رواية دوائي الضرير الفصل الرابع عشر14 بقلم نرمين ابراهيم
الفصل الرابع عشر...
عاد الهدوء مرة أخرى لمنزل الحاج عبد الرحمن و لو بشكل مؤقت بعد تلك الجلبة التي تسبب بها آسر و خطبته على هدى.. فقد عادت سارة مرة أخرى لغرفتها التي تقطنها وحدها..
و في نهاية اليوم التالي بعد شراء شبكة هدى دخلت سارة إلى غرفتها بعد أن انتهي العشاء بين اهل المنزل و اهل سارة و جميع الحضور.. و قد ودعت سارة أسرتها مؤقتا على وعد بالقاء مرة أخرى بعد 10 ايام لحضورهم مع باقي أفراد العائلة من أجل عقد القران.. و قبل أن تغير ملابسها سمعت رنة ضعيفة تصدر من هاتفها بوصول رسالة صوتية إلى تطبيق الـ whatsapp ففتحتها أولا..
ابتسمت و هي تستمع لصوت عاصم و هو يقول بغضب...
"عاصم: قسما بالله يا سارة لو ماطلعتي الروف دلوقتي حالا ما هايحصل خير ابدا.. ثانية واحدة والاقيكي قدامي.. فاهمة؟؟"
كتمت ضحكتها السعيدة بكم الشوق الذي استشعرته في صوته ثم أغلقت الهاتف و خرجت من غرفتها لتتجه إلى ذلك الباب الذي شهد على انطلاق شرارة حبهما و عشقهما..
أما عاصم...
فقد ضاق ذرعاً من كثرة شوقه إليها.. فهو لم يتحدث معها منذ وطأت قدم عائلتها ارض الكفر.. و حتى قبلها بيوم كامل..
فقد اعتاد هو على أن يقابلها في ذلك المكان الفسيح بعد أن ينام الجميع.. المكان الذي أصبح مكانهما السري الذي شهد على اول شرارة حب لهما و على مشوار عشقهما القصير..
و كم قد اشتاق لجلساتهم كثيراً.. استعاد أنفاسه بعد أن غادرت عائلتها.. فها هو المانع الذي كان يحول بينه و بينها قد زال..
صعد بعد العشاء و ذهب الجميع إلى الطابق الثاني بحجة أنه يشعر بالإرهاق و يريد أن ينام و لكنه ذهب لينتظرها في مكانهما ثم ارسل لها تلك الرسالة التهديدية التي فضحت ما بداخله بشكل اكبر و ظل ينتظرها بفارغ الصبر..
و بعد عدة دقائق سمع صوت الباب يُفتح و طلت منه أميرة أحلامه فشعر بقلبه يتراقص على نغمات صوتها المنادي بإسمه.. فلم يشعر الا بأنه يريدها بداخل حضنه.. يريد أن يتلمسها.. أن يشعر بها بداخله..
دخلت هي تتلمس ما حولها كعادتها حتى لا ترتطم بشئ.. تعجبت عندما لم تسمع صوته يناديها أو يديه ترشدها كما اعتادت... فهتفت بإسمه و هي تنتظر الرد...
سارة: عاصم.. عاصم انت هنا؟؟ دة شكله لسة ماجاش من أوضته.
و على حين غرة شعرت بنفسها ترتفع من على الأرض بعدما حاوطتها ذراعي حبيبها القويتين لحمايتها و الحنونتان لها و عليها فقط.. فقد عانقها دون حديث بلهفة مسافر..
فقد زمام سيطرته على نفسه فور سماعه لإسمه منها.. فركض نحوها لف ذراعيه حول خصرها مما أجبرها على أن تلف هي ذراعيها حول عنقه فزاد هو من ضمها رغماً عنه..
رفعها من على الأرض وسط دقات قلبه السعيد بلقائها و ابتسامتها التي زينت وجهها بلهفته عليها..
ظل متشبثاً بها حتى فاقت هي من خمر قربه و قالت بصوت ضعيف..
سارة: عاصم..
لم تتلقى منه رد سوى همهمة مستفهمة فابتسمت و حاولت أنه تنبهه..
سارة: عاصم.. سيبني.
تحولت همهمته هنا من همهمة الاستفهام إلى زمجرة الإعتراض.. فأبتسمت بسعادة و قالت بتعقل...
سارة: عاصم نزلني عشان خاطري.. حد يشوفنا.
عاصم(بعد أن وضعها أرضا برفق و لكن لم يترك خصرها): مابقاش يهمني.. اللي يشوف يشوف.. وحشتيني.
سارة: ياسلام هو انا كنت خرجت من البيت حتى.. ما انا موجودة اهو وحشتك ازاي بقى؟؟ و بعدين في واحد حبيبته وحشته يبعتلها فويس زي اللي انت بعتهالي دي.. دي رسالة تهديد دي.. بتحلف عليا يا عاصم؟؟
عاصم(بكل حب): الله.. اعمل ايه بس ما انتي وحشتيني.. و بعدين انتي كنتي اه موجودة بس بعيدة عني.. لا عارف اكلمك ولا عارف اشوفك براحتي.. حاسس اني كنت متكتف في الزحمة اللي كانت في البيت دي.
سارة(اتسعت ابتسامتها): طيب و دلوقتي؟؟
عاصم: دلوقتي انا حاسس ان روحي رجعتلي لما جيتي دلوقتي و انا واقف اتكلم معاكي و لامسك بأيدي.. مش بقولك وحشتيني.
سارة: انت كمان وحشتني..
عاصم: طيب تعالى بقى عشان عندي كلام كتير اوي عايز اقولهولك.
اخذها و جلسا معا في نفس مكانهما..
سارة: بس ماكنتش اتخيل اني هاوحشك اوي كدة..
عاصم: و اكتر من كدة.. انتي مش عارفة اليومين اللي فاتو دول فاتو عليا ازاي..
سارة: ازاي.. احكيلي.
عاصم: اول يوم الست هدى حابساكي في اوضتها من اول ما صحيتو حتى الفطار ماتهنتش بيه معاكي زي كل يوم فطرتو في الاوضة.. و لما اهلك وصلو و اليوم كله خلص على خير و قولت خلاص بقى هاشوفها.. الاقي الست والدتك تاخدك على الكراڤان هي و ابوكي و سي آسر.. قال ايه وحشتيهم..
سارة(و هي تضحك): ههههههههه.. طيب ما انا كنت وحشاهم فعلا... بقالي اكتر من 7 شهور ماشوفتهمش.
عاصم: طيب و انا؟ مافكرتيش فيا انا.. يوم بحاله مش عارف اقولك ازيك حتى.. هونت عليكي؟
سارة(بحب): عمرك ما تهون عليا أبدا.. بس كنت هاعمل ايه يعني.. ما هما اللي خدوني بالعافية..
عاصم: انا مسكت نفسي بالعافية لما قالو انك هاتنامي معاهم و مش هاتنامي في الفيلا الليلة دي من اني اخطفك منهم و اخليكي تنامي في الفيلا غصب عنهم كلهم.
سارة: طيب الحمد لله انك مسكت نفسك..
عاصم: بقى كدة..
سارة: ههههههههه.. مش قصدي والله.. بس كنت هاتقولهم ايه؟؟
عاصم: كنت هاقولهم دي بتاعتي انا سيبوهالي.. ماحدش ياخدها مني..
كنت هاقولهم اني مش هقدر انام و هي مش في نفس البيت.. حتى لو كانت نايمة بعيد عني بـكام خطوة بس.. كنت هابوس ايدهم و اخليهم يسيبوكي اتكلم معاكي ساعة واحدة بس..
سارة: طيب و إيه اللي منعك؟!!
عاصم(زفر بحيرة): خفت.. خفت ياخدوكي مني خالص.. و خفت عليكي منهم..
سارة: ولا خوفت على نفسك و شكلك؟؟
عاصم(تعجب بصدمة): إيه اللي انتي بتقوليه دة؟؟ ازاي تقولي كدة.. انا عمري ما خفت من أي حاجة... عمر مافي حاجة في الدنيا هزتني ولا خوفتني.. بس خوفت بجد ياخدوكي معاهم مصر.
و انا خلاص مابقتش اقدر اعيش من غيرك يا سارة...
سارة: اقولك انا بقى إيه اكتر حاجة بخاف منها؟؟
عاصم: قولي ياستي ايه اكتر حاجة بتخافي منها.
سارة(بتفكير): اممم.. هاقولك بس من غير تريقة.
عاصم: قولي طبعا و من غير تريقة.
سارة: بجد؟
عاصم(ضحك بمرح): هههه.. يعني هاحاول ماتريقش.
سارة(بنبرة حزينة): الضلمة..
عاصم(عقد حاجبيها بتعجب): الضلمة؟؟
سارة(بنبرة حزينة): ايوة.. اكتر حاجة بخاف منها هي الضلمة.. انا حتى عمري مانمت في الضلمة خالص... اه ماكنتش بعرف برضه انام في النور الشديد بس بنور اباچورة صغيرة جنبي .
بخاف من الضلمة و اهي دلوقتي بقت كل حياتي.
اقولك حاجة..
و اعتدل في جلسته و اقترب منها أكثر قليلاً ولازال ممسكاً بكفيها.. و قد راقها ذلك الوضع بما يحمله من حنان و أمان.. احتواها دون كلمة ولا همسة.. فقط بدقات قلبه.. فاكملت بأريحية....
عاصم(تجهمت معالم وجهه بحزن): قولي طبعا..
سارة: لما فوقت بعد الحادثة فضل عندي انهيار عصبي يمكن 4 ايام.. كل ما افوق افضل أصرخ و اقولهم افتحوا الشبابيك .. نورو النور..(ضحكت بتهكم و الم) زي الافلام العربي بالظبط كدة..
لحد ما جه يوم و استسلمت...
فوقت و سكتت.. ولا زعقت ولا صرخت.. سلمت حياتي لاكتر حاجة بخاف منها و سكتت.. الضلمة..
ضمها لصدره بمنتهي الحنان حتى يبثها الأمان التي تفتقده بداخل غرفتها المضلمة و قد نجح و بجدارة.. فقد تبدل شعورها من الخوف و القلق للاطمئنان الكبير.. غريب أن يكون مجرد حضن هو الأمان.. فأردفت براحة..
سارة: بعد العلاج و التأهيل النفسي مابقتش تفرق معايا.. بقيت قادرة اتعامل معاها.. لسة بتضايقني اوقات.. بس مابقتش اخاف منها زي الأول.
(صمتت قليلاً ثم سألته)و انت..
عاصم: انا ايه؟
سارة: ايه اكتر حاجة بتخوفك.
عاصم: زي ماقولتلك.. انا من يوم ما حبيتك مابقتش اخاف من أي حاجة في الدنيا دي الا بعدك.. بعدك بس اللي ممكن يقتلني.
سارة: بعد الشر عليك.. ماتقولش كدة تاني..
عاصم(قبل كفيها بحب): حاضر.. ربنا يخليكي ليا..(ثم اردف بعشق) عارفة.. قبل ما اعرفك ماكنش في أي حاجة ممكن تخوفني أو تهز شعرة مني حتى.. قلبي قاعد زي مابيقولو.. بس بعد ما قابلتك.. بقت اكتر حاجه بتخوفني هي بُعدك عني بعد ما هدى تخف..
طبعاً أنا بدعيلها ليل نهار و بتمنالها أنها تخف النهاردة قبل بكرة.. لكن بعد كدة ايه اللي هيحصل فيا انا.. هاتسيبيني.. ؟؟
و دي اكتر حاجة مخوفاني.
لم تعقب هي.. فماذا يمكن أن تقول.. أنه يجب أن يخطبها من والدها... لا فهي تشعر بأن سبب خوفه مازال قائماً فلن تطلبها منه أبدا حتى تزول مخاوفه التي لا تعرفها كاملة..
عاصم(أخرجها من حضنه و قال بمرح): تعالي هنا صحيح..
سارة: ايه دة انت قلبت ليه كدة.. في ايه..
عاصم: مش ناوية تقوليلي برضه انتي بتعرفي ازاي اني ببقى موجود من غير ما اتكلم.. دة انتي فضحتيني قدام اهلك اللي قبل ما ادخل ناحيتهم حتى تسلمي عليا.
سارة(ضحكت بملئ فيها): ههههههههه... لا مش هقولك.. دة سر المهنة.. و بعدين هاتضيع على نفسك فرصة انك تسمعني من غير ما أحس بيك.. زي ما انت متخيل يعني.
عاصم: لا قوليلي بجد.. يعني كنتي بتعرفي بوجودي ازاي و بتعرفي اني سمعتك و انتي بتتكلمي مع هدى... ازاي.. و هاتقولي على فكرة لا مفر.
سارة: مصمم يعني؟؟
عاصم: جدا.
سارة: تدفع كام؟؟
عاصم(بشوق و هيام): عمري كله فداكي يا كل عمري.
خجلت للغاية حتى توردت وجنتيها و قالت...
سارة: و بعدين بقى معاك.. بطل معاكسة.
عاصم(ضحك على وجهها المتورد خجلاً): ههههههههه.. حاضر هابطل مؤقتاً.. ها قوليلي بقى..
سارة: اصل انت مش فاهم.. البارفان اللي انت بتحطه ريحته تحفة.. مميز اوي.
عاصم(بانبهار): مش معقول.. (و هو يشم ملابسه) بس ريحته مش قوية اوي كدة...
سارة: مش قوية ايه.. دة انا بشمها من و انت لسة مانزلتش من عربيتك قدام البيت.. انت بس عشان خدت عليه مش بتلاحظه..
عاصم: ماشي يا ستي.. يعني حلو البرفان؟
سارة: حلو عشان انت اللي حاطه...
عاصم(مقبلاً يدها بحب): ربنا يخليكي ليا..
و ظلت معه يتحدثان معا فيما فاتهما من حياة بعضهما خلال اليومين الماضيين و أوصلها لحجرتها مثل كل ليلة و اتجه هو إلى غرفته لينعم بنوم هاديء مستقر و سعيد عكس الليلتين المنصرمتين اللتين لم يستطع النوم فيهما نوما مستقراً..
==============================
و في صباح اليوم التالي....
استيقظ الجميع بهمة و نشاط و سعادة بالغة.. فكانت هنية متقمصة دور "ام العروسة" بشكل متقن.. فقد سهرت طوال الليل تعد في قائمة الطلبات التي تريدها خلال الأيام القليلة المقبلة...
و سهرت هدى تتحدث مع آسر هاتفياً لأول مرة بعد ما استأذن الحاج عبد الرحمن.. كانت مكالمته لها تحمل كل معاني الامان و الاطمئنان التي كانت تبحث عنه..
فقد أكد لها مشاعره نحوها.. و تأكدت هي من إعجابه بها بل و بداية حبه أيضا.. اقتنعت أخيراً بحبه و أنه لا يعطف عليها مثل ما كانت تظن.
زادت فرحتها عندما اعترف لها أنه قد أحبها منذ النظرة الأولى.. و قد جذبته نظرة عينيها و ملامحها البريئة.. فقد كانت السعادة تفترش وجهها صباحاً..
و أيضاً الحاج عبد الرحمن الذي كان سعيداً بمثل هذا النسب فمن يثور لأجل شقيقته مثل ما فعل آسر سوف يحافظ على ابنته و يسعدها..
كان سعيداً أيضا بمقابلة السيد جميل الرجل الخلوق الذي برغم أنه قد قضى معظم وقته هو و أولاده في دولة أجنبية منفتحة مثل الولايات المتحدة الأمريكية إلا أنه أصر بل و نجح على تنشئة أولاده تنشئة طيبة تحمل معاني و عادات و أخلاق بلدهم الام..
أما عاصم..
فقد اعتدل مزاجه عما قبل.. فها هو قد عاد إلى لقاءه مع حبيبته قبل النوم.. اللقاء الذي ينتظره طوال يومه.. اللقاء الذي يزيح عنه تعب اليوم بكامله..
و أيضاً سارة..
و التي تعددت أسباب سعادتها.. فقد ارتبط أخيها بأعز صديقاتها و التي تستحق أن يحبها أسر بكل قوته و جوارحه.. و زاد تأكدها من مشاعر عاصم بالأمس حينما ضمها و قالها صريحة أنه افتقدها من مجرد يومين لم يستطع أن يحادثها فيهما..
كان الجميع جالسين إلى مائدة الإفطار... فيعتبر وقت الطعام هو تقريباً الوقت الوحيد الذي تجتمع عليه العائلة كلها.. فباقي اليوم يكون كل منهم يتابع أعماله مع اختلافها بالطبع.. فلكل منهم ما يشغله.
عبد الرحمن: عاجولك ايه يا عاصم.. عايزك توصي على كام عچل عشان يندبحو في كتب كتاب اختك.
عاصم: طبعا يابوي.. اني هاعدي على نصر الچزار و اني رايح الأرض و اوصيه على كل حاچة ماتجلجش.. و هاعدي على مزرعة البهايم و اوصيهم ينجو كام عچل كويسين اكده...
هنية: و اني يا عاصم عايزة شوية لوازم أكده.
عاصم: حاضر ياما.. اللي تؤمري بيه.. بس الله يكرمك.. تجعدي مع حد من البنات تمليها اللي انتي عاوزاه في ورجة و اني هاخدها النهاردة و توبجى چاهزة بكرة بإذن الله.. ماشي؟؟
سارة: ليه يعني؟
عاصم: عشان امي و عارفها.. دلوقتي تجولي لستة طلبات طولها مترين و تفضل طول النهار تتصل بيا.. معلش يا عاصم اصلي نسيت دة و هاته.. و معلش يا عاصم تبجى زود دة احسن طلع جليل.. امي و خابرها زين.
ضحكت سارة و هدى و زفرت هنية بغيظ..
هنية(وضعت يدها تحت وجنتيها بغضب مصطنع): أكده يا عاصم.. ماشي ماعيزاش منيك حاچة.
عبد الرحمن(ضحك بمرح على مناغشة إبنه لوالدته): اتفضل يا سي عاصم وريني هاتصالحها كيف..
عاصم: و اني أجدر على زعلها برضيك يابوي.. دي ست الناس دي..
هنية: ما جدرت و خلاص و خليت اللي يسوى و اللي مايسواش يتمجلت عليا.
سارة(اقتربت من هدى و همست بصوت مسموع): هو مين فينا اللي يسوى و مين اللي مايسواش.
هدى(بنفس الهمس المسموع): الاحسن مانعرفش.
سارة: احسن برضه... مالناش دعوة.. هاتيلي معلقتين مربى هاتي.
هنية: عاچبك اكدة المجلتة دي؟؟
عاصم: عانهزرو معاكي يا ام عاصم.. (للبنات) مالكيش صالح بيها انتي و هي.. و عموما يا ستي شوفي انتي محتاچة ايه و اني عنيا ليكي.
هنية: تسلم من كل ردي يا حبيبي.
هدى(لسارة): على رأيك مالناش دعوة.. الاتنين دول اللي داخل مابينهم خارج.
عبد الرحمن(رفع حاجبيها بصدمة): واه.. (و كرر حديثها بذهول) "تسلم من كل ردي يا حبيبي".. بس اكده؟؟ و اني لما تزعلي مني افضل سبوع بحاله احايل فيكي..
هنية: يوه يا حاچ.. يعني ازعله يعني.. ده ولدي.
عبد الرحمن: أكده.. و اني يعني اتفلج؟
هنية: بعد الشر عنيك يا حاچ.. و انا أجدر برضيك على زعلك.. دة انت الخير و البركة...
لكزت هدى سارة في ذراعها و قاما برفع يديهما على هيئة كمان و أصدرا صوت عزف رومانسي...
هدى و سارة: تيرارا را را را رار..
هنية: اتحشمي يا بت انتي و هي..
ضحك الجميع معا بمرح...
دخل حسان على ذلك الجمع المرح يركض كالمعتاد...
حسان: ابا العمدة.
عبد الرحمن: ايوه يا حسان.
حسان: في واحد برة و معاة واحدة بيجول أنه ابن أخت الست هنية و عايز يدخل.
هنية: دة تلاقيه الواد كريم..
تبدلت ملامح عاصم لعدم الارتياح فعلاقته بإبن خالته كانت قوية جدا و لكنها تبدلت منذ فترة لأسباب عديدة.. لم يعودا اصدقاء بل اصبحت علاقتهما عادية مجرد أقرباء..
يعلم أنه قد أصبح زير نساء متمرس و لذلك لم يكن يحبذ فكرة وجوده بالمنزل بالقرب من شقيقته.. و تضاعفت غيرته أطناناً بوجود سارة هنا أيضاً..
عاصم(بتقزز): و دة ايه اللي چابة دلوقتي دة...
أما سارة.. فما أن سمعت اسم "كريم" حتى توترت و شعرت بقبضة قوية تعتصر قلبها.. فقد بات هذا الإسم هو كابوسها الوحيد الذي يؤرق حياتها..
استعادت وعيها على صوت هنية و هي تكمل حديثه..
هنية: خالتك كانت جالتلي أنه چاي هو و منة أخته يجعدو يومين.. بس ماجلتليش ميته.. دخله يا حسان.
حسان: أوامرك يا ستنا.
هدى: يا ساتر.. الواد كريم دة بقى ما بينزليش من زور من ساعة ما سافر.
سارة: ليه بتقولي كدة؟؟
هدى: ماعرفش بس مابحبوش و خلاص.. هو مش كان مسافر و مريحنا من طلعته البهية دي... افففففف.
سارة(و قد زادت دقات قلبها بشكل ملحوظ): هو.. هو كان مسافر؟
هدى: اه ياستي.. كان في امريكا برضه.. مش عارفة انا ايه اللي رجعه.
هنا و سقط قلب المسكينة بين قدميها.. أيمكن أن تكون الدنيا صغيرة إلى هذا الحد.. أيعقل أن يكون كريم هذا هو كريم ذاك؟؟
هنية: عيب اكده يا هدى.. ده برضيك يبجى ابن خالتك و في مجام اخوكي الكبير.
هدى: لا معلش ابن خالتي ماشي.. بس انا ماليش اخوات الا عاصم و سارة بس.
عبد الرحمن: برضيك عيب يا هدى اكدة.. ده مهما كان ضيفنا.. مايصحش كدة.
سارة: حاضر يا بابا..
عاصم: خلاص خلاص.. هو اصلا مابيطولش عن يومين يجعدهم و يمشي زي كل مرة(و هو يقوم من مقعده) اني هاجوم استجبله هو و منة و اچيبهم يفطرو معانا.
ارتعشت يد سارة فسقطت شوكتها أرضا فالتفت الجميع إليها..
عبد الرحمن(و قد لاحظ شحوب وجه سارة منذ أن سمعت بإسم ضيفه): مالك يابتي..
سارة(بتلعثم): ما.. مافيش بس الشوكة وقعت.
هنية: فداكي يا حبيبتي... نچيبولك غيرها.
سارة(سريعاً): لا لا.. مافيش داعي.. انا شبعت اصلاً.
هدى: شبعتي ايه.. دة انتي طبقك زي ما هو.
سارة: معلش ماليش نفس.
دخل عاصم بصحبة ابن خالته و شقيقته التي تصغر هدي بعدة سنوات و لكن على عكس كريم فهدى تحب أخته منة كثيراً.. وقفوا خلف سارة فلم يتثنى لكريم رؤية وجهها..
عاصم: و ادي الاستاذ اللي بقاله شهر في مصر و نزل على بيتهم في القاهرة و لسة فاكر أن له خالة و جاي يزورها.
كريم: طول عمرك محضر خير يا عاصم والله.. مش حريقة خالص.
و ما أن سمعت سارة صوته حتى تجمدت الدماء في عروقها و وقف نبض قلبها.. فهذا هو أخر شخص تتمنى رؤيته و أن يشاركها نفس المنزل التي تعيش فيه.. و ليس اي منزل.. منزل حبيبها..
عادت بذاكرتها رغماً عنها إلى ماضيها و تلك الفترة الأليمة التي عاشتها بسبب هذا الـ"كريم".. و تاهت عن حديثهم الذي لم تسمعه من الأصل..
منة: ماهو كان مستنيني يا ابيه عاصم لما أخلص امتحانات عشان اجي معاه.
عاصم: انتي تنوري في أي وقت يا منة.
كريم: و انا لا يعني؟
هنية(و هي تقف لتحتضنهما): لا كيف اتجول أكده.. دة البلد كلها نورت..
(و احتضنت منة بود) كيفك يا منة؟
منة: كويسة اوي يا خالتو.
كريم: ازيك يا هدى..
هدى: اهلا يا منونو.. تعالي يا حبيبتي و حشتيني خالص.
تقدم منهما الحاج عبد الرحمن أيضاً.....
عبد الرحمن: حمد الله علي السلامة يا ولاد.. معلهش مضطر اسيبكم عشان ورايا مصالح..
كريم: براحتك يا عمي.. هو احنا غرب.
عبد الرحمن: لا طبعا البيت بيتكم.. هاتيلي الجهوة في البراندا برة يا حاچة..
هنية: حاضر يا حاچ... حالا وراك.. ياللا اجعدو افطرو انتو و اني هاروح اعمل الجهوة للحاچ.
تركتهم هنية و خرجت خلف زوجها.. ثم لاحظ كريم ظهر تلك الفتاة التي تجلس بهدوء و يكاد يكون وجودها غير ملحوظ.. فقال بلهجته العابثة و التي لم يكن من الصعب على عاصم ملاحظتها...
كريم: انتو عندكو ضيوف ولا ايه.. مش تعرفونا!!
وقفت سارة سريعاً بخوف و توتر كان يعصف بجسدها كله.. لاحظه عاصم.. فهي حبيبته و اكثر من يشعر بها.. فهيئتها استوقفته و زرعت القلق بداخله.. فقد كانت تستند بكفي يدها فوق المنضدة و تتنفس بصعوبة شديدة..
هدى: دي مش ضيفة دي الدكتورة بتاعتي.
كريم: و ماله نتعرف..
اقترب منها و ما أن وقعت عينيه عليها حتى جحظت مقلتيه هو أيضاً.. أيعقل أن تكون هي.. لم تتغير كثيراً فمازالت جميلة بملامحها الرقيقة و شعرها الأسود عيونها الجميلة الساحرة رغم أنها لا ترى.. شوش تفكيره و ذكرياته صوت هدى و هي تعرفهم...
هدى: دي الدكتورة سارة.. الدكتورة بتاعتي و صاحبتي و اكتر من اختي.. و اخت خطيبي كمان..
منة: ايه دة بجد؟؟
هدى: ايوة يا ستي.. آسر اخوها يبقى خطيبي.. لو كنتي جيتي من يومين زي ما قولتلك كنتي شوفتيه.
منة: طيب ايه ما اكيد كان في صور.
هدى: نفطر و نطلع و نشوفهم سوا.
كريم(مد يده ليسلم عليها): تشرفنا يا دكتورة.
لم تحرك سارة ساكناً فقالت هدى..
هدى: سارة.. كريم بيسلم عليكي.
منة(متفاجئة): هي مش...
نهرتها هدى حتى لا تكمل جملتها و تجرح شعور سارة..
كريم(مرة أخرى): تشرفنا يا دكتورة.
سارة(و خرج صوتها بصعوبة و كأن أحد يمسك بحلقها و يخنقها): أهلا.. عن اذنكم.
تحركت فجأة و بتوتر جسدها فأوقعت طبقها و بعض الاكواب من على المنضدة.. و في لحظة رجع كريم إلى الخلف حتى لا تصيبه شظايا الزجاج المهشم و ركض عاصم نحوها حتى يطمئن عليها غير عابئاً بالزجاج الذي يسير عليه..
و هذا هو الفرق بينهما ببساطة.. فالأول اهتم فقط لنفسه و لسلامته أما عاصم فكان همه الوحيد هي.. فقط هي..
عاصم: ايه اللي حصل؟؟
سارة: انا اسفة.. اسفة.. معلش ماخدتش بالي.
هدى: ولا يهمك يا قلبي المهم ان انتي بخير.
عاصم: في حاجة جات عليكي؟؟ اتعورتي؟
سارة: لا لا.. انا كويسة.. بس هاطلع عشان اغير هدومي.
عاصم: هاجيبلك فاطمة تساعدك.
سارة: لا.. لا مافيش داعي..
تركتهم و تحركت بصعوبة و بخطوات بطيئة على غير عادتها.. فهي قد حفظت المكان كله و اصبح سهلاً عليها أن تتجول فيه.. و لكنها توقفت على صوت عاصم و هي تتجه إلى المطبخ دون قصداً منها..
عاصم: سارة.. السلم على شمالك.. انتي رايحة المطبخ كدة.
سارة(شعرت بالحرج الشديد و التوتر): اسفة ماخدتش بالي..
غيرت اتجاهها بالفعل و لكنها كادت أن تقع عندما تعثرت خطواتها بالسجاد الموضوعة بالأرض.. و لكن يد عاصم كانت أقرب لما من أرضية الغرفة فلحقها...
و ركضت إليها أيضا هدى و اسندتها مع أخيها الذي سألها و قد بدأ القلق يطرق باب قلبه..
عاصم(برقة متناهية): سارة مالك؟؟ انتي كويسة؟؟ حاسة بحاجة؟؟
سارة(و قد نزلت تلك الدمعة الخائنة من مقلتيها و امتلأ صوتها قهراً و حزناً): حاسة إني مش شايفة.
تعجب عاصم و تبادل نظرات الاستفهام مع هدى التي نمت ملامحها عن جهلها بما يدري..
عاصم: طيب اطلعي ارتاحي شوية و انا هابعت اجيبلك دكتور..
سارة: مافيش داعي.. انا بس محتاجة ارتاح شوية و هابقى كويسة.
عاصم: طيب اطلعي معاها يا هدى و ماتسيبيهاش لوحدها.
هدى(بصدر رحب): حاضر.. تعالي يا سارة.. بالراحة..
استندت سارة إلى سور السلم بيد و إلى ذراع هدى بيدها الأخرى.. و ظلت نظرات عاصم المحبة و الخائفة أيضاً تتابعهما حتى اقتربت منه منة متسائلة..
منة: هي مالها يا ابيه.. هي كويسة؟
عاصم(و لازالت عينيه تتابعها): مش عارف.. (التفت إليها حتى لا يلفت أنظارهما) بس ماتخافيش هاتبقى كويس.. تعالو نفطر ياللا.. بت يا فاطمة.. انتي يا بت..
فاطمة: ايوة.. ايوة يا سي عاصم.. نعم..
عاصم: هاتيلي الجهوة بتاعتي و شوفي البيه و الست منة عايزين ايه.. و شوفي حد يلم الجزاز اللي على آلأرض دة بدل ما يعور حد.
فاطمة: حاضر يا سي عاصم.
كريم: انا مش عايز افطر.. اعمليلي قهوة مظبوط يا شاطرة.
فاطمة: حاضر.. و انتي يا ست منة.. اچيبلك ايه.
منة: ولا حاجة انا هاطلع اشوف البنات.. ممكن يا ابيه عاصم.
عاصم: اه طبعا.. هاتلاقيهم في اوضة سارة.. الباب اللي جنب باب الفرندا على طول..
كريم: دي اوضتك..
عاصم(بنظرة حارقة): الباب التاني يا منة.. باب الروف بين اوضتي و اوضتها..
منة: طيب هاطلع اشوفهم(و تركتها و صعدت للفتايات).
كريم: دي اوضتي أنا.
عاصم(بحسم و جدية شديدة): كانت اوضتك.. دلوقتي مش اوضتك اوضة حد تاني.. و حذاري الاقيك قريب من هناك أصلا فاهم يا كريم..
كريم: و انت مالك قفشت ليه.. انا بس بستفسر عشان أنا أصلي على طول بنام في الاوضة دي و متعود عليها..
عاصم: هانشوفلك اوضة تانية اكيد.. ماتقلقش..
و بعد قليل حضرت منة بصحبة هدى فقطعتا تلك الحرب الباردة.. فعاصم ظن أن كريم يريد أن يزيد اسم سارة إلى قائمة الفتيات التي يعرفهن..
و كريم قد شعر أن هذه هي فرصته حتى يعيد سارة إليه مرة أخرى.. هو لم يكن يحبها و لكن بطبع الرجل الشرقي الأناني الذي لا يفكر سوى في نفسه و شهواته.. فهو يعرف الكثيرات و يمارس الحب مع العشرات.. و لكن إن فكر بالزواج فيختار الفتاة التي ليس لها تجارب.. التي تخرج من بيت أصيل حتى تحافظ على اسمه و شرفه.. يثق فيها في كل الأوقات..
و لم يخفى عليه بالطبع نظرات عاصم التي كانت تقطر عشقاً خالصاً..
عاصم: ايه دة.. انتي طلعتي جبتي هدى بس؟؟ امال فين سارة؟؟
منة: انا مالحقتش اصلا.. قابلت هدى نازلة على السلم .
عاصم: في ايه يا هدى.. هي سارة كويسة؟
هدى: مش عارفة.. هي بتقول كويسة... بس شكلها مش مظبوط خالص.. شكلها تعبانة أو في حاجة ضايقتها.
عاصم: ماقلتلكيش ليه؟؟
هدى: ماقالتش.. بس قالت إنها هاتنام شوية و تقوم كويسة.
عاصم: طيب ماتسيبيهاش كتير.. شوية و اطلعي شوفيها.
هدى: اكيد طبعا.
كريم(بفضول حتى يعلم مدى عمق علاقة سارة بمنزل خالته): هو انتو مالكم مهتمين اوي كدة بيها.. هي تبقى مين سارة دي.. مش تبقى الدكتورة بتاعتك يا هدى...
هدى(بفظاظة فهي لا تطيق كريم): كانت الدكتورة بتاعتي..
كريم: و دلوقتي؟؟
هدى: اقرب صاحبة ليا.. أو حتى تقدر تقول صاحبتي الوحيدة.. و قولتلك انها اخت خطيبي اللي خطوبتنا كانت من يومين بس؟؟ يعني بقت من العيلة خلاص.
كريم(في نفسه): و انت كمان يا آسر جاي تخطب هدى.. مالقتش غير هدى.. ااااه بيضالك في القفص يا ابن جميل.. (ثم نظر لعاصم بغل) لا و باين على الزفت المبقع التاني دة أنه بيحبها..
يعني ولاد جميل ياخدوا فلوس ولاد عبد الرحمن.. و هدى تلاقي حد يقبل بيها بعد ما كانت مشلولة.. حتى الفلاح دة يلاقي واحدة ترضى بيه و عمرها ما هاتعايره بعيبه.. ماهي كمان عامية..
ااه يا ولاد الـ.... ، بس هاتروحو مني فين انتو الأربعة.. انا وراكم و الزمن طويل..
منة: اه صحيح.. نسيت اباركلك.. الف مبروك يا هدى.
هدى(ابتسمت لها بحب): الله يبارك فيكي يا منة.. عقبالك يا قلبي.
منة: بس انتي بتقولي خطوبة ازاي... هما مش كانو جايين يتقدمو بس و يحددو معاد الخطوبة.
هدى(ابتسمت بحب): آسر مارضيش.. قال إنه عايز يكتب الكتاب على طول فحددناه بعد اسبوعين.. و كان جايبلي معاه خاتم عملنا بيه خطوبة صغننة كدة لحد كتب الكتاب.
منة(غمزتها بحب): ايوة بقى.. دة شكله حب بقى مش جوازة و السلام.
هدى(و تداري خجلها): و انتي مالك انتي يا باردة..
عاصم: و إيه يعني يا هدى لما يكون حب.. الحب عمره ما كان عيب يا منة طالما مشي في طريقه السليم.
الراجل اول ما حس بمشاعر ناحية هدى كلم أخته و كلمني.. و اول ما أهله رجعو من أمريكا جابهم و جه عشان يتقدملها..
كريم(و أراد أن يُشعر عاصم بمدى فظاعة فعلته): معاك حق يا عاصم والله.. طالما الواحد حب واحدة لازم أهلها و أهله يكونو عارفين..
ماينفعش يحبها في السر و يستغل فرصة وجودهم مع بعض في مكان واحد و يقرطس أهلها مثلاً.
عاصم(عقد حاجبيه بغضب): قصدك ايه انت بكلامك ده؟
كريم(ابتسم بسخرية لأنه شعر أنه أصاب مقصده بالضبط): لا ماقصدش حاجة.. انا بس بتكلم في العموم يعني.
عاصم(بعدم تصديق و عدم ارتياح): ماشي.. هدى ماتسيبيش سارة كتير لوحدها كيف ما جولتلك.. و اني هاروح اجضي كام مصلحة و ارچع على الغدا..
هدى: ماتخافش انا هاطلع اشوفها كمان شوية.
عاصم: بعد اذنكم يا چماعة الدار داركم..
كريم: طبعا... خد راحتك يابن خالتي احنا مش غرب..
ترك المنزل على مضد.. فهو كان يريد أن يطمئن على سارة و بشدة.. فقد كانت حالتها غريبة.. فقد كانت هذه هي اول مرة يراها مرتبكة و مهزوزة بذلك الشكل..
لم يبتعد كثيراً عن المنزل.. فقد اتجه لمنحل العسل الذي تمتلكه العائلة و الذي يقع في خلف المنزل.. جلس في مكتبه المغلف بواجهة زجاجية يفكر بها..
فكر أن يتصل بها و لكنه تراجع تحسباً لو كانت نائمة.. فقرر أن يرسل لها رسالة صوتية عبر تطبيق الـ wattsapp حتى تراها عندما تصحو..
عاصم(عبر الهاتف): سارة.. حبيبتي.. انا مارضيتش اتصل بيكي.. خفت احسن تكوني نايمة و اقلقك.. و انتي كان شكلك تعبان ماحبتش ازعجك.
طمنيني عليكي.. مالك.. عشان خاطري اول ما تسمعي الرسالة دي تكلميني ضروري.. ماتسيبينيش قلقان عليكي يا حبيبتي.. ممكن؟؟
أغلق هاتفه و فتح بعض الملفات ليراجعها أو ليلهي نفسه عن قلقه لبعض الوقت..
أما سارة..
فلم تستطع أن تلمس يد كريم حتى لو في سلام.. و لم تستطع أن تظل معه في مكان واحد أكثر من ذلك.. تعثرت في بعض الأطباق من توترها و قررت أن تصعد إلى غرفتها حتى تبتعد عنه..
ساعدتها هدى في الصعود لغرفتها و ظلت تسألها عما بها.. و لكن سارة لم تفصح عن حقيقة حالتها... فطلبت منها أن تتركها لتستريح قليلاً..
و ما أن تركتها هدى حتى تفجرت ينابيع دموعها أثناء مرور شريط أزمتها أمامها.. فعادت بذاكرتها دون قصد إلى تلك الحقبة من حياتها..
صوت السيارة التي صدمتها.. صراخ المارة بجانبها عندما رأوا السيارة تقذف بها على بعد أمتار من قوة التصادم.. الإسعاف و صوتها الكريه الذي صدح في المكان.. صوت كريم الذي عرف نفسه على أنه خطيبها ليرافقها بسيارة الإسعاف.
صوت الأطباء و الممرضين و رجال الإسعاف و هم يتحدثون معاً لتقييم حالتها.. انتهي وعيها بصوت الآلات و ادوات الجراحة المعدنية الموجودة بداخل غرفة العمليات..
أصوات فقط.. مجرد أصوات لم تشعر بأي شئ لم ترى اي شئ.. و كأنها فقدت جميع حواسها الا حاسة السمع...
حتى عندما فاقت و لم تستشعر أي ضوء و علمت أنها فقدت عينيها.
هنا و فقدت سارة السيطرة على ثباتها.. بكت بنشيج قوي يمزق نياط قلبها.. جلست أرضاً و هي تنعي حياتها التي تدمرت على يد شخصاً حقير مثل كريم..
دمر حياتها و حياته هو تسير دون أي توقف أو عقبات.. تحملت هي نتيجة غلطته و سقطته مع تلك الفتاة.. فتلك الحادثة أثبتت لها أن الكون ليس عادلاً حتى يتحمل أحدهم نتيجة أخطاء أخرين.
قاطع نحيبها رسالة عاصم.. فتحتها و سمعتها فساءت حالتها ..
فها هو عاصم حب عمرها الذي لم تشعر بأي حياة قبله.. لم تشعر بأنها موجودة الا معه.. لم تشعر بأنوثتها و جمالها و كمالها الا بلمسة يده.. عاصم الذي اكتشفت أنه قريب كريم الذي أضاع نظرها..
أما عاصم فلم يكن بكامل ذهنه في عمله.. فمراجعة تلك الحسابات التي كانت تأخذ منه بضع دقائق اخذت منه حوالى ساعة كاملة و لم ينهيها.. و لم لا فذهنه ليس معه و لكن معها هي..
فبداخل قلبه يشعر بها أنها ليست بخير.. فتح هاتفه حتى يرى إن كانت سمعت رسالته.. و بالفعل وجدها سمعته و لكنه لم يرى ردها.. فأرسل رسالة أخرى بعدما رفضت اتصاله عدة مرات..
عاصم: سارة طيب ردي عليا.. انتي سمعتي الرسالة يعني مش نايمة.. بس مش عارف مالك.. ايه اللي حصل.. حرام عليكي تسيبيني هاتجنن عليكي من القلق كدة..
سمعته أيضاً و لم ترد.. فأرسل مرة أخرى...
عاصم(بصوت خائف): طيب بتسمعي الرسايل مش بتردي ليه.. طيب هو انا زعلتك في حاجة.. قوليلي طيب و انا هاصالحك والله.. اقولك انا هاصالحك من غير ما اعرف انا زعلتك في ايه..
حقك عليا يا ستي بس ردي عليا.
لم تحتمل هي توسلاته فقد رقت هي لقلقه و خوف قلبه.. حاولت التماسك و لملمة شتات صوتها حتى يخرج طبيعياً ثم ارسلت له رسالة قصير جدا..
سارة: ماتخافش.. انا كويسة.. مافيش حاجة.. بس مصدعة شوية.. شوية و هابقى كويسة.
عاصم(بعد أن سمع رسالتها و شعر بخنقة صوتها): كويسة ازاي.. لا صوتك مش كويس خالص.. طيب ردي عليا عشان خاطري عايز اكلمك..
ثم قام بالإتصال بها.. و ردت هي بعد مدة..
عاصم(بلهفة ما أن فتحت سارة الخط): الو.. سارة..
سارة: ايوة يا عاصم.
عاصم: مالك يا روحي.. فيكي إيه؟
سارة(و هي تمثل التماسك): مافيش يا عاصم صدقني.. انا كويسة.
عاصم: لا يا سارة فيكي حاجة.. مش على طبيعتك النهاردة خالص.
سارة(اطلقت زفيراً حاراً حتى تحبس دموعها): لا صدقني انا كويسة.. بس تعبانة و مصدعة شوية بس..
عاصم(و أكد زفيرها كل قلقه): مش مصدقك.. قلبي مش مصدق ولا كلمة من كلامك دة.. سارة اوعي تخافي تحكيلي اي حاجة مضايقاكي.. انا موجود هنا بس عشانك.. عشان اريحك .
سارة: عارفة.. عارفة يا عاصم.. ربنا يخليك ليا.. بس صدقني انا كويسة.. أو هابقى كويسة.. هارتاح شوية بس و إن شاء الله هابقى كويسة.
عاصم(بيأس من أن تفصح عما بها): ماشي يا سارة براحتك.. انا هاسيبك ترتاحي و نتكلم بعدين.
سارة: عاصم ارجوك ماتزعلش مني.. اكيد هاقولك كل حاجة مضايقاني.. بس مش دلوقتي.. مش قادرة دلوقتي.. ممكن تستناني يا عاصم؟
عاصم(ابتسم بحب لتمسكها به): طبعا.. انا ممكن استناكي لاخر يوم في عمري يا عمري.. انا بس عايز ابقى مطمن عليكي.
سارة: ماتقلقش عليا.
عاصم: ماشي.. هاديكي الوقت اللي تحتاجيه.. و هاسيبك ترتاحي كمان دلوقتي و تنامي.. بس مش هاعمل دة لله.. لازم اخد تمن انتظاري و خوفي و قلقي عليكي.
سارة(حاولت المزاح حتى تبعد عنه اي قلق): انت راجل مش جدع على فكرة.
عاصم(بدهشة): ايه؟؟
سارة(تراجعت و ابتسمت بحب): انت اجدع و ارجل راجل في الدنيا كلها.
عاصم(ابتسم بعشق): و انتي اجمل و ارق بنوتة انا شوفتها في حياتي.. سلام يا روحي.
لم ترد كلمته و اغلقت المكالمة على ذلك.. هدأ قلقه و لكن ليس كثيراً.. فقد كان يعمل و لكن احتلت هي الجزء الأكبر من عقله و كل قلبه..
أما هي فتحولت من حالة الانهيار إلى التفكير في ذلك الموقف الحرج الذي هي به.. فتساءلت كيف يجب أن تتعامل مع ذلك الحقير..
فكرت كثيراً حتى هداها تفكيرها لشئ واحد.. التجاهل.. سوف تتجاهله تماماً.. و إن فكر في إزعاجها سوف توقفه عند حده و بشدة..
و ادي ماضي سارة ظهر عشان يطاردها تاني..
ياترى إيه حكايته سي كريم و هايعمل إيه مع سارة..
و ياترى سارة هاتعمل معاه ايه ..
و رد فعل عاصم لو عرف باللي حصل و ان سارة كانت مخطوبة لإبن خالته.
و لو سارة خبت عليه ممكن يسامحها ولا هايزعل منها ..
عاد الهدوء مرة أخرى لمنزل الحاج عبد الرحمن و لو بشكل مؤقت بعد تلك الجلبة التي تسبب بها آسر و خطبته على هدى.. فقد عادت سارة مرة أخرى لغرفتها التي تقطنها وحدها..
و في نهاية اليوم التالي بعد شراء شبكة هدى دخلت سارة إلى غرفتها بعد أن انتهي العشاء بين اهل المنزل و اهل سارة و جميع الحضور.. و قد ودعت سارة أسرتها مؤقتا على وعد بالقاء مرة أخرى بعد 10 ايام لحضورهم مع باقي أفراد العائلة من أجل عقد القران.. و قبل أن تغير ملابسها سمعت رنة ضعيفة تصدر من هاتفها بوصول رسالة صوتية إلى تطبيق الـ whatsapp ففتحتها أولا..
ابتسمت و هي تستمع لصوت عاصم و هو يقول بغضب...
"عاصم: قسما بالله يا سارة لو ماطلعتي الروف دلوقتي حالا ما هايحصل خير ابدا.. ثانية واحدة والاقيكي قدامي.. فاهمة؟؟"
كتمت ضحكتها السعيدة بكم الشوق الذي استشعرته في صوته ثم أغلقت الهاتف و خرجت من غرفتها لتتجه إلى ذلك الباب الذي شهد على انطلاق شرارة حبهما و عشقهما..
أما عاصم...
فقد ضاق ذرعاً من كثرة شوقه إليها.. فهو لم يتحدث معها منذ وطأت قدم عائلتها ارض الكفر.. و حتى قبلها بيوم كامل..
فقد اعتاد هو على أن يقابلها في ذلك المكان الفسيح بعد أن ينام الجميع.. المكان الذي أصبح مكانهما السري الذي شهد على اول شرارة حب لهما و على مشوار عشقهما القصير..
و كم قد اشتاق لجلساتهم كثيراً.. استعاد أنفاسه بعد أن غادرت عائلتها.. فها هو المانع الذي كان يحول بينه و بينها قد زال..
صعد بعد العشاء و ذهب الجميع إلى الطابق الثاني بحجة أنه يشعر بالإرهاق و يريد أن ينام و لكنه ذهب لينتظرها في مكانهما ثم ارسل لها تلك الرسالة التهديدية التي فضحت ما بداخله بشكل اكبر و ظل ينتظرها بفارغ الصبر..
و بعد عدة دقائق سمع صوت الباب يُفتح و طلت منه أميرة أحلامه فشعر بقلبه يتراقص على نغمات صوتها المنادي بإسمه.. فلم يشعر الا بأنه يريدها بداخل حضنه.. يريد أن يتلمسها.. أن يشعر بها بداخله..
دخلت هي تتلمس ما حولها كعادتها حتى لا ترتطم بشئ.. تعجبت عندما لم تسمع صوته يناديها أو يديه ترشدها كما اعتادت... فهتفت بإسمه و هي تنتظر الرد...
سارة: عاصم.. عاصم انت هنا؟؟ دة شكله لسة ماجاش من أوضته.
و على حين غرة شعرت بنفسها ترتفع من على الأرض بعدما حاوطتها ذراعي حبيبها القويتين لحمايتها و الحنونتان لها و عليها فقط.. فقد عانقها دون حديث بلهفة مسافر..
فقد زمام سيطرته على نفسه فور سماعه لإسمه منها.. فركض نحوها لف ذراعيه حول خصرها مما أجبرها على أن تلف هي ذراعيها حول عنقه فزاد هو من ضمها رغماً عنه..
رفعها من على الأرض وسط دقات قلبه السعيد بلقائها و ابتسامتها التي زينت وجهها بلهفته عليها..
ظل متشبثاً بها حتى فاقت هي من خمر قربه و قالت بصوت ضعيف..
سارة: عاصم..
لم تتلقى منه رد سوى همهمة مستفهمة فابتسمت و حاولت أنه تنبهه..
سارة: عاصم.. سيبني.
تحولت همهمته هنا من همهمة الاستفهام إلى زمجرة الإعتراض.. فأبتسمت بسعادة و قالت بتعقل...
سارة: عاصم نزلني عشان خاطري.. حد يشوفنا.
عاصم(بعد أن وضعها أرضا برفق و لكن لم يترك خصرها): مابقاش يهمني.. اللي يشوف يشوف.. وحشتيني.
سارة: ياسلام هو انا كنت خرجت من البيت حتى.. ما انا موجودة اهو وحشتك ازاي بقى؟؟ و بعدين في واحد حبيبته وحشته يبعتلها فويس زي اللي انت بعتهالي دي.. دي رسالة تهديد دي.. بتحلف عليا يا عاصم؟؟
عاصم(بكل حب): الله.. اعمل ايه بس ما انتي وحشتيني.. و بعدين انتي كنتي اه موجودة بس بعيدة عني.. لا عارف اكلمك ولا عارف اشوفك براحتي.. حاسس اني كنت متكتف في الزحمة اللي كانت في البيت دي.
سارة(اتسعت ابتسامتها): طيب و دلوقتي؟؟
عاصم: دلوقتي انا حاسس ان روحي رجعتلي لما جيتي دلوقتي و انا واقف اتكلم معاكي و لامسك بأيدي.. مش بقولك وحشتيني.
سارة: انت كمان وحشتني..
عاصم: طيب تعالى بقى عشان عندي كلام كتير اوي عايز اقولهولك.
اخذها و جلسا معا في نفس مكانهما..
سارة: بس ماكنتش اتخيل اني هاوحشك اوي كدة..
عاصم: و اكتر من كدة.. انتي مش عارفة اليومين اللي فاتو دول فاتو عليا ازاي..
سارة: ازاي.. احكيلي.
عاصم: اول يوم الست هدى حابساكي في اوضتها من اول ما صحيتو حتى الفطار ماتهنتش بيه معاكي زي كل يوم فطرتو في الاوضة.. و لما اهلك وصلو و اليوم كله خلص على خير و قولت خلاص بقى هاشوفها.. الاقي الست والدتك تاخدك على الكراڤان هي و ابوكي و سي آسر.. قال ايه وحشتيهم..
سارة(و هي تضحك): ههههههههه.. طيب ما انا كنت وحشاهم فعلا... بقالي اكتر من 7 شهور ماشوفتهمش.
عاصم: طيب و انا؟ مافكرتيش فيا انا.. يوم بحاله مش عارف اقولك ازيك حتى.. هونت عليكي؟
سارة(بحب): عمرك ما تهون عليا أبدا.. بس كنت هاعمل ايه يعني.. ما هما اللي خدوني بالعافية..
عاصم: انا مسكت نفسي بالعافية لما قالو انك هاتنامي معاهم و مش هاتنامي في الفيلا الليلة دي من اني اخطفك منهم و اخليكي تنامي في الفيلا غصب عنهم كلهم.
سارة: طيب الحمد لله انك مسكت نفسك..
عاصم: بقى كدة..
سارة: ههههههههه.. مش قصدي والله.. بس كنت هاتقولهم ايه؟؟
عاصم: كنت هاقولهم دي بتاعتي انا سيبوهالي.. ماحدش ياخدها مني..
كنت هاقولهم اني مش هقدر انام و هي مش في نفس البيت.. حتى لو كانت نايمة بعيد عني بـكام خطوة بس.. كنت هابوس ايدهم و اخليهم يسيبوكي اتكلم معاكي ساعة واحدة بس..
سارة: طيب و إيه اللي منعك؟!!
عاصم(زفر بحيرة): خفت.. خفت ياخدوكي مني خالص.. و خفت عليكي منهم..
سارة: ولا خوفت على نفسك و شكلك؟؟
عاصم(تعجب بصدمة): إيه اللي انتي بتقوليه دة؟؟ ازاي تقولي كدة.. انا عمري ما خفت من أي حاجة... عمر مافي حاجة في الدنيا هزتني ولا خوفتني.. بس خوفت بجد ياخدوكي معاهم مصر.
و انا خلاص مابقتش اقدر اعيش من غيرك يا سارة...
سارة: اقولك انا بقى إيه اكتر حاجة بخاف منها؟؟
عاصم: قولي ياستي ايه اكتر حاجة بتخافي منها.
سارة(بتفكير): اممم.. هاقولك بس من غير تريقة.
عاصم: قولي طبعا و من غير تريقة.
سارة: بجد؟
عاصم(ضحك بمرح): هههه.. يعني هاحاول ماتريقش.
سارة(بنبرة حزينة): الضلمة..
عاصم(عقد حاجبيها بتعجب): الضلمة؟؟
سارة(بنبرة حزينة): ايوة.. اكتر حاجة بخاف منها هي الضلمة.. انا حتى عمري مانمت في الضلمة خالص... اه ماكنتش بعرف برضه انام في النور الشديد بس بنور اباچورة صغيرة جنبي .
بخاف من الضلمة و اهي دلوقتي بقت كل حياتي.
اقولك حاجة..
و اعتدل في جلسته و اقترب منها أكثر قليلاً ولازال ممسكاً بكفيها.. و قد راقها ذلك الوضع بما يحمله من حنان و أمان.. احتواها دون كلمة ولا همسة.. فقط بدقات قلبه.. فاكملت بأريحية....
عاصم(تجهمت معالم وجهه بحزن): قولي طبعا..
سارة: لما فوقت بعد الحادثة فضل عندي انهيار عصبي يمكن 4 ايام.. كل ما افوق افضل أصرخ و اقولهم افتحوا الشبابيك .. نورو النور..(ضحكت بتهكم و الم) زي الافلام العربي بالظبط كدة..
لحد ما جه يوم و استسلمت...
فوقت و سكتت.. ولا زعقت ولا صرخت.. سلمت حياتي لاكتر حاجة بخاف منها و سكتت.. الضلمة..
ضمها لصدره بمنتهي الحنان حتى يبثها الأمان التي تفتقده بداخل غرفتها المضلمة و قد نجح و بجدارة.. فقد تبدل شعورها من الخوف و القلق للاطمئنان الكبير.. غريب أن يكون مجرد حضن هو الأمان.. فأردفت براحة..
سارة: بعد العلاج و التأهيل النفسي مابقتش تفرق معايا.. بقيت قادرة اتعامل معاها.. لسة بتضايقني اوقات.. بس مابقتش اخاف منها زي الأول.
(صمتت قليلاً ثم سألته)و انت..
عاصم: انا ايه؟
سارة: ايه اكتر حاجة بتخوفك.
عاصم: زي ماقولتلك.. انا من يوم ما حبيتك مابقتش اخاف من أي حاجة في الدنيا دي الا بعدك.. بعدك بس اللي ممكن يقتلني.
سارة: بعد الشر عليك.. ماتقولش كدة تاني..
عاصم(قبل كفيها بحب): حاضر.. ربنا يخليكي ليا..(ثم اردف بعشق) عارفة.. قبل ما اعرفك ماكنش في أي حاجة ممكن تخوفني أو تهز شعرة مني حتى.. قلبي قاعد زي مابيقولو.. بس بعد ما قابلتك.. بقت اكتر حاجه بتخوفني هي بُعدك عني بعد ما هدى تخف..
طبعاً أنا بدعيلها ليل نهار و بتمنالها أنها تخف النهاردة قبل بكرة.. لكن بعد كدة ايه اللي هيحصل فيا انا.. هاتسيبيني.. ؟؟
و دي اكتر حاجة مخوفاني.
لم تعقب هي.. فماذا يمكن أن تقول.. أنه يجب أن يخطبها من والدها... لا فهي تشعر بأن سبب خوفه مازال قائماً فلن تطلبها منه أبدا حتى تزول مخاوفه التي لا تعرفها كاملة..
عاصم(أخرجها من حضنه و قال بمرح): تعالي هنا صحيح..
سارة: ايه دة انت قلبت ليه كدة.. في ايه..
عاصم: مش ناوية تقوليلي برضه انتي بتعرفي ازاي اني ببقى موجود من غير ما اتكلم.. دة انتي فضحتيني قدام اهلك اللي قبل ما ادخل ناحيتهم حتى تسلمي عليا.
سارة(ضحكت بملئ فيها): ههههههههه... لا مش هقولك.. دة سر المهنة.. و بعدين هاتضيع على نفسك فرصة انك تسمعني من غير ما أحس بيك.. زي ما انت متخيل يعني.
عاصم: لا قوليلي بجد.. يعني كنتي بتعرفي بوجودي ازاي و بتعرفي اني سمعتك و انتي بتتكلمي مع هدى... ازاي.. و هاتقولي على فكرة لا مفر.
سارة: مصمم يعني؟؟
عاصم: جدا.
سارة: تدفع كام؟؟
عاصم(بشوق و هيام): عمري كله فداكي يا كل عمري.
خجلت للغاية حتى توردت وجنتيها و قالت...
سارة: و بعدين بقى معاك.. بطل معاكسة.
عاصم(ضحك على وجهها المتورد خجلاً): ههههههههه.. حاضر هابطل مؤقتاً.. ها قوليلي بقى..
سارة: اصل انت مش فاهم.. البارفان اللي انت بتحطه ريحته تحفة.. مميز اوي.
عاصم(بانبهار): مش معقول.. (و هو يشم ملابسه) بس ريحته مش قوية اوي كدة...
سارة: مش قوية ايه.. دة انا بشمها من و انت لسة مانزلتش من عربيتك قدام البيت.. انت بس عشان خدت عليه مش بتلاحظه..
عاصم: ماشي يا ستي.. يعني حلو البرفان؟
سارة: حلو عشان انت اللي حاطه...
عاصم(مقبلاً يدها بحب): ربنا يخليكي ليا..
و ظلت معه يتحدثان معا فيما فاتهما من حياة بعضهما خلال اليومين الماضيين و أوصلها لحجرتها مثل كل ليلة و اتجه هو إلى غرفته لينعم بنوم هاديء مستقر و سعيد عكس الليلتين المنصرمتين اللتين لم يستطع النوم فيهما نوما مستقراً..
==============================
و في صباح اليوم التالي....
استيقظ الجميع بهمة و نشاط و سعادة بالغة.. فكانت هنية متقمصة دور "ام العروسة" بشكل متقن.. فقد سهرت طوال الليل تعد في قائمة الطلبات التي تريدها خلال الأيام القليلة المقبلة...
و سهرت هدى تتحدث مع آسر هاتفياً لأول مرة بعد ما استأذن الحاج عبد الرحمن.. كانت مكالمته لها تحمل كل معاني الامان و الاطمئنان التي كانت تبحث عنه..
فقد أكد لها مشاعره نحوها.. و تأكدت هي من إعجابه بها بل و بداية حبه أيضا.. اقتنعت أخيراً بحبه و أنه لا يعطف عليها مثل ما كانت تظن.
زادت فرحتها عندما اعترف لها أنه قد أحبها منذ النظرة الأولى.. و قد جذبته نظرة عينيها و ملامحها البريئة.. فقد كانت السعادة تفترش وجهها صباحاً..
و أيضاً الحاج عبد الرحمن الذي كان سعيداً بمثل هذا النسب فمن يثور لأجل شقيقته مثل ما فعل آسر سوف يحافظ على ابنته و يسعدها..
كان سعيداً أيضا بمقابلة السيد جميل الرجل الخلوق الذي برغم أنه قد قضى معظم وقته هو و أولاده في دولة أجنبية منفتحة مثل الولايات المتحدة الأمريكية إلا أنه أصر بل و نجح على تنشئة أولاده تنشئة طيبة تحمل معاني و عادات و أخلاق بلدهم الام..
أما عاصم..
فقد اعتدل مزاجه عما قبل.. فها هو قد عاد إلى لقاءه مع حبيبته قبل النوم.. اللقاء الذي ينتظره طوال يومه.. اللقاء الذي يزيح عنه تعب اليوم بكامله..
و أيضاً سارة..
و التي تعددت أسباب سعادتها.. فقد ارتبط أخيها بأعز صديقاتها و التي تستحق أن يحبها أسر بكل قوته و جوارحه.. و زاد تأكدها من مشاعر عاصم بالأمس حينما ضمها و قالها صريحة أنه افتقدها من مجرد يومين لم يستطع أن يحادثها فيهما..
كان الجميع جالسين إلى مائدة الإفطار... فيعتبر وقت الطعام هو تقريباً الوقت الوحيد الذي تجتمع عليه العائلة كلها.. فباقي اليوم يكون كل منهم يتابع أعماله مع اختلافها بالطبع.. فلكل منهم ما يشغله.
عبد الرحمن: عاجولك ايه يا عاصم.. عايزك توصي على كام عچل عشان يندبحو في كتب كتاب اختك.
عاصم: طبعا يابوي.. اني هاعدي على نصر الچزار و اني رايح الأرض و اوصيه على كل حاچة ماتجلجش.. و هاعدي على مزرعة البهايم و اوصيهم ينجو كام عچل كويسين اكده...
هنية: و اني يا عاصم عايزة شوية لوازم أكده.
عاصم: حاضر ياما.. اللي تؤمري بيه.. بس الله يكرمك.. تجعدي مع حد من البنات تمليها اللي انتي عاوزاه في ورجة و اني هاخدها النهاردة و توبجى چاهزة بكرة بإذن الله.. ماشي؟؟
سارة: ليه يعني؟
عاصم: عشان امي و عارفها.. دلوقتي تجولي لستة طلبات طولها مترين و تفضل طول النهار تتصل بيا.. معلش يا عاصم اصلي نسيت دة و هاته.. و معلش يا عاصم تبجى زود دة احسن طلع جليل.. امي و خابرها زين.
ضحكت سارة و هدى و زفرت هنية بغيظ..
هنية(وضعت يدها تحت وجنتيها بغضب مصطنع): أكده يا عاصم.. ماشي ماعيزاش منيك حاچة.
عبد الرحمن(ضحك بمرح على مناغشة إبنه لوالدته): اتفضل يا سي عاصم وريني هاتصالحها كيف..
عاصم: و اني أجدر على زعلها برضيك يابوي.. دي ست الناس دي..
هنية: ما جدرت و خلاص و خليت اللي يسوى و اللي مايسواش يتمجلت عليا.
سارة(اقتربت من هدى و همست بصوت مسموع): هو مين فينا اللي يسوى و مين اللي مايسواش.
هدى(بنفس الهمس المسموع): الاحسن مانعرفش.
سارة: احسن برضه... مالناش دعوة.. هاتيلي معلقتين مربى هاتي.
هنية: عاچبك اكدة المجلتة دي؟؟
عاصم: عانهزرو معاكي يا ام عاصم.. (للبنات) مالكيش صالح بيها انتي و هي.. و عموما يا ستي شوفي انتي محتاچة ايه و اني عنيا ليكي.
هنية: تسلم من كل ردي يا حبيبي.
هدى(لسارة): على رأيك مالناش دعوة.. الاتنين دول اللي داخل مابينهم خارج.
عبد الرحمن(رفع حاجبيها بصدمة): واه.. (و كرر حديثها بذهول) "تسلم من كل ردي يا حبيبي".. بس اكده؟؟ و اني لما تزعلي مني افضل سبوع بحاله احايل فيكي..
هنية: يوه يا حاچ.. يعني ازعله يعني.. ده ولدي.
عبد الرحمن: أكده.. و اني يعني اتفلج؟
هنية: بعد الشر عنيك يا حاچ.. و انا أجدر برضيك على زعلك.. دة انت الخير و البركة...
لكزت هدى سارة في ذراعها و قاما برفع يديهما على هيئة كمان و أصدرا صوت عزف رومانسي...
هدى و سارة: تيرارا را را را رار..
هنية: اتحشمي يا بت انتي و هي..
ضحك الجميع معا بمرح...
دخل حسان على ذلك الجمع المرح يركض كالمعتاد...
حسان: ابا العمدة.
عبد الرحمن: ايوه يا حسان.
حسان: في واحد برة و معاة واحدة بيجول أنه ابن أخت الست هنية و عايز يدخل.
هنية: دة تلاقيه الواد كريم..
تبدلت ملامح عاصم لعدم الارتياح فعلاقته بإبن خالته كانت قوية جدا و لكنها تبدلت منذ فترة لأسباب عديدة.. لم يعودا اصدقاء بل اصبحت علاقتهما عادية مجرد أقرباء..
يعلم أنه قد أصبح زير نساء متمرس و لذلك لم يكن يحبذ فكرة وجوده بالمنزل بالقرب من شقيقته.. و تضاعفت غيرته أطناناً بوجود سارة هنا أيضاً..
عاصم(بتقزز): و دة ايه اللي چابة دلوقتي دة...
أما سارة.. فما أن سمعت اسم "كريم" حتى توترت و شعرت بقبضة قوية تعتصر قلبها.. فقد بات هذا الإسم هو كابوسها الوحيد الذي يؤرق حياتها..
استعادت وعيها على صوت هنية و هي تكمل حديثه..
هنية: خالتك كانت جالتلي أنه چاي هو و منة أخته يجعدو يومين.. بس ماجلتليش ميته.. دخله يا حسان.
حسان: أوامرك يا ستنا.
هدى: يا ساتر.. الواد كريم دة بقى ما بينزليش من زور من ساعة ما سافر.
سارة: ليه بتقولي كدة؟؟
هدى: ماعرفش بس مابحبوش و خلاص.. هو مش كان مسافر و مريحنا من طلعته البهية دي... افففففف.
سارة(و قد زادت دقات قلبها بشكل ملحوظ): هو.. هو كان مسافر؟
هدى: اه ياستي.. كان في امريكا برضه.. مش عارفة انا ايه اللي رجعه.
هنا و سقط قلب المسكينة بين قدميها.. أيمكن أن تكون الدنيا صغيرة إلى هذا الحد.. أيعقل أن يكون كريم هذا هو كريم ذاك؟؟
هنية: عيب اكده يا هدى.. ده برضيك يبجى ابن خالتك و في مجام اخوكي الكبير.
هدى: لا معلش ابن خالتي ماشي.. بس انا ماليش اخوات الا عاصم و سارة بس.
عبد الرحمن: برضيك عيب يا هدى اكدة.. ده مهما كان ضيفنا.. مايصحش كدة.
سارة: حاضر يا بابا..
عاصم: خلاص خلاص.. هو اصلا مابيطولش عن يومين يجعدهم و يمشي زي كل مرة(و هو يقوم من مقعده) اني هاجوم استجبله هو و منة و اچيبهم يفطرو معانا.
ارتعشت يد سارة فسقطت شوكتها أرضا فالتفت الجميع إليها..
عبد الرحمن(و قد لاحظ شحوب وجه سارة منذ أن سمعت بإسم ضيفه): مالك يابتي..
سارة(بتلعثم): ما.. مافيش بس الشوكة وقعت.
هنية: فداكي يا حبيبتي... نچيبولك غيرها.
سارة(سريعاً): لا لا.. مافيش داعي.. انا شبعت اصلاً.
هدى: شبعتي ايه.. دة انتي طبقك زي ما هو.
سارة: معلش ماليش نفس.
دخل عاصم بصحبة ابن خالته و شقيقته التي تصغر هدي بعدة سنوات و لكن على عكس كريم فهدى تحب أخته منة كثيراً.. وقفوا خلف سارة فلم يتثنى لكريم رؤية وجهها..
عاصم: و ادي الاستاذ اللي بقاله شهر في مصر و نزل على بيتهم في القاهرة و لسة فاكر أن له خالة و جاي يزورها.
كريم: طول عمرك محضر خير يا عاصم والله.. مش حريقة خالص.
و ما أن سمعت سارة صوته حتى تجمدت الدماء في عروقها و وقف نبض قلبها.. فهذا هو أخر شخص تتمنى رؤيته و أن يشاركها نفس المنزل التي تعيش فيه.. و ليس اي منزل.. منزل حبيبها..
عادت بذاكرتها رغماً عنها إلى ماضيها و تلك الفترة الأليمة التي عاشتها بسبب هذا الـ"كريم".. و تاهت عن حديثهم الذي لم تسمعه من الأصل..
منة: ماهو كان مستنيني يا ابيه عاصم لما أخلص امتحانات عشان اجي معاه.
عاصم: انتي تنوري في أي وقت يا منة.
كريم: و انا لا يعني؟
هنية(و هي تقف لتحتضنهما): لا كيف اتجول أكده.. دة البلد كلها نورت..
(و احتضنت منة بود) كيفك يا منة؟
منة: كويسة اوي يا خالتو.
كريم: ازيك يا هدى..
هدى: اهلا يا منونو.. تعالي يا حبيبتي و حشتيني خالص.
تقدم منهما الحاج عبد الرحمن أيضاً.....
عبد الرحمن: حمد الله علي السلامة يا ولاد.. معلهش مضطر اسيبكم عشان ورايا مصالح..
كريم: براحتك يا عمي.. هو احنا غرب.
عبد الرحمن: لا طبعا البيت بيتكم.. هاتيلي الجهوة في البراندا برة يا حاچة..
هنية: حاضر يا حاچ... حالا وراك.. ياللا اجعدو افطرو انتو و اني هاروح اعمل الجهوة للحاچ.
تركتهم هنية و خرجت خلف زوجها.. ثم لاحظ كريم ظهر تلك الفتاة التي تجلس بهدوء و يكاد يكون وجودها غير ملحوظ.. فقال بلهجته العابثة و التي لم يكن من الصعب على عاصم ملاحظتها...
كريم: انتو عندكو ضيوف ولا ايه.. مش تعرفونا!!
وقفت سارة سريعاً بخوف و توتر كان يعصف بجسدها كله.. لاحظه عاصم.. فهي حبيبته و اكثر من يشعر بها.. فهيئتها استوقفته و زرعت القلق بداخله.. فقد كانت تستند بكفي يدها فوق المنضدة و تتنفس بصعوبة شديدة..
هدى: دي مش ضيفة دي الدكتورة بتاعتي.
كريم: و ماله نتعرف..
اقترب منها و ما أن وقعت عينيه عليها حتى جحظت مقلتيه هو أيضاً.. أيعقل أن تكون هي.. لم تتغير كثيراً فمازالت جميلة بملامحها الرقيقة و شعرها الأسود عيونها الجميلة الساحرة رغم أنها لا ترى.. شوش تفكيره و ذكرياته صوت هدى و هي تعرفهم...
هدى: دي الدكتورة سارة.. الدكتورة بتاعتي و صاحبتي و اكتر من اختي.. و اخت خطيبي كمان..
منة: ايه دة بجد؟؟
هدى: ايوة يا ستي.. آسر اخوها يبقى خطيبي.. لو كنتي جيتي من يومين زي ما قولتلك كنتي شوفتيه.
منة: طيب ايه ما اكيد كان في صور.
هدى: نفطر و نطلع و نشوفهم سوا.
كريم(مد يده ليسلم عليها): تشرفنا يا دكتورة.
لم تحرك سارة ساكناً فقالت هدى..
هدى: سارة.. كريم بيسلم عليكي.
منة(متفاجئة): هي مش...
نهرتها هدى حتى لا تكمل جملتها و تجرح شعور سارة..
كريم(مرة أخرى): تشرفنا يا دكتورة.
سارة(و خرج صوتها بصعوبة و كأن أحد يمسك بحلقها و يخنقها): أهلا.. عن اذنكم.
تحركت فجأة و بتوتر جسدها فأوقعت طبقها و بعض الاكواب من على المنضدة.. و في لحظة رجع كريم إلى الخلف حتى لا تصيبه شظايا الزجاج المهشم و ركض عاصم نحوها حتى يطمئن عليها غير عابئاً بالزجاج الذي يسير عليه..
و هذا هو الفرق بينهما ببساطة.. فالأول اهتم فقط لنفسه و لسلامته أما عاصم فكان همه الوحيد هي.. فقط هي..
عاصم: ايه اللي حصل؟؟
سارة: انا اسفة.. اسفة.. معلش ماخدتش بالي.
هدى: ولا يهمك يا قلبي المهم ان انتي بخير.
عاصم: في حاجة جات عليكي؟؟ اتعورتي؟
سارة: لا لا.. انا كويسة.. بس هاطلع عشان اغير هدومي.
عاصم: هاجيبلك فاطمة تساعدك.
سارة: لا.. لا مافيش داعي..
تركتهم و تحركت بصعوبة و بخطوات بطيئة على غير عادتها.. فهي قد حفظت المكان كله و اصبح سهلاً عليها أن تتجول فيه.. و لكنها توقفت على صوت عاصم و هي تتجه إلى المطبخ دون قصداً منها..
عاصم: سارة.. السلم على شمالك.. انتي رايحة المطبخ كدة.
سارة(شعرت بالحرج الشديد و التوتر): اسفة ماخدتش بالي..
غيرت اتجاهها بالفعل و لكنها كادت أن تقع عندما تعثرت خطواتها بالسجاد الموضوعة بالأرض.. و لكن يد عاصم كانت أقرب لما من أرضية الغرفة فلحقها...
و ركضت إليها أيضا هدى و اسندتها مع أخيها الذي سألها و قد بدأ القلق يطرق باب قلبه..
عاصم(برقة متناهية): سارة مالك؟؟ انتي كويسة؟؟ حاسة بحاجة؟؟
سارة(و قد نزلت تلك الدمعة الخائنة من مقلتيها و امتلأ صوتها قهراً و حزناً): حاسة إني مش شايفة.
تعجب عاصم و تبادل نظرات الاستفهام مع هدى التي نمت ملامحها عن جهلها بما يدري..
عاصم: طيب اطلعي ارتاحي شوية و انا هابعت اجيبلك دكتور..
سارة: مافيش داعي.. انا بس محتاجة ارتاح شوية و هابقى كويسة.
عاصم: طيب اطلعي معاها يا هدى و ماتسيبيهاش لوحدها.
هدى(بصدر رحب): حاضر.. تعالي يا سارة.. بالراحة..
استندت سارة إلى سور السلم بيد و إلى ذراع هدى بيدها الأخرى.. و ظلت نظرات عاصم المحبة و الخائفة أيضاً تتابعهما حتى اقتربت منه منة متسائلة..
منة: هي مالها يا ابيه.. هي كويسة؟
عاصم(و لازالت عينيه تتابعها): مش عارف.. (التفت إليها حتى لا يلفت أنظارهما) بس ماتخافيش هاتبقى كويس.. تعالو نفطر ياللا.. بت يا فاطمة.. انتي يا بت..
فاطمة: ايوة.. ايوة يا سي عاصم.. نعم..
عاصم: هاتيلي الجهوة بتاعتي و شوفي البيه و الست منة عايزين ايه.. و شوفي حد يلم الجزاز اللي على آلأرض دة بدل ما يعور حد.
فاطمة: حاضر يا سي عاصم.
كريم: انا مش عايز افطر.. اعمليلي قهوة مظبوط يا شاطرة.
فاطمة: حاضر.. و انتي يا ست منة.. اچيبلك ايه.
منة: ولا حاجة انا هاطلع اشوف البنات.. ممكن يا ابيه عاصم.
عاصم: اه طبعا.. هاتلاقيهم في اوضة سارة.. الباب اللي جنب باب الفرندا على طول..
كريم: دي اوضتك..
عاصم(بنظرة حارقة): الباب التاني يا منة.. باب الروف بين اوضتي و اوضتها..
منة: طيب هاطلع اشوفهم(و تركتها و صعدت للفتايات).
كريم: دي اوضتي أنا.
عاصم(بحسم و جدية شديدة): كانت اوضتك.. دلوقتي مش اوضتك اوضة حد تاني.. و حذاري الاقيك قريب من هناك أصلا فاهم يا كريم..
كريم: و انت مالك قفشت ليه.. انا بس بستفسر عشان أنا أصلي على طول بنام في الاوضة دي و متعود عليها..
عاصم: هانشوفلك اوضة تانية اكيد.. ماتقلقش..
و بعد قليل حضرت منة بصحبة هدى فقطعتا تلك الحرب الباردة.. فعاصم ظن أن كريم يريد أن يزيد اسم سارة إلى قائمة الفتيات التي يعرفهن..
و كريم قد شعر أن هذه هي فرصته حتى يعيد سارة إليه مرة أخرى.. هو لم يكن يحبها و لكن بطبع الرجل الشرقي الأناني الذي لا يفكر سوى في نفسه و شهواته.. فهو يعرف الكثيرات و يمارس الحب مع العشرات.. و لكن إن فكر بالزواج فيختار الفتاة التي ليس لها تجارب.. التي تخرج من بيت أصيل حتى تحافظ على اسمه و شرفه.. يثق فيها في كل الأوقات..
و لم يخفى عليه بالطبع نظرات عاصم التي كانت تقطر عشقاً خالصاً..
عاصم: ايه دة.. انتي طلعتي جبتي هدى بس؟؟ امال فين سارة؟؟
منة: انا مالحقتش اصلا.. قابلت هدى نازلة على السلم .
عاصم: في ايه يا هدى.. هي سارة كويسة؟
هدى: مش عارفة.. هي بتقول كويسة... بس شكلها مش مظبوط خالص.. شكلها تعبانة أو في حاجة ضايقتها.
عاصم: ماقلتلكيش ليه؟؟
هدى: ماقالتش.. بس قالت إنها هاتنام شوية و تقوم كويسة.
عاصم: طيب ماتسيبيهاش كتير.. شوية و اطلعي شوفيها.
هدى: اكيد طبعا.
كريم(بفضول حتى يعلم مدى عمق علاقة سارة بمنزل خالته): هو انتو مالكم مهتمين اوي كدة بيها.. هي تبقى مين سارة دي.. مش تبقى الدكتورة بتاعتك يا هدى...
هدى(بفظاظة فهي لا تطيق كريم): كانت الدكتورة بتاعتي..
كريم: و دلوقتي؟؟
هدى: اقرب صاحبة ليا.. أو حتى تقدر تقول صاحبتي الوحيدة.. و قولتلك انها اخت خطيبي اللي خطوبتنا كانت من يومين بس؟؟ يعني بقت من العيلة خلاص.
كريم(في نفسه): و انت كمان يا آسر جاي تخطب هدى.. مالقتش غير هدى.. ااااه بيضالك في القفص يا ابن جميل.. (ثم نظر لعاصم بغل) لا و باين على الزفت المبقع التاني دة أنه بيحبها..
يعني ولاد جميل ياخدوا فلوس ولاد عبد الرحمن.. و هدى تلاقي حد يقبل بيها بعد ما كانت مشلولة.. حتى الفلاح دة يلاقي واحدة ترضى بيه و عمرها ما هاتعايره بعيبه.. ماهي كمان عامية..
ااه يا ولاد الـ.... ، بس هاتروحو مني فين انتو الأربعة.. انا وراكم و الزمن طويل..
منة: اه صحيح.. نسيت اباركلك.. الف مبروك يا هدى.
هدى(ابتسمت لها بحب): الله يبارك فيكي يا منة.. عقبالك يا قلبي.
منة: بس انتي بتقولي خطوبة ازاي... هما مش كانو جايين يتقدمو بس و يحددو معاد الخطوبة.
هدى(ابتسمت بحب): آسر مارضيش.. قال إنه عايز يكتب الكتاب على طول فحددناه بعد اسبوعين.. و كان جايبلي معاه خاتم عملنا بيه خطوبة صغننة كدة لحد كتب الكتاب.
منة(غمزتها بحب): ايوة بقى.. دة شكله حب بقى مش جوازة و السلام.
هدى(و تداري خجلها): و انتي مالك انتي يا باردة..
عاصم: و إيه يعني يا هدى لما يكون حب.. الحب عمره ما كان عيب يا منة طالما مشي في طريقه السليم.
الراجل اول ما حس بمشاعر ناحية هدى كلم أخته و كلمني.. و اول ما أهله رجعو من أمريكا جابهم و جه عشان يتقدملها..
كريم(و أراد أن يُشعر عاصم بمدى فظاعة فعلته): معاك حق يا عاصم والله.. طالما الواحد حب واحدة لازم أهلها و أهله يكونو عارفين..
ماينفعش يحبها في السر و يستغل فرصة وجودهم مع بعض في مكان واحد و يقرطس أهلها مثلاً.
عاصم(عقد حاجبيه بغضب): قصدك ايه انت بكلامك ده؟
كريم(ابتسم بسخرية لأنه شعر أنه أصاب مقصده بالضبط): لا ماقصدش حاجة.. انا بس بتكلم في العموم يعني.
عاصم(بعدم تصديق و عدم ارتياح): ماشي.. هدى ماتسيبيش سارة كتير لوحدها كيف ما جولتلك.. و اني هاروح اجضي كام مصلحة و ارچع على الغدا..
هدى: ماتخافش انا هاطلع اشوفها كمان شوية.
عاصم: بعد اذنكم يا چماعة الدار داركم..
كريم: طبعا... خد راحتك يابن خالتي احنا مش غرب..
ترك المنزل على مضد.. فهو كان يريد أن يطمئن على سارة و بشدة.. فقد كانت حالتها غريبة.. فقد كانت هذه هي اول مرة يراها مرتبكة و مهزوزة بذلك الشكل..
لم يبتعد كثيراً عن المنزل.. فقد اتجه لمنحل العسل الذي تمتلكه العائلة و الذي يقع في خلف المنزل.. جلس في مكتبه المغلف بواجهة زجاجية يفكر بها..
فكر أن يتصل بها و لكنه تراجع تحسباً لو كانت نائمة.. فقرر أن يرسل لها رسالة صوتية عبر تطبيق الـ wattsapp حتى تراها عندما تصحو..
عاصم(عبر الهاتف): سارة.. حبيبتي.. انا مارضيتش اتصل بيكي.. خفت احسن تكوني نايمة و اقلقك.. و انتي كان شكلك تعبان ماحبتش ازعجك.
طمنيني عليكي.. مالك.. عشان خاطري اول ما تسمعي الرسالة دي تكلميني ضروري.. ماتسيبينيش قلقان عليكي يا حبيبتي.. ممكن؟؟
أغلق هاتفه و فتح بعض الملفات ليراجعها أو ليلهي نفسه عن قلقه لبعض الوقت..
أما سارة..
فلم تستطع أن تلمس يد كريم حتى لو في سلام.. و لم تستطع أن تظل معه في مكان واحد أكثر من ذلك.. تعثرت في بعض الأطباق من توترها و قررت أن تصعد إلى غرفتها حتى تبتعد عنه..
ساعدتها هدى في الصعود لغرفتها و ظلت تسألها عما بها.. و لكن سارة لم تفصح عن حقيقة حالتها... فطلبت منها أن تتركها لتستريح قليلاً..
و ما أن تركتها هدى حتى تفجرت ينابيع دموعها أثناء مرور شريط أزمتها أمامها.. فعادت بذاكرتها دون قصد إلى تلك الحقبة من حياتها..
صوت السيارة التي صدمتها.. صراخ المارة بجانبها عندما رأوا السيارة تقذف بها على بعد أمتار من قوة التصادم.. الإسعاف و صوتها الكريه الذي صدح في المكان.. صوت كريم الذي عرف نفسه على أنه خطيبها ليرافقها بسيارة الإسعاف.
صوت الأطباء و الممرضين و رجال الإسعاف و هم يتحدثون معاً لتقييم حالتها.. انتهي وعيها بصوت الآلات و ادوات الجراحة المعدنية الموجودة بداخل غرفة العمليات..
أصوات فقط.. مجرد أصوات لم تشعر بأي شئ لم ترى اي شئ.. و كأنها فقدت جميع حواسها الا حاسة السمع...
حتى عندما فاقت و لم تستشعر أي ضوء و علمت أنها فقدت عينيها.
هنا و فقدت سارة السيطرة على ثباتها.. بكت بنشيج قوي يمزق نياط قلبها.. جلست أرضاً و هي تنعي حياتها التي تدمرت على يد شخصاً حقير مثل كريم..
دمر حياتها و حياته هو تسير دون أي توقف أو عقبات.. تحملت هي نتيجة غلطته و سقطته مع تلك الفتاة.. فتلك الحادثة أثبتت لها أن الكون ليس عادلاً حتى يتحمل أحدهم نتيجة أخطاء أخرين.
قاطع نحيبها رسالة عاصم.. فتحتها و سمعتها فساءت حالتها ..
فها هو عاصم حب عمرها الذي لم تشعر بأي حياة قبله.. لم تشعر بأنها موجودة الا معه.. لم تشعر بأنوثتها و جمالها و كمالها الا بلمسة يده.. عاصم الذي اكتشفت أنه قريب كريم الذي أضاع نظرها..
أما عاصم فلم يكن بكامل ذهنه في عمله.. فمراجعة تلك الحسابات التي كانت تأخذ منه بضع دقائق اخذت منه حوالى ساعة كاملة و لم ينهيها.. و لم لا فذهنه ليس معه و لكن معها هي..
فبداخل قلبه يشعر بها أنها ليست بخير.. فتح هاتفه حتى يرى إن كانت سمعت رسالته.. و بالفعل وجدها سمعته و لكنه لم يرى ردها.. فأرسل رسالة أخرى بعدما رفضت اتصاله عدة مرات..
عاصم: سارة طيب ردي عليا.. انتي سمعتي الرسالة يعني مش نايمة.. بس مش عارف مالك.. ايه اللي حصل.. حرام عليكي تسيبيني هاتجنن عليكي من القلق كدة..
سمعته أيضاً و لم ترد.. فأرسل مرة أخرى...
عاصم(بصوت خائف): طيب بتسمعي الرسايل مش بتردي ليه.. طيب هو انا زعلتك في حاجة.. قوليلي طيب و انا هاصالحك والله.. اقولك انا هاصالحك من غير ما اعرف انا زعلتك في ايه..
حقك عليا يا ستي بس ردي عليا.
لم تحتمل هي توسلاته فقد رقت هي لقلقه و خوف قلبه.. حاولت التماسك و لملمة شتات صوتها حتى يخرج طبيعياً ثم ارسلت له رسالة قصير جدا..
سارة: ماتخافش.. انا كويسة.. مافيش حاجة.. بس مصدعة شوية.. شوية و هابقى كويسة.
عاصم(بعد أن سمع رسالتها و شعر بخنقة صوتها): كويسة ازاي.. لا صوتك مش كويس خالص.. طيب ردي عليا عشان خاطري عايز اكلمك..
ثم قام بالإتصال بها.. و ردت هي بعد مدة..
عاصم(بلهفة ما أن فتحت سارة الخط): الو.. سارة..
سارة: ايوة يا عاصم.
عاصم: مالك يا روحي.. فيكي إيه؟
سارة(و هي تمثل التماسك): مافيش يا عاصم صدقني.. انا كويسة.
عاصم: لا يا سارة فيكي حاجة.. مش على طبيعتك النهاردة خالص.
سارة(اطلقت زفيراً حاراً حتى تحبس دموعها): لا صدقني انا كويسة.. بس تعبانة و مصدعة شوية بس..
عاصم(و أكد زفيرها كل قلقه): مش مصدقك.. قلبي مش مصدق ولا كلمة من كلامك دة.. سارة اوعي تخافي تحكيلي اي حاجة مضايقاكي.. انا موجود هنا بس عشانك.. عشان اريحك .
سارة: عارفة.. عارفة يا عاصم.. ربنا يخليك ليا.. بس صدقني انا كويسة.. أو هابقى كويسة.. هارتاح شوية بس و إن شاء الله هابقى كويسة.
عاصم(بيأس من أن تفصح عما بها): ماشي يا سارة براحتك.. انا هاسيبك ترتاحي و نتكلم بعدين.
سارة: عاصم ارجوك ماتزعلش مني.. اكيد هاقولك كل حاجة مضايقاني.. بس مش دلوقتي.. مش قادرة دلوقتي.. ممكن تستناني يا عاصم؟
عاصم(ابتسم بحب لتمسكها به): طبعا.. انا ممكن استناكي لاخر يوم في عمري يا عمري.. انا بس عايز ابقى مطمن عليكي.
سارة: ماتقلقش عليا.
عاصم: ماشي.. هاديكي الوقت اللي تحتاجيه.. و هاسيبك ترتاحي كمان دلوقتي و تنامي.. بس مش هاعمل دة لله.. لازم اخد تمن انتظاري و خوفي و قلقي عليكي.
سارة(حاولت المزاح حتى تبعد عنه اي قلق): انت راجل مش جدع على فكرة.
عاصم(بدهشة): ايه؟؟
سارة(تراجعت و ابتسمت بحب): انت اجدع و ارجل راجل في الدنيا كلها.
عاصم(ابتسم بعشق): و انتي اجمل و ارق بنوتة انا شوفتها في حياتي.. سلام يا روحي.
لم ترد كلمته و اغلقت المكالمة على ذلك.. هدأ قلقه و لكن ليس كثيراً.. فقد كان يعمل و لكن احتلت هي الجزء الأكبر من عقله و كل قلبه..
أما هي فتحولت من حالة الانهيار إلى التفكير في ذلك الموقف الحرج الذي هي به.. فتساءلت كيف يجب أن تتعامل مع ذلك الحقير..
فكرت كثيراً حتى هداها تفكيرها لشئ واحد.. التجاهل.. سوف تتجاهله تماماً.. و إن فكر في إزعاجها سوف توقفه عند حده و بشدة..
و ادي ماضي سارة ظهر عشان يطاردها تاني..
ياترى إيه حكايته سي كريم و هايعمل إيه مع سارة..
و ياترى سارة هاتعمل معاه ايه ..
و رد فعل عاصم لو عرف باللي حصل و ان سارة كانت مخطوبة لإبن خالته.
و لو سارة خبت عليه ممكن يسامحها ولا هايزعل منها ..