رواية دوائي الضرير الفصل الحادي عشر11 بقلم نرمين ابراهيم
الفصل الحادي عشر..
ظلت محادثات الهاتف بين سارة و آسر مستمرة كعادتها بشكل يومي.. و لكن حديث آسر بدأ أن يتمحور حول هدى.. التي أصبح اطمئنانه عليها بشكل يومي من أساسيات يومه.
خاصة بعد أن بحث عن صفحتها على موقع الـ Facebook و ظل يتابعها بشكل يومي.. ما تشاركه أو الخواطر التي تكتبها.. فرحتها بالمسلسل التركي التي تتابعه و تشارك أحداثه على صفحتها..
كل ذلك و أكثر جعل آسر يعرفها أكثر و صرح لسارة برغبته في الارتباط بها.. و لكن سارة منعته من محادثتها و من التصريح لها بمشاعره هذه الفترة لأنه من الممكن أن يعطل علاجها.. فهي قد اقنعتها أخيراً بالعلاج فقط من أجل نفسها.. فلا يمكن أن يظهر لها الان عشقا من الممكن أن يعطل شفاؤها.
و في صباح أحد الأيام....
و بعد مدة ليست بقصيرة من بدا هدى علاها الطبيعي و سيره على أكمل وجه.. و أيضاً بعد استمرار وجود سارة في منزل الحاج عبد الرحمن كان مزاج عاصم قد أصبح معتدلاً جداً.. فقد زادت محادثاته الهاتفية مع سارة ليلاً بعد إنتهاء اليوم و التي كان يبدأها بالاطمئنان على هدى و علاجها و صحتها و سريعاً ما تتحول إلى اي شيئا اخر يقربه من سارة اكثر مما ساهم في تحسين حالته المزاجية كثيراً و قرب المسافة بينهما أكثر و أكثر..
خاصة تلك الليلة الماضية.. فقد تأكد منها أنه لا يوجد بحياتها شخصاً ينافسه على حبها مما زاد سعادته صباحاً..
اجتمع الجميع على طاولة الإفطار كعادتهم كل صباح.. نزل عاصم متأخراً عن موعده.. فهو لم يستطع النوم من شدة فرحته فظل مستيقظاً لساعة متأخرة من الليل يفكر بها فاستيقظ متأخرا.. وجد أبيه و أمه و شقيقته في انتظاره على الطاولة.
نعم شقيقته.. فهدى قد تركت الكرسي المدولب بشكل نهائي و بدأت في استعمال عكازين يساعداها على الحركة بعد التزامها بجلسات العلاج الطبيعي.. فأصبحت تتحرك بحرية أكثر دون انتظار عاصم ليساعدها أو يحملها..
عاصم: إصباح الخير يابوي..
عبد الرحمن: إصباح الخير يا ولدي.
هنية: اصباح الخير يا ولدي.. ايه يا عاصم كل ده نعسان.. نموسيتك كانت كحلي اياك.
هدى(بمكر اخوي غير خبيث فهي كانت تلاحظ نظراته لسارة طوال الوقت): ما تسيبيه يا ماما.. يمكن كان سهران بيفكر في حاجة كدة ولا حاجة كدهون..
عاصم: ايه يا چماعة.. دة هي الحكاية كلها نص ساعة عاد.. ايه ماعينفعش ارتاح نص ساعة زيادة ولا ايه؟؟
هنية: لا يا ضي عيني.. ينفع.. ربنا يريح جلبك و بالك و بدنك يارب.
عاصم(مقبلاً يدها بحب و احترام): و يخليكي ليا و يخليلي دعواتك يارب.
عاصم(و هو يجلس على كرسيه و قال بتردد حتى لا يلاحظ أحد اهتمامه بها): امال.. امال فين سارة.. لسة نعسانة ولا ايه؟
هنية: ايوة صُح.. دي اول مرة تتأخر إكده(ثم رفعت صوتها) فاطنة.. انتي يا بت يا فاطنة..
فاطمة(و هي تركض نحوهم): ايوة.. ايوة يا ست چيت اها.
هنية: همي يا بت روحي لستك سارة شوفيها ماچاتش ليه لحد دلوج... همي جبل الفطور ما يبرد.
فاطمة: حاضر اها..
ركضت فاطمة مسرعة نحو مقصورة سارة... ظلت تطرق الباب و هي تنادي باسمها لمدة طويلة.. بعد لحظات قررت فتح الباب و الدخول..
فعندما لم تجد فاطمة رد سحبت الباب و صعدت إليها و هي تهتف باسمها...
فاطمة: ست سارة.. يا ست سارة.. كل ده نعسانة اياك؟؟ جومي بجى دول مستنظرينك على الفطور..
اقتربت أكثر من الفراش.. لتجد جسد سارة ينتفض بشدة.. لونه شاحب.. العرق يغرق جبينها بل جسدها كله خاصة رأسها و وسادتها أيضا.. اقتربت أكثر لتقوم بهزها بخوف..
فاطمة: ست سارة... ست سارة بيكي ايه.. ردي عليا..
(ثم على صوتها بصراخ طلباً للمساعدة) يابوي... يا بووووي...
الحجوني يا خلق..
و انطلقت سريعاً نحو السرايا تطلب المساعدة من أصحاب المنزل..
فاطمة(دخلت تركض و تصرخ): ست هنية.. الحجي يا ست.
هنية: في ايه يا مخبلة انتي.. عاتصرخي أكده ليه يا بت
فاطمة: الحجي الست سارة.
عاصم(وقف بعد أن انتبهت جميع حواسه): مالها ستك سارة يا بت.. انطجى.
فاطمة: روحت انادم عليها فضلت اخبط بس ماردتش.. فتحت الباب و دخلت لجيتها عمالة تتنفض يا عيني و ماعتردش عليا.
هنية(بخوف): عاتجولي ايه يا مخبولة انتي؟
فاطمة: الحجوها يا ستي..
عبد الرحمن: هم يا عاصم.. تعالي يا هنية نشوفو ايه الحكاية دي.
لم ينتظر عاصم ليسمع أكثر.. فركض إلى محبوبته حتى يطمئن عليها.. و ركض الجميع خلفه.. كان هو أول من وصل إليها.. دخل و اتجه الي فراشها حيث تقبع دون حراك..
اقتربت يده المرتعشة نحو جبينها حتى لمست جبهتها ليشعر بها تحترق تحت أنامله و ينتفض قلبه مع انتفاضة جسدها قلقاً عليها.. دخلت خلفه هنية و عبد الرحمن فإقتربت هنية منها تفحصها..
أزاحت عاصم جانباً حتى تطمئن عليها و تتفحصها بحرية....
هنية: بعد يا عاصم اكده..(وضعت يدها على رأسها) دي چتتها مولعة نار..
عبد الرحمن: كلم الدكتور بتاع الوحدة الصحية ياچي يشوفها.
هنية: بسرعة يا عاصم.. البت بتفرفر.
عاصم: لا شكلها ماعيطمنش.. انى هاخدها المستشفى احسن.
هنية: احسن برضيك يا ولدي...
عاصم: لبسيها حاچة تسترها بسرعة ياما عبال ما اطلع العربية..
هم أن يتركها و يخرج هو و والده لكنهما توقفا عندما سمعوا صراخ هنية و هي تضرب على صدرها برعب... فقد رفعت غطاء الفراش عن ساقيها لتجد لون أحداهما أزرق بلون سماء الليل..
هنية(و هي تضرب على صدرها): يا مري.. غيتني يا حاچ.. غيتني يا عاصم.
اقترب كلاهما ليريا ما حدث فوجدا ساقها بزرقة سم الحية التي تظهر عضتها بوضوح في باطن ساقها..
عاصم(صارخاً): سااااااارة.
رجت صرخة عاصم بإسمها المكان قبل أن يحملها و يركض بها إلى المشفى الذي يبعد عن منزلهم مدة نصف ساعة تقريباً..
حملها عاصم دون تفكير و وضعها على كرسي الراكب بجواره بعد أن عدل وضعيته حتى أصبح بشكل أفقي لتنام سارة عليه براحة أكبر.. و ركبت والدته بالكرسي الخلفي بعد أن أحضرت فاطمة لها ما يخفي ملابسها البيتية.. أما عاصم فاتجه سريعاً إلى كرسي السائق و تحرك إلى مقصده..
لم تحتمل هدى الصدمة فأصرت على الذهاب معها.. فقد كانت سارة لها نعم الصديقة و الأخت.. فحاول والدها أن يهديء من روعها قليلاً و اصطحبها مع سائقه الخاص بسيارة أخرى خلفهم..
وصل عاصم إلى المشفى في وقت قياسي بسبب سرعته الجنونية.. وقف أمام الباب الرئيسي و نزل من سيارته و اغلق بابها بعنف كاد أن يخلعه من مكانه.. ثم اتجه إليها يحملها بين ذراعيه مرة أخرى و دخل يصرخ في بهو المشفى..
عاصم(بصوت جهوري): انتو ياللي هنا.. عايز دكتور بسرعة.. حد ياچي بسرعة..
إتجه إليه عدد من الممرضات و طبيبان.. و لما لا؟؟ فهو عاصم ابن عمدة بلدتهم و كبيرهم.. و بعد عمر طويل لوالده سيصبح هو العمدة بالتأكيد.. سأله أحد الطبيبان بإستفسار..
طبيب1: خير يا عاصم بيه.. ايه اللي حصل.
عاصم(بغضب و صوت جهوري): انت لسة هاتسألني؟؟ بص على رجليها و انت تعرف.
عاصم(بعد أن نظر الطبيب لساقها بفحص): قرصة تعبان.. و واضح من رجلها أن بقاله كتير..
طبيب2: طيب ياللا بسرعة على العناية.. بسرعة.. و حد ينادي لي صيدلي من الاجزخانة تحت بسرعة.
اتجه الجميع إلى غرفة العناية المركزة حيث ستكون إقامتها في المدة القادمة.. و بعد أن أخذها الطاقم الطبي و إختفى بداخل الغرفة.. امسك عاصم الطبيب المسؤول من تلابيبه قبل أن يدخل إليها..
عاصم(هامساً بصوت مرعب): عارف لو چرالها حاچة هاعمل فيك ايه.. هاطربج المستشفي دي على اللي فيها.. فاهم؟؟
طبيب2(برعب): حاضر.. حاضر يا عاصم بيه.. بس ارجوك سيبني اشوف شغلي.. سيبني اساعدها و أنقذها.
تركه عاصم ليتجه إلى داخل الغرفة معها و يقف عاصم يستند إلى الجدار يلتقط أنفاسه بصعوبة و بجانبه والدته التي رأفت لحال ولدها الذي يجرب العشق لأول مرة.
لم يكن صعباً عليها معرفة ذلك.. فقلقه الشديد.. خوفه الظاهر على ملامحه.. سقوطه و جلوسه على أحد المقاعد الأن بجانب الغرفة التي هي بها بقهر لانه لا يستطيع أن يساعدها..
كل تلك العلامات لا يمكن أن تكون إلا لحبه و عشقه لها.. جلست والدته بجانبه و ربتت على كتفه بعطف و هي تطمئنه بكلماتها الرقيقة...
هنية: هاتبجى زينة.. هاتبجى زينة يا ولدي ماتخافش.
عاصم(نظر لها كالغريق الذي يتمسك بقشة): يارب.. يارب ياما يارب..
وصلت هدى بعد وقت يسير بصحبة والدها إلى المشفى و وقفا بصحبة عاصم و هنية في إنتظار خروج أحد الأطباء من تلك الغرفة التي كان عاصم يراها كمثلث برمودا.. فكل من يدخلها لا يخرج.. حتى نفذت اخر قطرات صبره فطرق بعنف على الباب بعنف..
عاصم: انتو ياللي چوا.. ما حد يطلع يحدتني هنا.
عبد الرحمن: بالراحة يا ولدي.. مش أكده..
عاصم(التفت لوالده بغضب): راحة ايه يابوي.. دول بجالهم ياچي ساعتين چوا.. عايكونو بيعملوا ايه دة كله بس..
عبد الرحمن: يا ولدي سيبهم يشوفو شغلهم.. البنية بجالها ياچي 3 ساعات الحنش جارصها و ماحدش حاسس بيها.. اكيد هاياخدو وجت يعني في العلاچ.
هنية: أهدى يا حبيبي اكده و ادعي لها ربنا ينچيها..
هدى(بدموع و بكاء): انا خايفة عليها اوي يا عاصم.. انا مش هقدر اخسرها هي كمان... دة انا مابقاش ليا أصحاب غيرها..
اقترب منها عاصم و جلس بجانبها بتعب و احتضنها و ظل يهدهدها لتهدأ..
عاصم: ماتخافيش يا هدى.. هاتبقى كويسة... ادعي لها انتي بس عشان ربنا ينجيها.
زاد انتظارهم جميعاً لمدة تزيد عن الثلاث ساعات حتى خرج أحد الأطباء من الغرفة و قد كان التعب و الإرهاق جلياً على وجهه.. فركضوا جميعا نحوه يسألونه بصوت واحد بلهفة و قلق...
الجميع: طمنا يا دكتور.. عاملة ايه دلوقت..
عبد الرحمن(صرخ بهم ليصمتو جميعاً): بس اكتمو كلكم.. ماعايزش اسمع حس حد فيكم.
عاصم: طمنا يا دكتور.. سارة عاملة ايه..
الطبيب(بعملية): اطمنو يا جماعة.. الآنسة سارة كويسة.. الحمد لله بقت كويسة..
هدى: طيب هو ايه اللي كان حصلها اصلا؟
الطبيب: زي ما عاصم بيه قال لما جابها.. قرصة تعبان.. سام لكن مش مميت الحمد لله.. المشكلة أنها اتأخرت لما جاتلنا حوالي 3 ساعات.. و هو دة اللي عمل لها الزرقان اللي كان في رجلها و الورم..
و دة طبعا اللي اتسبب في أن حرارتها ترتفع بالشكل دة.. بس مع العلاج هاتبقى كويسة..
عاصم: طيب عايزين نشوفوها.
هدى: ايوة عايزين نطمن عليها.. أنا لازم اشوفها.
الطبيب(بعملية): حاضر بس هي لسة في العناية و هاتفضل فيها كام ساعة و بعدين ننقلها اوضة عادية ساعتها تقدروا تتطمنو عليها و تقعدو معاها زي ما انتو عايزين.. بعد اذنكم.. هاروح اشوف التحاليل و الفحوصات اللي كنت عملتها لها.
تركهم في حالة صمت و قلق و ذهب ليتابع عمله.. جلست هدى تبكي في حضن والدتها خوفاً على صديقتها الجديدة و الوحيدة.. و بجانبهم الحاج عبد الرحمن يتمتم بالادعية حتى يشفيها الله.
اما عاصم فلكم أن تتخيلوا ما كان حاله.. فقد كان يشعر بألم قاتل في قلبه.. و كأن أحدهم أخذ يطعنه بشكل متكرر بخنجر مسموم بسم تلك الحية التي لدغت حبيبته..
و حدث اخر شيئ كان ينتظره عاصم.. فبعد مدة وجيزة رن هاتف عاصم ليجده آسر شقيقها.. فنظر لهم متسائلاً...
عاصم: ده آسر اخو سارة.. اجوله ايه؟؟
هدى(بدموع): اكيد كلمها زي عادته كل يوم و لما ماردتش اتصل بيك.
هنية: اوعى تجوله حاچة يا عاصم.. الراچل يا نضري شغال في اخر الدنيا.. حرام تجلجه عليها و بينه و بينها سفر ياچي 12 ساعة..
عبد الرحمن: عاتجولي ايه انتي.. دي أخته شَجيجته.. لازمن يعرف..
هنية: لا مالزمش.. حوله اي حاچة بس بلاش تجلجه.
عاصم: يعني اجوله إيه يعني.
هنية(بتفكير): جوله.. جوله أن تلفونها اتسرج و انت برة البيت و لما تفوج هي تبقى تكلمه و تطمنه على نفسها بروحها.
عبد الرحمن: لا يا ام عاصم مايصحش.. يعني لو بعد الشر حد من عيالنا هو اللي عيان مش المفروض نعرفو ولا نفضلو ماخابرينش حاجة.
(لعاصم) رد عليه يا عاصم و جوله على اللي حُصل و طمنه على أخته.. ماتسيبش الراچل جلجان أكده.. دي أخته وحيدته برضك.
تنهد عاصم بما يجيش بصدره و ابتعد عنهم قليلاً و أخذ نفساً عميقاً و رد على آسر...
عاصم: الو..
آسر: الو مساء الخير يا استاذ عاصم.. معلش لو ازعجتك..
عاصم: لا.. لا مافيش إزعاج ولا حاجة.. انت عامل ايه يا باشمهندس.
آسر: انا الحمد لله بخير.. معلش كنت عايز اسألك على حاجة و اسف لو بزعجك.
عاصم(و هو يعلم طلبه و سؤالها جيدا): لا لا مافيش إزعاج ولا حاچة.. خير يا آسر؟
آسر: لا خير ان شاء الله.. انا بس أصلي بتصل بسارة من الصبح و هي مش بترد.. قلت يمكن تليفونها بايظ أو نسيته في الكراڤان ولا حاجة.. ممكن بس تبلغها تكلمني.
لم يرد عاصم من هول توتره و قلقه من رد فعل آسر.. و عندما طال صمته دب قلب آسر بالقلق على شقيقته.. فسأله بقلق..
آسر: استاذ عاصم.. انت معايا؟
عاصم(عاد لوعيه): معاك.. معاك يا آسر.
آسر: هي سارة كويسة؟؟ انا قلبي حاسس ان فيها حاجة.
عاصم: لا ماتقلقش.. هي.. هي كويسة... آسر انا كنت عايز اقولك حاجة بس ارجوك مش عايزك تقلق..
آسر(هب واقفاً من فوق كرسيه بفزع): فيه ايه.. سارة فيها ايه؟؟ اختي مالها يا عاصم.
عاصم: اختك كويس.. والله العظيم كويسة..
آسر: امال في ايه؟؟!!
عاصم: هي بس تعبانة شوية و احنا جبناها المستشفى.
آسر: انت بتقول ايه؟؟ مستشفى ايه.. و منين كويسة و منين وديتوها مستشفى.. اختي مالها يا عاصم؟
عاصم: هي بس تعبت شوية و كان مغمى عليها فجيبناها المستشفى بس الدكتور أكد لنا أنها كويسة.. ماتخافش.
آسر(بغضب و صوت منفعل): ماخافش ازاي.. ازاي.. اختى أغمى عليها و دخلت المستشفى و من كلامك أنها تعبانة اوي لأنها اكيد لسة محجوزة في المستشفى و ماروحتش البيت..
لأنها لو كويسة كان زمانها روحت أو على الأقل ردت عليا.. و بعدين هي دي وصيتي ليك يا علصم.. انا اخدت تليفونك و اديتك نمرتي عشان تطمني على اختي مش عشان تدخل المستشفى و انت حتى ماتكلفش نفسك انك تبلغني.. اختى مالها يا عاصم؟
عاصم(انهد بحزن و خزي): قرصها تعبان..
آسر: ايه.. تعبان.. ازاي؟يعني إيه قرصها تعبان؟
عاصم: ماعرفش لسة.. بس هو دة اللي حصل..
آسر: انا جاي حالاً.
اغلق الهاتف في وجهه دون مقدمات و دون ان ينتظر رده.. و انطلق ليتجه إلى سوهاج حيث مكان شقيقته..
اما عاصم فقام بالإتصال بشيخ الغفر الموجودين بالسرايا...
عاصم: ايوة يا حسان.. اسمعني زين و تنفذ الحديت اللي عاجوله بالحرف.. مفهوم..
حسان: أوامرك يا سي عاصم.
عاصم: تروح تجيب رفاعي من أي حتة و تدخلو العربية بتاعة الست سارة و تخليه يطلع الحنش اللي عضها.. جتته تكون عندك جبل ما اعاود السرايا.. مفهوم..
حسان(بطاعة): مفهوم يا بيه.
عاصم: و تجوله كمان عاصم بيه عايز يعرف الحنش ده دخل العربية كيف؟؟ فاهم.
حسان: حاضر يا سي عاصم.. حالاً اها...
اغلق عاصم هاتفه ثم اتجه ليقف معهم مرة أخرى مرت ساعتين أخرتين حتى آتاهم الطبيب بوجه مبتسم فتأهبوا جميعاً و هو يقترب منهم..
الطبيب: مساء الخير يا جماعة.
عبد الرحمن: يسعد مساك يا ضاكتور.. في چديد؟
الطبيب: أن شاء الله.
عاصم: طمنا يا دكتور الله يرضى عنيك.
الطبيب: لا الحمد الآنسة سارة عدت مرحلة الخطر و بقت احسن كتير..
هنية: صُح بجت زينة؟؟
الطبيب: ايوة يا حاجة الحمد لله.. حرارتها نزلت و الخطر زال.. و آثار السم كمان قريب اوي هاتكون راحت خالص.. و نقلناها اوضة عادية..
و قبل ما حد يسألني.. ايوة تقدروا تشوفوها بس 10 دقايق مش اكتر لأنها لسة نايمة و محتاجة راحة.. عن اذنكم و الف حمد الله علي سلامتها.
تركهم و ذهب ليباشر عمله.. و اتجهوا هم إليها بسرعة كي يطمئنوا عليها..
دخلوا إلى غرفتها فوجدوها نائمة و جسدها معلق ببعض المحاليل المغذية و التي تمدها بالغذاء و الدواء الذي يساعداها على أن تعود مرة أخرى للحياة.
اقتربت هنية و هدى من فراشها حتى يطمئنا عليها عن قرب.. و وقف عاصم و والده عند نهاية الفراش بأسف على حالها..
كان الجميع حزين و خائف عليها.. و أكثرهم كان عاصم.. فقد كان يمسك بحديد الفراش يكاد أن يعتصره بقبضته حتى يمنع نفسه بصعوبة عن الركض نحوها و احتضانها بشدة حتى و هي غائبة عن الوعي.
فمهما صور له الطبيب حالتها الصعبة لم يتصورها بذلك الضعف و الوهن..
اطمئنوا عليها جميعاً ثم...
عبد الرحمن: طيب و احنا هانعملو ايه دلوجت... هانسيبها لوحدها ولا ايه؟
هدى(ببكتء و حزن على صديقتها): لا طبعا انا مش هاسيبها الا لما تبقى كويسة و ترجع معايا كمان.
عاصم(بمسايسة): لا يا هدى لا يا حبيبتي.. انتي لازم تروحي.. انتي ماخدتيش علاجك النهاردة... ولا كلتي حاجة حتى من ساعة الفطور اللي ماكلمتيهوش ده..
و هي اصلا نايمة مش حاسة بحاجة... و الدكتور طمنا عليها و قال إنها مش هاتصحى قبل بكرة الصبح.. يبقى قاعدتك هنا مالهاش لازمة.
هدى(بإصرار و دموع): لا.. برضو مش هاسيبها.. هافضل معاها لحد ما تفوق و تكلمني و تروح معايا كمان.
هنية(بتعقل و حنان): يعني و هي لما تفوج و تلاجيكي جاعدة چنبيها و مابتسمعيش الكلام و حتى الدوا ماعيزاش تاخديه.. مش هاتزعل منيكي..
و بعدين مين جالك ان احنا هانسيبوها وحديها.. اني هافضل چنبيها لحد ما تقوم بالسلامة.
هدى: بس..
عاصم(سريعاً حتى تقتنع): مابسش يا هدى.. روحي انتي و ابوي و اني هافضل معاها اني و امي لحد الصبح.. و انتي تعالي لها الصبح تاني و ان شاء الله تلاقيها فاقت كمان.. حتى تچيبيلها هدوم عشان تغير خلاجتها..
استسلمت هدى لإصرار الجميع على راحتها و ذهابها إلى المنزل تحت رغبة الجميع.. فذهبت هي و والدها و تركت والدتها و عاصم مع سارة..
كان عاصم يجلس على كرسي بعيداً قليلاً عن فراشها يتأمل حالها بهدوء و قلق لاحظته هنية بسهولة.. و قبل الفجر بقليل تركته والدته و دخلت إلى المرحاض..
ظل يتأملها لعدة دقائق حتى قاطعه رنين هاتفه برقم آسر الذي كان قد وصل لمطار المدينة لأنه لم يقدر أن ينتظر القطار و ساعات السفر الطويلة فيه..
آسر: ايوة يا عاصم.. انا وصلت مطار سوهاج..
عاصم: حمد الله على السلامة.
آسر: سارة عاملة ايه دلوقتي؟
عاصم: الدكتور طمنا عليها و قال إنها خلاص عدت مرحلة الخطر خلاص..
آسر: الحمد لله.. اديني عنوان المستشفى بقى بسرعة.
أرسل له عاصم العنوان.. ثم عاد يتأملها مرة أخرى لعدة ثوانِ قبل أن يقوم و يجلس على الكرسي الذي كانت تجلس عليه والدته بجوارها بهدوء و بطء مدمر لما تبقى من أعصابه.. امسك بكف يدها و هنا فقط تحررت تلك الدمعة التي كانت تتمسك بها عينه حتى لا تسقط و تفضحه..
عاصم: سارة.. انتي كويسة يا حبيبتي؟؟!! ماتستغربيش اوي كدة.. ايوة حبيبتي و روحي و نور عيني كمان.. مش كفاية نوم لحد كدة..(بنبرة مرحة بين حشرجة صوته) ايه بقالك سنة مانمتيش.. نايمة بقالك يجي 24 ساعة اهو..
و بعدين انتي ازاي ماتقفليش الشباك كويس و تخلي التعبان يدخل لك الكراڤان و يعمل عملته السودة دي..؟
طبعا بتسألي نفسك انا عرفت منين.. من الرفاعي اللي جيبته عشان يطلع التعبان من الكراڤان هو اللي قال إن التعبان دخل من الشباك..
بس ماتخافيش.. التعبان ماكنش خرج تاني.. و حسان جابه و موته.. اه طبعا موته.. هو انا كنت ممكن اسيبه عايش بعد ما عمل فيكي كدة.. بعد ما خلع قلبي عليكي كدة..
( ثم أكمل بنبرة حزينة تسببت في حشرجة صوته)سارة.. ماتسيبينيش.. قومي.. انا اللي اعرفه عنك انك قوية.. حاربي.. حاربي و اجمدي و خليكي قوية زي ما انا متعود عليكي..
عشان خاطري ماتسيبينيش.. ارجعيلي بسرعة.. مش هقدر اعيش لو جرالك حاجة.. عشان خاطري يا سارة فوقي ..
فوقي و ارجعي اتخانقي معايا على علاج هدى.. و ازعلي مني و اصالحك..
فوقي عشان ابويا مارضيش يحط لقمه في بقه النهاردة و انتي مش هاتاكلي معاه..
حتى هدى ماكنتش راضية تروح من غيرك.. ولا كانت عايزة تاكل ولا تشرب ولا حتى تاخد علاجها لحد ما تفوقي..
حتى امي كانت هاتموت من الخوف عليكي.. والله كانت حالتها زي حالتها ساعة حادثة هدى اللي هي بنتها بالظبط.
انا كمان يا سارة.. حالتي حالة من ساعة اللي حصل.. خوفي عليكي عمري ما حسيته قبل كدة.. ارجعيلي يا سارة عشان خاطري.. انا كمان مش عارف اتلم على نفسي من ساعتها..
ارجعيلي يا سارة.. فوقي و ارجعيلنا كلنا..
أنهى حديثه و أسند رأسه على الفراش بجانبها و مازال ممسكاً بيدها.. ظن أن والدته لازالت في المرحاض و لكنها كانت خرجت و استمعت لحديثه كله.. لم يشعر بها إلى أن لمسته بكفها الحنون الذي ربت على رأسه بعطف..
فنظر إليها و وقف ليواجه نظراتها التي تنم عن اندهاش شديد و يستمع إلى سؤالها الوحيد..
هنية(بدهشة): عاتحبها يا عاصم؟؟
عاصم: امي..؟؟ انا...
هنية: عاتحبها يا ولدي؟؟
لم ينطق بل هز رأسه إيجابا و ارتمى بحضن والدته التي استقبلته بكل حنان و هو يقول بكل حنين...
عاصم: بحبها ياما.. بحبها و جلبي عايتخلع عليها..
هنية(بحنان): هاتبجى زينة يا ولدي.. ماتخافش هاتبقى زينة..
انقضت تلك الليلة العصيبة على الجميع في انتظار سارة لتفيق... و على رأسهم بالطبع عاصم الذي لم تغمض عينه لساعة واحدة..
و في الصباح الباكر استيقظ عاصم بفزع من غفوته التي لم تتعدي النصف ساعة على آسر و هو يقتحم الغرفة و يركض نحو الفراش الذي تقبع عليه شقيقته..
آسر(بخوف): سارة.. سارة حبيبتي.. مالك فيكي ايه.. ردي عليا يا قلبي مالك (ثم نظر لعاصم و والدته) مالها اختي؟؟ اختي مالها حد يرد عليا؟؟
هنية: ماتخافش يا ولدي.. هي بجت زينة و جربت تفوج.. الدكتور زمانته جاي عشان يطمنا عليها.. اطمن.
آسر (وقف ليواجه عاصم وجهاً لوجه حتى لا يتهرب منه): خليك صريح معايا و قولي اختي فيها ايه.. مالها سارة؟
عاصم(بتفهم لحالته و قلقه على شقيقته): كيف ما جولتلك امبارح.. جرصها تعبان.. الدكتور جال أنه ماكنش سام اوي.. يعني مش مميت.. و انى اتوكدت من أكده بنفسي..
آسر: و اتأكدت ازاي؟؟
عاصم: كلفت الغفر يجيبو رفاعي و يطلعو التعبان و جتلوه.. و طلع فعلا مش سام.
آسر(بتعجب): رفاعي يعني ايه؟
عاصم: رفاعي اللي هو بيعرف يتعامل مع التعابين و يوصل لهم بسهولة..
دخلت هدى بصحبة والدها و قطعا حديثهم.. و اتجهت فورا إلى فراش سارة...
عبد الرحمن: إصباح الخير يا چماعة.. ايه ده آسر انت چيت.. حمد الله علي السلامة يا ولدي.
آسر: الله يسلمك يا حاج عبد الرحمن.
هدى(بقلق): ايه يا جماعة هي لسة ما صحيتش؟
عاصم: انا هاروح انادي ع الدكتور.
تركهم و ذهب ثم عاد مع الطبيب..
الطبيب(بعد الفحص): لا عال عال.. كله تمام..
آسر: يعني هي خلاص بقت كويسة؟
الطبيب: اه بقت كويسة خالص.. و هانطمن اكتر بعد ما نعملها شوية تحاليل كمان بكرة الصبح عشان نعرف تأثير العلاج وصل لفين.
هدى: طيب هي مافاقتش ليه لحد دلوقتي؟؟ دي بقالها يوم كامل غايية عننا.
الطبيب: لا دي مسألة وقت بس.. كلها ساعة بالكتير و تفوق و لو مافقتش انا هاجي افوقها.. عن اذنكم.
ظلو ينتظرون استيقاظها بفارغ الصبر و كان أسر يجلس بجانبها و يحتضنها و يحادثها و ينتظرها تفيق..
و بعد قليل من الوقت تململت سارة في نومها فتأهب الجميع لها و كان اقربهم لها آسر..
سارة: اممممم.. اااااه.
آسر: سارة.. سارة حبيبتي.. انتي سمعاني.. سارة ردي عليا يا قلبي.
سارة(بصوت واهن): ميه.. عطشانة.
هدى: حاضر يا حبيبتي.. اديها مية يا ماما.
هنية: حاضر.
عاصم(و هو يضرب جرس الاستدعاء): لا استني.. انى هنادي ع الدكتور الاول.
الطبيب(بعد أن فحصها): عال عال.. دة احنا بقينا تمام خالص.
هنية: صُح يا ضاكتور.. يعني هي بقت زينة دلوجت؟
الطبيب: ايوة يا حاجة.. بقت زينة و زي الفل كمان..
سارة(بوهن و ضعف): ميه.. اشرب... ميه.
عاصم: طيب ينفع تشرب..؟؟ من ساعة ما صحيت و هي عايزة تشرب.. قولت أسألك الاول.
الطبيب: اه طبعا عادي تشرب و لو جعانة كمان ممكن تاكل عادي جدا.
آسر: طيب هي ممكن تخرج امتى..
الطبيب: مش قبل بكرة الصبح.. عبال ما نطمن على التحاليل و حالتها تستقر.
تركهم معها و ظل الجميع بجانبها طوال اليوم.. كانت تفيق و تنام حتى استقرت حالتها في أول الليل و بدأت تفيق و تتحدث معهم بوعي أكثر...
آسر: كدة يا سارة.. كدة تخضيني عليكي بالمنظر دة..
سارة: حقك عليا يا حبيبي... صدقني مش قصدي اكيد.. ماتزعلش مني.
عاصم: هو الحقيقة اللي المفروض يزعل هو احنا.. يعني مش معقول ماحستيش بقرصة التعبان.. ازاي ماتتصليش بحد فينا.
عبد الرحمن: صحيح.. ازاي ماتصلتيش بهدى ولا بعاصم ولا بيا انى حتى.
سارة: صدقوني انا مش عارفة اصلا ايه اللي حصل؟ انا كنت نايمة عادي جدا و صحيت فجأة على ألم بشع في رجلي.. حاولت اتجاهله بس ماعرفتش... ماقدرتش.
افتكرتها قرصة ناموسة من ناموس الصعيد اللي ماجربتهاش قبل كدة بس تقيلة شوية فقلت اجيب تلج و احطه عليها و فعلا حسيت إن الألم قل شوية.. فردت جسمي عشان انام.. ماحستيش بأي حاجة بقى غير لما صحيت هنا.. بس.
هنية: يا كبدي يا بنتي... كل دة كان فيكي و احنا ولا دريانين..
سارة: يعني كنتو هاتحسو بيا ازاي بس يا ماما هنية.. الحمد لله على كل شيء.. حصل خير.
انتهت زيارتهم بخير و اتجه عبد الرحمن و هنية و هدى إلى المنزل بعد أن أصر آسر على ذلك.. فهو معتاد على مرافقة شقيقته بالمشفى منذ وقت الحادث.. أما عاصم فلم يقدر ان يترك المشفى و يترك قلبه معها.. فظل معهما بحجة أن آسر غريب و ضيف في بلدتهم و يجب على عاصم ان يرافقه حتى يساعدها إن إحتاج لشئ.
و بالطبع لم يكن هذا هو السبب الحقيقي.. فهو لم ليكن يستطع أن يعود للمنزل بدونها..
انقضت أيامهم في المشفى و خرجت سارة إلى سرايا عبد الرحمن مرة أخرى بصعوبة.. فقد كان آسر مصرا على أخذ شقيقته و الرحيل من هذا المنزل و لكنها استطاعت أن تقنعه بضرورة وجودها و عدم رحيلها الآن..
الف سلامة يا سارة يارب عبير و انتي لا
بس ياترى اللي حصل دة هايخلي عاصم يعيد حساباته ولا مش هايفرق معاه..
و رد فعل آسر اللي مصمم انه ياخد اخته معاه ياترى هو صح ولا غلط..
و لو اخدها معاه حكايتنا هاتكمل ازاي .
ظلت محادثات الهاتف بين سارة و آسر مستمرة كعادتها بشكل يومي.. و لكن حديث آسر بدأ أن يتمحور حول هدى.. التي أصبح اطمئنانه عليها بشكل يومي من أساسيات يومه.
خاصة بعد أن بحث عن صفحتها على موقع الـ Facebook و ظل يتابعها بشكل يومي.. ما تشاركه أو الخواطر التي تكتبها.. فرحتها بالمسلسل التركي التي تتابعه و تشارك أحداثه على صفحتها..
كل ذلك و أكثر جعل آسر يعرفها أكثر و صرح لسارة برغبته في الارتباط بها.. و لكن سارة منعته من محادثتها و من التصريح لها بمشاعره هذه الفترة لأنه من الممكن أن يعطل علاجها.. فهي قد اقنعتها أخيراً بالعلاج فقط من أجل نفسها.. فلا يمكن أن يظهر لها الان عشقا من الممكن أن يعطل شفاؤها.
و في صباح أحد الأيام....
و بعد مدة ليست بقصيرة من بدا هدى علاها الطبيعي و سيره على أكمل وجه.. و أيضاً بعد استمرار وجود سارة في منزل الحاج عبد الرحمن كان مزاج عاصم قد أصبح معتدلاً جداً.. فقد زادت محادثاته الهاتفية مع سارة ليلاً بعد إنتهاء اليوم و التي كان يبدأها بالاطمئنان على هدى و علاجها و صحتها و سريعاً ما تتحول إلى اي شيئا اخر يقربه من سارة اكثر مما ساهم في تحسين حالته المزاجية كثيراً و قرب المسافة بينهما أكثر و أكثر..
خاصة تلك الليلة الماضية.. فقد تأكد منها أنه لا يوجد بحياتها شخصاً ينافسه على حبها مما زاد سعادته صباحاً..
اجتمع الجميع على طاولة الإفطار كعادتهم كل صباح.. نزل عاصم متأخراً عن موعده.. فهو لم يستطع النوم من شدة فرحته فظل مستيقظاً لساعة متأخرة من الليل يفكر بها فاستيقظ متأخرا.. وجد أبيه و أمه و شقيقته في انتظاره على الطاولة.
نعم شقيقته.. فهدى قد تركت الكرسي المدولب بشكل نهائي و بدأت في استعمال عكازين يساعداها على الحركة بعد التزامها بجلسات العلاج الطبيعي.. فأصبحت تتحرك بحرية أكثر دون انتظار عاصم ليساعدها أو يحملها..
عاصم: إصباح الخير يابوي..
عبد الرحمن: إصباح الخير يا ولدي.
هنية: اصباح الخير يا ولدي.. ايه يا عاصم كل ده نعسان.. نموسيتك كانت كحلي اياك.
هدى(بمكر اخوي غير خبيث فهي كانت تلاحظ نظراته لسارة طوال الوقت): ما تسيبيه يا ماما.. يمكن كان سهران بيفكر في حاجة كدة ولا حاجة كدهون..
عاصم: ايه يا چماعة.. دة هي الحكاية كلها نص ساعة عاد.. ايه ماعينفعش ارتاح نص ساعة زيادة ولا ايه؟؟
هنية: لا يا ضي عيني.. ينفع.. ربنا يريح جلبك و بالك و بدنك يارب.
عاصم(مقبلاً يدها بحب و احترام): و يخليكي ليا و يخليلي دعواتك يارب.
عاصم(و هو يجلس على كرسيه و قال بتردد حتى لا يلاحظ أحد اهتمامه بها): امال.. امال فين سارة.. لسة نعسانة ولا ايه؟
هنية: ايوة صُح.. دي اول مرة تتأخر إكده(ثم رفعت صوتها) فاطنة.. انتي يا بت يا فاطنة..
فاطمة(و هي تركض نحوهم): ايوة.. ايوة يا ست چيت اها.
هنية: همي يا بت روحي لستك سارة شوفيها ماچاتش ليه لحد دلوج... همي جبل الفطور ما يبرد.
فاطمة: حاضر اها..
ركضت فاطمة مسرعة نحو مقصورة سارة... ظلت تطرق الباب و هي تنادي باسمها لمدة طويلة.. بعد لحظات قررت فتح الباب و الدخول..
فعندما لم تجد فاطمة رد سحبت الباب و صعدت إليها و هي تهتف باسمها...
فاطمة: ست سارة.. يا ست سارة.. كل ده نعسانة اياك؟؟ جومي بجى دول مستنظرينك على الفطور..
اقتربت أكثر من الفراش.. لتجد جسد سارة ينتفض بشدة.. لونه شاحب.. العرق يغرق جبينها بل جسدها كله خاصة رأسها و وسادتها أيضا.. اقتربت أكثر لتقوم بهزها بخوف..
فاطمة: ست سارة... ست سارة بيكي ايه.. ردي عليا..
(ثم على صوتها بصراخ طلباً للمساعدة) يابوي... يا بووووي...
الحجوني يا خلق..
و انطلقت سريعاً نحو السرايا تطلب المساعدة من أصحاب المنزل..
فاطمة(دخلت تركض و تصرخ): ست هنية.. الحجي يا ست.
هنية: في ايه يا مخبلة انتي.. عاتصرخي أكده ليه يا بت
فاطمة: الحجي الست سارة.
عاصم(وقف بعد أن انتبهت جميع حواسه): مالها ستك سارة يا بت.. انطجى.
فاطمة: روحت انادم عليها فضلت اخبط بس ماردتش.. فتحت الباب و دخلت لجيتها عمالة تتنفض يا عيني و ماعتردش عليا.
هنية(بخوف): عاتجولي ايه يا مخبولة انتي؟
فاطمة: الحجوها يا ستي..
عبد الرحمن: هم يا عاصم.. تعالي يا هنية نشوفو ايه الحكاية دي.
لم ينتظر عاصم ليسمع أكثر.. فركض إلى محبوبته حتى يطمئن عليها.. و ركض الجميع خلفه.. كان هو أول من وصل إليها.. دخل و اتجه الي فراشها حيث تقبع دون حراك..
اقتربت يده المرتعشة نحو جبينها حتى لمست جبهتها ليشعر بها تحترق تحت أنامله و ينتفض قلبه مع انتفاضة جسدها قلقاً عليها.. دخلت خلفه هنية و عبد الرحمن فإقتربت هنية منها تفحصها..
أزاحت عاصم جانباً حتى تطمئن عليها و تتفحصها بحرية....
هنية: بعد يا عاصم اكده..(وضعت يدها على رأسها) دي چتتها مولعة نار..
عبد الرحمن: كلم الدكتور بتاع الوحدة الصحية ياچي يشوفها.
هنية: بسرعة يا عاصم.. البت بتفرفر.
عاصم: لا شكلها ماعيطمنش.. انى هاخدها المستشفى احسن.
هنية: احسن برضيك يا ولدي...
عاصم: لبسيها حاچة تسترها بسرعة ياما عبال ما اطلع العربية..
هم أن يتركها و يخرج هو و والده لكنهما توقفا عندما سمعوا صراخ هنية و هي تضرب على صدرها برعب... فقد رفعت غطاء الفراش عن ساقيها لتجد لون أحداهما أزرق بلون سماء الليل..
هنية(و هي تضرب على صدرها): يا مري.. غيتني يا حاچ.. غيتني يا عاصم.
اقترب كلاهما ليريا ما حدث فوجدا ساقها بزرقة سم الحية التي تظهر عضتها بوضوح في باطن ساقها..
عاصم(صارخاً): سااااااارة.
رجت صرخة عاصم بإسمها المكان قبل أن يحملها و يركض بها إلى المشفى الذي يبعد عن منزلهم مدة نصف ساعة تقريباً..
حملها عاصم دون تفكير و وضعها على كرسي الراكب بجواره بعد أن عدل وضعيته حتى أصبح بشكل أفقي لتنام سارة عليه براحة أكبر.. و ركبت والدته بالكرسي الخلفي بعد أن أحضرت فاطمة لها ما يخفي ملابسها البيتية.. أما عاصم فاتجه سريعاً إلى كرسي السائق و تحرك إلى مقصده..
لم تحتمل هدى الصدمة فأصرت على الذهاب معها.. فقد كانت سارة لها نعم الصديقة و الأخت.. فحاول والدها أن يهديء من روعها قليلاً و اصطحبها مع سائقه الخاص بسيارة أخرى خلفهم..
وصل عاصم إلى المشفى في وقت قياسي بسبب سرعته الجنونية.. وقف أمام الباب الرئيسي و نزل من سيارته و اغلق بابها بعنف كاد أن يخلعه من مكانه.. ثم اتجه إليها يحملها بين ذراعيه مرة أخرى و دخل يصرخ في بهو المشفى..
عاصم(بصوت جهوري): انتو ياللي هنا.. عايز دكتور بسرعة.. حد ياچي بسرعة..
إتجه إليه عدد من الممرضات و طبيبان.. و لما لا؟؟ فهو عاصم ابن عمدة بلدتهم و كبيرهم.. و بعد عمر طويل لوالده سيصبح هو العمدة بالتأكيد.. سأله أحد الطبيبان بإستفسار..
طبيب1: خير يا عاصم بيه.. ايه اللي حصل.
عاصم(بغضب و صوت جهوري): انت لسة هاتسألني؟؟ بص على رجليها و انت تعرف.
عاصم(بعد أن نظر الطبيب لساقها بفحص): قرصة تعبان.. و واضح من رجلها أن بقاله كتير..
طبيب2: طيب ياللا بسرعة على العناية.. بسرعة.. و حد ينادي لي صيدلي من الاجزخانة تحت بسرعة.
اتجه الجميع إلى غرفة العناية المركزة حيث ستكون إقامتها في المدة القادمة.. و بعد أن أخذها الطاقم الطبي و إختفى بداخل الغرفة.. امسك عاصم الطبيب المسؤول من تلابيبه قبل أن يدخل إليها..
عاصم(هامساً بصوت مرعب): عارف لو چرالها حاچة هاعمل فيك ايه.. هاطربج المستشفي دي على اللي فيها.. فاهم؟؟
طبيب2(برعب): حاضر.. حاضر يا عاصم بيه.. بس ارجوك سيبني اشوف شغلي.. سيبني اساعدها و أنقذها.
تركه عاصم ليتجه إلى داخل الغرفة معها و يقف عاصم يستند إلى الجدار يلتقط أنفاسه بصعوبة و بجانبه والدته التي رأفت لحال ولدها الذي يجرب العشق لأول مرة.
لم يكن صعباً عليها معرفة ذلك.. فقلقه الشديد.. خوفه الظاهر على ملامحه.. سقوطه و جلوسه على أحد المقاعد الأن بجانب الغرفة التي هي بها بقهر لانه لا يستطيع أن يساعدها..
كل تلك العلامات لا يمكن أن تكون إلا لحبه و عشقه لها.. جلست والدته بجانبه و ربتت على كتفه بعطف و هي تطمئنه بكلماتها الرقيقة...
هنية: هاتبجى زينة.. هاتبجى زينة يا ولدي ماتخافش.
عاصم(نظر لها كالغريق الذي يتمسك بقشة): يارب.. يارب ياما يارب..
وصلت هدى بعد وقت يسير بصحبة والدها إلى المشفى و وقفا بصحبة عاصم و هنية في إنتظار خروج أحد الأطباء من تلك الغرفة التي كان عاصم يراها كمثلث برمودا.. فكل من يدخلها لا يخرج.. حتى نفذت اخر قطرات صبره فطرق بعنف على الباب بعنف..
عاصم: انتو ياللي چوا.. ما حد يطلع يحدتني هنا.
عبد الرحمن: بالراحة يا ولدي.. مش أكده..
عاصم(التفت لوالده بغضب): راحة ايه يابوي.. دول بجالهم ياچي ساعتين چوا.. عايكونو بيعملوا ايه دة كله بس..
عبد الرحمن: يا ولدي سيبهم يشوفو شغلهم.. البنية بجالها ياچي 3 ساعات الحنش جارصها و ماحدش حاسس بيها.. اكيد هاياخدو وجت يعني في العلاچ.
هنية: أهدى يا حبيبي اكده و ادعي لها ربنا ينچيها..
هدى(بدموع و بكاء): انا خايفة عليها اوي يا عاصم.. انا مش هقدر اخسرها هي كمان... دة انا مابقاش ليا أصحاب غيرها..
اقترب منها عاصم و جلس بجانبها بتعب و احتضنها و ظل يهدهدها لتهدأ..
عاصم: ماتخافيش يا هدى.. هاتبقى كويسة... ادعي لها انتي بس عشان ربنا ينجيها.
زاد انتظارهم جميعاً لمدة تزيد عن الثلاث ساعات حتى خرج أحد الأطباء من الغرفة و قد كان التعب و الإرهاق جلياً على وجهه.. فركضوا جميعا نحوه يسألونه بصوت واحد بلهفة و قلق...
الجميع: طمنا يا دكتور.. عاملة ايه دلوقت..
عبد الرحمن(صرخ بهم ليصمتو جميعاً): بس اكتمو كلكم.. ماعايزش اسمع حس حد فيكم.
عاصم: طمنا يا دكتور.. سارة عاملة ايه..
الطبيب(بعملية): اطمنو يا جماعة.. الآنسة سارة كويسة.. الحمد لله بقت كويسة..
هدى: طيب هو ايه اللي كان حصلها اصلا؟
الطبيب: زي ما عاصم بيه قال لما جابها.. قرصة تعبان.. سام لكن مش مميت الحمد لله.. المشكلة أنها اتأخرت لما جاتلنا حوالي 3 ساعات.. و هو دة اللي عمل لها الزرقان اللي كان في رجلها و الورم..
و دة طبعا اللي اتسبب في أن حرارتها ترتفع بالشكل دة.. بس مع العلاج هاتبقى كويسة..
عاصم: طيب عايزين نشوفوها.
هدى: ايوة عايزين نطمن عليها.. أنا لازم اشوفها.
الطبيب(بعملية): حاضر بس هي لسة في العناية و هاتفضل فيها كام ساعة و بعدين ننقلها اوضة عادية ساعتها تقدروا تتطمنو عليها و تقعدو معاها زي ما انتو عايزين.. بعد اذنكم.. هاروح اشوف التحاليل و الفحوصات اللي كنت عملتها لها.
تركهم في حالة صمت و قلق و ذهب ليتابع عمله.. جلست هدى تبكي في حضن والدتها خوفاً على صديقتها الجديدة و الوحيدة.. و بجانبهم الحاج عبد الرحمن يتمتم بالادعية حتى يشفيها الله.
اما عاصم فلكم أن تتخيلوا ما كان حاله.. فقد كان يشعر بألم قاتل في قلبه.. و كأن أحدهم أخذ يطعنه بشكل متكرر بخنجر مسموم بسم تلك الحية التي لدغت حبيبته..
و حدث اخر شيئ كان ينتظره عاصم.. فبعد مدة وجيزة رن هاتف عاصم ليجده آسر شقيقها.. فنظر لهم متسائلاً...
عاصم: ده آسر اخو سارة.. اجوله ايه؟؟
هدى(بدموع): اكيد كلمها زي عادته كل يوم و لما ماردتش اتصل بيك.
هنية: اوعى تجوله حاچة يا عاصم.. الراچل يا نضري شغال في اخر الدنيا.. حرام تجلجه عليها و بينه و بينها سفر ياچي 12 ساعة..
عبد الرحمن: عاتجولي ايه انتي.. دي أخته شَجيجته.. لازمن يعرف..
هنية: لا مالزمش.. حوله اي حاچة بس بلاش تجلجه.
عاصم: يعني اجوله إيه يعني.
هنية(بتفكير): جوله.. جوله أن تلفونها اتسرج و انت برة البيت و لما تفوج هي تبقى تكلمه و تطمنه على نفسها بروحها.
عبد الرحمن: لا يا ام عاصم مايصحش.. يعني لو بعد الشر حد من عيالنا هو اللي عيان مش المفروض نعرفو ولا نفضلو ماخابرينش حاجة.
(لعاصم) رد عليه يا عاصم و جوله على اللي حُصل و طمنه على أخته.. ماتسيبش الراچل جلجان أكده.. دي أخته وحيدته برضك.
تنهد عاصم بما يجيش بصدره و ابتعد عنهم قليلاً و أخذ نفساً عميقاً و رد على آسر...
عاصم: الو..
آسر: الو مساء الخير يا استاذ عاصم.. معلش لو ازعجتك..
عاصم: لا.. لا مافيش إزعاج ولا حاجة.. انت عامل ايه يا باشمهندس.
آسر: انا الحمد لله بخير.. معلش كنت عايز اسألك على حاجة و اسف لو بزعجك.
عاصم(و هو يعلم طلبه و سؤالها جيدا): لا لا مافيش إزعاج ولا حاچة.. خير يا آسر؟
آسر: لا خير ان شاء الله.. انا بس أصلي بتصل بسارة من الصبح و هي مش بترد.. قلت يمكن تليفونها بايظ أو نسيته في الكراڤان ولا حاجة.. ممكن بس تبلغها تكلمني.
لم يرد عاصم من هول توتره و قلقه من رد فعل آسر.. و عندما طال صمته دب قلب آسر بالقلق على شقيقته.. فسأله بقلق..
آسر: استاذ عاصم.. انت معايا؟
عاصم(عاد لوعيه): معاك.. معاك يا آسر.
آسر: هي سارة كويسة؟؟ انا قلبي حاسس ان فيها حاجة.
عاصم: لا ماتقلقش.. هي.. هي كويسة... آسر انا كنت عايز اقولك حاجة بس ارجوك مش عايزك تقلق..
آسر(هب واقفاً من فوق كرسيه بفزع): فيه ايه.. سارة فيها ايه؟؟ اختي مالها يا عاصم.
عاصم: اختك كويس.. والله العظيم كويسة..
آسر: امال في ايه؟؟!!
عاصم: هي بس تعبانة شوية و احنا جبناها المستشفى.
آسر: انت بتقول ايه؟؟ مستشفى ايه.. و منين كويسة و منين وديتوها مستشفى.. اختي مالها يا عاصم؟
عاصم: هي بس تعبت شوية و كان مغمى عليها فجيبناها المستشفى بس الدكتور أكد لنا أنها كويسة.. ماتخافش.
آسر(بغضب و صوت منفعل): ماخافش ازاي.. ازاي.. اختى أغمى عليها و دخلت المستشفى و من كلامك أنها تعبانة اوي لأنها اكيد لسة محجوزة في المستشفى و ماروحتش البيت..
لأنها لو كويسة كان زمانها روحت أو على الأقل ردت عليا.. و بعدين هي دي وصيتي ليك يا علصم.. انا اخدت تليفونك و اديتك نمرتي عشان تطمني على اختي مش عشان تدخل المستشفى و انت حتى ماتكلفش نفسك انك تبلغني.. اختى مالها يا عاصم؟
عاصم(انهد بحزن و خزي): قرصها تعبان..
آسر: ايه.. تعبان.. ازاي؟يعني إيه قرصها تعبان؟
عاصم: ماعرفش لسة.. بس هو دة اللي حصل..
آسر: انا جاي حالاً.
اغلق الهاتف في وجهه دون مقدمات و دون ان ينتظر رده.. و انطلق ليتجه إلى سوهاج حيث مكان شقيقته..
اما عاصم فقام بالإتصال بشيخ الغفر الموجودين بالسرايا...
عاصم: ايوة يا حسان.. اسمعني زين و تنفذ الحديت اللي عاجوله بالحرف.. مفهوم..
حسان: أوامرك يا سي عاصم.
عاصم: تروح تجيب رفاعي من أي حتة و تدخلو العربية بتاعة الست سارة و تخليه يطلع الحنش اللي عضها.. جتته تكون عندك جبل ما اعاود السرايا.. مفهوم..
حسان(بطاعة): مفهوم يا بيه.
عاصم: و تجوله كمان عاصم بيه عايز يعرف الحنش ده دخل العربية كيف؟؟ فاهم.
حسان: حاضر يا سي عاصم.. حالاً اها...
اغلق عاصم هاتفه ثم اتجه ليقف معهم مرة أخرى مرت ساعتين أخرتين حتى آتاهم الطبيب بوجه مبتسم فتأهبوا جميعاً و هو يقترب منهم..
الطبيب: مساء الخير يا جماعة.
عبد الرحمن: يسعد مساك يا ضاكتور.. في چديد؟
الطبيب: أن شاء الله.
عاصم: طمنا يا دكتور الله يرضى عنيك.
الطبيب: لا الحمد الآنسة سارة عدت مرحلة الخطر و بقت احسن كتير..
هنية: صُح بجت زينة؟؟
الطبيب: ايوة يا حاجة الحمد لله.. حرارتها نزلت و الخطر زال.. و آثار السم كمان قريب اوي هاتكون راحت خالص.. و نقلناها اوضة عادية..
و قبل ما حد يسألني.. ايوة تقدروا تشوفوها بس 10 دقايق مش اكتر لأنها لسة نايمة و محتاجة راحة.. عن اذنكم و الف حمد الله علي سلامتها.
تركهم و ذهب ليباشر عمله.. و اتجهوا هم إليها بسرعة كي يطمئنوا عليها..
دخلوا إلى غرفتها فوجدوها نائمة و جسدها معلق ببعض المحاليل المغذية و التي تمدها بالغذاء و الدواء الذي يساعداها على أن تعود مرة أخرى للحياة.
اقتربت هنية و هدى من فراشها حتى يطمئنا عليها عن قرب.. و وقف عاصم و والده عند نهاية الفراش بأسف على حالها..
كان الجميع حزين و خائف عليها.. و أكثرهم كان عاصم.. فقد كان يمسك بحديد الفراش يكاد أن يعتصره بقبضته حتى يمنع نفسه بصعوبة عن الركض نحوها و احتضانها بشدة حتى و هي غائبة عن الوعي.
فمهما صور له الطبيب حالتها الصعبة لم يتصورها بذلك الضعف و الوهن..
اطمئنوا عليها جميعاً ثم...
عبد الرحمن: طيب و احنا هانعملو ايه دلوجت... هانسيبها لوحدها ولا ايه؟
هدى(ببكتء و حزن على صديقتها): لا طبعا انا مش هاسيبها الا لما تبقى كويسة و ترجع معايا كمان.
عاصم(بمسايسة): لا يا هدى لا يا حبيبتي.. انتي لازم تروحي.. انتي ماخدتيش علاجك النهاردة... ولا كلتي حاجة حتى من ساعة الفطور اللي ماكلمتيهوش ده..
و هي اصلا نايمة مش حاسة بحاجة... و الدكتور طمنا عليها و قال إنها مش هاتصحى قبل بكرة الصبح.. يبقى قاعدتك هنا مالهاش لازمة.
هدى(بإصرار و دموع): لا.. برضو مش هاسيبها.. هافضل معاها لحد ما تفوق و تكلمني و تروح معايا كمان.
هنية(بتعقل و حنان): يعني و هي لما تفوج و تلاجيكي جاعدة چنبيها و مابتسمعيش الكلام و حتى الدوا ماعيزاش تاخديه.. مش هاتزعل منيكي..
و بعدين مين جالك ان احنا هانسيبوها وحديها.. اني هافضل چنبيها لحد ما تقوم بالسلامة.
هدى: بس..
عاصم(سريعاً حتى تقتنع): مابسش يا هدى.. روحي انتي و ابوي و اني هافضل معاها اني و امي لحد الصبح.. و انتي تعالي لها الصبح تاني و ان شاء الله تلاقيها فاقت كمان.. حتى تچيبيلها هدوم عشان تغير خلاجتها..
استسلمت هدى لإصرار الجميع على راحتها و ذهابها إلى المنزل تحت رغبة الجميع.. فذهبت هي و والدها و تركت والدتها و عاصم مع سارة..
كان عاصم يجلس على كرسي بعيداً قليلاً عن فراشها يتأمل حالها بهدوء و قلق لاحظته هنية بسهولة.. و قبل الفجر بقليل تركته والدته و دخلت إلى المرحاض..
ظل يتأملها لعدة دقائق حتى قاطعه رنين هاتفه برقم آسر الذي كان قد وصل لمطار المدينة لأنه لم يقدر أن ينتظر القطار و ساعات السفر الطويلة فيه..
آسر: ايوة يا عاصم.. انا وصلت مطار سوهاج..
عاصم: حمد الله على السلامة.
آسر: سارة عاملة ايه دلوقتي؟
عاصم: الدكتور طمنا عليها و قال إنها خلاص عدت مرحلة الخطر خلاص..
آسر: الحمد لله.. اديني عنوان المستشفى بقى بسرعة.
أرسل له عاصم العنوان.. ثم عاد يتأملها مرة أخرى لعدة ثوانِ قبل أن يقوم و يجلس على الكرسي الذي كانت تجلس عليه والدته بجوارها بهدوء و بطء مدمر لما تبقى من أعصابه.. امسك بكف يدها و هنا فقط تحررت تلك الدمعة التي كانت تتمسك بها عينه حتى لا تسقط و تفضحه..
عاصم: سارة.. انتي كويسة يا حبيبتي؟؟!! ماتستغربيش اوي كدة.. ايوة حبيبتي و روحي و نور عيني كمان.. مش كفاية نوم لحد كدة..(بنبرة مرحة بين حشرجة صوته) ايه بقالك سنة مانمتيش.. نايمة بقالك يجي 24 ساعة اهو..
و بعدين انتي ازاي ماتقفليش الشباك كويس و تخلي التعبان يدخل لك الكراڤان و يعمل عملته السودة دي..؟
طبعا بتسألي نفسك انا عرفت منين.. من الرفاعي اللي جيبته عشان يطلع التعبان من الكراڤان هو اللي قال إن التعبان دخل من الشباك..
بس ماتخافيش.. التعبان ماكنش خرج تاني.. و حسان جابه و موته.. اه طبعا موته.. هو انا كنت ممكن اسيبه عايش بعد ما عمل فيكي كدة.. بعد ما خلع قلبي عليكي كدة..
( ثم أكمل بنبرة حزينة تسببت في حشرجة صوته)سارة.. ماتسيبينيش.. قومي.. انا اللي اعرفه عنك انك قوية.. حاربي.. حاربي و اجمدي و خليكي قوية زي ما انا متعود عليكي..
عشان خاطري ماتسيبينيش.. ارجعيلي بسرعة.. مش هقدر اعيش لو جرالك حاجة.. عشان خاطري يا سارة فوقي ..
فوقي و ارجعي اتخانقي معايا على علاج هدى.. و ازعلي مني و اصالحك..
فوقي عشان ابويا مارضيش يحط لقمه في بقه النهاردة و انتي مش هاتاكلي معاه..
حتى هدى ماكنتش راضية تروح من غيرك.. ولا كانت عايزة تاكل ولا تشرب ولا حتى تاخد علاجها لحد ما تفوقي..
حتى امي كانت هاتموت من الخوف عليكي.. والله كانت حالتها زي حالتها ساعة حادثة هدى اللي هي بنتها بالظبط.
انا كمان يا سارة.. حالتي حالة من ساعة اللي حصل.. خوفي عليكي عمري ما حسيته قبل كدة.. ارجعيلي يا سارة عشان خاطري.. انا كمان مش عارف اتلم على نفسي من ساعتها..
ارجعيلي يا سارة.. فوقي و ارجعيلنا كلنا..
أنهى حديثه و أسند رأسه على الفراش بجانبها و مازال ممسكاً بيدها.. ظن أن والدته لازالت في المرحاض و لكنها كانت خرجت و استمعت لحديثه كله.. لم يشعر بها إلى أن لمسته بكفها الحنون الذي ربت على رأسه بعطف..
فنظر إليها و وقف ليواجه نظراتها التي تنم عن اندهاش شديد و يستمع إلى سؤالها الوحيد..
هنية(بدهشة): عاتحبها يا عاصم؟؟
عاصم: امي..؟؟ انا...
هنية: عاتحبها يا ولدي؟؟
لم ينطق بل هز رأسه إيجابا و ارتمى بحضن والدته التي استقبلته بكل حنان و هو يقول بكل حنين...
عاصم: بحبها ياما.. بحبها و جلبي عايتخلع عليها..
هنية(بحنان): هاتبجى زينة يا ولدي.. ماتخافش هاتبقى زينة..
انقضت تلك الليلة العصيبة على الجميع في انتظار سارة لتفيق... و على رأسهم بالطبع عاصم الذي لم تغمض عينه لساعة واحدة..
و في الصباح الباكر استيقظ عاصم بفزع من غفوته التي لم تتعدي النصف ساعة على آسر و هو يقتحم الغرفة و يركض نحو الفراش الذي تقبع عليه شقيقته..
آسر(بخوف): سارة.. سارة حبيبتي.. مالك فيكي ايه.. ردي عليا يا قلبي مالك (ثم نظر لعاصم و والدته) مالها اختي؟؟ اختي مالها حد يرد عليا؟؟
هنية: ماتخافش يا ولدي.. هي بجت زينة و جربت تفوج.. الدكتور زمانته جاي عشان يطمنا عليها.. اطمن.
آسر (وقف ليواجه عاصم وجهاً لوجه حتى لا يتهرب منه): خليك صريح معايا و قولي اختي فيها ايه.. مالها سارة؟
عاصم(بتفهم لحالته و قلقه على شقيقته): كيف ما جولتلك امبارح.. جرصها تعبان.. الدكتور جال أنه ماكنش سام اوي.. يعني مش مميت.. و انى اتوكدت من أكده بنفسي..
آسر: و اتأكدت ازاي؟؟
عاصم: كلفت الغفر يجيبو رفاعي و يطلعو التعبان و جتلوه.. و طلع فعلا مش سام.
آسر(بتعجب): رفاعي يعني ايه؟
عاصم: رفاعي اللي هو بيعرف يتعامل مع التعابين و يوصل لهم بسهولة..
دخلت هدى بصحبة والدها و قطعا حديثهم.. و اتجهت فورا إلى فراش سارة...
عبد الرحمن: إصباح الخير يا چماعة.. ايه ده آسر انت چيت.. حمد الله علي السلامة يا ولدي.
آسر: الله يسلمك يا حاج عبد الرحمن.
هدى(بقلق): ايه يا جماعة هي لسة ما صحيتش؟
عاصم: انا هاروح انادي ع الدكتور.
تركهم و ذهب ثم عاد مع الطبيب..
الطبيب(بعد الفحص): لا عال عال.. كله تمام..
آسر: يعني هي خلاص بقت كويسة؟
الطبيب: اه بقت كويسة خالص.. و هانطمن اكتر بعد ما نعملها شوية تحاليل كمان بكرة الصبح عشان نعرف تأثير العلاج وصل لفين.
هدى: طيب هي مافاقتش ليه لحد دلوقتي؟؟ دي بقالها يوم كامل غايية عننا.
الطبيب: لا دي مسألة وقت بس.. كلها ساعة بالكتير و تفوق و لو مافقتش انا هاجي افوقها.. عن اذنكم.
ظلو ينتظرون استيقاظها بفارغ الصبر و كان أسر يجلس بجانبها و يحتضنها و يحادثها و ينتظرها تفيق..
و بعد قليل من الوقت تململت سارة في نومها فتأهب الجميع لها و كان اقربهم لها آسر..
سارة: اممممم.. اااااه.
آسر: سارة.. سارة حبيبتي.. انتي سمعاني.. سارة ردي عليا يا قلبي.
سارة(بصوت واهن): ميه.. عطشانة.
هدى: حاضر يا حبيبتي.. اديها مية يا ماما.
هنية: حاضر.
عاصم(و هو يضرب جرس الاستدعاء): لا استني.. انى هنادي ع الدكتور الاول.
الطبيب(بعد أن فحصها): عال عال.. دة احنا بقينا تمام خالص.
هنية: صُح يا ضاكتور.. يعني هي بقت زينة دلوجت؟
الطبيب: ايوة يا حاجة.. بقت زينة و زي الفل كمان..
سارة(بوهن و ضعف): ميه.. اشرب... ميه.
عاصم: طيب ينفع تشرب..؟؟ من ساعة ما صحيت و هي عايزة تشرب.. قولت أسألك الاول.
الطبيب: اه طبعا عادي تشرب و لو جعانة كمان ممكن تاكل عادي جدا.
آسر: طيب هي ممكن تخرج امتى..
الطبيب: مش قبل بكرة الصبح.. عبال ما نطمن على التحاليل و حالتها تستقر.
تركهم معها و ظل الجميع بجانبها طوال اليوم.. كانت تفيق و تنام حتى استقرت حالتها في أول الليل و بدأت تفيق و تتحدث معهم بوعي أكثر...
آسر: كدة يا سارة.. كدة تخضيني عليكي بالمنظر دة..
سارة: حقك عليا يا حبيبي... صدقني مش قصدي اكيد.. ماتزعلش مني.
عاصم: هو الحقيقة اللي المفروض يزعل هو احنا.. يعني مش معقول ماحستيش بقرصة التعبان.. ازاي ماتتصليش بحد فينا.
عبد الرحمن: صحيح.. ازاي ماتصلتيش بهدى ولا بعاصم ولا بيا انى حتى.
سارة: صدقوني انا مش عارفة اصلا ايه اللي حصل؟ انا كنت نايمة عادي جدا و صحيت فجأة على ألم بشع في رجلي.. حاولت اتجاهله بس ماعرفتش... ماقدرتش.
افتكرتها قرصة ناموسة من ناموس الصعيد اللي ماجربتهاش قبل كدة بس تقيلة شوية فقلت اجيب تلج و احطه عليها و فعلا حسيت إن الألم قل شوية.. فردت جسمي عشان انام.. ماحستيش بأي حاجة بقى غير لما صحيت هنا.. بس.
هنية: يا كبدي يا بنتي... كل دة كان فيكي و احنا ولا دريانين..
سارة: يعني كنتو هاتحسو بيا ازاي بس يا ماما هنية.. الحمد لله على كل شيء.. حصل خير.
انتهت زيارتهم بخير و اتجه عبد الرحمن و هنية و هدى إلى المنزل بعد أن أصر آسر على ذلك.. فهو معتاد على مرافقة شقيقته بالمشفى منذ وقت الحادث.. أما عاصم فلم يقدر ان يترك المشفى و يترك قلبه معها.. فظل معهما بحجة أن آسر غريب و ضيف في بلدتهم و يجب على عاصم ان يرافقه حتى يساعدها إن إحتاج لشئ.
و بالطبع لم يكن هذا هو السبب الحقيقي.. فهو لم ليكن يستطع أن يعود للمنزل بدونها..
انقضت أيامهم في المشفى و خرجت سارة إلى سرايا عبد الرحمن مرة أخرى بصعوبة.. فقد كان آسر مصرا على أخذ شقيقته و الرحيل من هذا المنزل و لكنها استطاعت أن تقنعه بضرورة وجودها و عدم رحيلها الآن..
الف سلامة يا سارة يارب عبير و انتي لا
بس ياترى اللي حصل دة هايخلي عاصم يعيد حساباته ولا مش هايفرق معاه..
و رد فعل آسر اللي مصمم انه ياخد اخته معاه ياترى هو صح ولا غلط..
و لو اخدها معاه حكايتنا هاتكمل ازاي .