رواية شغفها عشقا الفصل الثالث عشر 13 بقلم ولاء رفعت
أن يطعنك أحدهم في ظهرك فهذا أمر طبيعي، ولكن أن تلتفت وتجده أقرب الناس إليك فهذه هي الكارثة.
بدأ يوسف وصديقه في إطلاق حملة إعلامية مكثفة للشركة التي أطلقوا عليها اسم «YMA» للتسويق و الشحن، كما لاقت صدى في عالم التسويق الإلكتروني.
وفي ذلك الحين أيضًا كان شقيقه يُعد لحفل زفافه على مريم وكذلك زفاف حمزة على رقية، ولم يرد جاسر أن يمر حدث زفافه دون أن يعلم ردة فعل شقيقه، عندما يعلم إنه سيتزوج من الفتاة التي أحبها وبذلك يكون قد سلب منه كل شيء.
وفي ظل يوم عمل شاق لدى يوسف، طرقت آية عليه الباب ثم فتحت وسألته:
- فاضي ولا مشغول؟
توقف عن الكتابة على لوحة المفاتيح المتصلة بالحاسوب، ابتسم وأشار إليها:
- اتفضلي، حتى لو مشغول هفضي نفسي.
ابتسمت أيضاً بخجل ثم قالت:
- تسلم، أنا حابة أخد رأيك في موضوع مهم بالنسبة ليا؟
أومأ إليها وقال:
- اتفضلي، أنا تحت أمرك.
- الأمر لله، الموضوع وما فيه أنا جالي عرض من شركة فرنسية مشهورة لأدوات التجميل، شافوا شغلي من على السوشيال ميديا وتواصلوا معايا، أنت إيه رأيك أسافر ولا لأ؟
أمعن التفكير في سؤالها وأدرك ما ورائه، يبدو ذلك واضحًا من نظراتها إليه والتي تنُم عن الإعجاب أو ربما الحب، بينما هو لا يملك قلبه، وكلما أراد أن يتواصل مع مريم لم يجد إجابة منها على اتصالاته، قام بمهاتفة خالها فقدم إليه أعذار غير مقنعة إطلاقًا، لذا قرر أنه سيذهب لرؤيتها.
انتبه إلى آية التي أخذت تناديه وكان شاردًا، اعتدل وأجاب:
- معلش يا آية، سرحت شوية، كنتي بتاخدي رأيي هتسافري ولا لأ، بصي اعملي اللي هتلاقيه في مصلحتك، يعني لو السفرية دي فيها نجاحك وإنك تحققي نفسك هناك يبقي ليه لأ؟
حدقت إليه بنظرة وكأنها تريده أن يمنعها أو يطلب أن لا تبتعد فسألته:
- يعني انت عايزني أسافر؟
تنهد واستند بساعديه على المكتب فألقى عليها بجوابه على سؤالها الحقيقي:
- أنا عايزك تشوفي مصلحتك، يمكن تلاقي فرصة أحسن، ما تعلقيش نفسك.
ازدردت ريقها وشعرت بالصدمة من إجابته التي أدركتها جيداً، نهضت ووضعت أمامه مجموعة من الأوراق قائلة:
- دي أوراق من البريد نسيت أديهالك من أول امبارح، عن إذنك.
وقبل أن تغادر أوقفها قائلًا:
- أنا مبسوط إنك بتعتبريني زي ماجد أخوكي.
أومأت إليه بابتسامة تخفي خلفها حزن عميق وانكسار، أشاحت وجهها سريعًا لمغادرة الغرفة حتى لا يرى عبراتها المترقرقة.
زفر بين كفيه وشعر بالذنب، لكنه قال لنفسه هذا أفضل لها.
وقعت عيناه على ظرف من بين الأوراق التي أمامه، يبدو إنها دعوة لحضور حفل زفاف، أمسكها ثم قام بفتح الظرف وأخرج الدعوة، إنه حفل زفاف شقيقه لكن اسم العروس مختصرًا في أول حرف من اسمها، لم ينشغل بهذا ووجد هناك دعوة أخرى مرفقة مدون بها اسم العريس «حمزة أمين الحلاج» والعروس «رقية يعقوب عبد العليم الراوي»، برغم حزنه مما فعله شقيقه معه لكنه يشعر بالسعادة من أجل شقيقته التي ستصبح عروس، أمسك بكلا الدعوتين وغادر الشركة لكي يستعد لحضور الحفل، لعله يرى مريم هناك، لقد عزم أنه سوف يشتري خاتًمًا سيقدمه إليها ويتفق مع خالها عن موعد زواجهما، يا له من مسكين ليس لديه علم بالمفاجأة لنقل بالأحرى الصدمة.
ــــــــــــــــ
بدأت مراسم الحفل ما بين رقص وغناء داخل قاعة كبيرة تضم الكثير من الحضور، توجد أريكتان، يجلس على أريكة حمزة الذي يتراقص مكانه وبجواره رقية ويبدو على وجهها الحزن، جاءت والدته لتعانقه وتهنئه، نظرت إلى ابنة شقيقتها بسخرية ثم دنت منها لتخبرها:
- أفردي وشك يا رقية، عايزة الناس تقول على ابني متجوزك غصب!
التزمت رقية الصمت واكتفت بنظرة سخط، وهناك في الأريكة المجاورة يجلس جاسر يصافح كل من يهنئه، ومريم بجواره شاردة نحو الفراغ، لا تصدق تلك اللحظات وكأنها في حلم بل كابوس صعب الاستيقاظ منه، أفاقت على ذراع جاسر المحاطة بخصرها ويخبرها بسخرية:
- عارفة يا مريوم، أنا محضر لك حتة مفاجأة هاتعجبك قوي.
رمقته بازدراء ثم انتبهت إلى ذلك القادم من باب القاعة، نهضت وهي تنظر نحوه لتتأكد من وجوده، رجفة أصابت جسدها عندما تلاقت عينيها بعينيه، ليشعر هو بصدمة بل طامة وقعت فوق رأسه وهو يراها عروس، ويرى هذا الذي ينظر إليه وفمه مبتسمًا بسعادة وانتصار، يخبره إنه سلب منه كل شيء، حقه في إرث والده والفتاة التي أحبها.
مازال يقف ويشاهد هذا من بعيد، أخرج من جيبه علبة الخاتم الذي كان سيقدمه إليها، دقات قلبه تسابق عقرب الثواني الذي يتحرك في ساعة يده، أمسك بقوة العلبة التي في قبضته، انتبه إلي عرفة القادم نحوه وعلى وجهه آلاف الاعتذارات، وعندما توقف أمامه أخبره:
- ما تزعلش يا يوسف، كل واحد بياخد نصيبه، وفي الأول والآخر دا أخوك.
هز رأسه مبتسمًا ولم يستطع منع هذه الدمعة التي انسدلت من عينه، وفي التو قام بمسحها فقال:
- عندك حق يا عم عرفة.
قرر أن يظهر صموده وقوته أمامهما، لذا بدلاً من أن يرحل ذهب إلي شقيقته أولًا وقام بتهنئتها وصافح حمزة الذي قال:
- عقبالك يا چو.
ثم نظر إلي جاسر الذي كان ينتظر ردة فعل شقيقه، يظن أنه سيعاركه أو يوبخه وتمنى أن يحدث ذلك حتى يجد سبباً للقيام بلكمه، لذا كور قبضته استعدادًا لهذا، وقد خيب الأخر ظنونه عندما مد يده إليه وقال:
- ألف مبروك يا جاسر.
رد بسخرية مبتسمًا:
- الله يبارك فيك يا يوسف، نورت الفرح.
حدق إلي مريم التي كانت تصرخ وتخبره بعينيها إنها مرغمة على ما يحدث، تخبره في صمت إنها ليست خائنة كما تقرأ في عينيه.
مد يده إليها وقام بتهنئتها بنظرة تنضح بلوم وعتاب:
- مبروك يا مريم.
رفعت يدها وكادت تبادله المصافحة، مد جاسر يده وأمسك يدها قائلًا:
- معلش يا يوسف، مراتي ما بتسلمش على أغراب، أصلي بغير عليها.
ثم أحاط خصرها بذراعه ليخبره أنها أصبحت ملكاً له، أومأ إليه ولم يعقب، ذهب حتى لا ينهار أمامهما، غادر بقلب مجروح يذرف الدماء بغزارة.
ــــــــــــــــــ
بعد انتهاء حفل الزفاف ذهب كل عروسين إلي منزل الزوجية الخاص بهما، دخلت رقية إلي الداخل فانتفضت عندما سمعت صوت إغلاق الباب، قام بخلع سترة حُلته قائلًا:
- نورتي شقتك يا روقه، إيه رأيك عاملك أحلى شغل ديكور وحركات ولسه لما ندخل أوضة النوم عامل فيها شغل عالي، هبهرك.
كاد يحملها على ذراعيه، فتركته واتجهت نحو رواق حيث تتفرع منه الغرف، فسألها:
- رايحة فين يا حب؟ دا أنا كنت لسه هشيلك، كدا ضيعت لي اللحظة اللي كنت بحلم بيها، مش مشكلة نعوضها في اللي جاي.
ذهب وراءها وقبل أن يقترب من الغرفة، أغلقت الباب فصاح:
- قفلتي الباب ليه؟
أجابت بحدة من الداخل:
- هغير هدومي.
ذهب إلى الردهة قائلًا بصوت خافت:
- لما ألف ليا سجارتين عقبال ما تخلص.
قام بإعداد سجائر ملفوفة محشوة بالتبغ وبمادة أخرى، أشعل سيجارة بالقداحة ثم نفث دخاناً كثيفاً في الهواء، ينظر نحو نقطة وهمية و يتحدث إلي نفسه داخل عقله:
- كدا الدنيا كلها ماشية زي ما أنا عايز، وهرجع حق أمي اللي نهبتوه يا ولاد يعقوب، ولسه لما أخلص منك يا جاسر، وأختك تحت سيطرتي.
مر أكثر من ساعة ونفث أكثر سيجارة، لم يسمع صوتاً لها فشعر بالقلق، ذهب إليها وحاول فتح الباب لكنه كان موصداً من الداخل.
- روقه؟ بت يا روقه أنتي نمتي ولا إيه؟ دي ليلتنا يا حب، يلا أفتحي وبلاش دلع.
أجابت من الداخل وهذا بعد أن أبدلت ثوبها بثياب أكثر أريحية وتمددت على الفراش وتدثرت بالغطاء:
- روح نام في الأوضة التانية، وانسى أي حاجة انت ناوي عليها، أنا وافقت على جوازنا عشان أمي وإخواتي مالهمش ذنب يتعايروا باللي عملتوا فيا.
أطلق قهقهة ثم قال:
- وانتي بقي فاكراني هتأثر بالهبل اللي قولتيه دا وهاسيبك!
انتفضت وقفزت من فوق الفراش بخوف، تبحث عن أي شيء تحتمي به، صاحت بشجاعة زائفة:
- المرة دي لو قربت مني هصوت وألم الجيران عليك وهعملك فضيحة في قلب العمارة.
ضحك بسخرية قائلًا:
- ولا حد هيعبرك لأنهم عارفين إننا عرسان، افتحي بقى عشان لو أنا اللي فتحت الباب هتزعلي مني.
صرخت برفض تام:
- مش فاتحة وهقولها ليك للمرة المليار، أنا بكرهك يا حمزة ولو راجل طلقني، لأن أنا مش طايقاك.
كانت تتوقع إنه سوف يدفع الباب بقوة جسده لكن رأت المقبض يتحرك بتؤدة وإذا بالباب ينفتح على مصراعيه، يقف ويرفع إليها مفتاح القفل وعلى محياه ابتسامة ذئب ضاري تمكن من حصار فريسته، ترجع هي إلى الوراء وتحتضن جسدها بذراعيها، تهز رأسها برفض وخوف:
- لا، ابعد عني، لا.
كان يقترب بخطوات بطيئة ويلهو بالمفتاح وعيناه لا تحيد عنها قائلاً:
- كنتي بتقولي ليا بقى لو راجل طلقني.
جز على شفته السفلي والابتسامة لا تفارق شفتيه وفي لحظة ألقى المفتاح وباغتها بصفعة قوية جعلتها ترتطم في الخزانة، لم يمهلها أن تستوعب ما فعله فجذبها من خصلاتها وصاح كالوحش الكاسر:
- أنا راجل غصب عنك وعن أهلك ومش هطلقك، لأنك بتاعتي.
فكان الحقد والغل يسيطران عليه، بصق حقده في صورة ستجثم طوال العمر على ذاكرتها، يكفي ما فعله سابقاً عندما أنحرف بها بعيداً عن حضن والدها، الذي مات من الحزن والقهر.
ـــــــــــــــــ
وفي منزل أخر ليس ببعيد، تجلس في زاوية تبكي وتنعي قلبها كلما تذكرت نظرة من أحبته إليها، أرادت أن تدافع عن نفسها باستماتة أمامه، لكن لا جدوى من ذلك، فهي الآن أصبحت زوجة شقيقه قانونًا فقط وهذا بعد إصرارها وقوتها التي أظهرتها أمام هذا الشيطان منذ قليل..
وقفت أمام المرآة تنظر إليه خلفها وهو يفك أزرار قميصه استدارت إليه تسأله بحدة:
- أنت بتعمل إيه؟
توقف وفتح ذراعيه فأجاب:
- زي ما انتي شايفة، بغير هدومي.
التقطت ثيابه الموضوعة على الفراش وألقت بها إلى خارج الغرفة، نظر إليها بتعجب ودهشة فداهمه ظنًا وهميًا وسرعان ما ابتسم بسعادة وبنظرة ماكرة قال لها:
- آه يا مجرمة، مش عايزاني أكمل لبسي.
أثارت حماقته غضبها فصاحت في وجهه:
- أنت يا مجنون يا بتستعبط يا إما غبي.
غر فاه ثم عقب:
- ليه الغلط طيب؟
- مفيش غير كدا عندي، مش قبلت على نفسك تتجوز واحدة قرفانة حتى تبص في وشك استحمل بقى.
رفع ذراعيه وأخذ يستنشق رائحته فقال:
- قرفانة مني ليه؟ ده أنا والله مستحمي وحاطط مزيل وراشش برفان جاي لي هدية من مزة روسية كنت متصاحب عليها في شرم.
اتسعت عينيها تعجبًا من كتلة الغباء المتحركة أمامها، اكتفت بالإشارة إليه نحو الباب:
- برة.
- إيه زعلتي عشان حكيت لك عن المزة؟ والله دا قبل ما أعرفك، وخلاص من النهاردة هاتوب على إيديكي ومش هعرف بنات ولا ستات تاني.
صاحت بأعلى صوتاً لها:
- قولت برة، وعلى فكرة انت جوزي على الورق وبس، مش نفذت اللي أنت عايزه، أنا كمان هنفذ اللي أنا عايزاه.
ابتسم بسخرية وعقب على حديثها:
- نعم يا حلوة! لو فاكرة الكلمتين دول هيهزوني يبقى ما تعرفيش جاسر الراوي، يعني اللي عايزه هو اللي هيحصل سواء بمزاجك أو غصب عنك.
قبض على ذراعها وأراد أن يأخذها غصبًا كما وسوس إليه زوج شقيقته، لا يعلم قوة مريم، حيث كانت تعلم بأن هذا سوف يحدث، مدت يدها إلي أسفل الوسادة وهي تقاومه، ثم استلت السكين التي خبأتها وأشهرتها في وجهه صارخة بتهديد:
- أقسم بالله العظيم لو قربت مني لهقتلك وأقتل نفسي.
انتفض وعاد إلي الوراء:
- يا بنت المجانين، نزلي السكينة للسلاح يطول.
- يا ريت عشان أخلص منك وأرتاح.
جز على شفته السفلي ثم قال:
- براحتك يا مريم، مسيرك توقعي تحت إيدي ومش هرحمك، بس افتكري كلامي.
غادر الغرفة وبعد ثوانٍ سمعت صوت غلق باب الشقة، تنفست الصعداء وألقت بالسكين على الفراش واستسلمت إلي أحزانها، انفجرت في البكاء لعلَّ الدموع تخرج ولو القليل مما تحمله في صدرها من عذاب و ألم.
يتبع
بدأ يوسف وصديقه في إطلاق حملة إعلامية مكثفة للشركة التي أطلقوا عليها اسم «YMA» للتسويق و الشحن، كما لاقت صدى في عالم التسويق الإلكتروني.
وفي ذلك الحين أيضًا كان شقيقه يُعد لحفل زفافه على مريم وكذلك زفاف حمزة على رقية، ولم يرد جاسر أن يمر حدث زفافه دون أن يعلم ردة فعل شقيقه، عندما يعلم إنه سيتزوج من الفتاة التي أحبها وبذلك يكون قد سلب منه كل شيء.
وفي ظل يوم عمل شاق لدى يوسف، طرقت آية عليه الباب ثم فتحت وسألته:
- فاضي ولا مشغول؟
توقف عن الكتابة على لوحة المفاتيح المتصلة بالحاسوب، ابتسم وأشار إليها:
- اتفضلي، حتى لو مشغول هفضي نفسي.
ابتسمت أيضاً بخجل ثم قالت:
- تسلم، أنا حابة أخد رأيك في موضوع مهم بالنسبة ليا؟
أومأ إليها وقال:
- اتفضلي، أنا تحت أمرك.
- الأمر لله، الموضوع وما فيه أنا جالي عرض من شركة فرنسية مشهورة لأدوات التجميل، شافوا شغلي من على السوشيال ميديا وتواصلوا معايا، أنت إيه رأيك أسافر ولا لأ؟
أمعن التفكير في سؤالها وأدرك ما ورائه، يبدو ذلك واضحًا من نظراتها إليه والتي تنُم عن الإعجاب أو ربما الحب، بينما هو لا يملك قلبه، وكلما أراد أن يتواصل مع مريم لم يجد إجابة منها على اتصالاته، قام بمهاتفة خالها فقدم إليه أعذار غير مقنعة إطلاقًا، لذا قرر أنه سيذهب لرؤيتها.
انتبه إلى آية التي أخذت تناديه وكان شاردًا، اعتدل وأجاب:
- معلش يا آية، سرحت شوية، كنتي بتاخدي رأيي هتسافري ولا لأ، بصي اعملي اللي هتلاقيه في مصلحتك، يعني لو السفرية دي فيها نجاحك وإنك تحققي نفسك هناك يبقي ليه لأ؟
حدقت إليه بنظرة وكأنها تريده أن يمنعها أو يطلب أن لا تبتعد فسألته:
- يعني انت عايزني أسافر؟
تنهد واستند بساعديه على المكتب فألقى عليها بجوابه على سؤالها الحقيقي:
- أنا عايزك تشوفي مصلحتك، يمكن تلاقي فرصة أحسن، ما تعلقيش نفسك.
ازدردت ريقها وشعرت بالصدمة من إجابته التي أدركتها جيداً، نهضت ووضعت أمامه مجموعة من الأوراق قائلة:
- دي أوراق من البريد نسيت أديهالك من أول امبارح، عن إذنك.
وقبل أن تغادر أوقفها قائلًا:
- أنا مبسوط إنك بتعتبريني زي ماجد أخوكي.
أومأت إليه بابتسامة تخفي خلفها حزن عميق وانكسار، أشاحت وجهها سريعًا لمغادرة الغرفة حتى لا يرى عبراتها المترقرقة.
زفر بين كفيه وشعر بالذنب، لكنه قال لنفسه هذا أفضل لها.
وقعت عيناه على ظرف من بين الأوراق التي أمامه، يبدو إنها دعوة لحضور حفل زفاف، أمسكها ثم قام بفتح الظرف وأخرج الدعوة، إنه حفل زفاف شقيقه لكن اسم العروس مختصرًا في أول حرف من اسمها، لم ينشغل بهذا ووجد هناك دعوة أخرى مرفقة مدون بها اسم العريس «حمزة أمين الحلاج» والعروس «رقية يعقوب عبد العليم الراوي»، برغم حزنه مما فعله شقيقه معه لكنه يشعر بالسعادة من أجل شقيقته التي ستصبح عروس، أمسك بكلا الدعوتين وغادر الشركة لكي يستعد لحضور الحفل، لعله يرى مريم هناك، لقد عزم أنه سوف يشتري خاتًمًا سيقدمه إليها ويتفق مع خالها عن موعد زواجهما، يا له من مسكين ليس لديه علم بالمفاجأة لنقل بالأحرى الصدمة.
ــــــــــــــــ
بدأت مراسم الحفل ما بين رقص وغناء داخل قاعة كبيرة تضم الكثير من الحضور، توجد أريكتان، يجلس على أريكة حمزة الذي يتراقص مكانه وبجواره رقية ويبدو على وجهها الحزن، جاءت والدته لتعانقه وتهنئه، نظرت إلى ابنة شقيقتها بسخرية ثم دنت منها لتخبرها:
- أفردي وشك يا رقية، عايزة الناس تقول على ابني متجوزك غصب!
التزمت رقية الصمت واكتفت بنظرة سخط، وهناك في الأريكة المجاورة يجلس جاسر يصافح كل من يهنئه، ومريم بجواره شاردة نحو الفراغ، لا تصدق تلك اللحظات وكأنها في حلم بل كابوس صعب الاستيقاظ منه، أفاقت على ذراع جاسر المحاطة بخصرها ويخبرها بسخرية:
- عارفة يا مريوم، أنا محضر لك حتة مفاجأة هاتعجبك قوي.
رمقته بازدراء ثم انتبهت إلى ذلك القادم من باب القاعة، نهضت وهي تنظر نحوه لتتأكد من وجوده، رجفة أصابت جسدها عندما تلاقت عينيها بعينيه، ليشعر هو بصدمة بل طامة وقعت فوق رأسه وهو يراها عروس، ويرى هذا الذي ينظر إليه وفمه مبتسمًا بسعادة وانتصار، يخبره إنه سلب منه كل شيء، حقه في إرث والده والفتاة التي أحبها.
مازال يقف ويشاهد هذا من بعيد، أخرج من جيبه علبة الخاتم الذي كان سيقدمه إليها، دقات قلبه تسابق عقرب الثواني الذي يتحرك في ساعة يده، أمسك بقوة العلبة التي في قبضته، انتبه إلي عرفة القادم نحوه وعلى وجهه آلاف الاعتذارات، وعندما توقف أمامه أخبره:
- ما تزعلش يا يوسف، كل واحد بياخد نصيبه، وفي الأول والآخر دا أخوك.
هز رأسه مبتسمًا ولم يستطع منع هذه الدمعة التي انسدلت من عينه، وفي التو قام بمسحها فقال:
- عندك حق يا عم عرفة.
قرر أن يظهر صموده وقوته أمامهما، لذا بدلاً من أن يرحل ذهب إلي شقيقته أولًا وقام بتهنئتها وصافح حمزة الذي قال:
- عقبالك يا چو.
ثم نظر إلي جاسر الذي كان ينتظر ردة فعل شقيقه، يظن أنه سيعاركه أو يوبخه وتمنى أن يحدث ذلك حتى يجد سبباً للقيام بلكمه، لذا كور قبضته استعدادًا لهذا، وقد خيب الأخر ظنونه عندما مد يده إليه وقال:
- ألف مبروك يا جاسر.
رد بسخرية مبتسمًا:
- الله يبارك فيك يا يوسف، نورت الفرح.
حدق إلي مريم التي كانت تصرخ وتخبره بعينيها إنها مرغمة على ما يحدث، تخبره في صمت إنها ليست خائنة كما تقرأ في عينيه.
مد يده إليها وقام بتهنئتها بنظرة تنضح بلوم وعتاب:
- مبروك يا مريم.
رفعت يدها وكادت تبادله المصافحة، مد جاسر يده وأمسك يدها قائلًا:
- معلش يا يوسف، مراتي ما بتسلمش على أغراب، أصلي بغير عليها.
ثم أحاط خصرها بذراعه ليخبره أنها أصبحت ملكاً له، أومأ إليه ولم يعقب، ذهب حتى لا ينهار أمامهما، غادر بقلب مجروح يذرف الدماء بغزارة.
ــــــــــــــــــ
بعد انتهاء حفل الزفاف ذهب كل عروسين إلي منزل الزوجية الخاص بهما، دخلت رقية إلي الداخل فانتفضت عندما سمعت صوت إغلاق الباب، قام بخلع سترة حُلته قائلًا:
- نورتي شقتك يا روقه، إيه رأيك عاملك أحلى شغل ديكور وحركات ولسه لما ندخل أوضة النوم عامل فيها شغل عالي، هبهرك.
كاد يحملها على ذراعيه، فتركته واتجهت نحو رواق حيث تتفرع منه الغرف، فسألها:
- رايحة فين يا حب؟ دا أنا كنت لسه هشيلك، كدا ضيعت لي اللحظة اللي كنت بحلم بيها، مش مشكلة نعوضها في اللي جاي.
ذهب وراءها وقبل أن يقترب من الغرفة، أغلقت الباب فصاح:
- قفلتي الباب ليه؟
أجابت بحدة من الداخل:
- هغير هدومي.
ذهب إلى الردهة قائلًا بصوت خافت:
- لما ألف ليا سجارتين عقبال ما تخلص.
قام بإعداد سجائر ملفوفة محشوة بالتبغ وبمادة أخرى، أشعل سيجارة بالقداحة ثم نفث دخاناً كثيفاً في الهواء، ينظر نحو نقطة وهمية و يتحدث إلي نفسه داخل عقله:
- كدا الدنيا كلها ماشية زي ما أنا عايز، وهرجع حق أمي اللي نهبتوه يا ولاد يعقوب، ولسه لما أخلص منك يا جاسر، وأختك تحت سيطرتي.
مر أكثر من ساعة ونفث أكثر سيجارة، لم يسمع صوتاً لها فشعر بالقلق، ذهب إليها وحاول فتح الباب لكنه كان موصداً من الداخل.
- روقه؟ بت يا روقه أنتي نمتي ولا إيه؟ دي ليلتنا يا حب، يلا أفتحي وبلاش دلع.
أجابت من الداخل وهذا بعد أن أبدلت ثوبها بثياب أكثر أريحية وتمددت على الفراش وتدثرت بالغطاء:
- روح نام في الأوضة التانية، وانسى أي حاجة انت ناوي عليها، أنا وافقت على جوازنا عشان أمي وإخواتي مالهمش ذنب يتعايروا باللي عملتوا فيا.
أطلق قهقهة ثم قال:
- وانتي بقي فاكراني هتأثر بالهبل اللي قولتيه دا وهاسيبك!
انتفضت وقفزت من فوق الفراش بخوف، تبحث عن أي شيء تحتمي به، صاحت بشجاعة زائفة:
- المرة دي لو قربت مني هصوت وألم الجيران عليك وهعملك فضيحة في قلب العمارة.
ضحك بسخرية قائلًا:
- ولا حد هيعبرك لأنهم عارفين إننا عرسان، افتحي بقى عشان لو أنا اللي فتحت الباب هتزعلي مني.
صرخت برفض تام:
- مش فاتحة وهقولها ليك للمرة المليار، أنا بكرهك يا حمزة ولو راجل طلقني، لأن أنا مش طايقاك.
كانت تتوقع إنه سوف يدفع الباب بقوة جسده لكن رأت المقبض يتحرك بتؤدة وإذا بالباب ينفتح على مصراعيه، يقف ويرفع إليها مفتاح القفل وعلى محياه ابتسامة ذئب ضاري تمكن من حصار فريسته، ترجع هي إلى الوراء وتحتضن جسدها بذراعيها، تهز رأسها برفض وخوف:
- لا، ابعد عني، لا.
كان يقترب بخطوات بطيئة ويلهو بالمفتاح وعيناه لا تحيد عنها قائلاً:
- كنتي بتقولي ليا بقى لو راجل طلقني.
جز على شفته السفلي والابتسامة لا تفارق شفتيه وفي لحظة ألقى المفتاح وباغتها بصفعة قوية جعلتها ترتطم في الخزانة، لم يمهلها أن تستوعب ما فعله فجذبها من خصلاتها وصاح كالوحش الكاسر:
- أنا راجل غصب عنك وعن أهلك ومش هطلقك، لأنك بتاعتي.
فكان الحقد والغل يسيطران عليه، بصق حقده في صورة ستجثم طوال العمر على ذاكرتها، يكفي ما فعله سابقاً عندما أنحرف بها بعيداً عن حضن والدها، الذي مات من الحزن والقهر.
ـــــــــــــــــ
وفي منزل أخر ليس ببعيد، تجلس في زاوية تبكي وتنعي قلبها كلما تذكرت نظرة من أحبته إليها، أرادت أن تدافع عن نفسها باستماتة أمامه، لكن لا جدوى من ذلك، فهي الآن أصبحت زوجة شقيقه قانونًا فقط وهذا بعد إصرارها وقوتها التي أظهرتها أمام هذا الشيطان منذ قليل..
وقفت أمام المرآة تنظر إليه خلفها وهو يفك أزرار قميصه استدارت إليه تسأله بحدة:
- أنت بتعمل إيه؟
توقف وفتح ذراعيه فأجاب:
- زي ما انتي شايفة، بغير هدومي.
التقطت ثيابه الموضوعة على الفراش وألقت بها إلى خارج الغرفة، نظر إليها بتعجب ودهشة فداهمه ظنًا وهميًا وسرعان ما ابتسم بسعادة وبنظرة ماكرة قال لها:
- آه يا مجرمة، مش عايزاني أكمل لبسي.
أثارت حماقته غضبها فصاحت في وجهه:
- أنت يا مجنون يا بتستعبط يا إما غبي.
غر فاه ثم عقب:
- ليه الغلط طيب؟
- مفيش غير كدا عندي، مش قبلت على نفسك تتجوز واحدة قرفانة حتى تبص في وشك استحمل بقى.
رفع ذراعيه وأخذ يستنشق رائحته فقال:
- قرفانة مني ليه؟ ده أنا والله مستحمي وحاطط مزيل وراشش برفان جاي لي هدية من مزة روسية كنت متصاحب عليها في شرم.
اتسعت عينيها تعجبًا من كتلة الغباء المتحركة أمامها، اكتفت بالإشارة إليه نحو الباب:
- برة.
- إيه زعلتي عشان حكيت لك عن المزة؟ والله دا قبل ما أعرفك، وخلاص من النهاردة هاتوب على إيديكي ومش هعرف بنات ولا ستات تاني.
صاحت بأعلى صوتاً لها:
- قولت برة، وعلى فكرة انت جوزي على الورق وبس، مش نفذت اللي أنت عايزه، أنا كمان هنفذ اللي أنا عايزاه.
ابتسم بسخرية وعقب على حديثها:
- نعم يا حلوة! لو فاكرة الكلمتين دول هيهزوني يبقى ما تعرفيش جاسر الراوي، يعني اللي عايزه هو اللي هيحصل سواء بمزاجك أو غصب عنك.
قبض على ذراعها وأراد أن يأخذها غصبًا كما وسوس إليه زوج شقيقته، لا يعلم قوة مريم، حيث كانت تعلم بأن هذا سوف يحدث، مدت يدها إلي أسفل الوسادة وهي تقاومه، ثم استلت السكين التي خبأتها وأشهرتها في وجهه صارخة بتهديد:
- أقسم بالله العظيم لو قربت مني لهقتلك وأقتل نفسي.
انتفض وعاد إلي الوراء:
- يا بنت المجانين، نزلي السكينة للسلاح يطول.
- يا ريت عشان أخلص منك وأرتاح.
جز على شفته السفلي ثم قال:
- براحتك يا مريم، مسيرك توقعي تحت إيدي ومش هرحمك، بس افتكري كلامي.
غادر الغرفة وبعد ثوانٍ سمعت صوت غلق باب الشقة، تنفست الصعداء وألقت بالسكين على الفراش واستسلمت إلي أحزانها، انفجرت في البكاء لعلَّ الدموع تخرج ولو القليل مما تحمله في صدرها من عذاب و ألم.
يتبع