رواية دوائي الضرير الفصل الثامن عشر18 بقلم نرمين ابراهيم
الفصل الثامن عشر..
و في خلال ساعتين ربما أكثر وصل الأستاذ أمين والد كريم و بصحبته زوجته السيدة مهجة مع إبنهما الكبير الذي أصر على مرافقتهما عندما علم بمدى إصرار الحاج عبد الرحمن بحضورهما إلى المشفى و بدون إبداء أسباب.
دخل ثلاثتهم إلى المشفى و صعدوا جميعاً إلى الطابق الذي ارشدهم له موظف الاستقبال.. ليجدوا ذات المنظر السابق.. فلم يحرك أحدهم ساكن....
لم يهتم أهل سارة بالحضور فهم لم يكونوا يعرفونهم لذلك فقد استقبلهم الحاج عبد الرحمن فقط.. فحتى عاصم و الحاجة هنية لم يقفا لإسقبالهم ولا إستقبال شفيقتها الوحيدة...
أمين: السلام عليكم يا حاج عبد الرحمن.
عبد الرحمن: و عليكم السلام يا حاچ امين.. حمد الله علي السلامة.
أمين: الله يسلمك يا حاج.. خير يا ابو عاصم؟؟ جايبنا على ملى وشنا كدة ليه؟؟ و في مستشفى كمان.. خير ايه اللي حصل..
مهجة: حد من العيال جراله حاجة؟
ثم وقعت عينها على منة جالسة و تنظر لهم بخيبة أمل لم تلاحظها مهجة فتوقعت أن كريم مريض فسألتهم بخوف...
مهجة: امال فين كريم.. كريم فين.. جراله ايه؟؟
هنية: كريم زين.. احنا مش هنا عشان كريم.. احنا هنا عشان سارة..
مهجة(بتعجب لأنها لم تسمع هذا الإسم من قبل): سارة؟!! سارة مين.. و كريم فين.. انا مش فاهمة حاجة.
عبد الرحمن: الحديت ماعينفعش اهنه..
عاصم: لا يابوي.. الحديت هايبجى اهنه.. و جدام الكل عشان ماحدش يلوم عليا في اللي هاعمله.
شاكر(الاخ الأكبر لكريم و منة): تعملي ايه؟! في ايه يا عاصم.. إيه اللي حصل؟!!
عاصم: اللي حصل كبير جوي جوي يا ولد خالتي.
شاكر(بنفاذ صبر): ممكن بقى تبطلو الغاز و حد يقولنا في ايه بالظبط؟
آسر: حاضر أنا هافهمك.. في أن أخوك لما كان في امريكا اتسبب لأختي في عاهة سابتها ضريرة.. مابتشوفش.. و مش كدة و بس دة كمان جه لحد هنا عشان يكمل عليها.
جميل: آسر ايه الكلام اللي انت بتقوله دة.. و كريم ايه علاقته بالناس دي؟!!
آسر: حالاً هاتفهم يا بابا.
بدأ آسر في قص ما حدث بين شقيقته و كريم في الولايات المتحدة على مسامع الجميع.. حتى أصابهم الذهول من خسة ذلك الذي يدعى كريم..
ثم أكمل عاصم و قص ما حدث منه في تلك الليلة الماضية العصيبة و الذي كاد ان يتسبب في كارثة أخرى او بالفعل قد حدث.. فها هي أفعال كريم الخسيسة قد تركت سارة مرة أخرى على فراش العناية المركزة بين الأجهزة..
و لكن والدة كريم لم تكن لتصدق على ولدها أي كلمة سوء.. فجهرت مهجة والدته بعدم تصديق..
مهجة: لا مش ممكن.. مستحيل كريم ابني يعمل كدة.
آسر: لا عمل.. و عمل العن من كدة..
مهجة: بقولك مستحيل.. كريم عمره ما خطب ولا عمره جاب لي سيرة عن إنه عايز يتجوز حتى.
آسر(بغضب): كمان.؟!! يعني هو كان بيضحك علينا لما قالنا إنه مكلم أهله على سارة و أنه هايجيبهم و يجي يتقدم لها اول ما نرجع مصر.
كور عاصم قبضة يده حتى يحتوي غضبه من حديث آسر.. فتلك القصة القصيرة أشعلت بداخله نيران الغيرة على محبوبته كأي رجل لا يستطيع أن يتحمل سماع أي حديث عن أي علاقة سابقة عن حبيبته حتى لو كانت في إطار شرعي...
عاصم: خلاص يا آسر مش وقته الكلام دة .
آسر: لا وقته يا عاصم.. عشان يعرفوا ابنهم عمل ايه و بيعمل ايه و يعرفو هما مربينه ازاي.. دة لو كانو ربوه اصلا..
شاكر: ما تحترم نفسك بقى.. احنا ساكنين لك من الصبح... و بعدين احنا ماكناش معاكم عشان نقدر نحكم.. مش يمكن اختك هي اللي جابته عندها خصوصاً أن عاصم بيقول أن الباب كان مقفول بالمفتاح..
عاصم(وقف أمامه بغضب و هدده بشكل صريح): كلمة كمان في حقها و هاعمل فيك زي ما هاعمل مع اخوك و يمكن اكتر كمان..
ماتختبرنيش يا شاكر عشان انت عارفني كويس اوي.
شاكر(بغضب مساوي لغضب عاصم): هي حصلت يا عاصم بتهددني.. بتهدد ابن خالتك؟! و عشان مين.. عشان واحدة مانعرفهاش.. واحدة الله اعلم اخلاقها.....
عاصم(بصوته كله): شاكر.. حاسب على كلامك.. و صدقني يا شاكر مش تهديد.. بس قسماً بالله اللي هايجيب سيرتها بكلمة واحدة لأكون انا اللي واقفله.
ظل اثنتيهما ينظران لبعضهما بغضب و تحدي كبيرين حتى سمعا صوت امين يقول...
أمين: و حتى لو كان كلامكم دة صحيح.. كريم راجل مايعيبوش حاجة.. إنما بنتكم بقى ايه اللي يوديها لبيت راجل غريب عايش لوحده.. حتى لو كان خطيبها.
عاصم(هز صوته جدران المشفى بغضب): عم امين.. هاقولها تاني و لأخر مرة.. و الكلام ليكم كلكم... قسما بعزة جلال الله لو حد جاب سيرتها بكلمة عفشة لأكون ناسي سنه و مجامه و ساعتها هاتشوفو زعلي اللي بيحرق اي حاچة قدامه.. و اللي ماحدش لساته شاف منه أي حاچة.
جميل(بغضب و غيرة ابوية): بقولك إيه يا راجل انت.. انت كلمة كمان و هاكون مبلغ عنك انت و ابنك و هاوديكم في ستين داهية.. كله الا شرف بنتي.
عاصم: و من غير بلاغات ولا دياولو.. كدة كدة كريم حسابه معايا انا مش مع حد تاني.
عبد الرحمن: بلاش كلام مالوش لازمة يا أمين.. سارة معاشرانا بجالها مدة.. و اخلاقها ماتتخيرش عن هدى و منة..
و خد بالك انت عنديك بت اوعى تخوض في أعراض حد.. فاهم يا امين؟!
أمين: بس انا بنتي مش ممكن تعمل كدة و تروح لشاب في بيته حتى لو معاه أهله كلهم.
وقفت منة أخيراً و قررت أن تخرج عن صمتها الذي طال حتى توقف أبويها أمام نتيجة تربيتهما الغير سوية لأخيها...
منة: صح.. انت معاك حق يا بابا انا مش ممكن اعمل كدة.. عشان انتو ربتوني كويس.. كويس اوي.. انتو استثمرتو كل اللي تعرفوه عن التربية فيا انا.. انا وبس.
ثم اكملت بدموع القهر من قسوة ابويها عليها...
منة: لكن كريم لا.. دة ولد و انتي بنت.. دة راجل.. فبقى يعرف بنات عادي.. تمسكه انت بنفسك كذا مرة بيتفرج على مواقع مقرفة عادي.. مايتعاقبش على اي غلطة يعملها مهما كانت صغيرة او كبيرة و برضه عادي.. يمشي مع دي و يكلم دي و عادي..
مهجة: ايه اللي بتقوليه دة يا بت انتي.. اخرسي و اتكلمي عن اخوكي كويس.. إيه الكلام الفارغ دة؟
منة: دة مش كلام فارغ.. دي الحقيقة يا ماما.. الحقيقة اللي انتو مش عايزين تشوفوها ولا تقتنعو بيها.. ولا بتزعلو من الحقيقة.. مش هي دي نتيجة تربيتكم ليه على أنه ولد مابيغلطش و لو غلط عادي نعديله.. لحد ما خلاص بقت كل حاجة متاحة بالنسبة له..
لدرجة أنه حتى ماحترمش حرمة البيت اللي قاعد فيه.. و راح يساوم واحدة ضريرة و بسببه عشان يا اما تروحله اوضته بالليل يا اما يفضحها قدام البيت كله و يقول انها هي اللي عايزاه..
شاكر: انتي بتقولي ايه؟
منة: بقول اللي حصل.. انت ترضاها يا شاكر.. ترضاها عليا اكون عند حد و قافلة اوضتي عليا و يجي واحد واطي و ندل يدخل عليا اوضتي و يتهجم عليا و لما أصحاب البيت يلحقوني منه يقولهم أن انا اللي كنت جايباه عندي.. ترضاها عليا يا شاكر؟؟
شاكر: ايه اللي بتقولي ايه؟؟ مين اللي عمل كدة.
منة: كريم.. اخوك المحترم اللي ابوك و امك سفروه امريكا يكمل تعليمه و هو رايح يشقط بنات.
فاجئتها مهجة بصفعة قوية على وجهها دوى صوتها في أرجاء المشفى...
مهجة: اخرسي.
منة(وضعت يدها على وجنتيها بألم ثم صرخت بكل قوتها): اخرس ليه؟ و بتضربيني ليه؟؟ بتضربيني عشان بقول الحقيقة.. ولا نسيتي لما كنت اقولك اني عايزة اطلع رحلة مع صحابي و تقوليلي لا مش معايا فلوس و يجي ابنك الحيلة ياخد منك كل اللي معاكي عشان يخرج مع صحابه يوم..
ولما اقولك ما انتي معاكي فلوس اهو تقوليلي ماعندناش بنات تطلع رحلات.. كنتي بتمنعيني من ابسط حقوقي لمجرد اني بنت.
يصرف هو في يوم اللي انا ممكن اصرفه في اسبوع بس انا اللي مسرفة و وحشة.. يجي اخر الليل و يمكن وش الصبح كمان و يصحيني من احلى نومة في عز البرد عشان احضرله عشا.. و لو اعترضت يمد أيده عليا و انتو تشجعوه.. و ابقى انا اللي غلطانة عشان مش قادرة اقوم من عز نومي عشان اخدم سيادته..
ماهو الراجل يرتاح و انا مش مهم.. في ستين داهية..
اشربو بقى..
و انت يا بابا.. نسيت لما كان يجي يضربني عشان مش فاضية اعمله شاي ولا حاجة ياكلها عشان عندي امتحان تاني يوم.. و بدل ما تحوش عني و تقوله مايمدش أيده عليا لا.. تزعقلي انا عشان هو الراجل اللي حرام يدخل المطبخ يعمل لنفسه ساندويتش.
اللي كريم عمله دة مجرد واحد في المليون من نتيجة تربيتكم الغلط ليه.. مجرد واحد في المليون من اللي لسة هاتشوفوه.
ثم اقتربت من عاصم بدموعها...
منة: ابيه عاصم.. انت لو ناوي تبلغ عنه انا هاشهد مع سارة.. و هاقول على اللي سمعته بينهم يوم ما كانو في الجنينه..
أمين(بصدمة): هاتسجني اخوكي يا منة.. هي حصلت.. وصلت للدرجة دي.
منة: ايوة حصلت... و ايوة وصلت للدرجة دي.. يمكن السجن يربيه طالما انتو مش عارفين تربوه.. انا هاعمل اي حاجة عشان سارة.. سارة ماتستاهلش ابدا اللي عمله معاها كريم... مافيش اي واحدة في الدنيا تستاهل اللي كريم عمله في سارة أبداً.. أبداً.
و شهقت بالبكاء فاحتضنها عاصم بحب أخوي حتى تهدأ.. فتلك الصغير قد عانت كثيراً من معاملة أهلها لها و التفريق بينها و بين اخويها لمجرد أن الله اراد لها أن تكون أنثى..
تسائلت مهجة في قلق.. فما قاله و أقره الجميع من أفعال كريم المشينة و هنا في إحدى محافظات الصعيد جعل قلبها ينتفض لمجرد الفكرة التي قفزت في عقلها عما قد يحدث له كعقاب على ما فعله...
و ليس كأي عقاب.. فهذا هو عمدة البلد و ولده الذي يحترمه كبيرها قبل صغيرها.. لا يخافا في الحق لومة لائم.. فسألت بصوت متوتر..
مهجة: ماحدش برضه رد عليا.. كريم فين.. ابني فين؟؟
عبد الرحمن: كريم غلط غلطة واعرة جوي.. و لازمن من رد و عجاب عليها.. اللي عمله ماهواش هين ولا صغير..
أمين: يعني ايه.. ابني فين يا حاج عبد الرحمن.. انا مش هامشي من هنا إلا اما اعرف هو فين و عملتو فيه ايه؟؟
عاصم: هو فين.. أكيد مش هاجولك.. عملنا فيه ايه.. فاللي عملته فيه ماياچيش نجطة في بحر اللي لسة هاعمله.. لسة.
أمين: بس انا لازم....
عاصم(قاطعه بحسم): شرفت و نورت يا عم أمين.. تجدر تاخد مرتك و عيالك و تمشي.
منة: انا مش هامشي من هنا إلا لما اتطمن على سارة..
امين(بغضب): ياللا يا بنت انتي..
منة(نظرت لعاصم برجاء): مش هامشي يا ابيه.
عاصم(بنبرة مطمئنة): خلاص.. خليكي يا منة انتي.
أمين: ايه هاتعصي أوامري كمان يا ست منة..
منة: لا يا بابا.. لا عشت ولا كنت... بس انا خايفة على سارة و بجد مش هقدر امشي من هنا غير لما اطمن عليها..(ثم عادت و نظرت لزوج خالتها) عمي عبد الرحمن ارجوك خلي بابا يسيبني هنا لحد ما اطمن على سارة.. عشان خاطري.
عبد الرحمن(بشفقة لحالها): حاضر يا منة حاضر يابتي.. خليكي معانا لما نطمنو عليها..(ثم نظر لأمين بحزم) خليكي معانا.
تقدمت مهجة ببطء نحو شقيقتها التي كانت تجلس بجانب امرأة لا تعرفها و تحتضن هدي ابنتها التي لازالت تبكي في صمت...
مهجة: هنية.. هنية ياختي.. انتي أم... عشان خاطري ورحمة ابوكي و امك لاتقوليلي ابني فين و عاصم عمل فيه ايه..
هنية(بجمود دون حركة واحدة): اللي عمله ولدك كبير جوي يا مهچة.. و انتي خابرة الصعيد زين.. و خابرة واحد كيف ولدك و عمل اللي عمله ده يبجى عجابه كيف.. و عشان اني ام و عندي زي اللي نايمة چوة دي.. ماهجولش حاچة.
مهجة(بخوف و دموع بدأت تسقط خوفاً على إبنها): احب على يدك يا خيتي.. احب على يدك.. جولي لعاصم يسيبه و اني هاخده و اسافر و ماهاچيبهوش هنا تاني واصل..
هنية: كان لازمن تربيه زين و تعلميه الصح من الغلط و الحلال من الحرام... تعلميه ان في حرمة للبيوت.. تعلميه ان عنده اخت بنت لازم يخاف عليها و يخاف على اللي زيها.
كان لازم تعلميه ان في ربنا شايف و عارف اللي في ضميرنا.. و ان اللي بيعمله ده أكبر حرام..
إنما انتي سيبتيله الحبل على الغارب كيف ما بيجولو.. سيبيه لعاصم يمكن يعلمه اللي انتي ماعرفتيش تعلميهوله..
هنية: عشان خاطري يا خيتي دة ضنايا.. ده ضنايا و الضنا غالي.
كانت سعاد تستمع لكل ما حدث بصمت تام و لم تتدخل منذ وصولهم.. فقد كان الحاج عبد الرحمن و عاصم ابنه قبل حتى آسر و جميل يدافعون بإستماته عن سارة و عن حقها و عما حدث لها..
و أيضاً اطمئنت أكثر عندما رأت موقف منة اخت كريم.. فلم تجد داعي لتدخلها.. و لكن حديث مهجة استفزها للغاية فلم تقدر أن تصمت أكثر من ذلك...
سعاد: و انا كمان ضنايا غالي..
مهجة(نظرت لها بجهل و تسائلت): انتي مين؟
سعاد: انا ابقى ام سارة.. البنت اللي ابنك قتلها مرة قبل كدة و جاي دلوقتي عشان يدبحها تاني..
مهجة: قصدك ايه؟
سعاد(وقفت و قالت بحرقة ام على ابنتها الذبيحة): ابنك اتسبب لبنتي في عاهة وقفت حياتها اكتر من سنة و نص.. جالها في المستشفى بكل بحاجة ولا كأنه عمل أي حاجة..
جاي يقف معانا بكل جبروته بعد اللي عمله و احنا اللي فضلنا نقول عليه ابن اصول أنه ماسبناش في وقت زي دة..
و بعد ما فاقت سارة و اكتشفنا إن عينيها راحت و أنها.. أنها بقت مابتشوفش.. ضميره ما اتهزش شعرة واحدة عشان يجي يعترف بالمصيبة اللي عملها..
و بعد كام يوم لما قدرت تتكلم و حكتلنا على عمله.. ما أنكرش.. بالعكس بكل بجاحة جاي يقول انه راجل مايعيبوش حاجة و أنه شاب و ليه احتياجات و دي غلطة عادية.
طيب و بنتي.. بنتي اللي شافت خطيبها اللي هيبقى جوزها و اللي بقى جزء كبير اوي من حياتها في اوضة نوم و مع واحدة غيرها و هما لسة مخطوبين و يا عالم كان ممكن يعمل فيها ايه لو كانو اتجوزو.
صدمتها فيه اللي خلتها تنهار.. حبها اللي لسة كان بيتولد و جه قتله هو بكل قسوة..
ايه.. كل دة مالوش تمن؟؟
و ياريته اكتفى بكدة.. لا دة جاي بعد 3 سنين عشان يكمل عليها و يعتدي عليها و يضيعها و كمان يسوء سمعتها... فلوس انتي ضناكي غالي عليكي قيراط انا بنتي تساوي عندي الدنيا و مافيها.
يبقى لا كفاية... كفاية بقى.
اقترب منها جميل ليحتضنها حتى تفرغ حزنها و قلقها الممزوج ببكاءها و دموعها بين احضان زوجها الذي لا يقل قلقه عنها..
لم تجد مهجة ما تقوله و اقتنعت اخيرا هي و زوجها بمدى فداحة ما فعلوه مع كريم و نتيجة تدليلهما المبالغ فيه..
شاكر: ياللا يا ماما.. ياللا نمشي.
مهجة(بخوف): و اخوك يا شاكر.
شاكر: أنا ماعنديش كلام زيادة عن اللي اتقال دة عشان اقوله.. بس طول عمري بقولكم إن تربيتكم لكريم غلط.. دلعكم ليه غلط.. الفلوس اللي مالهاش حساب دي غلط.. صحابه اللي ماتعرفوش عنهم حاجة غلط..
بس ماحدش كان بيسمع كلامي.. و دلوقتي خلاص الموضوع انتهي.. يبقى ياللا بينا و انا عارف ان لا عاصم ولا عم عبد الرحمن هايأذو كريم.. ياللا..
و بالفعل رحل شاكر مع والديه و بقى الجميع في مكانهم في إنتظار سارة لتفيق..
==============================
انقضت بضعة أيام تالية لتلك الليلة المشئومة لم يغادر عاصم و آسر المشفى مطلقاً.. فقد كان آسر معتاداً على ذلك منذ الحادث الأول.. و لم يسمح قلب عاصم له بتركها وحدها قبل ان يطمئن عليها.. فقد كان يخرج حتى يتابع عقابه لكريم ثم يعود لها مرة أخرى...
و كان البقية يتناوبون على مرافقتهم..
و في أحد الأيام كانت هدى تجلس مع عاصم و آسر أمام الغرفة التي انتقلت إليها سارة بعد إستقرار حالتها قليلاً و قرار الطبيب بنقلها لغرفة عادية بدلاً من العناية الفائقة...
آسر(بتعب): يا عاصم اسمع الكلام و روح ريحلك ساعتين و تعالى تاني.
عاصم: يا سيدي انا مش تعبان.. و قولتلك مش هاسيب المستشفى الا لما سارة تفوق.. ريح نفسك بقى و بطل صداع..
آسر: ما تقوليله يا هدى يمكن يسمع كلامك انتي و يروح يرتاح شوية.
هدى: عاصم حتى لو تعبان مش هايسيب حد محتاجله الا لما يطمن عليه.. ما بالك بقى ان الحد دة يبقى سارة.. سيبه يا باشمهندس براحته.
لاحظ عاصم تلك اللهجة الرسمية التي تتحدث بها هدى مع آسر مما جعله يتعجب و لكنه لم يُعقب حتى يرى ما تقصده و ردة فعل آسر...
آسر(بتعجب): باشمهندس؟؟ إيه باشمهندس دي؟
هدى: عادي يعني هو مش حضرتك بتشتغل مهندس برضه؟؟
آسر: و حضرتك كمان؟؟ في إيه يا هدى بتكلميني كدة ليه؟
عاصم: مالك يا هدى ؟؟
هدى: مافيش يا عاصم.
عاصم: هدى.. لو مضايقة من حاجة ماينفعش تسكتي كدة.. لازم تتكلمي.. إيه اللي مزعلك؟؟
هدى(دمعت عيناها بشهقات حزينة): مافيش يا عاصم.
عاصم(محتضناً اياها): مالك طيب بتعيطي ليه؟
هدى: خايفة على سارة اوي.
آسر: خايفة ليه على سارة.. الحمد لله بقت كويسة و الدكاترة طمنونا عليها.. و أصلا منعو عنها البنج عشان تبتدي تفوق.. مالك بقى؟؟
نظرت له هدى بعيونها الدامعة و لم تنطق.. فلاحظ الحزن و الألم فيهما فطلب من عاصم بعشم نسيب يشتاق لخطيبته..
آسر: ممكن يا عاصم اخد هدى خطيبتي حبيبتي و ننزل نقعد في الكافيتيريا بتاعة المستشفى شوية.
عاصم(بمرح حتى يمتص حزن هدى): خطيبتك و حبيبتي كمان؟
آسر(بنفس مرحه): آه يا عم.. عندك مانع؟
عاصم: لا يا عم.. ربنا ما يجعلنا من قطاعين الارزاق.. روحو يا سيدي براحتكم.
هدى: بس أنا مش عايزة انزل.
آسر: نعم ياختي؟؟ بقولك إيه... ماتخلينيش اخرج عن شعوري و اسمعي الكلام احسنلك.
عاصم(رفع حاجبيه بدهشة): عاتهددها جدامي اياك؟؟
آسر(تراجع بمرح): مش قصدي يا عصوم.. ما انت شايف اهو.. و بعدين إيه مش عايزة تنزل معايا دي.. بعض انا ولا ايه؟
عاصم: خلاص خلاص بطل زن.. اسمعي الكلام و انزلي مع خطيبك ياللا يا هدى.
هدى: بس يا عاصم....
عاصم(مقاطعاً): إيه.. هاتعصي امري ولا إيه عاد انتي كمان؟؟
هدى(بخجل): لا عاش ولا كان اللي يعصى اوامرك يا اخويا.
عاصم: طيب ياللا انزلو اشربو حاچة و وكلها يا آسر احسن مابجتش تاكل زين.. ولا انت بخيل ولا إيه.. جول لنا من دلوج.
آسر: لا يا سيدي مش بخيل.. هأكلها و هاجيبلك انت كمان اكل..
عاصم: لا يا سيدي كتر خيرك.. ماعوزش اكل اني.. بس وكلها هي عشان اكلها ماعچبنيش اليومين دول..
آسر: حاضر يا سيدي.. هازغطهالك كمان.
عاصم: طيب ياللا بجى و ماتعوجوش.
ذهبت هدى بصحبة آسر رغماً عنها.. فبرغم انها تريد ان تتحدث معه و لكن بعد ما حدث لم يتثنى لهما ان يتحدثا سويا سوى لدقائق قليلة بحديث عام ليس حديث خاص بين حبيبين..
فلم ترى آسر حبيبها الذي كان يتحدث معها عبر الهاتف لساعات طوال.. و لكنها وجدت آسر الاخ الذي يموت خوفاً على شقيقته..
قدرت هي ذلك للغاية و لكن تغيره هذا أخافها كثيراً من رد فعله على ما حدث.. هل سيتركها كرد على أفعال قريبها... ام انه سيفصل بين كريم و بين علاقته بها..
أما عاصم..
فقد قرر ان يستغل تلك الفرصة على أكمل وجه.. فقد فاض به الشوق ليرى محبوبته.. جماله النائم التي اصبح يراها خلسة بدون علم الممرضات و دون علم آسر أيضاً..
انتهز فرصة غياب آسر و هدى و دخل اليها..
دخل و اغلق الباب خلفه.. احتوتها عيناه العاشقة الخائفة.. اتجه إليها و تجولت نظراته حول وجهها الشاحب.. يديها الرقيقتين اللتين تنغرز بهما اشواك إبر المحلول المغذي.. جسدها الذي أصيب بالهزل و الضعف بسبب ما هي به.. كل علامات المرض التي غلفتها قد آلمته بشدة...
اقترب من فراشها و جلس على ذلك الكرسي بجانبها امسك بيدها برقة متناهية... قبله بحب عميق.. تنهد بحرقة ثم نظر لها...
عاصم: سارة.. عاملة إيه يا روحي؟؟ مش بقيتي احسن؟؟ مش عايز اقولك وحشتيني تاني عشان ماتزهقيش مني.. انا عارف اني بقيت اقولهالك كتير... بس.. بس طيب و انا اعمل إيه... ما انتي وحشتيني فعلاً..
كل حاجة فيكي وحشتني.. صوتك.. ضحكتك.. كلامك حتى لو مش ليا.. وحشتني اوي قعدتنا في الروف.. كلك على بعضك وحشتيني.
صمت لبرهة و كأنه ينتظر ردها ثم أردف...
عاصم: طيب مازهقتيش انتي من النومة دي؟؟ يعني ينفع كدة تكوني انتي نايمة كل دة و حرماني انا من الراحة..
حبيبك دة مش صعبان عليكي خالص.. قومي يا سارة عشان ارتاح.. انا تعبان من غيرك اوي.. تعبان اوي يا سارة و محتاجلك تبقي كويسة عشان انا كمان ابقى كويس.. اصحي بقى يا سارة.. اصحي بقى.
ثم احتضنت شفتيه يدها مرة أخرى و لم تتركها.. اغمض عينيه بتعب و خوف عاشق.. و هو يوزع قبلاته فوق كفها كفراشات الربيع..
حتى سمعها تأن بتعب.. فنظر لها ليجد بؤبؤي عينيها يتحركان تحت جفنيها فنهض بسرعة لكي يقترب منها بلهفة...
عاصم: سارة.. سارة حبيبتي انتي سمعاني؟؟ سارة قولي اي حاجة.. انا عاصم يا روحي.. ردي عليا عشان خاطر عاصم حبيبك.
فتحت عينيها ببطء و وهن شديدين....
عاصم: سارة.. سارة حبيبتي انتي فوقتي؟؟
سارة(بصوت يكاد يصل لأذنيه من شدة وهنها): عاصم؟
عاصم(مقبلاً يدها و جبهتها بفرحة): ايوة يا قلب عاصم.. انا عاصم يا روحي.
سارة(ابتسمت بضعف): انت عاصم..
عاصم: ايوة يا روحي انا عاصم..(ثم امسك بيدها و وضعها على وجهه حتى تتحسس ملامحه مثلما فعلت قبل ذلك) بصي اهو حتي شوفي.
و لكنها كانت ضعيفة للغاية.. فأغمضت جفنيها مرة أخرى و ذهبت في سباتها العميق.. أُصيب قلبه باليأس ثانيةً فجلس على الكرسي ثم وضع رأسه على للفراش بتعب و هو يقول...
عاصم: فوقي بقى يا سارة.. انا تعبت... والله تعبت.
و ظل على حاله حتى انه غفا بجانبها...
==============================
أما آسر و هدي...
فبعد ان تركا عاصم و اتجها معا لمقصف المشفى.. جلسا معاً الى إحدى الطاولات المنزوية في جانب خاص...
آسر: ها يا قمر.. هاتاخدي إيه بقى؟
هدى(بصوت حزين): مش عايزة حاجة.
آسر: لا لازم تاخدي ولا انتي فاكراني بخيل زي ما اخوكي قال؟؟
هدى(زفرت بملل): خلاص.. هات اي حاجة.
آسر: لا اطلبي اللي انتي عايزاه.
هدى(قالت بإنفعال ملحوظ): يووووه ما قولتلك اي حاجة.
آسر(محاولاً التحكم في غضبه حتى يصل لسبب حالتها): هدى.. انا مقدر حالتك النفسية دي بسبب الظروف اللي أحنا فيها.. بس مش لدرجة انك تزعقيلي ولا تعلي صوتك عليا.
هدى(تراجعت بخجل): انا اسفة مش قصدي.
آسر(عاد لهدوئه مستغفراً): هدى.. انا مقدر والله خوفك على سارة.. بس دي أختي انا.. يعني لو اللي انتي فيه دة فعلا بسبب سارة و تعبها فالأولى ان انا اللي اكون منهار كدة و انتي اللي تحاولي تهوني عليا و تهديني مش العكس.. ولا انتي شايفة إيه؟؟
لم ترد و لكنها انفرطت في بكاء حزين و مرير... فقام آسر و جلس بجانبها و أمسك بيدها و قال بحنان..
آسر (بهدوء): و عياطك دة بيأكدلي ان الموضوع مش مجرد قلق على سارة.. الموضوع اكبر من كدة.. في إيه يا هدى.. احكيلي يا حبيبي.
هدى(نظرت له بعيونها الدامعة): صحيح يا آسر.. انا صحيح حبيبتك.
آسر: طبعاً حبيبتي و روحي و عمري كله.. ليه بتقولي كدة؟؟
هدى: يعني انت مش هاتسيبني؟
آسر(تعجب بشدة): اسيبك.. ليه؟
هدى: عشان اللي حصل لسارة يعني.
آسر: و علاقتنا مالها و مال اللي حصل لسارة.. أصلا انتي مالك و مال اللي حصل لسارة؟؟
هدى: عشان يعني حصل في بيتنا و اللي عمل كدة يبقى ابن خالتي.
آسر (سريعاً و بغضب): دة مش ابن خالتك دة ابن ستين كلــ.. و مبدأياً كدة انتي تنسي العيلة دي كلها باللي فيها.. لا خالتك ولا جوزها ولا ولادها و خصوصاً الحيوان دة اللي اسمه كريم..
هدى: حتى منة؟؟
آسر(تراجع بهدوء): لا بلاش منة.. البنت مارضيتش تروح مع اهلها غير لما تطمن على سارة.. و مستعدة تشهد في النيابة لو الموضوع وصل لكدة.. انا أصلا مش عارف منة الرقيقة المحترمة دي تبقى اخت الحيوان دة ازاي؟؟
هدى(بنبرة غريبة): حلوة منة صح؟
آسر(بعفوية و بدون قصد): حلوة الحقيقة..
هدى(اعتدلت و عقد ذراعيها بغضب): طيب.
آسر (و قد لاحظ اخيراً غيرتها): إيه دة؟ انتي غيرانة ولا ايه؟
هدى(سألته بخوف): هو انا من حقي اغير؟؟
آسر: هو انتي بتحبيني؟
صمتت و زاد الخوف على محياها.. فماذا يجب ان تقول.. هل تقول انها تحبه إذا فلما الخوف.. و ان قالت لا فماذا تفعل معه الان.. فسألها هو مرة أخرى...
آسر: بتحبيني يا هدى؟
هدى: المهم تكون انت اللي بتحبني.
آسر: قصدك إيه.. طبعا انا بحبك..
هدى: حتى بعد اللي حصل؟؟
آسر: انا مش فاهم هو انتي ليه رابطة نفسك باللي حصل.. اتكلمي يا هدى و قولي كل اللي جواكي بصراحة و من غير خوف..
هدى: اصل.. بصراحة انت من ساعة ما جيت و انت بعيد عني.. مش بتكلمني ولا بتقعد معايا.. أحنا كنا بنتكلم اكتر من كدة بكتير في التليفون..
عارفة انك قلقان و خايف على سارة.. انا كمان والله العظيم خايفة عليها و بدعيلها ان ربنا يشفيها و يقومها بالسلامة..
بس.. بس...
آسر: بس إيه.. كملي ماتخافيش.
هدى: بصراحة خايفة تاخدني بذنب كريم و اللي عمله و تسيبني..
آسر: إيه الهبل دة.. طبعا لا.. انتي مالك أصلا.. و بعدين لو هاخاف من حد و اخد منه موقف ناخد موقف من عاصم اخوكي مثلا..
هدى: عاصم.. و عاصم ماله.
آسر: عاصم راجل و قريب كريم.. ويعني يمكن يعمل زيه..
هدة(سريعاً): لا.. لا والله عاصم عمره ما كان كدة ابدا... صدقني يا آسر .
آسر: عارف.. و عشان عارف انا مافكرتش كدة.. انا ابويا رباني على ان الحسنة بتخص و السيئة كمان بتخص..
مش من العدل اني اضيع علاقتي بيكي و حبي اللي اول مرة احس بيه عشان واحد للأسف طلع قريبك..
مش هانكر اني زعلان على سارة لدرجة اني كنت هاقتل الزفت دة لولا عاصم حاشني عنه كذا مرة..
بس كمان بحبك.. و سارة قوية و انا عمري ما هاسيبها الا لما تكون كويسة.. بس و انتي جنبي..
ماتفتكريش اني قوي و جامد و بتاع.. لا.. انا كل دة مستنيكي تيجي تقويني.. تققي جنبي و تديني طاقة عشان اقدر أكمل مع سارة.. مستنيكي تبقي جنبي يا هدى..
ها بقى.. بتحبيني ولا ايه؟؟
خجلت و اكتفت يهز راسها ايجاباً و لكنه لم يكتفي بذلك...
آسر: لا عايز اسمعها.
هدى(بخجل): ايوة بحبك..
آسر: يبقى من حقك تغيري عليا زي ما انا كمان بحبك و يغير عليكي.. بس مش من منة يعني.. دي عيلة صغيرة.
هدى: و لو.. ماتقولش على واحدة تانية انها حلوة غيري..
آسر(ابتسم بحب): انا عيني مابقتش تشوف بنات غيرك أصلا..
==============================
مر بعض الوقت أيضاً.. و في أحد الأيام...
كان قد مر على خروج سارة من العناية المركزة حوالي 10 أيام... اجتمعت العائلتين بالمشفى كعادتهم كل صباح.. حتى يطمئنو على سارة..
و كان الطبيب معهم بداخل الغرفة يقوم بالكشف على سارة حتى يفيقها.. كانت عائلتها تقف بجانب فراشها و عائلة الحاج عبد الرحمن بجانبهم.. فقد كانت هنية تقف بجوار سعاد و عبد الرحمن يربت على كتف جميل و هما يتمتمان بالدعاء... و هدى فقد كانت تقف بجانب آسر و تمسك بيده خلسة عن اعين والدها حتى تدعمه..
أما عاصم..
فقد كان يقف بجوار الباب.. فهو لم يقدر ان يقترب اكثر من ذلك..و لكن عينه كانت تتابعها بترقب و يده تطحن عصاه الابانوس بلا رحمه.. فليس من العدل ان يخفي بداخله كل هذا الرعب و الخوف.. و ألا يكون من حقه إظهاره لأحد..
سعاد: ها يا دكتور.. سارة عاملة ايه؟؟
الطبيب: لا الحمد لله.. أحنا كنا فين و بقينا فين.. الانسة سارة بقت احسن كتير و هانفوقها دلوقتي كمان...
جميل: طيب ياللا يابني الله يخليك... فوقها خلينا نطمن عليها..
الطبيب: حالا اهو يا استاذ جميل.
ثم اخذ الابرة المملوءة بالمحلول من الممرضة و غرزها بداخل المغذي الملاصق لظهر كفها.. ثم انتظر الجميع لعدة دقائق مرت كدهر على الجميع.. و خاصة عاصم... حتى بدأت تململ في نومها..
صوت انينها نبه حواس الجميع و جعلهم ينظرون لها بترقب..
الطبيب: انسة سارة... انتي سمعاني؟؟ لو سمعاني حركي صوباعك..
لم تحرك ساكنا و لكنها حركت جفونها و آنت بألم... فصرخت سعاد بفرحة..
سعاد: حبيبتي يا بنتي.. سارة.. انتي سمعاني قلبي؟؟
حاولت فتح عيونها ببطء و ألم و تفاجئ الجميع بسارة عندما بدأ صوتها يرتفع و هي تصرخ بألم...
سارة: ااااااه.. اااااااه...
جميل: سارة.. مالك يا بنتي؟!!
بدأت ان تتحرك بعشوائية و جلست و مازالت تصرخ و لم يعلم احداً ما بها.. فاقترب منها شقيقها و امسك معصميها بقوة حتى يحاول تثبيتها...
آسر: سارة.. اسمعيني.. انا آسر.. اهدي شوية ارجوكي..
سارة: عنيا يا آسر... اااااااه... عنيا... ااااااااه..
آسر (للطبيب بعنف): انت هاتفضل واقف تتفرج كدة كتير .. اتصرف.. اعمل حاجة..
الطبيب(للمرضة): هاتيلي مهديء بسرعة..
التف حولها آسر و الطبيب بمساعدة ممرضتين حتى يحاولون أن يثبتوها حتى يستطيع الطبيب ان يحقنها بالمهديء حتى تنام ثانيةً و لكنهم فشلوا جميعاً...
احتضن جميل زوجته الباكية و هو يبكي أيضاً و كان الجميع في حالة صدمة شديدة..
فقد كانت سارة تصرخ و تبكي بألم و كأنها تحترق حية.. و لم يفهم أحدهم السبب..
أما عاصم فقد كان في صدمة.. فصوت صراخها و بكائها كان كالخناجر التي تنحر في قلبه.. فلم يستطع ان يتحمل ما يحدث.. فقد كانت سارة تتلوى تحت ايديهم و هم يحاولون تثبيتها قسراً و قد كان هذا هو ما لم يحتمله..
صمت عاصم لمدة دقيقتين لا أكثر فلم يستطع أن يقف مكتوف اليدين و هم يعذبون محبوبته فصرخ فيهم بصوته كله حتى انتبه له الجميع....
عاصم: كفاية... سيبوها .
ياترى عاصم عمل كدة ليه..
و وقفهم ليه.. و هايعمل معاهم إيه..
سارة بقت كويسة.. او هاتبقى كويسة.
و في خلال ساعتين ربما أكثر وصل الأستاذ أمين والد كريم و بصحبته زوجته السيدة مهجة مع إبنهما الكبير الذي أصر على مرافقتهما عندما علم بمدى إصرار الحاج عبد الرحمن بحضورهما إلى المشفى و بدون إبداء أسباب.
دخل ثلاثتهم إلى المشفى و صعدوا جميعاً إلى الطابق الذي ارشدهم له موظف الاستقبال.. ليجدوا ذات المنظر السابق.. فلم يحرك أحدهم ساكن....
لم يهتم أهل سارة بالحضور فهم لم يكونوا يعرفونهم لذلك فقد استقبلهم الحاج عبد الرحمن فقط.. فحتى عاصم و الحاجة هنية لم يقفا لإسقبالهم ولا إستقبال شفيقتها الوحيدة...
أمين: السلام عليكم يا حاج عبد الرحمن.
عبد الرحمن: و عليكم السلام يا حاچ امين.. حمد الله علي السلامة.
أمين: الله يسلمك يا حاج.. خير يا ابو عاصم؟؟ جايبنا على ملى وشنا كدة ليه؟؟ و في مستشفى كمان.. خير ايه اللي حصل..
مهجة: حد من العيال جراله حاجة؟
ثم وقعت عينها على منة جالسة و تنظر لهم بخيبة أمل لم تلاحظها مهجة فتوقعت أن كريم مريض فسألتهم بخوف...
مهجة: امال فين كريم.. كريم فين.. جراله ايه؟؟
هنية: كريم زين.. احنا مش هنا عشان كريم.. احنا هنا عشان سارة..
مهجة(بتعجب لأنها لم تسمع هذا الإسم من قبل): سارة؟!! سارة مين.. و كريم فين.. انا مش فاهمة حاجة.
عبد الرحمن: الحديت ماعينفعش اهنه..
عاصم: لا يابوي.. الحديت هايبجى اهنه.. و جدام الكل عشان ماحدش يلوم عليا في اللي هاعمله.
شاكر(الاخ الأكبر لكريم و منة): تعملي ايه؟! في ايه يا عاصم.. إيه اللي حصل؟!!
عاصم: اللي حصل كبير جوي جوي يا ولد خالتي.
شاكر(بنفاذ صبر): ممكن بقى تبطلو الغاز و حد يقولنا في ايه بالظبط؟
آسر: حاضر أنا هافهمك.. في أن أخوك لما كان في امريكا اتسبب لأختي في عاهة سابتها ضريرة.. مابتشوفش.. و مش كدة و بس دة كمان جه لحد هنا عشان يكمل عليها.
جميل: آسر ايه الكلام اللي انت بتقوله دة.. و كريم ايه علاقته بالناس دي؟!!
آسر: حالاً هاتفهم يا بابا.
بدأ آسر في قص ما حدث بين شقيقته و كريم في الولايات المتحدة على مسامع الجميع.. حتى أصابهم الذهول من خسة ذلك الذي يدعى كريم..
ثم أكمل عاصم و قص ما حدث منه في تلك الليلة الماضية العصيبة و الذي كاد ان يتسبب في كارثة أخرى او بالفعل قد حدث.. فها هي أفعال كريم الخسيسة قد تركت سارة مرة أخرى على فراش العناية المركزة بين الأجهزة..
و لكن والدة كريم لم تكن لتصدق على ولدها أي كلمة سوء.. فجهرت مهجة والدته بعدم تصديق..
مهجة: لا مش ممكن.. مستحيل كريم ابني يعمل كدة.
آسر: لا عمل.. و عمل العن من كدة..
مهجة: بقولك مستحيل.. كريم عمره ما خطب ولا عمره جاب لي سيرة عن إنه عايز يتجوز حتى.
آسر(بغضب): كمان.؟!! يعني هو كان بيضحك علينا لما قالنا إنه مكلم أهله على سارة و أنه هايجيبهم و يجي يتقدم لها اول ما نرجع مصر.
كور عاصم قبضة يده حتى يحتوي غضبه من حديث آسر.. فتلك القصة القصيرة أشعلت بداخله نيران الغيرة على محبوبته كأي رجل لا يستطيع أن يتحمل سماع أي حديث عن أي علاقة سابقة عن حبيبته حتى لو كانت في إطار شرعي...
عاصم: خلاص يا آسر مش وقته الكلام دة .
آسر: لا وقته يا عاصم.. عشان يعرفوا ابنهم عمل ايه و بيعمل ايه و يعرفو هما مربينه ازاي.. دة لو كانو ربوه اصلا..
شاكر: ما تحترم نفسك بقى.. احنا ساكنين لك من الصبح... و بعدين احنا ماكناش معاكم عشان نقدر نحكم.. مش يمكن اختك هي اللي جابته عندها خصوصاً أن عاصم بيقول أن الباب كان مقفول بالمفتاح..
عاصم(وقف أمامه بغضب و هدده بشكل صريح): كلمة كمان في حقها و هاعمل فيك زي ما هاعمل مع اخوك و يمكن اكتر كمان..
ماتختبرنيش يا شاكر عشان انت عارفني كويس اوي.
شاكر(بغضب مساوي لغضب عاصم): هي حصلت يا عاصم بتهددني.. بتهدد ابن خالتك؟! و عشان مين.. عشان واحدة مانعرفهاش.. واحدة الله اعلم اخلاقها.....
عاصم(بصوته كله): شاكر.. حاسب على كلامك.. و صدقني يا شاكر مش تهديد.. بس قسماً بالله اللي هايجيب سيرتها بكلمة واحدة لأكون انا اللي واقفله.
ظل اثنتيهما ينظران لبعضهما بغضب و تحدي كبيرين حتى سمعا صوت امين يقول...
أمين: و حتى لو كان كلامكم دة صحيح.. كريم راجل مايعيبوش حاجة.. إنما بنتكم بقى ايه اللي يوديها لبيت راجل غريب عايش لوحده.. حتى لو كان خطيبها.
عاصم(هز صوته جدران المشفى بغضب): عم امين.. هاقولها تاني و لأخر مرة.. و الكلام ليكم كلكم... قسما بعزة جلال الله لو حد جاب سيرتها بكلمة عفشة لأكون ناسي سنه و مجامه و ساعتها هاتشوفو زعلي اللي بيحرق اي حاچة قدامه.. و اللي ماحدش لساته شاف منه أي حاچة.
جميل(بغضب و غيرة ابوية): بقولك إيه يا راجل انت.. انت كلمة كمان و هاكون مبلغ عنك انت و ابنك و هاوديكم في ستين داهية.. كله الا شرف بنتي.
عاصم: و من غير بلاغات ولا دياولو.. كدة كدة كريم حسابه معايا انا مش مع حد تاني.
عبد الرحمن: بلاش كلام مالوش لازمة يا أمين.. سارة معاشرانا بجالها مدة.. و اخلاقها ماتتخيرش عن هدى و منة..
و خد بالك انت عنديك بت اوعى تخوض في أعراض حد.. فاهم يا امين؟!
أمين: بس انا بنتي مش ممكن تعمل كدة و تروح لشاب في بيته حتى لو معاه أهله كلهم.
وقفت منة أخيراً و قررت أن تخرج عن صمتها الذي طال حتى توقف أبويها أمام نتيجة تربيتهما الغير سوية لأخيها...
منة: صح.. انت معاك حق يا بابا انا مش ممكن اعمل كدة.. عشان انتو ربتوني كويس.. كويس اوي.. انتو استثمرتو كل اللي تعرفوه عن التربية فيا انا.. انا وبس.
ثم اكملت بدموع القهر من قسوة ابويها عليها...
منة: لكن كريم لا.. دة ولد و انتي بنت.. دة راجل.. فبقى يعرف بنات عادي.. تمسكه انت بنفسك كذا مرة بيتفرج على مواقع مقرفة عادي.. مايتعاقبش على اي غلطة يعملها مهما كانت صغيرة او كبيرة و برضه عادي.. يمشي مع دي و يكلم دي و عادي..
مهجة: ايه اللي بتقوليه دة يا بت انتي.. اخرسي و اتكلمي عن اخوكي كويس.. إيه الكلام الفارغ دة؟
منة: دة مش كلام فارغ.. دي الحقيقة يا ماما.. الحقيقة اللي انتو مش عايزين تشوفوها ولا تقتنعو بيها.. ولا بتزعلو من الحقيقة.. مش هي دي نتيجة تربيتكم ليه على أنه ولد مابيغلطش و لو غلط عادي نعديله.. لحد ما خلاص بقت كل حاجة متاحة بالنسبة له..
لدرجة أنه حتى ماحترمش حرمة البيت اللي قاعد فيه.. و راح يساوم واحدة ضريرة و بسببه عشان يا اما تروحله اوضته بالليل يا اما يفضحها قدام البيت كله و يقول انها هي اللي عايزاه..
شاكر: انتي بتقولي ايه؟
منة: بقول اللي حصل.. انت ترضاها يا شاكر.. ترضاها عليا اكون عند حد و قافلة اوضتي عليا و يجي واحد واطي و ندل يدخل عليا اوضتي و يتهجم عليا و لما أصحاب البيت يلحقوني منه يقولهم أن انا اللي كنت جايباه عندي.. ترضاها عليا يا شاكر؟؟
شاكر: ايه اللي بتقولي ايه؟؟ مين اللي عمل كدة.
منة: كريم.. اخوك المحترم اللي ابوك و امك سفروه امريكا يكمل تعليمه و هو رايح يشقط بنات.
فاجئتها مهجة بصفعة قوية على وجهها دوى صوتها في أرجاء المشفى...
مهجة: اخرسي.
منة(وضعت يدها على وجنتيها بألم ثم صرخت بكل قوتها): اخرس ليه؟ و بتضربيني ليه؟؟ بتضربيني عشان بقول الحقيقة.. ولا نسيتي لما كنت اقولك اني عايزة اطلع رحلة مع صحابي و تقوليلي لا مش معايا فلوس و يجي ابنك الحيلة ياخد منك كل اللي معاكي عشان يخرج مع صحابه يوم..
ولما اقولك ما انتي معاكي فلوس اهو تقوليلي ماعندناش بنات تطلع رحلات.. كنتي بتمنعيني من ابسط حقوقي لمجرد اني بنت.
يصرف هو في يوم اللي انا ممكن اصرفه في اسبوع بس انا اللي مسرفة و وحشة.. يجي اخر الليل و يمكن وش الصبح كمان و يصحيني من احلى نومة في عز البرد عشان احضرله عشا.. و لو اعترضت يمد أيده عليا و انتو تشجعوه.. و ابقى انا اللي غلطانة عشان مش قادرة اقوم من عز نومي عشان اخدم سيادته..
ماهو الراجل يرتاح و انا مش مهم.. في ستين داهية..
اشربو بقى..
و انت يا بابا.. نسيت لما كان يجي يضربني عشان مش فاضية اعمله شاي ولا حاجة ياكلها عشان عندي امتحان تاني يوم.. و بدل ما تحوش عني و تقوله مايمدش أيده عليا لا.. تزعقلي انا عشان هو الراجل اللي حرام يدخل المطبخ يعمل لنفسه ساندويتش.
اللي كريم عمله دة مجرد واحد في المليون من نتيجة تربيتكم الغلط ليه.. مجرد واحد في المليون من اللي لسة هاتشوفوه.
ثم اقتربت من عاصم بدموعها...
منة: ابيه عاصم.. انت لو ناوي تبلغ عنه انا هاشهد مع سارة.. و هاقول على اللي سمعته بينهم يوم ما كانو في الجنينه..
أمين(بصدمة): هاتسجني اخوكي يا منة.. هي حصلت.. وصلت للدرجة دي.
منة: ايوة حصلت... و ايوة وصلت للدرجة دي.. يمكن السجن يربيه طالما انتو مش عارفين تربوه.. انا هاعمل اي حاجة عشان سارة.. سارة ماتستاهلش ابدا اللي عمله معاها كريم... مافيش اي واحدة في الدنيا تستاهل اللي كريم عمله في سارة أبداً.. أبداً.
و شهقت بالبكاء فاحتضنها عاصم بحب أخوي حتى تهدأ.. فتلك الصغير قد عانت كثيراً من معاملة أهلها لها و التفريق بينها و بين اخويها لمجرد أن الله اراد لها أن تكون أنثى..
تسائلت مهجة في قلق.. فما قاله و أقره الجميع من أفعال كريم المشينة و هنا في إحدى محافظات الصعيد جعل قلبها ينتفض لمجرد الفكرة التي قفزت في عقلها عما قد يحدث له كعقاب على ما فعله...
و ليس كأي عقاب.. فهذا هو عمدة البلد و ولده الذي يحترمه كبيرها قبل صغيرها.. لا يخافا في الحق لومة لائم.. فسألت بصوت متوتر..
مهجة: ماحدش برضه رد عليا.. كريم فين.. ابني فين؟؟
عبد الرحمن: كريم غلط غلطة واعرة جوي.. و لازمن من رد و عجاب عليها.. اللي عمله ماهواش هين ولا صغير..
أمين: يعني ايه.. ابني فين يا حاج عبد الرحمن.. انا مش هامشي من هنا إلا اما اعرف هو فين و عملتو فيه ايه؟؟
عاصم: هو فين.. أكيد مش هاجولك.. عملنا فيه ايه.. فاللي عملته فيه ماياچيش نجطة في بحر اللي لسة هاعمله.. لسة.
أمين: بس انا لازم....
عاصم(قاطعه بحسم): شرفت و نورت يا عم أمين.. تجدر تاخد مرتك و عيالك و تمشي.
منة: انا مش هامشي من هنا إلا لما اتطمن على سارة..
امين(بغضب): ياللا يا بنت انتي..
منة(نظرت لعاصم برجاء): مش هامشي يا ابيه.
عاصم(بنبرة مطمئنة): خلاص.. خليكي يا منة انتي.
أمين: ايه هاتعصي أوامري كمان يا ست منة..
منة: لا يا بابا.. لا عشت ولا كنت... بس انا خايفة على سارة و بجد مش هقدر امشي من هنا غير لما اطمن عليها..(ثم عادت و نظرت لزوج خالتها) عمي عبد الرحمن ارجوك خلي بابا يسيبني هنا لحد ما اطمن على سارة.. عشان خاطري.
عبد الرحمن(بشفقة لحالها): حاضر يا منة حاضر يابتي.. خليكي معانا لما نطمنو عليها..(ثم نظر لأمين بحزم) خليكي معانا.
تقدمت مهجة ببطء نحو شقيقتها التي كانت تجلس بجانب امرأة لا تعرفها و تحتضن هدي ابنتها التي لازالت تبكي في صمت...
مهجة: هنية.. هنية ياختي.. انتي أم... عشان خاطري ورحمة ابوكي و امك لاتقوليلي ابني فين و عاصم عمل فيه ايه..
هنية(بجمود دون حركة واحدة): اللي عمله ولدك كبير جوي يا مهچة.. و انتي خابرة الصعيد زين.. و خابرة واحد كيف ولدك و عمل اللي عمله ده يبجى عجابه كيف.. و عشان اني ام و عندي زي اللي نايمة چوة دي.. ماهجولش حاچة.
مهجة(بخوف و دموع بدأت تسقط خوفاً على إبنها): احب على يدك يا خيتي.. احب على يدك.. جولي لعاصم يسيبه و اني هاخده و اسافر و ماهاچيبهوش هنا تاني واصل..
هنية: كان لازمن تربيه زين و تعلميه الصح من الغلط و الحلال من الحرام... تعلميه ان في حرمة للبيوت.. تعلميه ان عنده اخت بنت لازم يخاف عليها و يخاف على اللي زيها.
كان لازم تعلميه ان في ربنا شايف و عارف اللي في ضميرنا.. و ان اللي بيعمله ده أكبر حرام..
إنما انتي سيبتيله الحبل على الغارب كيف ما بيجولو.. سيبيه لعاصم يمكن يعلمه اللي انتي ماعرفتيش تعلميهوله..
هنية: عشان خاطري يا خيتي دة ضنايا.. ده ضنايا و الضنا غالي.
كانت سعاد تستمع لكل ما حدث بصمت تام و لم تتدخل منذ وصولهم.. فقد كان الحاج عبد الرحمن و عاصم ابنه قبل حتى آسر و جميل يدافعون بإستماته عن سارة و عن حقها و عما حدث لها..
و أيضاً اطمئنت أكثر عندما رأت موقف منة اخت كريم.. فلم تجد داعي لتدخلها.. و لكن حديث مهجة استفزها للغاية فلم تقدر أن تصمت أكثر من ذلك...
سعاد: و انا كمان ضنايا غالي..
مهجة(نظرت لها بجهل و تسائلت): انتي مين؟
سعاد: انا ابقى ام سارة.. البنت اللي ابنك قتلها مرة قبل كدة و جاي دلوقتي عشان يدبحها تاني..
مهجة: قصدك ايه؟
سعاد(وقفت و قالت بحرقة ام على ابنتها الذبيحة): ابنك اتسبب لبنتي في عاهة وقفت حياتها اكتر من سنة و نص.. جالها في المستشفى بكل بحاجة ولا كأنه عمل أي حاجة..
جاي يقف معانا بكل جبروته بعد اللي عمله و احنا اللي فضلنا نقول عليه ابن اصول أنه ماسبناش في وقت زي دة..
و بعد ما فاقت سارة و اكتشفنا إن عينيها راحت و أنها.. أنها بقت مابتشوفش.. ضميره ما اتهزش شعرة واحدة عشان يجي يعترف بالمصيبة اللي عملها..
و بعد كام يوم لما قدرت تتكلم و حكتلنا على عمله.. ما أنكرش.. بالعكس بكل بجاحة جاي يقول انه راجل مايعيبوش حاجة و أنه شاب و ليه احتياجات و دي غلطة عادية.
طيب و بنتي.. بنتي اللي شافت خطيبها اللي هيبقى جوزها و اللي بقى جزء كبير اوي من حياتها في اوضة نوم و مع واحدة غيرها و هما لسة مخطوبين و يا عالم كان ممكن يعمل فيها ايه لو كانو اتجوزو.
صدمتها فيه اللي خلتها تنهار.. حبها اللي لسة كان بيتولد و جه قتله هو بكل قسوة..
ايه.. كل دة مالوش تمن؟؟
و ياريته اكتفى بكدة.. لا دة جاي بعد 3 سنين عشان يكمل عليها و يعتدي عليها و يضيعها و كمان يسوء سمعتها... فلوس انتي ضناكي غالي عليكي قيراط انا بنتي تساوي عندي الدنيا و مافيها.
يبقى لا كفاية... كفاية بقى.
اقترب منها جميل ليحتضنها حتى تفرغ حزنها و قلقها الممزوج ببكاءها و دموعها بين احضان زوجها الذي لا يقل قلقه عنها..
لم تجد مهجة ما تقوله و اقتنعت اخيرا هي و زوجها بمدى فداحة ما فعلوه مع كريم و نتيجة تدليلهما المبالغ فيه..
شاكر: ياللا يا ماما.. ياللا نمشي.
مهجة(بخوف): و اخوك يا شاكر.
شاكر: أنا ماعنديش كلام زيادة عن اللي اتقال دة عشان اقوله.. بس طول عمري بقولكم إن تربيتكم لكريم غلط.. دلعكم ليه غلط.. الفلوس اللي مالهاش حساب دي غلط.. صحابه اللي ماتعرفوش عنهم حاجة غلط..
بس ماحدش كان بيسمع كلامي.. و دلوقتي خلاص الموضوع انتهي.. يبقى ياللا بينا و انا عارف ان لا عاصم ولا عم عبد الرحمن هايأذو كريم.. ياللا..
و بالفعل رحل شاكر مع والديه و بقى الجميع في مكانهم في إنتظار سارة لتفيق..
==============================
انقضت بضعة أيام تالية لتلك الليلة المشئومة لم يغادر عاصم و آسر المشفى مطلقاً.. فقد كان آسر معتاداً على ذلك منذ الحادث الأول.. و لم يسمح قلب عاصم له بتركها وحدها قبل ان يطمئن عليها.. فقد كان يخرج حتى يتابع عقابه لكريم ثم يعود لها مرة أخرى...
و كان البقية يتناوبون على مرافقتهم..
و في أحد الأيام كانت هدى تجلس مع عاصم و آسر أمام الغرفة التي انتقلت إليها سارة بعد إستقرار حالتها قليلاً و قرار الطبيب بنقلها لغرفة عادية بدلاً من العناية الفائقة...
آسر(بتعب): يا عاصم اسمع الكلام و روح ريحلك ساعتين و تعالى تاني.
عاصم: يا سيدي انا مش تعبان.. و قولتلك مش هاسيب المستشفى الا لما سارة تفوق.. ريح نفسك بقى و بطل صداع..
آسر: ما تقوليله يا هدى يمكن يسمع كلامك انتي و يروح يرتاح شوية.
هدى: عاصم حتى لو تعبان مش هايسيب حد محتاجله الا لما يطمن عليه.. ما بالك بقى ان الحد دة يبقى سارة.. سيبه يا باشمهندس براحته.
لاحظ عاصم تلك اللهجة الرسمية التي تتحدث بها هدى مع آسر مما جعله يتعجب و لكنه لم يُعقب حتى يرى ما تقصده و ردة فعل آسر...
آسر(بتعجب): باشمهندس؟؟ إيه باشمهندس دي؟
هدى: عادي يعني هو مش حضرتك بتشتغل مهندس برضه؟؟
آسر: و حضرتك كمان؟؟ في إيه يا هدى بتكلميني كدة ليه؟
عاصم: مالك يا هدى ؟؟
هدى: مافيش يا عاصم.
عاصم: هدى.. لو مضايقة من حاجة ماينفعش تسكتي كدة.. لازم تتكلمي.. إيه اللي مزعلك؟؟
هدى(دمعت عيناها بشهقات حزينة): مافيش يا عاصم.
عاصم(محتضناً اياها): مالك طيب بتعيطي ليه؟
هدى: خايفة على سارة اوي.
آسر: خايفة ليه على سارة.. الحمد لله بقت كويسة و الدكاترة طمنونا عليها.. و أصلا منعو عنها البنج عشان تبتدي تفوق.. مالك بقى؟؟
نظرت له هدى بعيونها الدامعة و لم تنطق.. فلاحظ الحزن و الألم فيهما فطلب من عاصم بعشم نسيب يشتاق لخطيبته..
آسر: ممكن يا عاصم اخد هدى خطيبتي حبيبتي و ننزل نقعد في الكافيتيريا بتاعة المستشفى شوية.
عاصم(بمرح حتى يمتص حزن هدى): خطيبتك و حبيبتي كمان؟
آسر(بنفس مرحه): آه يا عم.. عندك مانع؟
عاصم: لا يا عم.. ربنا ما يجعلنا من قطاعين الارزاق.. روحو يا سيدي براحتكم.
هدى: بس أنا مش عايزة انزل.
آسر: نعم ياختي؟؟ بقولك إيه... ماتخلينيش اخرج عن شعوري و اسمعي الكلام احسنلك.
عاصم(رفع حاجبيه بدهشة): عاتهددها جدامي اياك؟؟
آسر(تراجع بمرح): مش قصدي يا عصوم.. ما انت شايف اهو.. و بعدين إيه مش عايزة تنزل معايا دي.. بعض انا ولا ايه؟
عاصم: خلاص خلاص بطل زن.. اسمعي الكلام و انزلي مع خطيبك ياللا يا هدى.
هدى: بس يا عاصم....
عاصم(مقاطعاً): إيه.. هاتعصي امري ولا إيه عاد انتي كمان؟؟
هدى(بخجل): لا عاش ولا كان اللي يعصى اوامرك يا اخويا.
عاصم: طيب ياللا انزلو اشربو حاچة و وكلها يا آسر احسن مابجتش تاكل زين.. ولا انت بخيل ولا إيه.. جول لنا من دلوج.
آسر: لا يا سيدي مش بخيل.. هأكلها و هاجيبلك انت كمان اكل..
عاصم: لا يا سيدي كتر خيرك.. ماعوزش اكل اني.. بس وكلها هي عشان اكلها ماعچبنيش اليومين دول..
آسر: حاضر يا سيدي.. هازغطهالك كمان.
عاصم: طيب ياللا بجى و ماتعوجوش.
ذهبت هدى بصحبة آسر رغماً عنها.. فبرغم انها تريد ان تتحدث معه و لكن بعد ما حدث لم يتثنى لهما ان يتحدثا سويا سوى لدقائق قليلة بحديث عام ليس حديث خاص بين حبيبين..
فلم ترى آسر حبيبها الذي كان يتحدث معها عبر الهاتف لساعات طوال.. و لكنها وجدت آسر الاخ الذي يموت خوفاً على شقيقته..
قدرت هي ذلك للغاية و لكن تغيره هذا أخافها كثيراً من رد فعله على ما حدث.. هل سيتركها كرد على أفعال قريبها... ام انه سيفصل بين كريم و بين علاقته بها..
أما عاصم..
فقد قرر ان يستغل تلك الفرصة على أكمل وجه.. فقد فاض به الشوق ليرى محبوبته.. جماله النائم التي اصبح يراها خلسة بدون علم الممرضات و دون علم آسر أيضاً..
انتهز فرصة غياب آسر و هدى و دخل اليها..
دخل و اغلق الباب خلفه.. احتوتها عيناه العاشقة الخائفة.. اتجه إليها و تجولت نظراته حول وجهها الشاحب.. يديها الرقيقتين اللتين تنغرز بهما اشواك إبر المحلول المغذي.. جسدها الذي أصيب بالهزل و الضعف بسبب ما هي به.. كل علامات المرض التي غلفتها قد آلمته بشدة...
اقترب من فراشها و جلس على ذلك الكرسي بجانبها امسك بيدها برقة متناهية... قبله بحب عميق.. تنهد بحرقة ثم نظر لها...
عاصم: سارة.. عاملة إيه يا روحي؟؟ مش بقيتي احسن؟؟ مش عايز اقولك وحشتيني تاني عشان ماتزهقيش مني.. انا عارف اني بقيت اقولهالك كتير... بس.. بس طيب و انا اعمل إيه... ما انتي وحشتيني فعلاً..
كل حاجة فيكي وحشتني.. صوتك.. ضحكتك.. كلامك حتى لو مش ليا.. وحشتني اوي قعدتنا في الروف.. كلك على بعضك وحشتيني.
صمت لبرهة و كأنه ينتظر ردها ثم أردف...
عاصم: طيب مازهقتيش انتي من النومة دي؟؟ يعني ينفع كدة تكوني انتي نايمة كل دة و حرماني انا من الراحة..
حبيبك دة مش صعبان عليكي خالص.. قومي يا سارة عشان ارتاح.. انا تعبان من غيرك اوي.. تعبان اوي يا سارة و محتاجلك تبقي كويسة عشان انا كمان ابقى كويس.. اصحي بقى يا سارة.. اصحي بقى.
ثم احتضنت شفتيه يدها مرة أخرى و لم تتركها.. اغمض عينيه بتعب و خوف عاشق.. و هو يوزع قبلاته فوق كفها كفراشات الربيع..
حتى سمعها تأن بتعب.. فنظر لها ليجد بؤبؤي عينيها يتحركان تحت جفنيها فنهض بسرعة لكي يقترب منها بلهفة...
عاصم: سارة.. سارة حبيبتي انتي سمعاني؟؟ سارة قولي اي حاجة.. انا عاصم يا روحي.. ردي عليا عشان خاطر عاصم حبيبك.
فتحت عينيها ببطء و وهن شديدين....
عاصم: سارة.. سارة حبيبتي انتي فوقتي؟؟
سارة(بصوت يكاد يصل لأذنيه من شدة وهنها): عاصم؟
عاصم(مقبلاً يدها و جبهتها بفرحة): ايوة يا قلب عاصم.. انا عاصم يا روحي.
سارة(ابتسمت بضعف): انت عاصم..
عاصم: ايوة يا روحي انا عاصم..(ثم امسك بيدها و وضعها على وجهه حتى تتحسس ملامحه مثلما فعلت قبل ذلك) بصي اهو حتي شوفي.
و لكنها كانت ضعيفة للغاية.. فأغمضت جفنيها مرة أخرى و ذهبت في سباتها العميق.. أُصيب قلبه باليأس ثانيةً فجلس على الكرسي ثم وضع رأسه على للفراش بتعب و هو يقول...
عاصم: فوقي بقى يا سارة.. انا تعبت... والله تعبت.
و ظل على حاله حتى انه غفا بجانبها...
==============================
أما آسر و هدي...
فبعد ان تركا عاصم و اتجها معا لمقصف المشفى.. جلسا معاً الى إحدى الطاولات المنزوية في جانب خاص...
آسر: ها يا قمر.. هاتاخدي إيه بقى؟
هدى(بصوت حزين): مش عايزة حاجة.
آسر: لا لازم تاخدي ولا انتي فاكراني بخيل زي ما اخوكي قال؟؟
هدى(زفرت بملل): خلاص.. هات اي حاجة.
آسر: لا اطلبي اللي انتي عايزاه.
هدى(قالت بإنفعال ملحوظ): يووووه ما قولتلك اي حاجة.
آسر(محاولاً التحكم في غضبه حتى يصل لسبب حالتها): هدى.. انا مقدر حالتك النفسية دي بسبب الظروف اللي أحنا فيها.. بس مش لدرجة انك تزعقيلي ولا تعلي صوتك عليا.
هدى(تراجعت بخجل): انا اسفة مش قصدي.
آسر(عاد لهدوئه مستغفراً): هدى.. انا مقدر والله خوفك على سارة.. بس دي أختي انا.. يعني لو اللي انتي فيه دة فعلا بسبب سارة و تعبها فالأولى ان انا اللي اكون منهار كدة و انتي اللي تحاولي تهوني عليا و تهديني مش العكس.. ولا انتي شايفة إيه؟؟
لم ترد و لكنها انفرطت في بكاء حزين و مرير... فقام آسر و جلس بجانبها و أمسك بيدها و قال بحنان..
آسر (بهدوء): و عياطك دة بيأكدلي ان الموضوع مش مجرد قلق على سارة.. الموضوع اكبر من كدة.. في إيه يا هدى.. احكيلي يا حبيبي.
هدى(نظرت له بعيونها الدامعة): صحيح يا آسر.. انا صحيح حبيبتك.
آسر: طبعاً حبيبتي و روحي و عمري كله.. ليه بتقولي كدة؟؟
هدى: يعني انت مش هاتسيبني؟
آسر(تعجب بشدة): اسيبك.. ليه؟
هدى: عشان اللي حصل لسارة يعني.
آسر: و علاقتنا مالها و مال اللي حصل لسارة.. أصلا انتي مالك و مال اللي حصل لسارة؟؟
هدى: عشان يعني حصل في بيتنا و اللي عمل كدة يبقى ابن خالتي.
آسر (سريعاً و بغضب): دة مش ابن خالتك دة ابن ستين كلــ.. و مبدأياً كدة انتي تنسي العيلة دي كلها باللي فيها.. لا خالتك ولا جوزها ولا ولادها و خصوصاً الحيوان دة اللي اسمه كريم..
هدى: حتى منة؟؟
آسر(تراجع بهدوء): لا بلاش منة.. البنت مارضيتش تروح مع اهلها غير لما تطمن على سارة.. و مستعدة تشهد في النيابة لو الموضوع وصل لكدة.. انا أصلا مش عارف منة الرقيقة المحترمة دي تبقى اخت الحيوان دة ازاي؟؟
هدى(بنبرة غريبة): حلوة منة صح؟
آسر(بعفوية و بدون قصد): حلوة الحقيقة..
هدى(اعتدلت و عقد ذراعيها بغضب): طيب.
آسر (و قد لاحظ اخيراً غيرتها): إيه دة؟ انتي غيرانة ولا ايه؟
هدى(سألته بخوف): هو انا من حقي اغير؟؟
آسر: هو انتي بتحبيني؟
صمتت و زاد الخوف على محياها.. فماذا يجب ان تقول.. هل تقول انها تحبه إذا فلما الخوف.. و ان قالت لا فماذا تفعل معه الان.. فسألها هو مرة أخرى...
آسر: بتحبيني يا هدى؟
هدى: المهم تكون انت اللي بتحبني.
آسر: قصدك إيه.. طبعا انا بحبك..
هدى: حتى بعد اللي حصل؟؟
آسر: انا مش فاهم هو انتي ليه رابطة نفسك باللي حصل.. اتكلمي يا هدى و قولي كل اللي جواكي بصراحة و من غير خوف..
هدى: اصل.. بصراحة انت من ساعة ما جيت و انت بعيد عني.. مش بتكلمني ولا بتقعد معايا.. أحنا كنا بنتكلم اكتر من كدة بكتير في التليفون..
عارفة انك قلقان و خايف على سارة.. انا كمان والله العظيم خايفة عليها و بدعيلها ان ربنا يشفيها و يقومها بالسلامة..
بس.. بس...
آسر: بس إيه.. كملي ماتخافيش.
هدى: بصراحة خايفة تاخدني بذنب كريم و اللي عمله و تسيبني..
آسر: إيه الهبل دة.. طبعا لا.. انتي مالك أصلا.. و بعدين لو هاخاف من حد و اخد منه موقف ناخد موقف من عاصم اخوكي مثلا..
هدى: عاصم.. و عاصم ماله.
آسر: عاصم راجل و قريب كريم.. ويعني يمكن يعمل زيه..
هدة(سريعاً): لا.. لا والله عاصم عمره ما كان كدة ابدا... صدقني يا آسر .
آسر: عارف.. و عشان عارف انا مافكرتش كدة.. انا ابويا رباني على ان الحسنة بتخص و السيئة كمان بتخص..
مش من العدل اني اضيع علاقتي بيكي و حبي اللي اول مرة احس بيه عشان واحد للأسف طلع قريبك..
مش هانكر اني زعلان على سارة لدرجة اني كنت هاقتل الزفت دة لولا عاصم حاشني عنه كذا مرة..
بس كمان بحبك.. و سارة قوية و انا عمري ما هاسيبها الا لما تكون كويسة.. بس و انتي جنبي..
ماتفتكريش اني قوي و جامد و بتاع.. لا.. انا كل دة مستنيكي تيجي تقويني.. تققي جنبي و تديني طاقة عشان اقدر أكمل مع سارة.. مستنيكي تبقي جنبي يا هدى..
ها بقى.. بتحبيني ولا ايه؟؟
خجلت و اكتفت يهز راسها ايجاباً و لكنه لم يكتفي بذلك...
آسر: لا عايز اسمعها.
هدى(بخجل): ايوة بحبك..
آسر: يبقى من حقك تغيري عليا زي ما انا كمان بحبك و يغير عليكي.. بس مش من منة يعني.. دي عيلة صغيرة.
هدى: و لو.. ماتقولش على واحدة تانية انها حلوة غيري..
آسر(ابتسم بحب): انا عيني مابقتش تشوف بنات غيرك أصلا..
==============================
مر بعض الوقت أيضاً.. و في أحد الأيام...
كان قد مر على خروج سارة من العناية المركزة حوالي 10 أيام... اجتمعت العائلتين بالمشفى كعادتهم كل صباح.. حتى يطمئنو على سارة..
و كان الطبيب معهم بداخل الغرفة يقوم بالكشف على سارة حتى يفيقها.. كانت عائلتها تقف بجانب فراشها و عائلة الحاج عبد الرحمن بجانبهم.. فقد كانت هنية تقف بجوار سعاد و عبد الرحمن يربت على كتف جميل و هما يتمتمان بالدعاء... و هدى فقد كانت تقف بجانب آسر و تمسك بيده خلسة عن اعين والدها حتى تدعمه..
أما عاصم..
فقد كان يقف بجوار الباب.. فهو لم يقدر ان يقترب اكثر من ذلك..و لكن عينه كانت تتابعها بترقب و يده تطحن عصاه الابانوس بلا رحمه.. فليس من العدل ان يخفي بداخله كل هذا الرعب و الخوف.. و ألا يكون من حقه إظهاره لأحد..
سعاد: ها يا دكتور.. سارة عاملة ايه؟؟
الطبيب: لا الحمد لله.. أحنا كنا فين و بقينا فين.. الانسة سارة بقت احسن كتير و هانفوقها دلوقتي كمان...
جميل: طيب ياللا يابني الله يخليك... فوقها خلينا نطمن عليها..
الطبيب: حالا اهو يا استاذ جميل.
ثم اخذ الابرة المملوءة بالمحلول من الممرضة و غرزها بداخل المغذي الملاصق لظهر كفها.. ثم انتظر الجميع لعدة دقائق مرت كدهر على الجميع.. و خاصة عاصم... حتى بدأت تململ في نومها..
صوت انينها نبه حواس الجميع و جعلهم ينظرون لها بترقب..
الطبيب: انسة سارة... انتي سمعاني؟؟ لو سمعاني حركي صوباعك..
لم تحرك ساكنا و لكنها حركت جفونها و آنت بألم... فصرخت سعاد بفرحة..
سعاد: حبيبتي يا بنتي.. سارة.. انتي سمعاني قلبي؟؟
حاولت فتح عيونها ببطء و ألم و تفاجئ الجميع بسارة عندما بدأ صوتها يرتفع و هي تصرخ بألم...
سارة: ااااااه.. اااااااه...
جميل: سارة.. مالك يا بنتي؟!!
بدأت ان تتحرك بعشوائية و جلست و مازالت تصرخ و لم يعلم احداً ما بها.. فاقترب منها شقيقها و امسك معصميها بقوة حتى يحاول تثبيتها...
آسر: سارة.. اسمعيني.. انا آسر.. اهدي شوية ارجوكي..
سارة: عنيا يا آسر... اااااااه... عنيا... ااااااااه..
آسر (للطبيب بعنف): انت هاتفضل واقف تتفرج كدة كتير .. اتصرف.. اعمل حاجة..
الطبيب(للمرضة): هاتيلي مهديء بسرعة..
التف حولها آسر و الطبيب بمساعدة ممرضتين حتى يحاولون أن يثبتوها حتى يستطيع الطبيب ان يحقنها بالمهديء حتى تنام ثانيةً و لكنهم فشلوا جميعاً...
احتضن جميل زوجته الباكية و هو يبكي أيضاً و كان الجميع في حالة صدمة شديدة..
فقد كانت سارة تصرخ و تبكي بألم و كأنها تحترق حية.. و لم يفهم أحدهم السبب..
أما عاصم فقد كان في صدمة.. فصوت صراخها و بكائها كان كالخناجر التي تنحر في قلبه.. فلم يستطع ان يتحمل ما يحدث.. فقد كانت سارة تتلوى تحت ايديهم و هم يحاولون تثبيتها قسراً و قد كان هذا هو ما لم يحتمله..
صمت عاصم لمدة دقيقتين لا أكثر فلم يستطع أن يقف مكتوف اليدين و هم يعذبون محبوبته فصرخ فيهم بصوته كله حتى انتبه له الجميع....
عاصم: كفاية... سيبوها .
ياترى عاصم عمل كدة ليه..
و وقفهم ليه.. و هايعمل معاهم إيه..
سارة بقت كويسة.. او هاتبقى كويسة.