رواية يناديها عائش الفصل الثاني 2 بقلم نرمينا راضي
تضـرع في دُجـى الليـل إلى مـولاك يكفيـك، و لا تنسـى هجوم المـوت إن الموت يأتيك .
+
*******
+
صدحت بعض الآيات الكريمة من غرفة وردة العائلة " هاجـر" تملأ بيت محمد الخياط سكينة و اطمئنان، و تبث في الصدور انشراح و أمان، ولم يكن هذا الصوت الجميل ينبعث من تلفاز أو راديو، و إنما كان صوتها هيّ.. ورثت تلك الرقيقة جميلة الخصال صوت دافئ عذب من والدها الشيخ مُحمد الخياط رحمه الله، و الذي ورثه أيضًا أخيها "بدر الشباب"
+
كانت تتلو بعض من آيات سورة يوسف، أقرب السور و أحبها لقلبها؛ لما فيها من دروس و عبر كثيرة تجعل من يتدبرها جيدًا في قمة نضجه لمواجهة مصاعب الحياة، و هاجر تحب تلك السورة؛ لأنها تحثها على الايمان بحكمة الله تعالى والرضا والصبر على المحن؛ فبعدها تأتي المنح.
4
بينما تتلو الآيات تقوم بعمل هوايتها المفضلة، ألا و هي الرسم، حيث يجعلها في قمة سعادتها عندما تقوم بترجمة مشاعرها و ما يدور بداخلها للوحة فنية مبهرة، هذا الفن الراقي الذي يمثّل لغة بسيطة يفهمها الناس جميعًا.
+
لعلمها أن رسم الوجوه مُحرم ولا يصح، فقامت منذ خمس سنوات عندما علمت بذلك بتمزيق كل وجه رسمته سواء لحيوان أو إنسان، و اتجهت لمنعطف آخر بابداعها و براعتها نحو رسم لوحات لحدائق أو قرى أو مشتل ورود، تقوم بالابداع في رسم أي شيء غير الوجوه.
9
بموهبتها الرائعة تستنبط من مشاعرها ما يمكن تجسيده بالألوان والأشكال على اللوحة، و يساعدها الرسم على التقليل من الشعور بالتوتر إزاء معاناتها المرضية؛ فيبث فيها الراحة النفسية، و يخلصها من الضغوط و الحزن.
+
بعد أن انتهت من رسم لوحة خاصة بمشروع جامعتها البارحة، أخذت تبدع في واحدة أخرى لتعلقها على جدران عش الزوجية عندما ستتزوج من حُب حياتها الأول.
+
فرسمت مشهد خلاب، بل أكثر من رائع..ممر طويل من البلاط الرصاصي يفضي في النهاية لبوابة خشبية تتدلى منها الأزهار زاهية الألوان، وكأنها بوابة لعالم من الجمال و الرقة، والحصى الغامق على جانبي الممر مع بعض الصخور الملونة و المتناثرة مثل النجوم في الممر نفسه، و من خلال التنويع بين النجيلة والشجيرات المتفاوتة الاطوال في تلك الحديقة التي تسلب الأبصار بجمالها أضفت سحرًا خاص بها، كأن تلك الحديقة التي أبدعت هاجر فيها لا يوجد مثلها في عالمنا، من يراها يظن أنها عادية، لكن بالنسبة لها تذكرها بالجنة.
2
توقفت لدقائق تطالع اللوحة الزيتية بابتسامتها الرقيقة وهي تمسك بيدها أغراض التلوين و باليد الأخرى الفرشاة، فوضعت الأغراض على جانب و شدت من عقدة القميص الذي ربطته على خصرها النحيل، فكانت ترتدي القميص الخاص بالتلوين لكنها ربطته على خصرها، و ظلت بـ تي شيرت له حمالات أبيض اللون عليه رسومات كرتونية، و البنطال الخاص به الواصل للركبة، و بالطبع عندما تذهب لعالم الفن الخاص بها تغلق باب غرفتها و توصده بإحكام؛ حتى تكون على راحتها.
+
ألقت نظرة على نفسها في المرآة المقابلة لها ثم ضحكت بخفة قائلة
+
" فنانة يا بت يا هاجر.. أي نعم بچامتك الحلوة اللي أمك لسه جيبهالك اتبهدلت خالص ولو عرفت مش هتعديهالك بالساهل.. بس فنانة.. بيكاسو ميجيش حاجة جنبك "
1
تابعت تصميم اللوحة، فقامت بإضافة السلاسل الحديدية للحديقة في هذا التصميم، و مربعات من الصخور البيضاء الجميلة، و أحواض أسمنتية تحتضن أشجار متوسطة الاطوال، و من خلف البوابة المزينة بالورود تظهر جبال من الأشجار مختلفة الأشكال و الأنواع يجري من بينهم جدول ماء ثلاثي الأبعاد كأنه حقيقي، و فوق الأشجار سماء صافية تحتضن الحديقة.
+
و أخيرًا بعد حوالي ثلاث ساعات، انتهت من تلك اللوحة الفنية المذهلة.
تنهدت بارتياح و زينت وجهها الشاحب ابتسامة ساحرة وهي تتخيل تلك اللوحة جزء بسيط من الجنة، مجرد تخيل فقط لا غير، ولكن الحقيقة جنة الله لا أحد يستطيع تخيلها مهما بلغ.
+
و جاء في جزء من حديث قدسي رواه البخاري ومسلم ولفظه: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله- صلّ الله عليه وسلم-: قال الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وفي بعض رواياته: ولا يعلمه ملك مقرب ولا نبي مرسل.
+
تلك اللوحة التي أبدعت هاجر فيها، لا تمثل ذرة مما أعده الله و خلقه، حتى أن أمهر فنانين العالم لا يستطيعوا مضاهاة جزء من الجنة أو أقل من الجزء في لوحاتهم الفنية.
+
أغمضت الوردة الرقيقة عينيها و أخذت شهيقًا عميقًا و هي تتخيل نفسها في جنة الرحمن.
+
تخيل معي أنك في الجنة تنام على فرائش خضر من استبرق، و تنعم بالرفاهية التي لا مثيل لها..في قصر ضخم رائع، بل من شدة جماله، يجعلك تسبح الله ملايين المرات بتعجب وانبهار شديد.
"هذا القصر هو ملك لك..لك أنت فقط.. ! "
3
ومن تحتك تجري مختلف الأنهار، نهر من عسل، ونهر من لبن، ونهر من خمر لذة للشاربين.
أما عن الأشجار و الورود برائحتها العطرة في الجنة، فجمالها لم يخطر على قلب بشر من قبل.
3
تخيل عزيزي أن كل أمنياتك بمجرد التفكير فيها مُجابة على الفور !
بالجنه أيضًا، ما لاعين رأت، من بساتين و قوارير من فضة تنعم بالشُرب فيها.
1
والكثير..الكثير من النعم التي لا تعد و لا تحصى، و فوق كل ذلك الجمال، أريدك أن تبتسم رجاءًا، و تغمض عينيك للحظة، تتخيل فيها أنك تسمع القرآن بصوت نبي الأمة، بصوت حبيبك و شفيعك سيدي و سيدك مُحمد صل الله عليه وسلم.
8
فتحت هاجر عينيها السوداء، وهي لا زالت تبتسم برقة، ألقت نظرة أخيرة على اللوحة قبل أن تحملها و تضعها في خزانة خاصة لتحدث نفسها بسعادة
+
" يارب ارزق المسلمون جميعهم الجنة..
يا ترى زياد لما يشوفها هيقول إيه ! أكيد هتعجبه أنا عارفة.. أي لوحة بعملها بتعجبه بس دي غير أي لوحة رسمتها قبل كده.. حاسة إنها مختلفة و أجمل من اللي فاتوا كلهم..هتبقى حلوة أوي إما تتعلق في الصالون.. شكرًا يارب على نعمتك و رزقك ليا بموهبة جميلة زي الرسم..أوعدك يارب إني أفضل أستخدم النعمة دي صح "
9