رواية اغلال الروح الفصل السابع 7 بقلم شيماء الجندي
الفصل السابع "دُمْيَة ! "
دلفت "أميرة" إلى الغرفة و بسمتها تُزين وجهها وكأنها تخبرها أنها استجابت إلى إلحاحها المستمر والمتعمد و فتحت لها الباب الذي تأكدت من إغلاقه للتو ونظرت إلى الطعام قائلة بسخرية :
- سوري ياسديم ! قاطعت أكلك ؟
تُثير غضبها حين ترى هذه النظرات الباردة و تتعمد "سديم" إظهارها لها هي تحديدًا لم تحاول الاكتفاء بنظرة جافة بل كللتها بتنهيدة عميقة ومسموعة تدل على شعورها بالملل في صحبتها و قد اتجهت إلى الفراش تجلس فوقه وتضع الوسادة خلف ظهرها قائلة بهدوء :
- لأ مقاطعتيش حاجة !
عقدت "أميرة" حاجبيها و قالت بدهشة زائفة أدركتها الأخرى وصمتت ترقب حركتها بالغرفة باحثة بعينيها عنه :
- هو آسر كان هنا معاكِ !!! الـ perfume "عطر" بتاعه اوڤر أوي هنا !!
رفعت "سديم" حاجبها و قالت بسخرية :
- really !!!! " !!! حقًا "
واصلت حديثها العابث وهي تعقد ذراعيها أسفل صدرها غامزة بإحدى عينيها تردف بمكر :
- آه كان هنا و خرج من الناحية دي لما سمعك بتخبطي ، جري و خاف معرفش ليه !!
ضحكت "أميرة" بغنج و ظنتها تسخر منها وعلقت على كلماتها و هي تتجه إليها و تجلس على طرف الفراش متسائلة بخبث :
- هو دا بقاا اللي أنتِ بتحلمي بيه ؟ و اللي رجعتي عشانه ؟
رفعت "سديم" حاجبها وقالت بتسلية :
- مش فاهماكِ ياأميرة ! بحلم بإيه ؟ و رجعت عشان مين !
اجابتها الأخرى بوضوح حين اغضبها ردها :
- اقصد إنك تحاولي تتقربي من آسر عشان تكسبي من كل الجهات ! يبقا عاصم و آسر ثروة كبيرة برضه !
ثم ابتسمت و قالت بمكر وهي تقترب منها بجسدها هامسة بأذنها :
- أنا متأكدة إنك مش جايه عشان عاصم بعد كل السنين دي في حد يسيب باباه كل دا برضه ؟
ابتسمت لها "سديم" و قالت و هي تدثر حالها بالغطاء جيدًا و ترفع إصبعها تدفعها عنها بإشمئزاز واضح ترتسم فوق قسمات وجهها :
- أنتِ أكيد عارفة إنك آخر واحدة ادخل معاها في حفلة سمر و حكاوي عن النوايا بتاعتي ياأميرة مش كدا برضوا ؟ ولو متعرفيش أنا عرفتك أهوه يلا اقفلي الباب وأنتِ خارجة كويس أحسن آسر يدخل منه ولا حاجه !
ثم أمسكت جهاز التحكم الصغير و ضغطت على زر خفض الإضاءة تمامًا و أغمضت عينيها متعمدة تركتها في حالة صدمة بالغة من ثبات تلك الفتاة المستفز لها و حرصها المبالغ به في جميع كلماتها معها ، ليست محتالة فقط بل هي ماهرة و لأول مرة تخشاها منذ أن رأتها لقد ظنت أنها فتاة محتالة يسهل التلاعب بها واستغلالها بالابتزاز والضغط عليها ، و لكنها الآن لم تتوتر أو تندهش من الحديث كما أنها تحافظ على ثباتها الإنفعالي بشكل كبير يشعل غضبها بينما هي لا تبالي !!!!
استقامت "أميرة" وغادرت الغرفة بصمت ، تُغلق الباب جيدًا خلفها لتبدأ المعارك داخل عقلها و قد رفعت الهاتف إلى أذنها و همست بخفوت و هي تصعد الدرج إلى منزلها :
- سمعتي بنفسك طريقتها !
عضت شفتيها و أكملت مسرعة حين استمعت إلى باب منزل في الطابق العلوي يُغلق بقوة :
- سلام دلوقت و هكلمك بكرة !!
كادت تدلف إلى منزلها لكن أوقفها "سليم" يقول بدهشة :
- إيه دا أنتِ كنتِ عند تيته ولا إيه ؟
هزت رأسها بالسلب و قالت بابتسامه صغيرة :
- لا أنا كنت بعتذر لسديم و اتصالحنا وطلعت !
رفع حاجبه و قال بهدوء و هو يشير إليها تجاه باب المنزل :
- طيب تمام تصبحي على خير !
هزت رأسها بتوتر و دلفت تغلق خلفها بهدوء ، ليواصل هو الهبوط متجهًا إلى المنزل الخاص بـ "آسر" الذي كان يتحدث إلى "رائف" قائلًا :
- أنا إيه خلاني امشي ورا واحد زيك ؟!! دي افتكرتني مجنون و قالتلي بتتحرش بيااا !!! مكنتش عارف ابرر حتى اللي عملته !
كتم "رائف" ضحكاته وقال محاولًا تهدئته :
- لحظة هو أنت عملت إيه بالظبط ؟ أنا قولتلك روح اعتذر عن اللي عملته معاها الوضع اتطور لفين بالظبط !
عقد "آسر" حاجبيه و قال بغضب :
- هكون عملت ايييه يعني ؟!!! أنا محبتش تفكر إني بتعمد اضايقها بس هي بتستفزني جدًااا بتخرجني عن شعوري و حقيقي مبحبش اتكلم معاها كتير !
اعتدل "رائف" بوقفته حين دلف "سليم" يقول بعبث :
- هي مين دي اللي بتستفزك بس ؟
استدار "آسر" له وتنهد بهدوء بينما أجاب "رائف" :
- تعالى ياسليم كنا لسه بنتكلم على بنت عمكم ، آسر مكنش عايز يدربها و بيقول عليها مستفزة !
عقد "آسر" حاجبيه حين قال "سليم" مسرعًا :
- خلاص ادربها أنا ومتزعلش أوي كدا ، حد يتضايق من سديم !!!! دي حتى أميرة اعتذرتلها !
وقف "آسر" متشدقًا بتهور أثار حفيظة "رائف" و أدهشه تناقض صديقه :
- هو مين قال إني مش هدربها أصلًا الشغل حاجة و الأمور الشخصية حاجه تاني ! و بعدين مين قالك إن أميرة اعتذرت أنت عديت على سديم دلوقت ؟
تحدث و هو ينظر إلى ساعته التى تجاوزت الواحدة صباحًا ليعقد "سليم" حاجبيه و يقول بضيق :
- فيه إيه يا آسر هو أنا قليل ذوق عشان اعدي عليها دلوقت ! أنا قابلت أميرة وأنا نازل طالعة من عندها وقالتلي إنها كانت بتعتذرلها ، و بعدين متعصب كدا ليه أصلًا دي بنت عمي زي ماهي بنت عمك !
حدق به "آسر" صامتًا ثم تنهد و توجه إلى الأريكة يجلس فوقها بإرهاق و ترك صديقه يقول بدهشة :
- هو فيه إيه ياجماعة مالكم سخنتوا كدا على بعض ، آسر يقصد انه مش بيحب أسلوبها عامة لكن الشغل حوار تاني ما أنت عارف دماغ آسر ياسليم مالك ؟
رفع "آسر" حاجبه وعلق قائلًا :
- مالها دماغي بقاا ؟
زفر "سليم" و عقد حاجبيه بينما أجاب "رائف" قائلًا بلطف :
- احم ما كلنا عارفين ياآسر إنك بتشتري دماغك وكدا !
نظر إليه "آسر" بغضب ثم استقام يقول بهدوء ظاهري :
- طيب أنا محتاج أنام دلوقت اتفضلوا عشان ارتاح !
تركهم يتجه إلى الغرفة و قد شعر "سليم" بالحرج و قال :
- واضح إن احنا كبرنا الموضوع معاه ، أنا كنت نازل اطمن عليه و اقعد معاه النهاردة عشان ميبقاش لوحده بس شكله متضايق ، أنا مش فاهم سديم عملتله إيه واحدة عرفت تتصرف وتروح بيه على مستشفى وبعدها كلمتك و وقفت معاه النهاردة كله فين الغلط اللي استفزه منها مش فاهم !!
توجه إليه "رائف" متشدقًا بعقلانية :
- مكبرناش حاجه ياعم أنت سيبه بس متقلقش عليه هو قال هينام و هنجيله الصبح نشوفه لما يقعد مع نفسه هيهدا و يرتاح من ضغط اليوم مش أكتر !
هز رأسه باقتناع و هو يقول رابتًا فوق كتفه :
- طيب تعالى عندي النهاردة بدل ما تمشي دلوقت كدا ؟
هز رأسه بالسلب قائلًا بهدوء :
- لأ لأ أنا هروح عشان اجهز كمان ورق لشغل بكرة جدتك اكيد مش هتسيب آسر يعمل اللي في دماغه وينزل .
ابتسم له "سليم" و قال بامتنان :
-معلش بقا تعبناك معانا !
عقد الآخر حاجبيه و قال بجدية :
- تعب إيه هو أنا غريب ؟ انتوا اخواتي يابني ، روح نام بقاا و اشوفك بكرة !
و بالفعل صعد "سليم" مودعًا إياه و رحل "رائف" و مرت ساعتين بهدوء و سلام داخل المنزل إلى أن استقيظت "سديم" من كابوس مروع كعادتها منذ وطأت قداماها هذا المنزل و اعتدلت فوق الفراش تنظر حولها لحظات و كأنها تبحث عن أحدهم وخاب أملها زفرت و هي ترفع يدها تضعها فوق قلبها لحظات ثم تنهدت بصوت واضح و خرجت من الفراش بل من الغرفة بأكملها و قررت التجول داخل الحديقة و رؤية الحديقة الخلفية إلى أن تهدأ و تبدأ بترتيب أفكارها أو تسعيد قدرتها على النوم مرة أخرى أيهما أقرب !
بدأت أنفاسها تنتظم و عاد إليها سلامها الداخلي و لكن لازال الحديث الدائر بين عقلها وقلبها و لازال قلبها يطالبها بالمحاولة مرة أخرى مع والدتها و أن لديها فرصة جيدة للابتعاد عن "سامح" و ظلامه و أن تبدأ جولة جديدة داخل عالم أحلامها و لما لا ؟!!!
ضحكت بخفوت من حالها و همست :
- عايزة ابعد عنه وأنا هنا أصلًا عشان اكمل معاه في القرف دا ؟!! معادلة مضحكة وملهاش حلول فعلًا !!
لم تشعر بحالها إلا و هي تقف أمام زجاج منزله و اتسعت عينيها حين وجدت جسده يفترش الأرض الرخامية عاري الصدر يرتدي فقط سرواله الرياضي و معالم الإعياء واضحة على وجهه هل كان يمارس الرياضة بهذا التوقيت و بتلك الحالة !!!
بدأت تبحث عن باب منزله بذعر واضح والعجيب أن الباب مفتوح ، كيف لم يُدرك أحدهم أو يلاحظ هذا المشهد !!!!
توجهت إليه و هبطت أرضًا ثم بدأت تستكشف انتظام أنفاسه لكنها استقامت مسرعة و أخرجت هاتفها من جيب السروال القصير تعبث به لحظات قبل أن ترفعه إلى أذنها تقول مسرعة فور أن أتاها الرد :
- أنا هوصفلك حالة قدامي ياكريم و قولي اتصرف ازاي بسرعة معلش آسفة للتوقيت دا !
فتحت مكبر الصوت وتركته ثم بدأت تصف له و تنفذ تعليماته بشكل حرفي إلى و أمسكت الوسادة تضعها أسفل رأسه و تتأكد أن سقوطه لم يصحبه كدمات أو جروح و تنفست الصعداء حين وجدت أن الأريكة منعت سقوطه فوق الكتف المصاب ، دقائق عصيبة مرت عليها و ها هو يعود إلى وعيه بعد عناء و صادف دخول "يوسف" يقول بهلع حين وجد أخيه فوق الأرض :
- ايه داااا ؟!!! حصله ايه ؟!!!
نظرت إليه و أشارت إلى الطعام هي تغلق هاتفها :
- متقلقش هو بس من المجهود تقريبًا جرى جامد و مكنش أكل هنكمله الكمادات و حرارته تنزل و يبقا بخير تعالى بس ارفعه معايا فوق الكنبة أو ندخله أوضته أحسن !
هز رأسه و ترك مابيده جانبًا و أسرع إليه يعاونها برفع جسدها و هي تحذره بلطف :
- حاسب يايوسف عشان كتفه و اسنده بس هو فايق معانا متقلقش عليه !
ثم وضعت يدها أعلى ذقنه المشذب و وجهت وجهه إليها تقول بهدوء :
- آسر أنت معاياا مش كدا !
همس بخفوت وصوت متحشرج و هو يستند بجسده إلى أخيه و يحاول فتح جفنيه حتى يُبصر الطريق جيدًا :
- آه !
تأكدت "سديم" أن الأخوين وصلا بسلام إلى الفراش و بدأ "يوسف" يعاون أخيه و يضع الوسائد خلف ظهره لتتوجه هي إلى الخارج و تبدأ بإعداد ما تحتاج إليه لصنع كمادات باردة ثم أسرعت إلى أفراد الأمن بالخارج تأمرهم بإحضار الدواء الذي أملاه عليها "كريم" و عادت إليهما مسرعة بينما كان "يوسف" يتابعها قائلًا بقلق :
- نطلب الدكتور أو نروح بيه على أقرب مستشفى أحسن ؟
أمسكت القطعة القماشية الصغيرة و وضعتها داخل المياه و هي تتحدث معه قائلة :
- لا متقلقش أنا اعرف دكتور واتواصلت معاه و الأدوية هتيجي ياخدها بعد الكمادات و هيبقا تمام متقلقش !
ثم أكملت :
- لو تقدر تجيب تيشيرت و تساعدني يلبسه بس بعد ما نخلص يبقا تمام أوي !
هز رأسه بالإيجاب و قال بتأكيد وهو يتوجه إلى غرفة الملابس :
- اه طبعًا حاضر !
عاد إليها يقول بهدوء :
- طيب اقولهم في البيت أحسن ؟
كادت تتحدث لكنها عقدت حاجبيها متأوهه حين قبض فجأة "آسر" على يدها و قال بخفوت و هو يقاوم حالة الإعياء يرفع رأسه محاولًا الاستقامة مُغمضًا عينيه :
- لااء !
ابتسمت و أفلتت يدها بهدوء و أعادت يده فوق الفراش ثم وضعت يدها فوق كتفه العاري و دفعت جسده بخفة إلى الوسائد مرة أخرى قائلة بلطف :
- خلاص مش هنقول متقلقش !
مر الوقت و بدأت درجة حرارة جسده بالاعتدال قليلًا و أردف "يوسف" حين طرق فرد الأمن فوق الباب الخارجي :
- شكله جاب الأدوية هروح أخدها !
كانت "سديم" قد جلست على طرف الفراش بمواجهته و أمسكت المنشفة الأخرى تجفف القطرات التي تنساب بعشوائية تجاه أذنيه و ضعت يدها أعلى جبهته و فوق عنقه تتأكد أن الأمور على ما يرام ، فتح حينها عينيه و أمسك يدها يثبتها فوق صدره من جهة الإصابة و يضع يده فوقها يثبتها و يهمس لها بصوت متحشرج :
- مش عايز أدوية !
توترت ناظرة إلى يدها التي يحتفظ بها فوق صدره الدافئ وهمست :
- أنا مبحبش الأدوية بس باخدها في حالة هتساعد جسمي يرجع أحسن ، اخوك اتخض عليك أوي أظن دا سبب قوي إنك تساعد نفسك !
صمت و حاولت إفلات يدها بهدوء و نجحت أخيرًا بعدما أغمض عينيه منتظرًا عودة شقيقه بالدواء ، و قد عاد "يوسف" بالفعل يهمس لها :
- هو نام !!!!
هزت رأسها بالسلب و استقامت واقفة تأخذ منه الدواء و بدأت تدسه بخفة بين شفتيه ثم أمسكت الكوب و وضعته فوق ثغره هامسة بلطف :
- يلا يا آسر !
فتح عينيه ينظر إليها و هو يرتشف المياه ثم ألقى نظرة خاطفة تجاه أخيه و ابتسم له يقول بعبث :
- متقلقش يلاا ، أنا زي الفل !
كانت "سديم" قد وضعت الكوب جانبًا و أمسكت هاتفها الذي أعلن عن مكالمة هاتفية تقول عاقدة حاجبيها :
- أوبس أنا قفلت في وش كريم ! بعد أذنكم !
و خرجت على الفور ليعقد "آسر" حاجبيه و تختفي بسمته يقول بدهشة :
- هي الساعة كام ؟
أجابه أخوه و هو يجلس فوق الفراش :
- الساعة 5 تقريبًا !
رفع حاجبه مرددًا بصدمة :
- مين كريم اللي قفلت معاه !
هز "يوسف" كتفيه يقول بلامبالاة :
- غالبًا الدكتور اللي كلمته يساعدها من شوية ! أنا كنت مركز معاك بصراحة خضتني عليك وقولتلك اقعد معاك رفضت واتعصبت علياا إيه لزمة الرياضة بالحالة دي يا آسر !
زفر "آسر" بملل و قال بإرهاق و عينيه تتابع باب الغرفة :
- رياضة إيه يايوسف أنا جريت شوية مش أكتر مكنتش أعرف أن كل دا هيحصل !
ربت "يوسف" فوق كتف أخيه وابتسم له يقول بتفهم :
- ولا يهمك ، المهم إنك أحسن شوية !
كاد "آسر" يتحدث لكن صاح "يوسف" مداعبًا "سديم" التي دلفت في ذات اللحظة تقف عند باب الغرفة :
- بنت عمي اللي منغيرها نضيع كلناا ، إيه الجمدان دا كله بس ياسديم !
ثم أكمل حديثه ينظر إلى "آسر" قائلًا :
- سديم اسعفتك مرتين كدا يعني بقينا مديونين ليها بروح !
ابتسم له "آسر" و عاد بنظراته إليها يقول بامتنان :
- شكرًا !
نظراته الممتنة الهادئة ادهشتها هل يُتقن دوره الآن لأن أخيه يجاوره ؟ أم أنه بالفعل يحترم فعلتها ؟ بالرغم أنها لا تنتظر جزاء عملها إلا أنها مبتهجة من رؤية نظرات موجهة إليها و خالية من الإزدراء داخل عينيه !!
هزت رأسها بابتسامة هادئة و كاد تغادر المكان إلا أن استقام "يوسف" يقول مسرعًا :
- سديم تعالي دقايق لحد ما يلبس التيشيرت بس عشان اخاف ألبسه لوحدي !
عادت إليه تقول بتوتر طفيف :
- تمام شوف عايز تعمل إيه ؟
قاطعهم "آسر" يقول : لاء لاء مش هلبس حاجة !
ثم أزاح الوسادة بيده السليمة من خلف ظهره وتسطح فوق الفراش يقول بإنهاك :
- سيبوني بقا أنام شوية !
غادرا الغرفة و همست "سديم" قائلة :
- بلاش نمشي دلوقت ممكن يسخن تاني ، تشرب معايا حاجه ؟
أجابها بدهشة :
- مش هتنامي ولا إيه ، روحي ارتاحي أنا هكمل سهر عادي !
هزت رأسها بالسلب و قالت بهدوء : لاء أنا نمت وصحيت من شوية كدا قولت اتمشى شوية و بعدها شوفت المنظر من برا اتشغلت معاكم بس أنا فايقة متقلقش عليا !
نظرت إلى معالم الإجهاد الواضحة فوق ملامحه و قالت بلطف :
- لو تحب تروح تنام شوية أنا هقعد كدا كدا ، و أول ما احس إني خلاص عاوزة انام هصحيك !
عرض شديد الإغراء هو بحاجة إلى ساعات نوم قليلة بعد قضاء يوم شاق مثل أمس ، رفع يده يفرك خصلاته بأنامله ثم قال بخجل طفيف :
- بس أنتِ كدا مش هتنامي و شكلي هيبقا وحش أوي قدامكوا بصراحة !
ضحكت بخفة و أجابته : لأ شكلك مش وحش ولا حاجه ومتقلقش مش هقول لأي حد إنك نمت !
ابتسم لها و سار بإتجاه الغرفة الأخرى لكنه توقف فجأة يقول بصدق :
- أنتِ بقيتي طيبة أوي لما كبرتي على فكرة !
عقدت حاجبيها و سألت بتردد طفيف :
- هو أنا كنت مكروهه أوي زمان ولا إيه ؟
ضحك و أجابها بتوتر :
- بصراحة !! كنتِ سخيفة و أنانية جدًا !! عيلة استغلالية كداا !
ابتسمت له و قالت برغبة واضحة لإنهاء النقاش :
- سيبك من زمان و روح نام يلاا ، قبل ما اليوم الجديد يبدأ ، تصبح على خير !
________________ *** _________________
مرت ثلاث ساعات كاملة و أشرقت شمس يومها الجديد و هي جالسة ترتشف قهوتها التي صنعتها منذ قليل ، كانت تتفقده بين حين و آخر و دلفت تلك المرة عاقدة حاجبيها حين استمعت إلى صوت تأوه و توجهت إليه تميل بجزعها العلوي و تستند بيديها إلى ركبتيها هامسة باسمه بخفوت :
- آسر !!! أنت بخير ؟ حاسس بألم !!
فتح عينيه يحدق بها لحظات ثم قال بصوت خافت :
- آه كتفي !
همست بتساؤل و هي تضع يدها فوق عنقه :
- كتفك نفسه و لا رقبتك من ورا !
ازدرد رمقه و همس بصوت متحشرج :
- آه هناا !
تنهدت تقول بحزن : معلش دا مكان الكدمة بس عشان وقعت راسك اتخبطت من ورا ، بس فيه كريم بيتحط وأنا نسيته تحب احطه !!
حاول الاعتدال و تورد خديها تحاول تجنب جزعه العلوي العاري و قد لاحظها و همس لها بألم :
- آه !! سديم هاتي المخدة من ورايا !
توترت نظراتها و رفعت خصلاتها خلف أذنها التي بدأت تصطبغ باللون الأحمر القاني و مدت ذراعها تجذب الوسادة من الخلف و تضعها خلف ظهره محاولة تجنب لمسه لكنه أحاط خصرها بذراعه فجأة حين كانت على وشك السقوط بسبب محاولتها الابتعاد عنه قدر الإمكان ، شهقت بفزع و اتسعت عينيها تقول بتوتر :
- آسفة !!!!
رفعت يدها تضعها فوق صدره العاري بتوتر شديد و كانت رعشة جسدها واضحة له ! كما بدأت صدرها يعلو و يهبط بقوة و ابتعلت رمقها تعض فوق شفتيها بخجل حين قبض بقوة أكبر فوق خصرها يضمها إلى صدره الدافئ رافضًا تركها و كأن حرارة جسده انتقلت لها في تلك اللحظة خاصة و جهها الذي اشتعل و كأنه يصرخ من أثر هذا القرب الحرج و المُهلك لهما ! رفعت عينيها تنظر إليه بدهشة و كأنها تسأله في صمت عن سر أفعاله شديدة التناقض معها ! إن كان يمقت قربها كما أخبرها أنها مجرد لعبة ! تنتهي خطته و تنتهي قصتها معها ! أدرك حديثها الصامت و لكنه كان داخل جولة تأمُلية بجمالها الآخذ و رائحتها الناعمة التي انطلقت تداعب أنفه حين تقلصت المسافة بينهما ، سيئة عادتها بجمع خصلاتها على جانب واحد و ترك نحرها الجميل هكذا لأعين جميع من حولها ، إمرأة رائعة تملك جميع ما يؤهلها لغزو أعتى الرجال قابعة بين أحضانه و عليه أن يتجاهل كل هذا الإغراء و يحاول التركيز على هدفه معها و ليس شفتيها كما يفعل الآن !!! لاحظت نظراته و ابتعلت رمقها تخفض و جهها إلى الأسفل و همست له بصوت متوتر :
- آسر !!
همسها باسمه و محاولتها الفاشلة بدفعه بعيدًا عنها ، وكأنها تُصبح فاتنة كلما اقتربت ، كلما رفعت عينيها المتسعة و نظرت إليه ببراءة هكذا يغضب من حاله و يرى فتاة أخرى تتطلع إليه و تنتظر خطواته تجاهها لكن حديثها يناقض برائتها و أفعالها تناقض صمتها و حديث عينيها الصادق يخبره أن ما يخرج من شفتيها عبارة عن سلسلة أكاذيب مزينة بثباتها الزائف ! لقد اخبرته من قبل أنه شارك باستغلالها ، و عينيها الآن تخبره أنها حبيسة و تخشى أمر ما !!! أين تلك الفتاة السيئة التي تتباهى بوقاحتها كلما رأته ؟! و كأن شراستها المعهوة ماهي إلا سلاح يحميها ، جذبها إلى أحضانه و همس أمام شفتيها بجراءة متظاهرًا بعدم الفهم :
- نعم ؟
اتسعت عينيها تنظر إليه بصدمة من مماطلته و بللت شفتيها تحاول دفعه بيديها هامسة :
- ماينفعش كداا ! سيبني !
عقد حاجبيه حين دلف "رائف" إلى الغرفة فجأة وهو يقول :
- إيه ياعم آسر !! أنـ ..ـا آآ .. اوبااا !!
تركها أخيرًا و استقامت واقفة تهرع إلى الخارج و تضع يدها فوق وجهها من جهة "رائف" متجنبة النظر إليه و اختفت من الغرفة في لحظات !!!
حدق "آسر" به بهدوء منتظرًا حديثه و بالفعل قال "رائف" بدهشة :
- إيه دا ياآسر !!!
رفع حاجبه و أجاب بهدوء :
- إيه ؟!
اقترب "رائف" يضع مابيده فوق الطاولة وعقد حاجبيه يقول بجدية :
- هو إيه اللي إيه !!!! إيه المنظر دا ياآسر !!
زفر بملل وقال محاولًا إنهاء النقاش :
- بقولك إيه يا رائف أنا مش ناقص تحقيقاتك ! منظر إيه كانت هتقع و لحقتها !
رفع حاجبه و ردد باستنكار واضح :
- هتقع !!!!!
كانت ملامح "آسر" ثابتة و عقله إلى الآن عاجز عن ترجمة مايحدث له ، ماذا فعل منذ قليل !! بل ماذا يفعل كلما اقتربت منه ، وكأنه يستغل قربها !!! أفاق على حديث صديقه الذي أنهى جدل أفكاره يقول :
- المرة الجاية و أنت بتلحقها افتكر أنت جبتها منين وليه !!!! ومتنساش أن الوقوع دا شغلتها أصلًا ! التمثيل مش صعب على اللي زيها !
صديقه مُحق ، لا يوجد مجال متاح لأي أفكار أخرى أجابه قائلًا بحزم :
- أنت دماغك راحت فين !!! فوق يارائف أنت عارف إن الحركات دي مش بتجيب معاياا ، و مليش في التسلية عشان اديها أكبر من حجمها !
لم يكن صديقه هو المستمع الوحيد بل اخترق الحديث أذنيها حيث كانت عائدة إلى الغرفة و داخل يدها علبة الكريم الخاص به ، تنفست بهدوء و جزت بقوة على أسنانها و هي تضم شفتيها و نظرت إلى العلبة القابعة بين أناملها و هي تفكر هل تعود و تضعها بالداخل حتى يعاونه صديقه بوضعه أم تغادر هذا المكان !!!!
عقدت حاجبيها حين هتف "يوسف" بصوت أجش يدل على استيقاظه للتو :
- معلش ياسديم أنا راحت عليا نومة تقريبًا !
ابتسمت له بهدوء و قالت بلطف :
- لا ولا يهمك ، أنا متضايقتش من القعدة بالعكس خالص !
ثم رفعت العلبة تقول :
- أنا كنت داخله احط المرهم لأخوك بس كويس إنك جيت تعالى معايا بقااا !
ابتسم لها و قال بترحيب :
- آه طبعًا يلا !
دلفت إلى الداخل تنظر إليه بهدوء و تراقب نظرات القلق فوق ملامحه هو وصديقه الذي قال بدهشة :
- أنتِ هنا لسه ؟
أجاب "يوسف" على الفور ساخرًا يظن أنه يقصد تواجدها بالمنزل بشكل عام :
- يااعم دي تقريبًا الوحيدة اللي منامتش زي البيت كله حتى أنا اعتمدت عليها بصراحة ونمت و راحت عليا نومة بدل ما أبدل معاها !!
نظرت "سديم" إلى "رائف" الذي يجلس فوق المقعد الذي يجاور فراشه و الذي إلتوت ساقها عنده منذ قليل و سقطت داخل أحضان هذا اللعين ! ، كانت نظراتها خاوية ، لكن حديثها أخبرهما أنها استطاعت سماع الكلمات بل و تملك قوى المواجهة والرد عليهما حيث قالت بتلميح واضح :
- أنا معملتش حاجة تستاهل يايوسف ، أي حد مكاني هيشوف حد مريض و محتاج مساعدة هيقف يتفرج عليه !
ثم أكملت موضحة :
- تعرف أميرة مثلًا لو كانت هنا ، كانت هتقول عليا استغلالية و بمثل وكدا ، عقلية مريضة أوي في حالة زي دي ! مش متفق معايا يارائف ولا إيه ؟
كان ينظر إليها بتوتر و خجل و لكنه قال بهدوء :
- طبعًا عندك حق !
ابتسمت له وقالت بلطف حذر :
- اكيد عندي حق ، أصل أميرة مش بتستلطفني خالص عشان كدا دايمًا كلامها سخيف و مش بتحسبه معايا !! بس أنا مبردش أصل مش أي حد يستاهل نرد عليه !
كان "يوسف" يضع الكريم فوق عنق أخيه بشرود لكن عيني "آسر" كانت ترتكز فوقها و قد امتزج لديه شعور الاعجاب بها و الغضب من الموقف ، كانت تنصت إلى حديثهم مما أغضبه ، و أدهشته بقوة رد فعلها ، لقد قررت المواجهة و آثرتها عن الفرار و وضعت صديقه بموقف حرج و كأن الحديث انتهى ، عاجز عن الرد بل خرج خلفها حين خرجت من الغرفة الآن !!!!!
اتجهت "سديم" خارج منزله الصغير بخطوات سريعة غاضبة منه و من صديقه و من نفسها و كأن حالة من الاختناق تسيطر عليها داخل هذا المكان ، جلست معه حين وجدته لا يقوى على الوقوف بمفرده !!! و الآن يظن بها الظنون هو و صديقه و كأنها فتاة ليل أو باغية ! ماذا صنعت لتحصل على تلك الكلمات السامة مقابل معاونتها إياه !!!
أوقفها صوت "رائف" الذي قال فور استقراره أمامها :
- سديم ، أنا آسف ! أنتِ فهمتي غلط أنـ .آآ
قاطعته تقول بحزم وغضب :
- أنت اللي فهمت غلط أو مفهمتش أصلًا ، طالما واثق في صاحبك أوي كدا و خايف عليه من ممثلة زيي قوله ميقربش مني تاني و كان سابني وقعت و هقوم عادي مش مشكلة أنا مرمتش نفسي في حضنه عشان تتكلم عني كدا ، أنا آه مش ملاك ، بس مش بالقرف اللي أنت صورته لنفسك دا ، خد بالك من كلامك عني بعد كدا ، عشان أنا مش بسيب حقي و لا بسكت عنه ، كلها فترة صغيرة اوي يخلص شغلي معاكم ومش عايزة اشوف وش حد منكم بعدها !
تركته و غادرت و لها كل الحق بل أنها اشعرته بالإحراج من كلماته ماذا فعلت ليتحدث عنها هكذا ! لقد عاونت صديقه طوال الليل ! إن كانت بهذا السوء ما الذي أجبرها على مراقبة حالة رفيقه كان يمكنها الاختفاء بعد إسعافه أو إيقاظ المنزل بأكمله لكنها لم تتسبب بإزعاج أحد و هو ازعجها بكلماته و أحكامه !!
دلفت إلى الغرفة و جلست فوق الأريكة بصمت تحدق بالفراغ و قد فرت دمعة من عينيها ، و لأول مرة يسيطر عليها شعور أنها لعبة ! مجرد دُمية بين أنامل الجميع ، الخال و الأم و الأماكن التي ذهبت إليها و جميع من قابلها كان يتلاعب بها مثل الدُمية ، حتى هو ! لا تعلم ما الذي دفعه إلى التحدث هكذا عنها و هي منذ أمس قلقه لشأنه كما لم تفعل من قبل ! أشفقت على وحدته و هيئته و هو فوق الأرض الصلبة غائب عن الوعي هل هذا هو الجزاء الذي تستحقه ؟! لم تنتظر التقدير لكنها أيضًا لم تنتظر التحقير !!!
وما فائدة إنجازاتك في أماكن لا تشبهك ومع أشخاص لا تنتمي إليك !
دلفت "أميرة" إلى الغرفة و بسمتها تُزين وجهها وكأنها تخبرها أنها استجابت إلى إلحاحها المستمر والمتعمد و فتحت لها الباب الذي تأكدت من إغلاقه للتو ونظرت إلى الطعام قائلة بسخرية :
- سوري ياسديم ! قاطعت أكلك ؟
تُثير غضبها حين ترى هذه النظرات الباردة و تتعمد "سديم" إظهارها لها هي تحديدًا لم تحاول الاكتفاء بنظرة جافة بل كللتها بتنهيدة عميقة ومسموعة تدل على شعورها بالملل في صحبتها و قد اتجهت إلى الفراش تجلس فوقه وتضع الوسادة خلف ظهرها قائلة بهدوء :
- لأ مقاطعتيش حاجة !
عقدت "أميرة" حاجبيها و قالت بدهشة زائفة أدركتها الأخرى وصمتت ترقب حركتها بالغرفة باحثة بعينيها عنه :
- هو آسر كان هنا معاكِ !!! الـ perfume "عطر" بتاعه اوڤر أوي هنا !!
رفعت "سديم" حاجبها و قالت بسخرية :
- really !!!! " !!! حقًا "
واصلت حديثها العابث وهي تعقد ذراعيها أسفل صدرها غامزة بإحدى عينيها تردف بمكر :
- آه كان هنا و خرج من الناحية دي لما سمعك بتخبطي ، جري و خاف معرفش ليه !!
ضحكت "أميرة" بغنج و ظنتها تسخر منها وعلقت على كلماتها و هي تتجه إليها و تجلس على طرف الفراش متسائلة بخبث :
- هو دا بقاا اللي أنتِ بتحلمي بيه ؟ و اللي رجعتي عشانه ؟
رفعت "سديم" حاجبها وقالت بتسلية :
- مش فاهماكِ ياأميرة ! بحلم بإيه ؟ و رجعت عشان مين !
اجابتها الأخرى بوضوح حين اغضبها ردها :
- اقصد إنك تحاولي تتقربي من آسر عشان تكسبي من كل الجهات ! يبقا عاصم و آسر ثروة كبيرة برضه !
ثم ابتسمت و قالت بمكر وهي تقترب منها بجسدها هامسة بأذنها :
- أنا متأكدة إنك مش جايه عشان عاصم بعد كل السنين دي في حد يسيب باباه كل دا برضه ؟
ابتسمت لها "سديم" و قالت و هي تدثر حالها بالغطاء جيدًا و ترفع إصبعها تدفعها عنها بإشمئزاز واضح ترتسم فوق قسمات وجهها :
- أنتِ أكيد عارفة إنك آخر واحدة ادخل معاها في حفلة سمر و حكاوي عن النوايا بتاعتي ياأميرة مش كدا برضوا ؟ ولو متعرفيش أنا عرفتك أهوه يلا اقفلي الباب وأنتِ خارجة كويس أحسن آسر يدخل منه ولا حاجه !
ثم أمسكت جهاز التحكم الصغير و ضغطت على زر خفض الإضاءة تمامًا و أغمضت عينيها متعمدة تركتها في حالة صدمة بالغة من ثبات تلك الفتاة المستفز لها و حرصها المبالغ به في جميع كلماتها معها ، ليست محتالة فقط بل هي ماهرة و لأول مرة تخشاها منذ أن رأتها لقد ظنت أنها فتاة محتالة يسهل التلاعب بها واستغلالها بالابتزاز والضغط عليها ، و لكنها الآن لم تتوتر أو تندهش من الحديث كما أنها تحافظ على ثباتها الإنفعالي بشكل كبير يشعل غضبها بينما هي لا تبالي !!!!
استقامت "أميرة" وغادرت الغرفة بصمت ، تُغلق الباب جيدًا خلفها لتبدأ المعارك داخل عقلها و قد رفعت الهاتف إلى أذنها و همست بخفوت و هي تصعد الدرج إلى منزلها :
- سمعتي بنفسك طريقتها !
عضت شفتيها و أكملت مسرعة حين استمعت إلى باب منزل في الطابق العلوي يُغلق بقوة :
- سلام دلوقت و هكلمك بكرة !!
كادت تدلف إلى منزلها لكن أوقفها "سليم" يقول بدهشة :
- إيه دا أنتِ كنتِ عند تيته ولا إيه ؟
هزت رأسها بالسلب و قالت بابتسامه صغيرة :
- لا أنا كنت بعتذر لسديم و اتصالحنا وطلعت !
رفع حاجبه و قال بهدوء و هو يشير إليها تجاه باب المنزل :
- طيب تمام تصبحي على خير !
هزت رأسها بتوتر و دلفت تغلق خلفها بهدوء ، ليواصل هو الهبوط متجهًا إلى المنزل الخاص بـ "آسر" الذي كان يتحدث إلى "رائف" قائلًا :
- أنا إيه خلاني امشي ورا واحد زيك ؟!! دي افتكرتني مجنون و قالتلي بتتحرش بيااا !!! مكنتش عارف ابرر حتى اللي عملته !
كتم "رائف" ضحكاته وقال محاولًا تهدئته :
- لحظة هو أنت عملت إيه بالظبط ؟ أنا قولتلك روح اعتذر عن اللي عملته معاها الوضع اتطور لفين بالظبط !
عقد "آسر" حاجبيه و قال بغضب :
- هكون عملت ايييه يعني ؟!!! أنا محبتش تفكر إني بتعمد اضايقها بس هي بتستفزني جدًااا بتخرجني عن شعوري و حقيقي مبحبش اتكلم معاها كتير !
اعتدل "رائف" بوقفته حين دلف "سليم" يقول بعبث :
- هي مين دي اللي بتستفزك بس ؟
استدار "آسر" له وتنهد بهدوء بينما أجاب "رائف" :
- تعالى ياسليم كنا لسه بنتكلم على بنت عمكم ، آسر مكنش عايز يدربها و بيقول عليها مستفزة !
عقد "آسر" حاجبيه حين قال "سليم" مسرعًا :
- خلاص ادربها أنا ومتزعلش أوي كدا ، حد يتضايق من سديم !!!! دي حتى أميرة اعتذرتلها !
وقف "آسر" متشدقًا بتهور أثار حفيظة "رائف" و أدهشه تناقض صديقه :
- هو مين قال إني مش هدربها أصلًا الشغل حاجة و الأمور الشخصية حاجه تاني ! و بعدين مين قالك إن أميرة اعتذرت أنت عديت على سديم دلوقت ؟
تحدث و هو ينظر إلى ساعته التى تجاوزت الواحدة صباحًا ليعقد "سليم" حاجبيه و يقول بضيق :
- فيه إيه يا آسر هو أنا قليل ذوق عشان اعدي عليها دلوقت ! أنا قابلت أميرة وأنا نازل طالعة من عندها وقالتلي إنها كانت بتعتذرلها ، و بعدين متعصب كدا ليه أصلًا دي بنت عمي زي ماهي بنت عمك !
حدق به "آسر" صامتًا ثم تنهد و توجه إلى الأريكة يجلس فوقها بإرهاق و ترك صديقه يقول بدهشة :
- هو فيه إيه ياجماعة مالكم سخنتوا كدا على بعض ، آسر يقصد انه مش بيحب أسلوبها عامة لكن الشغل حوار تاني ما أنت عارف دماغ آسر ياسليم مالك ؟
رفع "آسر" حاجبه وعلق قائلًا :
- مالها دماغي بقاا ؟
زفر "سليم" و عقد حاجبيه بينما أجاب "رائف" قائلًا بلطف :
- احم ما كلنا عارفين ياآسر إنك بتشتري دماغك وكدا !
نظر إليه "آسر" بغضب ثم استقام يقول بهدوء ظاهري :
- طيب أنا محتاج أنام دلوقت اتفضلوا عشان ارتاح !
تركهم يتجه إلى الغرفة و قد شعر "سليم" بالحرج و قال :
- واضح إن احنا كبرنا الموضوع معاه ، أنا كنت نازل اطمن عليه و اقعد معاه النهاردة عشان ميبقاش لوحده بس شكله متضايق ، أنا مش فاهم سديم عملتله إيه واحدة عرفت تتصرف وتروح بيه على مستشفى وبعدها كلمتك و وقفت معاه النهاردة كله فين الغلط اللي استفزه منها مش فاهم !!
توجه إليه "رائف" متشدقًا بعقلانية :
- مكبرناش حاجه ياعم أنت سيبه بس متقلقش عليه هو قال هينام و هنجيله الصبح نشوفه لما يقعد مع نفسه هيهدا و يرتاح من ضغط اليوم مش أكتر !
هز رأسه باقتناع و هو يقول رابتًا فوق كتفه :
- طيب تعالى عندي النهاردة بدل ما تمشي دلوقت كدا ؟
هز رأسه بالسلب قائلًا بهدوء :
- لأ لأ أنا هروح عشان اجهز كمان ورق لشغل بكرة جدتك اكيد مش هتسيب آسر يعمل اللي في دماغه وينزل .
ابتسم له "سليم" و قال بامتنان :
-معلش بقا تعبناك معانا !
عقد الآخر حاجبيه و قال بجدية :
- تعب إيه هو أنا غريب ؟ انتوا اخواتي يابني ، روح نام بقاا و اشوفك بكرة !
و بالفعل صعد "سليم" مودعًا إياه و رحل "رائف" و مرت ساعتين بهدوء و سلام داخل المنزل إلى أن استقيظت "سديم" من كابوس مروع كعادتها منذ وطأت قداماها هذا المنزل و اعتدلت فوق الفراش تنظر حولها لحظات و كأنها تبحث عن أحدهم وخاب أملها زفرت و هي ترفع يدها تضعها فوق قلبها لحظات ثم تنهدت بصوت واضح و خرجت من الفراش بل من الغرفة بأكملها و قررت التجول داخل الحديقة و رؤية الحديقة الخلفية إلى أن تهدأ و تبدأ بترتيب أفكارها أو تسعيد قدرتها على النوم مرة أخرى أيهما أقرب !
بدأت أنفاسها تنتظم و عاد إليها سلامها الداخلي و لكن لازال الحديث الدائر بين عقلها وقلبها و لازال قلبها يطالبها بالمحاولة مرة أخرى مع والدتها و أن لديها فرصة جيدة للابتعاد عن "سامح" و ظلامه و أن تبدأ جولة جديدة داخل عالم أحلامها و لما لا ؟!!!
ضحكت بخفوت من حالها و همست :
- عايزة ابعد عنه وأنا هنا أصلًا عشان اكمل معاه في القرف دا ؟!! معادلة مضحكة وملهاش حلول فعلًا !!
لم تشعر بحالها إلا و هي تقف أمام زجاج منزله و اتسعت عينيها حين وجدت جسده يفترش الأرض الرخامية عاري الصدر يرتدي فقط سرواله الرياضي و معالم الإعياء واضحة على وجهه هل كان يمارس الرياضة بهذا التوقيت و بتلك الحالة !!!
بدأت تبحث عن باب منزله بذعر واضح والعجيب أن الباب مفتوح ، كيف لم يُدرك أحدهم أو يلاحظ هذا المشهد !!!!
توجهت إليه و هبطت أرضًا ثم بدأت تستكشف انتظام أنفاسه لكنها استقامت مسرعة و أخرجت هاتفها من جيب السروال القصير تعبث به لحظات قبل أن ترفعه إلى أذنها تقول مسرعة فور أن أتاها الرد :
- أنا هوصفلك حالة قدامي ياكريم و قولي اتصرف ازاي بسرعة معلش آسفة للتوقيت دا !
فتحت مكبر الصوت وتركته ثم بدأت تصف له و تنفذ تعليماته بشكل حرفي إلى و أمسكت الوسادة تضعها أسفل رأسه و تتأكد أن سقوطه لم يصحبه كدمات أو جروح و تنفست الصعداء حين وجدت أن الأريكة منعت سقوطه فوق الكتف المصاب ، دقائق عصيبة مرت عليها و ها هو يعود إلى وعيه بعد عناء و صادف دخول "يوسف" يقول بهلع حين وجد أخيه فوق الأرض :
- ايه داااا ؟!!! حصله ايه ؟!!!
نظرت إليه و أشارت إلى الطعام هي تغلق هاتفها :
- متقلقش هو بس من المجهود تقريبًا جرى جامد و مكنش أكل هنكمله الكمادات و حرارته تنزل و يبقا بخير تعالى بس ارفعه معايا فوق الكنبة أو ندخله أوضته أحسن !
هز رأسه و ترك مابيده جانبًا و أسرع إليه يعاونها برفع جسدها و هي تحذره بلطف :
- حاسب يايوسف عشان كتفه و اسنده بس هو فايق معانا متقلقش عليه !
ثم وضعت يدها أعلى ذقنه المشذب و وجهت وجهه إليها تقول بهدوء :
- آسر أنت معاياا مش كدا !
همس بخفوت وصوت متحشرج و هو يستند بجسده إلى أخيه و يحاول فتح جفنيه حتى يُبصر الطريق جيدًا :
- آه !
تأكدت "سديم" أن الأخوين وصلا بسلام إلى الفراش و بدأ "يوسف" يعاون أخيه و يضع الوسائد خلف ظهره لتتوجه هي إلى الخارج و تبدأ بإعداد ما تحتاج إليه لصنع كمادات باردة ثم أسرعت إلى أفراد الأمن بالخارج تأمرهم بإحضار الدواء الذي أملاه عليها "كريم" و عادت إليهما مسرعة بينما كان "يوسف" يتابعها قائلًا بقلق :
- نطلب الدكتور أو نروح بيه على أقرب مستشفى أحسن ؟
أمسكت القطعة القماشية الصغيرة و وضعتها داخل المياه و هي تتحدث معه قائلة :
- لا متقلقش أنا اعرف دكتور واتواصلت معاه و الأدوية هتيجي ياخدها بعد الكمادات و هيبقا تمام متقلقش !
ثم أكملت :
- لو تقدر تجيب تيشيرت و تساعدني يلبسه بس بعد ما نخلص يبقا تمام أوي !
هز رأسه بالإيجاب و قال بتأكيد وهو يتوجه إلى غرفة الملابس :
- اه طبعًا حاضر !
عاد إليها يقول بهدوء :
- طيب اقولهم في البيت أحسن ؟
كادت تتحدث لكنها عقدت حاجبيها متأوهه حين قبض فجأة "آسر" على يدها و قال بخفوت و هو يقاوم حالة الإعياء يرفع رأسه محاولًا الاستقامة مُغمضًا عينيه :
- لااء !
ابتسمت و أفلتت يدها بهدوء و أعادت يده فوق الفراش ثم وضعت يدها فوق كتفه العاري و دفعت جسده بخفة إلى الوسائد مرة أخرى قائلة بلطف :
- خلاص مش هنقول متقلقش !
مر الوقت و بدأت درجة حرارة جسده بالاعتدال قليلًا و أردف "يوسف" حين طرق فرد الأمن فوق الباب الخارجي :
- شكله جاب الأدوية هروح أخدها !
كانت "سديم" قد جلست على طرف الفراش بمواجهته و أمسكت المنشفة الأخرى تجفف القطرات التي تنساب بعشوائية تجاه أذنيه و ضعت يدها أعلى جبهته و فوق عنقه تتأكد أن الأمور على ما يرام ، فتح حينها عينيه و أمسك يدها يثبتها فوق صدره من جهة الإصابة و يضع يده فوقها يثبتها و يهمس لها بصوت متحشرج :
- مش عايز أدوية !
توترت ناظرة إلى يدها التي يحتفظ بها فوق صدره الدافئ وهمست :
- أنا مبحبش الأدوية بس باخدها في حالة هتساعد جسمي يرجع أحسن ، اخوك اتخض عليك أوي أظن دا سبب قوي إنك تساعد نفسك !
صمت و حاولت إفلات يدها بهدوء و نجحت أخيرًا بعدما أغمض عينيه منتظرًا عودة شقيقه بالدواء ، و قد عاد "يوسف" بالفعل يهمس لها :
- هو نام !!!!
هزت رأسها بالسلب و استقامت واقفة تأخذ منه الدواء و بدأت تدسه بخفة بين شفتيه ثم أمسكت الكوب و وضعته فوق ثغره هامسة بلطف :
- يلا يا آسر !
فتح عينيه ينظر إليها و هو يرتشف المياه ثم ألقى نظرة خاطفة تجاه أخيه و ابتسم له يقول بعبث :
- متقلقش يلاا ، أنا زي الفل !
كانت "سديم" قد وضعت الكوب جانبًا و أمسكت هاتفها الذي أعلن عن مكالمة هاتفية تقول عاقدة حاجبيها :
- أوبس أنا قفلت في وش كريم ! بعد أذنكم !
و خرجت على الفور ليعقد "آسر" حاجبيه و تختفي بسمته يقول بدهشة :
- هي الساعة كام ؟
أجابه أخوه و هو يجلس فوق الفراش :
- الساعة 5 تقريبًا !
رفع حاجبه مرددًا بصدمة :
- مين كريم اللي قفلت معاه !
هز "يوسف" كتفيه يقول بلامبالاة :
- غالبًا الدكتور اللي كلمته يساعدها من شوية ! أنا كنت مركز معاك بصراحة خضتني عليك وقولتلك اقعد معاك رفضت واتعصبت علياا إيه لزمة الرياضة بالحالة دي يا آسر !
زفر "آسر" بملل و قال بإرهاق و عينيه تتابع باب الغرفة :
- رياضة إيه يايوسف أنا جريت شوية مش أكتر مكنتش أعرف أن كل دا هيحصل !
ربت "يوسف" فوق كتف أخيه وابتسم له يقول بتفهم :
- ولا يهمك ، المهم إنك أحسن شوية !
كاد "آسر" يتحدث لكن صاح "يوسف" مداعبًا "سديم" التي دلفت في ذات اللحظة تقف عند باب الغرفة :
- بنت عمي اللي منغيرها نضيع كلناا ، إيه الجمدان دا كله بس ياسديم !
ثم أكمل حديثه ينظر إلى "آسر" قائلًا :
- سديم اسعفتك مرتين كدا يعني بقينا مديونين ليها بروح !
ابتسم له "آسر" و عاد بنظراته إليها يقول بامتنان :
- شكرًا !
نظراته الممتنة الهادئة ادهشتها هل يُتقن دوره الآن لأن أخيه يجاوره ؟ أم أنه بالفعل يحترم فعلتها ؟ بالرغم أنها لا تنتظر جزاء عملها إلا أنها مبتهجة من رؤية نظرات موجهة إليها و خالية من الإزدراء داخل عينيه !!
هزت رأسها بابتسامة هادئة و كاد تغادر المكان إلا أن استقام "يوسف" يقول مسرعًا :
- سديم تعالي دقايق لحد ما يلبس التيشيرت بس عشان اخاف ألبسه لوحدي !
عادت إليه تقول بتوتر طفيف :
- تمام شوف عايز تعمل إيه ؟
قاطعهم "آسر" يقول : لاء لاء مش هلبس حاجة !
ثم أزاح الوسادة بيده السليمة من خلف ظهره وتسطح فوق الفراش يقول بإنهاك :
- سيبوني بقا أنام شوية !
غادرا الغرفة و همست "سديم" قائلة :
- بلاش نمشي دلوقت ممكن يسخن تاني ، تشرب معايا حاجه ؟
أجابها بدهشة :
- مش هتنامي ولا إيه ، روحي ارتاحي أنا هكمل سهر عادي !
هزت رأسها بالسلب و قالت بهدوء : لاء أنا نمت وصحيت من شوية كدا قولت اتمشى شوية و بعدها شوفت المنظر من برا اتشغلت معاكم بس أنا فايقة متقلقش عليا !
نظرت إلى معالم الإجهاد الواضحة فوق ملامحه و قالت بلطف :
- لو تحب تروح تنام شوية أنا هقعد كدا كدا ، و أول ما احس إني خلاص عاوزة انام هصحيك !
عرض شديد الإغراء هو بحاجة إلى ساعات نوم قليلة بعد قضاء يوم شاق مثل أمس ، رفع يده يفرك خصلاته بأنامله ثم قال بخجل طفيف :
- بس أنتِ كدا مش هتنامي و شكلي هيبقا وحش أوي قدامكوا بصراحة !
ضحكت بخفة و أجابته : لأ شكلك مش وحش ولا حاجه ومتقلقش مش هقول لأي حد إنك نمت !
ابتسم لها و سار بإتجاه الغرفة الأخرى لكنه توقف فجأة يقول بصدق :
- أنتِ بقيتي طيبة أوي لما كبرتي على فكرة !
عقدت حاجبيها و سألت بتردد طفيف :
- هو أنا كنت مكروهه أوي زمان ولا إيه ؟
ضحك و أجابها بتوتر :
- بصراحة !! كنتِ سخيفة و أنانية جدًا !! عيلة استغلالية كداا !
ابتسمت له و قالت برغبة واضحة لإنهاء النقاش :
- سيبك من زمان و روح نام يلاا ، قبل ما اليوم الجديد يبدأ ، تصبح على خير !
________________ *** _________________
مرت ثلاث ساعات كاملة و أشرقت شمس يومها الجديد و هي جالسة ترتشف قهوتها التي صنعتها منذ قليل ، كانت تتفقده بين حين و آخر و دلفت تلك المرة عاقدة حاجبيها حين استمعت إلى صوت تأوه و توجهت إليه تميل بجزعها العلوي و تستند بيديها إلى ركبتيها هامسة باسمه بخفوت :
- آسر !!! أنت بخير ؟ حاسس بألم !!
فتح عينيه يحدق بها لحظات ثم قال بصوت خافت :
- آه كتفي !
همست بتساؤل و هي تضع يدها فوق عنقه :
- كتفك نفسه و لا رقبتك من ورا !
ازدرد رمقه و همس بصوت متحشرج :
- آه هناا !
تنهدت تقول بحزن : معلش دا مكان الكدمة بس عشان وقعت راسك اتخبطت من ورا ، بس فيه كريم بيتحط وأنا نسيته تحب احطه !!
حاول الاعتدال و تورد خديها تحاول تجنب جزعه العلوي العاري و قد لاحظها و همس لها بألم :
- آه !! سديم هاتي المخدة من ورايا !
توترت نظراتها و رفعت خصلاتها خلف أذنها التي بدأت تصطبغ باللون الأحمر القاني و مدت ذراعها تجذب الوسادة من الخلف و تضعها خلف ظهره محاولة تجنب لمسه لكنه أحاط خصرها بذراعه فجأة حين كانت على وشك السقوط بسبب محاولتها الابتعاد عنه قدر الإمكان ، شهقت بفزع و اتسعت عينيها تقول بتوتر :
- آسفة !!!!
رفعت يدها تضعها فوق صدره العاري بتوتر شديد و كانت رعشة جسدها واضحة له ! كما بدأت صدرها يعلو و يهبط بقوة و ابتعلت رمقها تعض فوق شفتيها بخجل حين قبض بقوة أكبر فوق خصرها يضمها إلى صدره الدافئ رافضًا تركها و كأن حرارة جسده انتقلت لها في تلك اللحظة خاصة و جهها الذي اشتعل و كأنه يصرخ من أثر هذا القرب الحرج و المُهلك لهما ! رفعت عينيها تنظر إليه بدهشة و كأنها تسأله في صمت عن سر أفعاله شديدة التناقض معها ! إن كان يمقت قربها كما أخبرها أنها مجرد لعبة ! تنتهي خطته و تنتهي قصتها معها ! أدرك حديثها الصامت و لكنه كان داخل جولة تأمُلية بجمالها الآخذ و رائحتها الناعمة التي انطلقت تداعب أنفه حين تقلصت المسافة بينهما ، سيئة عادتها بجمع خصلاتها على جانب واحد و ترك نحرها الجميل هكذا لأعين جميع من حولها ، إمرأة رائعة تملك جميع ما يؤهلها لغزو أعتى الرجال قابعة بين أحضانه و عليه أن يتجاهل كل هذا الإغراء و يحاول التركيز على هدفه معها و ليس شفتيها كما يفعل الآن !!! لاحظت نظراته و ابتعلت رمقها تخفض و جهها إلى الأسفل و همست له بصوت متوتر :
- آسر !!
همسها باسمه و محاولتها الفاشلة بدفعه بعيدًا عنها ، وكأنها تُصبح فاتنة كلما اقتربت ، كلما رفعت عينيها المتسعة و نظرت إليه ببراءة هكذا يغضب من حاله و يرى فتاة أخرى تتطلع إليه و تنتظر خطواته تجاهها لكن حديثها يناقض برائتها و أفعالها تناقض صمتها و حديث عينيها الصادق يخبره أن ما يخرج من شفتيها عبارة عن سلسلة أكاذيب مزينة بثباتها الزائف ! لقد اخبرته من قبل أنه شارك باستغلالها ، و عينيها الآن تخبره أنها حبيسة و تخشى أمر ما !!! أين تلك الفتاة السيئة التي تتباهى بوقاحتها كلما رأته ؟! و كأن شراستها المعهوة ماهي إلا سلاح يحميها ، جذبها إلى أحضانه و همس أمام شفتيها بجراءة متظاهرًا بعدم الفهم :
- نعم ؟
اتسعت عينيها تنظر إليه بصدمة من مماطلته و بللت شفتيها تحاول دفعه بيديها هامسة :
- ماينفعش كداا ! سيبني !
عقد حاجبيه حين دلف "رائف" إلى الغرفة فجأة وهو يقول :
- إيه ياعم آسر !! أنـ ..ـا آآ .. اوبااا !!
تركها أخيرًا و استقامت واقفة تهرع إلى الخارج و تضع يدها فوق وجهها من جهة "رائف" متجنبة النظر إليه و اختفت من الغرفة في لحظات !!!
حدق "آسر" به بهدوء منتظرًا حديثه و بالفعل قال "رائف" بدهشة :
- إيه دا ياآسر !!!
رفع حاجبه و أجاب بهدوء :
- إيه ؟!
اقترب "رائف" يضع مابيده فوق الطاولة وعقد حاجبيه يقول بجدية :
- هو إيه اللي إيه !!!! إيه المنظر دا ياآسر !!
زفر بملل وقال محاولًا إنهاء النقاش :
- بقولك إيه يا رائف أنا مش ناقص تحقيقاتك ! منظر إيه كانت هتقع و لحقتها !
رفع حاجبه و ردد باستنكار واضح :
- هتقع !!!!!
كانت ملامح "آسر" ثابتة و عقله إلى الآن عاجز عن ترجمة مايحدث له ، ماذا فعل منذ قليل !! بل ماذا يفعل كلما اقتربت منه ، وكأنه يستغل قربها !!! أفاق على حديث صديقه الذي أنهى جدل أفكاره يقول :
- المرة الجاية و أنت بتلحقها افتكر أنت جبتها منين وليه !!!! ومتنساش أن الوقوع دا شغلتها أصلًا ! التمثيل مش صعب على اللي زيها !
صديقه مُحق ، لا يوجد مجال متاح لأي أفكار أخرى أجابه قائلًا بحزم :
- أنت دماغك راحت فين !!! فوق يارائف أنت عارف إن الحركات دي مش بتجيب معاياا ، و مليش في التسلية عشان اديها أكبر من حجمها !
لم يكن صديقه هو المستمع الوحيد بل اخترق الحديث أذنيها حيث كانت عائدة إلى الغرفة و داخل يدها علبة الكريم الخاص به ، تنفست بهدوء و جزت بقوة على أسنانها و هي تضم شفتيها و نظرت إلى العلبة القابعة بين أناملها و هي تفكر هل تعود و تضعها بالداخل حتى يعاونه صديقه بوضعه أم تغادر هذا المكان !!!!
عقدت حاجبيها حين هتف "يوسف" بصوت أجش يدل على استيقاظه للتو :
- معلش ياسديم أنا راحت عليا نومة تقريبًا !
ابتسمت له بهدوء و قالت بلطف :
- لا ولا يهمك ، أنا متضايقتش من القعدة بالعكس خالص !
ثم رفعت العلبة تقول :
- أنا كنت داخله احط المرهم لأخوك بس كويس إنك جيت تعالى معايا بقااا !
ابتسم لها و قال بترحيب :
- آه طبعًا يلا !
دلفت إلى الداخل تنظر إليه بهدوء و تراقب نظرات القلق فوق ملامحه هو وصديقه الذي قال بدهشة :
- أنتِ هنا لسه ؟
أجاب "يوسف" على الفور ساخرًا يظن أنه يقصد تواجدها بالمنزل بشكل عام :
- يااعم دي تقريبًا الوحيدة اللي منامتش زي البيت كله حتى أنا اعتمدت عليها بصراحة ونمت و راحت عليا نومة بدل ما أبدل معاها !!
نظرت "سديم" إلى "رائف" الذي يجلس فوق المقعد الذي يجاور فراشه و الذي إلتوت ساقها عنده منذ قليل و سقطت داخل أحضان هذا اللعين ! ، كانت نظراتها خاوية ، لكن حديثها أخبرهما أنها استطاعت سماع الكلمات بل و تملك قوى المواجهة والرد عليهما حيث قالت بتلميح واضح :
- أنا معملتش حاجة تستاهل يايوسف ، أي حد مكاني هيشوف حد مريض و محتاج مساعدة هيقف يتفرج عليه !
ثم أكملت موضحة :
- تعرف أميرة مثلًا لو كانت هنا ، كانت هتقول عليا استغلالية و بمثل وكدا ، عقلية مريضة أوي في حالة زي دي ! مش متفق معايا يارائف ولا إيه ؟
كان ينظر إليها بتوتر و خجل و لكنه قال بهدوء :
- طبعًا عندك حق !
ابتسمت له وقالت بلطف حذر :
- اكيد عندي حق ، أصل أميرة مش بتستلطفني خالص عشان كدا دايمًا كلامها سخيف و مش بتحسبه معايا !! بس أنا مبردش أصل مش أي حد يستاهل نرد عليه !
كان "يوسف" يضع الكريم فوق عنق أخيه بشرود لكن عيني "آسر" كانت ترتكز فوقها و قد امتزج لديه شعور الاعجاب بها و الغضب من الموقف ، كانت تنصت إلى حديثهم مما أغضبه ، و أدهشته بقوة رد فعلها ، لقد قررت المواجهة و آثرتها عن الفرار و وضعت صديقه بموقف حرج و كأن الحديث انتهى ، عاجز عن الرد بل خرج خلفها حين خرجت من الغرفة الآن !!!!!
اتجهت "سديم" خارج منزله الصغير بخطوات سريعة غاضبة منه و من صديقه و من نفسها و كأن حالة من الاختناق تسيطر عليها داخل هذا المكان ، جلست معه حين وجدته لا يقوى على الوقوف بمفرده !!! و الآن يظن بها الظنون هو و صديقه و كأنها فتاة ليل أو باغية ! ماذا صنعت لتحصل على تلك الكلمات السامة مقابل معاونتها إياه !!!
أوقفها صوت "رائف" الذي قال فور استقراره أمامها :
- سديم ، أنا آسف ! أنتِ فهمتي غلط أنـ .آآ
قاطعته تقول بحزم وغضب :
- أنت اللي فهمت غلط أو مفهمتش أصلًا ، طالما واثق في صاحبك أوي كدا و خايف عليه من ممثلة زيي قوله ميقربش مني تاني و كان سابني وقعت و هقوم عادي مش مشكلة أنا مرمتش نفسي في حضنه عشان تتكلم عني كدا ، أنا آه مش ملاك ، بس مش بالقرف اللي أنت صورته لنفسك دا ، خد بالك من كلامك عني بعد كدا ، عشان أنا مش بسيب حقي و لا بسكت عنه ، كلها فترة صغيرة اوي يخلص شغلي معاكم ومش عايزة اشوف وش حد منكم بعدها !
تركته و غادرت و لها كل الحق بل أنها اشعرته بالإحراج من كلماته ماذا فعلت ليتحدث عنها هكذا ! لقد عاونت صديقه طوال الليل ! إن كانت بهذا السوء ما الذي أجبرها على مراقبة حالة رفيقه كان يمكنها الاختفاء بعد إسعافه أو إيقاظ المنزل بأكمله لكنها لم تتسبب بإزعاج أحد و هو ازعجها بكلماته و أحكامه !!
دلفت إلى الغرفة و جلست فوق الأريكة بصمت تحدق بالفراغ و قد فرت دمعة من عينيها ، و لأول مرة يسيطر عليها شعور أنها لعبة ! مجرد دُمية بين أنامل الجميع ، الخال و الأم و الأماكن التي ذهبت إليها و جميع من قابلها كان يتلاعب بها مثل الدُمية ، حتى هو ! لا تعلم ما الذي دفعه إلى التحدث هكذا عنها و هي منذ أمس قلقه لشأنه كما لم تفعل من قبل ! أشفقت على وحدته و هيئته و هو فوق الأرض الصلبة غائب عن الوعي هل هذا هو الجزاء الذي تستحقه ؟! لم تنتظر التقدير لكنها أيضًا لم تنتظر التحقير !!!
وما فائدة إنجازاتك في أماكن لا تشبهك ومع أشخاص لا تنتمي إليك !