اخر الروايات

رواية يناديها عائش كاملة وحصرية بقلم نرمينا راضي

رواية يناديها عائش كاملة وحصرية بقلم نرمينا راضي




أشـد الذنوب ما استخف به صاحبه 
(علي ابن أبي طالب) 

11


*********
في إحدى محافظات مصر تحديدًا محافظة الدقهلية، فى حارة ريفية تابعة لمدينة المنصورة 
يغلب عليها مظهر الريف الأصيل، سُميت بحارة "السلام" حيث يوجد هناك على مسافة ليست ببعيدة عن البيوت بحيرة صغيرة، تجمع حولها الصبية يلعبون و يمرحون عند العصر أو بعد قدومهم من المدرسة، و تتميز تلك الحارة بهوائها النقي و الهدوء الذي يجعل أهلها يشعرون بالسكينة و الارتياح. 

+


ها هي شمس الصباح الساطعة تشرق على أرجاء الحارة تبعث فيها النشاط و الحركة، يتبعها صوت تغريد البلابل و زقزقة العصافير لينهض الجميع، منهم من يذهبون لعملهم في المصالح الحكومية، ومنهم المزارعون يسحبون المواشي لأراضيهم، ومنهم الطلاب الذين يتقابلون كل صباح للذهاب سويًا للمدرسة أو الجامعة. 

+


يوجد بيت من بيوت الحارة مكون من طابقين، وحوله سور صغير يتوسطه بوابة حديدية، و بغرفة من غرفه  تقف فتاة في نهاية العقد الثاني من عمرها قُرب نافذة شُرفتها تشرب كوب من القهوة و هي تُناظر المارة. 

+


لحظات و بدأت أشعة الشمس الذهبية تخترق غرفتها، مما أزعجها ذلك فدلفت للداخل بعد أن اغلقت النافذة، و شرعت في ارتداء ملابس الخروج استعدادًا للذهاب للجامعة. 

+


اتجهت لتقف أمام المرآة تمشط شعرها الغجري أولًا، حررته فوصل لبعد خصرها بقليل مما جعلها تبتسم برّضا وفخر بطوله و كثافته، لطالما أحبت الاعتناء بنفسها و جسدها خاصة شعرها الذي إذا رآه أي أحد من العائلة ردد 
" بسم الله ماشاء الله " والحقيقة لم تكن تلك الجميلة و حدها من تمتلك شعر بهذا الروعة، يوجد شخص آخر في العائلة يحسده الكبير و الصغير على شعره.. إنه "بـدر"  أو كما يلقبونه "بدر الشباب" ليس لأنه أوسم شباب الحارة، بل لتواضعه و احترامه مع الجميع، حتى إنه محبوب من الأطفال لرفقته بهم. 

4


انتهت من تمشيط شعرها، و بدأت في ارتداء ملابسها الغير محتشمة بالمرة، ملابس ضيقة و كاشفة تتكون من بلوزة و بنطال چينز، حتى أن البنطال كشف عن جزء من أسفل قدميها فزينته "بالخلخال" 

+


قبل أن تضع وشاح الرأس بدأت بتزيين وجهها بمساحيق التجميل، لم تكن تلك الفاتنة بحاجة لتلك المساحيق، لقد أنعم الله عليها بملامح شديدة الرقة تأسر قلب كل من رآها.. 
فهي بيضاء البشرة قليلًا، ذات وجه دائري بخدود ممتلئة نسبيًا و عينان واسعتين بأهداب سوداء كثيفة كعينان الغزال، وأنف صغير مع ارتفاع بسيط في مقدمته مما يوحي بالكبرياء، و أيضًا التناسق الملحوظ في شفتاها المكتنزه..
بسبب معالم وجهها الرائع، لقبها أهل الحارة  "بـ ست الحسن والجمال"
فتاة بمثل جمالها لا تحتاج سوى لواقي الشمس ليحافظ على بشرتها، ولكنها لم تشكر تلك النعمة بل قامت بتشويهها بالألوان الصناعية.. انتهت من تزيين ملامحها ثم وضعت الوشاح لتكشف عن نصف شعرها في مقدمة الرأس كما اعتادت، تظن أن ذلك يجعلها ملفتة لدرجة يتغزل الجميع في جمالها، هي حقًا تحب أن يمدحها كل من يرآها و يُثني على جاذبيتها و أناقتها، رغم أنها من عائلة متدينة و بنات اعمامها يلتزمون بالزي الشرعي لكنها لا تأبه لهم و تحب ما تفعله طالما أنها تظهر بشكل يرضيها. 

3
ي "عائشـة" الابنة الوحيدة لأصغر رجال " رشدي الخياط " و عمرها تسعة عشر عامًا، تدرس بكلية الهندسة في جامعة المنصورة. 

1


نظرت في ساعة هاتفها و لاحت على وجهها ابتسامة انتصار وهي تقول 

+


"كويس إني صحيت بدري.. الحق امشي بقى قبل ما الزفت" بدر" ده يشوفني و يقعد يحقق معايا لابسه كده ليه و عامله كده ليه و يقرفني عالصبح" 

2


ألقت نظرة أخيرة على نفسها في المرآة قائلة بنبرة واعدة، بعد أن نثرت عطرها المفضل بسخاء

+


--لازم أخلي أمير ما يبصش لغيري..و يبقى ليا أنا بس. 

3


دلفت عائشة لغرفة والدها طريح الفراش؛ بسبب مرض الفشل الكلوي الذي أُصيب به مؤخرًا، و بسبب الابتلاء بهذا المرض، تاب لربه توبة نصوحة من الذنوب و المعاصي التي ارتكبها في بداية حياته. 

+


لم تكن العلاقة وطيدة بين عائشة و والدها، لم يكن يعاملها بحنان وهي صغيرة كأي أب سوي يعامل اطفاله، فكبرت وصارت تعامله بجفاء و تهمله في أغلب الأوقات. 

+


بسطت عائشة كفها له بجرأة و وقاحة كما اعتادت في الحديث معه لتقول بعجرفة 

+


"كويس انك صاحي.. اديني مصروفي خليني امشي" 

+


تنفس والدها بصعوبة ليرد بابتسامة شاحبة 

+


"مش تقولي صباح الخير الأول  ؟" 

+


" و هيجي منين الخير.. العيشة معاكم و في الحارة دي سواد.. قولي الخير هيجي منين بقى  ؟ "

+


قالتها بنبرة ساخرة وهي تطالعه بوجه ممتقع، فتغاضى عما قالته، و اعطاها مصروفها اليومي ليقول باسمًا 

+


" خدي يا عائشة.. خلي بالك من نفسك و أول ما تخلصي محاضراتك تيجي على البيت علطول "

+


أخذت منه المال وهي تخرج متمتمة باستياء 

+


" أنا معرفش ايه اللي مصبرني على العيشة معاكم.. واحدة غيري كان زمانها هربت من زمان "

+


" صليتي يا عائشة  ؟ "

+


استوقفها ذلك السؤال من والدها قبل أن تخرج من الغرفة، فاستدارت لتجيب بفتور

+


" ايوه صليت.. في حاجة تاني؟.. ممكن اتنيل امشي بقى  ؟  "

+


تجاهل كلامها، ليعلق بنظرة استنكار وهو يطالع ملابسها الغير محتشمة بحزن  

+


"يعني وقفتي قدام ربنا بلبس واسع..ولما جيتي تخرجي لبستي اللبس المحزق ده..ده على أساس إن ربنا مش بيشوفك غير وقت الصلاة بس !!" 

+


هتفت بحُنق وهي تترك الغرفة 

+


" مش هلاقيها منك ومن ابن اخوك الميكانيكي ده كمان.. حياتي و أنا حرة فيها.. ياريت كل واحد يخليه في حاله  "

+


خرجت عائشة متأففة بضجر، و هي تتمتم 

+


-- أُف..مش هخلص أنا من موال كل يوم ده..عاملين فيها شيوخ.. ما يحاسبوا نفسهم الأول.. حاجة تقرف بجد  "

+



        
          

                
أما بداخل غرفة محمود، تناول الدواء على مضض و كوب الماء يرتعش في يديه؛ إثر حزنه الشديد على ابنته الوحيدة التي أهمل تربيتها و تغافل عن رعايتها، فأصبحت بذلك السوء.
مسح دمعة فرت هاربه من مُقلتيه، وهو يتذكر اليوم الذي علم فيه بأن زوجته حامل، فكان ذلك نذير شؤم عليه، لم يُرد تلك الفتاة اطلاقًا لم يُحبها ولم يوافيها حقها في الرعاية، وعندما كبرت قليلًا و توفت زوجته شعر بأنه أخطأ في حق ابنته، هي ليس لها أي ذنب فيما حدث، أراد التقرب منها لجعلها تحبه، ولكنه فوجئ بمعاملتها الجافة له، و كأن الأيام تذيقه من نفس الكأس الذي شربت منه عائشة، هو الآن تاب عن كل شيء و أصبح يحب ابنته حقًا ويريد سعادتها بأي شكل، لماذا لا تفتح له قلبها، و تبدأ معه من جديد  ؟
إلى متى ستظل ابنته تعامله بذلك الجفاء  ؟ 

6


أردف قائلا بصوت متهدج 
"يارب هي طيبة ومش فاهمة حاجة في الدنيا..يارب متسيبهاش و اصلح حالها.. يارب أنا مليش غيرها.. متوجعش قلبي عليها" 

+


------------------

+


بعد أن استطاعت عائشة الفرار من البيت قبل أن يراها " بدر" و يُعلق على ملابسها، ركبت تلك السيارة البيضاء التي كانت تنتظرها عند أول مدخل لحارة "السلام" 

+


التفتت للشاب الذي يترأس مقعد القيادة، و ابتسمت برقة متسائلة 

+


" ايه رأيك في الطقم ده يا أميري  ؟ "

+


تصلبت نظراته الوقحة عليها، ليقول بابتسامة صفراء وهو يفترس جسدها 

1


" أي حاجة بتلبسيها بتليق عليكِ.. هو أنتِ مش عارفة قيمة نفسك و لا ايه.. ده أنتِ أجمل بنت في الجامعة "

+


اتسعت ابتسامتها عندما أثنى على جمالها، فهي تحب أن يقال لها ذلك باستمرار.. ما هي إلا ثوانِ و تحولت نظراته الخبيثة للرغبة، وهو لا زال يتفحص جسدها بقلة حياء، و قبل أن يقترب منها، استشعرت هي ذلك فدفعته بغضب قائلة

+


" أمير..لو سمحت مينفعش كده..إحنا متفقين تيجي تخطبني الأول.. حصل  ؟  "

+


صمت أمير وهو يشيح ببصره عنها و يتأفف بضجر و غيظ، وظل يتمتم ببعض الكلمات الغير مفهومة، كأنه يوبخ نفسه على عدم مقدرته النيل منها و افتراس جسدها كما يشاء، على عكس تلك الحمقـاء التي ظنت أنه يُحبها بصدق.

+


لحظات و ارتسمت على ملامحه الجذابة ابتسامة ماكرة، عندما لمعت برأسه تلك الفكرة الجحيمية، التي ستجعل الفرصة سانحة أمامه لفعل ما يريد بها، فهي في نظره ليست إلا فتاة ذات جسد جميل للمتعة و التسلية، مثلها كمثل السابقات اللواتي خرجن معه. 

+


قال بحزن مصطنع 

+


"يا شوشو أنتِ عارفه إني عاوز اتقدملك من زمان..بس نعمل ايه في ابن عمك الغتت ده بقى  !" 

+


عكر صفو مزاجها بذكر اسم ابن عمها، الذي تمقته كثيرًا، رغم أنها كانت تحبه وهي طفلة، و لكن تحكماته الشديدة بها جعلها تود قتله. 

+



        
          

                
هتفت بنبرة مغتاظة 

+


" ليك حق تقول عليه غتت..و أكتر من كده كمان..ده أنا مصدقت إن قمت بدري وطلعت من البيت قبل ما يجي يوصلني و يقعد يتريق على لبسي..عاملي فيها داعية "

+


رد أمير ضاحكًا بسخرية  

+


" أنا مش فاهم بصراحة ازاي مدخلين واحد بالمستوى الهابط ده بيتكم  !..ده لا معاه شهادة ولا حتى يشرف أي حد...آخره يصلح عربيات..ملهوش هو في التعامل مع بني آدمين ..ازاي قابلين تتعاملوا مع الكائن ده ؟  " 

1


مدت بصرها من النافذة و هي تزفر بضيق قائلة  

+


" بابا بيحبه أوي..بيقول إنه ابنه اللي مخلفهوش..وكل شوية يقولي إحنا لولا بدر كُنا زمانا عايشين لوحدنا من غير ما حد يسأل علينا.. و لولا بدر معرفش ايه..وكلام عبيط كده مخليني مش طيقاهم هما الاتنين  "

+


"متزعليش نفسك يا حبيبتي.. بكره اخلصك من الحارة دي باللي فيها" 

+


قالها بلهجة يشوبها الاستهزاء، و هو يُدير سيارته ليقتادها باتجاه جامعة الهندسة، فهو يدرس معها بنفس الكُلية و نفس السنة. 

+


---------------------------------

+


في نفس تلك الحارة، ولكن في آخر شوارعها تحديدًا عند ورشة البدر لتصليح السيارات.

+


يخرج شاب في بداية العقد الثالث من عمره، من أسفل السيارة بعد أن انتهى من تصليحها؛ ليضع أدوات الصيانة المعدنية في المعدات الخاصة بها، ثم وضع يده حول خصره و هو يلهث بصعوبة، بعد أن نجح أخيرًا في غضون حوالي ثلاث ساعات متواصلة لصيانة تلك السيارة باهظة الثمن. 

6


مسح حُبيبات العرق التي تجمعت فوق جبينه، ليتنهد ببطء وهو يُطالع صُنع يده باسمًا برّضا، ثم أخذ كوب الشاي بالنعناع خاصته، ليرتشف منه القليل باستمتاع، وهو لا زال يتأمل السيارة بفخر، تلك السيارة التي أخبره صاحبها أنه ذهب بها لأكثر من ميكانيكي ليُصلح أعطالها ولم ينجح أحد في اصلاحها، لقد كان العُطل مجهول في بادئ الأمر ولكن لحبه الشديد لعلم الميكانيكا استطاع بجهوده و ذكائه اصلاحها. 

+


رغم أنه لم يكمل دراسته ولم يحظى بفرصة دخول الجامعة مثل باقي أصدقائه ، إلا أنه ناضج فكريـًا و ثقافيـًا، بالإضافة للباقته في الحديث، و احترامه الشديد عند التعامل مع أي أحد، وتلك الصفات الجميلة به جعلت أهل الحارة يحبونه، ويتمنون لو أن بناتهم العزاب يحظون بزوج مثله. 

2


وهبه الله الملامح المصرية الأصيلة، كالجسد القوي مفتول العضلات نظرًا لعمله الشاق ليلًا و نهـارًا، فلم يكن هناك داعٍ للجوء لصالة الألعاب الرياضية كباقي الشباب. 

+


بالإضافة لطوله الذى تعدى المائة و تسعون سنتيمتر، و تطبيع الشمس على جسده، فأعطته بشره برونزية تميل للـسمار قليـلًا.
علاوةً على ذلك، امتلك هذا الأسمر الوسيم، شعر أسود طويل حريري يصل لأكتافه ، ولكنه أعطاه رونقـًا و جاذبية خاصة، الوحيد في الحارة الذي تناسب مع قسمات وجهه الشعر الطويل، أو لنقل أكثر ما يميز رجال عائلة الخياط
"شعرهم الطويل". 

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close