رواية دوائي الضرير الفصل السابع عشر17 بقلم نرمين ابراهيم
الفصل السابع عشر...
كانت لحظة صادمة قاتلة للجميع.. فبعد تعرض تلك المسكينة لموقف عصبي مثل محاولة الإعتداء عليها من ذلك الوغد.. أكتملت المعاناة بسقوطها عن الدرج و غيابها عن الوعي و نزيفها الذي ظن الجميع أنه لن يتوقف أبداً.
انتفض عاصم بعد ان تمالك نفسه من صدمة ما رأى و ركض نازلاً السلم و توجه نحوها ليأخذ رأسها في حضنه و يربت على وجنتها بقلق و خوف ينهش خلاياه بلا رحمة.. و هو يقول..
عاصم: سارة.. سارة ردي عليا... ابوس ايدك ماتعمليش فيا كدة.. سارة.
هنية: البت دمها بيتصفى يا عاصم.
عاصم(بخوف و ألم): سارة.. سارة ابوس ايدك ردي عليا.. حبيبتي ماتعمليش فيا كدة.. فتحي عنيكي مرة واحدة مرة واحدة بس تطمني بس عشان خاطري.
عبد الرحمن: جوم يا عاصم ناخدها المستشفى.. هم يا ولدي..
هدى(بدموع الخوف): بس المستشفى اللي هنا مش هاتنفع.. دي مستشفى صغيرة .
عاصم: لازم نروح البندر.. هاتي لها فوطة نضيفة ياما نكبس بيها الجرح.
هنية: حاضر يا ولدي.
ثم حملها بين ذراعيه إلى السيارة ليريحها فوق كرسي الراكب و يفرده كالمرة السابقة.. و استقل هو مقعد السائق و لم ينتظر أن تركب والدته بجوارها كالمرة السابقة.. فقد كان عقله و قلبه مغلقان ع اي مشاعر أو اصوات سوى خوفه على حالتها..
ضغط على دواسة الوقود بكل قوته دون الالتفات لهتاف والدته حتى ترافقه.. وصل بها إلى المشفى بعد ساعة تقريباً من القيادة المتهورة التي كادت أن تودي بحياتهما سوياً...
و استقلت باقي الأسرة سيارة أخرى يقودها سائقهم الخاص ليتبعوا عاصم سريعاً.
لم يعلم عاصم كيف وصل بها إلى ذلك المشفى الخاص الكبير.. فبمجرد ما رآى بركة الدماء تحت رأسها علم أن حالتها خطيرة.. و ذلك المشفى الصغير التي عالجت لدغة الثعبان مسبقاً لم تكن على مستوى إصابتها هذه المرة..
بعد ان وقف بسيارتها أمام باب المشفى حملها بين ذراعيها بلوعة و دخل إلى بهو المشفى يصرخ بلا هوادة في العاملين..
عاصم(بكامل صوته): دكتور.. انتو ياللي هنا حد يلحقنا بسرعة.. دكتووووور.
و بالفعل وجد بعض الممرضات و معهم طبيب المناوبة يتجهون نحوه بسرعة شديدة.. وضعوها فوق السرير المتحرك.. و اتجه الجميع لغرفة الكشف.. و لكنه لم يتركها تلك المرة..
دخل معهم و ظل يراقبها و يراقب الطبيب و هو يفحصها دون أن ينبث ببنت شفة..
و بعد أن تفحص الطبيب الجرح علم مدى خطورته.. فصرخ في الممرضة..
طبيب: حد ينادي دكتور الجراحة من جوة بسرعة... و اتصلوا بدكتور المخ يجي فوراً.. بسرعة.
خرجت إحدى الممرضات لتنفيذ ما طلبه منها الطبيب الذي توجه بدوره لباقي الطاقم و صرخ بهم...
طبيب: و انتو جهزوها و دخلوها العمليات بسرعة على ما اغير هدومي و اجيلكم.. و خلو حد من الأشعة يكون معانا.. ياللا اتحركو.
فاق عاصم عندما سمع كلمة "عمليات" ليرتجف نابضه بداخل صدره و يمسك بذراع الطبيب بضعف نتيجة خوفه عليها....
عاصم: حالتها ايه؟
طبيب(تعجب من وجود غريب بداخل غرفة الكشف): ايه دة... انت بتعمل إيه هنا؟ و دخلت هنا ازاي أصلا؟؟
تحولت حالة عاصم في أقل من ثانية من ذاك المستكين الخائف و بشدة على حبيبته و ترعبه فكرة فقدانها إلى ذلك الوحش الكاسر الذي امسكه من تلابيبه بعنف و غضب عارم و هدر بصوت هز جدران المشفى قائلاً.....
عاصم: انا لما أسألك و اقولك حالتها إيه ترد عليا و بس فاهم؟؟ حالتها إيه؟
طبيب(برعب): ايه دة يا استاذ انت مايصحش كدة..
عاصم(لم يهتم بما يقول و ظل على حاله و جهر بصوته كله حتى كادت ان تذوب عظام الطبيب المسكين رعباً): رد عليا.. حالتها إيه؟
طبيب(بخوف من ذلك المارد الذي ظهر فجأة): إصابتها شديدة في دماغها و غالبا عندها تهتك في فروة الرأس.. حالة الجمجمة مانقدرش نعرفها الا لما نعمل الأشعة.. و لازم تدخل العمليات فوراً.. ممكن بقى تسيبني عشان الحقها.
عاصم(شدد من قبضته و احتدت عينيه بحمرة الغضب): لو ماطلعتهاش من جوة سليمة هاقتلك.. اقسم بربي هاقتلك.. فاهم؟
الطبيب(متفهماً): طيب ارجوك سيبني.. سيبني عشان اساعدها.
ترك عاصم الطبيب بلا وعي ليذهب لكي يبدل ملابسه و نظر عاصم لها مانعاً دموعه قسراً ثم توجه إليها مقبلاً جبهتها برعب ماسحاً على رأسها بيديه المرتعشتين رعباً عليها قائلاً...
عاصم: ماتسيبينيش.. اوعي تسيبني يا سارة دة انا ماصدقت لقيتك.. وعد هاجيبلك حقك تالت و متلت من نن عينه.. بس خليكي معايا.. ماتسيبينيش عشان خاطري..
ممرضة: بعد إذنك يا استاذ لازم تدخل العمليات.. عن إذنك لو سمحت.
أخذوها من أمامه.. ظل يسير خلفها دون كلمة حتى اختفوا بداخل غرفة العمليات التي لا يعلم أحد ما يحدث بداخلها.. جلس بقهر كالمرة السابقة و أكثر.. فهذه المرة الوضع أصعب بكثير.. فحياتها في خطر كبير..
لم يفارق هو باب العمليات.. و جلس في مكانه دون حديث فقط دموع قلبه النازفة هي التي تتحرك.. ظل يعيد عقله عليه أحداث الليلة كاملة خاصة عندما وجدها ملقية على الأرض في اسفل الدرج...
ظل يتذكر خوفها المبهم الذي علم سببه الأن.. فقد كان ذلك الحقير يهددها و يبتزها.. يقلق قلبها و يهدد أمنها.
فلماذا لم تقل له.. هل لم تثق به او في أنه سوف يقف إلى جانبها.. هل خافت من رد فعله.. هل كانت تنوي الكذب عليه ؟؟
صرخ قلبه بقوة "لا" فهي كانت تنوي ان تصارحه.. و لكنها لم تستطع.. ربما كانت خائفة او قلقة.. و لكنه متأكد تمام التأكيد من انها لن تخدعه قط.
وصل أهل عاصم أخيراً الى تلك المشفى بعد ان بحثا عنهما في ثلاث مستشفيات قبل تلك.. فعاصم لم يخبرهم الى اين كان سيأخذها و هاتفه متروك بالمنزل.. فأضطر السائق ان يبحث عن إسمها في عدة مستشفيات قبل تلك.. حتى يجدوهما.
دخل الجميع إلى حيث يقف ليجدوه جالساً بجانب باب غرفة العمليات دون حديث ولا اي حركة.. سألوه بلهفة عن حالها و عما رأي الطبيب و علمو منه ما حدث و ما قاله الطبيب.. فجلسوا جميعا ينتظرون بجانب الغرفة في صمت.. كانو ينتظرون برعب أمام غرفة العمليات في إنتظار مميت.. صمت قاتل لا يقطعه سوى شهقات بكاء هنية و هي تحتضن هدى و منة حتى تهدئ بكائهن هن أيضاً..
قاطع هذه اللحظات الأليمة صوت هاتف هدى الذي صدح بإسم آسر الذي غفا دون أن يشعر و هو ينتظر إتصال هدى و قام بالإتصال بها ما أن استيقظ لعمله...
فردت هدى من بين دموعها ..
آسر: ايه يا دودو.. كل دة بتشوفي الصوت.. دة انا قولت نسيتيني.. دة انا نمت و انا مستنيكي يا قلبي و لسة صاحي على المنبه مالقيتكيش رنيتي فكلمتك.
هدى(بدموع و بكاء واضح): آسر.
آسر (انتفض فزعاً): ايه يا هدى.. مالك في ايه..
هدى(و زادت دموعها): آسر تعالى بسرعة.
آسر (وقف بتأهب و قلق): في ايه يا هدى و بتعيطي كدة ليه؟؟
هدى(و هي تشهق ببكاء): سارة يا آسر..
آسر(تأهبت حواسه و قُبض قلبه بخوف على أخته): مالها سارة.. ردي عليا يا هدى مالها سارة؟
هدى(و كأنها لم تجد شيئاً آخر لتقوله): وقعت من على سلم البيت.. تعالى يا آسر تعالي الحق سارة.
آسر: احنا جايين فوراً.
اغلق الهاتف و توجه لغرفة والديه ليوقظهما...
آسر (و هو يطرق الباب بعنف): بابا اصحى.. يا ماما.. اصحو بسرعة.
سعاد(من فوق فراشها): ايه دة فيه ايه...
جميل: ايه يا آسر في ايه ع الصبح.
أسر: افتح يا بابا بسرعة.
جميل(فتح الباب بعيون مغمضة ناعسة): ايه.. ايه يا آسر مالك بتخبط كدة ليه؟ الدنيا اتهدت ولا ايه؟؟
آسر: احنا لازم نسافر سوهاج حالاً.
سعاد: في ايه يا آسر.. ايه اللي حصل؟
آسر: سارة يا ماما.
سعاد(بلهفة ام تغمر أبنائها بحنانها): مالها سارة يا آسر؟؟ ما تنطق.
جميل: اختك مالها يا آسر..
آسر: في المستشفى... وقعت من على السلم و نقلوها للمستشفى و حالتها ماتطمنش.
سعاد(ضربت على صدرها): حبيبتي يا بنتي.
جميل: طيب ياللا.. ياللا نغير هدومنا و نروحلها بسرعة.. ياللا.
و بالفعل خلال ربع ساعة كان ثلاثتهم بداخل السيارة يتجهون لسوهاج...
==============================
أما بداخل ذلك المشفى الخاص الكبير بمحافظة سوهاج.. و الذى أصر عليه عاصم نظراً لكونها اكبر مشفى خاص بالمحافظة حتى تتلقى سارة أفضل عناية طبية ممكنة..
كان الجميع ينتظر أمام غرفة العمليات في صمت لا يقطعه سوى شهقات و بكاء هدى و هنية و أيضاً منة التي قد كونت بداية صداقة جديدة مع سارة.. و أيضاً لم تحملها سارة ذنب ما فعله كريم أخيها بها..
فمنة فتاة رقيقة مهذبة لا تشبه أخيها في أي شئ.. و اندمجت في علاقة هدى و سارة بكل سهولة.. و هذا هو ما لفت نظر منة.. فمنة لم تكن تعلم ما فعله أخيها بسارة.. و لكن سارة علمت.. و مع ذلك تعاملت معها بكل ود.
كانت تبكي وحدها فذهبت لخالتها الحاجة هنية و هي تنظر أرضاً بخجل و خزي من كون كريم شقيقها هو الذي تسبب في تلك كارثة..
منة: خالتو..
هنية(نظرت لها بتعب): ايوة يا منة يابتي.. عايزة حاچة؟؟
منة: خالتو انا ماليش دعوة باللي حصل دة.. و الله العظيم لو كنت أعرف أن كريم ناوي على حاجة زي دي ما كنت سكت أبدا و كنت قولتلكم.
أنا عارفة أن كريم غلط و غلطة مش هينة.. و مش هادافع عنه هو يستاهل اي عقاب أبيه عاصم يشوفوه.. انا بحب سارة اوي.. و بجد زعلانة اوي على اللي حصل لها..
ثم ارتفعت شهقاتها ببكاء مرير خجلاً من أفعال أخيها و خوفاً على صديقة جديدة قد اكتسبتها للتو.. ففتحت هنية لها ذراعها الأخر فركضت إليه ليزداد بكاءها أكثر تحت أنظار الجميع..
فأكملت بنحيب...
منة: انا عرفت كل حاجة.. عرفت أن كريم كان يعرف سارة في أمريكا و كان خطبها من أهلها كمان.. و عرفت ان هو اللي كان السبب في حالتها دي و ضياع عينيها.. بس ماعرفش ازاي.
عاصم(و الذي كان يتابع حوارهم و لم يتدخل حتى الآن): و انتي عرفتي منين كل دة.. سارة اللي قالتلك؟؟
منة: لا.. بس من كام يوم كنا قاعدين مع بعض في الجنينة و هدى قامت عشان تكلم آسر و بعدها كريم شاورلي و قالي اسيبه لوحده مع سارة.
مش عارفة ليه مامشيتش و وقفت اسمع كلامهم.. و سمعته بيقول لها انها تروحله الأوضة أو هايفضحها قدام البيت كله..
تكورت يد عاصم بغضب حتى برزت عروقها.. و احتدت عيناه بشعلة الانتقام.. فسأل الحاج عبد الرحمن منة بإستفسار....
عبد الرحمن: و هو كيف كريم كان هو السبب في اللي حُصل لسارة؟؟
منة: ماعرفش ياعمي.. هما ماقالوش ازاي.. بس قالتله أن هو السبب و هو ماعترضش.. بالعكس كان بيعتذرلها كتير..
هدى(خرجت من حضن أمها لتقول ببكاء): كريم كان خطيبها.. و في يوم....
ثم قصت على مسامع الجميع ما حدث يوم الحادث و الذي قصته سارة لها حتى ارتطمت سارة بالشاحنة...
هدى: و لما خرجت من البيت ولا العمارة دي كانت بتجري.. ماخدتش بالها ان كان في عربية نقل كبيرة جاية بسرعة.. فخبطتها..
هنية(بحزن عليها و غيظ منه): اخس عليك يا كريم و على ربايتك.. بجى انت تعمل كل دة..
منة: انا مش مستغربة من اللي كريم عمله.. كريم متدلع و ماعندوش حدود ولا حلال و حرام.. انا بس صعبانة عليا سارة.. سارة طيبة اوي و ماتستاهلش كدة ابدا..
عاصم(لعبد الرحمن): ابوي.. كلم عديلك ياچي اهنا دلوجت حالا.
عبد الرحمن: ناوي على ايه يا عاصم ياولدي؟؟
عاصم: ناوي اربيله ابنه طالما هو ماعرفش يربيه.. اتصل عليه خليه ياچي حالا يابا.. جبل ما سارة تفوج من نومتها يكون جدامي هو و مرته(ثم رفع سبابته بوعيد لكريم) الله في سماه يابوي لو ما كانو اهنا جبل الضهر لأكون باعتلهم رمة ولدهم في شوال.. و انت خابرني عاد لما احلف.
عبد الرحمن: خلاص خلاص يا ولدي.. هاكلمه ياچي..
عاصم: هو و مرته.
عبد الرحمن: حاضر يا ولدي.. اللي تشوفه.
و بالفعل قام الحاج عبد الرحمن بمهاتفة عديله و طلب منه الحضور على وجه السرعة.. و بدون معرفة الأسباب.. ثم عاد الجميع للإنتظار في صمت و دعاء حتى خرجت إحدى الممرضات أخيراً تقول بسرعة و عملية..
عاصم: سارة عاملة ايه؟؟
الممرضة: ماعنديش تفاصيل.. الدكاترة معاها و ربنا يستر.. حالة الجمجمة صعبة اوي.. بس احنا دلوقتي محتاجين دم.. فصيلتها...
عاصم(قاطعها قبل أن تكمل): اني هاديها.
الممرضة: بس فصيلتها...
عاصم(قاطعها ثانية): انت فصيلتي O+ .. يعني ينفع تدي لأي حد.
الممرضة: طيب تعالى معايا على المعمل..
ذهب معها ليتبرع لسارة بدمه.. و لو أرادت أن تأخذ روحه و قلبه لن يتأخر عن ذلك.. أنهى مهمته و عاد لعائلته بتعب قلبه و روحه.. فاستقبلته والدته بلهفة..
هنية: تعالى يا ولدي اجعد ارتاح.. يا حاچ شيع حد يچيبله حاچة يأكلها ولا يشربها..
عاصم(و هو يجلس بتعب): لا يا اما مالياش نفس.
هنية: يا ولدي عشان تعوض الدم اللي خادوه منيك.
عاصم: انى زين ياما مافياش حاچة جولتلك.
عبد الرحمن: يا ولدي تتعب اكده.
عاصم: ماتخافش يابوي.. اني كويس.
و بعد ساعتين تقريباً خرج جراح المخ من الغرفة ليركض الجميع إليه بلهفة و يسأله عاصم أولا..
عاصم: طمنا يا دكتور.. سارة عاملة إيه؟
الطبيب: انتو اهلها؟؟
عبد الرحمن: ايوة يا ولدي.. اني ابجى الحاچ عبد الرحمن المنياوي عمدة كفر المنياوية.... و ده عاصم المنياوي ولدي.. اكيد تعرفنا..
الطبيب: طبعاً طبعاً يا حاج.. غني عن التعريف..
عاصم(دون إهتمام لما يُقال): سارة عاملة ايه؟؟
الطبيب(بعملية): مش هاقدر اخبي عليكم... حالتها صعبة اوي.. عندها شرخ في مؤخرة الجمجمة و شبه تهتك في فروة الراس..
احنا الحمد لله قدرنا نسيطر على كل شئ حتى النزيف وقفناه.. لكن...
صمته جعل الخوف يدب مرة أخرى بقلوب الجميع بعد أن طمأنهم...
هنية: لكن إيه يا ولدي..
الطبيب: حالتها لسة صعبة و مش مستقرة.. احنا هاندخلها العناية المركزة و هاتفضل فيها لحد ما تتحسن..
عاصم: ننجلها مصر ولا بلاد برة حتى..
الطبيب: صدقني يا عاصم بيه مافيش داعي.. مافيش حاجة ممكن تتعمل اكتر من اللي عملناها.. احنا بس مش هاتقدر نفوقها الا لما الشرخ دة يلم.. فهي هاتكون غايبة عن الوعي طول الفترة الجاية.. أن شاء الله خير يا جماعة.. عن اذنكم.
هدى: يا حبيبتي يا سارة..
منة: ربنا يسامحك يا كريم.. ربنا يسامحك...
تم نقلها بالفعل إلى غرفة العناية الفائقة و انتقل الجميع معها إلى هناك.. كان يقف أمام الغرفة بلا حول ولا قوة.. كان يقف أمام غرفتها يفصل بينه و بينها لوح زجاجي يراها عبره.. لم يبرح مكانه و لم ترمش عينه عن رؤيتها و لو لحظة واحدة..
كانت نائمة بلا أي حراك.. رأسها ملفوف كلياً بالشاش الطبي.. موصلة بالكثير من الأجهزة و الأنابيب التي تقريباً تخفي جسدها الهزيل.. ظل يراقبها عبر ذلك اللوح الزجاجي لمدة قاربت الخمس ساعات...
بعد مدة.. انتبه الجميع لصوت السيدة سعاد و هي تتجه نحوهم بلهفة و خوف ام.. و اتجه آسر نحو عاصم الذي لم يتحرك لاستقبالهم فعلم أن شقيقته هناك حيث يقف عاصم...
سعاد: بنتي.. بنتي فين.. سارة فين؟؟
هنية: اهدي يا خيتي.. اهدي و ادعي لها..
سعاد(ضربت صدرها بفزع): بنتي.
هنية: بتك زينة.. بجيت زينة والله..
جميل: سارة جرالها ايه... ماحد يرد علينا.
عبد الرحمن: وجعت من على السلم يا جميل ياخوي.. و چيبناها على اهنا.. و الضاكتور طمنا عليها.. و زمناته چاي و ابجو اطمنو منيه بنفسيكم...
سعاد: هي فين.. عايزة اشوفها .
هدى: هنا يا طنط تعالي شوفيها.
تحركت سعاد مع جميل حيث يقف عاصم و آسر.. و دون قصد دفعا عاصم بعيداً و الذي لم يكن لديه اي طاقة للمقاومة فوقف مستندا بظهره إلى الجدار.. و أسند رأسه بتعب إلى الحائط...
دمعت عيني جميل و انتحبت سعاد بخوف على ابنتيهما.. و ظلا يتأملا حالتها التي يرثى لها... و كان آسر يقف بجانبهما و لكن شيئاً بداخله أخبره أن هناك ما يخفيه الجميع عنهم.. فسألهم بشك..
آسر: و هي وقعت لوحدها كدة؟؟
هدى(بتلعثم): أصل.. أصل انا سمعت صوت برة اوضتي و لما خرجت لقيتها واقعة تحت السلم.. فـ.. فالبيت كله صحي و.. وجيبناها هنا على طول.
نظر لها بشك خاصة بعد أن سمع نبرتها المتلعثمة و عيونها التي تتجنب عيناه فعلم انها تخفي شيئاً لربما ظنت انه لن يكون وقت مناسب للبوح به..
آسر: و إيه أصلا اللي كان خرجها من اوضتها في وقت متأخر زي دة.. و بعدين سارة بقالها اكتر من شهرين عايشة في البيت يعني خلاص حفظته صم.. يبقى ازاي تقع وقعة زي دي؟؟
نظر الجميع لبعضهم بتوتر فتأكدت شكوكه.. أن ما حدث غير ذلك.. فنظر لعاصم الذي لم يحرك ساكناً و لم ينطق بكلمة واحدة حتى فوقف أمامه و سأله بعد أن نظر في عينيه مباشرة ليجدها تقطر شراً و غضباً..
آسر: عاصم.. ايه اللي حصل لأختي؟؟ بقى هي دي الوصية اللي انا وصيتهالك... هو دة كان اتفاقنا؟
لم يرد عاصم لشعوره بالخزي التقصير فأكمل آسر بإصرار..
آسر: هاسألك سؤال واحد بس.. انت لو مكاني هاتبقى محتاج تعرف الحقيقة ولا لا؟؟
و بالفعل.. قام عاصم بوضع نفسه مكان آسر ليعتدل و يسحب آسر لمكان بعيد عن الجميع و يقص عليه ما حدث بالتفصيل.. فاحتدت عينا آسر أيضاً و قال بجمود..
آسر: و هو فين دلوقتي؟؟
عاصم: حابسه في البيت عندي مع الغفر.
آسر: عايز اشوفه.. (و رفع سبابته أمام وجهه بوعيد) و اوعى تكون فاكر أنه عشان يبقى قريبك اني ممكن أرحمه.. مستحيل.. فاهم يا عاصم.. مستحيل.
عاصم:و لما تشوفه هاتعرف أن انا اللي مش هارحمه..
آسر: عايز اشوفه.
عاصم(بتردد): بس قبل ما نروح لازم تعرف هو يبقى مين؟
آسر: يعني ايه يبقى مين؟؟ مش بتقول ابن خالتك.
عاصم: اسمه كريم.. كريم امين حسن.
جحظت عينا آسر بصدمة و دهشة..
آسر: انت بتقول مين..
عاصم(زفر بتعب): زي ما سمعت.. ابن خالتي يبقى كريم امين حسن.. اللي كان خاطب سارة و كان السبب في اللي حصل لها.
آسر: و انت عرفت كل دة منين؟
عاصم: مش مهم دلوقتي عرفت منين.. المهم انت لسة عايز تشوفه؟
آسر (بإصرار و غضب): ايوة لسة عايز اشوفه.
عاصم: تعالى معايا..
و اتجها معا نحو المصعد فلحقهم عبد الرحمن و سألهم...
عبد الرحمن: عاصم؟؟
عاصم: حجه يابوي...
عبد الرحمن: عارف أنه حجه.. بس بلاش تهور يا ولدي.. ماتودوش روحكم في داهية عشان كلب زي ده.
عاصم: ماتخافش يابوي.. مش هانتهور.. ولا هانتأخر..
خرجا معا من المشفى و اتجها إلى المنزل و عاد عاصم بذاكرته إلى تلك الليلة حينما صراحه آسر بما يشعر به تجاه هدى...
Flash back...
عاصم: انت عايز تتجوز هدى اختي؟
آسر: ايوة.. و متاكد اني هاكون اسعد انسان في الدنيا لو دة حصل..
عاصم(نظر له بتفحص): و ياترى هدى رأيها ايه؟
آسر(و قد فهم مقصده): طبعا أنا فاهم أن سؤالك بيحمل معنى خفي و هو ان انت عايز تعرف اذا كنت انا و هدى على علاقة ببعض ولا لا..
لكن احب اقولك أن لا... انا لا كلمت هدى ولا هي تعرف اي حاجة عن اللي انا بكلمك فيه دة دلوقتي.. كل الحكاية اني حاسس براحة ناحيتها و انا انسان دغري ماحبش اللف و الدوران.
فأول ما حسيت بمشاعر ناحيتها قلت اني لازم اخد خطوة رسمي.. و كلمت سارة فوراً.
عاصم: طيب و سارة رأيها ايه؟
آسر: سارة موافقة طبعا.. هي بس كانت معترضة على التوقيت.. و فعلا اضطريت اسمع كلامها و استنى الوقت اللي هي شافته مناسب.. و الوقت دة كان من اسبوع و هي كانت هاتاخد رأي هدى و بعدين تفاتحك و الحاجة هنية و الحاج عبد الرحمن كمان و بعدين تديني اوكي..
بس للاسف مالحقتش.
عاصم: و الله يا آسر انا شخصياً ماعنديش مانع.. انت راجل محترم و مهندس شاطر و اخلاقك مايختلفش عليها اتنين.. بس طبعا أنا رأيي لوحدي مش كفاية.
آسر: اكيد طبعا.. انا عارف انك لازم تاخد رأي هدى و الحاج و الحاجة كمان..
عاصم: طيب بما انك فتحت موضوع الجواز بقى.. فأنا كمان عايز اطلب منك ايد سارة .
آسر: نعم.. سارة؟؟
عاصم: ايه يا باشمهندس آسر مانيش جد المجام ولا ايه؟ ولا يكون جصدك عشان ان شكلي يعني....
آسر(مقاطعاً و بسرعة و دون تفكير): لا طبعا مش قصدي.. لو مش قد المقام ماكنتش اتقدمت انا لهدى.. لا دي ولا دي.. الحكاية مش كدة..
عاصم: امال الحكاية ايه؟؟
آسر: الحكاية أن سارة ظروفها مختلفة و انت فاهم انا قصدي ايه؟
عاصم: قصدك عشان عينيها يعني؟
آسر: ايوة.. هاتقدر تعيش معاها كدة عادي.. و مش هاتيجي في يوم تجرحها ولا تعايرها بدة؟؟
عاصم: هو انت قد كدة شايفني واطي؟؟
آسر: عاصم انت عارف اني ماقصدش كدة.. بس موضوع عينيها دة مش سهل.. هاتقدر تتأقلم معاه من غير مشاكل؟؟
عاصم: هاكون انا عينيها.. انا مش هاكدب عليك.. انا بحب سارة.. مش مجرد اعجاب لا حب.. يمكن ماكنتش متأكد من مشاعري.. بس لما تعبت خوفي و قلقي عليها ماكنش مجرد خوف و قلق عادي ابدا لا.. كان رعب من أنها تبعد عني..
و انا من دلوقتي بوعدك اني هاحميها و اشيلها جوة عينيا.. ها قولت ايه؟
آسر: طيب انت قولتلها..
عاصم: لا... و مش هاقولها دلوقتي خالص.
آسر(بدهشة): ليه؟
عاصم: عشان لو قولتلها دلوقتي هانعمل كل حاجة معاكم.. و انا عايز اعملها كل حاجة ليها لوحدها.. تبقى هي ملكة يومها من غير ما يشاركها معاها اي حد.. حتى لو أختي و اخوها..
آسر (متفاجئاً بكل هذا الحب الذي يظهر في حديثه): قد كدة بتحبها.
عاصم: و اكتر من كدة كمان.. قلت إيه؟
آسر: قولت اني موافق انا كمان.. انا مش هالاقي لسارة حد يحبها و يحافظ عليها زيك..
عاصم: يبقى اتفقنا.. توصل بالسلامة.
Back...
انتهت ذكريات عاصم عندما وصل بسيارته بصحبة آسر إلى منزلهم.. ترجلا معاً و أتجه آسر متبعاً عاصم إلى أن وصلا لغرفة خلف المنزل.. دخلا و وجدا كريم مقيداً ببعض الأحبال و ملقى على الأرض يصرخ من الألم و الغضب..
كريم: فكني بقولك.. دة انا هاخرب بيتك.
حسان: ماعنديش أوامر افكك..
كريم: طيب هاتلي ماية.. عايز اشرب.
حسان: عاصم بيه أمر أنك تتربط اهنه و تتحبس من غير بُج مايه.
كريم: طيب فكني بقى احسن لك.. عشان أنا هاوديك في ستين داهية انت و سي عاصم الزفت بتاعك دة.
دخل عاصم بصحبة آسر ليقاطعا صراخ كريم...
عاصم: تودي مين في داهية يا كريم..
كريم: انت يا عاصم.. انا هاوريك انا هاعمل فيك ايه لما اخرج من هنا.
آسر (و الذي ظهر من خلف عاصم): ماسمهاش "لما" تخرج من هنا.. اسمها "لو" خرجت من هنا.
كريم(متفاجئا بصدمة): آسر..
آسر: ايوة آسر.. وحشتك انا صح؟؟
كريم(ببرود): جدا يا ابو نسب.. بس بصراحة أنا عاتب عليك.. مش كنت تقولي أن اختك اللي هي خطيبتي بتشتغل هنا عند خالتي.. لا و إيه عرفت تلف على ابن خالتي كبير البلد و ابن عمدتها.
لا و كمان بتحب عليا و هي خطيبتي.
آسر(بحدة و غضب): اخرس.. ماتجيبش سيرة اختي على لسانك القذر دة.. انت فاهم؟؟
كريم: ليه مش هي دي الحقيقة؟؟
آسر: لا مش هي دي الحقيقة.. اختي سابتك من زمان.. من ساعة اللي حصل لها بسببك.. ولا نسيت؟
كريم: لا مانسيتش.. بس كمان مانسيتش اني جيتلكم بدل المرة عشرة عشان اعتذرلها و نرجع لبعض و هي حتى ماكنتش بترضى تقابلني.. لحد ما نزلت مصر معاك..
و لما نزلت انا كمان قلت ادور علي عنوانكم و اجي تاني و اتقدملها رسمي تاني يمكن ترضى المرة دي لكن برضه ماقدرتش اوصل لحاجة... و اجي هنا اتفاجئ أنها معلقة ابن خالتي و عايشة قصة حب عظيمة.. ايه الصدفة دي؟؟
آسر (بغضب): تقصد ايه..
كريم(بإستفزاز): أقصد أن كل اللي حصل دة اكيد مش صدفة.. لكن اختك المحترمة خططت و دبرت أنها تعلق ابن خالتي.. طبعا ماهو غني و عنده فلوس تسد عين الشمس.. و بالمرة تغيظني بيه... ولا ايه.
آسر: اخرس يا كلب.. انا اختي اشرف منك و من 1000 واحد من عينتك..
و انقض عليه يلكمه بقبضة يده عدة لكمات مؤلمة أسفرت عن سيلان الدماء من جميع أجزاء وجهه التي لم تكن قد توقفت أصلا من نجوم عاصم الاول عليه.. تركه عاصم يخرج ما بداخله حتى انه كاد أن يقتله لولا عاصم الذي حمل آسر قسراً بعيدا عنه...
عاصم: خلاص يا آسر... كفاية كدة..
آسر: سيبني يا عاصم.. سيبني اخلص عليه..
عاصم: سيبهولي انا يا آسر.. هو كدة كدة لسة حسابه معايا ماخلصش.
كريم(بتعب و إرهاق): ليه.. ما انت خدت حسابك مني فوق.. ولا هي السنيورة طلبت منك تكمل بالنيابة عنها.
جثا عاصم على ركبته و امسك كريم من ياقة قميصه و قال بعيون تنضح غضباً حارقاً...
عاصم: سارة في المستشفى.. بين الحياة و الموت.
كريم(و جحظت عيناه بذهول): انت بتقول ايه؟
عاصم: سارة بتموت بسببك لتاني مرة.. بس المرة دي لو حصل لها حاجة.. صدقني مش هايكفيني فيها موتك.. فاهم.
كريم: انتو كدابين.. سارة كانت في الاوضة.. ماخرجتيش منها.
عاصم: خرجت.. و من قسوة اللي انت عملته فيها ماخدتش بالها من السلم أو نسيت مكانه من اللي هي كانت فيه..
وقعت من عليه و اهي في العناية المركزة دلوقتي.. و حالتها خطيرة.
و على فكرة انا لسة ماخدتش حقي منك لحد دلوقتي.. بس اطمن عليها و ارجعلك اربيك تاني.. ياللا يا آسر.
تركاه وحيداً و غادرا إلى المشفى.. لم يؤنبه ضميره و لم يرمش جفن عينه حتى و لو للحظة واحدة بل إنه فقط لعن حظه الذي جعله يتسبب في أذيتها مرة أخرى و بذلك لا يمكن أن يصدقه أحد أو يتعاطف معه...
وصل عاصم و آسر إلى المشفى ليجد الجميع على حالهم فسألهم عبد الرحمن....
عبد الرحمن: ها يا ولدي طمني..
عاصم: اطمن يابوي.. لساه فيه الروح.
جميل: هو مين دة؟؟
آسر: بعدين يا بابا.. مش وقته.
جميل(بغضب اب مرتعباً على وحيدته): هو ايه اللي مش وقته مش وقته.. انا عايز اعرف دلوقتي حالاً ايه اللي حصل لبنتي.
عاصم: هاتعرف كل حاجة يا عمي..(ثم نظر لوالده) فين الضيوف اللي المفروض يجو يابوي.
عبد الرحمن: على وصول يا ولدي.. كلها ساعة ولا اتنين و يكونو اهنه..
عاصم: زين.. يبجى كلها ساعتين و تعرف كل حاجة يا عمي..
جميل: و ليه مش دلوقتي..
أسر: ماتستعجلش يا بابا.. تعالى انت اقعد ارتاح شوية عشان ماتتعبش.
تبعه جميل مرغما ليجلس على المقعد بجانب زوجته التي كانت تبكي بحرقة و خوف على ابنتها... ظل الجميع في حالة صمت و دعاء لتلك المسكينة القابعة فوق الفراش بلا حول ولا قوة..
ياترى إيه اللي هايصل بعد كدة..
اهل كريم جايين اهم طيب ليه و هايبقى رد فعلهم إيه على عمايل ابنهم..
منة ليها دور معانا ولا خلاص كدة..
و كريم مصيره إيه...
و سارة هاتفوق امتى...
و إيه السبب اللي عاصم كان فاكر ان آسر ممكن يرفضه عشانه.. يا ترى إيه
كانت لحظة صادمة قاتلة للجميع.. فبعد تعرض تلك المسكينة لموقف عصبي مثل محاولة الإعتداء عليها من ذلك الوغد.. أكتملت المعاناة بسقوطها عن الدرج و غيابها عن الوعي و نزيفها الذي ظن الجميع أنه لن يتوقف أبداً.
انتفض عاصم بعد ان تمالك نفسه من صدمة ما رأى و ركض نازلاً السلم و توجه نحوها ليأخذ رأسها في حضنه و يربت على وجنتها بقلق و خوف ينهش خلاياه بلا رحمة.. و هو يقول..
عاصم: سارة.. سارة ردي عليا... ابوس ايدك ماتعمليش فيا كدة.. سارة.
هنية: البت دمها بيتصفى يا عاصم.
عاصم(بخوف و ألم): سارة.. سارة ابوس ايدك ردي عليا.. حبيبتي ماتعمليش فيا كدة.. فتحي عنيكي مرة واحدة مرة واحدة بس تطمني بس عشان خاطري.
عبد الرحمن: جوم يا عاصم ناخدها المستشفى.. هم يا ولدي..
هدى(بدموع الخوف): بس المستشفى اللي هنا مش هاتنفع.. دي مستشفى صغيرة .
عاصم: لازم نروح البندر.. هاتي لها فوطة نضيفة ياما نكبس بيها الجرح.
هنية: حاضر يا ولدي.
ثم حملها بين ذراعيه إلى السيارة ليريحها فوق كرسي الراكب و يفرده كالمرة السابقة.. و استقل هو مقعد السائق و لم ينتظر أن تركب والدته بجوارها كالمرة السابقة.. فقد كان عقله و قلبه مغلقان ع اي مشاعر أو اصوات سوى خوفه على حالتها..
ضغط على دواسة الوقود بكل قوته دون الالتفات لهتاف والدته حتى ترافقه.. وصل بها إلى المشفى بعد ساعة تقريباً من القيادة المتهورة التي كادت أن تودي بحياتهما سوياً...
و استقلت باقي الأسرة سيارة أخرى يقودها سائقهم الخاص ليتبعوا عاصم سريعاً.
لم يعلم عاصم كيف وصل بها إلى ذلك المشفى الخاص الكبير.. فبمجرد ما رآى بركة الدماء تحت رأسها علم أن حالتها خطيرة.. و ذلك المشفى الصغير التي عالجت لدغة الثعبان مسبقاً لم تكن على مستوى إصابتها هذه المرة..
بعد ان وقف بسيارتها أمام باب المشفى حملها بين ذراعيها بلوعة و دخل إلى بهو المشفى يصرخ بلا هوادة في العاملين..
عاصم(بكامل صوته): دكتور.. انتو ياللي هنا حد يلحقنا بسرعة.. دكتووووور.
و بالفعل وجد بعض الممرضات و معهم طبيب المناوبة يتجهون نحوه بسرعة شديدة.. وضعوها فوق السرير المتحرك.. و اتجه الجميع لغرفة الكشف.. و لكنه لم يتركها تلك المرة..
دخل معهم و ظل يراقبها و يراقب الطبيب و هو يفحصها دون أن ينبث ببنت شفة..
و بعد أن تفحص الطبيب الجرح علم مدى خطورته.. فصرخ في الممرضة..
طبيب: حد ينادي دكتور الجراحة من جوة بسرعة... و اتصلوا بدكتور المخ يجي فوراً.. بسرعة.
خرجت إحدى الممرضات لتنفيذ ما طلبه منها الطبيب الذي توجه بدوره لباقي الطاقم و صرخ بهم...
طبيب: و انتو جهزوها و دخلوها العمليات بسرعة على ما اغير هدومي و اجيلكم.. و خلو حد من الأشعة يكون معانا.. ياللا اتحركو.
فاق عاصم عندما سمع كلمة "عمليات" ليرتجف نابضه بداخل صدره و يمسك بذراع الطبيب بضعف نتيجة خوفه عليها....
عاصم: حالتها ايه؟
طبيب(تعجب من وجود غريب بداخل غرفة الكشف): ايه دة... انت بتعمل إيه هنا؟ و دخلت هنا ازاي أصلا؟؟
تحولت حالة عاصم في أقل من ثانية من ذاك المستكين الخائف و بشدة على حبيبته و ترعبه فكرة فقدانها إلى ذلك الوحش الكاسر الذي امسكه من تلابيبه بعنف و غضب عارم و هدر بصوت هز جدران المشفى قائلاً.....
عاصم: انا لما أسألك و اقولك حالتها إيه ترد عليا و بس فاهم؟؟ حالتها إيه؟
طبيب(برعب): ايه دة يا استاذ انت مايصحش كدة..
عاصم(لم يهتم بما يقول و ظل على حاله و جهر بصوته كله حتى كادت ان تذوب عظام الطبيب المسكين رعباً): رد عليا.. حالتها إيه؟
طبيب(بخوف من ذلك المارد الذي ظهر فجأة): إصابتها شديدة في دماغها و غالبا عندها تهتك في فروة الرأس.. حالة الجمجمة مانقدرش نعرفها الا لما نعمل الأشعة.. و لازم تدخل العمليات فوراً.. ممكن بقى تسيبني عشان الحقها.
عاصم(شدد من قبضته و احتدت عينيه بحمرة الغضب): لو ماطلعتهاش من جوة سليمة هاقتلك.. اقسم بربي هاقتلك.. فاهم؟
الطبيب(متفهماً): طيب ارجوك سيبني.. سيبني عشان اساعدها.
ترك عاصم الطبيب بلا وعي ليذهب لكي يبدل ملابسه و نظر عاصم لها مانعاً دموعه قسراً ثم توجه إليها مقبلاً جبهتها برعب ماسحاً على رأسها بيديه المرتعشتين رعباً عليها قائلاً...
عاصم: ماتسيبينيش.. اوعي تسيبني يا سارة دة انا ماصدقت لقيتك.. وعد هاجيبلك حقك تالت و متلت من نن عينه.. بس خليكي معايا.. ماتسيبينيش عشان خاطري..
ممرضة: بعد إذنك يا استاذ لازم تدخل العمليات.. عن إذنك لو سمحت.
أخذوها من أمامه.. ظل يسير خلفها دون كلمة حتى اختفوا بداخل غرفة العمليات التي لا يعلم أحد ما يحدث بداخلها.. جلس بقهر كالمرة السابقة و أكثر.. فهذه المرة الوضع أصعب بكثير.. فحياتها في خطر كبير..
لم يفارق هو باب العمليات.. و جلس في مكانه دون حديث فقط دموع قلبه النازفة هي التي تتحرك.. ظل يعيد عقله عليه أحداث الليلة كاملة خاصة عندما وجدها ملقية على الأرض في اسفل الدرج...
ظل يتذكر خوفها المبهم الذي علم سببه الأن.. فقد كان ذلك الحقير يهددها و يبتزها.. يقلق قلبها و يهدد أمنها.
فلماذا لم تقل له.. هل لم تثق به او في أنه سوف يقف إلى جانبها.. هل خافت من رد فعله.. هل كانت تنوي الكذب عليه ؟؟
صرخ قلبه بقوة "لا" فهي كانت تنوي ان تصارحه.. و لكنها لم تستطع.. ربما كانت خائفة او قلقة.. و لكنه متأكد تمام التأكيد من انها لن تخدعه قط.
وصل أهل عاصم أخيراً الى تلك المشفى بعد ان بحثا عنهما في ثلاث مستشفيات قبل تلك.. فعاصم لم يخبرهم الى اين كان سيأخذها و هاتفه متروك بالمنزل.. فأضطر السائق ان يبحث عن إسمها في عدة مستشفيات قبل تلك.. حتى يجدوهما.
دخل الجميع إلى حيث يقف ليجدوه جالساً بجانب باب غرفة العمليات دون حديث ولا اي حركة.. سألوه بلهفة عن حالها و عما رأي الطبيب و علمو منه ما حدث و ما قاله الطبيب.. فجلسوا جميعا ينتظرون بجانب الغرفة في صمت.. كانو ينتظرون برعب أمام غرفة العمليات في إنتظار مميت.. صمت قاتل لا يقطعه سوى شهقات بكاء هنية و هي تحتضن هدى و منة حتى تهدئ بكائهن هن أيضاً..
قاطع هذه اللحظات الأليمة صوت هاتف هدى الذي صدح بإسم آسر الذي غفا دون أن يشعر و هو ينتظر إتصال هدى و قام بالإتصال بها ما أن استيقظ لعمله...
فردت هدى من بين دموعها ..
آسر: ايه يا دودو.. كل دة بتشوفي الصوت.. دة انا قولت نسيتيني.. دة انا نمت و انا مستنيكي يا قلبي و لسة صاحي على المنبه مالقيتكيش رنيتي فكلمتك.
هدى(بدموع و بكاء واضح): آسر.
آسر (انتفض فزعاً): ايه يا هدى.. مالك في ايه..
هدى(و زادت دموعها): آسر تعالى بسرعة.
آسر (وقف بتأهب و قلق): في ايه يا هدى و بتعيطي كدة ليه؟؟
هدى(و هي تشهق ببكاء): سارة يا آسر..
آسر(تأهبت حواسه و قُبض قلبه بخوف على أخته): مالها سارة.. ردي عليا يا هدى مالها سارة؟
هدى(و كأنها لم تجد شيئاً آخر لتقوله): وقعت من على سلم البيت.. تعالى يا آسر تعالي الحق سارة.
آسر: احنا جايين فوراً.
اغلق الهاتف و توجه لغرفة والديه ليوقظهما...
آسر (و هو يطرق الباب بعنف): بابا اصحى.. يا ماما.. اصحو بسرعة.
سعاد(من فوق فراشها): ايه دة فيه ايه...
جميل: ايه يا آسر في ايه ع الصبح.
أسر: افتح يا بابا بسرعة.
جميل(فتح الباب بعيون مغمضة ناعسة): ايه.. ايه يا آسر مالك بتخبط كدة ليه؟ الدنيا اتهدت ولا ايه؟؟
آسر: احنا لازم نسافر سوهاج حالاً.
سعاد: في ايه يا آسر.. ايه اللي حصل؟
آسر: سارة يا ماما.
سعاد(بلهفة ام تغمر أبنائها بحنانها): مالها سارة يا آسر؟؟ ما تنطق.
جميل: اختك مالها يا آسر..
آسر: في المستشفى... وقعت من على السلم و نقلوها للمستشفى و حالتها ماتطمنش.
سعاد(ضربت على صدرها): حبيبتي يا بنتي.
جميل: طيب ياللا.. ياللا نغير هدومنا و نروحلها بسرعة.. ياللا.
و بالفعل خلال ربع ساعة كان ثلاثتهم بداخل السيارة يتجهون لسوهاج...
==============================
أما بداخل ذلك المشفى الخاص الكبير بمحافظة سوهاج.. و الذى أصر عليه عاصم نظراً لكونها اكبر مشفى خاص بالمحافظة حتى تتلقى سارة أفضل عناية طبية ممكنة..
كان الجميع ينتظر أمام غرفة العمليات في صمت لا يقطعه سوى شهقات و بكاء هدى و هنية و أيضاً منة التي قد كونت بداية صداقة جديدة مع سارة.. و أيضاً لم تحملها سارة ذنب ما فعله كريم أخيها بها..
فمنة فتاة رقيقة مهذبة لا تشبه أخيها في أي شئ.. و اندمجت في علاقة هدى و سارة بكل سهولة.. و هذا هو ما لفت نظر منة.. فمنة لم تكن تعلم ما فعله أخيها بسارة.. و لكن سارة علمت.. و مع ذلك تعاملت معها بكل ود.
كانت تبكي وحدها فذهبت لخالتها الحاجة هنية و هي تنظر أرضاً بخجل و خزي من كون كريم شقيقها هو الذي تسبب في تلك كارثة..
منة: خالتو..
هنية(نظرت لها بتعب): ايوة يا منة يابتي.. عايزة حاچة؟؟
منة: خالتو انا ماليش دعوة باللي حصل دة.. و الله العظيم لو كنت أعرف أن كريم ناوي على حاجة زي دي ما كنت سكت أبدا و كنت قولتلكم.
أنا عارفة أن كريم غلط و غلطة مش هينة.. و مش هادافع عنه هو يستاهل اي عقاب أبيه عاصم يشوفوه.. انا بحب سارة اوي.. و بجد زعلانة اوي على اللي حصل لها..
ثم ارتفعت شهقاتها ببكاء مرير خجلاً من أفعال أخيها و خوفاً على صديقة جديدة قد اكتسبتها للتو.. ففتحت هنية لها ذراعها الأخر فركضت إليه ليزداد بكاءها أكثر تحت أنظار الجميع..
فأكملت بنحيب...
منة: انا عرفت كل حاجة.. عرفت أن كريم كان يعرف سارة في أمريكا و كان خطبها من أهلها كمان.. و عرفت ان هو اللي كان السبب في حالتها دي و ضياع عينيها.. بس ماعرفش ازاي.
عاصم(و الذي كان يتابع حوارهم و لم يتدخل حتى الآن): و انتي عرفتي منين كل دة.. سارة اللي قالتلك؟؟
منة: لا.. بس من كام يوم كنا قاعدين مع بعض في الجنينة و هدى قامت عشان تكلم آسر و بعدها كريم شاورلي و قالي اسيبه لوحده مع سارة.
مش عارفة ليه مامشيتش و وقفت اسمع كلامهم.. و سمعته بيقول لها انها تروحله الأوضة أو هايفضحها قدام البيت كله..
تكورت يد عاصم بغضب حتى برزت عروقها.. و احتدت عيناه بشعلة الانتقام.. فسأل الحاج عبد الرحمن منة بإستفسار....
عبد الرحمن: و هو كيف كريم كان هو السبب في اللي حُصل لسارة؟؟
منة: ماعرفش ياعمي.. هما ماقالوش ازاي.. بس قالتله أن هو السبب و هو ماعترضش.. بالعكس كان بيعتذرلها كتير..
هدى(خرجت من حضن أمها لتقول ببكاء): كريم كان خطيبها.. و في يوم....
ثم قصت على مسامع الجميع ما حدث يوم الحادث و الذي قصته سارة لها حتى ارتطمت سارة بالشاحنة...
هدى: و لما خرجت من البيت ولا العمارة دي كانت بتجري.. ماخدتش بالها ان كان في عربية نقل كبيرة جاية بسرعة.. فخبطتها..
هنية(بحزن عليها و غيظ منه): اخس عليك يا كريم و على ربايتك.. بجى انت تعمل كل دة..
منة: انا مش مستغربة من اللي كريم عمله.. كريم متدلع و ماعندوش حدود ولا حلال و حرام.. انا بس صعبانة عليا سارة.. سارة طيبة اوي و ماتستاهلش كدة ابدا..
عاصم(لعبد الرحمن): ابوي.. كلم عديلك ياچي اهنا دلوجت حالا.
عبد الرحمن: ناوي على ايه يا عاصم ياولدي؟؟
عاصم: ناوي اربيله ابنه طالما هو ماعرفش يربيه.. اتصل عليه خليه ياچي حالا يابا.. جبل ما سارة تفوج من نومتها يكون جدامي هو و مرته(ثم رفع سبابته بوعيد لكريم) الله في سماه يابوي لو ما كانو اهنا جبل الضهر لأكون باعتلهم رمة ولدهم في شوال.. و انت خابرني عاد لما احلف.
عبد الرحمن: خلاص خلاص يا ولدي.. هاكلمه ياچي..
عاصم: هو و مرته.
عبد الرحمن: حاضر يا ولدي.. اللي تشوفه.
و بالفعل قام الحاج عبد الرحمن بمهاتفة عديله و طلب منه الحضور على وجه السرعة.. و بدون معرفة الأسباب.. ثم عاد الجميع للإنتظار في صمت و دعاء حتى خرجت إحدى الممرضات أخيراً تقول بسرعة و عملية..
عاصم: سارة عاملة ايه؟؟
الممرضة: ماعنديش تفاصيل.. الدكاترة معاها و ربنا يستر.. حالة الجمجمة صعبة اوي.. بس احنا دلوقتي محتاجين دم.. فصيلتها...
عاصم(قاطعها قبل أن تكمل): اني هاديها.
الممرضة: بس فصيلتها...
عاصم(قاطعها ثانية): انت فصيلتي O+ .. يعني ينفع تدي لأي حد.
الممرضة: طيب تعالى معايا على المعمل..
ذهب معها ليتبرع لسارة بدمه.. و لو أرادت أن تأخذ روحه و قلبه لن يتأخر عن ذلك.. أنهى مهمته و عاد لعائلته بتعب قلبه و روحه.. فاستقبلته والدته بلهفة..
هنية: تعالى يا ولدي اجعد ارتاح.. يا حاچ شيع حد يچيبله حاچة يأكلها ولا يشربها..
عاصم(و هو يجلس بتعب): لا يا اما مالياش نفس.
هنية: يا ولدي عشان تعوض الدم اللي خادوه منيك.
عاصم: انى زين ياما مافياش حاچة جولتلك.
عبد الرحمن: يا ولدي تتعب اكده.
عاصم: ماتخافش يابوي.. اني كويس.
و بعد ساعتين تقريباً خرج جراح المخ من الغرفة ليركض الجميع إليه بلهفة و يسأله عاصم أولا..
عاصم: طمنا يا دكتور.. سارة عاملة إيه؟
الطبيب: انتو اهلها؟؟
عبد الرحمن: ايوة يا ولدي.. اني ابجى الحاچ عبد الرحمن المنياوي عمدة كفر المنياوية.... و ده عاصم المنياوي ولدي.. اكيد تعرفنا..
الطبيب: طبعاً طبعاً يا حاج.. غني عن التعريف..
عاصم(دون إهتمام لما يُقال): سارة عاملة ايه؟؟
الطبيب(بعملية): مش هاقدر اخبي عليكم... حالتها صعبة اوي.. عندها شرخ في مؤخرة الجمجمة و شبه تهتك في فروة الراس..
احنا الحمد لله قدرنا نسيطر على كل شئ حتى النزيف وقفناه.. لكن...
صمته جعل الخوف يدب مرة أخرى بقلوب الجميع بعد أن طمأنهم...
هنية: لكن إيه يا ولدي..
الطبيب: حالتها لسة صعبة و مش مستقرة.. احنا هاندخلها العناية المركزة و هاتفضل فيها لحد ما تتحسن..
عاصم: ننجلها مصر ولا بلاد برة حتى..
الطبيب: صدقني يا عاصم بيه مافيش داعي.. مافيش حاجة ممكن تتعمل اكتر من اللي عملناها.. احنا بس مش هاتقدر نفوقها الا لما الشرخ دة يلم.. فهي هاتكون غايبة عن الوعي طول الفترة الجاية.. أن شاء الله خير يا جماعة.. عن اذنكم.
هدى: يا حبيبتي يا سارة..
منة: ربنا يسامحك يا كريم.. ربنا يسامحك...
تم نقلها بالفعل إلى غرفة العناية الفائقة و انتقل الجميع معها إلى هناك.. كان يقف أمام الغرفة بلا حول ولا قوة.. كان يقف أمام غرفتها يفصل بينه و بينها لوح زجاجي يراها عبره.. لم يبرح مكانه و لم ترمش عينه عن رؤيتها و لو لحظة واحدة..
كانت نائمة بلا أي حراك.. رأسها ملفوف كلياً بالشاش الطبي.. موصلة بالكثير من الأجهزة و الأنابيب التي تقريباً تخفي جسدها الهزيل.. ظل يراقبها عبر ذلك اللوح الزجاجي لمدة قاربت الخمس ساعات...
بعد مدة.. انتبه الجميع لصوت السيدة سعاد و هي تتجه نحوهم بلهفة و خوف ام.. و اتجه آسر نحو عاصم الذي لم يتحرك لاستقبالهم فعلم أن شقيقته هناك حيث يقف عاصم...
سعاد: بنتي.. بنتي فين.. سارة فين؟؟
هنية: اهدي يا خيتي.. اهدي و ادعي لها..
سعاد(ضربت صدرها بفزع): بنتي.
هنية: بتك زينة.. بجيت زينة والله..
جميل: سارة جرالها ايه... ماحد يرد علينا.
عبد الرحمن: وجعت من على السلم يا جميل ياخوي.. و چيبناها على اهنا.. و الضاكتور طمنا عليها.. و زمناته چاي و ابجو اطمنو منيه بنفسيكم...
سعاد: هي فين.. عايزة اشوفها .
هدى: هنا يا طنط تعالي شوفيها.
تحركت سعاد مع جميل حيث يقف عاصم و آسر.. و دون قصد دفعا عاصم بعيداً و الذي لم يكن لديه اي طاقة للمقاومة فوقف مستندا بظهره إلى الجدار.. و أسند رأسه بتعب إلى الحائط...
دمعت عيني جميل و انتحبت سعاد بخوف على ابنتيهما.. و ظلا يتأملا حالتها التي يرثى لها... و كان آسر يقف بجانبهما و لكن شيئاً بداخله أخبره أن هناك ما يخفيه الجميع عنهم.. فسألهم بشك..
آسر: و هي وقعت لوحدها كدة؟؟
هدى(بتلعثم): أصل.. أصل انا سمعت صوت برة اوضتي و لما خرجت لقيتها واقعة تحت السلم.. فـ.. فالبيت كله صحي و.. وجيبناها هنا على طول.
نظر لها بشك خاصة بعد أن سمع نبرتها المتلعثمة و عيونها التي تتجنب عيناه فعلم انها تخفي شيئاً لربما ظنت انه لن يكون وقت مناسب للبوح به..
آسر: و إيه أصلا اللي كان خرجها من اوضتها في وقت متأخر زي دة.. و بعدين سارة بقالها اكتر من شهرين عايشة في البيت يعني خلاص حفظته صم.. يبقى ازاي تقع وقعة زي دي؟؟
نظر الجميع لبعضهم بتوتر فتأكدت شكوكه.. أن ما حدث غير ذلك.. فنظر لعاصم الذي لم يحرك ساكناً و لم ينطق بكلمة واحدة حتى فوقف أمامه و سأله بعد أن نظر في عينيه مباشرة ليجدها تقطر شراً و غضباً..
آسر: عاصم.. ايه اللي حصل لأختي؟؟ بقى هي دي الوصية اللي انا وصيتهالك... هو دة كان اتفاقنا؟
لم يرد عاصم لشعوره بالخزي التقصير فأكمل آسر بإصرار..
آسر: هاسألك سؤال واحد بس.. انت لو مكاني هاتبقى محتاج تعرف الحقيقة ولا لا؟؟
و بالفعل.. قام عاصم بوضع نفسه مكان آسر ليعتدل و يسحب آسر لمكان بعيد عن الجميع و يقص عليه ما حدث بالتفصيل.. فاحتدت عينا آسر أيضاً و قال بجمود..
آسر: و هو فين دلوقتي؟؟
عاصم: حابسه في البيت عندي مع الغفر.
آسر: عايز اشوفه.. (و رفع سبابته أمام وجهه بوعيد) و اوعى تكون فاكر أنه عشان يبقى قريبك اني ممكن أرحمه.. مستحيل.. فاهم يا عاصم.. مستحيل.
عاصم:و لما تشوفه هاتعرف أن انا اللي مش هارحمه..
آسر: عايز اشوفه.
عاصم(بتردد): بس قبل ما نروح لازم تعرف هو يبقى مين؟
آسر: يعني ايه يبقى مين؟؟ مش بتقول ابن خالتك.
عاصم: اسمه كريم.. كريم امين حسن.
جحظت عينا آسر بصدمة و دهشة..
آسر: انت بتقول مين..
عاصم(زفر بتعب): زي ما سمعت.. ابن خالتي يبقى كريم امين حسن.. اللي كان خاطب سارة و كان السبب في اللي حصل لها.
آسر: و انت عرفت كل دة منين؟
عاصم: مش مهم دلوقتي عرفت منين.. المهم انت لسة عايز تشوفه؟
آسر (بإصرار و غضب): ايوة لسة عايز اشوفه.
عاصم: تعالى معايا..
و اتجها معا نحو المصعد فلحقهم عبد الرحمن و سألهم...
عبد الرحمن: عاصم؟؟
عاصم: حجه يابوي...
عبد الرحمن: عارف أنه حجه.. بس بلاش تهور يا ولدي.. ماتودوش روحكم في داهية عشان كلب زي ده.
عاصم: ماتخافش يابوي.. مش هانتهور.. ولا هانتأخر..
خرجا معا من المشفى و اتجها إلى المنزل و عاد عاصم بذاكرته إلى تلك الليلة حينما صراحه آسر بما يشعر به تجاه هدى...
Flash back...
عاصم: انت عايز تتجوز هدى اختي؟
آسر: ايوة.. و متاكد اني هاكون اسعد انسان في الدنيا لو دة حصل..
عاصم(نظر له بتفحص): و ياترى هدى رأيها ايه؟
آسر(و قد فهم مقصده): طبعا أنا فاهم أن سؤالك بيحمل معنى خفي و هو ان انت عايز تعرف اذا كنت انا و هدى على علاقة ببعض ولا لا..
لكن احب اقولك أن لا... انا لا كلمت هدى ولا هي تعرف اي حاجة عن اللي انا بكلمك فيه دة دلوقتي.. كل الحكاية اني حاسس براحة ناحيتها و انا انسان دغري ماحبش اللف و الدوران.
فأول ما حسيت بمشاعر ناحيتها قلت اني لازم اخد خطوة رسمي.. و كلمت سارة فوراً.
عاصم: طيب و سارة رأيها ايه؟
آسر: سارة موافقة طبعا.. هي بس كانت معترضة على التوقيت.. و فعلا اضطريت اسمع كلامها و استنى الوقت اللي هي شافته مناسب.. و الوقت دة كان من اسبوع و هي كانت هاتاخد رأي هدى و بعدين تفاتحك و الحاجة هنية و الحاج عبد الرحمن كمان و بعدين تديني اوكي..
بس للاسف مالحقتش.
عاصم: و الله يا آسر انا شخصياً ماعنديش مانع.. انت راجل محترم و مهندس شاطر و اخلاقك مايختلفش عليها اتنين.. بس طبعا أنا رأيي لوحدي مش كفاية.
آسر: اكيد طبعا.. انا عارف انك لازم تاخد رأي هدى و الحاج و الحاجة كمان..
عاصم: طيب بما انك فتحت موضوع الجواز بقى.. فأنا كمان عايز اطلب منك ايد سارة .
آسر: نعم.. سارة؟؟
عاصم: ايه يا باشمهندس آسر مانيش جد المجام ولا ايه؟ ولا يكون جصدك عشان ان شكلي يعني....
آسر(مقاطعاً و بسرعة و دون تفكير): لا طبعا مش قصدي.. لو مش قد المقام ماكنتش اتقدمت انا لهدى.. لا دي ولا دي.. الحكاية مش كدة..
عاصم: امال الحكاية ايه؟؟
آسر: الحكاية أن سارة ظروفها مختلفة و انت فاهم انا قصدي ايه؟
عاصم: قصدك عشان عينيها يعني؟
آسر: ايوة.. هاتقدر تعيش معاها كدة عادي.. و مش هاتيجي في يوم تجرحها ولا تعايرها بدة؟؟
عاصم: هو انت قد كدة شايفني واطي؟؟
آسر: عاصم انت عارف اني ماقصدش كدة.. بس موضوع عينيها دة مش سهل.. هاتقدر تتأقلم معاه من غير مشاكل؟؟
عاصم: هاكون انا عينيها.. انا مش هاكدب عليك.. انا بحب سارة.. مش مجرد اعجاب لا حب.. يمكن ماكنتش متأكد من مشاعري.. بس لما تعبت خوفي و قلقي عليها ماكنش مجرد خوف و قلق عادي ابدا لا.. كان رعب من أنها تبعد عني..
و انا من دلوقتي بوعدك اني هاحميها و اشيلها جوة عينيا.. ها قولت ايه؟
آسر: طيب انت قولتلها..
عاصم: لا... و مش هاقولها دلوقتي خالص.
آسر(بدهشة): ليه؟
عاصم: عشان لو قولتلها دلوقتي هانعمل كل حاجة معاكم.. و انا عايز اعملها كل حاجة ليها لوحدها.. تبقى هي ملكة يومها من غير ما يشاركها معاها اي حد.. حتى لو أختي و اخوها..
آسر (متفاجئاً بكل هذا الحب الذي يظهر في حديثه): قد كدة بتحبها.
عاصم: و اكتر من كدة كمان.. قلت إيه؟
آسر: قولت اني موافق انا كمان.. انا مش هالاقي لسارة حد يحبها و يحافظ عليها زيك..
عاصم: يبقى اتفقنا.. توصل بالسلامة.
Back...
انتهت ذكريات عاصم عندما وصل بسيارته بصحبة آسر إلى منزلهم.. ترجلا معاً و أتجه آسر متبعاً عاصم إلى أن وصلا لغرفة خلف المنزل.. دخلا و وجدا كريم مقيداً ببعض الأحبال و ملقى على الأرض يصرخ من الألم و الغضب..
كريم: فكني بقولك.. دة انا هاخرب بيتك.
حسان: ماعنديش أوامر افكك..
كريم: طيب هاتلي ماية.. عايز اشرب.
حسان: عاصم بيه أمر أنك تتربط اهنه و تتحبس من غير بُج مايه.
كريم: طيب فكني بقى احسن لك.. عشان أنا هاوديك في ستين داهية انت و سي عاصم الزفت بتاعك دة.
دخل عاصم بصحبة آسر ليقاطعا صراخ كريم...
عاصم: تودي مين في داهية يا كريم..
كريم: انت يا عاصم.. انا هاوريك انا هاعمل فيك ايه لما اخرج من هنا.
آسر (و الذي ظهر من خلف عاصم): ماسمهاش "لما" تخرج من هنا.. اسمها "لو" خرجت من هنا.
كريم(متفاجئا بصدمة): آسر..
آسر: ايوة آسر.. وحشتك انا صح؟؟
كريم(ببرود): جدا يا ابو نسب.. بس بصراحة أنا عاتب عليك.. مش كنت تقولي أن اختك اللي هي خطيبتي بتشتغل هنا عند خالتي.. لا و إيه عرفت تلف على ابن خالتي كبير البلد و ابن عمدتها.
لا و كمان بتحب عليا و هي خطيبتي.
آسر(بحدة و غضب): اخرس.. ماتجيبش سيرة اختي على لسانك القذر دة.. انت فاهم؟؟
كريم: ليه مش هي دي الحقيقة؟؟
آسر: لا مش هي دي الحقيقة.. اختي سابتك من زمان.. من ساعة اللي حصل لها بسببك.. ولا نسيت؟
كريم: لا مانسيتش.. بس كمان مانسيتش اني جيتلكم بدل المرة عشرة عشان اعتذرلها و نرجع لبعض و هي حتى ماكنتش بترضى تقابلني.. لحد ما نزلت مصر معاك..
و لما نزلت انا كمان قلت ادور علي عنوانكم و اجي تاني و اتقدملها رسمي تاني يمكن ترضى المرة دي لكن برضه ماقدرتش اوصل لحاجة... و اجي هنا اتفاجئ أنها معلقة ابن خالتي و عايشة قصة حب عظيمة.. ايه الصدفة دي؟؟
آسر (بغضب): تقصد ايه..
كريم(بإستفزاز): أقصد أن كل اللي حصل دة اكيد مش صدفة.. لكن اختك المحترمة خططت و دبرت أنها تعلق ابن خالتي.. طبعا ماهو غني و عنده فلوس تسد عين الشمس.. و بالمرة تغيظني بيه... ولا ايه.
آسر: اخرس يا كلب.. انا اختي اشرف منك و من 1000 واحد من عينتك..
و انقض عليه يلكمه بقبضة يده عدة لكمات مؤلمة أسفرت عن سيلان الدماء من جميع أجزاء وجهه التي لم تكن قد توقفت أصلا من نجوم عاصم الاول عليه.. تركه عاصم يخرج ما بداخله حتى انه كاد أن يقتله لولا عاصم الذي حمل آسر قسراً بعيدا عنه...
عاصم: خلاص يا آسر... كفاية كدة..
آسر: سيبني يا عاصم.. سيبني اخلص عليه..
عاصم: سيبهولي انا يا آسر.. هو كدة كدة لسة حسابه معايا ماخلصش.
كريم(بتعب و إرهاق): ليه.. ما انت خدت حسابك مني فوق.. ولا هي السنيورة طلبت منك تكمل بالنيابة عنها.
جثا عاصم على ركبته و امسك كريم من ياقة قميصه و قال بعيون تنضح غضباً حارقاً...
عاصم: سارة في المستشفى.. بين الحياة و الموت.
كريم(و جحظت عيناه بذهول): انت بتقول ايه؟
عاصم: سارة بتموت بسببك لتاني مرة.. بس المرة دي لو حصل لها حاجة.. صدقني مش هايكفيني فيها موتك.. فاهم.
كريم: انتو كدابين.. سارة كانت في الاوضة.. ماخرجتيش منها.
عاصم: خرجت.. و من قسوة اللي انت عملته فيها ماخدتش بالها من السلم أو نسيت مكانه من اللي هي كانت فيه..
وقعت من عليه و اهي في العناية المركزة دلوقتي.. و حالتها خطيرة.
و على فكرة انا لسة ماخدتش حقي منك لحد دلوقتي.. بس اطمن عليها و ارجعلك اربيك تاني.. ياللا يا آسر.
تركاه وحيداً و غادرا إلى المشفى.. لم يؤنبه ضميره و لم يرمش جفن عينه حتى و لو للحظة واحدة بل إنه فقط لعن حظه الذي جعله يتسبب في أذيتها مرة أخرى و بذلك لا يمكن أن يصدقه أحد أو يتعاطف معه...
وصل عاصم و آسر إلى المشفى ليجد الجميع على حالهم فسألهم عبد الرحمن....
عبد الرحمن: ها يا ولدي طمني..
عاصم: اطمن يابوي.. لساه فيه الروح.
جميل: هو مين دة؟؟
آسر: بعدين يا بابا.. مش وقته.
جميل(بغضب اب مرتعباً على وحيدته): هو ايه اللي مش وقته مش وقته.. انا عايز اعرف دلوقتي حالاً ايه اللي حصل لبنتي.
عاصم: هاتعرف كل حاجة يا عمي..(ثم نظر لوالده) فين الضيوف اللي المفروض يجو يابوي.
عبد الرحمن: على وصول يا ولدي.. كلها ساعة ولا اتنين و يكونو اهنه..
عاصم: زين.. يبجى كلها ساعتين و تعرف كل حاجة يا عمي..
جميل: و ليه مش دلوقتي..
أسر: ماتستعجلش يا بابا.. تعالى انت اقعد ارتاح شوية عشان ماتتعبش.
تبعه جميل مرغما ليجلس على المقعد بجانب زوجته التي كانت تبكي بحرقة و خوف على ابنتها... ظل الجميع في حالة صمت و دعاء لتلك المسكينة القابعة فوق الفراش بلا حول ولا قوة..
ياترى إيه اللي هايصل بعد كدة..
اهل كريم جايين اهم طيب ليه و هايبقى رد فعلهم إيه على عمايل ابنهم..
منة ليها دور معانا ولا خلاص كدة..
و كريم مصيره إيه...
و سارة هاتفوق امتى...
و إيه السبب اللي عاصم كان فاكر ان آسر ممكن يرفضه عشانه.. يا ترى إيه