رواية دوائي الضرير الفصل التاسع عشر19 بقلم نرمين ابراهيم
الفصل التاسع عشر...
التف آسر و الطبيب حول سارة و بمساعدة الممرضتين حاولوا جميعاً تثبيتها حتى يستطيع الطبيب ان يحقنها بالمهديء حتى تنام و لكنهم فشلوا.. فقد كان إنهيارها شديداً للغاية..
إحتضن جميل زوجته الباكية حتى يهدئها قليلاً و لو أنه كان يبكي أيضاً و هما يعيدا نفس المشاعر و الاحزان التي لازمت الاسرة كلها أثناء ازمة سارة السابقة و كأن كل المشاهد تُعاد مرة أخرى و بنفس القسوة.. و قد كان الجميع أيضاً في حالة صدمة شديدة..
أما عاصم فقد كاد قلبه ان يخرج من مكانه و عقله ان يُجن و هو يراهم و هم يأذون حبيبته.. فلم يستطع ان يتحمل ما يحدث.. فقد كانت سارة تتلوى تحت ايديهم صارخة و هم يحاولون تثبيتها قسراً و قد كان هذا هو ما لم يحتمله..
إستطاع عاصم أن يضبط أعصابه لمدة دقيقتين لا أكثر فلم يستطع أن يقف مكتوف اليدين و هم يعذبون حبيبته فصرخ فيهم بصوته كله حتى انتبه له الجميع....
عاصم: كفاية...
نظر له الجميع بصدمة و لكن ظل الحال حول سارة كما هو فأكمل بإصرار...
عاصم: سيبوها..
لم يتغير الوضع كثيراً.. فقد كان الجميع على حاله و لكن ذاد عليهم الدهشة من صوت عاصم و أمره للجميع بارك سارة حتى طبيبها.. فأعاد عاصم طلبه بل كانت صيغته أمرة بقوة...
عاصم: بجولكم سيبوها.
آسر (و هو لا يزال متشبثاً بها): عاصم.. ماينفعش.. هي لازم تهدى..
اقترب عاصم من الطبيب و ازاحه بعنف ثم امسك بذراعها بدلاً منه و دفع آسر و ارغمه ان يترك يدها الأخرى و دفعه بعيداً عنها أيضاً..
عاصم(بغضب): بجول سيبوها.. سيبوها..
ثم اقترب منها هي و كانت على حالها تضع يديها على عينيها تبكي و تصرخ و حتى انها كانت تتلوى ألماً.. و ضع كفيه على خاصتها و كوب وجهها بين يديه... حاول ان يحتضنها و لم يبالي بنظرات الجميع... لكنها صرخت فيه هو أيضاً من خوفها و لم تريد حضنه في البداية.... و لكنه طمئنها بصوته....
سارة(ببكاء هيستيري): لا... لا ابعدوا عني... ااااه.. سيبوني لا... ابعدو عني..
عاصم: اهدي.. اهدي يا سارة دة انا.. عاصم.. انا عاصم يا سارة.. انا جنبك ماتخافيش..
سارة(و هي تبكي و تضع يديها فوق عينيها): اااااه.. عنيا.. عنيا..
عاصم: سلامة عنيكي.. اهدي يا سارة.. اهدي عشان خاطري..
سارة(و مازالت تغطي عينيها): عنيا بتوجعني اوي يا عاصم.. ااااه.
عاصم(إحتضنها بحنان متجاهلاً نظرات الجميع): انا جنبك.. جنبك يا سارة و معاكي و مش هاسيبك.
سارة: انا خايفة.. خايفة اوي.
عاصم(مسد بيده على شعرها بكل حنان و حب): ماتخافيش.. ماتخافيش و انا معاكي.. انا جنبك و عمري ما هاسيبك.. ماتخافيش.
ظل على حاله و ظلت شهقات بكائها تغطي على جميع اصوات النحيب التي كانت تطلقها السيدات الموجودات بالغرفة.. حتى استطاع عاصم اخيراً ان يجعلها تهدأ و تتوقف عن الحراك.. فأشار للطبيب حتى يحقنها بذلك المهديء و قد فعل..
فشعر بها تسترخي بين ذراعيه فأراحها بهدوء على الفراش و وقف ليتأملها لثوانٍ قليلة قبل ان ينطلق خارجاً كالسهم المنطلق بلا رادع و خرج خلفه آسر مباشرة و لحقه في نهاية الممر الذي تقع فيه غرفة سارة..
آسر: عاصم.. عاصم استنى.
عاصم(نظر له بخجل و أسف حقيقي): آسر.. انا اسف.. انا حقيقي اسف.. انا بجد مش عارف انا عملت كدة ازاي؟؟ بس لما شوفتكم مكتفينها كدة ماقدرتش اقف اتفرج عليها و انتو ماسكينها كدة.. والله ماقدرتش..
حسيت انكم بتخنوقوني انا.. ماحستش انا عملت كدة ازاي.. ارجوك يا آسر تعذرني كان غصب عني.
آسر: عاصم انا مش جاي وراك عشان اعاتبك..
عاصم(بدهشة): بجد؟ امال جاي ليه..
آسر: جاي عشان اشكرك..
عاصم(بنفس دهشته): تشكرني؟؟
آسر: ايوة عشان اشكرك.. الحالة اللي كانت فيها دي تبقى انهيار عصبي.. و مش بتهدى غير بالمهدئات و الأدوية.. و لولا اللي انت عملته دة الله اعلم كانت حالتها إيه دلوقتي..
عاصم: هي الحالة دي جاتلها قبل كدة .
آسر(هز رأسه مؤكداً بأسف و حزن): ايوة.. لما فاقت بعد الحادثة... فضل عندها انهيار عصبي كذا يوم.. لحد ما في مرة صحيت عادية و هادية خالص.. والمرة دي كمان انا متأكد انها هاتقوم كويسة.
عاصم(بتذكر): ايوة هي كانت حكتلي عن الفترة دي قبل كدة.
آسر: كانت أصعب وقت مر علينا.. كانت تقوم بنفس الحالة دي و ماتهداش غير بحقنة المهديء.. بس المهم دلوقتي ان بقى في حاجة بتهديها غير الحقنة..
تعالى بقى نروح نطمن عليها...
عاصم: طيب و اهلك هايقولو إيه..
آسر: ماتحملش هم.. انا هاتكلم معاهم و هافهمهم على كل حاجة.. ياللا نرجعلهم.. ياللا.
عادا معا ليجدوهم يقفون معا امام الغرفة يستمعون لحديث الطبيب الذي قال بعملية...
الطبيب: طيب حسب اللي عرفته منكم دلوقتي انها فقدت نظرها في حادثة من 3 سنين..
جميل: ايوة يا دكتور..
الطبيب(بعملية): تمام ان شاء الله خير.. عموما احنا لازم نستنى لما تفوق عشان نقدر نقيم الوضع الجديد.. و انا هاكلم دكتور العيون عشان يكون موجود معانا كمان..
جميل: و هي هاتفوق امتى؟
الطبيب: بعد ساعتين بالكتير.. عن اذنكم.
تركهم ليقفو دون حديث.. حتى إتجه جميل نحو عاصم و آسر اللذان اعتدلا في وقفتيهما إحتراماً لجميل الذي نظر لهما شذراً..
جميل: أكيد يا استاذ عاصم انت عندك تفسير للي حصل جوة دة.
عاصم(بحرج): نطمن عليها يا عمي و انا تحت امرك في اي سؤال او استفسار.
جميل: و انت يا سي آسر.. عندك تفسير انت كمان ولا زيه كدة؟
آسر(بتردد و تلعثم): ماهو.. ماهو قالك يا بابا.. نطمن عليها بس و هانقولك كل حاجة.. بس مهما كان اللي ممكن نقوله او حضرتك تقرره مانقدرش ننكر ان عمرها ما خرجت من الحالة دي من غير مهدئات الا المرة دي.. يعني اللي حصل دة مش وحش.. بالعكس انا شايف ان اللي حصل دة شئ إيجابي.
جميل(نظر له ثم لعاصم بجمود): هانشوف.
عاد الجميع لصمته و دعائه الداخلي حتى مرت الساعتين بتوتر و قلق إلى أن اتى الطبيب و بصحبته طبيب عيون كما قال قبلاً و دخلا الى الغرفة التي ظلوا بها قرابة النصف ساعة.. ثم خرجت إحدى الممرضات هاتفة...
الممرضة: استاذ آسر.. استاذ آسر..
آسر (ركض نحوها بلهفة): ايوة..
الممرضة: حضرتك استاذ اسر ؟
اسر: ايوة انا.
الممرضة: الدكتور عايز حضرتك .
سعاد(برجاء و دموع): عايزة اشوفها يا بنتي.. ربنا يخليكي اشوفها اطمن عليها دقيقة واحدة بس..
الممرضة: دقيقتين بس يا مدام و ادخلك.. الدكتور بس عايز الأستاذ آسر في حاجة و هادخلكم كلكم حالاً.
آسر(لوالدته): ماتخافيش يا ماما.. ان شاء الله خير.. انا هادخل اشوف الدكتور و اجي اطمنك.. ادعيلها انتي بس.
تركها آسر تتمتم بآيات الدعاء لها مع الجميع و خاصة عاصم الذي تمنى لو كان اصبح زوجها الأن حتى يكون له كل الحق في ان يقتحم ذلك الباب الذي يمنعها عنه و يمنعه عما يطمئن قلبه...
دخل آسر هو إليها ليجدها تجلس بهدوء و تعلو ثغرها ابتسامة رقيقة جميلة.. فركض نحوها ليحتضنها بشوق اخوي جارف..
آسر: سارة.. حبيبتي.. حمد الله على سلامتك..
سارة: الله يسلمك..
آسر(ابتعد عنها قليلاً و كوب وجهها بين راحتيه): عاملة إيه يا قلبي؟؟
سارة: انا كويسة جدا.. بس انت كنت واحشني اوي.
آسر: انتي يا حبيبتي وحشاني اكتر.
سارة(نظرت له بحب و لمست وجهه بحنين): شكلك ماتغيرش خالص.. بس اسمريت شوية..
أخذ دقيقة يستوعب فيها ما قالته حتى جحظت عيناه و سألها دون حديث... لتجيبه أيضاً بمجرد ايماءة ايجابية و تقول...
سارة: ايوة.. انا شايفاك يا آسر.. شايفاك.. و كان وعد بينا.. فاكره؟؟ اول واحد عنيا لازم تشوفه هو انت.. صح؟؟
آسر (احتضنها بحب و سعادة): حبيبتي.. يا حبيبتي.. حمد الله على سلامتك.. الف مبروك يا سارة.. حمد الله على سلامتك يا حبيبتي.
سارة(بدموع الفرحة): انا خفيت يا آسر.. خفيت و بقيت شايفة..
آسر: انا مش مصدق.. الحمد لله يا رب.. الحمد لله.
الطبيب: ها.. ندخلهم بقى.
آسر: هما مين!
الممرضة: اصل الانسة مارضيتش تخلينا ندخل كل الناس اللي برة مرة واحدة.. طلبت انها تشوف حضرتك الاول.
آسر (نظر لها بدموع الفرحة): انتي اجمل اخت في الدنيا.
سارة(بسعادة): و انت احن و اجدع اخ في الكون كله..(ثم نظرت للمرضة) خليهم يدخلو.
و بالفعل...
خرجت الممرضة لتستدعيهم ثم عادت و هم خلفها.. و بالطبع.. اول من ركضت نحوها كانت والدتها السيدة سعاد التي احتضنتها بلهفة و شوق...
سعاد: سارة.. حبيبتي يا بنتي.. عاملة إيه دلوقت؟؟
سارة(بادلتها حضنها بلهفة): انا كويسة يا حبيبتي.. كويسة اوي.
سعاد(اخرجتها من حضنها و سألها بإهتمام): امال عنيكي كان فيها إيه.. كانت بتوجعك ليه؟
سارة: مافيش.. بس النور كان مضايقني شوية..
سعاد(بتعجب): نور إيه يا حبيبتي..
سارة(نظرت لها بحب): لسة زي القمر زي ما انتي.
سعاد (شهقت بصدمة): سارة.. انتي...؟
سارة (اكملت جملتها): شايفاكي يا ماما.... انا شيفاكي يا امي.
شهق الجميع بفرحة و اختلطت ابتساماتهم بدموع الفرح بسلامة سارة و رجوع نظرها....
سعاد(احتضنتها بقوة): يا حبيبتي يا حبيبتي.. الحمد لله.. احمدك و اشكر فضلك يا رب.. الحمد لله يارب.. الحمد لله.
جميل(اقترب منهما و احتضنهما معا بعد ان غلبته دموعه): الحمد لله.. الحمد لله يارب.. يا ما انت كريم يارب..
سارة(خرجت من حضن والدتها لتمسح دموع والدها): بابا.. وحشتني اوي يا بابا..
جميل(و هو يقبل وجنتيها ثم يدها): انتي اللي وحشتينا اكتر يا قلب ابوكي..
سارة: لا انت كنت بتقولي يا نن عين بابا..
جميل: مابقتش تعجبك.
سارة: عشان ماكنش ليها معنى.. بس دلوقتي خلاص..
جميل: حمد الله على سلامتك يا نن عين بابا.
و احتضنها مرة أخرى..
كانت دموع الفرحة تغرق الجميع و هم يشاهدون هذا المشهد المؤثر.. فقد كانت تلك العائلة بالفعل حزينة بسبب فقدان سارة لنظرها و كل ما مرت به.. و أيضاً فقدانهم لها.. فبرغم كل محاولاتها حتى تبدو طبيعية لم يخفى عنهم كم الألم الذي كانت تعيشه هي..
إلا عاصم..
فكانت مشاعره كثيرة ما بين الفرحة بسلامة سارة من تلك السقطة على الدرج.. و أيضاً بعودة نظرها.. و عند تلك الفكرة.. فكرة عودة نظرها و فكرة انها سوف تراه..
حينها ذهبت سعادته ادراج الريح و حل محلها مشاعر أخرى اختلطت ما بين الخوف و الرعب من ان يعيش إحساس الرفض مرة أخرى..
فتجمد جسده بالكامل عند تلك الفكرة.. فهو لم يكن ليتحمل ان ترفضه سارة مثل ما فعلت به عبير.. فهو لم يحب عبير فهي كانت مجرد زيجة مرتبة منذ ولادتهما..
و برغم سفر عاصم إلى القاهرة الا انه لم يرتبط بأي فتاة هناك.. إذا فلا فرق بين عبير و أخرى فتزوجها...
خرجت سارة من حضن والديها و نظرت للواقفين لتقول و هي تشير لهدى بسبابتها..
سارة: انتي هدى.. صح؟
هدى(احتضنتها بفرحة): ايوة.. حمد الله سلامتك يا حبيبتي.. انا فرحانة اوي يا سارة اوي..
سارة: الله يسلمك يا قلبي.. طلعتي زي القمر فعلاً زي ما آسر كان بيقولي.
هدى: هو قالك كدة؟
سارة: ايوة و كنت فاكراه بيبالغ بس طلع بيقول اقل من الحقيقة كمان.
آسر: إيه رأيك بقى يا سوو..
سارة: وقعت واقف يا واد يا آسور.
ثم نظرت لسيدة بسيطة ترتدي الملابس التقليدية الصعيدية...
سارة: و انتي أكيد ماما هنية.
هنية(احتضنتها بحنان ام حقيقي): ايوة اني ماما هنية يا بتي.. بركة انك بخير يا حبيبتي.. حمد الله على سلامتك.
سارة: الله يسلمك يا هنون يا قمر انتي.. هدى طلعت شبهك اوي.
هنية: دة انتي اللي زي الجمر و أچمل كمان.
سارة(و نظرت لرجل كبير في جلبابه الصعيدي الذي يزيده وقار و احترام): و أكيد انت الحاج عبده.. ولا اقولك حاج عبد الرحمن أحسن ماما هنية تزعل.
عبد الرحمن: انتي تجولي اللي انتي رايداه.. حمد الله على سلامتك يا بتي.. الف حمد على سلامتك..
سارة: الله يسلمك يا حاج عبده..
ثم انتقلت عيناها نحو ذلك الشاب الذي كان واقفاً في ركناً وحيدا يتفحصها بأنظاره... كان اسمر اللون و لكن بفعل الشمس.. و عيناه السوداء الحادة و لكنها حنونة في نفس الوقت.. جسده الذي يغطيه بجلبابا صعيدي تقليدي و فوقه عباءة فاخرة..
يمسك بيده عصاه الابانوس التي تزيده هيبة و وقار على مظهره.. فعلمت على الفور هويته.. فهذا بالتأكيد حبيبها.. رفيق احلامها لمدة طويلة...
و لكنها أيضا تذكر انها تعرف شكله.. و لكن من اين لا تذكر..
سارة(بصوت يملأه الشوق): عاصم.. انت أكيد عاصم.
لم يقدر عاصم على تحمل المزيد فقرر الهروب.. و كانت تلك هي أول مرة يفضل عاصم الهرب من معركة على المواجهة..
عاصم: حمد الله على سلامتك يا دكتورة.. بالإذن اني عشان ورايا مصالح...
و تركهم في حيرة كبيرة و خرج... فنظرت سارة لهدى تسألها بعيناها عن سبب رحيله و لكن هدى رفعت كتفيها دليلا على جهلها.. و هنا تدخل الطبيب...
الطبيب: طيب بما اننا اتطمنا على الاستاذة سارة.. نستأذن أحنا.
جميل: لحظة يا دكتور لو سمحت.. انا الاول عايز هو إيه اللي حصل.. اقصد يعني ازاي سارة قدرت تشوف تاني من غير عمليات.. لان الدكاترة في أمريكا قالولنا ان علاجها الوحيد كان في عملية و نتيجتها ماكنتش مضمونة عشان كدة ما عملناهاش.
الطبيب: من الاشعات اللي وريتوهالي ان الانسة سارة فقدت نظرها بعد ما كانت اتعرضت لحادثه العربية اللي اتسببت تكوين تجمع دموي او بمعنى اصح جلطة ضاغطة على عصب الإبصار.
لما وقعت من على السلم.. سبحان الله دماغها اتفتحت قريب جدا من التجمع دة فاتحرك من مكانه و مش كدة و بس لا.. دي الاشاعات الجديدة بتقول انه خرج من جسمها كله مع النزيف.. و دة خف الضغط من على مركز الإبصار و عشان كدة رجعت تشوف تاني..
حمد الله على سلامتها.. عن اذنكم.
جميل: الله يسلمك يا دكتور... اتفضل.
خرج الطبيبان و معاونيهما و بقي من بالغرفة مع سارة يهنونها بشفائها... إلا ان فرحتها لم تكن مكتملة نظراً لغياب عاصم.. أكثر من تمنت ان يعود لها نظرها لتراه هو اكثر من اي شخص اخر..
أما هو...
فقد ترك الغرفة بل و المشفى بالكامل و اراد ان يذهب الى مكان يكون به وحيداً... فوصل إلى مكان ما بجوار ضفة النيل.. و نزل من سيارته و نظر الى انعكاس صورته على زجاج السيارة..
وقف و بدا ان هناك اثنان يتصارعان بداخله.. أحدهما يهاجم و الآخر يهرب...
عاصم(لنفسه): -مشيت ليه يا جبان؟؟
=انا مش جبان..
- لا جبان.. جبان
=بقولك مش جبان.. انا بس ماقدرتش اواجهها..
- و ماقدرتش تواجهها ليه.. خايف من ايه؟؟
= خايف تجرحني.. خايف توجعني و دي وجعها هايبقى واعر جوي.
- مش احسن من وجعك في بعدها.
= لا.. لا طبعا.. وجع انها تسيبني اوعر.
- ماشوفتش الوجع قتلك بعد ما عبير سابتك يعني..
=انا ماكنتش بحب عبير.. عبير كانت مجرد بنت عمي اللي مكتوبة على اسمي من و أحنا صغار.. لكن ماكنتش حب ابدا..
اللي وجعني من عبير كانت كرامتى بس.. و دي عالجتها لما طلقتها.. لكن لو سارة عملت فيا زي عبير.. ساعتها قلبي اللي هايوجعني و دة مالوش علاج.
- و ناوي على إيه انت دلوقتي؟
=مش عارف.. مش عارف.
- لا... لازم تعرف... انت عارف انها بتحبك.. ماينفعش تسيبها متعلقة كدة لا هي عارفة إذا كنت لسة بتحبها ولا حبها خلص في قلبك.
=حبها عمره ما هاينتهي في قلبي ابدا.. هاعيش باقي حياتي على حبها.. و هاموت و انا بحبها.. و عمر ما في واحدة ممكن تاخد مكانها جوايا ابدا... ابدا.
- امال انت ناوي على إيه؟
= ناوي اسيبها أني جبل ما تسيبني هي..
- و قلبك هايطاوعك تكسر قلبها.
=(بقهر) غصب عني.. غصب عني.
- (بعنف) انت اناني.. اناني.. يعني خايف على جلبك من الكسرة و مانتاش خايف عليها هي.. دة إيه الظلم دة يا اخي.
=مش احسن ما تقوم و تلاقي روحها بتحب مسخ.. عفريت زي ما العيال الصغيرة بتقول عليا.
- طيب اديها فرصة تختار.. خيرها يمكن تختارك.
=ماحدش بيختار الوحش.. كلهم بيحبو الحاجة الجميلة.. عمرها ما هاتختارني.
- تبقى بتظلمها و بتظلم نفسك.
=انت نفسك ماتقدرش تعيش باقية حياتك مع واحد ملون زيي.. مبقع زي ما بيقولو عليا.. واحد عنده بهاق.. بهاق.
- بس....
=(قاطعه)مابسش و اخرس بقى.
ثم التفت و استقل سيارته و غادر بقلب مثقل بالهموم...
نعم يا سادة فهذه هي الحقيقة.. فعاصم مصاب بمرض البهاق.. ليس من فترة كبيرة و لكن ظهرت اعراضه عليه بعد زواجه مباشرة.. حاول ان يبحث عن علاج او دواء حتى بالخارج و لكن كلنا يعلم انه داء بلا دواء.
لم تتحمل عبير الحياة معه.. و قد قالتها له عدة مرات..
""عبير: انا بقيت بقرف منك.. مش عايزاك يا اخي هو بالعافية""
لم يتمسك بها.. فهي كانت مجرد زيجة مدبرة.. لم يؤلمه سوى كرامته التي جرحتها بكل قسوة و لكنه دواها بتركه لها... كانت تعايره بكل تبجح و عدم مراعاة لشعوره..
لذلك فعندما جرحت سارة بحديثها هي و أمها وقف لهم بالمرصاد..
و من هنا تبدأ معاناة عاصم ليبتعد عن سارة..
أو معركة سارة لتتمسك به...
==============================
و ادي السر اللي جننا عن تردد عاصم مع سارة عرفناه.. مع ان واحد زي عاصم كان اتقدم لها اول ما حبها.. لكن مرضاه كان نخليه متردده و مش واثقا في نفسه.. خصوصا بعد اللي عبير عملته معاه.
عرفنا عبير سابت عاصم ليه.. و ليه بالطريقة الوحشة دي..
عرفنا هو نفسه بقى خايف من الجواز و الارتباط تاني ليه.. عرفنا ليه كان متردد من انه يرتبط بسارة...
إيه رأيكم بقى ..
عايزة توقعاتكم للي جاي.. ياترى تفتكرو إيه اللي ممكن يحصل معاهم...
التف آسر و الطبيب حول سارة و بمساعدة الممرضتين حاولوا جميعاً تثبيتها حتى يستطيع الطبيب ان يحقنها بالمهديء حتى تنام و لكنهم فشلوا.. فقد كان إنهيارها شديداً للغاية..
إحتضن جميل زوجته الباكية حتى يهدئها قليلاً و لو أنه كان يبكي أيضاً و هما يعيدا نفس المشاعر و الاحزان التي لازمت الاسرة كلها أثناء ازمة سارة السابقة و كأن كل المشاهد تُعاد مرة أخرى و بنفس القسوة.. و قد كان الجميع أيضاً في حالة صدمة شديدة..
أما عاصم فقد كاد قلبه ان يخرج من مكانه و عقله ان يُجن و هو يراهم و هم يأذون حبيبته.. فلم يستطع ان يتحمل ما يحدث.. فقد كانت سارة تتلوى تحت ايديهم صارخة و هم يحاولون تثبيتها قسراً و قد كان هذا هو ما لم يحتمله..
إستطاع عاصم أن يضبط أعصابه لمدة دقيقتين لا أكثر فلم يستطع أن يقف مكتوف اليدين و هم يعذبون حبيبته فصرخ فيهم بصوته كله حتى انتبه له الجميع....
عاصم: كفاية...
نظر له الجميع بصدمة و لكن ظل الحال حول سارة كما هو فأكمل بإصرار...
عاصم: سيبوها..
لم يتغير الوضع كثيراً.. فقد كان الجميع على حاله و لكن ذاد عليهم الدهشة من صوت عاصم و أمره للجميع بارك سارة حتى طبيبها.. فأعاد عاصم طلبه بل كانت صيغته أمرة بقوة...
عاصم: بجولكم سيبوها.
آسر (و هو لا يزال متشبثاً بها): عاصم.. ماينفعش.. هي لازم تهدى..
اقترب عاصم من الطبيب و ازاحه بعنف ثم امسك بذراعها بدلاً منه و دفع آسر و ارغمه ان يترك يدها الأخرى و دفعه بعيداً عنها أيضاً..
عاصم(بغضب): بجول سيبوها.. سيبوها..
ثم اقترب منها هي و كانت على حالها تضع يديها على عينيها تبكي و تصرخ و حتى انها كانت تتلوى ألماً.. و ضع كفيه على خاصتها و كوب وجهها بين يديه... حاول ان يحتضنها و لم يبالي بنظرات الجميع... لكنها صرخت فيه هو أيضاً من خوفها و لم تريد حضنه في البداية.... و لكنه طمئنها بصوته....
سارة(ببكاء هيستيري): لا... لا ابعدوا عني... ااااه.. سيبوني لا... ابعدو عني..
عاصم: اهدي.. اهدي يا سارة دة انا.. عاصم.. انا عاصم يا سارة.. انا جنبك ماتخافيش..
سارة(و هي تبكي و تضع يديها فوق عينيها): اااااه.. عنيا.. عنيا..
عاصم: سلامة عنيكي.. اهدي يا سارة.. اهدي عشان خاطري..
سارة(و مازالت تغطي عينيها): عنيا بتوجعني اوي يا عاصم.. ااااه.
عاصم(إحتضنها بحنان متجاهلاً نظرات الجميع): انا جنبك.. جنبك يا سارة و معاكي و مش هاسيبك.
سارة: انا خايفة.. خايفة اوي.
عاصم(مسد بيده على شعرها بكل حنان و حب): ماتخافيش.. ماتخافيش و انا معاكي.. انا جنبك و عمري ما هاسيبك.. ماتخافيش.
ظل على حاله و ظلت شهقات بكائها تغطي على جميع اصوات النحيب التي كانت تطلقها السيدات الموجودات بالغرفة.. حتى استطاع عاصم اخيراً ان يجعلها تهدأ و تتوقف عن الحراك.. فأشار للطبيب حتى يحقنها بذلك المهديء و قد فعل..
فشعر بها تسترخي بين ذراعيه فأراحها بهدوء على الفراش و وقف ليتأملها لثوانٍ قليلة قبل ان ينطلق خارجاً كالسهم المنطلق بلا رادع و خرج خلفه آسر مباشرة و لحقه في نهاية الممر الذي تقع فيه غرفة سارة..
آسر: عاصم.. عاصم استنى.
عاصم(نظر له بخجل و أسف حقيقي): آسر.. انا اسف.. انا حقيقي اسف.. انا بجد مش عارف انا عملت كدة ازاي؟؟ بس لما شوفتكم مكتفينها كدة ماقدرتش اقف اتفرج عليها و انتو ماسكينها كدة.. والله ماقدرتش..
حسيت انكم بتخنوقوني انا.. ماحستش انا عملت كدة ازاي.. ارجوك يا آسر تعذرني كان غصب عني.
آسر: عاصم انا مش جاي وراك عشان اعاتبك..
عاصم(بدهشة): بجد؟ امال جاي ليه..
آسر: جاي عشان اشكرك..
عاصم(بنفس دهشته): تشكرني؟؟
آسر: ايوة عشان اشكرك.. الحالة اللي كانت فيها دي تبقى انهيار عصبي.. و مش بتهدى غير بالمهدئات و الأدوية.. و لولا اللي انت عملته دة الله اعلم كانت حالتها إيه دلوقتي..
عاصم: هي الحالة دي جاتلها قبل كدة .
آسر(هز رأسه مؤكداً بأسف و حزن): ايوة.. لما فاقت بعد الحادثة... فضل عندها انهيار عصبي كذا يوم.. لحد ما في مرة صحيت عادية و هادية خالص.. والمرة دي كمان انا متأكد انها هاتقوم كويسة.
عاصم(بتذكر): ايوة هي كانت حكتلي عن الفترة دي قبل كدة.
آسر: كانت أصعب وقت مر علينا.. كانت تقوم بنفس الحالة دي و ماتهداش غير بحقنة المهديء.. بس المهم دلوقتي ان بقى في حاجة بتهديها غير الحقنة..
تعالى بقى نروح نطمن عليها...
عاصم: طيب و اهلك هايقولو إيه..
آسر: ماتحملش هم.. انا هاتكلم معاهم و هافهمهم على كل حاجة.. ياللا نرجعلهم.. ياللا.
عادا معا ليجدوهم يقفون معا امام الغرفة يستمعون لحديث الطبيب الذي قال بعملية...
الطبيب: طيب حسب اللي عرفته منكم دلوقتي انها فقدت نظرها في حادثة من 3 سنين..
جميل: ايوة يا دكتور..
الطبيب(بعملية): تمام ان شاء الله خير.. عموما احنا لازم نستنى لما تفوق عشان نقدر نقيم الوضع الجديد.. و انا هاكلم دكتور العيون عشان يكون موجود معانا كمان..
جميل: و هي هاتفوق امتى؟
الطبيب: بعد ساعتين بالكتير.. عن اذنكم.
تركهم ليقفو دون حديث.. حتى إتجه جميل نحو عاصم و آسر اللذان اعتدلا في وقفتيهما إحتراماً لجميل الذي نظر لهما شذراً..
جميل: أكيد يا استاذ عاصم انت عندك تفسير للي حصل جوة دة.
عاصم(بحرج): نطمن عليها يا عمي و انا تحت امرك في اي سؤال او استفسار.
جميل: و انت يا سي آسر.. عندك تفسير انت كمان ولا زيه كدة؟
آسر(بتردد و تلعثم): ماهو.. ماهو قالك يا بابا.. نطمن عليها بس و هانقولك كل حاجة.. بس مهما كان اللي ممكن نقوله او حضرتك تقرره مانقدرش ننكر ان عمرها ما خرجت من الحالة دي من غير مهدئات الا المرة دي.. يعني اللي حصل دة مش وحش.. بالعكس انا شايف ان اللي حصل دة شئ إيجابي.
جميل(نظر له ثم لعاصم بجمود): هانشوف.
عاد الجميع لصمته و دعائه الداخلي حتى مرت الساعتين بتوتر و قلق إلى أن اتى الطبيب و بصحبته طبيب عيون كما قال قبلاً و دخلا الى الغرفة التي ظلوا بها قرابة النصف ساعة.. ثم خرجت إحدى الممرضات هاتفة...
الممرضة: استاذ آسر.. استاذ آسر..
آسر (ركض نحوها بلهفة): ايوة..
الممرضة: حضرتك استاذ اسر ؟
اسر: ايوة انا.
الممرضة: الدكتور عايز حضرتك .
سعاد(برجاء و دموع): عايزة اشوفها يا بنتي.. ربنا يخليكي اشوفها اطمن عليها دقيقة واحدة بس..
الممرضة: دقيقتين بس يا مدام و ادخلك.. الدكتور بس عايز الأستاذ آسر في حاجة و هادخلكم كلكم حالاً.
آسر(لوالدته): ماتخافيش يا ماما.. ان شاء الله خير.. انا هادخل اشوف الدكتور و اجي اطمنك.. ادعيلها انتي بس.
تركها آسر تتمتم بآيات الدعاء لها مع الجميع و خاصة عاصم الذي تمنى لو كان اصبح زوجها الأن حتى يكون له كل الحق في ان يقتحم ذلك الباب الذي يمنعها عنه و يمنعه عما يطمئن قلبه...
دخل آسر هو إليها ليجدها تجلس بهدوء و تعلو ثغرها ابتسامة رقيقة جميلة.. فركض نحوها ليحتضنها بشوق اخوي جارف..
آسر: سارة.. حبيبتي.. حمد الله على سلامتك..
سارة: الله يسلمك..
آسر(ابتعد عنها قليلاً و كوب وجهها بين راحتيه): عاملة إيه يا قلبي؟؟
سارة: انا كويسة جدا.. بس انت كنت واحشني اوي.
آسر: انتي يا حبيبتي وحشاني اكتر.
سارة(نظرت له بحب و لمست وجهه بحنين): شكلك ماتغيرش خالص.. بس اسمريت شوية..
أخذ دقيقة يستوعب فيها ما قالته حتى جحظت عيناه و سألها دون حديث... لتجيبه أيضاً بمجرد ايماءة ايجابية و تقول...
سارة: ايوة.. انا شايفاك يا آسر.. شايفاك.. و كان وعد بينا.. فاكره؟؟ اول واحد عنيا لازم تشوفه هو انت.. صح؟؟
آسر (احتضنها بحب و سعادة): حبيبتي.. يا حبيبتي.. حمد الله على سلامتك.. الف مبروك يا سارة.. حمد الله على سلامتك يا حبيبتي.
سارة(بدموع الفرحة): انا خفيت يا آسر.. خفيت و بقيت شايفة..
آسر: انا مش مصدق.. الحمد لله يا رب.. الحمد لله.
الطبيب: ها.. ندخلهم بقى.
آسر: هما مين!
الممرضة: اصل الانسة مارضيتش تخلينا ندخل كل الناس اللي برة مرة واحدة.. طلبت انها تشوف حضرتك الاول.
آسر (نظر لها بدموع الفرحة): انتي اجمل اخت في الدنيا.
سارة(بسعادة): و انت احن و اجدع اخ في الكون كله..(ثم نظرت للمرضة) خليهم يدخلو.
و بالفعل...
خرجت الممرضة لتستدعيهم ثم عادت و هم خلفها.. و بالطبع.. اول من ركضت نحوها كانت والدتها السيدة سعاد التي احتضنتها بلهفة و شوق...
سعاد: سارة.. حبيبتي يا بنتي.. عاملة إيه دلوقت؟؟
سارة(بادلتها حضنها بلهفة): انا كويسة يا حبيبتي.. كويسة اوي.
سعاد(اخرجتها من حضنها و سألها بإهتمام): امال عنيكي كان فيها إيه.. كانت بتوجعك ليه؟
سارة: مافيش.. بس النور كان مضايقني شوية..
سعاد(بتعجب): نور إيه يا حبيبتي..
سارة(نظرت لها بحب): لسة زي القمر زي ما انتي.
سعاد (شهقت بصدمة): سارة.. انتي...؟
سارة (اكملت جملتها): شايفاكي يا ماما.... انا شيفاكي يا امي.
شهق الجميع بفرحة و اختلطت ابتساماتهم بدموع الفرح بسلامة سارة و رجوع نظرها....
سعاد(احتضنتها بقوة): يا حبيبتي يا حبيبتي.. الحمد لله.. احمدك و اشكر فضلك يا رب.. الحمد لله يارب.. الحمد لله.
جميل(اقترب منهما و احتضنهما معا بعد ان غلبته دموعه): الحمد لله.. الحمد لله يارب.. يا ما انت كريم يارب..
سارة(خرجت من حضن والدتها لتمسح دموع والدها): بابا.. وحشتني اوي يا بابا..
جميل(و هو يقبل وجنتيها ثم يدها): انتي اللي وحشتينا اكتر يا قلب ابوكي..
سارة: لا انت كنت بتقولي يا نن عين بابا..
جميل: مابقتش تعجبك.
سارة: عشان ماكنش ليها معنى.. بس دلوقتي خلاص..
جميل: حمد الله على سلامتك يا نن عين بابا.
و احتضنها مرة أخرى..
كانت دموع الفرحة تغرق الجميع و هم يشاهدون هذا المشهد المؤثر.. فقد كانت تلك العائلة بالفعل حزينة بسبب فقدان سارة لنظرها و كل ما مرت به.. و أيضاً فقدانهم لها.. فبرغم كل محاولاتها حتى تبدو طبيعية لم يخفى عنهم كم الألم الذي كانت تعيشه هي..
إلا عاصم..
فكانت مشاعره كثيرة ما بين الفرحة بسلامة سارة من تلك السقطة على الدرج.. و أيضاً بعودة نظرها.. و عند تلك الفكرة.. فكرة عودة نظرها و فكرة انها سوف تراه..
حينها ذهبت سعادته ادراج الريح و حل محلها مشاعر أخرى اختلطت ما بين الخوف و الرعب من ان يعيش إحساس الرفض مرة أخرى..
فتجمد جسده بالكامل عند تلك الفكرة.. فهو لم يكن ليتحمل ان ترفضه سارة مثل ما فعلت به عبير.. فهو لم يحب عبير فهي كانت مجرد زيجة مرتبة منذ ولادتهما..
و برغم سفر عاصم إلى القاهرة الا انه لم يرتبط بأي فتاة هناك.. إذا فلا فرق بين عبير و أخرى فتزوجها...
خرجت سارة من حضن والديها و نظرت للواقفين لتقول و هي تشير لهدى بسبابتها..
سارة: انتي هدى.. صح؟
هدى(احتضنتها بفرحة): ايوة.. حمد الله سلامتك يا حبيبتي.. انا فرحانة اوي يا سارة اوي..
سارة: الله يسلمك يا قلبي.. طلعتي زي القمر فعلاً زي ما آسر كان بيقولي.
هدى: هو قالك كدة؟
سارة: ايوة و كنت فاكراه بيبالغ بس طلع بيقول اقل من الحقيقة كمان.
آسر: إيه رأيك بقى يا سوو..
سارة: وقعت واقف يا واد يا آسور.
ثم نظرت لسيدة بسيطة ترتدي الملابس التقليدية الصعيدية...
سارة: و انتي أكيد ماما هنية.
هنية(احتضنتها بحنان ام حقيقي): ايوة اني ماما هنية يا بتي.. بركة انك بخير يا حبيبتي.. حمد الله على سلامتك.
سارة: الله يسلمك يا هنون يا قمر انتي.. هدى طلعت شبهك اوي.
هنية: دة انتي اللي زي الجمر و أچمل كمان.
سارة(و نظرت لرجل كبير في جلبابه الصعيدي الذي يزيده وقار و احترام): و أكيد انت الحاج عبده.. ولا اقولك حاج عبد الرحمن أحسن ماما هنية تزعل.
عبد الرحمن: انتي تجولي اللي انتي رايداه.. حمد الله على سلامتك يا بتي.. الف حمد على سلامتك..
سارة: الله يسلمك يا حاج عبده..
ثم انتقلت عيناها نحو ذلك الشاب الذي كان واقفاً في ركناً وحيدا يتفحصها بأنظاره... كان اسمر اللون و لكن بفعل الشمس.. و عيناه السوداء الحادة و لكنها حنونة في نفس الوقت.. جسده الذي يغطيه بجلبابا صعيدي تقليدي و فوقه عباءة فاخرة..
يمسك بيده عصاه الابانوس التي تزيده هيبة و وقار على مظهره.. فعلمت على الفور هويته.. فهذا بالتأكيد حبيبها.. رفيق احلامها لمدة طويلة...
و لكنها أيضا تذكر انها تعرف شكله.. و لكن من اين لا تذكر..
سارة(بصوت يملأه الشوق): عاصم.. انت أكيد عاصم.
لم يقدر عاصم على تحمل المزيد فقرر الهروب.. و كانت تلك هي أول مرة يفضل عاصم الهرب من معركة على المواجهة..
عاصم: حمد الله على سلامتك يا دكتورة.. بالإذن اني عشان ورايا مصالح...
و تركهم في حيرة كبيرة و خرج... فنظرت سارة لهدى تسألها بعيناها عن سبب رحيله و لكن هدى رفعت كتفيها دليلا على جهلها.. و هنا تدخل الطبيب...
الطبيب: طيب بما اننا اتطمنا على الاستاذة سارة.. نستأذن أحنا.
جميل: لحظة يا دكتور لو سمحت.. انا الاول عايز هو إيه اللي حصل.. اقصد يعني ازاي سارة قدرت تشوف تاني من غير عمليات.. لان الدكاترة في أمريكا قالولنا ان علاجها الوحيد كان في عملية و نتيجتها ماكنتش مضمونة عشان كدة ما عملناهاش.
الطبيب: من الاشعات اللي وريتوهالي ان الانسة سارة فقدت نظرها بعد ما كانت اتعرضت لحادثه العربية اللي اتسببت تكوين تجمع دموي او بمعنى اصح جلطة ضاغطة على عصب الإبصار.
لما وقعت من على السلم.. سبحان الله دماغها اتفتحت قريب جدا من التجمع دة فاتحرك من مكانه و مش كدة و بس لا.. دي الاشاعات الجديدة بتقول انه خرج من جسمها كله مع النزيف.. و دة خف الضغط من على مركز الإبصار و عشان كدة رجعت تشوف تاني..
حمد الله على سلامتها.. عن اذنكم.
جميل: الله يسلمك يا دكتور... اتفضل.
خرج الطبيبان و معاونيهما و بقي من بالغرفة مع سارة يهنونها بشفائها... إلا ان فرحتها لم تكن مكتملة نظراً لغياب عاصم.. أكثر من تمنت ان يعود لها نظرها لتراه هو اكثر من اي شخص اخر..
أما هو...
فقد ترك الغرفة بل و المشفى بالكامل و اراد ان يذهب الى مكان يكون به وحيداً... فوصل إلى مكان ما بجوار ضفة النيل.. و نزل من سيارته و نظر الى انعكاس صورته على زجاج السيارة..
وقف و بدا ان هناك اثنان يتصارعان بداخله.. أحدهما يهاجم و الآخر يهرب...
عاصم(لنفسه): -مشيت ليه يا جبان؟؟
=انا مش جبان..
- لا جبان.. جبان
=بقولك مش جبان.. انا بس ماقدرتش اواجهها..
- و ماقدرتش تواجهها ليه.. خايف من ايه؟؟
= خايف تجرحني.. خايف توجعني و دي وجعها هايبقى واعر جوي.
- مش احسن من وجعك في بعدها.
= لا.. لا طبعا.. وجع انها تسيبني اوعر.
- ماشوفتش الوجع قتلك بعد ما عبير سابتك يعني..
=انا ماكنتش بحب عبير.. عبير كانت مجرد بنت عمي اللي مكتوبة على اسمي من و أحنا صغار.. لكن ماكنتش حب ابدا..
اللي وجعني من عبير كانت كرامتى بس.. و دي عالجتها لما طلقتها.. لكن لو سارة عملت فيا زي عبير.. ساعتها قلبي اللي هايوجعني و دة مالوش علاج.
- و ناوي على إيه انت دلوقتي؟
=مش عارف.. مش عارف.
- لا... لازم تعرف... انت عارف انها بتحبك.. ماينفعش تسيبها متعلقة كدة لا هي عارفة إذا كنت لسة بتحبها ولا حبها خلص في قلبك.
=حبها عمره ما هاينتهي في قلبي ابدا.. هاعيش باقي حياتي على حبها.. و هاموت و انا بحبها.. و عمر ما في واحدة ممكن تاخد مكانها جوايا ابدا... ابدا.
- امال انت ناوي على إيه؟
= ناوي اسيبها أني جبل ما تسيبني هي..
- و قلبك هايطاوعك تكسر قلبها.
=(بقهر) غصب عني.. غصب عني.
- (بعنف) انت اناني.. اناني.. يعني خايف على جلبك من الكسرة و مانتاش خايف عليها هي.. دة إيه الظلم دة يا اخي.
=مش احسن ما تقوم و تلاقي روحها بتحب مسخ.. عفريت زي ما العيال الصغيرة بتقول عليا.
- طيب اديها فرصة تختار.. خيرها يمكن تختارك.
=ماحدش بيختار الوحش.. كلهم بيحبو الحاجة الجميلة.. عمرها ما هاتختارني.
- تبقى بتظلمها و بتظلم نفسك.
=انت نفسك ماتقدرش تعيش باقية حياتك مع واحد ملون زيي.. مبقع زي ما بيقولو عليا.. واحد عنده بهاق.. بهاق.
- بس....
=(قاطعه)مابسش و اخرس بقى.
ثم التفت و استقل سيارته و غادر بقلب مثقل بالهموم...
نعم يا سادة فهذه هي الحقيقة.. فعاصم مصاب بمرض البهاق.. ليس من فترة كبيرة و لكن ظهرت اعراضه عليه بعد زواجه مباشرة.. حاول ان يبحث عن علاج او دواء حتى بالخارج و لكن كلنا يعلم انه داء بلا دواء.
لم تتحمل عبير الحياة معه.. و قد قالتها له عدة مرات..
""عبير: انا بقيت بقرف منك.. مش عايزاك يا اخي هو بالعافية""
لم يتمسك بها.. فهي كانت مجرد زيجة مدبرة.. لم يؤلمه سوى كرامته التي جرحتها بكل قسوة و لكنه دواها بتركه لها... كانت تعايره بكل تبجح و عدم مراعاة لشعوره..
لذلك فعندما جرحت سارة بحديثها هي و أمها وقف لهم بالمرصاد..
و من هنا تبدأ معاناة عاصم ليبتعد عن سارة..
أو معركة سارة لتتمسك به...
==============================
و ادي السر اللي جننا عن تردد عاصم مع سارة عرفناه.. مع ان واحد زي عاصم كان اتقدم لها اول ما حبها.. لكن مرضاه كان نخليه متردده و مش واثقا في نفسه.. خصوصا بعد اللي عبير عملته معاه.
عرفنا عبير سابت عاصم ليه.. و ليه بالطريقة الوحشة دي..
عرفنا هو نفسه بقى خايف من الجواز و الارتباط تاني ليه.. عرفنا ليه كان متردد من انه يرتبط بسارة...
إيه رأيكم بقى ..
عايزة توقعاتكم للي جاي.. ياترى تفتكرو إيه اللي ممكن يحصل معاهم...