رواية بغرامها متيم الفصل العاشر 10 بقلم فاطيما يوسف
وصلت إلى شقته ثم دقت على الباب دقات هادئة وانتظرت حتى فتحت لها سكون الباب والذي ما إن رأتها حتى شعرت الارتياب والخوف لأول مرة وهوى قلبها بين قدميها ثم أشارت بيديها إليها أن تدلف بلسان يرجف :
+
ــ اتفضلي ياماما الحاجة دي احنا زارنا النور .
+
خطت زينب إلى الداخل بأقدام واثقة ثم ربات على ظهر سكون:
+
ــ تعيشي يابت الأصول يامرت الغالي .
+
أشارت إليها سكون أن تجلس بترحاب :
+
ــ ارتاحي هنا يا ماما هتلاقي رجلك وجعتك من السلم.
+
جلست زينب على الأريكة ثم نظرت أمامها وجدت المسلسل التي كانت تشاهده معروضا علي شاشة التلفاز فسألتها وكأنها لم تكن تعرف :
+
ــ ايه ده هو انتي بتتفرجي على متولى وعيلته والله كنت بتفرج عليه تحت ؟
+
ابتسمت سكون وهي توجه أنظارها لشاشة الهاتف :
+
ــ اه أصل أني بحبه قوووي وبالنسبة لي المسلسل المفضل هو و عبدالغفور البرعي بعشقهم قووي وأكيد إنتي كمان .
+
حركت رأسها للأمام بابتسامة عريضة:
+
ــ قوووي بحس فيهم ريحة ايام زمان لما كنت عيلة صغيرة بضافير بس وقتها لما كان بيتعرض ليه ذكرى وحشة معاي ابوي خلاني خدت الاعدادية ومرضيش يخليني أكمَل .
+
ربتت سكون على ظهرها بحنو وهي تردد بفخر لها :
+
ــ بس والله ياماما الحاجة عقلك ماشاء الله كبير وحكيمة جدااا وبتوزني الأمور بميزان العقل أحسن من اللي معاهم شهادات وعلام عالي .
+
أحست زينب بالفخر من كلمات سكون ثم شكرتها بامتنان وأن رأيها عنها في ذاك الوقت أتى بموعده :
+
ــ منحرمش من لسانك الزين يابتي ، طمنيني عنك كيفك وصحتك عاملة ايه دلوك ؟
+
تحمحمت سكون من استفسارها عن صحتها ثم أجابتها باختصار:
+
ــ اممم .. زينة الحمد لله ،
+
ثم غيرت مجرى الحديث سريعاً وانتصبت واقفة وهي تسألها :
+
ــ تحبي تشربي ايه ولا أعمل لك قهوة باللبن معاي ؟
+
تحدثت زينب بمغزى :
+
ــ يستاهل الحمد يا غالية ، ماشي هشرب قهوة معاكي بس سكر بسيط علشان البتاع دي اللي اسمه الرجيم اللي هعمله مينفعش معاه سكر كَتير .
+
ارتسمت على شفتاي سكون ابتسامة هادئة ثم رددت بطاعة مصاحبة للدعابة:
+
ــ عاش ياحاجة زينب عِندك إرادة قمرر ، هدخل اعملها بقى بسرعة وجيالك .
+
دلفت سكون الى المطبخ بينما تابعت هي المسلسل بتيهة وهي تفرك مكانها ولا تعرف كيف البدأ معها في الحديث ، جال عقلها كثيراً وكثيراً وكل الطرق تؤدي إلى الطريق المباشر في الاستفسار ، ظلت الأفكار والسنريوهات تتهافت على مخيلتها حتى أرهقتها ولكن صممت على ان تطمئن على ولدها فداخلها يتآكل يرتعب عليه ولم يشعر أحداً بتآكلها ، بالتأكيد هي مؤمنة بإرادة الله ولكن رب العباد بذاته وهبنا من الحلول كثيراً فماذا عن عدله أننكره ! ماذا عن عطاؤه لعباده في حل معضلاتهم أنرميها عرض ظهورنا ولم نضعها كحل منصف يرضي نفوسنا جميعاً !
+
أما عند سكون في المطبخ كانت تقف بأقدام واهية تكاد تكون كالهلام على الأرض من شدة خوفها من استفسار زينب فقد قرأت بعينيها الإصرار ومن نبرتها التغير ومن كلامها أنها ستستفرد بها الآن ويبدوا أن معركتها معها أشد من معركة صلاح الدين الأيوبي قاهر الصلبيين بذاتها ، معركة حياتها ، عشقها الوحيد ، غرامها المتيمة به ، لا هي قادرة على الفراق ولا قادرة على أن تشاركها فيه غيرها ،
+
نظرت إلى السماء وهي تقلب الإناء الموضوع على النـ.ـار بعقل غائب عنه وهي تناجى ربها بقلب يئن ألماً ورهبةً شديدة :
+
ــ قل لي ربي ماذا انا بفاعلة بأمري مالي بغيرك راجية وأتمنى الحصاد بعد سنوات العجاف ؟
ما لي غيرك أشكو وأدعوا وأطلب وأبتهل في دعائي كي تجبرني فانا غير قادرة على الفراق ،
فاللهم يا مسهل الشديد ويا ملين الحديد ويا منجز الوعيد ويا من هو كل يوم فى أمر جديد أخرجني من حلق الضيق الى أوسع الطريق فبك أدفع ما لا أطيق
+
تلك الابتهالات التي نادت بها ربها المنصف لها دائماً ولم يتركها فدوما يرعاها ولم تيأس أبداً ،
فاقت من شرودها على صوت قدح القهوة فحملت الإناء سريعاً قبل أن يفسد صنعها وصبته في الأكواب المخصصة له وقبل أن تخرج أمسكت بالوعاء الذي يحمل الأكواب بإحدى يديها ثم وضعت يدها الأخرى على صدرها في حركة عفوية منها تحاول بها تهدئة صدرها المولَع بالخوف من هدم أمانها ،
+
استطاعت بقدر الإمكان كبت خوفها داخلها ثم خطت بساقيها المرتعشتين إلي الخارج حتى وصلت إليها وهي جاهدة في رسم البسمة على شفاها ، ناولتها الكوب بتأدب مصاحب للذوق الرفيع التي تربت عليه ويليق بخلقها :
+
ــ اتفضلي ياماما دوقي عمايل ايديا هتعجبك قووي وهتظبط لك دماغك .
+
تناولت الكوب منها ثم ارتشفت منه بتلذذ لصنيعها وشكرتها بامتنان :
+
ــ تسلم عمايل يدك يابتي زينة ومظبوطة زي ما قال الكتاب ،
+
واسترسلت حديثها وهي تتحدث عن رحمة ابنتها بسخرية:
+
ــ مش شكل اللي كانت رحمة اللي تنزغد عاملاها لي من يومين كانت شبه وشها العكر .
+