رواية وتكالبت عليهما الذئاب كاملة وحصرية بقلم ميمي عوالي
البارت الاول
فيلا عتيقة تشبه القصور و تطل على الساحل مباشرة بشاطئ خاص بمدينة دمياط .. تعود ملكيتها لاحمد المنشاوى و الذى كان يمتلك مصنعا لتصنيع الاثاث المصدر للخارج بدمياط
و كان له من الابناء .. ابن و ابنة ، كانوا كل حياته
الابن الاكبر عابد و الذى ما ان شب عن الطوق حتى تحول إلى ساعد ابيه الايمن ، ليزوجه اباه من ليلى و التى انجبت له داوود و يقين
اما الابنة فهى علية و التى تزوجت بدورها من سليم و انجبت رنيم و لكن العمر لم يمهلها كثيرا ، فقد وافتها المنية بعد انجاب ابنتها بساعات قليلة ليتولى جدها المنشاوى رعايتها بالكامل ، و اثناء عودتها من النادى الرياضى باحدى المرات بصحبة داوود ابن خالها عابد .. يتعرضا معا لحادث سيارة ، لتصاب رنيم بعرجة بمشيتها اضطرتها لملازمة عكاز طبى استبدلته بعصاة انيقة فيما بعد
و الليلة و بعد مرور بضغة سنوات على هذا الحادث .. كان جمع قليل من الرجال يخرجون من باب الفيلا بصحبة القاضى الشرعى بعد ان قام بعقد قران حفيدى المنشاوى .. داوود و رنيم
و بعد ان خلا المكان الا من العروسين و جدهما المنشاوى .. نظر داوود الى جده بنظرة زجاجية قائلا : متهيالى كده يا جدى انا عملتلك كل اللى انت عاوزة
لينظر المنشاوى الى رنيم الجالسة الى جواره و على وجهها علامات الامتعاض المقرون بالغضب و ربت على يديها بحنان قائلا : يمكن تكونى زعلانة منى يا رنيم و فاكرانى متسلط او ظالم .. بس صدقينى يا بنتى .. مسيرك تعرفى ان كل اللى عملته ده عشان مصلحتك و مصلحته
لتقول رنيم بنظرة تملأها الحسرة : عمرى ما هسامحك ابدا على اللى حصل النهاردة ده ، و اوعوا تفكروا انكم كده عرفتوا تحبسونى .. الجوازة دى باطلة و مش من حق حد ابدا انه يمنعنى من السفر وقت ما انا عاوزة
لينظر اليها داوود بنظرته الزجاجية و قال : ما اعترضتيش ليه و قلتى انك مش موافقة على الجواز وقت كتب الكتاب
رنيم بنظرة حقد دفينة : انت عارف كويس اوى ان مهما حصل .. انى لا يمكن ابدا اصغر جدو قدام الناس اللى بتشتغل وياه
ليجلس داوود بكبرياء و يقول دون مبالاة : تبقى فرصتك فى الرفض انتهت ، طالما الكتاب انكتب فى وجودك و بموافقتك الضمنية .. تبقى انتى حاليا مراتى و على ذمتى و من حقى انى امنعك انك تطلعى برة البلد باى طريقة ممكن تفكرى فيها
رنيم بغضب : انت لو انسان عندك كرامة .. ماكنتش وافقت ابدا انك تتجوزنى غصب عنى يا صاحب القيم و المبادئ ، نفسى الناس تشوفك على حقيقتك و يعرفوا انك مش اكتر من ……
المنشاوى بحدة : رنيم
لتنظر له رنيم و هى تلتقط انفاسها بصعوبة من شدة غضبها ، لتجده يقول لها بتحذير : حاولى تفكرى فى كل كلمة قبل ما تقوليها ، عشان ما ترجعيش تندمى عليها بعدين
لتهب من مجلسها و تتجه الى الباب و هى تتوكئ على عصاتها وتقول بنبرة وعيد : انا عاوزاكم تتاكدوا ان اللى حصل ده مش هيستمر كتير
لتتركهم و تذهب بعد ان اغلقت الباب وراءها بحدة ليقول المنشاوى بنبرة اعتذار : معلش يا داوود .. ماتزعلش منها يا ابنى
داوود : مش هينفع ازعل لان عندها حق فى كل كلمة قالتها يا جدى
المنشاوى بامتعاض : يعنى كنا نسيبها تتجوز الولد النصاب اللى قعد يتحنجل لها ده ، ده كان عاوز يسافر بيها برة مصر عشان يستفرد بيها
داوود بتنهيدة ثقيلة : عارف طبعا .. و انا ما سيبتوش يا جدى و حضرتك عارف كويس انا عملت فيه ايه ، بس برضة مش ده الحل ابدا
المنشاوى بحيرة : طب ما هى كانت عاوزة تسيب مصر كلها ، كانت بتعاقبنى على اللى حصل بانها عاوزة تحرمنى منها فى اواخر ايامى بالشكل ده ، لو كنت سيبتها تسافر.. ماكنتش هلحق اشوفها تانى قبل ما اموت
داوود بتعاطف : يا جدى ارجوك بلاش الكلام ده
المنشاوى : يابنى المكتوب مامنوش هروب ، انا خلاص اللى فاضل من عمرى يمكن مايكونش اكتر من ايام ، انا مش متفائل ابدا بالعملية اللى الدكاترة عاوزين يعملوها لى لدى
داوود : يا جدى الاعمار بيد الله ، و ماحدش ابدا عارف ايه اللى مكتوب له ، بس انت دلوقتى بقيت تتعب كتير ، و كل الدكاترة اجمعوا ان الحل الامثل فى العملية ، ليه بقى قلقان كده و عاوز تقلقنى معاك
المنشاوى : و نعم بالله يا ابنى ، بس املى انى لاخر لحظة اشوفكم كلكم بخير حواليا ، و كمان عاوز اتطمن عليها .. رنيم طيبة و اى حد يقدر يضحك عليها بسهولة بكلمتين حلوين
داوود باقرار : عارف
المنشاوى : و لما انت عارف .. ليه بتحاول تبعد نفسك عنها يا ابنى ، انا عارف و متاكد ان قلبك معاها من زمان ، يمكن من و انتم لسه عيال ، ليه سيبتها للافاق ده يضحك عليها
داوود ببعض الضيق : ارجوك با جدى بلاش كلام فى الحكاية دى من فضلك
المنشاوى : با ابنى العمر بيجرى بيكم و لو انت حاولت تقرب منها انا متاكد …
داوود بحدة خفيفة : متأكد من ايه بس يا جدى ، انت عارف كويس انها مابقيتش تطيقنى من اساسه من يوم ما حصلت الحادثة و حصل لها اللى حصل ، ده انا بقيت ساعات احس انها بتكهرنى
المنشاوى : عمرها ما كرهتك .. هى بس
داوود بسخرية : هى بس ايه ياجدى ، انت مش شايف بتعاملنى و بتتكلم معايا ازاى
المنشاوى : و رغم كل اللى بتعمله ده ، الا انى عارف انها من جواها عكس كل ده ، هى بس عاوزة تثبتلك انها قوية
داوود : تقصد عاوزة تثبت انها تقدر تستغنى عنى
المنشاوى : اصبر عليها يا ابنى ، خلاص كلها كام يوم و ادخل المستشفى
داوود : ماهو برضة ياجدى حضرتك اللى مش عاوزها تعرف حاجة عن العملية ، و بعدين خلاص الوقت بيعدى .. مافاضلش غير اسبوع ، يعنى المفروض تبقى عارفة على الاقل ماتزعلش منك و لا من حد اننا كلنا خبينا عليها هى بالذات بالشكل ده
المنشاوى : خليها لقبل العملية بيوم عشان ماتزعلش ، مابقدرش اشوف زعلها و لا قلقها
داوود برضوخ : اللى حضرتك تشوفه
المنشاوى : انا هطلع اوضتى احاول انام شوية ، انت هتفضل معانا هنا .. مش كده
داوود بضيق : ايوة .. انا كمان بلغت بابا انى هفضل مع حضرتك اليومين دول لحد العملية
المنشاوى و هو يتأمل ملامح داوود الممتعضة : مالك تانى
داوود : بابا و ماما مش هيفوتوا اللى حصل ده برضة بالساهل ، انا برضة لحد دلوقتى مش فاهم ليه حضرتك اصريت اننا مانبلغهمش
المنشاوى : مسيرك هتفهم كل حاجة لوحدك ، ثم اكمل بفضول .. مش هتطلع تنام
داوود : هطلع يا جدى .. بس ورايا شوية اوراق محتاج اراجعهم ، موضوع كتب الكتاب عطلنى ، و محتاجهم بكرة يبقوا جاهزين عشان التعاقدات الجديدة
المنشاوى و هو يتجه الى الباب : ماشى يابنى .. هسيبك انا عشان ما اعطلكش بزيادة ، بس ياريت تفكر كويس فى الكلام اللى قلته لك
داوود : طب حضرتك تحب اطلع معاك و اساعدك فى حاجة
المنشاوى : لا يا حبيبى .. كتر خيرك ، انا الحمدلله كويس النهاردة .. تصبح على خير
داوود : و حضرتك بكل الخير
و ما ان تركه المنشاوى و اغلق الباب من خلفه .. حتى اطفئ داوود الاضاءة و اتجه الى الشرفة المطلة على حديقة الفيلا ليلمح رنيم جالسة بركنها المفضل المطل على نافورة اسماكها الملونة و كان يبدو على ملامحها الحزن الشديد و بيدها الهاتف تضعه على أذنها و تتحدث بملامح حادة
اما رنيم .. فكانت تتحدث مع صديقتها رغدة التي كانت تقول لها : طب و انتى جاية دلوقتى بتتكلمى بعد ما الكتاب انكتب يا رنيم ، لما انتى رافضة بالشكل ده ليه ما رفضتيش وقتها
رنيم : انا ما كنتش اعرف انهم بيتكلموا جد ، كنت فاكرة جدو بيهد.دنى بس عشان ما اسافرش ، لحد ما اتفاجئت بيهم جايبين المأذون
رغدة : و لما المأذون سالك ما قلتيش لأ ليه
رنيم بامتعاض : مش عارفة بقى ، حسيت انى زى ما اكون فى حلم مش بتاعى و ما يخصنيش
رغدة بتنهيدة بسيطة : للاسف ماطلعش حلم ، طلع واقع و مايخصش حد غيرك
رنيم : طب و العمل يا رغدة ، كده داوود اكيد من الصبح هيعمللى منع من السفر
رغدة : انا اصلا من البداية و انا مش موافقة على موضوع سفرك ده
رنيم : انتى عاوزانى افضل معاهم و اسكت بعد كل اللى عملوه مع معتز ده
رغدة : لازم تعترفى ان معتز بنى ادم افاق ، انتى ازاى لحد دلوقتى مش شايفة المصيبة اللى كنتى داخلة عليها دى
رنيم : كل ده عشان فقير و مش غنى زيهم
رغدة : اولا معتز مش فقير يا رنيم ، طب ياريته كان فقير و عنده شرف ، انما ده عنده فلوس كسبها كلها بالنصب و الاحتيال .. و القمار يا رنيم .. القماااار
رنيم باعتراض : برضة مش من حقهم يحجروا على رايى و على حياتى بالشكل ده ، و ماكانش المفروض ابدا يعملوا فيه كل اللى عملوه ده
رغدة : انتى بتتكلمى بجد ، انتى بجد لحد دلوقتى بتدافعى عنه
رنيم : معتز يبقى البنى ادم الوحيد اللى احتوانى
رغدة : بالكذب
رنيم برفض : معتز حبنى فعلا
لتتنهد رغدة ثم تقول : طب لنفرض انه حبك بجد .. ممكن تقوليلى كان عاوز يخليكى تسيبى مصر و تهربى معاه ليه
رنيم بدفاع : عشان كان عارف ان جدو هيرفضه
رغدة : يابنتى فوقى بقى .. معتز لو كان بيحبك حقيقى كان طلبك من جدك و كان حار.ب الدنيا كلها عشانك ، لكن هو كان طمعان فيكى ، و عاوزك تبعدى عن جدك و عن داوود عشان تبقى أضعف و أضعف ، و يقعد بقى يسرسب فى فلوسك حاجة فى حاجة لحد ما يشطب على كل اللى معاكى و بعدين يقول لك باى باى و يروح يدور بعد كده على صيده جديدة
رنيم بامتعاض : انتى ليه بتتكلمى زيهم ، انتى صاحبتى انا و المفروض تبقى معايا انا مش معاهم هم
رغدة : حبيبتى ما انا عشان صاحبتك انتى و معاكى انتى بنصحك بالصح ، ما ينفعش اضحك عليكى ، ثم لما انتى متضايقة من اللى حصل بالشكل ده و رفضاه كمان ، ليه ما حاولتيش تتصلى باونكل سليم و تحكيله و تطلبى مساعدته
رنيم بسخرية : اونكل سليم .. انتى عارفة امتى اخر مرة شفت فيها بابا ، بقاله كذا سنة دلوقتى ، كل مكالمة يكلمهالى يقول لى انه جاى عشان وحشته و نفسه يشوفنى ، و المكالمة اللى بعدها الاقيه بيكلمنى من بلد تانية ، اعتمد انى مع جدو و خلاص على كده ، مافيش فى دماغه غير السفر و معتقد ان الفلوس اللى بيبعتهالى و الارض اللى بيشتريهالى تغنينى عنه ، طب هو انا محتاجة فلوس و ارض ، انا جدو اصلا مش مخلينى محتاجة حاجة ، حتى الارض اللى بيشتريها باسمى .. قال لى انها امانة عندى لوقت مايطلبها
رغدة : طب ماهو شغله برصة يا رنيم هيعمل ايه يعنى ، ماتنسيش انه فى الخارجية
رنيم : شغله ده ما بيمنعوش ابدا انه يشوف اخواتى و مراته يا رغدة ، بلاش نضحك على بعض ، بابا لو عاوز يشوفنى كان عمل المستحيل عشان يشوفنى ، لكن الظاهر انه سقطنى من حساباته
رغدة : بس متهيالى يا رنيم ان اونكل لو عرف اللى حصل ده و انه كمان من غير رضاكى لا يمكن يسكت ابدا ، و بعدين كمان فين خالك
رنيم : جدو ما عرفش حد اصلا و مش فاهمة برضة ليه ، طب ده انا متاكده ان طنط ليلى لو عرفت هتقوم الدنيا و مش هتقعدها تانى
رغدة ضاحكة : انتى هتقوليلى .. ده شئ مؤكد
لتسمع رنيم صوت خطوات تعرفها تمام المعرفة لترفع عينيها لتصطدم بوجه داوود الذي وقف امامها و هو ينظر اليها ببعض التردد ، ثم مد لها يده بمغلف متوسط و قال باختصار : عاوزك تبصى على اللى فى الظرف ده
ليستدير و يتركها مرة اخرى بسرعة ليعود الى الداخل ، فتسمع صوت رغدة و هى تقول بفضول : ده صوت داوود مش كده
رنيم : ايوة هو
رغدة : و هو بيديكى ايه تشوفيه
رنيم و هى تفض المظروف بيد واحدة : مش عارفة ، استنى كده اما اشوف
لتشهق بصدمة قائلة : مش ممكن .. دى اكيد فوتو شوب
رغدة بفضول : هو ايه ده اللى فوتو شوب ما تفهمينى
رنيم بصوت مختنق من العبرات التى طفت الى عينيها : صور فرح لمعتز
رغدة : و ليه فوتو شوب ، طب مانتى عارفة ان معتز اتجوز قبل كده فعلا و كمان اكتر من مرة
رنيم : ايوة .. بس معتز اكدلى انه كان مضطر للجوازات دى و انه ولا مرة اتجوز عن حب
رغدة بضيق : يابنتى فوقى بقى .. كلام ايه ده بس ،
هو فى راجل الايام دى بيتجوز غصب عنه ، و بعدين دى جوازة منهم كانت عاملة فضيحة بكل المقاييس ، انتى ازاى ناسية الكلام ده
رنيم : كلام ايه بس
رغدة : انتى نسيتى نجوى .. نجوى زايد
رنيم : فاكراها .. مالها
رغدة : ماهو من ضمن جوازات معتز .. انه كان متجوز سوزان اختها و بعد ما اتطلقوا و كان مخلص على نص فلوسها طبعا ، نجوى فضحته فى البلد كلها
رنيم بتردد : ايوة .. بس اللى سمعته وقتها ان جوز سوزان كان اسمه ميزو .. مش معتز
رغدة : ده اسم الدلع ، صدقينى الاتنين نفس الشخص ، ده انتى ربنا بيحبك انه نجاكى منه
رنيم بنبرة مخت/نقة تدل على بوادر بكاء : معتز اكدلى ان انا الانسانة الوحيدة اللى حبها فى حياته يا رغدة
رغدة : انتى عارفة انه اتجوز قبل كده كذا مرة ، ايه اللى بيخليكى تعيطى بقى دلوقتى مش فاهمة
رنيم باكية : ان الصورة المرة دى على غلاف مجلة عدد الاسبوع ده ، معتز اتجوز تانى يا رغدة ، ازاى لحق ينسانى بسرعة كده ، ده ماعداش شهر على اللى حصل ، ازاى لحق يعرفها و يتجوزوا كمان
رغدة بتعاطف : حبيبتى ده اكبر دليل انه ماحبكيش من البداية ، و ممكن اوى يكون كان بيحاول يوقعها فى نفس الوقت اللى كان معاكى فيه و يشوف انهى صيدة اسهل من التانية ، و لازم تحمدى ربنا انه نجدك منه ، و كمان تشكرى داوود على اللى عمله
رنيم : داوود هو السبب فى كل ده من البداية ، هو السبب فى تدمير حياتى كلها
رغدة : طب بس اهدى ، و حاولى تطلعى تاخدى شاور تهدى بيه اعصابك و تناميلك شوية
رنيم بسخرية : انام .. انام ازاى بعد كل اللى حصل ده
كان داوود قد عاد الى خلف زجاج شرفة المكتب بعد ان اظلم الانوار مرة اخرى حتى لا تراه رنيم ، و ظل يراقب انفعالات رنيم حتى وجدها تغلق الهاتف ، و لكنها لم تعد الى داخل الفيلا ، بل ظلت بجلستها يعلو وجهها الوجوم
و رويدا رويدا كانت تحاول الاسترخاء بجلستها حتى شعر انها استكانت تماما بمكانها ، ليتأكد انها قد نامت و هى جالسة بمكانها ، ليخرج من غرفة المكتب و يتجه الى الخارج و يقترب رويدا من مكانها حتى اطل على وجهها ليلاحظ انتظام انفاسها ، و يدها مدلاه و من تحتها الجريدة التى يعلوها صورة معتز و عروسه .. ملقاة ارضا ، ليتأملها قليلا ببعض الحسرة المقرنة بالعتاب ، ثم تمتد يده الى يدها المدلاه بجانبها ليلتقطها بحنو ، و هو يضغط عليها برفق قائلا بحذر : رونى .. قومى يا ماما نامى فى اوضتك
لتفتح رنيم عينيها ببعض التيه و هى تنظر حولها حتى تلاقت عيناها مع داوود لتنتفض فزعة و هى تقول : فى ايه ، انت واقف كده ليه
ليعتدل داوود بوقفته و هو يستعيد جأشه و يقول : انتى نمتى مكانك ، اطلعى ياللا عشان تنامى فى اوضتك
رنيم بعند : ده شئ مايخصكش ، انا انام فى المكان اللى يريحنى
داوود ببعض الخبث و هو يستدير عائدا الى الداخل : انتى حرة ، انا بس عشان عارف انك بتخافى من الفيران قلت اصحيكى تطلعى اوضتك ، بعد ما لمحت فار على الشجرة اللى جنبك
لتنتفض رنيم من جلستها شاهقة و هى تبحث عن عصاتها برهبة و هى تصرخ قائلة : استنى يا داوود ، استنى اما ادخل معاك
ليلتفت داوود اليها مرة اخرى و ينحنى ملتقطا عصاتها من الارض مناولا إياها لرنيم قائلا : طب بالراحة بس .. على مهلك ماتخافيش انا مستنيكى
لتتناول رنيم عصاتها من يديه و هى تتلفت حولها بذ.عر و تحاول الاسراع فى مشيتها الى جواره حتى دخلوا الى الفيلا و اغلق داوود الباب من خلفهما
لتزفر رنيم و هى تشعر ببعض الامان ، لتسمع داوود يقول : تحبى اوصلك اوضتك
رنيم بعناد : ليه ان شاء الله .. عيلة صغيرة و تايهة
من اهلها ، لتتركه متجهه الى الدرج تحت نظراته الباسمة التى لو راتها لوجدتها تموج بحب جارف
و ما ان غابت عن عينيه حتى عاد العبوس مرة اخرى الى وجهه و عاد مرة اخرى الى غرفة المكتب
و فى الصباح عندما وصلت رنيم الى مائدة الافطار وجدت خالها عابد و ليلى زوجته يجلسان بصحبة جدها و داوود فقالت بخفوت : صباح الخير
ليرد الجميع عليها التحية و يقول عابد : عاملة ايه يا رونى
رنيم : الحمدلله يا خالو
ليلى : على الله تكونى عقلتى و …
المنشاوى بتحذير : ليلى .. ياريت ماتدخليش فى اى حاجة تخص رنيم
ليلى : ايوة يا عمى .. بس اللى حصل ….
المنشاوى : اللى حصل مايخصش حد غيرى انا و رنيم و بس
ليلى بامتعاض : مش حقيقى ، و الا ماكانش اللى يسوى و اللى مايسواش بيسالنى ان كان اللى أسمه معتز ده عرف يضحك عليها و اللا لحقناها
و هنا يقول داوود بحدة : ماما .. من فضلك ، ياريت تلتزمى باوامر جدى ، و السيرة دى ماتجيش ابدا هنا مرة تانية
لتنتفض رنيم على صراخ داوود بوجه ليلى ، لتنظر إليه برهبة و هى تتأمل ملامح وجهه الغاضبة بقلق ليقول المنشاوى : اهدى يا داوود يا ابنى ، الموضوع مايستحقش كل الغضب ده ، ثم نظر لعابد بامر و قال : فهم مراتك بالراحة يا عابد ، انى مابقيتش حمل مهاترات كتير
عابد و هو ينظر لليلى بتحذير : احنا قلنا ايه ، الدكتور منبه ان بابا مايتعرضش لاى إجهاد و لا عصبية قبل العملية
لتقول رنيم بانتباه قلق و هى تنظر لجدها : مين ده اللى هيعمل عملية ، انت يا جدو .. عملية ايه دى
ليضع المنشاوى وجهه بين كلا كفيه و يدلكه بامتعاض ثم ينظر لداوود الذى بدوره نظر لرنيم و قال ببعض التردد : ماتتخضيش كده .. دى عملية بسيطة ان شاء الله
لتنهض رنيم من مقعدها و تقترب من مقعد جدها و تجلس الى جواره ارضا و هى تنظر اليه برهبة عاتبة قائلة : ازاى ماتقوليش حاجة زى دى ، انت تعبان من ايه ، قولى و اوعاك تخبى عنى حاجة تانى
المنشاوى بتنهيدة و هو ينظر الى عابد بعتاب : قومى يا حبيبتى اقعدى على الكرسى ، ماتقعديش كده
ليحمل داوود احد المقاعد و يقربه من مجلس رنيم و هو يحاول مساعدتها على النهوض قائلا : قومى يا رونى
لتنفض رنيم ذراعها من يد داوود و هى تقول بغضب : حد يرد عليا و يقولى عملية ايه اللى جدو هيعملها
داوود بتحذير : حاولى تتكلمى بهدوء اكتر من كده ، على الاقل عشان خاطر جدك
رنيم و هى تحاول كبت غضبها : طب ياريت تفهمنى
داوود : عملية تغيير صمام
رنيم و هى تضيق مابين عينيها : هو مش عمل العملية دى قبل كده من كام سنة
داوود : حقيقى ، بس كان صمام الشريان الرئوى ، المرة دى التاجى
لتعض رنيم على شفتيها برهبة ، ثم تعود بنظرها الى جدها مرة اخرة بعتاب قائلة : كنتم مستنيين ايه عشان تقولولى ، و اللا انا خلاص مابقيتش اهل للثقة انى اعرف حاجة زى دى
لينهض المنشاوى من مكانه قائلا : تعالى يا رنيم .. ان الاوان انى اتكلم معاكى فى حاجات كتير كنت ماجلها ليوم العملية .. تعالى نقعد سوا فى المكتب
عابد بنبرة اعتذار : طب تحب اجى معاك يا بابا
المنشاوى : كل واحد يشوف وراه ايه يعمله ، و سيبونى مع رنيم لوحدنا
و ما ان دلفا الى غرفة المكتب .. الا و امرها جدها ان تغلق الباب خلفهما ، ثم قال بهدوء : تعالى يا رونى اقعدى هنا جنبى
رنيم : مش قبل ما افهم و اعرف
المنشاوى : عاوزة تفهمى و تعرفى ايه
رنيم : افهم ليه ماحدش قاللى على موضوع العملية دى لحد دلوقتى ، و اعرف هتعملها امتى
المنشاوى : العملية معادها الاسبوع اللى جاى
رنيم بصدمة : يعنى بعد اسبوع واحد ، و كنتم مستنيين ايه عشان تقولولى ، و اللا انتم شيلتونى من حساباتكم للدرجة دى و اللا ايه بالظبط
المنشاوى : خفت اقوللك لاتفكري انى بس بقول لك كده عشان استعطفك و ماتسافريش
رنيم : مين قال الكلام ده
المنشاوى بترصد : تنكرى ان دى كانت اول حاجة هتيجى فى بالك ، تنكرى انك واخدانا اعداء ليكى على طول الخط من وقت ماحصل اللى حصل
رنيم بامتعاض خفيف : يا جدو انتو ماحاولتوش حتى تسمعونى
المنشاوى بعتاب : ده لانك من الاساس ماحاولتيش تتكلمى معانا ، سلمتى ودانك و عقلك للافاق ده و صدقتيه و كدبتينا كلنا ، و وصلت بيكى انك اتهمتى داوود انه طمعان فيكى .. و اللا نسيتى
رنيم ببعض الخجل : بس كل ده مالوش علاقة بصحتك و العملية بتاعتك
ليمد المنشاوى اليها يده يدعوها للجلوس الى جواره و هو يقول بحب : كنت متفق مع داوود انى هقول لك كل حاجة بنفسى ، بس يوم العملية او قبلها بيوم
، ماكنتش عاوزك تقلقى و لا تخافى عليا
رنيم : بس مش لدرجة انى ابقى انا الوحيدة اللى ما اعرفش
المنشاوى : انتى و يقين ، كنت مخليكم للاخر خالص ، و العملية بتاعتى دى هى السبب انى منعت سفرك
رنيم : مش فاهمة
المنشاوى : كنت خايف تنفذى اللى فى دماغك و تسافرى و تبعدى عنى و ما اشفكيش قبل ما ادخل العملية
رنيم : تقوم تجوزنى يا جدو ، و داوود كمان
المنشاوى : ده عشان مصلحتك صدقينى .. داوود الوحيد اللي هيعرف يحميكى و يحافظ عليكى و على مالك يابنتى
فيلا عتيقة تشبه القصور و تطل على الساحل مباشرة بشاطئ خاص بمدينة دمياط .. تعود ملكيتها لاحمد المنشاوى و الذى كان يمتلك مصنعا لتصنيع الاثاث المصدر للخارج بدمياط
و كان له من الابناء .. ابن و ابنة ، كانوا كل حياته
الابن الاكبر عابد و الذى ما ان شب عن الطوق حتى تحول إلى ساعد ابيه الايمن ، ليزوجه اباه من ليلى و التى انجبت له داوود و يقين
اما الابنة فهى علية و التى تزوجت بدورها من سليم و انجبت رنيم و لكن العمر لم يمهلها كثيرا ، فقد وافتها المنية بعد انجاب ابنتها بساعات قليلة ليتولى جدها المنشاوى رعايتها بالكامل ، و اثناء عودتها من النادى الرياضى باحدى المرات بصحبة داوود ابن خالها عابد .. يتعرضا معا لحادث سيارة ، لتصاب رنيم بعرجة بمشيتها اضطرتها لملازمة عكاز طبى استبدلته بعصاة انيقة فيما بعد
و الليلة و بعد مرور بضغة سنوات على هذا الحادث .. كان جمع قليل من الرجال يخرجون من باب الفيلا بصحبة القاضى الشرعى بعد ان قام بعقد قران حفيدى المنشاوى .. داوود و رنيم
و بعد ان خلا المكان الا من العروسين و جدهما المنشاوى .. نظر داوود الى جده بنظرة زجاجية قائلا : متهيالى كده يا جدى انا عملتلك كل اللى انت عاوزة
لينظر المنشاوى الى رنيم الجالسة الى جواره و على وجهها علامات الامتعاض المقرون بالغضب و ربت على يديها بحنان قائلا : يمكن تكونى زعلانة منى يا رنيم و فاكرانى متسلط او ظالم .. بس صدقينى يا بنتى .. مسيرك تعرفى ان كل اللى عملته ده عشان مصلحتك و مصلحته
لتقول رنيم بنظرة تملأها الحسرة : عمرى ما هسامحك ابدا على اللى حصل النهاردة ده ، و اوعوا تفكروا انكم كده عرفتوا تحبسونى .. الجوازة دى باطلة و مش من حق حد ابدا انه يمنعنى من السفر وقت ما انا عاوزة
لينظر اليها داوود بنظرته الزجاجية و قال : ما اعترضتيش ليه و قلتى انك مش موافقة على الجواز وقت كتب الكتاب
رنيم بنظرة حقد دفينة : انت عارف كويس اوى ان مهما حصل .. انى لا يمكن ابدا اصغر جدو قدام الناس اللى بتشتغل وياه
ليجلس داوود بكبرياء و يقول دون مبالاة : تبقى فرصتك فى الرفض انتهت ، طالما الكتاب انكتب فى وجودك و بموافقتك الضمنية .. تبقى انتى حاليا مراتى و على ذمتى و من حقى انى امنعك انك تطلعى برة البلد باى طريقة ممكن تفكرى فيها
رنيم بغضب : انت لو انسان عندك كرامة .. ماكنتش وافقت ابدا انك تتجوزنى غصب عنى يا صاحب القيم و المبادئ ، نفسى الناس تشوفك على حقيقتك و يعرفوا انك مش اكتر من ……
المنشاوى بحدة : رنيم
لتنظر له رنيم و هى تلتقط انفاسها بصعوبة من شدة غضبها ، لتجده يقول لها بتحذير : حاولى تفكرى فى كل كلمة قبل ما تقوليها ، عشان ما ترجعيش تندمى عليها بعدين
لتهب من مجلسها و تتجه الى الباب و هى تتوكئ على عصاتها وتقول بنبرة وعيد : انا عاوزاكم تتاكدوا ان اللى حصل ده مش هيستمر كتير
لتتركهم و تذهب بعد ان اغلقت الباب وراءها بحدة ليقول المنشاوى بنبرة اعتذار : معلش يا داوود .. ماتزعلش منها يا ابنى
داوود : مش هينفع ازعل لان عندها حق فى كل كلمة قالتها يا جدى
المنشاوى بامتعاض : يعنى كنا نسيبها تتجوز الولد النصاب اللى قعد يتحنجل لها ده ، ده كان عاوز يسافر بيها برة مصر عشان يستفرد بيها
داوود بتنهيدة ثقيلة : عارف طبعا .. و انا ما سيبتوش يا جدى و حضرتك عارف كويس انا عملت فيه ايه ، بس برضة مش ده الحل ابدا
المنشاوى بحيرة : طب ما هى كانت عاوزة تسيب مصر كلها ، كانت بتعاقبنى على اللى حصل بانها عاوزة تحرمنى منها فى اواخر ايامى بالشكل ده ، لو كنت سيبتها تسافر.. ماكنتش هلحق اشوفها تانى قبل ما اموت
داوود بتعاطف : يا جدى ارجوك بلاش الكلام ده
المنشاوى : يابنى المكتوب مامنوش هروب ، انا خلاص اللى فاضل من عمرى يمكن مايكونش اكتر من ايام ، انا مش متفائل ابدا بالعملية اللى الدكاترة عاوزين يعملوها لى لدى
داوود : يا جدى الاعمار بيد الله ، و ماحدش ابدا عارف ايه اللى مكتوب له ، بس انت دلوقتى بقيت تتعب كتير ، و كل الدكاترة اجمعوا ان الحل الامثل فى العملية ، ليه بقى قلقان كده و عاوز تقلقنى معاك
المنشاوى : و نعم بالله يا ابنى ، بس املى انى لاخر لحظة اشوفكم كلكم بخير حواليا ، و كمان عاوز اتطمن عليها .. رنيم طيبة و اى حد يقدر يضحك عليها بسهولة بكلمتين حلوين
داوود باقرار : عارف
المنشاوى : و لما انت عارف .. ليه بتحاول تبعد نفسك عنها يا ابنى ، انا عارف و متاكد ان قلبك معاها من زمان ، يمكن من و انتم لسه عيال ، ليه سيبتها للافاق ده يضحك عليها
داوود ببعض الضيق : ارجوك با جدى بلاش كلام فى الحكاية دى من فضلك
المنشاوى : با ابنى العمر بيجرى بيكم و لو انت حاولت تقرب منها انا متاكد …
داوود بحدة خفيفة : متأكد من ايه بس يا جدى ، انت عارف كويس انها مابقيتش تطيقنى من اساسه من يوم ما حصلت الحادثة و حصل لها اللى حصل ، ده انا بقيت ساعات احس انها بتكهرنى
المنشاوى : عمرها ما كرهتك .. هى بس
داوود بسخرية : هى بس ايه ياجدى ، انت مش شايف بتعاملنى و بتتكلم معايا ازاى
المنشاوى : و رغم كل اللى بتعمله ده ، الا انى عارف انها من جواها عكس كل ده ، هى بس عاوزة تثبتلك انها قوية
داوود : تقصد عاوزة تثبت انها تقدر تستغنى عنى
المنشاوى : اصبر عليها يا ابنى ، خلاص كلها كام يوم و ادخل المستشفى
داوود : ماهو برضة ياجدى حضرتك اللى مش عاوزها تعرف حاجة عن العملية ، و بعدين خلاص الوقت بيعدى .. مافاضلش غير اسبوع ، يعنى المفروض تبقى عارفة على الاقل ماتزعلش منك و لا من حد اننا كلنا خبينا عليها هى بالذات بالشكل ده
المنشاوى : خليها لقبل العملية بيوم عشان ماتزعلش ، مابقدرش اشوف زعلها و لا قلقها
داوود برضوخ : اللى حضرتك تشوفه
المنشاوى : انا هطلع اوضتى احاول انام شوية ، انت هتفضل معانا هنا .. مش كده
داوود بضيق : ايوة .. انا كمان بلغت بابا انى هفضل مع حضرتك اليومين دول لحد العملية
المنشاوى و هو يتأمل ملامح داوود الممتعضة : مالك تانى
داوود : بابا و ماما مش هيفوتوا اللى حصل ده برضة بالساهل ، انا برضة لحد دلوقتى مش فاهم ليه حضرتك اصريت اننا مانبلغهمش
المنشاوى : مسيرك هتفهم كل حاجة لوحدك ، ثم اكمل بفضول .. مش هتطلع تنام
داوود : هطلع يا جدى .. بس ورايا شوية اوراق محتاج اراجعهم ، موضوع كتب الكتاب عطلنى ، و محتاجهم بكرة يبقوا جاهزين عشان التعاقدات الجديدة
المنشاوى و هو يتجه الى الباب : ماشى يابنى .. هسيبك انا عشان ما اعطلكش بزيادة ، بس ياريت تفكر كويس فى الكلام اللى قلته لك
داوود : طب حضرتك تحب اطلع معاك و اساعدك فى حاجة
المنشاوى : لا يا حبيبى .. كتر خيرك ، انا الحمدلله كويس النهاردة .. تصبح على خير
داوود : و حضرتك بكل الخير
و ما ان تركه المنشاوى و اغلق الباب من خلفه .. حتى اطفئ داوود الاضاءة و اتجه الى الشرفة المطلة على حديقة الفيلا ليلمح رنيم جالسة بركنها المفضل المطل على نافورة اسماكها الملونة و كان يبدو على ملامحها الحزن الشديد و بيدها الهاتف تضعه على أذنها و تتحدث بملامح حادة
اما رنيم .. فكانت تتحدث مع صديقتها رغدة التي كانت تقول لها : طب و انتى جاية دلوقتى بتتكلمى بعد ما الكتاب انكتب يا رنيم ، لما انتى رافضة بالشكل ده ليه ما رفضتيش وقتها
رنيم : انا ما كنتش اعرف انهم بيتكلموا جد ، كنت فاكرة جدو بيهد.دنى بس عشان ما اسافرش ، لحد ما اتفاجئت بيهم جايبين المأذون
رغدة : و لما المأذون سالك ما قلتيش لأ ليه
رنيم بامتعاض : مش عارفة بقى ، حسيت انى زى ما اكون فى حلم مش بتاعى و ما يخصنيش
رغدة بتنهيدة بسيطة : للاسف ماطلعش حلم ، طلع واقع و مايخصش حد غيرك
رنيم : طب و العمل يا رغدة ، كده داوود اكيد من الصبح هيعمللى منع من السفر
رغدة : انا اصلا من البداية و انا مش موافقة على موضوع سفرك ده
رنيم : انتى عاوزانى افضل معاهم و اسكت بعد كل اللى عملوه مع معتز ده
رغدة : لازم تعترفى ان معتز بنى ادم افاق ، انتى ازاى لحد دلوقتى مش شايفة المصيبة اللى كنتى داخلة عليها دى
رنيم : كل ده عشان فقير و مش غنى زيهم
رغدة : اولا معتز مش فقير يا رنيم ، طب ياريته كان فقير و عنده شرف ، انما ده عنده فلوس كسبها كلها بالنصب و الاحتيال .. و القمار يا رنيم .. القماااار
رنيم باعتراض : برضة مش من حقهم يحجروا على رايى و على حياتى بالشكل ده ، و ماكانش المفروض ابدا يعملوا فيه كل اللى عملوه ده
رغدة : انتى بتتكلمى بجد ، انتى بجد لحد دلوقتى بتدافعى عنه
رنيم : معتز يبقى البنى ادم الوحيد اللى احتوانى
رغدة : بالكذب
رنيم برفض : معتز حبنى فعلا
لتتنهد رغدة ثم تقول : طب لنفرض انه حبك بجد .. ممكن تقوليلى كان عاوز يخليكى تسيبى مصر و تهربى معاه ليه
رنيم بدفاع : عشان كان عارف ان جدو هيرفضه
رغدة : يابنتى فوقى بقى .. معتز لو كان بيحبك حقيقى كان طلبك من جدك و كان حار.ب الدنيا كلها عشانك ، لكن هو كان طمعان فيكى ، و عاوزك تبعدى عن جدك و عن داوود عشان تبقى أضعف و أضعف ، و يقعد بقى يسرسب فى فلوسك حاجة فى حاجة لحد ما يشطب على كل اللى معاكى و بعدين يقول لك باى باى و يروح يدور بعد كده على صيده جديدة
رنيم بامتعاض : انتى ليه بتتكلمى زيهم ، انتى صاحبتى انا و المفروض تبقى معايا انا مش معاهم هم
رغدة : حبيبتى ما انا عشان صاحبتك انتى و معاكى انتى بنصحك بالصح ، ما ينفعش اضحك عليكى ، ثم لما انتى متضايقة من اللى حصل بالشكل ده و رفضاه كمان ، ليه ما حاولتيش تتصلى باونكل سليم و تحكيله و تطلبى مساعدته
رنيم بسخرية : اونكل سليم .. انتى عارفة امتى اخر مرة شفت فيها بابا ، بقاله كذا سنة دلوقتى ، كل مكالمة يكلمهالى يقول لى انه جاى عشان وحشته و نفسه يشوفنى ، و المكالمة اللى بعدها الاقيه بيكلمنى من بلد تانية ، اعتمد انى مع جدو و خلاص على كده ، مافيش فى دماغه غير السفر و معتقد ان الفلوس اللى بيبعتهالى و الارض اللى بيشتريهالى تغنينى عنه ، طب هو انا محتاجة فلوس و ارض ، انا جدو اصلا مش مخلينى محتاجة حاجة ، حتى الارض اللى بيشتريها باسمى .. قال لى انها امانة عندى لوقت مايطلبها
رغدة : طب ماهو شغله برصة يا رنيم هيعمل ايه يعنى ، ماتنسيش انه فى الخارجية
رنيم : شغله ده ما بيمنعوش ابدا انه يشوف اخواتى و مراته يا رغدة ، بلاش نضحك على بعض ، بابا لو عاوز يشوفنى كان عمل المستحيل عشان يشوفنى ، لكن الظاهر انه سقطنى من حساباته
رغدة : بس متهيالى يا رنيم ان اونكل لو عرف اللى حصل ده و انه كمان من غير رضاكى لا يمكن يسكت ابدا ، و بعدين كمان فين خالك
رنيم : جدو ما عرفش حد اصلا و مش فاهمة برضة ليه ، طب ده انا متاكده ان طنط ليلى لو عرفت هتقوم الدنيا و مش هتقعدها تانى
رغدة ضاحكة : انتى هتقوليلى .. ده شئ مؤكد
لتسمع رنيم صوت خطوات تعرفها تمام المعرفة لترفع عينيها لتصطدم بوجه داوود الذي وقف امامها و هو ينظر اليها ببعض التردد ، ثم مد لها يده بمغلف متوسط و قال باختصار : عاوزك تبصى على اللى فى الظرف ده
ليستدير و يتركها مرة اخرى بسرعة ليعود الى الداخل ، فتسمع صوت رغدة و هى تقول بفضول : ده صوت داوود مش كده
رنيم : ايوة هو
رغدة : و هو بيديكى ايه تشوفيه
رنيم و هى تفض المظروف بيد واحدة : مش عارفة ، استنى كده اما اشوف
لتشهق بصدمة قائلة : مش ممكن .. دى اكيد فوتو شوب
رغدة بفضول : هو ايه ده اللى فوتو شوب ما تفهمينى
رنيم بصوت مختنق من العبرات التى طفت الى عينيها : صور فرح لمعتز
رغدة : و ليه فوتو شوب ، طب مانتى عارفة ان معتز اتجوز قبل كده فعلا و كمان اكتر من مرة
رنيم : ايوة .. بس معتز اكدلى انه كان مضطر للجوازات دى و انه ولا مرة اتجوز عن حب
رغدة بضيق : يابنتى فوقى بقى .. كلام ايه ده بس ،
هو فى راجل الايام دى بيتجوز غصب عنه ، و بعدين دى جوازة منهم كانت عاملة فضيحة بكل المقاييس ، انتى ازاى ناسية الكلام ده
رنيم : كلام ايه بس
رغدة : انتى نسيتى نجوى .. نجوى زايد
رنيم : فاكراها .. مالها
رغدة : ماهو من ضمن جوازات معتز .. انه كان متجوز سوزان اختها و بعد ما اتطلقوا و كان مخلص على نص فلوسها طبعا ، نجوى فضحته فى البلد كلها
رنيم بتردد : ايوة .. بس اللى سمعته وقتها ان جوز سوزان كان اسمه ميزو .. مش معتز
رغدة : ده اسم الدلع ، صدقينى الاتنين نفس الشخص ، ده انتى ربنا بيحبك انه نجاكى منه
رنيم بنبرة مخت/نقة تدل على بوادر بكاء : معتز اكدلى ان انا الانسانة الوحيدة اللى حبها فى حياته يا رغدة
رغدة : انتى عارفة انه اتجوز قبل كده كذا مرة ، ايه اللى بيخليكى تعيطى بقى دلوقتى مش فاهمة
رنيم باكية : ان الصورة المرة دى على غلاف مجلة عدد الاسبوع ده ، معتز اتجوز تانى يا رغدة ، ازاى لحق ينسانى بسرعة كده ، ده ماعداش شهر على اللى حصل ، ازاى لحق يعرفها و يتجوزوا كمان
رغدة بتعاطف : حبيبتى ده اكبر دليل انه ماحبكيش من البداية ، و ممكن اوى يكون كان بيحاول يوقعها فى نفس الوقت اللى كان معاكى فيه و يشوف انهى صيدة اسهل من التانية ، و لازم تحمدى ربنا انه نجدك منه ، و كمان تشكرى داوود على اللى عمله
رنيم : داوود هو السبب فى كل ده من البداية ، هو السبب فى تدمير حياتى كلها
رغدة : طب بس اهدى ، و حاولى تطلعى تاخدى شاور تهدى بيه اعصابك و تناميلك شوية
رنيم بسخرية : انام .. انام ازاى بعد كل اللى حصل ده
كان داوود قد عاد الى خلف زجاج شرفة المكتب بعد ان اظلم الانوار مرة اخرى حتى لا تراه رنيم ، و ظل يراقب انفعالات رنيم حتى وجدها تغلق الهاتف ، و لكنها لم تعد الى داخل الفيلا ، بل ظلت بجلستها يعلو وجهها الوجوم
و رويدا رويدا كانت تحاول الاسترخاء بجلستها حتى شعر انها استكانت تماما بمكانها ، ليتأكد انها قد نامت و هى جالسة بمكانها ، ليخرج من غرفة المكتب و يتجه الى الخارج و يقترب رويدا من مكانها حتى اطل على وجهها ليلاحظ انتظام انفاسها ، و يدها مدلاه و من تحتها الجريدة التى يعلوها صورة معتز و عروسه .. ملقاة ارضا ، ليتأملها قليلا ببعض الحسرة المقرنة بالعتاب ، ثم تمتد يده الى يدها المدلاه بجانبها ليلتقطها بحنو ، و هو يضغط عليها برفق قائلا بحذر : رونى .. قومى يا ماما نامى فى اوضتك
لتفتح رنيم عينيها ببعض التيه و هى تنظر حولها حتى تلاقت عيناها مع داوود لتنتفض فزعة و هى تقول : فى ايه ، انت واقف كده ليه
ليعتدل داوود بوقفته و هو يستعيد جأشه و يقول : انتى نمتى مكانك ، اطلعى ياللا عشان تنامى فى اوضتك
رنيم بعند : ده شئ مايخصكش ، انا انام فى المكان اللى يريحنى
داوود ببعض الخبث و هو يستدير عائدا الى الداخل : انتى حرة ، انا بس عشان عارف انك بتخافى من الفيران قلت اصحيكى تطلعى اوضتك ، بعد ما لمحت فار على الشجرة اللى جنبك
لتنتفض رنيم من جلستها شاهقة و هى تبحث عن عصاتها برهبة و هى تصرخ قائلة : استنى يا داوود ، استنى اما ادخل معاك
ليلتفت داوود اليها مرة اخرى و ينحنى ملتقطا عصاتها من الارض مناولا إياها لرنيم قائلا : طب بالراحة بس .. على مهلك ماتخافيش انا مستنيكى
لتتناول رنيم عصاتها من يديه و هى تتلفت حولها بذ.عر و تحاول الاسراع فى مشيتها الى جواره حتى دخلوا الى الفيلا و اغلق داوود الباب من خلفهما
لتزفر رنيم و هى تشعر ببعض الامان ، لتسمع داوود يقول : تحبى اوصلك اوضتك
رنيم بعناد : ليه ان شاء الله .. عيلة صغيرة و تايهة
من اهلها ، لتتركه متجهه الى الدرج تحت نظراته الباسمة التى لو راتها لوجدتها تموج بحب جارف
و ما ان غابت عن عينيه حتى عاد العبوس مرة اخرى الى وجهه و عاد مرة اخرى الى غرفة المكتب
و فى الصباح عندما وصلت رنيم الى مائدة الافطار وجدت خالها عابد و ليلى زوجته يجلسان بصحبة جدها و داوود فقالت بخفوت : صباح الخير
ليرد الجميع عليها التحية و يقول عابد : عاملة ايه يا رونى
رنيم : الحمدلله يا خالو
ليلى : على الله تكونى عقلتى و …
المنشاوى بتحذير : ليلى .. ياريت ماتدخليش فى اى حاجة تخص رنيم
ليلى : ايوة يا عمى .. بس اللى حصل ….
المنشاوى : اللى حصل مايخصش حد غيرى انا و رنيم و بس
ليلى بامتعاض : مش حقيقى ، و الا ماكانش اللى يسوى و اللى مايسواش بيسالنى ان كان اللى أسمه معتز ده عرف يضحك عليها و اللا لحقناها
و هنا يقول داوود بحدة : ماما .. من فضلك ، ياريت تلتزمى باوامر جدى ، و السيرة دى ماتجيش ابدا هنا مرة تانية
لتنتفض رنيم على صراخ داوود بوجه ليلى ، لتنظر إليه برهبة و هى تتأمل ملامح وجهه الغاضبة بقلق ليقول المنشاوى : اهدى يا داوود يا ابنى ، الموضوع مايستحقش كل الغضب ده ، ثم نظر لعابد بامر و قال : فهم مراتك بالراحة يا عابد ، انى مابقيتش حمل مهاترات كتير
عابد و هو ينظر لليلى بتحذير : احنا قلنا ايه ، الدكتور منبه ان بابا مايتعرضش لاى إجهاد و لا عصبية قبل العملية
لتقول رنيم بانتباه قلق و هى تنظر لجدها : مين ده اللى هيعمل عملية ، انت يا جدو .. عملية ايه دى
ليضع المنشاوى وجهه بين كلا كفيه و يدلكه بامتعاض ثم ينظر لداوود الذى بدوره نظر لرنيم و قال ببعض التردد : ماتتخضيش كده .. دى عملية بسيطة ان شاء الله
لتنهض رنيم من مقعدها و تقترب من مقعد جدها و تجلس الى جواره ارضا و هى تنظر اليه برهبة عاتبة قائلة : ازاى ماتقوليش حاجة زى دى ، انت تعبان من ايه ، قولى و اوعاك تخبى عنى حاجة تانى
المنشاوى بتنهيدة و هو ينظر الى عابد بعتاب : قومى يا حبيبتى اقعدى على الكرسى ، ماتقعديش كده
ليحمل داوود احد المقاعد و يقربه من مجلس رنيم و هو يحاول مساعدتها على النهوض قائلا : قومى يا رونى
لتنفض رنيم ذراعها من يد داوود و هى تقول بغضب : حد يرد عليا و يقولى عملية ايه اللى جدو هيعملها
داوود بتحذير : حاولى تتكلمى بهدوء اكتر من كده ، على الاقل عشان خاطر جدك
رنيم و هى تحاول كبت غضبها : طب ياريت تفهمنى
داوود : عملية تغيير صمام
رنيم و هى تضيق مابين عينيها : هو مش عمل العملية دى قبل كده من كام سنة
داوود : حقيقى ، بس كان صمام الشريان الرئوى ، المرة دى التاجى
لتعض رنيم على شفتيها برهبة ، ثم تعود بنظرها الى جدها مرة اخرة بعتاب قائلة : كنتم مستنيين ايه عشان تقولولى ، و اللا انا خلاص مابقيتش اهل للثقة انى اعرف حاجة زى دى
لينهض المنشاوى من مكانه قائلا : تعالى يا رنيم .. ان الاوان انى اتكلم معاكى فى حاجات كتير كنت ماجلها ليوم العملية .. تعالى نقعد سوا فى المكتب
عابد بنبرة اعتذار : طب تحب اجى معاك يا بابا
المنشاوى : كل واحد يشوف وراه ايه يعمله ، و سيبونى مع رنيم لوحدنا
و ما ان دلفا الى غرفة المكتب .. الا و امرها جدها ان تغلق الباب خلفهما ، ثم قال بهدوء : تعالى يا رونى اقعدى هنا جنبى
رنيم : مش قبل ما افهم و اعرف
المنشاوى : عاوزة تفهمى و تعرفى ايه
رنيم : افهم ليه ماحدش قاللى على موضوع العملية دى لحد دلوقتى ، و اعرف هتعملها امتى
المنشاوى : العملية معادها الاسبوع اللى جاى
رنيم بصدمة : يعنى بعد اسبوع واحد ، و كنتم مستنيين ايه عشان تقولولى ، و اللا انتم شيلتونى من حساباتكم للدرجة دى و اللا ايه بالظبط
المنشاوى : خفت اقوللك لاتفكري انى بس بقول لك كده عشان استعطفك و ماتسافريش
رنيم : مين قال الكلام ده
المنشاوى بترصد : تنكرى ان دى كانت اول حاجة هتيجى فى بالك ، تنكرى انك واخدانا اعداء ليكى على طول الخط من وقت ماحصل اللى حصل
رنيم بامتعاض خفيف : يا جدو انتو ماحاولتوش حتى تسمعونى
المنشاوى بعتاب : ده لانك من الاساس ماحاولتيش تتكلمى معانا ، سلمتى ودانك و عقلك للافاق ده و صدقتيه و كدبتينا كلنا ، و وصلت بيكى انك اتهمتى داوود انه طمعان فيكى .. و اللا نسيتى
رنيم ببعض الخجل : بس كل ده مالوش علاقة بصحتك و العملية بتاعتك
ليمد المنشاوى اليها يده يدعوها للجلوس الى جواره و هو يقول بحب : كنت متفق مع داوود انى هقول لك كل حاجة بنفسى ، بس يوم العملية او قبلها بيوم
، ماكنتش عاوزك تقلقى و لا تخافى عليا
رنيم : بس مش لدرجة انى ابقى انا الوحيدة اللى ما اعرفش
المنشاوى : انتى و يقين ، كنت مخليكم للاخر خالص ، و العملية بتاعتى دى هى السبب انى منعت سفرك
رنيم : مش فاهمة
المنشاوى : كنت خايف تنفذى اللى فى دماغك و تسافرى و تبعدى عنى و ما اشفكيش قبل ما ادخل العملية
رنيم : تقوم تجوزنى يا جدو ، و داوود كمان
المنشاوى : ده عشان مصلحتك صدقينى .. داوود الوحيد اللي هيعرف يحميكى و يحافظ عليكى و على مالك يابنتى