رواية دوائي الضرير الفصل العاشر 10 بقلم نرمين ابراهيم
الفصل العاشر...
تركت هنية عاصم في حيرة من أمره.. فلم يعد يعرف نفسه بعد الأن معها.. فكل أفكاره تذهب مع عقله إلى مكان مجهول حينما يتعلق الموضوع بها..
لا يشك بها مطلقاً و لكن عقله أصبح يتصرف بغرابة مطلقة معها...
ظل يفكر و يفكر على أمل أن يهتدي عقله و قلبه إلى بر من ذلك البحر الذي يغرق فيه...
أما سارة..
فقد توجهت لمقصورتها و ظلت بها... كانت تشعر بالضيق الشديد من موقف عاصم... اكتفت هي من اختلاق الأعذار له..
تعلم أنها شقيقته الوحيدة التي يحبها بل يعشقها.. و لكنه يعيق عملها.. يعيق تقدمها في علاج هدى.. حبه الشديد لها سوف يكون بمثابة العائق الوحيد لتقدمها..
تعلق هدى به أيضاً هو ما يعيقها و يمنعها من تقبل فكرة العلاج الفيزيائي الذي سوف يؤهلها لأن تعود و تقف على ساقيها مرة أخرى..
ناهيك عن ثقته بها التي تتأرجح بين انه يثق بها و بعقلها و بقرارتها و بين هل يثق بها من الأصل ام لا..
على الرغم من خبرتها التي لا بأس بها في مجال علم النفس.. إلا أن شخصية عاصم تحديداً تثير حيرتها بشكل مبالغ فيه..
فهو احياناً شخص لطيف مرح ضحوك و حلو الصحبة.. لا يُمل من صحبته.. حتى أن سارة نفسها تحب حديثها معه الذي غالباً ما يكون حديث متحضراً مثقفاً يُظهره كشخص مثقف متفتح..
و لكن حاله ينقلب في أقل من دقيقة و يتحول فجأة لذلك الهمجي الذي لا يعرف كيف يتعامل مع البشر بشكل طبيعي و بلا سبب مقنع..
ظلت تفكر في طريقة أخرى حتى تكسب ثقة عاصم كطبيبة و تجعل من حبه لشقيقته عامل مساعد بل و محفذ لشفاء هدى و تناست مشاعرها تجاهه و حاولت أن تفكر فيه كشخصية غريبة استفزت طبيبة.
قاطع تفكيرها و شرودها طرقات خفيفة على بابها.. هتفت من مقعدها و هي تقول..
سارة: ادخلي يا فاطمة.. الباب مفتوح.
عاصم: أنا.. انا مش فاطمة يا سارة.. أنا عاصم.
تنهدت بتعب و شبه يأس منه ثم أطلقت زفيراً حاداً حتى تهدئ أعصابها.. فهي تحتاج أن تكسبه لصفها حتى يساعدها في مهمتها قبل ان تكسبه كحبيب حسب المشاعر التي تشعر بها منه... رغم تقلباته تلك.. قامت و اتجهت للباب لتفتحه و هي تقول بطريقة رسمية..
سارة: اتفضل يا استاذ عاصم.
عاصم(تعجب و لكنه يعلم أنها غاضبة منه و هي على حق): من امتى بتقوليلي استاذ دي.. مش كنا اتفقنا أننا أصحاب و أننا نشيل الرسميات دي..
سارة: دة لما كنت فاكرة أننا أصحاب فعلاً و أن في بينا حتة ثقة حتى لو كانت صغيرة جداً.. لكن طبعا من الواضح أن مافيش اي ثقة فيا خالص.
عاصم: ليه بتقولي كدة يا سارة.. انا بثق فيكي طبعا.. انا بس كل الحكاية اني..
سارة(مقاطعة): كل الحكاية انك مش بتثق فيا.. و تقريباً بقيت بتخاف على اختك مني.. مالهاش تفسير تاني صدقني.. صح.
عاصم(و صعد أول درجة من درجات تلك المقصورة و اصبح يفصل بينهما درجة واحدة فقط): لا مش صح.. مش صح ابدا يا سارة.. بس انا لما عرفت بجواز الزفت دة و من اعز صحابها كمان ماكنتش عايزها هي تعرف.. كنت عارف ان خبر زي دة هايكسرها و يوجعها..
كنت خايف عليها يا سارة من إن قلبها ينكسر مرة تانية.. كسرة القلب وحشة.. وحشة اوي يا سارة...
و هو كسر قلبها مرة و لسة وجعاها لحد دلوقتي و مش عايزه يوجعها تاني..
إذا كنت انا اتصدنت لما عرفت و ضايقت و اتوجعت من الخبر اومال هي لو عرفت بالخير دة هايعمل فيها ايه..
صمتت سارة احتراماً لمشاعره بينما كان هو يتأملها بتفحص.. لأول مرة يكون أمامها بهذا القرب.. تجولت انظاره حول وجهها بحرية و رسمت عيناه ملامحها بتمهل..
عيناها السوداء و رموشها الكثيفة..
حاجبيها اللذان يكملان تلك الرسمة الهندسية الخاطفة..
أنفها المدقوق بحرفية ربانية رائعة..
جبهتها العريضة البيضاء و تلك الغرة السوداء التي تغطيها..
وجنتيها الورديتيان بدون مساحيق تجميل ..
ثم أخيراً فمها و شفتيها الكريزية المكتنزة التي يريد أن ينفرد بهما بعيدا عن العالم بأسره..
مهلا.. فيما يفكر.. ايحلم بها.. بشفتيها؟؟ بعينيها؟؟ ايعقل؟؟
أفاقته هي من شروده و صمته الذي طال و قالت...
سارة: استاذ عاصم.. انت سكتت ليه؟؟
عاد عاصم لوعيه و تنحنح حتى يُخرج نفسه من نوبة الحب التي داهمته و أجابها...
عاصم: احمم... لا مافيش حاجة.
سارة: طيب في حاجة معينة تاني انت عايزها يا استاذ عاصم؟؟
عاصم: برضه استاذ؟؟! تبقي لسة زعلانة مني.
سارة: لا مش زعلانة..
عاصم(ابتسم بحب): لا زعلانة..
سارة(و تعمدت أن تجعل ملامحها غاضبة): طيب زعلانة.. اتفضل بقى و سيبني ازعل براحتي.
عاصم(بضحكة رجولية جذابة): ههههههههه... لا و غضبانة كمان؟؟
سارة(عقد ذراعيها كالاطفال): ايوة.
عاصم(أكمل ضحكه و فرحته بها و بشكلها الطفولي حالياً وقال بترجي): طيب ممكن الدكتورة سارة تتكرم و تتعطف و تتنازل و تسمحلي اصالحها..
سارة(حاولت كبت ابتسامتها و لكنه لاحظها بالطبع): احمم... كل دة؟؟ يهمك زعلي اوي يعني؟؟
عاصم: اكتر مما تتخيلي.
سارة: طيب و انا موافقة اصالحك.. بس بشرط.
عاصم(و قد عاد للهجته الصعيدية): واه واه واه... و عاتتشرطي كمان...
سارة: خلاص بلاش..
همت أن تتركه و تدخل لداخل مقصورتها و لكنه أمسك بيدها سريعاً و في تلك اللحظة توقف الزمن.. انتفض قلبه بداخل صدره و هو يصرخ بنبضات جديدة عليه.. نغمة جديدة عليه و يشعر بها لأول مرة.
اما هي فلأول مرة تشعر بتلك القشعريرة في سائر جسدها.. تشعر بكهرباء لذيذة تسري بجميع خلاياها.. توقفت حركتها بشكل لا إرادي منها لم تقف سوى لأن لمسته جمدت أعصابها بمكانها..
عاصم(بنبرة حانية لأول مرة ينطق بها و لأول مرة تسمعها هي منه): لا مش بلاش.. قولي و اتشرطي زي ما انتي عايزة يا سارة.
سارة(و قد توهجت وجنتاها خجلاً): و هاتوافق؟؟
عاصم: انا موافق على أي حاجة انتي عايزاها يا سارة.. بس ترضي عني .
سارة(بحرج): احم.. طيب ممكن تسيب أيدي.
عاصم(تنحنح بحرج أيضاً): احمم.. اسف معلش ماخدتش بالي اني لسة ماسكها.
سارة: طيب خلاص.. حصل خير.
عاصم: ها ايه شرطك بقى؟؟
سارة: و هاتنفذه؟
عاصم: هانفذه.
سارة: من غير نقاش و مناقرة؟؟
عاصم: من غير نقاش ولا مناقرة.
سارة: ولا وجع قلب.
عاصم: سلامتك الف سلامة من وجع القلب.
قالها بصدق رهيب وصل لقلبها دون اي عوائق... فقالت هي حتى تنهي ذلك التوتر بينهما ..
سارة: طيب.. شريط ان انت تفضي نفسك بكرة طول اليوم و تخرجني انا و هدى نشتري شوية حاجات.
عاصم: اخرجكم... اخرجكم فين و تشترو ايه؟؟
سارة: مش مهم فين اي حتة.. و مش مهم هانشتري ايه.. ممكن نشتري مكياج.. لبس.. شنط.. جزم اي حاجة.. انشالله قرطاسين لب سوري حتى.
عاصم: ههههههههه... لب سوري!! جبتيها منين دي عايز افهم؟؟
و بعدين لما المكان مش مهم و حتى اللي هاتشتروه مش مهم.. لازمتها ايه الخروجة؟؟
سارة: لازمتها أن هدى تخرج برة البيت دة اللي ماخرجتش منه من ساعة ما رجعت من المستشفي غير عشان ترجع للمستشفى تاني او تروح للدكتور.. لازمته انها تشوف الدنيا اللي هي حارمة نفسها منها بإرادتها..
لازمتها تشوف و تحس هي حارمة نفسها من ايه.
عاصم: و هينفع بكرة.. قصدي يعني بعد خبر النهاردة هاتقدر تخرج منه امتى؟؟
سارة: من خبرتي المتواضعة اقدر اقول ان هدى مش هاتفضل مصدومة كتير.. بالعكس انا اعتقد هاتلم جروحها بصورة أسرع مما تتصور.. و بكرة تشوف و تقول سارة قالت.
عاصم: و انا متأكد من رأيك.. ممكن بقى تيجي تتغدي احسن الست هنية غضبانة عليا عشان زعلتك و مش راضية تأكلني الا لما اصالحك.
سارة: قول كدة بقى.. يعني انت جاي تصالحني عشان جعان و عشان ماما هنية هي اللي أصرت انك تصالحني عشان ترضى عليك و تأكلك... مش جاي تصالحني من نفسك يعني
عاصم(سريعاً): لا والله مش قصدي كدة.. بس هي زعلت على زعلك..
سارة(و هي تدفعه بعيداً عن الباب): طيب اوعي كدة انا هاروح لماما هنية اقولها انك ماصلحتنيش و خليك جعان بقى..
عاصم: يا سارة استني بس..
و سار خلفها يحاول أن يقنعها أنه أراد أن يراضيها بنفسه و لكنها أصرت على موقفها و طلبت الحاج عبد الرحمن كحكم بينهما و الذي وقف في صفها بالطبع ضد ابنه كالعادة...
=================================
اما هدى...
فظلت تبكي حبها و صديقتها الوحيدة..
تبكي حبها و لم تبكي حبيبها.. فهي علمت عنه جبنه و أنه شخص لا يُعتمد عليه.. خائن تركها في أشد احتياجها إليه.. و لم يكتفي بذلك بل إنه نساها و رماها من حياته نهائياً و كأنها لم تكن بها أصلا..
أيضاً لم تكن تبكي صديقتها بل كانت تبكي سذاجتها في اختيارها لصديقة خائنة.. لم تلاحظ خلقها و هي توقع بينهما.. كانت تبعدها عنه بحجج ليست حقيقية كانت تقول لها انها تستحق من هو افضل منه.. تستحق من يعطيها وزنها ذهباً.
كانت توسوس في أذنها بأنها جميلة و من عائلة عريقة كبيرة غنية تستحق نفس الحياة و نفس المستوى المادي.. كانت تصر عليها حتى تطلب منه أكثر من طاقته..
لكن هدى كانت عاقلة و لم تسمع لحديثها دائماً.. إلا أن خطيبها كان يشعر بما تريده صديقتها مما جعله يشعر بعدم الثقة..
و لكن الحادث و ما مرت به هدى جعله يفكر أكثر في الانفصال... و كأي شخص نذل تصور أن معه الحق في أن يتركها بما انها فقدت ساقيها..
و من ناحية أخرى تذهب له لتقول له أنه يستحق من هي افضل منها.. يستحق من تريحه و ترحمه من طلباتها الكثيرة التي تثقل كاهله.. و بالفعل اقتنع بما تقول.. و تحولت نظرات الحب التي كان ينظرها لهدى بنظرات حقد و ربما كره..
و بعد الحادث.. تقربت منه أكثر حتى ترك هدى و ارتبط بها...و ها هما قد تزوجا منذ يومين...
و بعد تفكير كبير قررت أن سارة محقة فيما قالت فيكفي ما مر من وقت... يكفي ما فات من عمرك يا هدى... فقد مر حوالي 8 أشهر توقفت فيهم حياتك ...
اما الان فقد قررت أن تتخلص مما هي فيه.. لابد أن تعود هدى.. هدى المرحة النشيطة التي لم يقف أمامها اي عائق يمكن ان يمنعها عما كانت تريد تحقيقه..
أخذت قرارها و خرجت من الشرفة لتجدهم مجتمعين يتناولون القهوة بعد الغداء.. تطلع لها الجميع و لوجهها المتورم و عيناها الحمراء المنتفخة من آثار البكاء... أول من ركضت إليها كانت والدتها..
هنية: هدى يا حبيبتي كيفك يا ضي عيني..
هدى: كويسة يا ماما..
(ثم نظرت لعاصم و والدها)بابا.. عاصم أنا اخدت قرار مهم و كنت عايزة اخد رأيكم فيه.
عبد الرحمن(باهتمام): خير يا بتي
هدى: انا قررت اتعالج..
=================================
عمت الفرحة داخل قلوب الجميع بقرار هدى المفاجئ بعلاجها..
و بعد يوم طويل من العمل لكل من بالمنزل كل في مجاله.. و حديث طويل لم ينقطع عن خطوات علاج هدى كما طلبت من اختيار طبيب مناسب و جيد و ما إلى ذلك..
اجتمع جميعهم على طاولة العشاء يتناولون طعامهم في جو أسري جميل ليس به اغراب حتى سارة نفسها فقد اعتبرها الجميع واحدة من أفراد هذه الأسرة خاصة بعد أن نجحت في مهمتها و أن تقرر هدى أن تخضع للعلاج بكامل إرادتها...
سارة: بس انا بقى زهقت.
عبد الرحمن: زهجتي منينا اياك.
سارة: و انا أقدر برضه يا حاج عبده يا عسل انت.
هنية(بضحك): يووه جاتك ايه سارة.. امال ايه اللي مزهجك..
سارة: القاعدة في البيت.. يعني انا بقالي يجي 3 شهور ولا اكتر قاعدة في سوهاج.. بلد المواويل على رأي داليدا الله يرحمها و ماشوفتش ولا موال واحد.. ايه هي كانت بتضحك علينا ولا ايه؟
عبد الرحمن(بضحك): ههههههههه.. لا ماكنتش بتضحك عليكم ولا حاچة.. هو في زي سوهاج و چمالها.. ولا الجاعدة على نيلها.. بالدنيا كلها.
سارة: ايوة يا حاج عبده.. دة الموضوع شكله كبير اوي و فيه جنس ناعم.. شكلك حبّيب قديم.
عبد الرحمن: يا بت اتحشمي يابت انتي.. و بعدين ايوة.. حبّيب جديم جوي كمان.. ولا ايه يا ام عاصم.
هنية(ضحكت بخجل): يووه.. ماتكسفنيش يا حاج امال جدام العيال.
عاصم: ههههههههه..انا من رأيي تطلعو تنامو بجي.. سهرتو كتير انتو النهاردة..
هنية: اختشي يا واد.
سارة: بس بس.. فككو من الخلاف الأسري الجميل دة.. انا عايزة اخرج... عايزة اشوف البلد دي.
عاصم: و اني مستعد اخرچك و افرچك سوهاچ كلياتها.. من اولها لاخرها.. بس جولي ميته.
سارة(بفرحة حقيقية و كأنها لم تخطط لذلك مسبقاً معه): بجد؟؟ ايه رايك في بكرة.. ايه رأيك يا هدى؟؟
هدى: و انا مالي هو انا اللي هاخرج؟؟
سارة: اومال مين اللي هايخرج معايا يعني... ما انا اكيد مش هاخرج اتفسح من غيرك.. أمال هارغي و الكـلك مع مين يعني أنا..
و بعدين اعتقد ان هنا في الصعيد ماينفعش اتنين يخرجو مع بعض لوحدهم زي انا و عاصم كدة.. ولا ايه يا جماعة؟؟ ولا ينفع يا حاج عبده.
عبد الرحمن: لا طبعا مايصحش.. خلاص يا هدى بجى.. دي صاحبتك و ضيفتك و عايزة تتفسح في البلد.. و هي حجيجي محبوسة هنا في الدوار من ساعة ما وصلت.
هدى: ايوة بس...
قاطعتها سارة قبل أن تذكر مشكلتها مع الخروج و نظرة الناس لها و هي تجلس على كرسيها المدولب..
سارة(مقاطعة برجاء): عشان خاطري يا هدى توافقي.. اديكي شوفتي مش هينفع نخرج من غيرك.. وافقي بقى عشان خاطري عشان خاطري.
عاصم: وافجي يا هدى و ليكي عليا اوضبلك خروجة من بتوع زمان..
هدى(بتردد و لكن تحت إلحاح الجميع): خلاص موافقة.
سارة(بفرحة و حماس): Yes.. ينفع بكرة يا استاذ عاصم؟؟
عاصم: ينفع جوي.. خلاص بكرة هافسحكم فسحة تحلفو بيها.
هللت سارة من سعادتها ليس بسبب النزهة و لكن لانها نجحت في خطتها مرة اخرى... و بعد قليل أتى حسان.. حسان هو الغفير الوحيد المخول له الدخول للمنزل دوناً عن أي غفير أخر حفظاً لحرمة المنزل.. دخل إلى مجلسهم و هو يقول..
حسان: بلامواخذة يا حضرة العمدة.
عبد الرحمن: ايه يا حسان في ايه..
حسان: اصل في واحد برة عايسأل على ست الضاكتورة..
سارة: بيسأل عليا انا؟؟
حسان: ايوة يا ستنا.
عاصم(بتعجب شديد و شبه غضب ظهر في ملامحه): واحد مين ده؟؟
حسان: مارضيش يجول هو مين؟
عبد الرحمن: طيب خليه يدخل لما نشوف مين دة و عايز ايه؟؟
نهضت سارة لتستقبل ضيفها الغير منتظر و نهض معها عاصم تلقائياً.. ابتعدت خطوتين عن مجلسهم و اقتربت من الباب.. حتى دخل حسان و معه ضيف غريب و لكن هدى عرفته على الفور ..
حسان: الضيف يا عاصم بيه..
الضيف: مساء الخير يا جماعة.. اسف اني جيت من غير ميعاد ولا استئذان.. ازيك يا سارة.. وحشتيني.
ما أن سمعت صوته حتى ركضت نحوه بسرعة تعجب منها الجميع.. فهي دائماً تسير بتأني و تركيز شديد حتى لا تصطدم بشئ و لكنها الآن تركض...
و لما لا فهو آسر شقيقها الذي سيحميها من أي أذى يمكن أن تتعرض له..
سارة(ركضت بسعادة غامرة): مش معقول..
ركضت إليه لتستقر بين أحضانه التي افتقدتها و بشدة.. ظلت بحضنه طويلاً..
اما آسر فما أن تحركت نحوه حتى ركض إليها بدوره و التقطها بأحضانه و حملها و دار بها عدة مرات و هو يقول..
آسر: وحشتيني.. وحشتيني يا بنت اللذينا..
سارة: انت واحشني اكتر يا حبيبي.. عامل ايه و عرفت مكاني منين..
آسر: دي حكاية طويلة بقى احكيهالك بعدين.
عاصم(و الغيرة و الغضب يتراقصان في صوته): مش تعرفينها مين الأستاذ يا دكتورة.. ولا هو اي حد يدخل ياخدك بالاحضان أكده عادي يعني.
آسر (بتعجب و غضب من طريقته التي يشوبها اتهام صريح لأخلاق شقيقته): و انت مين و بتسال ليه اصلا.. انت مالك؟
عاصم: لا مالي و نص يا استاذ انت.. انى صاحب البيت اللي الآنسة جاعدة فيه و اللي بيحصل ده مايصحش..
آسر: و دة مايديلكش الحق انك تتحكم فيها ولا في ضيوفها و خصوصاً اني كدة كدة هاقعد معاها في بيتها اللي جايباه معاها مش في بيتك.
عاصم(بتعجب من وقاحته): كمان.. صحيح اللي اختشو ماتو..
سارة: آسر كفاية.. و انت يا استاذ عاصم ارحمني من تسرعك و حكمك المتهور دة شوية..
عاصم: شوية لحد ميته أن شاء الله لحد ما تدخلو تنامو مع بعضيكم في الكراڤان ولا ايه؟؟ ما تجول حاجة يابوي.
آسر: لا بقى دة كدة كتير اوي.
هدى: يا عاصم أهدى شوية.. دة الباشمهندس آسر اخوها..
عاصم(بصدمة): اخوها؟؟
سارة: ايوة.. اتفضل بقى.
عاصم(تلعثم بخجل): اا.. اتفضل اعمل ايه؟؟
سارة: اعتذر ياللا.. ما انت تعك الدنيا و تيجي تقولي بلامواخذة.. صُح؟؟
قالتها باللهجة الصعيدي و هي تقلده حتى تخفف من حدة الموقف فيقول هو بخزي..
عاصم: بلامواخذة.
سارة( لأخيها): شوفت.. مابيعرفش يقول غيرها أصلا.
عبد الرحمن: ما تاخذناش يابني.. ماتزعليش يا سارة.. بس يعني...
سارة: مش زعلانة يا حاج عبده.. حصل خير.. عادته يعني ولا هايشتريها.. و آسر كمان اكيد مش زعلان..
آسر: حصل خير يا حاج.. بس المفروض نفكر الاول قبل ما نتسرع يعني..
سارة: لا شوف مين اللي بيتكلم..
آسر: قصدك إيه..
سارة: ماقصديش.. انت عشان اخويا انا هاسكت و اسيبهم هما يسكتشفو تهورك دة بنفسهم.. و انت و عاصم في بيت واحد.. هايقيد حريقة بعون الله.
عاصم: ما بكفاية تجطيم بجى.
سارة: ابدا.. دة انا عندي كمية تحفيل على الموقف دة تكفيني شهرين قدام..
هنية(بضحك): ههههههههه.. طيب ياللا تعالي نكملو وكلنا و ابجي انتجمي منه بعدين.. تعالا يابني بسم الله.. بت يا فاطنة هاتي طبق و شوكة و سكينة نضاف يابت بسرعة.
فاطمة: ايوة حاضر..
سارة: تعالى يا اسر بقى اعرفك على البيت العسل دة.. دة الحاج عبد الرحمن صاحب البيت و كبير البلد و عمدتها كمان.. و دي مراته ماما هنية أو الست ام عاصم.. و دة طبعا عاصم غني التعريف طبعا.. بوتاجاز البيت..
عاصم: شكرا يا زوج..
سارة: زوق طبعا عندك مانع؟؟
عاصم: و انى اجدر؟؟
سارة: اه بحسب.. و بعدين هو انت لسة شوفت حاجة.. استنى عليا..
(ثم أشارت لهدى.. تلك المستقرة على كرسيها المدولب و الوحيدة التي لم تقف لترحب به فعلم آسر على الفور أنها هي المريضة التي تهتم بها شقيقته) و دي يا سيدي تبقى هدى.. صاحبتي الجديدة..
ابتسمت هدى لأن سارة عرفتها على أنها صديقتها الجديدة و ليست على أنها مريضتها الجديدة.. مد آسر يده ليلتقط كف يدها في سلام بسيط و لكنه كان كالجائحة التي أودت بقلب المسكين..
هدى(ابتسمت بخجل): أهلا يا باشمهندس آسر.. نورتنا.
آسر(بتركيز): دة نورك يا آنسة هدى..
اخجلتها نظراته المتأملة لها و التي لم يلاحظها سواها فسحبت يدها بسرعة غير ملحوظة حتى لا تثير شك شقيقها أو ابيها..
احضرت فاطمة الصحن لآسر فقالت هنية بود...
هنية: ياللا يا ولاد.. ياللا اجعدو نكملو وكلنا.. سارة اني ماهاعزمش على اخوكي.. انتي وكليه ماشي.. الا يكون بيستحي زيك.
سارة: لا يا ماما هنية يستحي ايه.. آسر مش بيستحي خالص.. و خصوصاً في موضوع الأكل دة.
أسر: انا ياختي.. شكرا على ثقتك الغالية.. مابتستريش ابدا انتي..
سارة: و اكدب ليه و هما هايشوفو المجزرة اللي هاتحصل دلوقتي.
آسر: طيب ياختي.. سيبيني اكل براحتي بقى طالما كدة كدة فضحتيني.
هنية: ههههههههه.. بس يا سارة ماتسيبيه يأكل براحته بألف هنا..
آسر: الله يهنيكي يا ست هنية.
سارة(همسات لأخيها و لكن بصوت مسموع للجميع): انت قاعد معانا قد ايه؟؟
آسر: يومين.. ليه؟؟
سارة: عشان نقول للناس يعملو حسابهم في خزين للبيت..
آسر: هي هي هي.. خفة يابت. اسكتي بقى بهدلتي سمعتي.
كان الجميع يضحك على مناغشة الاشقاء المرحة بينهما.. انتهى العشاء بنفس جرعة المرح اليومية و لكنها كانت مضاعفة تلك الليلة بسبب وجود آسر و الذي له نصيب من خفة الظل مثل أخته و اكثر..
جلس جميعهم في غرفة الصالون يتناولون مشروباتهم و الفاكهة أيضاً..
سارة: بس ماقولتليش يا آسور.. عرفت مكاني ازاي؟؟
آسر: تفتكري منين انتي؟
سارة(و هي تفكر): اممممم.. من دكتور صبري؟؟ لا.. انا و هو بنتكلم كل يوم تقريبا.. كان هايلمحلي حتى.. اممممم.. من عم فوزي السواق طبعاً..
آسر: حبيبي الذكي دة يا ناس.. وحشتيني يا روحي قلت اطب عليكي فجأة كدة بما ان احنا اصلا ماشوفناش بعض بقالنا مدة طويلة..
عاصم: صحيح.. هي كانت الدكتورة سارة جالتلنا انك مهندس.. بس ماجالتش فين؟؟
آسر: انا مهندس بترول.. و حالياً مقر شغلي عند بير جديد لسة بنحفره في البحر المتوسط.. فعشان كدة اجازاتي نادرة اوي.. لأن انا ابقى نائب المهندس المسؤول عن البريمة دي.
هدى(بتعجب): معقول.. نائب المهندس المسؤول مرة واحدة.. بس شكلك صغير..
آسر (بحماس): ايوة فعلا انا عندي 28 سنة بس.. مهندس و اعزب و بدور على بنت الحلال.
ضحكت هدى بخجل و أكمل هو بحماس أكثر حتى يعرفها بنفسه اكتر..
آسر: اصل انا تعليم امريكاني و معايا دبلومة و خبرتي برضه مش قليلة.. اشتغلت في امريكا سنة قبل ماجي هنا.. ما اكيد انتي عارفة..
عاصم(بغيرة): و هاتعرف منين هي؟؟
آسر: أقصد أن اكيد سارة حكيت لها...
عاصم(لهدى بشك): و انتي صُح عرفتيه منين جبل حتى ما سارة تعرفنا بيه؟؟
هدى: اصل سارة كانت بتوريني صور قديمة ليها.. و منهم صور ليهم مع بعض..
عاصم: و عرفتي منين انه اخوها مش حد تاني؟؟
سارة: عشان أنا ماعنديش صور غير مع آسر أو بابا بس.. و اكيد في فرق في السن و الشكل طبعا بين آسر و بابا..
احمرت عينا عاصم بغضب و رغم أن سارة لم تراه و لكنها نكزت أخيها في ذراعه و همسات في آذنه..
سارة: اهمد بقى و بطل رغي معاها... و خد بالك احنا هنا في الصعيد و اخوها اديك شوفت عمايله.. عصبي جدا و مابيتفاهمش خصوصا في أي حاجة تخص أخته.. اتلم بقى.
آسر: مش قادر.. أصلها حلوة اوي.
سارة: يارب ياخد باله و يربيك بقى.
آسر(تنحنح بخوف بعد أن رأي الغضب يتراقص في عيني عاصم): احممم.. شكله خد باله فعلا.
سارة(بصوت سمعه الجميع): طيب نقوم ننام بقى..
آسر: اه.. ياللا..
هنية: على فين يا بتي لسة بدري.
سارة: بدري من عمرك يا قمر.. كفاية كدة و بعدين انتي ناسية أن عندنا خروجة بكرة.
آسر: إيه دة.. خروجة ايه؟؟ و من غيري!!؟
سارة: اه صحيح.. ايه رايك تخرج معانا.. استاذ عاصم عازمني بكرة انا و هدى على فسحة... ينفع يا استاذ عاصم آسر يجي معانا ولا فيها مشكلة.
عاصم: لا طبعا.. ماينفعش.
هنية: بس بجى يا عاصم.. طبعا ينفع يابتي.. بس هو عاصم أكده.. هزاره تجيل شوية.
سارة: تمام.. نتقابل الصبح..
آسر: تصبحو على خير.
عاصم: و انت رايح فين يا بشمهندس؟
آسر(ببساطة): هاروح انام.
عاصم: ايوة يعني فين؟
سارة: معايا في الكرڤان.
عاصم(بغضب): نعم ياختي؟؟
عبد الرحمن(سريعاً بعد أن استشعر نبرة الغيرة في صوت ابنه عليها حتى من شقيقها): عاصم يجصد يعني أن الاوض في السرايا كتير.. فممكن تتفضل في واحدة منيها لحد الصبح حتى تبجى براحتك.. و اللي اعرفه ان العربية دي مافيهاش الا سرير واحد يعني و....
سارة: لا يا حاج عبده عادي يعني مايهمكش.. و بعدين الكراڤان فيه كنبة بتتعمل سرير.. أسر هاينام عليها.. و لو على الراحة احنا متعودين على كدة.
هنية: خلاص يا حبيبتي.. روحو ارتاحوا دلوجت.. اكيد الباشمهندس تعبان من السفر و محتاج يريح .
آسر(اقترب منها و قبل يدها بود): ربنا يخليكي لينا يا ست الكل.. بس بلاش باشمهندس دي.. اشمعني سارة بتناديها بإسمه عادي.. ولا انا مش زيها.. انا اسمي آسر.. آسر و بس.. اتفقنا؟؟
هنية: ربنا يبارك في عمرك.. ماشي يا ولدي زي ما تحب...
آسر: تصبحو على خير...
تركهم آسر و اصطحب شقيقته تحت أنظار عاصم الغاضبة و التي رأها والده تشتعل بالغيرة.. حسناً فلا يوجد تفسير غير ذلك.. فعاصم قد وقع أخيراً في شباك الحب.. و لكن اعترافه بالأمر ليس بتلك السهولة..
تركهم عاصم أيضاً بمنتهى الغضب و صعد إلى غرفته دون أي كلمة.. فتسائلت هنية..
هنية: ماله عاصم.. مش بعادة أكده.. هو في حاچة حُصلت في الشغل..
عبد الرحمن(بنظرة ثاقبة): لا اللي حُصل ماحصلش في الشغل.
هنية: جصدك ايه؟
عبد الرحمن: ها.. ولا حاچة.. تعالو نكملو الفيلم احنا.. بجالي كتير ماجعدتش مع البت هدى الجمرة دي.
هدى: و ابنك سابني و طلع.. هانام فين انا النهاردة..
عبد الرحمن: هو ماهينامش بدري أكده.. و اكيد هاينزل ياخدك.. و إن مانزلش اشيلك اني..
هدى(ضاحكة): ههههههه.. تشيلني مرة واحدة.
عبد الرحمن: ايه.. فاكراني عچزت اياك.. لا ابوكي لسة شباب و جوي كمان.
هدى(و استقرت في حضن والدها): ربنا يخليك ليا يا احن اب في الدنيا.
عبد الرحمن: و يخليكي ليا و يطمن جلبي عليكي انتي و المخبل اللي فوج ده.
ضحكوا ثلاثتهم معا على مزاح الاب و أكملوا الفيلم الكوميدي الذي اسعدهم كثيرا...
=================================
اما بداخل مقصورة سارة..
بعد أن استقرت سارة و آسر.. ابدلا ملابسهما و جلست بجانب أخيها لتتحدث معه قليلاً فقد مر الكثير من الوقت لم يتحادثا فيه عن أمور حياتهم..
آسر: ها يا قمر.. ادينا غيرنا هدومنا و عملتلك مج هوت شوكليت من بتاع زمان دة فاكراه؟؟ اللي كان بيخليكي تبعبعي بكل اللي جواكي من غير ما تحسي.. ها ارغي بقى.. عاملة ايه و اخبارك ايه هنا؟
سارة: ايه يا عم شغل وكلاء النيابة دة؟
آسر: طيب قري و اعترفي بسرعة.. و بعدين أنا من ساعة ما شوفت هركليز اللي انتي عايشة معاه دة و انا قلقت بصراحة.
سارة(ضحكت بصخب): ههههههه.. قصدك عاصم.. حرام عليك ليه بتقول عليه كدة.. دة طيب و كيوت اوي على فكرة.
آسر: لا يا شيخة؟؟ بقولك ايه يا بت انتي اتعدلي كدة و انتي بتتكلمي.. هو ايه دة اللي طيب و كيوت.. دة كان هايعمل عليا شوربة عشان حضنتك..(و هو يغمزها بعينه) هو ايه النظام.
سارة: آسر هو انت بتغمزني بعينك.. صح؟
آسر: اه.. ليه؟؟
سارة: عشان أنا مش شايفاك يا ابو المفهومية.
آسر: بقولك ايه.. ماتحاوليش تتوهيني.. عاصم دة ايه نظامه؟؟ على طول متحكم فيكي كدة و حاشر مناخيره في كل حاجة؟
سارة: ليه بتقول عليه كدة.. على فكرة عاصم انسان كويس و محترم.. بس هو ماكنش يعرفك.. فلما يلاقي أن الدكتورة بتاعة أخته اللي عايشة معاهم في نفس البيت واحد غريب داخل يسأل عليها و ياخدها بالحضن اول ما يشوفها لازم يسأل.. ولا ايه؟؟
آسر: ماشي.. بس طريقته ماكنتش طريقة واحد خايف على سمعة بيته ولا على أخته منك مثلا.. لا كانت طريقة واحد غيران.
سارة(بتعجب): غيران؟؟!!!
آسر: ايوة غيران.. انا راجل و فاهم نظراته كويس.. سارة احنا مش مجرد اتنين اخوات احنا اصحاب.. انا احيانا بحس أني لما اتجوز و اخلف هاعمل مع بنتي زي ما بعمل معاكي كدة.. انتي بنتي يا سارة مش اختي.
سارة: صدقني يا آسر مافيش حاجة من اللي في بالك دي... و لو في اكيد انت اول واحد هاتعرف.. بس هو عاصم يمكن عشان عصبي شوية دة خلاك تفتكر أنه معجب بيا.. لكن الموضوع لو غيرة زي ما بتقول فمش هاتبقى اكتر من غيرة على ضيفة عنده بس..
آسر: ماشي.. و عموما انا بثق فيكي جدا طبعاً.. المهم.. هي هدى دي تبقي المريضة بتاعتك.
سارة: ايوة.. بس احنا بطلنا نتكلم عنها على أنها مريضة.. هدى بالنسبة لي دلوقتي تبقى صاحبتي اللي انا واقفة جنبها في أزمتها.. ماشي.. بس اشمعنى يعني؟
آسر: مش عارف.. اول ما شوفتها حسيت بحاجة كدة.. مش فاهمها.. هي بنت عادية يعني.. بس فيها حاجة شدتني.
سارة: آسر.. هدى نفسيتها هشة جدا... خصوصا الفترة دي.. فأرجوك مش هاقولك بقى إن احنا في الصعيد و أن اللي انت بتفكر فيه دة مستحيل..
بس هاقولك إن هدى مش حمل صدمة عاطفية دلوقتي خالص.. انا ملصماها بالعافية اصلا.. و برغم إني عارفة انك مش بتاع بنات كنت قولت انك عايز تتسلى معاها شوية..
آسر: و لما انتي عارفة اني مش بتاع تسالي.. بتقوليلي كدة ليه؟
سارة: عشان اعرف قصدك؟؟
آسر: عموما خروجة بكرة دي هاتبين حاجات كتير.. و لما نرجع لينا كلام.. قومي نامي بقى احسن انا هاموت و انام..
اما عاصم فقد كان مثل الأسد المحتجز بداخل غرفته.. ظل واقفاً في شرفته يراقب نور المقصورة الذي كان مضاءاً لمدة تزيد عن الساعتين..
فتساءل.. ياترى ماذا يفعلون كل هذه المدة.. ايتحدثان.. عن ماذا.. هل عن أحداث ٍ عادية.. ام عن ماذا؟؟
يا الله ما كل هذه الحيرة و الغيرة التي أشعر بها داخل صدري..
ظل يراقبهما حتى اغلقا الانوار فدخل هو إلى فراشه يفكر بها حتى غلبه تعبه و نام.
=================================
أتى الصباح التالي بسلام..
تناول الجميع فطورهم في جو لطيف مرح و اتجه الأربعة أفراد إلى السيارة.. حيث كان عاصم يقودها و بجانبه آسر و بالخلف تجلس الفتاتان..
اتجه بهم عاصم إلى أحد مراكز التسوق الشهيرة نزل جميعهم.. و حمل عاصم شقيقته حتى يجلسها على كرسيها المدولب.. و لكن قبل أن يدخلون من باب المركز.. تمسكت هدى بيد سارة بخوف مبهم..
شعرت بها سارة فأبتسمت و نزلت الي مستواها و قالت..
سارة: هدى.. انا مش عايزاكي تخافي.. انتي مش لوحدك.. كلنا حواليكي.. انا و عاصم و آسر كمان مش عارفة لازمته ايه بس اهو موجود يعني.
آسر: شكرا يا زوق..
سارة: العفو يا حبيبي اي خدمة... (ثم عادت تحدث هدى) مش عايزاكي تركزي مع اي حد.. ماتبصيش لوش حد.. انتي كويسة و ماحدش هايضايقك.. ماشي..
احنا جايين نتبسط و نفلس اخوكي و نمشي تمام.
ابتسمت هدى بتوتر و قالت..
هدى: تمام.. ياللا.
دخلو جميعاً إلى المول عاصم يدفع الكرسي و سارة تتأبط ذراع أخيها و لكن تمشي أكثر بالقرب من هدى.. كانت هدى تنظر إلى وجهات المحلات و تبدي إعجابها ببعض المعروضات و كانت سارة تشجعها على شراء بعض الأغراض.. ليس بهدف الشراء و لكن بهدف تحسين مزاجها..
انتهت فقرة التسوق على خير.. وسط فرحة هدى بأول مرة لها خارج المنزل لهدف غير طبي او علاجي.. و فرحة عاصم بشقيقته التي تتحسن كل يوم عن الآخر.. و فرحة سارة بيوم بعيد عن الروتين اليومي..
و غضب آسر الذي عمل كمساعد يحمل الحقائب فقط..
آسر: ياريتني ماجيت اشوفك يا سارة.. كان يوم مهبب يوم ما وحشتيني.. شيال.. اخرتها شيال؟
سارة: ههههههههه.. و ماله الشيال بس.. مش شغلانة شريفة برضه..
هدى: حرام عليكي يا سارة.. احنا اسفين اوي يا باشمهندس تعبناك معانا خالص.
آسر(و هو ينظر لعينيها التي ابعدتهم بخجل): ولا يهمك يا جميل.. دة انا أشيل الظلط.
عاصم: عاتجول ايه انت؟؟
آسر(بخوف): ها لا ولا حاجة..
سارة (حقناً للدماء): هو احنا مش هاناكل ولا ايه.. انا جعت جدا...
هدي: اه و انا كمان.
آسر: و انا كمان والله يا بنات..(و تراجع بعد نظرات عاصم الحارقة له) دة لو مايضايقش استاذ عاصم يعني.
عاصم: تعالو نروحو اي مطعم ناكلو حاچة.
ثم اتجه الجميع إلى أحد المطاعم الملحقة بالمركز التجاري و تناولوا الغداء في جو مرح تشوبه الغيرة الشديدة من عاصم على كل من أخته و سارة من ذلك الآسر المرح و مزاحه اللطيف .
انتهت رحلتهم بسلام و عاد الجميع إلى المنزل بعد قضاء يوم ممتع للغاية.. قضى آسر يوماً أخر معهم و اضطر للسفر مرة آخرى حتى يعود لعمله..
=================================
عاد الجميع بعد هذه العطلة الصغيرة لأعمالهم.. ثم بدأت هدى بالفعل جلسات العلاج الطبيعي و التي قد تم لأجلها استدعاء أحد أفضل الأطباء المتخصصين في هذا المجال..
بدأت علاجها و استمر لمدة شهر كامل قبل أن تستطيع هدى ان تحرك ساقيها حركة صغيرة.. حتى انها قد بدأت تتحرك قليلاً و تقف على ساقيها لعدة دقائق قليلة مما أعاد للجميع الأمل في شفائها الكامل..
لم ينتهي دور سارة عند هذا الحد بل إنها كانت تحميها و تدعمها في لحظات ضعفها و تعبها و تذكرها بقرارها النابع من داخلها بتلقيها العلاج و بتغيير حياتها لتعود لسابق عهدها..
ياترى لوح التلج اللي اسمه عاصم دة مش هايتلحلح شوية زي آسر اللي اعلن إعجابه بهدى من اول لحظة ولا هايفضل ساكت كتير..
و هدى و آسر حكايتهم هاتمشي ازاي..
تركت هنية عاصم في حيرة من أمره.. فلم يعد يعرف نفسه بعد الأن معها.. فكل أفكاره تذهب مع عقله إلى مكان مجهول حينما يتعلق الموضوع بها..
لا يشك بها مطلقاً و لكن عقله أصبح يتصرف بغرابة مطلقة معها...
ظل يفكر و يفكر على أمل أن يهتدي عقله و قلبه إلى بر من ذلك البحر الذي يغرق فيه...
أما سارة..
فقد توجهت لمقصورتها و ظلت بها... كانت تشعر بالضيق الشديد من موقف عاصم... اكتفت هي من اختلاق الأعذار له..
تعلم أنها شقيقته الوحيدة التي يحبها بل يعشقها.. و لكنه يعيق عملها.. يعيق تقدمها في علاج هدى.. حبه الشديد لها سوف يكون بمثابة العائق الوحيد لتقدمها..
تعلق هدى به أيضاً هو ما يعيقها و يمنعها من تقبل فكرة العلاج الفيزيائي الذي سوف يؤهلها لأن تعود و تقف على ساقيها مرة أخرى..
ناهيك عن ثقته بها التي تتأرجح بين انه يثق بها و بعقلها و بقرارتها و بين هل يثق بها من الأصل ام لا..
على الرغم من خبرتها التي لا بأس بها في مجال علم النفس.. إلا أن شخصية عاصم تحديداً تثير حيرتها بشكل مبالغ فيه..
فهو احياناً شخص لطيف مرح ضحوك و حلو الصحبة.. لا يُمل من صحبته.. حتى أن سارة نفسها تحب حديثها معه الذي غالباً ما يكون حديث متحضراً مثقفاً يُظهره كشخص مثقف متفتح..
و لكن حاله ينقلب في أقل من دقيقة و يتحول فجأة لذلك الهمجي الذي لا يعرف كيف يتعامل مع البشر بشكل طبيعي و بلا سبب مقنع..
ظلت تفكر في طريقة أخرى حتى تكسب ثقة عاصم كطبيبة و تجعل من حبه لشقيقته عامل مساعد بل و محفذ لشفاء هدى و تناست مشاعرها تجاهه و حاولت أن تفكر فيه كشخصية غريبة استفزت طبيبة.
قاطع تفكيرها و شرودها طرقات خفيفة على بابها.. هتفت من مقعدها و هي تقول..
سارة: ادخلي يا فاطمة.. الباب مفتوح.
عاصم: أنا.. انا مش فاطمة يا سارة.. أنا عاصم.
تنهدت بتعب و شبه يأس منه ثم أطلقت زفيراً حاداً حتى تهدئ أعصابها.. فهي تحتاج أن تكسبه لصفها حتى يساعدها في مهمتها قبل ان تكسبه كحبيب حسب المشاعر التي تشعر بها منه... رغم تقلباته تلك.. قامت و اتجهت للباب لتفتحه و هي تقول بطريقة رسمية..
سارة: اتفضل يا استاذ عاصم.
عاصم(تعجب و لكنه يعلم أنها غاضبة منه و هي على حق): من امتى بتقوليلي استاذ دي.. مش كنا اتفقنا أننا أصحاب و أننا نشيل الرسميات دي..
سارة: دة لما كنت فاكرة أننا أصحاب فعلاً و أن في بينا حتة ثقة حتى لو كانت صغيرة جداً.. لكن طبعا من الواضح أن مافيش اي ثقة فيا خالص.
عاصم: ليه بتقولي كدة يا سارة.. انا بثق فيكي طبعا.. انا بس كل الحكاية اني..
سارة(مقاطعة): كل الحكاية انك مش بتثق فيا.. و تقريباً بقيت بتخاف على اختك مني.. مالهاش تفسير تاني صدقني.. صح.
عاصم(و صعد أول درجة من درجات تلك المقصورة و اصبح يفصل بينهما درجة واحدة فقط): لا مش صح.. مش صح ابدا يا سارة.. بس انا لما عرفت بجواز الزفت دة و من اعز صحابها كمان ماكنتش عايزها هي تعرف.. كنت عارف ان خبر زي دة هايكسرها و يوجعها..
كنت خايف عليها يا سارة من إن قلبها ينكسر مرة تانية.. كسرة القلب وحشة.. وحشة اوي يا سارة...
و هو كسر قلبها مرة و لسة وجعاها لحد دلوقتي و مش عايزه يوجعها تاني..
إذا كنت انا اتصدنت لما عرفت و ضايقت و اتوجعت من الخبر اومال هي لو عرفت بالخير دة هايعمل فيها ايه..
صمتت سارة احتراماً لمشاعره بينما كان هو يتأملها بتفحص.. لأول مرة يكون أمامها بهذا القرب.. تجولت انظاره حول وجهها بحرية و رسمت عيناه ملامحها بتمهل..
عيناها السوداء و رموشها الكثيفة..
حاجبيها اللذان يكملان تلك الرسمة الهندسية الخاطفة..
أنفها المدقوق بحرفية ربانية رائعة..
جبهتها العريضة البيضاء و تلك الغرة السوداء التي تغطيها..
وجنتيها الورديتيان بدون مساحيق تجميل ..
ثم أخيراً فمها و شفتيها الكريزية المكتنزة التي يريد أن ينفرد بهما بعيدا عن العالم بأسره..
مهلا.. فيما يفكر.. ايحلم بها.. بشفتيها؟؟ بعينيها؟؟ ايعقل؟؟
أفاقته هي من شروده و صمته الذي طال و قالت...
سارة: استاذ عاصم.. انت سكتت ليه؟؟
عاد عاصم لوعيه و تنحنح حتى يُخرج نفسه من نوبة الحب التي داهمته و أجابها...
عاصم: احمم... لا مافيش حاجة.
سارة: طيب في حاجة معينة تاني انت عايزها يا استاذ عاصم؟؟
عاصم: برضه استاذ؟؟! تبقي لسة زعلانة مني.
سارة: لا مش زعلانة..
عاصم(ابتسم بحب): لا زعلانة..
سارة(و تعمدت أن تجعل ملامحها غاضبة): طيب زعلانة.. اتفضل بقى و سيبني ازعل براحتي.
عاصم(بضحكة رجولية جذابة): ههههههههه... لا و غضبانة كمان؟؟
سارة(عقد ذراعيها كالاطفال): ايوة.
عاصم(أكمل ضحكه و فرحته بها و بشكلها الطفولي حالياً وقال بترجي): طيب ممكن الدكتورة سارة تتكرم و تتعطف و تتنازل و تسمحلي اصالحها..
سارة(حاولت كبت ابتسامتها و لكنه لاحظها بالطبع): احمم... كل دة؟؟ يهمك زعلي اوي يعني؟؟
عاصم: اكتر مما تتخيلي.
سارة: طيب و انا موافقة اصالحك.. بس بشرط.
عاصم(و قد عاد للهجته الصعيدية): واه واه واه... و عاتتشرطي كمان...
سارة: خلاص بلاش..
همت أن تتركه و تدخل لداخل مقصورتها و لكنه أمسك بيدها سريعاً و في تلك اللحظة توقف الزمن.. انتفض قلبه بداخل صدره و هو يصرخ بنبضات جديدة عليه.. نغمة جديدة عليه و يشعر بها لأول مرة.
اما هي فلأول مرة تشعر بتلك القشعريرة في سائر جسدها.. تشعر بكهرباء لذيذة تسري بجميع خلاياها.. توقفت حركتها بشكل لا إرادي منها لم تقف سوى لأن لمسته جمدت أعصابها بمكانها..
عاصم(بنبرة حانية لأول مرة ينطق بها و لأول مرة تسمعها هي منه): لا مش بلاش.. قولي و اتشرطي زي ما انتي عايزة يا سارة.
سارة(و قد توهجت وجنتاها خجلاً): و هاتوافق؟؟
عاصم: انا موافق على أي حاجة انتي عايزاها يا سارة.. بس ترضي عني .
سارة(بحرج): احم.. طيب ممكن تسيب أيدي.
عاصم(تنحنح بحرج أيضاً): احمم.. اسف معلش ماخدتش بالي اني لسة ماسكها.
سارة: طيب خلاص.. حصل خير.
عاصم: ها ايه شرطك بقى؟؟
سارة: و هاتنفذه؟
عاصم: هانفذه.
سارة: من غير نقاش و مناقرة؟؟
عاصم: من غير نقاش ولا مناقرة.
سارة: ولا وجع قلب.
عاصم: سلامتك الف سلامة من وجع القلب.
قالها بصدق رهيب وصل لقلبها دون اي عوائق... فقالت هي حتى تنهي ذلك التوتر بينهما ..
سارة: طيب.. شريط ان انت تفضي نفسك بكرة طول اليوم و تخرجني انا و هدى نشتري شوية حاجات.
عاصم: اخرجكم... اخرجكم فين و تشترو ايه؟؟
سارة: مش مهم فين اي حتة.. و مش مهم هانشتري ايه.. ممكن نشتري مكياج.. لبس.. شنط.. جزم اي حاجة.. انشالله قرطاسين لب سوري حتى.
عاصم: ههههههههه... لب سوري!! جبتيها منين دي عايز افهم؟؟
و بعدين لما المكان مش مهم و حتى اللي هاتشتروه مش مهم.. لازمتها ايه الخروجة؟؟
سارة: لازمتها أن هدى تخرج برة البيت دة اللي ماخرجتش منه من ساعة ما رجعت من المستشفي غير عشان ترجع للمستشفى تاني او تروح للدكتور.. لازمته انها تشوف الدنيا اللي هي حارمة نفسها منها بإرادتها..
لازمتها تشوف و تحس هي حارمة نفسها من ايه.
عاصم: و هينفع بكرة.. قصدي يعني بعد خبر النهاردة هاتقدر تخرج منه امتى؟؟
سارة: من خبرتي المتواضعة اقدر اقول ان هدى مش هاتفضل مصدومة كتير.. بالعكس انا اعتقد هاتلم جروحها بصورة أسرع مما تتصور.. و بكرة تشوف و تقول سارة قالت.
عاصم: و انا متأكد من رأيك.. ممكن بقى تيجي تتغدي احسن الست هنية غضبانة عليا عشان زعلتك و مش راضية تأكلني الا لما اصالحك.
سارة: قول كدة بقى.. يعني انت جاي تصالحني عشان جعان و عشان ماما هنية هي اللي أصرت انك تصالحني عشان ترضى عليك و تأكلك... مش جاي تصالحني من نفسك يعني
عاصم(سريعاً): لا والله مش قصدي كدة.. بس هي زعلت على زعلك..
سارة(و هي تدفعه بعيداً عن الباب): طيب اوعي كدة انا هاروح لماما هنية اقولها انك ماصلحتنيش و خليك جعان بقى..
عاصم: يا سارة استني بس..
و سار خلفها يحاول أن يقنعها أنه أراد أن يراضيها بنفسه و لكنها أصرت على موقفها و طلبت الحاج عبد الرحمن كحكم بينهما و الذي وقف في صفها بالطبع ضد ابنه كالعادة...
=================================
اما هدى...
فظلت تبكي حبها و صديقتها الوحيدة..
تبكي حبها و لم تبكي حبيبها.. فهي علمت عنه جبنه و أنه شخص لا يُعتمد عليه.. خائن تركها في أشد احتياجها إليه.. و لم يكتفي بذلك بل إنه نساها و رماها من حياته نهائياً و كأنها لم تكن بها أصلا..
أيضاً لم تكن تبكي صديقتها بل كانت تبكي سذاجتها في اختيارها لصديقة خائنة.. لم تلاحظ خلقها و هي توقع بينهما.. كانت تبعدها عنه بحجج ليست حقيقية كانت تقول لها انها تستحق من هو افضل منه.. تستحق من يعطيها وزنها ذهباً.
كانت توسوس في أذنها بأنها جميلة و من عائلة عريقة كبيرة غنية تستحق نفس الحياة و نفس المستوى المادي.. كانت تصر عليها حتى تطلب منه أكثر من طاقته..
لكن هدى كانت عاقلة و لم تسمع لحديثها دائماً.. إلا أن خطيبها كان يشعر بما تريده صديقتها مما جعله يشعر بعدم الثقة..
و لكن الحادث و ما مرت به هدى جعله يفكر أكثر في الانفصال... و كأي شخص نذل تصور أن معه الحق في أن يتركها بما انها فقدت ساقيها..
و من ناحية أخرى تذهب له لتقول له أنه يستحق من هي افضل منها.. يستحق من تريحه و ترحمه من طلباتها الكثيرة التي تثقل كاهله.. و بالفعل اقتنع بما تقول.. و تحولت نظرات الحب التي كان ينظرها لهدى بنظرات حقد و ربما كره..
و بعد الحادث.. تقربت منه أكثر حتى ترك هدى و ارتبط بها...و ها هما قد تزوجا منذ يومين...
و بعد تفكير كبير قررت أن سارة محقة فيما قالت فيكفي ما مر من وقت... يكفي ما فات من عمرك يا هدى... فقد مر حوالي 8 أشهر توقفت فيهم حياتك ...
اما الان فقد قررت أن تتخلص مما هي فيه.. لابد أن تعود هدى.. هدى المرحة النشيطة التي لم يقف أمامها اي عائق يمكن ان يمنعها عما كانت تريد تحقيقه..
أخذت قرارها و خرجت من الشرفة لتجدهم مجتمعين يتناولون القهوة بعد الغداء.. تطلع لها الجميع و لوجهها المتورم و عيناها الحمراء المنتفخة من آثار البكاء... أول من ركضت إليها كانت والدتها..
هنية: هدى يا حبيبتي كيفك يا ضي عيني..
هدى: كويسة يا ماما..
(ثم نظرت لعاصم و والدها)بابا.. عاصم أنا اخدت قرار مهم و كنت عايزة اخد رأيكم فيه.
عبد الرحمن(باهتمام): خير يا بتي
هدى: انا قررت اتعالج..
=================================
عمت الفرحة داخل قلوب الجميع بقرار هدى المفاجئ بعلاجها..
و بعد يوم طويل من العمل لكل من بالمنزل كل في مجاله.. و حديث طويل لم ينقطع عن خطوات علاج هدى كما طلبت من اختيار طبيب مناسب و جيد و ما إلى ذلك..
اجتمع جميعهم على طاولة العشاء يتناولون طعامهم في جو أسري جميل ليس به اغراب حتى سارة نفسها فقد اعتبرها الجميع واحدة من أفراد هذه الأسرة خاصة بعد أن نجحت في مهمتها و أن تقرر هدى أن تخضع للعلاج بكامل إرادتها...
سارة: بس انا بقى زهقت.
عبد الرحمن: زهجتي منينا اياك.
سارة: و انا أقدر برضه يا حاج عبده يا عسل انت.
هنية(بضحك): يووه جاتك ايه سارة.. امال ايه اللي مزهجك..
سارة: القاعدة في البيت.. يعني انا بقالي يجي 3 شهور ولا اكتر قاعدة في سوهاج.. بلد المواويل على رأي داليدا الله يرحمها و ماشوفتش ولا موال واحد.. ايه هي كانت بتضحك علينا ولا ايه؟
عبد الرحمن(بضحك): ههههههههه.. لا ماكنتش بتضحك عليكم ولا حاچة.. هو في زي سوهاج و چمالها.. ولا الجاعدة على نيلها.. بالدنيا كلها.
سارة: ايوة يا حاج عبده.. دة الموضوع شكله كبير اوي و فيه جنس ناعم.. شكلك حبّيب قديم.
عبد الرحمن: يا بت اتحشمي يابت انتي.. و بعدين ايوة.. حبّيب جديم جوي كمان.. ولا ايه يا ام عاصم.
هنية(ضحكت بخجل): يووه.. ماتكسفنيش يا حاج امال جدام العيال.
عاصم: ههههههههه..انا من رأيي تطلعو تنامو بجي.. سهرتو كتير انتو النهاردة..
هنية: اختشي يا واد.
سارة: بس بس.. فككو من الخلاف الأسري الجميل دة.. انا عايزة اخرج... عايزة اشوف البلد دي.
عاصم: و اني مستعد اخرچك و افرچك سوهاچ كلياتها.. من اولها لاخرها.. بس جولي ميته.
سارة(بفرحة حقيقية و كأنها لم تخطط لذلك مسبقاً معه): بجد؟؟ ايه رايك في بكرة.. ايه رأيك يا هدى؟؟
هدى: و انا مالي هو انا اللي هاخرج؟؟
سارة: اومال مين اللي هايخرج معايا يعني... ما انا اكيد مش هاخرج اتفسح من غيرك.. أمال هارغي و الكـلك مع مين يعني أنا..
و بعدين اعتقد ان هنا في الصعيد ماينفعش اتنين يخرجو مع بعض لوحدهم زي انا و عاصم كدة.. ولا ايه يا جماعة؟؟ ولا ينفع يا حاج عبده.
عبد الرحمن: لا طبعا مايصحش.. خلاص يا هدى بجى.. دي صاحبتك و ضيفتك و عايزة تتفسح في البلد.. و هي حجيجي محبوسة هنا في الدوار من ساعة ما وصلت.
هدى: ايوة بس...
قاطعتها سارة قبل أن تذكر مشكلتها مع الخروج و نظرة الناس لها و هي تجلس على كرسيها المدولب..
سارة(مقاطعة برجاء): عشان خاطري يا هدى توافقي.. اديكي شوفتي مش هينفع نخرج من غيرك.. وافقي بقى عشان خاطري عشان خاطري.
عاصم: وافجي يا هدى و ليكي عليا اوضبلك خروجة من بتوع زمان..
هدى(بتردد و لكن تحت إلحاح الجميع): خلاص موافقة.
سارة(بفرحة و حماس): Yes.. ينفع بكرة يا استاذ عاصم؟؟
عاصم: ينفع جوي.. خلاص بكرة هافسحكم فسحة تحلفو بيها.
هللت سارة من سعادتها ليس بسبب النزهة و لكن لانها نجحت في خطتها مرة اخرى... و بعد قليل أتى حسان.. حسان هو الغفير الوحيد المخول له الدخول للمنزل دوناً عن أي غفير أخر حفظاً لحرمة المنزل.. دخل إلى مجلسهم و هو يقول..
حسان: بلامواخذة يا حضرة العمدة.
عبد الرحمن: ايه يا حسان في ايه..
حسان: اصل في واحد برة عايسأل على ست الضاكتورة..
سارة: بيسأل عليا انا؟؟
حسان: ايوة يا ستنا.
عاصم(بتعجب شديد و شبه غضب ظهر في ملامحه): واحد مين ده؟؟
حسان: مارضيش يجول هو مين؟
عبد الرحمن: طيب خليه يدخل لما نشوف مين دة و عايز ايه؟؟
نهضت سارة لتستقبل ضيفها الغير منتظر و نهض معها عاصم تلقائياً.. ابتعدت خطوتين عن مجلسهم و اقتربت من الباب.. حتى دخل حسان و معه ضيف غريب و لكن هدى عرفته على الفور ..
حسان: الضيف يا عاصم بيه..
الضيف: مساء الخير يا جماعة.. اسف اني جيت من غير ميعاد ولا استئذان.. ازيك يا سارة.. وحشتيني.
ما أن سمعت صوته حتى ركضت نحوه بسرعة تعجب منها الجميع.. فهي دائماً تسير بتأني و تركيز شديد حتى لا تصطدم بشئ و لكنها الآن تركض...
و لما لا فهو آسر شقيقها الذي سيحميها من أي أذى يمكن أن تتعرض له..
سارة(ركضت بسعادة غامرة): مش معقول..
ركضت إليه لتستقر بين أحضانه التي افتقدتها و بشدة.. ظلت بحضنه طويلاً..
اما آسر فما أن تحركت نحوه حتى ركض إليها بدوره و التقطها بأحضانه و حملها و دار بها عدة مرات و هو يقول..
آسر: وحشتيني.. وحشتيني يا بنت اللذينا..
سارة: انت واحشني اكتر يا حبيبي.. عامل ايه و عرفت مكاني منين..
آسر: دي حكاية طويلة بقى احكيهالك بعدين.
عاصم(و الغيرة و الغضب يتراقصان في صوته): مش تعرفينها مين الأستاذ يا دكتورة.. ولا هو اي حد يدخل ياخدك بالاحضان أكده عادي يعني.
آسر (بتعجب و غضب من طريقته التي يشوبها اتهام صريح لأخلاق شقيقته): و انت مين و بتسال ليه اصلا.. انت مالك؟
عاصم: لا مالي و نص يا استاذ انت.. انى صاحب البيت اللي الآنسة جاعدة فيه و اللي بيحصل ده مايصحش..
آسر: و دة مايديلكش الحق انك تتحكم فيها ولا في ضيوفها و خصوصاً اني كدة كدة هاقعد معاها في بيتها اللي جايباه معاها مش في بيتك.
عاصم(بتعجب من وقاحته): كمان.. صحيح اللي اختشو ماتو..
سارة: آسر كفاية.. و انت يا استاذ عاصم ارحمني من تسرعك و حكمك المتهور دة شوية..
عاصم: شوية لحد ميته أن شاء الله لحد ما تدخلو تنامو مع بعضيكم في الكراڤان ولا ايه؟؟ ما تجول حاجة يابوي.
آسر: لا بقى دة كدة كتير اوي.
هدى: يا عاصم أهدى شوية.. دة الباشمهندس آسر اخوها..
عاصم(بصدمة): اخوها؟؟
سارة: ايوة.. اتفضل بقى.
عاصم(تلعثم بخجل): اا.. اتفضل اعمل ايه؟؟
سارة: اعتذر ياللا.. ما انت تعك الدنيا و تيجي تقولي بلامواخذة.. صُح؟؟
قالتها باللهجة الصعيدي و هي تقلده حتى تخفف من حدة الموقف فيقول هو بخزي..
عاصم: بلامواخذة.
سارة( لأخيها): شوفت.. مابيعرفش يقول غيرها أصلا.
عبد الرحمن: ما تاخذناش يابني.. ماتزعليش يا سارة.. بس يعني...
سارة: مش زعلانة يا حاج عبده.. حصل خير.. عادته يعني ولا هايشتريها.. و آسر كمان اكيد مش زعلان..
آسر: حصل خير يا حاج.. بس المفروض نفكر الاول قبل ما نتسرع يعني..
سارة: لا شوف مين اللي بيتكلم..
آسر: قصدك إيه..
سارة: ماقصديش.. انت عشان اخويا انا هاسكت و اسيبهم هما يسكتشفو تهورك دة بنفسهم.. و انت و عاصم في بيت واحد.. هايقيد حريقة بعون الله.
عاصم: ما بكفاية تجطيم بجى.
سارة: ابدا.. دة انا عندي كمية تحفيل على الموقف دة تكفيني شهرين قدام..
هنية(بضحك): ههههههههه.. طيب ياللا تعالي نكملو وكلنا و ابجي انتجمي منه بعدين.. تعالا يابني بسم الله.. بت يا فاطنة هاتي طبق و شوكة و سكينة نضاف يابت بسرعة.
فاطمة: ايوة حاضر..
سارة: تعالى يا اسر بقى اعرفك على البيت العسل دة.. دة الحاج عبد الرحمن صاحب البيت و كبير البلد و عمدتها كمان.. و دي مراته ماما هنية أو الست ام عاصم.. و دة طبعا عاصم غني التعريف طبعا.. بوتاجاز البيت..
عاصم: شكرا يا زوج..
سارة: زوق طبعا عندك مانع؟؟
عاصم: و انى اجدر؟؟
سارة: اه بحسب.. و بعدين هو انت لسة شوفت حاجة.. استنى عليا..
(ثم أشارت لهدى.. تلك المستقرة على كرسيها المدولب و الوحيدة التي لم تقف لترحب به فعلم آسر على الفور أنها هي المريضة التي تهتم بها شقيقته) و دي يا سيدي تبقى هدى.. صاحبتي الجديدة..
ابتسمت هدى لأن سارة عرفتها على أنها صديقتها الجديدة و ليست على أنها مريضتها الجديدة.. مد آسر يده ليلتقط كف يدها في سلام بسيط و لكنه كان كالجائحة التي أودت بقلب المسكين..
هدى(ابتسمت بخجل): أهلا يا باشمهندس آسر.. نورتنا.
آسر(بتركيز): دة نورك يا آنسة هدى..
اخجلتها نظراته المتأملة لها و التي لم يلاحظها سواها فسحبت يدها بسرعة غير ملحوظة حتى لا تثير شك شقيقها أو ابيها..
احضرت فاطمة الصحن لآسر فقالت هنية بود...
هنية: ياللا يا ولاد.. ياللا اجعدو نكملو وكلنا.. سارة اني ماهاعزمش على اخوكي.. انتي وكليه ماشي.. الا يكون بيستحي زيك.
سارة: لا يا ماما هنية يستحي ايه.. آسر مش بيستحي خالص.. و خصوصاً في موضوع الأكل دة.
أسر: انا ياختي.. شكرا على ثقتك الغالية.. مابتستريش ابدا انتي..
سارة: و اكدب ليه و هما هايشوفو المجزرة اللي هاتحصل دلوقتي.
آسر: طيب ياختي.. سيبيني اكل براحتي بقى طالما كدة كدة فضحتيني.
هنية: ههههههههه.. بس يا سارة ماتسيبيه يأكل براحته بألف هنا..
آسر: الله يهنيكي يا ست هنية.
سارة(همسات لأخيها و لكن بصوت مسموع للجميع): انت قاعد معانا قد ايه؟؟
آسر: يومين.. ليه؟؟
سارة: عشان نقول للناس يعملو حسابهم في خزين للبيت..
آسر: هي هي هي.. خفة يابت. اسكتي بقى بهدلتي سمعتي.
كان الجميع يضحك على مناغشة الاشقاء المرحة بينهما.. انتهى العشاء بنفس جرعة المرح اليومية و لكنها كانت مضاعفة تلك الليلة بسبب وجود آسر و الذي له نصيب من خفة الظل مثل أخته و اكثر..
جلس جميعهم في غرفة الصالون يتناولون مشروباتهم و الفاكهة أيضاً..
سارة: بس ماقولتليش يا آسور.. عرفت مكاني ازاي؟؟
آسر: تفتكري منين انتي؟
سارة(و هي تفكر): اممممم.. من دكتور صبري؟؟ لا.. انا و هو بنتكلم كل يوم تقريبا.. كان هايلمحلي حتى.. اممممم.. من عم فوزي السواق طبعاً..
آسر: حبيبي الذكي دة يا ناس.. وحشتيني يا روحي قلت اطب عليكي فجأة كدة بما ان احنا اصلا ماشوفناش بعض بقالنا مدة طويلة..
عاصم: صحيح.. هي كانت الدكتورة سارة جالتلنا انك مهندس.. بس ماجالتش فين؟؟
آسر: انا مهندس بترول.. و حالياً مقر شغلي عند بير جديد لسة بنحفره في البحر المتوسط.. فعشان كدة اجازاتي نادرة اوي.. لأن انا ابقى نائب المهندس المسؤول عن البريمة دي.
هدى(بتعجب): معقول.. نائب المهندس المسؤول مرة واحدة.. بس شكلك صغير..
آسر (بحماس): ايوة فعلا انا عندي 28 سنة بس.. مهندس و اعزب و بدور على بنت الحلال.
ضحكت هدى بخجل و أكمل هو بحماس أكثر حتى يعرفها بنفسه اكتر..
آسر: اصل انا تعليم امريكاني و معايا دبلومة و خبرتي برضه مش قليلة.. اشتغلت في امريكا سنة قبل ماجي هنا.. ما اكيد انتي عارفة..
عاصم(بغيرة): و هاتعرف منين هي؟؟
آسر: أقصد أن اكيد سارة حكيت لها...
عاصم(لهدى بشك): و انتي صُح عرفتيه منين جبل حتى ما سارة تعرفنا بيه؟؟
هدى: اصل سارة كانت بتوريني صور قديمة ليها.. و منهم صور ليهم مع بعض..
عاصم: و عرفتي منين انه اخوها مش حد تاني؟؟
سارة: عشان أنا ماعنديش صور غير مع آسر أو بابا بس.. و اكيد في فرق في السن و الشكل طبعا بين آسر و بابا..
احمرت عينا عاصم بغضب و رغم أن سارة لم تراه و لكنها نكزت أخيها في ذراعه و همسات في آذنه..
سارة: اهمد بقى و بطل رغي معاها... و خد بالك احنا هنا في الصعيد و اخوها اديك شوفت عمايله.. عصبي جدا و مابيتفاهمش خصوصا في أي حاجة تخص أخته.. اتلم بقى.
آسر: مش قادر.. أصلها حلوة اوي.
سارة: يارب ياخد باله و يربيك بقى.
آسر(تنحنح بخوف بعد أن رأي الغضب يتراقص في عيني عاصم): احممم.. شكله خد باله فعلا.
سارة(بصوت سمعه الجميع): طيب نقوم ننام بقى..
آسر: اه.. ياللا..
هنية: على فين يا بتي لسة بدري.
سارة: بدري من عمرك يا قمر.. كفاية كدة و بعدين انتي ناسية أن عندنا خروجة بكرة.
آسر: إيه دة.. خروجة ايه؟؟ و من غيري!!؟
سارة: اه صحيح.. ايه رايك تخرج معانا.. استاذ عاصم عازمني بكرة انا و هدى على فسحة... ينفع يا استاذ عاصم آسر يجي معانا ولا فيها مشكلة.
عاصم: لا طبعا.. ماينفعش.
هنية: بس بجى يا عاصم.. طبعا ينفع يابتي.. بس هو عاصم أكده.. هزاره تجيل شوية.
سارة: تمام.. نتقابل الصبح..
آسر: تصبحو على خير.
عاصم: و انت رايح فين يا بشمهندس؟
آسر(ببساطة): هاروح انام.
عاصم: ايوة يعني فين؟
سارة: معايا في الكرڤان.
عاصم(بغضب): نعم ياختي؟؟
عبد الرحمن(سريعاً بعد أن استشعر نبرة الغيرة في صوت ابنه عليها حتى من شقيقها): عاصم يجصد يعني أن الاوض في السرايا كتير.. فممكن تتفضل في واحدة منيها لحد الصبح حتى تبجى براحتك.. و اللي اعرفه ان العربية دي مافيهاش الا سرير واحد يعني و....
سارة: لا يا حاج عبده عادي يعني مايهمكش.. و بعدين الكراڤان فيه كنبة بتتعمل سرير.. أسر هاينام عليها.. و لو على الراحة احنا متعودين على كدة.
هنية: خلاص يا حبيبتي.. روحو ارتاحوا دلوجت.. اكيد الباشمهندس تعبان من السفر و محتاج يريح .
آسر(اقترب منها و قبل يدها بود): ربنا يخليكي لينا يا ست الكل.. بس بلاش باشمهندس دي.. اشمعني سارة بتناديها بإسمه عادي.. ولا انا مش زيها.. انا اسمي آسر.. آسر و بس.. اتفقنا؟؟
هنية: ربنا يبارك في عمرك.. ماشي يا ولدي زي ما تحب...
آسر: تصبحو على خير...
تركهم آسر و اصطحب شقيقته تحت أنظار عاصم الغاضبة و التي رأها والده تشتعل بالغيرة.. حسناً فلا يوجد تفسير غير ذلك.. فعاصم قد وقع أخيراً في شباك الحب.. و لكن اعترافه بالأمر ليس بتلك السهولة..
تركهم عاصم أيضاً بمنتهى الغضب و صعد إلى غرفته دون أي كلمة.. فتسائلت هنية..
هنية: ماله عاصم.. مش بعادة أكده.. هو في حاچة حُصلت في الشغل..
عبد الرحمن(بنظرة ثاقبة): لا اللي حُصل ماحصلش في الشغل.
هنية: جصدك ايه؟
عبد الرحمن: ها.. ولا حاچة.. تعالو نكملو الفيلم احنا.. بجالي كتير ماجعدتش مع البت هدى الجمرة دي.
هدى: و ابنك سابني و طلع.. هانام فين انا النهاردة..
عبد الرحمن: هو ماهينامش بدري أكده.. و اكيد هاينزل ياخدك.. و إن مانزلش اشيلك اني..
هدى(ضاحكة): ههههههه.. تشيلني مرة واحدة.
عبد الرحمن: ايه.. فاكراني عچزت اياك.. لا ابوكي لسة شباب و جوي كمان.
هدى(و استقرت في حضن والدها): ربنا يخليك ليا يا احن اب في الدنيا.
عبد الرحمن: و يخليكي ليا و يطمن جلبي عليكي انتي و المخبل اللي فوج ده.
ضحكوا ثلاثتهم معا على مزاح الاب و أكملوا الفيلم الكوميدي الذي اسعدهم كثيرا...
=================================
اما بداخل مقصورة سارة..
بعد أن استقرت سارة و آسر.. ابدلا ملابسهما و جلست بجانب أخيها لتتحدث معه قليلاً فقد مر الكثير من الوقت لم يتحادثا فيه عن أمور حياتهم..
آسر: ها يا قمر.. ادينا غيرنا هدومنا و عملتلك مج هوت شوكليت من بتاع زمان دة فاكراه؟؟ اللي كان بيخليكي تبعبعي بكل اللي جواكي من غير ما تحسي.. ها ارغي بقى.. عاملة ايه و اخبارك ايه هنا؟
سارة: ايه يا عم شغل وكلاء النيابة دة؟
آسر: طيب قري و اعترفي بسرعة.. و بعدين أنا من ساعة ما شوفت هركليز اللي انتي عايشة معاه دة و انا قلقت بصراحة.
سارة(ضحكت بصخب): ههههههه.. قصدك عاصم.. حرام عليك ليه بتقول عليه كدة.. دة طيب و كيوت اوي على فكرة.
آسر: لا يا شيخة؟؟ بقولك ايه يا بت انتي اتعدلي كدة و انتي بتتكلمي.. هو ايه دة اللي طيب و كيوت.. دة كان هايعمل عليا شوربة عشان حضنتك..(و هو يغمزها بعينه) هو ايه النظام.
سارة: آسر هو انت بتغمزني بعينك.. صح؟
آسر: اه.. ليه؟؟
سارة: عشان أنا مش شايفاك يا ابو المفهومية.
آسر: بقولك ايه.. ماتحاوليش تتوهيني.. عاصم دة ايه نظامه؟؟ على طول متحكم فيكي كدة و حاشر مناخيره في كل حاجة؟
سارة: ليه بتقول عليه كدة.. على فكرة عاصم انسان كويس و محترم.. بس هو ماكنش يعرفك.. فلما يلاقي أن الدكتورة بتاعة أخته اللي عايشة معاهم في نفس البيت واحد غريب داخل يسأل عليها و ياخدها بالحضن اول ما يشوفها لازم يسأل.. ولا ايه؟؟
آسر: ماشي.. بس طريقته ماكنتش طريقة واحد خايف على سمعة بيته ولا على أخته منك مثلا.. لا كانت طريقة واحد غيران.
سارة(بتعجب): غيران؟؟!!!
آسر: ايوة غيران.. انا راجل و فاهم نظراته كويس.. سارة احنا مش مجرد اتنين اخوات احنا اصحاب.. انا احيانا بحس أني لما اتجوز و اخلف هاعمل مع بنتي زي ما بعمل معاكي كدة.. انتي بنتي يا سارة مش اختي.
سارة: صدقني يا آسر مافيش حاجة من اللي في بالك دي... و لو في اكيد انت اول واحد هاتعرف.. بس هو عاصم يمكن عشان عصبي شوية دة خلاك تفتكر أنه معجب بيا.. لكن الموضوع لو غيرة زي ما بتقول فمش هاتبقى اكتر من غيرة على ضيفة عنده بس..
آسر: ماشي.. و عموما انا بثق فيكي جدا طبعاً.. المهم.. هي هدى دي تبقي المريضة بتاعتك.
سارة: ايوة.. بس احنا بطلنا نتكلم عنها على أنها مريضة.. هدى بالنسبة لي دلوقتي تبقى صاحبتي اللي انا واقفة جنبها في أزمتها.. ماشي.. بس اشمعنى يعني؟
آسر: مش عارف.. اول ما شوفتها حسيت بحاجة كدة.. مش فاهمها.. هي بنت عادية يعني.. بس فيها حاجة شدتني.
سارة: آسر.. هدى نفسيتها هشة جدا... خصوصا الفترة دي.. فأرجوك مش هاقولك بقى إن احنا في الصعيد و أن اللي انت بتفكر فيه دة مستحيل..
بس هاقولك إن هدى مش حمل صدمة عاطفية دلوقتي خالص.. انا ملصماها بالعافية اصلا.. و برغم إني عارفة انك مش بتاع بنات كنت قولت انك عايز تتسلى معاها شوية..
آسر: و لما انتي عارفة اني مش بتاع تسالي.. بتقوليلي كدة ليه؟
سارة: عشان اعرف قصدك؟؟
آسر: عموما خروجة بكرة دي هاتبين حاجات كتير.. و لما نرجع لينا كلام.. قومي نامي بقى احسن انا هاموت و انام..
اما عاصم فقد كان مثل الأسد المحتجز بداخل غرفته.. ظل واقفاً في شرفته يراقب نور المقصورة الذي كان مضاءاً لمدة تزيد عن الساعتين..
فتساءل.. ياترى ماذا يفعلون كل هذه المدة.. ايتحدثان.. عن ماذا.. هل عن أحداث ٍ عادية.. ام عن ماذا؟؟
يا الله ما كل هذه الحيرة و الغيرة التي أشعر بها داخل صدري..
ظل يراقبهما حتى اغلقا الانوار فدخل هو إلى فراشه يفكر بها حتى غلبه تعبه و نام.
=================================
أتى الصباح التالي بسلام..
تناول الجميع فطورهم في جو لطيف مرح و اتجه الأربعة أفراد إلى السيارة.. حيث كان عاصم يقودها و بجانبه آسر و بالخلف تجلس الفتاتان..
اتجه بهم عاصم إلى أحد مراكز التسوق الشهيرة نزل جميعهم.. و حمل عاصم شقيقته حتى يجلسها على كرسيها المدولب.. و لكن قبل أن يدخلون من باب المركز.. تمسكت هدى بيد سارة بخوف مبهم..
شعرت بها سارة فأبتسمت و نزلت الي مستواها و قالت..
سارة: هدى.. انا مش عايزاكي تخافي.. انتي مش لوحدك.. كلنا حواليكي.. انا و عاصم و آسر كمان مش عارفة لازمته ايه بس اهو موجود يعني.
آسر: شكرا يا زوق..
سارة: العفو يا حبيبي اي خدمة... (ثم عادت تحدث هدى) مش عايزاكي تركزي مع اي حد.. ماتبصيش لوش حد.. انتي كويسة و ماحدش هايضايقك.. ماشي..
احنا جايين نتبسط و نفلس اخوكي و نمشي تمام.
ابتسمت هدى بتوتر و قالت..
هدى: تمام.. ياللا.
دخلو جميعاً إلى المول عاصم يدفع الكرسي و سارة تتأبط ذراع أخيها و لكن تمشي أكثر بالقرب من هدى.. كانت هدى تنظر إلى وجهات المحلات و تبدي إعجابها ببعض المعروضات و كانت سارة تشجعها على شراء بعض الأغراض.. ليس بهدف الشراء و لكن بهدف تحسين مزاجها..
انتهت فقرة التسوق على خير.. وسط فرحة هدى بأول مرة لها خارج المنزل لهدف غير طبي او علاجي.. و فرحة عاصم بشقيقته التي تتحسن كل يوم عن الآخر.. و فرحة سارة بيوم بعيد عن الروتين اليومي..
و غضب آسر الذي عمل كمساعد يحمل الحقائب فقط..
آسر: ياريتني ماجيت اشوفك يا سارة.. كان يوم مهبب يوم ما وحشتيني.. شيال.. اخرتها شيال؟
سارة: ههههههههه.. و ماله الشيال بس.. مش شغلانة شريفة برضه..
هدى: حرام عليكي يا سارة.. احنا اسفين اوي يا باشمهندس تعبناك معانا خالص.
آسر(و هو ينظر لعينيها التي ابعدتهم بخجل): ولا يهمك يا جميل.. دة انا أشيل الظلط.
عاصم: عاتجول ايه انت؟؟
آسر(بخوف): ها لا ولا حاجة..
سارة (حقناً للدماء): هو احنا مش هاناكل ولا ايه.. انا جعت جدا...
هدي: اه و انا كمان.
آسر: و انا كمان والله يا بنات..(و تراجع بعد نظرات عاصم الحارقة له) دة لو مايضايقش استاذ عاصم يعني.
عاصم: تعالو نروحو اي مطعم ناكلو حاچة.
ثم اتجه الجميع إلى أحد المطاعم الملحقة بالمركز التجاري و تناولوا الغداء في جو مرح تشوبه الغيرة الشديدة من عاصم على كل من أخته و سارة من ذلك الآسر المرح و مزاحه اللطيف .
انتهت رحلتهم بسلام و عاد الجميع إلى المنزل بعد قضاء يوم ممتع للغاية.. قضى آسر يوماً أخر معهم و اضطر للسفر مرة آخرى حتى يعود لعمله..
=================================
عاد الجميع بعد هذه العطلة الصغيرة لأعمالهم.. ثم بدأت هدى بالفعل جلسات العلاج الطبيعي و التي قد تم لأجلها استدعاء أحد أفضل الأطباء المتخصصين في هذا المجال..
بدأت علاجها و استمر لمدة شهر كامل قبل أن تستطيع هدى ان تحرك ساقيها حركة صغيرة.. حتى انها قد بدأت تتحرك قليلاً و تقف على ساقيها لعدة دقائق قليلة مما أعاد للجميع الأمل في شفائها الكامل..
لم ينتهي دور سارة عند هذا الحد بل إنها كانت تحميها و تدعمها في لحظات ضعفها و تعبها و تذكرها بقرارها النابع من داخلها بتلقيها العلاج و بتغيير حياتها لتعود لسابق عهدها..
ياترى لوح التلج اللي اسمه عاصم دة مش هايتلحلح شوية زي آسر اللي اعلن إعجابه بهدى من اول لحظة ولا هايفضل ساكت كتير..
و هدى و آسر حكايتهم هاتمشي ازاي..