اخر الروايات

رواية شغفها عشقا الفصل الرابع عشر 14 بقلم ولاء رفعت

رواية شغفها عشقا الفصل الرابع عشر 14 بقلم ولاء رفعت 



أوهمتك برحيلي فراقبتك من بعيد، رأيتك بخير ولم تشتكِ الفقد، فقررتُ الرحيل لتبقى بخير أكثر.
بعد مرور أكثر من شهرين...
مازال الوضع كما كان عليه، كلما يريد الاقتراب منها تصرخ في وجهه وتهدده بقتله وقتل نفسها، وفي آخر محاولة قد لجأ إلى القوة والعنف معها لأخذ حقه الشرعي عنوة، استطاعت الإفلات من بين ذراعيه وركضت نحو النافذة المفتوحة تخبره بتهديد:
- أقسم بالله لو قربت مني لهرمي نفسي من الشباك وهيقولوا إنك اللي رمتني.
زفر بضيق وضجر قائلًا بنبرة تخلو من الصبر:
- خلاص يخرب بيتك، أبو الجواز وسنينه، كان يوم أسود لما أتجوزتك، هسيب ليكي البيت عشان ترتاحي.
غادر المنزل وذهب إلى أحد النوادي الليلية التي يتردد عليها دائمًا، فتقابل مع ابن خالته الذي يرتشف النبيذ من الكأس ويسأله:
- مالك يا ابن خالتي؟ حزين ومهموم ليه كد؟ دا أنت حتى عريس جديد.
لوح جاسر بيده ثم قال:
- بلا جواز بلا قرف، تصدق من يوم ما أتجوزنا وأنا مش عارف أقرب منها، كل ما أجي جمبها يا ترفع عليَّ السكينة وتهددني يا إما تجري وعايزة ترمي نفسها من البلكونة.
وسوس إليه باقتراح شيطاني كالعادة:
- خدها بالقوة، في الأول والأخر دي مراتك.
ارتشف من الكأس وأجاب:
- يا عم دي ممكن تخلص عليَّ بعدها.
قهقه حمزة وقال بسخرية:
- اعترف إنك جبان وخايف منها.
رمقه بازدراء قائلًا:
- ما تبطل هزارك السخيف دا يا عم الرذل، مش ناقصك على المسا.
- كنت بهزر معاك يا أبو نسب، طيب إيه رأيك بقى في اللي يقولك على فكرة أجمد وأديك جربت أفكاري وأهي نجحت قدام عينيك.
أطلق زفرة وقال بنفاذ صبر:
- أخلص واشجيني.
ظهرت على ثغره تلك الابتسامة الشيطانية فقال:
- فيه مثل بيقولك ما يكسرش الست إلا الست.
سأله بدون تمعن في الكلمات التي ذكرها إليه:
- أخونها قصدك؟ ما هي عارفة من يوم ما أتجوزنا إني كل يوم بسهر هنا وبروح مع بنات ليل، ولا فارق معاها، بالعكس بحس إنها مرتاحة بكدا.
لكزه في كتفه وأجاب:
- فتح مخك بقى، خيانة إيه اللي بتتكلم عنها دي؟ على أساس إنها بتموت فيك! أنا قصدي إنك تجيب لها ضرة.
ردد جاسر بتعجب:
- أتجوز عليها!
ـــــــــــــــــــ
في اليوم التالي...
تجلس على الأريكة أمام التلفاز وتقشر الخضروات داخل إناء متسع ومستدير، عاد زوجها من الخارج يحمل من الهموم أطنانًا على كاهليه المنهكين من فرط ما يحمله منذ وفاة الحاج يعقوب.
توقفت هويدا عن ما تفعله وسألته:
- مالك المرة دي يا أبو محمود؟ ليكون البت مريم اتطلقت من جوزها.
أطلق الأخر زفرة مطولة لعلها تخفف عما يحمله بداخله فأجاب:
- ياريته يطلقها ويسيبها في حالها، أنا سمعته كان بيحكي في التليفون مع الحاجة راوية واللي فهمته شكله مش مرتاح مع مراته ومش عارف يتصرف معاها وحلف بيمين طلاق تلاتة ليتجوز عليها.
عقبت زوجته بتهكم:
- يخرب بيته هو لحق يزهق منها وعايز يتجوز عليها كمان؟ يا عيني عليكي يا مريم، الظاهر بختك زي أمك الله يرحمها.
وهنا أراد أن يلقي عليها بالخبر الصاعق:
- تخيلي عايز يتجوز مين؟
ردت وهي تلوح بيدها بعدم اهتمام:
- هتلاقيها واحدة من الستات اللي ماشي معاهم.
أخبرها بهدوء يُحسد عليه:
- ده عايز يتجوز أمنية.
انتبهت جميع حواسها لاسيما سمعها، فسألته لتتأكد:
- أمنية مين بالظبط؟ قصدك أمنية بنتك؟!
أومأ إليها بحزن:
- للأسف يا هويدا أيوة.
نهضت وأطلقت صوتها الجهوري الغاضب:
- وانت ازاي تسكت له يا عرفة! هو أنا بنتي بايرة عشان تتجوز واحد لسه ماكملش شهرين جواز وفوق دا كله تتجوز على ضرة وضرتها تبقى بنت عمتها؟ إن كان اللي بيتكلم مجنون يبقى المستمع عاقل.
- يا ولية اهدي، فيه إيه؟ انتي شوفتيني وافقت؟ أنا نفسي عمري ما هوافق على حاجة زي كدا حتى لو فيها طردي من المحل المرة دي.
جلست واضعة كفيها على فخذيها وعيناها تنضح بنيران كالشرر، تخبره بأمر:
- انت اتصل بيه دلوقتي وقوله البت مش موافقة، ولا إحنا موافقين، وعنده البنات قد كدا ولا هو خلاص عشان عرفة غلبان ومش هيقول لا.
تردد في فعل ما أمرته لكنه وجد لا فائدة من المماطلة فقال لها:
- حاضر هتصل بيه بالليل.
صاحت بحسم:
- لا، دلوقت حالًا:
خرجت ابنته من غرفتها ووقفت أمامهما عاقدة ساعديها أمام صدرها، تنظر بتحدٍ وإصرار قائلة:
- أنا موافقة يا بابا.
ــــــــــــــــــ
اقترب رجل متوسط الطول يحمل دفترًا ورقيًا وحقيبة سوداء، تقدم منه أحد العمال وسأله:
- خير يا أستاذ؟
أجاب الرجل بجدية:
- أنا معايا إنذار من الضرايب وعايز أقابل صاحب سلسلة محلات الجاسر اللي كانت اسمها يعقوب وأولاده.
ظهر على ملامح العامل التوتر فأخبر الرجل:
- طيب استني هشوفه موجود جوا ولا لأ؟
كان جاسر يجلس خلف المكتب ويراسل إحدى الفتيات.
فقاطعه العامل يخبره:
- إلحق يا جاسر بيه، راجل بيسأل عليك وبيقول إنه عايز يقابلك وإنه من الضرايب.
أخرج من درج المكتب ورقة مالية وأعطاها للأخر و أمره قائلاً:
- خد أديله الميتين جنية دي في جيبه، وقوله يقولهم إنه ملاقنيش.
أجاب العامل:
- ده بيقول معاه إنذار يا بيه، يعني شكله مبلغ وقدره، والضرايب ممكن تيجي تحجز على المحل دا وباقي المحلات.
ضرب يده على سطح المكتب وصاح بغضب:
- أول وآخر مرة تتدخل يا حيوان في اللي ملكش فيه، أنا عارف أنا بعمل إيه، غور يلا اعمل اللي قولت لك عليه.
نظر العامل إلى الأسفل بحزن وقال:
- أمرك يا بيه.
ذهب فقال جاسر:
- وإيه حكاية الضرايب اللي ما بتخلصش دي كمان؟ دول بياخدوا أكتر من اللي بكسبه، منهم لله هم و مراتي اللي منكدة عليَّ في ساعة واحدة.
استدار بزاوية بالمقعد الجالس فوقه، فتح الخزنة وأخذ مبلغ من المال وقال:
- لما أروق على نفسي شوية، هروح أسهر مع البت سماح فرفشة، أهي تزيح عني الهم والنكد اللي عايش فيه من يوم ما أتجوزت البومة مريم.
ــــــــــــــــ
تجلس أمام التلفاز تشاهد أحد الأفلام الأجنبية الرومانسية وبها حكايات عن الحب والفراق، ظلت تتأمل ذلك المشهد وكان البطل قد رأى حبيبته برفقة رجل أخر في احتفال، جعلها تتذكر ذلك المشهد الذي لن تنساه قط، نظرة عيناه التي تلاقت بعينيها، وكم الاتهام الذي وجهه إليها من خلال تلك النظرة التي أخبرتها إنها قد أصبحت أمامه مجرد خائنة.

أخذت هاتفها من فوق المنضدة التي أمامها وترددت قبل أن تجري الاتصال عليه، كل ما تريده أن تدفع عنها اتهاماته لها وتخبره أن هذا الزواج كان رغمًا عنها.

قامت بالاتصال، تلقت رسالة صوتية مسجلة محتواها أن الرقم غير موجود بالخدمة، يبدو إنه أوقف الخدمة لهذا الرقم واستبدله بأخر، هل قرر استبدالها من حياته كما استبدل شريحة الاتصال؟

فقررت أن تتصل بخالها والذي أجاب عليها:

- أزيك يا مريم، عاملة إيه يا بنتي؟

- الحمد لله يا خالو، أنا بخير.

- دايماً يا بنتي.

- تسلم يا حبيبي، بقولك يا خالو عايزة أسألك بس يا ريت ما تفهمش سؤالي غلط، بس غصب عني والله.

أدرك خالها ماهية سؤالها قبل أن تتلفظ به فأخبرها بحزم:

- غلط يا مريم وأوعي تعملي كدا، انتي دلوقتي ست متجوزة، حتى لو ما بتحبيش جوزك بس لو سألتي على راجل تاني كان ما بينك وما بينه أي مشاعر دي تعتبر خيانة، وأنا ما ربتكيش على كدا أبداً، انتي بينضرب بيكي المثل في الأخلاق والأدب.

أجابت على مضض:

- حاضر يا خالو اطمن بالتأكيد ماكنتش هعمل كدا، كان مجرد سؤال مش أكتر.

- اوعي تكوني زعلتي يا بنتي؟

طيف ابتسامة لاح على ثغرها فقالت:

- وهزعل من إيه؟ مفيش حاجة، ابقى سلملي على أمنية وطنط، سلام.

أنهت المكالمة وعادت لمتابعة الفيلم، صدح رنين جرس المنزل فأمسكت بجهاز التحكم الخاص بالتلفاز وضغطت على زر كاتم الصوت ثم ذهبت لترى من الزائر، نظرت عبر فتحة الباب أولاً:

- مين؟

أجابت في الخارج:

- أفتحي يا مريم أنا خالتك راوية.

قامت بفتح الباب فألقت راوية التحية فرحبت بها مريم مشيرة إليها نحو الداخل:

- أتفضلي يا طنط، حضرتك تحبي تشربي إيه؟

- أنا مش جاية عشان أشرب، أنا عارفة إن ابني مش هنا وزمانه سهران في الكباريهات، وأنا اللي كنت بقول ربنا هداه واتجوز رجع أنيل من الأول، ليه سيباه يعمل كدا يا مريم؟

تعجبت من لوم هذه السيدة وكأنها لا تعلم طريقة زواج ابنها منها تحت التهديد والمساومة، جزت على أسنانها ثم قالت:

- أعتقد حضرتك مش واضحة لك الرؤية خالص، ابنك مين اللى ربنا هداه؟ ابنك يقول للشيطان قوم وأنا أقعد مكانك.

نظرت إليها والدة زوجها بلوم وعتاب:

- ما هو ده دورك يا بنتي، المفروض تخليه يتغير، أنا عارفة إنه فيه كل العبر، مش لو حبتيه وغيرتيه يمكن ينصلح حاله ويرجع الحقوق لأصحابها و يبقي كسبتي فيه ثواب.

قد فاض بها الأمر ولم يعد للصبر مكانًا، الكل يلقون عليها اللوم وكأنها هي الجانية وليست المجني عليها، صاحت بكل ما يجيش في صدرها:

- انتي أصلًا بتقولي إيه؟ ابنك اتهم خالي بقضية سرقة لفقها له عشان يساومني علي تنازله عن المحضر مقابل إنه يتجوزني، ووافقت غصب عني عشان الراجل اللي رباني وعمره ما خلاني محتاجة حاجة".

اقتربت خطوة وعيناها تنضح بالشرر وتلوح بيدها مردفة:

- ابنك اللي أكل ميراث أخوه ومليون في المية زَور في الأوراق، وعارف إن أنا وأخوه بنحب بعض و أتجوزني عشان يقهره مش عشان بيحبني، و انتي جاية تقولي لي حبيه! أنا بكرهه وكل يوم بكرهه أكتر وبدعي عليه، ومش هقولك غير حسبي الله و نعم الوكيل عشان معرفتيش تربي.

لم تكن راوية قادرة على الرد، تعلم أن مريم لديها كل حق في كل كلمة، و تذكرت ما تم تداوله بين أهل الحارة و هو أن ابنها يريد الزواج من ابنة خالها عرفة، لكن وجدت أن هذا لم يؤثر في مريم سواء علمت بذلك أم لا.

- حقك عليَّ يا مريم، ومعلش جيت أخدت من وقتك، عن إذنك.

قالتها وغادرت خالية الوفاض، تاركة مريم في بحر من الأحزان.


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close