عايتچلعو..
عبير: بس اكده.. من عيني..(ثم همست بصوت وصل لجميعهم و هي تنظر لسارة) تجدرش تستغنى عني واصل.

تركتهن و خرجت لتنفجر سارة و هدى ضحكاً على تلك المجنونة التي تعيش أحلام يقظة مستحيلة...

هنية: عاتضحكو على إيه انتي و هي.
هدى: يعني مانتيش شايفة يا ماما المجنونة دي بتعمل إيه.. قال إيه هاترجع لعاصم و هما ولاد عم و أولى ببعض.. طيب بزمتك دة مش جنان؟؟
هنية(بضحك): ههههههه.. ان چيتو للحج هي شكلها اتهوست صُح.. المهم يا سارة.. الا هو انتي صُح خدتي على خاطرك من عاصم.
سارة(بقلق): هو صحيح ممكن عاصم يرجع لعبير يا ماما هنية.
هدى: لا طبعا.. مستحيل.
سارة(و تجاهلت هدى و مسكت بيد هنية لتطمئنها بنفسها): صحيح يا ماما؟؟
هنية(ربتت على يدها بدعم): تجلجيش انتي.. عاصم مستحيل يرچع عبير لعصمته مهما حُصل..
سارة: انتي ازاي متأكدة كدة؟؟
هنية: عشان اللي هي عملته ماكنش هين يابتي.. عبير هانته و عايرته بعيبه جدام الكل من غير حيا..
سارة(عقدت حاجبيها بدهشة): عيبه؟؟ عيب إيه ده؟؟
هدى: ماما قصدها البهاق.
هنية: وجفت جدام الكل.. جدام المأذون و اهلها و بكل بجاحة تجوله مش كفاية اني اتحملت جرفك سنتين بحالهم.. و دي ماكنتش اول مرة تجولهاله في وشه اكده.. كانت دايما تجولهاله سوا جدام حد ولا بينهم و بين بعضيهم..
و هو يا حبة عيني كان يتخانج معاها و يديها فوج دماغها و يجي عند ما تجوله اكده مايجدرش يتحدت.. چرحت كرامته كتير و كرامة الراچل و رچولته واحد و عاصم مستحيل يرچعلها.. ياللا ربنا يسهل لها بعيد عنه و عننا.
سارة: اومال هي ليه بتقول كدة؟؟
هدى: أحلام يقظة بقى ولا هبل..
سارة(بخوف من صحة حديث هدى): يعني.. يعني مش يمكن عاصم يكون هو اللي....
هدى(قاطعتها بحسم): هو اللي إيه؟؟ هو اللي عايز يرجعلها.. بقولك مستحيل طبعاً.
سارة: ليه يعني؟
هنية: عشان عبير چرحت كرامته و رچولته مش جلبه.. الواحد يا سارة لما جلبه هو الي بينچرح بياخد وجته و يرچع.. انما چرح الكرامة عمره ما بيتداوى.. و هي چات عليه چامد جوي.

سرحت سارة قليلاً في حديث هدى و هنية و حتى عبير.. فمن منهن الأصح؟؟ هل هدى و هنية.. ام عبير و التي مال عقلها نحوها.. فطريقة عاصم الجديدة معها و تجاهله لها بل و عدم حديثه معها و وضع حدود كثير بينهما يجعل كفة عبير هي الاثقل.. فلا مبرر ولا سبب لتغيره هذا سوى رجعوهما لبعضهما مرة أخرى...
فقررت انه لا يوجد مانع من السؤال او حتى الهجوم للدفاع عن حبها.. فقررت ان تستعين بهنية مثل ما نصحتها هدى من قبل.. و أيضا لا أحد يعرفه مثلها..

سارة(بتردد): ماما هنية.. هو انا ممكن اطلب نصيحتك من غير ما تفهميني غلط.
هنية(بإستفسار): عشان عاصم تاني اياك؟
سارة(بخجل): ايوة.. معاملته ماتغيرتش ليا عن ما حكيتلك لما كنت في المستشفى.. يمكن بقت اوحش كمان.. و لسة مش قادرة اعرف سبب تغيره دة؟؟ يا ترى تعرفي ليه؟؟
هنية: لا و اني برضيك ماجدرتش اعرف ليه.. بس اعرف حاچة تانية..

نظرت لها سارة بأمل و لم تعقب فاردفت هنية بحب....

هنية: اعرف انه عايحبك.
سارة(و قد توردت وجنتاها بخجل برئ): طيب ما انا عارفة.. و انا كمان يعني... ما انتي عارفة بقى.
هنية: شوف لؤم البنتة عاد.. و اما انتي عارفة انه عايحبك و جوي كمان.. عاتسألي على إيه تاني؟
سارة(بيأس): اومال ليه بيعمل كدة معايا؟؟ مابيتكلمش معايا خالص.. ولا بيرد على تليفوناتي.. ولا بيرد على رسايلي ولا بيحتك بيا خالص..
بيتجاهلني و كأني مش موجودة أصلا.. ليه يا ماما هنية ليه؟؟ دي وصلت انه قالهالي في وشي كدة..
أني كنت مجرد دكتورة هدى و دلوقتي بقيت اخت خطيبها اللي هايبقى جوزها.
هنية(بتعجب من عاصم و تصرفاته): واه.. للدرچة دي؟
سارة: ايوة.. و هاموت بجد من طريقته دي و هاموت و اعرف ليه؟
هنية(تنهدت بحزن لحيرتها): اهي دي بجى ماعرفهاش.. بس أني عايزة اجولك نصيحة من ام عاصم اللي نفسها و منى عينها ان ربنا يجمعه ببت جمر و بت ناس اكدة زيك..
ولدي عاصم راچل صعيدي صُح.. يغير على اهل بيته و اللي يخصوه و يحميهم بروحه.. عارفين انه عايحبك بس عايداري و ينكر.. بس إحنا بجى اجوى منه..
يعني مافيش مانع من شوية شطة يشعللو نار الغيرة في جلبه تخليه يچري و يعترف بكل حاچة.. فاهماني يا سارة
هدى: ايوة بقى يا هنون يا جامد يا بتاع الخطط انت..
سارة: لا بس انا ماقدرش اعمل كدة.. او ماعرفش اعمل كدة.
هدى: ليه بس؟؟
سارة: زي ما ماما هنية قالت.. عاصم راجل صعيدي و دمه حامي.. مش ممكن يعدي لي حكاية اني اغيظه بحد تاني دي لا صعب.
هنية: اسمعي الكلام انتي بس و بكرة تدعيلي... ياللا هاهملكم اني بجى و اشوف اللي ورايا عاد.

ثم خرجت لتتركهما يكملان حديثهما.. بين افكار متخبطة غير واضحة منهما..

اما عبير فقد خرجت من الغرفة لتجد عاصم يصعد درجات السلم بهيبته الخاطفة التي لم تؤثر فيها مسبقاً و لكنها لفتت نظرها الآن و الآن فقط...
فأقتربت منه بدلال لم يستميله مسبقاً ولا حالياً قط...

عبير: عاصم.
عاصم(بتأفف): ايوة يا عبير..
عبير: كيفك يا واد عمي؟؟
عاصم: بخير يا عبير.. لازمك حاچة عشان ورايا 100 حاچة و مافاضيش.
عبير: وااه.. هو انت مابجتش طايج لي كلمة اكده ليه.

نظر لها بتفحص ممزوج بدهشة.. فأقتربت منه بدلال لم يراه منها قط و هي تفرك اناملها بتوتر ملحوظ..

عبير: هو انت مش ناوي ترضى عني بجى يا عاصم.
عاصم(بتفحص): ارضى عنيكي؟!! ترضى عنيكي كيف يعني؟!!
عبير(ازدردت لعابها بتلعثم و خجل مصطنعين): يعني اجصد مش ناوي تسامحني على اللي حُصل مني زمان و تنساه.. والله يا عاصم اني ندمانة.. ندمانة جوي جوي..
وجتها اني كنت عيلة صغير مانيش فاهمة حاچة و مشيت ورا كلام اهلي و غرجوني.. اتچوزت من كتر زنهم و اديني اطلجت عشان ارچعلك تاني يا واد عمي.. ماعيزناش نرچعو تاني يا عاصم... ما اتوحشتش عبير واصل.
عاصم(نظر لها بعمق و تدقيق): انتي واعية للي عاتجوليه ده يا عبير.
عبير(بلهفة): ايوة.. ايوة طبعا واعية.. و واعية جوي كمان.. و نفسي و منى عيني نرچعو تاني لبعضينا.. اني لسة بحبك يا عاصم.. و انت كمان أكيد مانسيتنيش.
عاصم: و إيه اللي مخليكي متوكدة جوي اكده؟؟
عبير(و هي تقترب منه اكثر و تلعب بأزرار سترته بدلال): انك ماتچوزتش لحد دلوجيت.. أكيد مش قادر تنساني.. صُح يا عاصم..

لم يرد عليها بل ظل يتأملها بشيء من الحيرة و التقزز.. فمن تلك الانسانة التي امامه.. فهل تتخيل بعد أن أهانته و أهانت كرامته امام الجميع انه قد يعود إليها مرة أخرى..
و سأل نفسه هل يمكن ان يعود لها.. و لم لا.. فهي بالفعل إبنة عمه.. و من الواضح انها قد تعلمت درسها تماماً.. و عودتهما لبعضهما البعض سوف تقطع كل السبل على سارة و تجبرها على نسيانه.. فلما لا؟!!
صمته اعطاها اشارة واضحة قوية في أنه مال اليها و لطلبها.. حتى قطعت والدته صمتهما عندما خرجت من الغرفة لتجدهما يقفان معا بذلك القرب الذي دب القلق في قلبها...

هنية: عبير؟؟ انتي لساتك اهنه.. مش جولتلك تشوفي البنات تحت..
عبير: معلش يا مراة عمي اصل عاصم لما جابلني وجف يتحدت معاي شوي و اني ماجدرتش اكسفه.

لم يعلم لما لم ينكر ذلك و يقول انها هي من اوقفته لتعرض عليه الصلح.. و لكن شيئاً بداخله رفض تكذيبها.. ليسمع صوت والدته...

هنية: طيب ياللا اتدلي انتي و اني هاحصلك..
عبير: حاضر يا مراة عمي.. هاشوفك تاني يا عاصم.. بالإذن يا واد عمي..

تركتهما وحدهما و ذهبت.. و انتظرت هنية حتى تأكدت انها ابتعدت تماماً حتى لا تسترق السمع لهما كعادتها.. ثم نظرت لعاصم و سألته بخوف..

هنية: كانت عاتجولك إيه بت صالحة؟؟
عاصم(تنهد بثقل): ماكنتش هاتجول حاچة يامه.. عادي يعني.
هنية: يا سلام.. يعني ماكنتش بتجولك انكو ترچعو لبعض..

تعجب عاصم من معرفة هنية بما دار بينهما فسألها بإستفهام..

عاصم: و انتي عرفتي منين ياما انها جالتلي اكده..
هنية: جالت جدامنا چوة انها عايزة المية ترچع لمچاريها معاك و انكم ولاد عم و أولى ببعض.
عاصم: جالت جدام مين يعني الجدين ده؟؟
هنية: جدامي اني و هدى و... و سارة.
عاصم(بتعجب): سارة...
هنية: ايوة سارة..(ثم اكملت برجاء) اوعي يا عاصم.. اوعي تكون ناوي تچيبهالي تاني يا ولدي.. اوعي تعمل في أمك اكده تاني دة اني ما صدجت خلصت منيها..
و انت كمان ماصدجت انك تنساها.. أنساها يا عاصم.. أنساها يا ولدي و فكر في اللي عاتحبك جبل ما ياچي اللي يخطفها منك و تندم.
عاصم: جصدك ايه؟
هنية: انت فاهم جصدي زين.. جصدي سارة.
عاصم: مالها.
هنية: عاتحبك و انت عاتحبها.. بس كانك عايز تطفشها و مانيش خابرة ليه..
عاصم(انهد بثقل و قال بغموض): ربك يعدلها يامه ربك يعدلها.. هاروح اني تغير خلاجاتي عشان اشوف اللي ورايا.. احسن اهل آسر زمناتهم على وصول..

قبل رأسها و تركها لتتمتم له بالدعاء بصلاح الحال..

و بعد فترة وصلت فتيات صالون التجميل و بدأن في تجهيز سارة و هدى لحفل عقد القران.. انتهين من تصفيف شعرهن و جاء وقت مستحضرات التجميل.. تفاجئت دلال خبيرة التجميل بسارة تسحبها من يدها بعيداً عن هدى التي كانت تجلس امامها على الكرسي تستعد لتضع مكياچها...

سارة(لخبيرة التجميل و هي تشير لهدى): بقولك إيه يا قمر سيبك منها خالص البت دي و ركزي معايا انا.
دلال: حاضر من عنيا.. بس هو مين العروسة مش هي ..؟؟
هدى(وضعت يدها على خدها بانتباه لحديث سارة): المفروض.
سارة(نطرت يدها بلا اهتمام): لا سيبك منها.. دي خلاص هاتتجوز و أصلا العريس لو شافها من غير مكياچ خالص مش هايقول حاجة.. بالعكس هو بيحب المكياچ الهادي... خليكي معايا انا.
دلال: هو حضرتك مين؟
سارة: انا اخت العريس..

صُدمت دلال من فعل اخت العريس الشريرة من وجهة نظرها و ما تفعله.. فهي تريد ان تكون اجمل من العروس في يوم زواجها.. فأكدت سارة على الفكرة التي طرأت في عقلها و بدت على ملامحها...

سارة: ايوة بالظبط عمتو الحرباية.. انا عمتو الحرباية.. انا عايزة النهاردة بقى اللي يشوفني يطب ساكت من جمالي ماشي.... عشان هدى كمان تاخد لقب عمتو الحرباية معايا..
دلال( شهقت بصدمة): هو انتي حاطة عينك على مين... على عاصم.. كبير البلد..
سارة(غضبت بغيرة): مالك يا حبيبتي في إيه.. شهقتي كدة ليه.. كتير عليا ولا إيه.. و بعدين كبير البلد على نفسه يا ماما مش عليا..
هدى(شهقت بصدمة و قالت بوعيد): والله يا سارة دة لو سمعك ليعمل من فخادك دي بطاطس محمرة.
سارة: مش مهم ساعتها نبقى وصلنا..
هدى: وصلنا لأيه يا فالحة؟؟
سارة: للي انا عايزاه.. ماهو عشان يوصل لفخادي عشان يعملها بطاطس محمرة ولا بيوريه حتى لازم الاول يطلبني من بابا و انا افكر و بعدين اوافق و نعمل خطوبة و كتب كتاب و فرح و ساعتها يبقى ياخد ياستي فخادي يعمل فيها اللي هو عايزه.. خلصوني بقى..

ضحكت هدى و دلال بشدة على تلك التي ذهب عقلها حباً في عاصم.. و بدأن في وضع المكياچ لكلتاهما وسط ضحكاتهما و سعادة هدى الغامرة.....

ياترى هايحصل ايه في كتب الكتاب...
ياترى هايعدي على خير..
و سارة هاتنفذ نصيحة هنية ازاي.. ولا عاتخاف و مش هاتنفذها...
و لو نفذتها عاصم هايفضل على بروده كدة ولا هايتحرك و يطالب يحقه فيها زي ما هي بتطالب بحقها فيه بكل قوتها..


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close