رواية دوائي الضرير الفصل الخامس عشر15 بقلم نرمين ابراهيم
الفصل الخامس عشر..
مر يومين منذ وصول كريم و شقيقته منة الي منزل الحاج عبد الرحمن.. كان كريم يقضي معظم وقته بالقرب من المنزل متحيناً اللحظة المناسبة حتى ينفرد بسارة حتى يحاول أن يعيدها إليه مرة أخرى.
أما هي فلم تكن تعطيه تلك الفرصة أبدا.. فقد كانت تتعمد الوجود بصحبة هدى أو الحاجة هنية أو فاطمة أو اي شخص فقط حتى لا تتحدث معه.. و انزلم أحد أحداً فقد كانت تلتزم بغرفتها وحيدة..
و لكن في ذلك اليوم...
كانت الثلاث فتيات يجلسن في حديقة السرايا يتسامرن و يبحثن عن فستاناً مناسباً لكل منهن لحضور حفل عقد قران هدى.. كانت سارة معهن بجسدها أما عقلها فيسبح في دوامة كرهها لكريم و عشقها لعاصم..
هدى: بس بصي يا بت يا منة الفستان دة ..
منة: اه هو جميل بس مش شكله هايكبرني شوية.
هدى: و هو انا بوريهولك ليكي انتي.. دة لسارة.. هيبقى تحفة عليكي يا سو..
و لكن سارة لم تجيبها حيث كان ذهنها مشغولاً بإيجاد طريقة حتى تبعد كريم عن دربها للأبد.. فهتفت هدى بإسمها عدة مرات لتنبهها)
هدى: سارة.. سارة انتي معايا ولا ايه؟
سارة(و قد استعادت وعيها): هاا.. اه معاكي.. كنتي بتقولي ايه؟
هدى: منين معايا و منين كنت بقول ايه.. سرحان في ايه يا جميل..
سارة: يابنتي خلاص مش سرحانة.. قولي بقى كنتي بتقولي ايه؟
هدى: كنت بوري البت منة حتة فستان هيبقى تحفة عليكي.. ايه رأيك..
سارة(بسخرية): اممممم.. شكله تحفة.. بس مش ضيق شوية من تحت.
هدى(و هي تضحك): هابقى اوسعهولك يا ظريفة.. هاوصفهولك يا خفة.. و بعدين حتى لو ماعجبكيش.. هاتلبسيه و خلاص.. انا قلت كدة..
منة: ديموقراطية اوي بنت خالتي.. عروستنا هادية و نسمة الحقيقة.
سارة: انتي هاتقوليلي؟!!
هدى: ايه يا حلوة انتي و هي.. هاتحلووا عليا ولا ايه؟ و الله اقلبلكم على وش البلطجة ما تعرفو تلموني.
سارة: لا ياختي و على ايه.. اوصفي اوصفي.
هدى: ايوة كدة.. ناس ماتجيش غير بالعين الحمرا.. بصي يا ستي.. الفستان كت و مش مفتوح اوي.. نازل ضيق كله و ليه ديل على الوسط بنفس طول الفستان.. لونه كشمير يخبل و كله جوبير.. بس بجد شكله فظيع..
سارة: مش هيبقى اوڤر يعني في كتب الكتاب.. نخليه دة للفرح و البس حاجة ابسط في كتب الكتاب..
هدى: اممممم.. بصي لا هو مش هيبقى اوڤر.. بس عموما نشوف غيره... احنا ورانا ايه؟؟
ظلت تبحث مع منة و يساعدا سارة في الاختيار بوصفهما لموديلات الفساتين حتى صدح صوت هاتف هدى باسم آسر ينير شاشته..
فهبت واقفة بسعادة..
هدى: دة آسر... هاقوم ارد و اجي.
منة: يا سلام يا سلام.. ما تردي هنا.. ولا الرد هنا حرام.
سارة: سيبيها يا بنتي ماتبقيش من قطاعين الأرزاق.. روحي روحي يا دودو.. بس ابقي فكريه أنه ليه اخت هنا مابقاش يكلمها الواطي دة..
هدى(ضاحكة): ههههههههه.. حاضر هافكره و هاتخانق معاه كمان عشان مزعلك يا قمر..
تركتهما و ذهبت لتحادثه بعيداً.. فاتجهت لغرفتها حتى تنعم بأكبر قدر من الخصوصية....
هدى: الو.
آسر: ايه يا قمر.. كل دة عشان تردي عليا.. الجميل تقلان عليا ليه كدة؟
هدى: لا مش تقلانة ولا حاجة.. بس اصلي كنت قاعدة مع البنات و سيبتهم عشان ارد عليك..
آسر: قلبي يا ناس.. سيبتي البنات عشاني.. دة انا طلعت مهم بقى.
هدى(بابتسامة سعيدة): طبعا مهم.
آسر: طيب ليه.. ليه مهم؟
هدى(بخجل): ها... عادي يعني.. اصل... اصل لما بابا قالي أنه ادالك نمرتي قالي ارد عليك و اتكلم معاك.. بس بحدود برضه.
آسر(بغيظ حبيب): هو انا جاي اشتري منكم محصول الموالح يابنتي..
هدى(ضحكت بمرح على غيظه): طيب أهدى بس انت اتعصبت ليه كدة؟؟
آسر: مانتي بتقولي حاجات تفور الدم برضة يا دودو.. دة انا خطيبك.. خطيبك يا هدهد.. و بعد كام يوم هابقى جوزك قرة عينك.. تقومي تقوليلي بابا.. بابا ايه اللي جابه هنا دلوقتي طيب بس؟؟!!
هدى(ضحكت بمرح): ههههههههه.. طيب خلاص طيب.. ماتزعلش..
آسر: يالهوي على الضحكة دي.. هو الخميس دة مش هايجي بقى..
ظلت تتحدث معه لمدة وجيزة حتى يتقربان لبعضهما أكثر و أكثر...
أما كريم فقد كان متواجداً في المنزل ذلك اليوم في انتظار فرصة للتحدث مع سارة.. و قد أتت فرصته.. اقترب من مجلس سارة و منة و أشار لشقيقته دون أن تسمعها سارة و طلب منها أن تذهب له دون أن تُحدث اي صوت..
إنصاعت بالفعل لأمره و استأذنت من سارة...
منة: طيب يا سارة انا هاروح الحمام و اجيلك تاني.
سارة: ماشي يا حبيبتي..
ذهبت منة لأخيها فمسك بيدها و ابتعد عن سارة و همس في أذنها بصوت خفيض حتى لا تسمعه سارة...
كريم(بهمس): شاطرة.. ياللا شوفيلك سكة بقى خمس دقائق كدة عبال ما اتكلم مع سارة شوية..
منة(بنفس الهمس): هاتتكلم معاها في ايه.. و مقومني من جنبها زي الحرامية كدة ليه؟؟ و بعدين ماتتكلم قدامي ولا في بينكم اسرار.
كريم(ظل يهمس بغضب): انتي مالك انتي.. ماسورة أسئلة و انفتحت.. انتي تنفذي الكلام و انتي ساكتة.. فاهمة؟؟ ياللا انجري من هنا شوفيلك اي داهية اتلقحي فيها عبال ما اخلص كلام معاها.. ياللا.
نفذت حديثه و ابتعدت بالفعل.. ليس طاعة له و لكن خوفاً منه فكريم لم يكن في يوم الأخ الذي يحب شقيقته و يحنو عليه.. فقد كان دائماً يتعامل معها بعنف و شدة..
تركته و ذهبت فأقترب هو من سارة التي شعرت بوجوده من رائحة عطره التي أصبحت تُشعرها بالتقزز و الغثيان..
اعتدلت على مقعدها بتوتر و تأهب...
سارة: مين هنا؟؟ مين هنا جنبي؟؟
كريم(و هو يجلس على المقعد المجاور لها): ايه مالك.. اهدي كدة.. دة انا.
سارة(بجمود): على أساس أن انا كدة المفروض اطمن..
كريم: و ماتطمنيش ليه يعني.. مانا وجودي زمان كان بيطمنك.. ولا نسيتي.
سارة: مانسيتش.. بس زي ما انت قلت الكلام دة كان زمان... و الظاهر أن انت اللي نسيت اللي حصل.. عن اذنك..
كادت ان تقوم و لكن كريم اقترب منها أكثر و لمس يدها التي تمسك بها مسند مقعدها بتأهب و كأنها على استعداد كامل للهرب و جعلها تجلس مرة أخرى.. و لكنها سحبتها سريعاً كمن لدغتها حية سامة قاتلة.. بل و الأكثر أن لدغة الثعبان الذي لدغها في غرفتها لم تؤلمها أو تزعجها مثلما ألمتها لمسته.. فقال هو برجاء مزيف..
سارة: اوعى ايدك دي ماتلمسنيش.. انت فاهم؟
كريم(ابعد يده سريعاً خوفاً من صراخها الذي يمكن ان يسمعه أحد): فاهم فاهم.. و كمان مانسيتش.. مانسيتش يا سارة ولا عمري هانسى.. بس انا اتغيرت.. صدقيني اتغيرت.. انا مش كريم بتاع زمان.. خسارتي ليكي علمتني كتير.
سارة: يا سلام.. و انا بقى المفروض اني اصدق الكلام الفارغ بتاعك دة.. مش كدة؟؟
كريم: و ليه لا.. صدقيني يا سارة.. انا عمري ما حبيت حد غيرك.. انتي و بس اللي قلبي دق لها..
سارة(بتهكم): اممممم.. و اللي شوفتك معاها دي كان ايه اللي دقلها كبدك..
كريم(ضحك بتسلية): ههههههههه.. لسة دمك شربات زي ما انتي ماتغيرتيش.. يا ستي اعتبريها كانت نزوة ولا حتى تصبيرة..
سارة(بتقزز): تصبيرة؟؟ و اللي انا ماشفتهمش معاك غيرها و اللي عرفت انهم كتير اوي دول كانو ايه كمان..
كريم: نزوة.. نزوة يا حبيبتي زي ما قولتلك والله..
سارة(بعنف): ماتقولش حبيبتي.. انا مش حبيبتك.. لا عمري كنت ولا عمري هاكون حبيبتك.. انت فاهم..
كريم(خوفاً من ارتفاع صوتها و من أن يسمعه أحد): طيب.. طيب خلاص اهدي.. ارجوكي يا سارة اديني فرصة تاني.. فرصة واحدة بس اثبتلك فيها اني اتغيرت و بقيت إنسان تاني.. عشان خاطري.
سارة: مالكش خاطر عندي يا كريم.. اللي كان بيني و بينك انتهى بمجرد ما شوفتك في حضن واحدة تاني.. و هاقولهالك لأخر مرة.. انساني و ماتحاوليش تتعرض لي مرة تانية عشان ساعتها هازعلك..
هاوريك اللي عمرك ما شوفته.. هاوريك سارة تانية عمرك ما كنت تتوقعها.. فاهم.. و كفاية اوي انك كنت السبب في أن عينيا راحت و بقيت عاجزة بالشكل دة.. ولا انت عايز المرة دي تموتني خالص.
همت أن تقف مرة أخرى لتذهب و لكنه فاجئها عندما امسك بيدها بقوة ألمتها لتجلس مرة أخرى رغماً عنها... فجلست متألمة...
سارة: ااه ايدي.. انت اتجننت؟؟ انت ازاي تمسكني كدة.. سيب أيدي..
كريم(و قد تغيرت نبرته من الحنان و الحب الغضب و التهديد فهمس بفحيح كالافعى): لا ماتجننتش لسة.. بس صدقيني عندي جنان كتير اوي لو ماسمعتش الكلام.. و بعدين ايه يعني ما امسكها عادي.. ما انا ياما مسكتها زمان ولا دلوقتي بقيت كوخة و هو يمسكها عادي..
سارة: قصدك ايه؟؟
كريم(ترك يدها عندما علم أنه استرعى انتباهها): قصدي انتي فاهماه كويس.. عاصم.. ولا مابيمسكش هو و يحضن و يفعص كمان؟؟ ولا ليه هو حلال و انا تعلقيلي المشنقة.
سارة(بتقزز): انت ازاي حقير اوي كدة؟
كريم: انا مش حقير.. انا شوفتكم امبارح بالليل مانتي عارفة يا روحي أني مابنامش بدري... قولت اطلع اتمشي و اشوفك عشان اتكلم معاكي شوية عشان كنتي وحشاني اوي.. روحت لك اوضتك بس مالقتكيش فيها.
سارة(بصدمة): اوضتي.. هي حصلت انك تدخل اوضتي كمان؟
كريم(ببجاحة): اه.. حصلت.. بس خسارة مالقتكيش.. فضلت أسأل نفسي يا تري راحت فين يا ترى راحت فين.. قلت اكيد عند حبيب القلب.. اينعم انا ماكنتش متأكد بس قولك أتأكد بنفسي..
اصل نظراته ليكي كانت مفضوحة اوي.. هو صحيح بيداريها كويس بس على مين.. دة انا كيمو برضه..
المهم اني روحت له اوضته و خبطت عليه بس ماردش.. فتحت الأوضة لقيتها فاضية..
ظهرت على ملامح سارة التقزز و الازدراء.....
سارة(بغضب مكتوم): انت بني ادم سافل و حقير.. انت ايه؟؟ فاكر كل الناس زبالة زيك؟
كريم(بإستفزاز): ما انا كنت فاكر أن مش كل الناس زبالة زيي.. بس لما روحت فتحت باب السطح اتصدمت يا بنتي من اللي شوفته..
خطيبتي في حضن ابن خالتي.. شوفتي بقى انا قد ايه شايل في قلبي و ساكت.
سارة(حزن على اسنانها و قالت بحدة): ماتقولش خطيبتك.. انا مش خطيبتك.. كنت فاهم... كنت.. انا مش خطيبتك..
كريم(ببرود و نبرة تشبه فحيح افعى سامة): بس حبيب القلب مايعرفش انك كنتي خطيبتي.. و شوفي بقى لما يعرف أن السنيورة اللي عايمة في بحور العسل معاه مخبية عليه أنها كانت مخطوبة و لمين لابن خالته كمان.. شوفي بقى هايعمل فيكي ايه؟
سارة(و قد تلألأت دموع الحزن في مقلتيها): انت حيوان.. حيوان.
كريم: حيوان حيوان.. بس بحبك و عايزك ترجعي لي..
سارة(بقوة): مستحيل.. دة لما تشوف حلمة ودنك.
كريم(ببرود): عموما انا هاديكي فرصة النهاردة.. لو ماجيتيليش اوضتي عشان نتفاهم و بمزاجك.. هاتصرف انا بقى تصرف مش هايعجبك..
سارة: انت فاكر اني هاجيلك اوضتك مهما حصل.
كريم: و هو انا اوضتي و السطح ايه.. ما هم واحد.. دة حتى اوضتي و السطح يبقو ولاد خالة.. هاستناكي و ياريت ماتتاخريش عليا عشان بقيت انام بدري.. سلام يا سو.
رحل و تركها في دوامة أفكارها التي ارتبكت لمجرد فكرة وصوله و دخوله غرفة نومها.. بل و يريدها أيضاً أن تذهب له لغرفته..
لم يكن يعلم كريم ان سارة قد قصت على عاصم كل ما حدث في حياتها قبله.. تحدثت معه عن خطيبها السابق و ما حدث منه و لكنها لم تذكر اسمه..
لم تحتار سارة في تفكيرها كثيراً.. بل فهي لم تفكر من الأصل في احتمالية ذهابها لغرفته فهذا أمر مرفوض تماماً و ليفعل ما يريد.. و لكنه و بكل سفاقة يهدد علاقتها بعاصم.. يهدد علاقة الحب الوحيدة التي مرت بحياتها..
و لكن ماذا إن نفذ تهديده..
هل سيتركها عاصم بالفعل.. هل سيتركها من أجل قريبه الذي تسبب في عاهتها.. لا فعاصم قد ذاق مرارة الخذلان مع شقيقته و مع زوجته أيضاً.. و لن يسلمها له و لن يدعه يجرحها مرة أخرى...
و بالخارج...
و دون أن تدري وجدت منة نفسها تقف بالقرب من سارة و كريم لتستمع إلى حديثها.. فهي تعلم مدى تمرس شقيقها في أمور النساء.. و تعلم جيداً عن كثرة علاقاته.. فظنت أنه سيحاول أن يضم سارة إلى "الحرملك" الخاص به.. و لكنها فزعت عندما سمعت حديثهما.
لم تتخيل أن يكون شقيقها بكل هذا الكم من القذارة و الوضاعة حتى يستغل عجز فتاة ضريرة.. بل أنه هو من كان السبب في عاهتها..
و لكن كيف.. كيف ذلك..
افاقتها من صدمتها الكبرى هدى و هي تنقض عليها بمرح..
هدى: منون..
منة(بفزع): اخس عليكي يا هدى خضتيني..
هدى(ضحكت بمرح): ههههههههه... واقفة عندك بتعملي ايه يا سوسة انتي ؟؟
منة: مابعملش.. بس روحت الحمام و راجعة أهو.
هدى: طيب تعالي نروح لسارة.. سايبينها لوحدها من بدري..
امسكت يدها و اتجهت لسارة و تحدثت بمرح..
هدى: اديني جيت اهو يا سو.. اتأخرت عليكي؟؟
سارة(و هي تمسح دموعها): لا يا حبيبتي ماتأخرتيش ولا حاجة.
هدى(بعد أن رأت إحمرار عينيها و دموعها التي مسحتها): ايه دة؟؟ سارة انتي بتعيطي؟؟
سارة(حاولت أن تخفي حزنها و دموعها): لا.. لا يا حبيبتي مش بعيط ولا حاجة.
هدى: لا بتعيطي.. مالك يا قلبي.. إيه اللي مزعلك؟؟ احكيلي.
سارة: سلامتك يا هدى... صدقيني مافيش حاجة.. دة يمكن بس شوية تراب دخلو في عيني من الهوا.
هدى: لا.. شكلك مش طبيعي خالص... انتي تعبانة من حاجة.. اجيبلك دكتور.
سارة: لا لا.. مش للدرجة دي دكتور ايه بس.. بس يمكن ضغطي مش مظبوط شوية اليومين دول.. شكل العلاج كدة عايز يتغير.
هدى: طيب يا حبيبتي.. نشوف دكتور عشان يغيرهولك.
سارة(تلجلجت بحيرة): لا مش هينفع.. ما هو.. ماهو لازم اللي يغيرهولي هو الدكتور اللي متابعة معاه.. انا هاطلع أكلمه و ارتاح شوية.
هدى: طيب تعالي اوصلك.
سارة: لا مافيش داعي.. انا بقيت عارفة طريق الاوضة خلاص.. انا هاطلع ارتاح شوية.. عن اذنكم .
تركتهما و صعدت لغرفتها فسرحت منة فيما رأته.. فحالة سارة تغني عن 1000 سؤال.. فقد كانت خائفة حزينة باكية.. فهذا هو التأثير الطبيعي عندما تسمع فتاة حديث مشابه مثل الحديث الذي سمعته من كريم..
و برغم الفكرة الجيدة التي اخذتها عن سارة في اليومين التي قضتهما معها إلا أنها قررت تحري أمرها أكثر من هدى.. فسألتها...
منة: هدى بقولك ايه.. هو انتي تعرفي سارة دي كويسة؟؟
هدى: ايوة طبعا.. بس بتسألي ليه؟؟
منة: لا مش قصدي حاجة.. بس هو انتي تعرفي اي عنها؟؟ يعني أقصد عن اخلاقها و كدة.
هدى: مالك يابنتي بيها.. و بعدين سارة عايشة معانا بقالها فوق الـ 6 شهور دلوقتي و عمرها ماعملت حاجة تخلي الواحد يشك فيها أو يشوفها وحشة.. و انتي كمان بقالك معانا هنا يومين ايه رايك انتي فيها..
منة: يومين مايبينوش حاجة برضه..(صمتت قليلاً لتسألها) هي أصلا من القاهرة؟
هدى: لا هي عيلتها كلها من المنيا بس مقيمين في القاهرة.. باباها دكتور لغة عربية في جامعة القاهرة.. و بعدين سافرو كلهم أمريكا و هي كانت بتدرس في امريكا و رجعت تشتغل هنا في مصر..
منة: و هي عامية اصلا ولا ايه؟؟
هدى: هو انتي مالك بتسألي ليه كل الأسئلة دي؟؟
منة: مافيش ادينا بندردش.. و بعدين اصل هي بصراحة شخصية جميلة اوي و انا كنت عايزة اعرف عنها اكتر.
هدى: ماشي يا ستي.....
و قصت هدى على مسامع منة كل قصة سارة و كيف فقدت بصرها و كم كان ذلك الشاب الذي ارتبطت به نذلاً دنيئاً مما أكد لها فكرتها السيئة عن أخيها.. و تركتها في حيرة أكبر و هي تفكر في طريقة مناسبة كي تساعدها على الفرار من براثن أخيها القاتلة..
==============================
أما سارة...
فقد صعدت إلى غرفتها و ظلت بها طوال اليوم و حتى موعد الغداء و التي رفضت أن تنضم إليهم فيه.. لم يحضر عاصم أيضاً حيث كان مشغولاً بشدة في بعض الاعمال خارج القرية..
فقد كان الخوف يأكلها.. خوف من كريم فمجرد ظهوره يشعرها بالخوف و بأنه سيتسبب في مشاكل لا حصر لها.. و خوف على عاصم و على حبهما الوليد الذي لم يرى النور بعد.. خوف من اضطرار عاصم أن يختار بينها و بين كريم..
انتشلها من دوامة أفكارها إتصال آسر بها... ردت و حاول ألا تظهر له ما بداخلها و أن تبدو طبيعية بقد الإمكان...
سارة: الو.
آسر: سو.. روح قلبي.
سارة(بمرح حتى لا يشعر بما يجيش بداخلها): روح قلبك ايه بقى.. ما خلاص راحت عليا.
أسر (ضحك بمرح و حب على غيرة شقيقته): ههههههههه و انا أقدر برضة.. دة انتي الخير و البركة يا قمر.
سارة: لا يا شيخ؟؟ الله يرحم ايام ما كنت بتكلمني مرتين تلاتة في اليوم.. دلوقتي هي مرة لو عملتها اصلا.
آسر: معلش يا سو مانتي برضه لازم تراعي ظروف اخوكي.. اخوكي عريس جديد و داخل على جواز و مصاريف و هم ما يتلم.. يعني لازم احافظ على فاتورة الموبايل شوية عشان ماتأڤورش مني..
الله مش بيتنا اولى برضة يا حبيبتي..
سارة: بيتنا اولى؟!!.. انت فاكر نفسك بتكلم مين ياض انت.. انا سارة.. ها سارة اختك مش هدى.
آسر (متصنعاً الصدمة): اه صحيح.. سوري يا سو نسيت.
سارة: خفة يا واد.
آسر: خلاص قلبك ابيض بقى خلينا في المهم.. انتي عاملة اية؟؟ وحشتيني خالص.
سارة: يا سلام؟؟
آسر: والله وحشاني بجد..
سارة: ماشي يا سيدي.. و انت كمان واحشني اوي.. عامل ايه و اخبارك..
آسر: تمام يا قلبي.. انا كويس طول ما انتي كويسة.
سارة: ربنا يخليك ليا يا حبيبي.. ها جهزت بدلتك و حاجتك ولا لسة؟؟
آسر: لا لسة صدقيني.. بس بصراحة محتاس من غيرك.. كان نفسي تختاري معايا.
سارة: انت هتعمل زي هدى.. دى روشت نافوخي.. كل شوية توصفلي في فساتين و تقعد تقولي اختاري.. على أساس اني شايفاهم يعني؟
شعر آسر بالحزن من أجل شقيقته.. فها هي هدي مرت بنفس ظروفها و مَن الله عليها بالشفاء.. و كان هو يدعو الله كثيراً حتى يشفي سارة أيضاً..
آسر: بكرة تخفي انتي كمان و تختاري بنفسك كل اللي انتي عايزاه.
سارة(و تغلف صوتها بنبرة حزن يائسة): مابقتش فارقة صدقني يا آسر.. انا خلاص اخدت على نفسي كدة.. هاتصدقني لو قولتلك اني دلوقتي خايفة افتح..
آسر(بحنان): ليه يا حبيبتي بس بتقولي كدة.. ربنا هايشفيكي إن شاء الله و ترجعي تعيشي حياتك زي ما انتي عايزة..
سارة(تنهدت بعمق): إن شاء الله يا حبيبي..
أكملت حديثها معه و أنهت مكالمتها و عادت لدوامة أفكارها مرة أخرى... و التى قادتها لنتيجة واحدة و هي ألا تعير لكريم و تهديداته اي أهمية.
فكريم إنسان سادي و متسلط و هذا النوع من البشر يتغذي على خوف و خنوع الآخرين.. و هي كطبيبة نفسية تعلم جيداً أنها أن خضعت له مرة سوف يزيد ذلك من غروره و جبروته..
فقررت أن تتجاهله تماماً...
==============================
في مساء اليوم التالي....
ظلت سارة بغرفتها لباقي النهار و اليوم التالي كله و لم تخرج منها منعاً لأي احتكاك بينها و بين كريم...
أتى موعد العشاء و وصل الحاج عبد الرحمن في نفس موعده اليومي.. و جلس الجميع إلى طاولة الطعام التي تحوى الأطعمة الشهية.
جلس الجميع معاً و لكن دون سارة التي ادعت التعب و الإرهاق.. و أيضاً عاصم الذي قد تأخر في رحلة عمله خارج المحافظة...
عبد الرحمن: ياللا يا ولاد بسم الله.
هنية: امال عاصم فينه يا حاچ.؟؟!
عبد الرحمن: عاصم النهاردة كان عنديه مشاوير كتيرة في البندر و راح يجضيها.
هنية: يعني لسة هايتاخر عاد.. دة يا حبة عيني ماچاش على الغدا كمان.
عبد الرحمن: حدتني من شوية و جال أنه خلاص داخل على البلد.. يعني خلاص على وصول.
هنية: ياچي بالسلامة.
كريم(بتهكم و هو يقصد علاقته بسارة): بيتعب عاصم أوي.. الله يكون في عونه.
هنية(بطيبة و هي لم تفهم نبرته الساخرة): تعيش يا حبيبي و يكون في عونك انت كمان.
ما أن أنهت هنية حديثها حتى وجدو عاصم يدخل إلى مجلسهم... فقال كريم بسخرية و هو يضع لقمة الطعام في فمه...
كريم(في نفسه): speak of the devil.
"جبنا سيرة القط"
عاصم: السلام عليكم.
عبد الرحمن: و عليكم السلام يا ولدي.. حمد الله علي السلامة.
عاصم(ببسمة سعادة فهو على بُعد خطوتين من رؤيتها): الله يسلمك يابوي.
هنية: اجعد.. اجعد يا ولدي اتعشا معانا.. تلاجيك يا كبدي مادوجتش الزاد طول النهار.
كريم: ليه يعني يا طنط.. هو البندر مافيهوش اكل ولا إيه.
هنية: لا يا ولدي فيه كتير.. بس عاصم ماعاياكولش لجمة واحدة إلا اما تكون من يدي.. صُح يا عاصم؟
عاصم(مقبلاً يدها بحب): صُح يا ام عاصم.. امال البنات فين امال؟
هنية: هدى و منة طلعو يچيبو سارة.. بس يارب تنزل معاهم.. الا دي يا حبة عيني ما داجتش الزاد طول النهار.
عاصم: ليه اكده.. هي تعبانة ولا ايه؟
عبد الرحمن(بنبرة قلق صادقة): اطلب لها الدكتور ياچي يشوفها.
كريم: و انا روحت فين.. دكتور و انا موجود برضه يا عمي..
عاصم(بغيرة): لا هو جصده دكتورة.. ست يعني مش راچل.
كريم: ايه يا عاصم الكلام دة.. هو في حد لسة بيفكر بالطريقة دي دلوقتي...
عاصم: يا سيدي احنا دجة جديمة.. ماليكش صالح انت.
هنية: ريحو روحكم.. جولتلها اچيبلك دكتور مارضيتش..
عاصم: و انتي سمعتي حديتها ليه ياما.. يمكن تعبانة و ماريداش تجلج حد.
هنية(و قد أصابتها عدوة القلق عليها): يووه بجى و اني اعرف منين اني.. (ثم رأت الفتاتين تنزلان على السلم بدونها) اهم البنات نزلو اهم.. ها يا بنات عملتو اي؟؟
منة: مارضيتش تنزل ابدا..
عبد الرحمن: ليه.. تعبانة ولا ايه؟
هدى: لا يا بابا هي شكلها مضايقة مش تعبانة..
نظرت منة لأخيها الذي يأكل بلا أدنى إهتمام بنظرة ازدراء و تقزز من أفعاله...
هنية: مضايجة من ايه طيب.
هدى: مش عارفة يا ماما صدقيني.. هي بتقول انها تعبانة و هاتنام.. بس شكلها زعلانة.
هنية: طيب اجعدو كلو انتو و بعد الاكل نطلع اني و انتو نجعدو معاها شوية و نشوفو فيها ايه؟؟
سارت كل هذه المحادثة على مسمع من عاصم و لكن عقله كان قد تركه و ذهب لها.. كاد أن يحطم شوكته و سكينه من ضغطه عليهما.. فقلقه على حالتها يتضاعف يوماً عن الآخر..
لاحظه كريم و علم ما يدور بباله.. فقد تأكد الان ان عاصم يحبها.. أبتسم بتهكم عندما اكتملت خيوط خطته في عقله الذي لا يحوي غير الشر..
فاق عاصم على صوت والدته هي تسأله بحنان....
هنية: مالك يا ولدي.. ماعتاكولش ليه؟؟
كريم: شكله كدة كل برة.. و اكل البيت مابقاش يعجبه.
عاصم: كريم.. طلعني من نافوخك يا كريم السعادي.. اني مانجصش.
هنية: واه يا عاصم.. مالك عاد.. واد خالتك عايهزر معاك.
عاصم: و اني ماطيجش هزار حد.. اني طالع انام..
هنية: طيب كمل وكلك.. دة انت ماكالتش حاچة يا ولدي.
عاصم: مالياش نفس ياما.. تصبحو بخير.
تركهم و اتجه لغرفته.. و أثناء سيره وقف أمام باب غرفتها و بصعوبة شديدة منع يده من أن تطرقه لكي يطمئن عليها.. تحرك من أمام غرفتها و دخل غرفته و ظل ينتظر نومهم بفارغ الصبر.. و قد مرت الساعات طويلة مملة تحرقه بنار الانتظار قبل أن يمسك بهاتفه و يطلب رقمها... و لكنها لم ترد.. مرة و أخرى و ثالث... ثم......
أما هي فقد التزمت بوعدها لنفسها بألا تخرج من غرفتها حتى لا تلتقي به...
خاصة بعد أن ارسل لها كريم تلك الرسالة الصوتية..
كريم: مساء الهنا على عيوني انا.. الله عليا.. دة انا عليا جُمل عليا جُمل.. انفع شاعر والله.. المهم..
مالك من ساعة ما كنا مع بعض امبارح ماخرجتيش من اوضتك ليه.. وحشتيني على فكرة..
اطلعي يا سارة.. اطلعي عشان لو ماطلعتيش هادخلك انا.. ولا مش قادرة على بُعد حبيب القلب..
عموماً.. احنا كان في بينا اتفاق انك تيجيلي اوضتي امبارح و انتي مانفذتيش.. و عشان تعرفي اني بحبك و باقي عليكي.. هاديكي فرصة النهاردة كمان.. و لو ماسمعتيش الكلام و جيتي عندي زي ما اتفقنا.. يبقى اتفاقنا لاغي..
و بكرة الصبح على الفطار.. بدل ما يفطرو بيض و جبنة و عسل.. هايفطرو بأخبار علاقتنا في أمريكا مع شوية تحابيش كدة من عندي إنما ايه.. هاتعجبك اوي.. سلام يا قطة.. مستنيكي.. ماتتأخريش عليا.
زادت هذه الرسالة الملح على جرحها.. فأصبح قلبها يصرخ طلباً للأمان الذي لا تجده الا في صحبة عاصم.. سمعت رنة هاتفها مرتين بإسمه و لكن دموعها و صوتها المتحشرج إثر بكائها منعاها من الرد..
خشيت من رد فعله إن علم بحزنها أو عندما يسمع صوتها الباكي.. و لكن مع إصراره ردت عليه في المرة الثالثة..
سارة(بصوت خافت حزين و مرهق): الو.
عاصم(بصوته الغاضب من كثرة قلقه و خوفه): انتي بتعملي فيا كدة ليه يا سارة؟ ليه؟ حرام عليكي.. ليه بتعذبيني كدة..
لم ترد عليه.. فنبرته القلقة اوجعتها.. فكيف ستعيش بدونه و بدون حبه و قلقه عليها الذي يحيها.. كتمت شهقة بكائها بكف يدها حتى لا يسمع صوتها الباكي.. و لكن صمتها زاد اشتعال قلبه..
عاصم: سارة ارجوكي ردي عليا.. انا ماصدقت أنهم طلعو اوضهم و نامو عشان اعرف اكلمك.. ردي عليا ماتوجعيش قلبي اكتر من كدة.
سارة(بصوت باكي): انا كويسة يا عاصم..
عاصم: كويسة ازاي؟؟ لا صوتك مش كويس خالص.. يا سارة انا قلقان عليكي.. لا مش قلقان انا خايف.. مرعوب كمان عليكي... و صوتك بيقول انك مش كويسة و فيكي حاجة مش طبيعية خالص.. ارجوكي يا سارة ريحيني و طمنيني عليكي.. عشان خاطري..
(ثم أمرها بحسم) اطلعي الروف يا سارة حالا.
سارة: معلش يا عاصم مش هقدر أطلع النهاردة.. تعبانة و عايزة انام.
عاصم: انتي ليه مش مقدرة اني هاموت و اشوفك.. ليه مش مقدرة خوفي عليكي.. و انا عارف و متأكد كمان انك مش هاتنامي..
سارة: عاصم عشان خا....
عاصم(مقاطعاً): عشان خاطري انا اطلعي الروف.. 10 دقايق بس اطمن عليكي و ننزل.. ارجوكي.. وحياتي يا سارة عايز اطمن عليكي..
صمتت بتفكير و تنهدت بأسى حتى تتمالك دموعها... فأكمل عاصم بتشجيع....
عاصم: افتحي الباب انا هاجي اخدك.
سارة: لا لا خلاص.. اسبقني و انا بس هاغسل وشي و احصلك.
عاصم: حاضر بس ماتتأخريش عليا.
بدلت ملابسها و غسلت وجهها حتى تزيل آثار دموعها و بكائها و حاولت أن تبدو طبيعية بقدر الإمكان.. تركت غرفتها و إتجهت إلى الخارج و كانت عيون كريم تراقبها من بعيد دون أن تشعر به.
ظل يراقبها حتى دخلت من باب الروف.. تتبعها بعينيه ثم ذهب خلفها نحو الباب و ظل يراقبهما من خلفه عبر فتحة صغيرة لا تظهر في ظلام الليل.. ثم أخرج هاتفه و قام بتصويرهما...
وصلت سارة و دخلت حيث تلتقي بعاصم الذي انتظرها كثيراً على نار شوقه الحارق... وقف بمجرد أن رآها تفتح الباب.. ذهب إليها و امسك يدها و قبلهما بشوق رد لقلبه روحه و نبضه...
عاصم(بشوق): سارة.. وحشتيني.
سارة(ابتلعت غصة حارقة بجوفها): انت كمان.
عاصم(بحزن): مش باين..
سارة(بعتاب): ليه بتقول كدة.
عاصم: مختفية عني بقالك كام يوم.. مش بتطلعي هنا نتكلم زي كل ليلة.. بتردي على مكالماتي بالعافية بعد ما اتحايل و ازعق و اتخانق.. مالك يا سارة.. طمنيني.
سارة(بتلعثم): طيب... طيب هانفضل واقفين كدة.. مش نقعد الاول.
عاصم: حاضر ... تعالي نقعد.
جلسا بجانب بعضهما و لم يفلت يدها..
عاصم(بإصرار): ها يا ستي.. ادينا قعدنا.. قولي بقى مالك.. فيكي ايه؟؟ ايه اللي تاعبك ولا مضايقك و مغيرك اوي كدة؟؟
سارة: بجد عايز تعرف يا عاصم.
عاصم: طبعا يا روح عاصم.. انتي مش عارفة حالتك دي عاملة فيا ايه.. قولي يا سارة.. قولي كل اللي في قلبك من غير خوف..
سارة(بحزن): حاسة اني مش شايفة..
عاصم(قُبض قلبه لجملتها التي يسمعها منها للمرة الثانية): انتي تاني مرة تقولي كدة.. بس انا مش فاهم قصدك ايه؟؟
سارة: فاكر لما قولتلك اني اول ما فوقت بعد الحادثة و لقيت نفسي مش شايفة فضلت أصرخ و ماكنتش متقبلة حالتي دي؟
عاصم(أزاح خصلة متمردة من شعرها قاصداً لمس وجهها بحب و كأن لمسته سوف تعيد لها نظرها): فاكر يا قلبي فاكر..
سارة: فضلت كتير حاسة ان في طوق حديد بيلف حوالين رقبتي بيخنقني.. كنت حاسة نفسي في اوضة ضلمة حيطانها بتتحرك و تضيق عليا و بتفعصني كمان.
لما دخلت معهد التأهيل الفكرة دي ابتدت تروح واحدة واحدة.. مع العلاج ابتديت اشوف اي جانب إيجابي في اللي حصل و اللي انا فيه عشان اكمل حياتي.
و مع الوقت حسيت إن موضوع عينيا دة مش نهاية العالم.. لا انا أقدر أعيش من غير عينيا.. أقدر أعيش بخيالي.. كنت بستعمل خيالي في كل حاجة فماكنتش بحس اني مش شايفة.
عاصم: طيب و إيه اللي حصل.. ليه حاسة انك مش شايفة؟؟
سارة: عشان خايفة.
عاصم(عقد حاجبيها بتعجب و خوف عليها): خايفة؟؟ من ايه؟؟
سارة: من الدنيا.. يمكن من الايام.. مش عارفة.. بس خايفة.. حاسة اني بقع من جبل عااااااالي اوي.. في ليلة ضلمة مافيهاش قمر.. لا الأرض بتقرب ولا خوفي من الوقعة بيقل.
عاصم: كل دة يا سارة.. كل دة مخبياه جواكي و ساكته.
سارة: الخوف و الرعب خانقيني.. حتى الكلام بقى بيخرج مني بالعافية.
عاصم(ضغط على كف يدها بدعم): خايفة و انتي معايا.. قد كدة وجودي مش فارق معاكي.
نزلت دموع سارة و اختبأت في حضنه.. و استقبلها هو بكل حب و سعادة و سعة صدر و استطاع أن يدعمها بكل قوته..
سارة(و تغير صوتها بسبب بكائها): انا مافيش حاجة مصبراني لحد دلوقتي غير وجودك يا عاصم.. انت وجودك هو اللي مخليني متماسكة لحد دلوقتي.. انت اللي مقويني.
عاصم: سارة.. انا مش فاهم حاجة.. احكيلي طيب في ايه.
سارة: عاصم ممكن اسألك سؤال و ارجوك تجاوبني عليه بمنتهى الصراحة.. و اوعدك مهما كانت اجابتك عمري ما هازعل منك ابدا ابدا... ممكن؟؟
عاصم: طبعا ممكن.. و أكيد هاجاوبك بصراحة.
سارة: هو انت ممكن يجي يوم و تسيبني يا عاصم؟
عاصم(بدون تفكير): إيه الكلام دة.. مستحيل طبعا.. اسيبك ازاي و انتي بقيتي روحي.. بقيتي الهواء اللي بتنفسه.. مستحيل يا سارة مستحيل.
سارة: مهما كانت الأسباب.
عاصم(قبل يدها بعمق): مهما كانت الأسباب يا روحي.. يا سارة خليكي صريحة و قوليلي فيكي إيه.. ريحيني و ريحي نفسك كمان.
سارة: اوعدك اني هاقولك كل حاجة بس في الوقت المناسب.. ممكن تستحملني شوية بس.
عاصم: انا استحملك و استناكي العمر كله يا سارة.. بس انتي شكلك مخبية عليا حاجة كبيرة اوي.. حاجة مخوفاكي لدرجة انها بعدتك عني بالشكل دة.
سارة: صدقني هاقولك كل حاجة بس لما الاقي نفسي قادرة اتكلم.. انت ماعندكش فكرة أنا قد ايه محتاجة احكيلك.. بس مش قادرة.. و الله ما قادرة.
و رمت بنفسها بين أحضانه باحثة عن الامان..
عاصم(احتضنها بدعم و تفهم): و انا جنبك.. جنبك و معاكي لاخر يوم في عمري.. معاكي لحد ما تحبي تحكي و ساعتها هاسمعك بكل كياني.
التزما الصمت قليلاً محتضناً اياها بحب و دعم.. حتى شعر بها افضل فأراد أن يطمئنها أكثر...
عاصم: عارفة..
همهت دون رد دليلاً على هدوئها و راحتها.. فقبل هو رأسها التي تستريح فوق صدره...
عاصم(مبتسماً): انا هاكلم عمي جميل لما يجو الأسبوع الجاي عشان كتب كتاب هدى و آسر..
خرجت من حضنه و اعتدلت دون أن تترك يده..
سارة: هاتكلمه في ايه..
عاصم: فيكي.. هاقوله انا بحب بنتك و عايز اخطفها منك عشان تعيش معايا و تنور الباقي من حياتي.. و نحدد معاه معاد نسافرلكم مصر و اخطبك منه.
سارة: بجد يا عاصم؟؟
عاصم(مقبلاً كفيها عدة قبلات مشتاقة): بجد يا قلب عاصم.
سارة: و لو رفض؟؟
عاصم(و تغيرت تعابير وجهه مع رجفة قلبه الخائف من أن يُرفض بسبب ذلك الشئ الذي ليس له فيه ذنب): و يرفض ليه؟؟
سارة(ابتسمت بحب لأبيها): يعني.. انا بنته الوحيدة.. و بيحبني جدا و مايقدرش يعيش من غيري.. و هاسيبه و اعيش بعيد عنه.. ممكن يرفض ابعد عنه يعني..
عاصم(ابتسم براحة): ساعتها بقى هاخطفك و اهرب بيكي بعيد و اتجوزك غصب عن أي حد.
سارة(ضحكت بمرح): يا سلام.. هاتعمل كل دة عشاني؟؟
عاصم(نظر لها بهيام): و اكتر من كدة كمان.
سارة: طيب ماهو كان هنا ماكلمتوش ليه؟؟؟ ماتزعلش مني انا بس كنت فاكرة انك....
صمتت بحرج فحثها هو على أن تكمل حديثها...
عاصم: كملي يا سارة.. كنتي فاكرة ايه.. قولي كل حاجة جواكي من غير أي حدود..
سارة: يعني.. أقصد لما كانو اهلي هنا عشان آسر يخطب هدى.. كنت فاكرة أنك هاتكلم بابا في موضوعنا احنا كمان.. أو حتى هاتلمح لآسر باي حاجة زي ما هو عمل.. مش قصدي ازعلك.. بس..
وضع أنامله فوق شفتيها ليكمل عنها...
عاصم: أولا أنا مش ممكن ازعل منك مهما حصل...
ثانياً انا طبعا ماكنش ينفع اكلم باباكي في حاجة زي دي هنا..
سارة(بتعجب): ليه؟؟!!!.
عاصم: عشان سارة غالية.. غالية اوي.. لازم اروح لأهلها.. اروح لهم بنفسي لحد عندهم في بيتهم حتى لو هاخدها مشي على رجليا هايبقى قليل عليكي..
و كمان عشان مايقولولناش نعمل كتب كتابنا معاهم.
سارة: ليه؟؟
اقترب منها للحد الغير المسموح حتى لفحت أنفاسه وجنتها الرقيقة و همس امام وجهها بعشق صافي..
عاصم: عشان سارة تستاهل أنها تكون نجمة ليلتها.. تستاهل أن يتعملها فرح ليها لوحدها تكون هي اميرته.. مايشاركهاش حد أبدأ.
سارة: عاصم.. انت متاكد من قرارك دة؟؟
عاصم: قرار ايه؟
سارة: جوازك مني... متاكد من قرارك دة.. من أنك عايز تتجوزني.
عاصم: طبعا يا سارة متأكد.. انا عمري ما كنت متأكد من حاجة قد ما انا متأكد اني عايز ارتبط بيكي و أكمل حياتي معاكي...
سارة: يعني مش ممكن يجي يوم و تندم على قرارك دة؟؟
عاصم: اندم؟ اندم ليه؟ قصدك ايه يا سارة؟
سارة(بحرج): قصدي يعني موضوع عينيا.. مش ممكن يأثر على علاقتنا دي؟؟ مش ممكن يضايقك بعدين.. او يبقى حاجز في حياتنا.
عاصم: انا عمري ما شوفت أن ناقصك حاجة أبداً.. و موضوع عنيكي دة انا عمري ما فكرت فيه.. انتي بالنسبة لي اجمل و احسن بنت في الدنيا..
ابتسمت بحب و لم تنطق.. ظلت في حضنه طوال الليل لم تكتفي منه و لم يمل هو منها.. نامت في حضنه و كأنها لم تنم مطلقاً.. بل إنها بالفعل لم تستطع أن تنام منذ أن وصل كريم.
ثم شق اول نور للشمس ظلام الليل.. فساعدها لتذهب إلى غرفتها لتكمل نومها.. و ذهب هو إلى غرفته يكمل تفكيره الذي حرمه النوم في حالتها الغريبة الحزينة...
ياترى اللي جاي إيه..
أكيد لما عاصم يتقدم لسارة رسمي رد فعل كريم هايبقى مش متوقع.
و ياترى جميل أصلا ممكن يوافق على عاصم لو عرف ان كريم يبقى قريبهم.
او سعاد ماما سارة ممكن توقف جوازة آسر و هدى بسبب اللي كريم عمله في بنتها .
و ياترى إيه هاتبقى خطوة كريم اللي جاية عشان يرجع سارة ليه تاني..
مر يومين منذ وصول كريم و شقيقته منة الي منزل الحاج عبد الرحمن.. كان كريم يقضي معظم وقته بالقرب من المنزل متحيناً اللحظة المناسبة حتى ينفرد بسارة حتى يحاول أن يعيدها إليه مرة أخرى.
أما هي فلم تكن تعطيه تلك الفرصة أبدا.. فقد كانت تتعمد الوجود بصحبة هدى أو الحاجة هنية أو فاطمة أو اي شخص فقط حتى لا تتحدث معه.. و انزلم أحد أحداً فقد كانت تلتزم بغرفتها وحيدة..
و لكن في ذلك اليوم...
كانت الثلاث فتيات يجلسن في حديقة السرايا يتسامرن و يبحثن عن فستاناً مناسباً لكل منهن لحضور حفل عقد قران هدى.. كانت سارة معهن بجسدها أما عقلها فيسبح في دوامة كرهها لكريم و عشقها لعاصم..
هدى: بس بصي يا بت يا منة الفستان دة ..
منة: اه هو جميل بس مش شكله هايكبرني شوية.
هدى: و هو انا بوريهولك ليكي انتي.. دة لسارة.. هيبقى تحفة عليكي يا سو..
و لكن سارة لم تجيبها حيث كان ذهنها مشغولاً بإيجاد طريقة حتى تبعد كريم عن دربها للأبد.. فهتفت هدى بإسمها عدة مرات لتنبهها)
هدى: سارة.. سارة انتي معايا ولا ايه؟
سارة(و قد استعادت وعيها): هاا.. اه معاكي.. كنتي بتقولي ايه؟
هدى: منين معايا و منين كنت بقول ايه.. سرحان في ايه يا جميل..
سارة: يابنتي خلاص مش سرحانة.. قولي بقى كنتي بتقولي ايه؟
هدى: كنت بوري البت منة حتة فستان هيبقى تحفة عليكي.. ايه رأيك..
سارة(بسخرية): اممممم.. شكله تحفة.. بس مش ضيق شوية من تحت.
هدى(و هي تضحك): هابقى اوسعهولك يا ظريفة.. هاوصفهولك يا خفة.. و بعدين حتى لو ماعجبكيش.. هاتلبسيه و خلاص.. انا قلت كدة..
منة: ديموقراطية اوي بنت خالتي.. عروستنا هادية و نسمة الحقيقة.
سارة: انتي هاتقوليلي؟!!
هدى: ايه يا حلوة انتي و هي.. هاتحلووا عليا ولا ايه؟ و الله اقلبلكم على وش البلطجة ما تعرفو تلموني.
سارة: لا ياختي و على ايه.. اوصفي اوصفي.
هدى: ايوة كدة.. ناس ماتجيش غير بالعين الحمرا.. بصي يا ستي.. الفستان كت و مش مفتوح اوي.. نازل ضيق كله و ليه ديل على الوسط بنفس طول الفستان.. لونه كشمير يخبل و كله جوبير.. بس بجد شكله فظيع..
سارة: مش هيبقى اوڤر يعني في كتب الكتاب.. نخليه دة للفرح و البس حاجة ابسط في كتب الكتاب..
هدى: اممممم.. بصي لا هو مش هيبقى اوڤر.. بس عموما نشوف غيره... احنا ورانا ايه؟؟
ظلت تبحث مع منة و يساعدا سارة في الاختيار بوصفهما لموديلات الفساتين حتى صدح صوت هاتف هدى باسم آسر ينير شاشته..
فهبت واقفة بسعادة..
هدى: دة آسر... هاقوم ارد و اجي.
منة: يا سلام يا سلام.. ما تردي هنا.. ولا الرد هنا حرام.
سارة: سيبيها يا بنتي ماتبقيش من قطاعين الأرزاق.. روحي روحي يا دودو.. بس ابقي فكريه أنه ليه اخت هنا مابقاش يكلمها الواطي دة..
هدى(ضاحكة): ههههههههه.. حاضر هافكره و هاتخانق معاه كمان عشان مزعلك يا قمر..
تركتهما و ذهبت لتحادثه بعيداً.. فاتجهت لغرفتها حتى تنعم بأكبر قدر من الخصوصية....
هدى: الو.
آسر: ايه يا قمر.. كل دة عشان تردي عليا.. الجميل تقلان عليا ليه كدة؟
هدى: لا مش تقلانة ولا حاجة.. بس اصلي كنت قاعدة مع البنات و سيبتهم عشان ارد عليك..
آسر: قلبي يا ناس.. سيبتي البنات عشاني.. دة انا طلعت مهم بقى.
هدى(بابتسامة سعيدة): طبعا مهم.
آسر: طيب ليه.. ليه مهم؟
هدى(بخجل): ها... عادي يعني.. اصل... اصل لما بابا قالي أنه ادالك نمرتي قالي ارد عليك و اتكلم معاك.. بس بحدود برضه.
آسر(بغيظ حبيب): هو انا جاي اشتري منكم محصول الموالح يابنتي..
هدى(ضحكت بمرح على غيظه): طيب أهدى بس انت اتعصبت ليه كدة؟؟
آسر: مانتي بتقولي حاجات تفور الدم برضة يا دودو.. دة انا خطيبك.. خطيبك يا هدهد.. و بعد كام يوم هابقى جوزك قرة عينك.. تقومي تقوليلي بابا.. بابا ايه اللي جابه هنا دلوقتي طيب بس؟؟!!
هدى(ضحكت بمرح): ههههههههه.. طيب خلاص طيب.. ماتزعلش..
آسر: يالهوي على الضحكة دي.. هو الخميس دة مش هايجي بقى..
ظلت تتحدث معه لمدة وجيزة حتى يتقربان لبعضهما أكثر و أكثر...
أما كريم فقد كان متواجداً في المنزل ذلك اليوم في انتظار فرصة للتحدث مع سارة.. و قد أتت فرصته.. اقترب من مجلس سارة و منة و أشار لشقيقته دون أن تسمعها سارة و طلب منها أن تذهب له دون أن تُحدث اي صوت..
إنصاعت بالفعل لأمره و استأذنت من سارة...
منة: طيب يا سارة انا هاروح الحمام و اجيلك تاني.
سارة: ماشي يا حبيبتي..
ذهبت منة لأخيها فمسك بيدها و ابتعد عن سارة و همس في أذنها بصوت خفيض حتى لا تسمعه سارة...
كريم(بهمس): شاطرة.. ياللا شوفيلك سكة بقى خمس دقائق كدة عبال ما اتكلم مع سارة شوية..
منة(بنفس الهمس): هاتتكلم معاها في ايه.. و مقومني من جنبها زي الحرامية كدة ليه؟؟ و بعدين ماتتكلم قدامي ولا في بينكم اسرار.
كريم(ظل يهمس بغضب): انتي مالك انتي.. ماسورة أسئلة و انفتحت.. انتي تنفذي الكلام و انتي ساكتة.. فاهمة؟؟ ياللا انجري من هنا شوفيلك اي داهية اتلقحي فيها عبال ما اخلص كلام معاها.. ياللا.
نفذت حديثه و ابتعدت بالفعل.. ليس طاعة له و لكن خوفاً منه فكريم لم يكن في يوم الأخ الذي يحب شقيقته و يحنو عليه.. فقد كان دائماً يتعامل معها بعنف و شدة..
تركته و ذهبت فأقترب هو من سارة التي شعرت بوجوده من رائحة عطره التي أصبحت تُشعرها بالتقزز و الغثيان..
اعتدلت على مقعدها بتوتر و تأهب...
سارة: مين هنا؟؟ مين هنا جنبي؟؟
كريم(و هو يجلس على المقعد المجاور لها): ايه مالك.. اهدي كدة.. دة انا.
سارة(بجمود): على أساس أن انا كدة المفروض اطمن..
كريم: و ماتطمنيش ليه يعني.. مانا وجودي زمان كان بيطمنك.. ولا نسيتي.
سارة: مانسيتش.. بس زي ما انت قلت الكلام دة كان زمان... و الظاهر أن انت اللي نسيت اللي حصل.. عن اذنك..
كادت ان تقوم و لكن كريم اقترب منها أكثر و لمس يدها التي تمسك بها مسند مقعدها بتأهب و كأنها على استعداد كامل للهرب و جعلها تجلس مرة أخرى.. و لكنها سحبتها سريعاً كمن لدغتها حية سامة قاتلة.. بل و الأكثر أن لدغة الثعبان الذي لدغها في غرفتها لم تؤلمها أو تزعجها مثلما ألمتها لمسته.. فقال هو برجاء مزيف..
سارة: اوعى ايدك دي ماتلمسنيش.. انت فاهم؟
كريم(ابعد يده سريعاً خوفاً من صراخها الذي يمكن ان يسمعه أحد): فاهم فاهم.. و كمان مانسيتش.. مانسيتش يا سارة ولا عمري هانسى.. بس انا اتغيرت.. صدقيني اتغيرت.. انا مش كريم بتاع زمان.. خسارتي ليكي علمتني كتير.
سارة: يا سلام.. و انا بقى المفروض اني اصدق الكلام الفارغ بتاعك دة.. مش كدة؟؟
كريم: و ليه لا.. صدقيني يا سارة.. انا عمري ما حبيت حد غيرك.. انتي و بس اللي قلبي دق لها..
سارة(بتهكم): اممممم.. و اللي شوفتك معاها دي كان ايه اللي دقلها كبدك..
كريم(ضحك بتسلية): ههههههههه.. لسة دمك شربات زي ما انتي ماتغيرتيش.. يا ستي اعتبريها كانت نزوة ولا حتى تصبيرة..
سارة(بتقزز): تصبيرة؟؟ و اللي انا ماشفتهمش معاك غيرها و اللي عرفت انهم كتير اوي دول كانو ايه كمان..
كريم: نزوة.. نزوة يا حبيبتي زي ما قولتلك والله..
سارة(بعنف): ماتقولش حبيبتي.. انا مش حبيبتك.. لا عمري كنت ولا عمري هاكون حبيبتك.. انت فاهم..
كريم(خوفاً من ارتفاع صوتها و من أن يسمعه أحد): طيب.. طيب خلاص اهدي.. ارجوكي يا سارة اديني فرصة تاني.. فرصة واحدة بس اثبتلك فيها اني اتغيرت و بقيت إنسان تاني.. عشان خاطري.
سارة: مالكش خاطر عندي يا كريم.. اللي كان بيني و بينك انتهى بمجرد ما شوفتك في حضن واحدة تاني.. و هاقولهالك لأخر مرة.. انساني و ماتحاوليش تتعرض لي مرة تانية عشان ساعتها هازعلك..
هاوريك اللي عمرك ما شوفته.. هاوريك سارة تانية عمرك ما كنت تتوقعها.. فاهم.. و كفاية اوي انك كنت السبب في أن عينيا راحت و بقيت عاجزة بالشكل دة.. ولا انت عايز المرة دي تموتني خالص.
همت أن تقف مرة أخرى لتذهب و لكنه فاجئها عندما امسك بيدها بقوة ألمتها لتجلس مرة أخرى رغماً عنها... فجلست متألمة...
سارة: ااه ايدي.. انت اتجننت؟؟ انت ازاي تمسكني كدة.. سيب أيدي..
كريم(و قد تغيرت نبرته من الحنان و الحب الغضب و التهديد فهمس بفحيح كالافعى): لا ماتجننتش لسة.. بس صدقيني عندي جنان كتير اوي لو ماسمعتش الكلام.. و بعدين ايه يعني ما امسكها عادي.. ما انا ياما مسكتها زمان ولا دلوقتي بقيت كوخة و هو يمسكها عادي..
سارة: قصدك ايه؟؟
كريم(ترك يدها عندما علم أنه استرعى انتباهها): قصدي انتي فاهماه كويس.. عاصم.. ولا مابيمسكش هو و يحضن و يفعص كمان؟؟ ولا ليه هو حلال و انا تعلقيلي المشنقة.
سارة(بتقزز): انت ازاي حقير اوي كدة؟
كريم: انا مش حقير.. انا شوفتكم امبارح بالليل مانتي عارفة يا روحي أني مابنامش بدري... قولت اطلع اتمشي و اشوفك عشان اتكلم معاكي شوية عشان كنتي وحشاني اوي.. روحت لك اوضتك بس مالقتكيش فيها.
سارة(بصدمة): اوضتي.. هي حصلت انك تدخل اوضتي كمان؟
كريم(ببجاحة): اه.. حصلت.. بس خسارة مالقتكيش.. فضلت أسأل نفسي يا تري راحت فين يا ترى راحت فين.. قلت اكيد عند حبيب القلب.. اينعم انا ماكنتش متأكد بس قولك أتأكد بنفسي..
اصل نظراته ليكي كانت مفضوحة اوي.. هو صحيح بيداريها كويس بس على مين.. دة انا كيمو برضه..
المهم اني روحت له اوضته و خبطت عليه بس ماردش.. فتحت الأوضة لقيتها فاضية..
ظهرت على ملامح سارة التقزز و الازدراء.....
سارة(بغضب مكتوم): انت بني ادم سافل و حقير.. انت ايه؟؟ فاكر كل الناس زبالة زيك؟
كريم(بإستفزاز): ما انا كنت فاكر أن مش كل الناس زبالة زيي.. بس لما روحت فتحت باب السطح اتصدمت يا بنتي من اللي شوفته..
خطيبتي في حضن ابن خالتي.. شوفتي بقى انا قد ايه شايل في قلبي و ساكت.
سارة(حزن على اسنانها و قالت بحدة): ماتقولش خطيبتك.. انا مش خطيبتك.. كنت فاهم... كنت.. انا مش خطيبتك..
كريم(ببرود و نبرة تشبه فحيح افعى سامة): بس حبيب القلب مايعرفش انك كنتي خطيبتي.. و شوفي بقى لما يعرف أن السنيورة اللي عايمة في بحور العسل معاه مخبية عليه أنها كانت مخطوبة و لمين لابن خالته كمان.. شوفي بقى هايعمل فيكي ايه؟
سارة(و قد تلألأت دموع الحزن في مقلتيها): انت حيوان.. حيوان.
كريم: حيوان حيوان.. بس بحبك و عايزك ترجعي لي..
سارة(بقوة): مستحيل.. دة لما تشوف حلمة ودنك.
كريم(ببرود): عموما انا هاديكي فرصة النهاردة.. لو ماجيتيليش اوضتي عشان نتفاهم و بمزاجك.. هاتصرف انا بقى تصرف مش هايعجبك..
سارة: انت فاكر اني هاجيلك اوضتك مهما حصل.
كريم: و هو انا اوضتي و السطح ايه.. ما هم واحد.. دة حتى اوضتي و السطح يبقو ولاد خالة.. هاستناكي و ياريت ماتتاخريش عليا عشان بقيت انام بدري.. سلام يا سو.
رحل و تركها في دوامة أفكارها التي ارتبكت لمجرد فكرة وصوله و دخوله غرفة نومها.. بل و يريدها أيضاً أن تذهب له لغرفته..
لم يكن يعلم كريم ان سارة قد قصت على عاصم كل ما حدث في حياتها قبله.. تحدثت معه عن خطيبها السابق و ما حدث منه و لكنها لم تذكر اسمه..
لم تحتار سارة في تفكيرها كثيراً.. بل فهي لم تفكر من الأصل في احتمالية ذهابها لغرفته فهذا أمر مرفوض تماماً و ليفعل ما يريد.. و لكنه و بكل سفاقة يهدد علاقتها بعاصم.. يهدد علاقة الحب الوحيدة التي مرت بحياتها..
و لكن ماذا إن نفذ تهديده..
هل سيتركها عاصم بالفعل.. هل سيتركها من أجل قريبه الذي تسبب في عاهتها.. لا فعاصم قد ذاق مرارة الخذلان مع شقيقته و مع زوجته أيضاً.. و لن يسلمها له و لن يدعه يجرحها مرة أخرى...
و بالخارج...
و دون أن تدري وجدت منة نفسها تقف بالقرب من سارة و كريم لتستمع إلى حديثها.. فهي تعلم مدى تمرس شقيقها في أمور النساء.. و تعلم جيداً عن كثرة علاقاته.. فظنت أنه سيحاول أن يضم سارة إلى "الحرملك" الخاص به.. و لكنها فزعت عندما سمعت حديثهما.
لم تتخيل أن يكون شقيقها بكل هذا الكم من القذارة و الوضاعة حتى يستغل عجز فتاة ضريرة.. بل أنه هو من كان السبب في عاهتها..
و لكن كيف.. كيف ذلك..
افاقتها من صدمتها الكبرى هدى و هي تنقض عليها بمرح..
هدى: منون..
منة(بفزع): اخس عليكي يا هدى خضتيني..
هدى(ضحكت بمرح): ههههههههه... واقفة عندك بتعملي ايه يا سوسة انتي ؟؟
منة: مابعملش.. بس روحت الحمام و راجعة أهو.
هدى: طيب تعالي نروح لسارة.. سايبينها لوحدها من بدري..
امسكت يدها و اتجهت لسارة و تحدثت بمرح..
هدى: اديني جيت اهو يا سو.. اتأخرت عليكي؟؟
سارة(و هي تمسح دموعها): لا يا حبيبتي ماتأخرتيش ولا حاجة.
هدى(بعد أن رأت إحمرار عينيها و دموعها التي مسحتها): ايه دة؟؟ سارة انتي بتعيطي؟؟
سارة(حاولت أن تخفي حزنها و دموعها): لا.. لا يا حبيبتي مش بعيط ولا حاجة.
هدى: لا بتعيطي.. مالك يا قلبي.. إيه اللي مزعلك؟؟ احكيلي.
سارة: سلامتك يا هدى... صدقيني مافيش حاجة.. دة يمكن بس شوية تراب دخلو في عيني من الهوا.
هدى: لا.. شكلك مش طبيعي خالص... انتي تعبانة من حاجة.. اجيبلك دكتور.
سارة: لا لا.. مش للدرجة دي دكتور ايه بس.. بس يمكن ضغطي مش مظبوط شوية اليومين دول.. شكل العلاج كدة عايز يتغير.
هدى: طيب يا حبيبتي.. نشوف دكتور عشان يغيرهولك.
سارة(تلجلجت بحيرة): لا مش هينفع.. ما هو.. ماهو لازم اللي يغيرهولي هو الدكتور اللي متابعة معاه.. انا هاطلع أكلمه و ارتاح شوية.
هدى: طيب تعالي اوصلك.
سارة: لا مافيش داعي.. انا بقيت عارفة طريق الاوضة خلاص.. انا هاطلع ارتاح شوية.. عن اذنكم .
تركتهما و صعدت لغرفتها فسرحت منة فيما رأته.. فحالة سارة تغني عن 1000 سؤال.. فقد كانت خائفة حزينة باكية.. فهذا هو التأثير الطبيعي عندما تسمع فتاة حديث مشابه مثل الحديث الذي سمعته من كريم..
و برغم الفكرة الجيدة التي اخذتها عن سارة في اليومين التي قضتهما معها إلا أنها قررت تحري أمرها أكثر من هدى.. فسألتها...
منة: هدى بقولك ايه.. هو انتي تعرفي سارة دي كويسة؟؟
هدى: ايوة طبعا.. بس بتسألي ليه؟؟
منة: لا مش قصدي حاجة.. بس هو انتي تعرفي اي عنها؟؟ يعني أقصد عن اخلاقها و كدة.
هدى: مالك يابنتي بيها.. و بعدين سارة عايشة معانا بقالها فوق الـ 6 شهور دلوقتي و عمرها ماعملت حاجة تخلي الواحد يشك فيها أو يشوفها وحشة.. و انتي كمان بقالك معانا هنا يومين ايه رايك انتي فيها..
منة: يومين مايبينوش حاجة برضه..(صمتت قليلاً لتسألها) هي أصلا من القاهرة؟
هدى: لا هي عيلتها كلها من المنيا بس مقيمين في القاهرة.. باباها دكتور لغة عربية في جامعة القاهرة.. و بعدين سافرو كلهم أمريكا و هي كانت بتدرس في امريكا و رجعت تشتغل هنا في مصر..
منة: و هي عامية اصلا ولا ايه؟؟
هدى: هو انتي مالك بتسألي ليه كل الأسئلة دي؟؟
منة: مافيش ادينا بندردش.. و بعدين اصل هي بصراحة شخصية جميلة اوي و انا كنت عايزة اعرف عنها اكتر.
هدى: ماشي يا ستي.....
و قصت هدى على مسامع منة كل قصة سارة و كيف فقدت بصرها و كم كان ذلك الشاب الذي ارتبطت به نذلاً دنيئاً مما أكد لها فكرتها السيئة عن أخيها.. و تركتها في حيرة أكبر و هي تفكر في طريقة مناسبة كي تساعدها على الفرار من براثن أخيها القاتلة..
==============================
أما سارة...
فقد صعدت إلى غرفتها و ظلت بها طوال اليوم و حتى موعد الغداء و التي رفضت أن تنضم إليهم فيه.. لم يحضر عاصم أيضاً حيث كان مشغولاً بشدة في بعض الاعمال خارج القرية..
فقد كان الخوف يأكلها.. خوف من كريم فمجرد ظهوره يشعرها بالخوف و بأنه سيتسبب في مشاكل لا حصر لها.. و خوف على عاصم و على حبهما الوليد الذي لم يرى النور بعد.. خوف من اضطرار عاصم أن يختار بينها و بين كريم..
انتشلها من دوامة أفكارها إتصال آسر بها... ردت و حاول ألا تظهر له ما بداخلها و أن تبدو طبيعية بقد الإمكان...
سارة: الو.
آسر: سو.. روح قلبي.
سارة(بمرح حتى لا يشعر بما يجيش بداخلها): روح قلبك ايه بقى.. ما خلاص راحت عليا.
أسر (ضحك بمرح و حب على غيرة شقيقته): ههههههههه و انا أقدر برضة.. دة انتي الخير و البركة يا قمر.
سارة: لا يا شيخ؟؟ الله يرحم ايام ما كنت بتكلمني مرتين تلاتة في اليوم.. دلوقتي هي مرة لو عملتها اصلا.
آسر: معلش يا سو مانتي برضه لازم تراعي ظروف اخوكي.. اخوكي عريس جديد و داخل على جواز و مصاريف و هم ما يتلم.. يعني لازم احافظ على فاتورة الموبايل شوية عشان ماتأڤورش مني..
الله مش بيتنا اولى برضة يا حبيبتي..
سارة: بيتنا اولى؟!!.. انت فاكر نفسك بتكلم مين ياض انت.. انا سارة.. ها سارة اختك مش هدى.
آسر (متصنعاً الصدمة): اه صحيح.. سوري يا سو نسيت.
سارة: خفة يا واد.
آسر: خلاص قلبك ابيض بقى خلينا في المهم.. انتي عاملة اية؟؟ وحشتيني خالص.
سارة: يا سلام؟؟
آسر: والله وحشاني بجد..
سارة: ماشي يا سيدي.. و انت كمان واحشني اوي.. عامل ايه و اخبارك..
آسر: تمام يا قلبي.. انا كويس طول ما انتي كويسة.
سارة: ربنا يخليك ليا يا حبيبي.. ها جهزت بدلتك و حاجتك ولا لسة؟؟
آسر: لا لسة صدقيني.. بس بصراحة محتاس من غيرك.. كان نفسي تختاري معايا.
سارة: انت هتعمل زي هدى.. دى روشت نافوخي.. كل شوية توصفلي في فساتين و تقعد تقولي اختاري.. على أساس اني شايفاهم يعني؟
شعر آسر بالحزن من أجل شقيقته.. فها هي هدي مرت بنفس ظروفها و مَن الله عليها بالشفاء.. و كان هو يدعو الله كثيراً حتى يشفي سارة أيضاً..
آسر: بكرة تخفي انتي كمان و تختاري بنفسك كل اللي انتي عايزاه.
سارة(و تغلف صوتها بنبرة حزن يائسة): مابقتش فارقة صدقني يا آسر.. انا خلاص اخدت على نفسي كدة.. هاتصدقني لو قولتلك اني دلوقتي خايفة افتح..
آسر(بحنان): ليه يا حبيبتي بس بتقولي كدة.. ربنا هايشفيكي إن شاء الله و ترجعي تعيشي حياتك زي ما انتي عايزة..
سارة(تنهدت بعمق): إن شاء الله يا حبيبي..
أكملت حديثها معه و أنهت مكالمتها و عادت لدوامة أفكارها مرة أخرى... و التى قادتها لنتيجة واحدة و هي ألا تعير لكريم و تهديداته اي أهمية.
فكريم إنسان سادي و متسلط و هذا النوع من البشر يتغذي على خوف و خنوع الآخرين.. و هي كطبيبة نفسية تعلم جيداً أنها أن خضعت له مرة سوف يزيد ذلك من غروره و جبروته..
فقررت أن تتجاهله تماماً...
==============================
في مساء اليوم التالي....
ظلت سارة بغرفتها لباقي النهار و اليوم التالي كله و لم تخرج منها منعاً لأي احتكاك بينها و بين كريم...
أتى موعد العشاء و وصل الحاج عبد الرحمن في نفس موعده اليومي.. و جلس الجميع إلى طاولة الطعام التي تحوى الأطعمة الشهية.
جلس الجميع معاً و لكن دون سارة التي ادعت التعب و الإرهاق.. و أيضاً عاصم الذي قد تأخر في رحلة عمله خارج المحافظة...
عبد الرحمن: ياللا يا ولاد بسم الله.
هنية: امال عاصم فينه يا حاچ.؟؟!
عبد الرحمن: عاصم النهاردة كان عنديه مشاوير كتيرة في البندر و راح يجضيها.
هنية: يعني لسة هايتاخر عاد.. دة يا حبة عيني ماچاش على الغدا كمان.
عبد الرحمن: حدتني من شوية و جال أنه خلاص داخل على البلد.. يعني خلاص على وصول.
هنية: ياچي بالسلامة.
كريم(بتهكم و هو يقصد علاقته بسارة): بيتعب عاصم أوي.. الله يكون في عونه.
هنية(بطيبة و هي لم تفهم نبرته الساخرة): تعيش يا حبيبي و يكون في عونك انت كمان.
ما أن أنهت هنية حديثها حتى وجدو عاصم يدخل إلى مجلسهم... فقال كريم بسخرية و هو يضع لقمة الطعام في فمه...
كريم(في نفسه): speak of the devil.
"جبنا سيرة القط"
عاصم: السلام عليكم.
عبد الرحمن: و عليكم السلام يا ولدي.. حمد الله علي السلامة.
عاصم(ببسمة سعادة فهو على بُعد خطوتين من رؤيتها): الله يسلمك يابوي.
هنية: اجعد.. اجعد يا ولدي اتعشا معانا.. تلاجيك يا كبدي مادوجتش الزاد طول النهار.
كريم: ليه يعني يا طنط.. هو البندر مافيهوش اكل ولا إيه.
هنية: لا يا ولدي فيه كتير.. بس عاصم ماعاياكولش لجمة واحدة إلا اما تكون من يدي.. صُح يا عاصم؟
عاصم(مقبلاً يدها بحب): صُح يا ام عاصم.. امال البنات فين امال؟
هنية: هدى و منة طلعو يچيبو سارة.. بس يارب تنزل معاهم.. الا دي يا حبة عيني ما داجتش الزاد طول النهار.
عاصم: ليه اكده.. هي تعبانة ولا ايه؟
عبد الرحمن(بنبرة قلق صادقة): اطلب لها الدكتور ياچي يشوفها.
كريم: و انا روحت فين.. دكتور و انا موجود برضه يا عمي..
عاصم(بغيرة): لا هو جصده دكتورة.. ست يعني مش راچل.
كريم: ايه يا عاصم الكلام دة.. هو في حد لسة بيفكر بالطريقة دي دلوقتي...
عاصم: يا سيدي احنا دجة جديمة.. ماليكش صالح انت.
هنية: ريحو روحكم.. جولتلها اچيبلك دكتور مارضيتش..
عاصم: و انتي سمعتي حديتها ليه ياما.. يمكن تعبانة و ماريداش تجلج حد.
هنية(و قد أصابتها عدوة القلق عليها): يووه بجى و اني اعرف منين اني.. (ثم رأت الفتاتين تنزلان على السلم بدونها) اهم البنات نزلو اهم.. ها يا بنات عملتو اي؟؟
منة: مارضيتش تنزل ابدا..
عبد الرحمن: ليه.. تعبانة ولا ايه؟
هدى: لا يا بابا هي شكلها مضايقة مش تعبانة..
نظرت منة لأخيها الذي يأكل بلا أدنى إهتمام بنظرة ازدراء و تقزز من أفعاله...
هنية: مضايجة من ايه طيب.
هدى: مش عارفة يا ماما صدقيني.. هي بتقول انها تعبانة و هاتنام.. بس شكلها زعلانة.
هنية: طيب اجعدو كلو انتو و بعد الاكل نطلع اني و انتو نجعدو معاها شوية و نشوفو فيها ايه؟؟
سارت كل هذه المحادثة على مسمع من عاصم و لكن عقله كان قد تركه و ذهب لها.. كاد أن يحطم شوكته و سكينه من ضغطه عليهما.. فقلقه على حالتها يتضاعف يوماً عن الآخر..
لاحظه كريم و علم ما يدور بباله.. فقد تأكد الان ان عاصم يحبها.. أبتسم بتهكم عندما اكتملت خيوط خطته في عقله الذي لا يحوي غير الشر..
فاق عاصم على صوت والدته هي تسأله بحنان....
هنية: مالك يا ولدي.. ماعتاكولش ليه؟؟
كريم: شكله كدة كل برة.. و اكل البيت مابقاش يعجبه.
عاصم: كريم.. طلعني من نافوخك يا كريم السعادي.. اني مانجصش.
هنية: واه يا عاصم.. مالك عاد.. واد خالتك عايهزر معاك.
عاصم: و اني ماطيجش هزار حد.. اني طالع انام..
هنية: طيب كمل وكلك.. دة انت ماكالتش حاچة يا ولدي.
عاصم: مالياش نفس ياما.. تصبحو بخير.
تركهم و اتجه لغرفته.. و أثناء سيره وقف أمام باب غرفتها و بصعوبة شديدة منع يده من أن تطرقه لكي يطمئن عليها.. تحرك من أمام غرفتها و دخل غرفته و ظل ينتظر نومهم بفارغ الصبر.. و قد مرت الساعات طويلة مملة تحرقه بنار الانتظار قبل أن يمسك بهاتفه و يطلب رقمها... و لكنها لم ترد.. مرة و أخرى و ثالث... ثم......
أما هي فقد التزمت بوعدها لنفسها بألا تخرج من غرفتها حتى لا تلتقي به...
خاصة بعد أن ارسل لها كريم تلك الرسالة الصوتية..
كريم: مساء الهنا على عيوني انا.. الله عليا.. دة انا عليا جُمل عليا جُمل.. انفع شاعر والله.. المهم..
مالك من ساعة ما كنا مع بعض امبارح ماخرجتيش من اوضتك ليه.. وحشتيني على فكرة..
اطلعي يا سارة.. اطلعي عشان لو ماطلعتيش هادخلك انا.. ولا مش قادرة على بُعد حبيب القلب..
عموماً.. احنا كان في بينا اتفاق انك تيجيلي اوضتي امبارح و انتي مانفذتيش.. و عشان تعرفي اني بحبك و باقي عليكي.. هاديكي فرصة النهاردة كمان.. و لو ماسمعتيش الكلام و جيتي عندي زي ما اتفقنا.. يبقى اتفاقنا لاغي..
و بكرة الصبح على الفطار.. بدل ما يفطرو بيض و جبنة و عسل.. هايفطرو بأخبار علاقتنا في أمريكا مع شوية تحابيش كدة من عندي إنما ايه.. هاتعجبك اوي.. سلام يا قطة.. مستنيكي.. ماتتأخريش عليا.
زادت هذه الرسالة الملح على جرحها.. فأصبح قلبها يصرخ طلباً للأمان الذي لا تجده الا في صحبة عاصم.. سمعت رنة هاتفها مرتين بإسمه و لكن دموعها و صوتها المتحشرج إثر بكائها منعاها من الرد..
خشيت من رد فعله إن علم بحزنها أو عندما يسمع صوتها الباكي.. و لكن مع إصراره ردت عليه في المرة الثالثة..
سارة(بصوت خافت حزين و مرهق): الو.
عاصم(بصوته الغاضب من كثرة قلقه و خوفه): انتي بتعملي فيا كدة ليه يا سارة؟ ليه؟ حرام عليكي.. ليه بتعذبيني كدة..
لم ترد عليه.. فنبرته القلقة اوجعتها.. فكيف ستعيش بدونه و بدون حبه و قلقه عليها الذي يحيها.. كتمت شهقة بكائها بكف يدها حتى لا يسمع صوتها الباكي.. و لكن صمتها زاد اشتعال قلبه..
عاصم: سارة ارجوكي ردي عليا.. انا ماصدقت أنهم طلعو اوضهم و نامو عشان اعرف اكلمك.. ردي عليا ماتوجعيش قلبي اكتر من كدة.
سارة(بصوت باكي): انا كويسة يا عاصم..
عاصم: كويسة ازاي؟؟ لا صوتك مش كويس خالص.. يا سارة انا قلقان عليكي.. لا مش قلقان انا خايف.. مرعوب كمان عليكي... و صوتك بيقول انك مش كويسة و فيكي حاجة مش طبيعية خالص.. ارجوكي يا سارة ريحيني و طمنيني عليكي.. عشان خاطري..
(ثم أمرها بحسم) اطلعي الروف يا سارة حالا.
سارة: معلش يا عاصم مش هقدر أطلع النهاردة.. تعبانة و عايزة انام.
عاصم: انتي ليه مش مقدرة اني هاموت و اشوفك.. ليه مش مقدرة خوفي عليكي.. و انا عارف و متأكد كمان انك مش هاتنامي..
سارة: عاصم عشان خا....
عاصم(مقاطعاً): عشان خاطري انا اطلعي الروف.. 10 دقايق بس اطمن عليكي و ننزل.. ارجوكي.. وحياتي يا سارة عايز اطمن عليكي..
صمتت بتفكير و تنهدت بأسى حتى تتمالك دموعها... فأكمل عاصم بتشجيع....
عاصم: افتحي الباب انا هاجي اخدك.
سارة: لا لا خلاص.. اسبقني و انا بس هاغسل وشي و احصلك.
عاصم: حاضر بس ماتتأخريش عليا.
بدلت ملابسها و غسلت وجهها حتى تزيل آثار دموعها و بكائها و حاولت أن تبدو طبيعية بقدر الإمكان.. تركت غرفتها و إتجهت إلى الخارج و كانت عيون كريم تراقبها من بعيد دون أن تشعر به.
ظل يراقبها حتى دخلت من باب الروف.. تتبعها بعينيه ثم ذهب خلفها نحو الباب و ظل يراقبهما من خلفه عبر فتحة صغيرة لا تظهر في ظلام الليل.. ثم أخرج هاتفه و قام بتصويرهما...
وصلت سارة و دخلت حيث تلتقي بعاصم الذي انتظرها كثيراً على نار شوقه الحارق... وقف بمجرد أن رآها تفتح الباب.. ذهب إليها و امسك يدها و قبلهما بشوق رد لقلبه روحه و نبضه...
عاصم(بشوق): سارة.. وحشتيني.
سارة(ابتلعت غصة حارقة بجوفها): انت كمان.
عاصم(بحزن): مش باين..
سارة(بعتاب): ليه بتقول كدة.
عاصم: مختفية عني بقالك كام يوم.. مش بتطلعي هنا نتكلم زي كل ليلة.. بتردي على مكالماتي بالعافية بعد ما اتحايل و ازعق و اتخانق.. مالك يا سارة.. طمنيني.
سارة(بتلعثم): طيب... طيب هانفضل واقفين كدة.. مش نقعد الاول.
عاصم: حاضر ... تعالي نقعد.
جلسا بجانب بعضهما و لم يفلت يدها..
عاصم(بإصرار): ها يا ستي.. ادينا قعدنا.. قولي بقى مالك.. فيكي ايه؟؟ ايه اللي تاعبك ولا مضايقك و مغيرك اوي كدة؟؟
سارة: بجد عايز تعرف يا عاصم.
عاصم: طبعا يا روح عاصم.. انتي مش عارفة حالتك دي عاملة فيا ايه.. قولي يا سارة.. قولي كل اللي في قلبك من غير خوف..
سارة(بحزن): حاسة اني مش شايفة..
عاصم(قُبض قلبه لجملتها التي يسمعها منها للمرة الثانية): انتي تاني مرة تقولي كدة.. بس انا مش فاهم قصدك ايه؟؟
سارة: فاكر لما قولتلك اني اول ما فوقت بعد الحادثة و لقيت نفسي مش شايفة فضلت أصرخ و ماكنتش متقبلة حالتي دي؟
عاصم(أزاح خصلة متمردة من شعرها قاصداً لمس وجهها بحب و كأن لمسته سوف تعيد لها نظرها): فاكر يا قلبي فاكر..
سارة: فضلت كتير حاسة ان في طوق حديد بيلف حوالين رقبتي بيخنقني.. كنت حاسة نفسي في اوضة ضلمة حيطانها بتتحرك و تضيق عليا و بتفعصني كمان.
لما دخلت معهد التأهيل الفكرة دي ابتدت تروح واحدة واحدة.. مع العلاج ابتديت اشوف اي جانب إيجابي في اللي حصل و اللي انا فيه عشان اكمل حياتي.
و مع الوقت حسيت إن موضوع عينيا دة مش نهاية العالم.. لا انا أقدر أعيش من غير عينيا.. أقدر أعيش بخيالي.. كنت بستعمل خيالي في كل حاجة فماكنتش بحس اني مش شايفة.
عاصم: طيب و إيه اللي حصل.. ليه حاسة انك مش شايفة؟؟
سارة: عشان خايفة.
عاصم(عقد حاجبيها بتعجب و خوف عليها): خايفة؟؟ من ايه؟؟
سارة: من الدنيا.. يمكن من الايام.. مش عارفة.. بس خايفة.. حاسة اني بقع من جبل عااااااالي اوي.. في ليلة ضلمة مافيهاش قمر.. لا الأرض بتقرب ولا خوفي من الوقعة بيقل.
عاصم: كل دة يا سارة.. كل دة مخبياه جواكي و ساكته.
سارة: الخوف و الرعب خانقيني.. حتى الكلام بقى بيخرج مني بالعافية.
عاصم(ضغط على كف يدها بدعم): خايفة و انتي معايا.. قد كدة وجودي مش فارق معاكي.
نزلت دموع سارة و اختبأت في حضنه.. و استقبلها هو بكل حب و سعادة و سعة صدر و استطاع أن يدعمها بكل قوته..
سارة(و تغير صوتها بسبب بكائها): انا مافيش حاجة مصبراني لحد دلوقتي غير وجودك يا عاصم.. انت وجودك هو اللي مخليني متماسكة لحد دلوقتي.. انت اللي مقويني.
عاصم: سارة.. انا مش فاهم حاجة.. احكيلي طيب في ايه.
سارة: عاصم ممكن اسألك سؤال و ارجوك تجاوبني عليه بمنتهى الصراحة.. و اوعدك مهما كانت اجابتك عمري ما هازعل منك ابدا ابدا... ممكن؟؟
عاصم: طبعا ممكن.. و أكيد هاجاوبك بصراحة.
سارة: هو انت ممكن يجي يوم و تسيبني يا عاصم؟
عاصم(بدون تفكير): إيه الكلام دة.. مستحيل طبعا.. اسيبك ازاي و انتي بقيتي روحي.. بقيتي الهواء اللي بتنفسه.. مستحيل يا سارة مستحيل.
سارة: مهما كانت الأسباب.
عاصم(قبل يدها بعمق): مهما كانت الأسباب يا روحي.. يا سارة خليكي صريحة و قوليلي فيكي إيه.. ريحيني و ريحي نفسك كمان.
سارة: اوعدك اني هاقولك كل حاجة بس في الوقت المناسب.. ممكن تستحملني شوية بس.
عاصم: انا استحملك و استناكي العمر كله يا سارة.. بس انتي شكلك مخبية عليا حاجة كبيرة اوي.. حاجة مخوفاكي لدرجة انها بعدتك عني بالشكل دة.
سارة: صدقني هاقولك كل حاجة بس لما الاقي نفسي قادرة اتكلم.. انت ماعندكش فكرة أنا قد ايه محتاجة احكيلك.. بس مش قادرة.. و الله ما قادرة.
و رمت بنفسها بين أحضانه باحثة عن الامان..
عاصم(احتضنها بدعم و تفهم): و انا جنبك.. جنبك و معاكي لاخر يوم في عمري.. معاكي لحد ما تحبي تحكي و ساعتها هاسمعك بكل كياني.
التزما الصمت قليلاً محتضناً اياها بحب و دعم.. حتى شعر بها افضل فأراد أن يطمئنها أكثر...
عاصم: عارفة..
همهت دون رد دليلاً على هدوئها و راحتها.. فقبل هو رأسها التي تستريح فوق صدره...
عاصم(مبتسماً): انا هاكلم عمي جميل لما يجو الأسبوع الجاي عشان كتب كتاب هدى و آسر..
خرجت من حضنه و اعتدلت دون أن تترك يده..
سارة: هاتكلمه في ايه..
عاصم: فيكي.. هاقوله انا بحب بنتك و عايز اخطفها منك عشان تعيش معايا و تنور الباقي من حياتي.. و نحدد معاه معاد نسافرلكم مصر و اخطبك منه.
سارة: بجد يا عاصم؟؟
عاصم(مقبلاً كفيها عدة قبلات مشتاقة): بجد يا قلب عاصم.
سارة: و لو رفض؟؟
عاصم(و تغيرت تعابير وجهه مع رجفة قلبه الخائف من أن يُرفض بسبب ذلك الشئ الذي ليس له فيه ذنب): و يرفض ليه؟؟
سارة(ابتسمت بحب لأبيها): يعني.. انا بنته الوحيدة.. و بيحبني جدا و مايقدرش يعيش من غيري.. و هاسيبه و اعيش بعيد عنه.. ممكن يرفض ابعد عنه يعني..
عاصم(ابتسم براحة): ساعتها بقى هاخطفك و اهرب بيكي بعيد و اتجوزك غصب عن أي حد.
سارة(ضحكت بمرح): يا سلام.. هاتعمل كل دة عشاني؟؟
عاصم(نظر لها بهيام): و اكتر من كدة كمان.
سارة: طيب ماهو كان هنا ماكلمتوش ليه؟؟؟ ماتزعلش مني انا بس كنت فاكرة انك....
صمتت بحرج فحثها هو على أن تكمل حديثها...
عاصم: كملي يا سارة.. كنتي فاكرة ايه.. قولي كل حاجة جواكي من غير أي حدود..
سارة: يعني.. أقصد لما كانو اهلي هنا عشان آسر يخطب هدى.. كنت فاكرة أنك هاتكلم بابا في موضوعنا احنا كمان.. أو حتى هاتلمح لآسر باي حاجة زي ما هو عمل.. مش قصدي ازعلك.. بس..
وضع أنامله فوق شفتيها ليكمل عنها...
عاصم: أولا أنا مش ممكن ازعل منك مهما حصل...
ثانياً انا طبعا ماكنش ينفع اكلم باباكي في حاجة زي دي هنا..
سارة(بتعجب): ليه؟؟!!!.
عاصم: عشان سارة غالية.. غالية اوي.. لازم اروح لأهلها.. اروح لهم بنفسي لحد عندهم في بيتهم حتى لو هاخدها مشي على رجليا هايبقى قليل عليكي..
و كمان عشان مايقولولناش نعمل كتب كتابنا معاهم.
سارة: ليه؟؟
اقترب منها للحد الغير المسموح حتى لفحت أنفاسه وجنتها الرقيقة و همس امام وجهها بعشق صافي..
عاصم: عشان سارة تستاهل أنها تكون نجمة ليلتها.. تستاهل أن يتعملها فرح ليها لوحدها تكون هي اميرته.. مايشاركهاش حد أبدأ.
سارة: عاصم.. انت متاكد من قرارك دة؟؟
عاصم: قرار ايه؟
سارة: جوازك مني... متاكد من قرارك دة.. من أنك عايز تتجوزني.
عاصم: طبعا يا سارة متأكد.. انا عمري ما كنت متأكد من حاجة قد ما انا متأكد اني عايز ارتبط بيكي و أكمل حياتي معاكي...
سارة: يعني مش ممكن يجي يوم و تندم على قرارك دة؟؟
عاصم: اندم؟ اندم ليه؟ قصدك ايه يا سارة؟
سارة(بحرج): قصدي يعني موضوع عينيا.. مش ممكن يأثر على علاقتنا دي؟؟ مش ممكن يضايقك بعدين.. او يبقى حاجز في حياتنا.
عاصم: انا عمري ما شوفت أن ناقصك حاجة أبداً.. و موضوع عنيكي دة انا عمري ما فكرت فيه.. انتي بالنسبة لي اجمل و احسن بنت في الدنيا..
ابتسمت بحب و لم تنطق.. ظلت في حضنه طوال الليل لم تكتفي منه و لم يمل هو منها.. نامت في حضنه و كأنها لم تنم مطلقاً.. بل إنها بالفعل لم تستطع أن تنام منذ أن وصل كريم.
ثم شق اول نور للشمس ظلام الليل.. فساعدها لتذهب إلى غرفتها لتكمل نومها.. و ذهب هو إلى غرفته يكمل تفكيره الذي حرمه النوم في حالتها الغريبة الحزينة...
ياترى اللي جاي إيه..
أكيد لما عاصم يتقدم لسارة رسمي رد فعل كريم هايبقى مش متوقع.
و ياترى جميل أصلا ممكن يوافق على عاصم لو عرف ان كريم يبقى قريبهم.
او سعاد ماما سارة ممكن توقف جوازة آسر و هدى بسبب اللي كريم عمله في بنتها .
و ياترى إيه هاتبقى خطوة كريم اللي جاية عشان يرجع سارة ليه تاني..