اخر الروايات

رواية قطة في عرين الاسد الفصل السادس 6 بقلم مني سلامة

رواية قطة في عرين الاسد الفصل السادس 6 بقلم مني سلامة 



الحلقة (6 )

خرجت أمه وهى ترمقه بنظرات غاضبة .. دخل "مراد" الى شرفة غرفته .. ووقف شادراً وقد بدا عليه الإستغراق فى التفكير .. لم يشعر بمضى الوقت .. بعد فترة رآى "بسمة" وأمها تخرجان من البيت .. وقفا قليلاً أما سيارتهما التى أوقفاها أمام الباب .. سمع الفتاة تقول لأمها :
- مش كفايه انه معاق .. لأ وكمان راسم نفسه وعايش فى الدور .. قولتلك من الأول مش هينفعنى انتى اللى أصريتي انى آجى معاكى
شعر "مراد" وكأن خنجراً مسموم انغرس فى جراحه مرة أخرى .. ليسيـل الــدم منـه أنهـاراً.
لحظات وسمع طرقات على باب غرفته .. لم يحرك ساكناً .. وقف واجماً مقطب الجبين سمع والدته من خلفه تقول :
- عجبك كده أهم مشيوا بسرعة ومرضيوش يعدوا أكتر من كده
التفت "مراد" اليها ببطء .. كانت النار تشتعل داخل عيناه .. زأر كأســـدٍ غاضب:
- مش عايز أبداً .. أبداً .. أسمع كلام فى موضوع الجواز ده تانى .. أنا مش عايز أتجوز .. ولا محتاج انى أتجوز
ثم أكمل بصرامة :
- لو جبتيلى سيرة الجواز تانى أنا هسيب البيت وأخد شقة أعد فيها لوحدى
قالت امه بحده :
- وليه متديش لنفسك فرصة انك تعرف البنت
قال بعنف :
- البنت اللى أول ما خرجت من باب بيتنا قالت لمامتها كفاية انه معاق .. هى دى اللى عايزانى أتجوزها .. عشان تتكبر عليا وتحسسنى بالنقص طول عمرى .. أنا لا هسمحلها ولا هسمح لغيرها انها تقلل منى أو تمس كرامتى .. عرفيها ان أنا اللى رافضها مش هى
قال ذلك ثم خرج من الغرفة بغضب .. تنهدت أمه بحسرة وحيرة وضيق .

توجه "مراد" الى سيارته وأغلق الباب بعصبيه وانطلق بأقصى سرعة .. كان الغضب بادياً على وجهه وهو يسير مسرعاً بدون وجهة محدده .. وكلما زاد افراز الأدرينالين فى دمه .. زاد من سرعة سيارته .. حتى كادت أن تنحرف عن الطريق .. كان يشعر بأن بداخله بركان ثائر .. يريد أن يفرغه ليرتاح .. لكن هيهات .. لا طريقه لإفراغه أبداً .. وصل الى الطريق الصحراوى .. ثم أوقف سيارته على جانب الطريق كان يلهث وكأن خرج من سباق للعدو .. استغرق الأمر ساعة ونصف حتى استطاع التحكم فى غضبه .. أدار مقود السيارة وعاد فى طريقه مرة أخرى .. أدار المسجل ليستمع الى ترتيل آيات الله .. فشعر بسكينه داخل قلبه .. ولانت ملامحه قليلاً .. وأصبح أكثر هدوءاً .. أثناء توجهه الى بيته .. سمع آذان العشاء ينطلق من مكبر أحد المساجد الصغيرة على الطريق .. أوقف سيارته وتوجه الى المسجد توضأ ووقف يصلى .. كان يطيل كثيراً فى سجوده وكأنه لا يريد لجبينه أن يفارق أرض المسجد .. ثم يبتعد عنه ليعود اليه مرة أخرى فى لهفه .. أنهى صلاته ورحل الجميع لكنه ظل فى المسجد .. أسند ظهره على أحد الأعمدة .. بدا عليه الوجوم والشرود .. اقترب منه الإمام قائلاً :
- مالك يا ابنى فى حاجه
نظر اليه "مراد" قائلاً :
- لا يا شيخ مفيش حاجه
تفرش الشيخ الأرض بجوار "مراد" وقال له :
- ارمى حمولك على الله .. هو وحده اللى بإيده الحل
تمتم "مراد:
- ونعم بالله
أكمل الشيخ :
- ضاقت ولما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لا تفرج .. الدنيا دى دار ابتلاء .. ولازم الواحد يصبر ويحتسب
ثم نظر الى "مراد" قائلاً :
- تعرف ان أى حاجه بتصيبك فى الدنيا بتكفر من سيئاتك وحملك فى الآخره .. تعرف ان حتى الشوكة لما تشكك بتكفر عنك سيئاتك .. ده مش كلامي أنا ده كلام النبي صلى الله عليه وسلم "لا يصيب المؤمن من هم، ولا غم، ولا أذى إلا كفر الله به عنه حتى الشوكة".. شوف رحمة ربنا بيك أد ايه
بدا على "مراد" التأثر فأكمل الشيخ قائلاً :
- الصبر يا ابنى نعمة من ربنا وثوابه عظيم .. بس أهم حاجه تصبر صبر جميل .. يعني تكون راضى .. مش تصبر بسخط ولأن مش قدامك حاجه الا انك تصبر .. لا .. تصبر وانت راضى وبتقول الحمد لله .. ربك بيقول { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ }
أومأ "مراد" برأسه وابتسم للشيخ قائلاً :
- شكرا يا شيخ كنت محتاج أسمع الكلمتين دول .. ربنا يباركلك
ربت الشيخ على كتفه ثم نهض .. سكن "مراد" قليلاً ثم غادر المسجد وتوجه الى سيارته وهو يشعر بأنه أصبح أفضل حالاً وأكثر راحة .

***********************************
جلست "سارة" على فراشها تتأمل احدى الصور ولاحت على شفتيها ابتسامه صغيره .. اقتحمت "نرمين" أختها الصغرى الغرفة دون استئذان .. ارتبكت "سارة" وحاولت اخفاء الصورة خلفها قائله بحنق :
- فى حد يفتح الباب كده من غير ما يخبط
نظرت اليها "نرمين" بخبث قالئه :
- ايه اللى مخبياه ورا ضهرك
قالت "سارة" بتوتر :
- ملكيش دعوة حاجه متخصكيش
ثم اكملت بغضب :
- "نرمين" متفتحيش الباب كده وتهجمى على الأوضة .. ابقى خبطى الأول زى الناس المحترمة
قفزت "نرمين" اتجاهها وفى لحظة خطفت الصورة من يدها .. حاولت "سارة" انتزاع الصورة منها .. لكن "نرمين" كانت قد رأتها بالفعل .. فصاحت :
- يا حلاوة يا ولاد .. يادى الفضيحة ام جلاجل يادى الجرسه أم حناجل
قالت "سارة" بإرتباك وهى تخطف الصورة من يدها :
- فضيحة ايه متحترمى نفسك
أمسكتها "نرمين" من يدها وأجلستها على الفراش وجلست بجوارها قائله :
- قوليلى بأه ومن الأول وواحدة واحدة كدة .. صورة "طارق" بتعمل معاكى ايه .. وجبتيها منين
قالت "سارة" بتوتر وهى تنظر الى الباب المفتوح :
- قومى اقفلى الباب الأول
فعلت "نرمين" وعادت لتجلس بجوارها مرة أخرى .. قالت "سارة" بخجل :
- دى صورة كان "مراد" و "طارق" متصورينها مع بعض بس أنا قصيت الجزء اللى فيه "طارق" .. يعني مش هو اللى ادهالى أو حاجه عشان دماغك متروحش لبعيد
ابتسمت "نرمين" بخبث وقالت :
- آه جولتيلي يا بنيتى .. وبتعملى ايه بأه بصورة سي "طارق"
نظرت اليها "سارة" بحزن وقالت بصوت خافت :
- بحبه يا "نرمين" .. ومش عارفه أعمل ايه
قالت "نرمين" بجديه :
- طيب انتى حسه ان فى حاجه من نحيته
هتفت "سارة" بحنق :
- هو أنا بشوفه أصلا .. وبآله كتير مجاش عندنا .. مش عارفه "مراد" ليه مبقاش يعزمه كتير زى الأول
قالت "نرمين" بسخريه :
- قال يعني لو جه كتير هتعرفوا تتكلموا سوا
قالت "سارة" بحزن وهى تنظر الى الصورة :
- عارفه ان مفيش أمل
ابتسمت "نرمين" وقالت بمرح :
- بس بصراحة لو جيتي للحق يعني هو مش أمور .. "مراد" عنده صحاب كتير أحلى منه
نظرت اليها "سارة" بجديه وقالت :
- بس راجل وانسان محترم وذوق وأخلاقه كويسة وبعدين مش وحش .. هو مش وسيم أوى ماشى .. بس مش وحش
ابتسمت "نرمين" بخبث وقالت :
- أنا مالى يا ستى هو بتاعى ولا بتاعك
قالت "سارة" بحده :
- ايه بتاعى وبتاعك دى متحترمى نفسك يا "نرمين"
- يا ستى متزعلش كده بهزر .. هو لا حد يعرف يهزر معاكى ولا مع أخوكى .. ايه يارب البيت العقد ده
صمتت قليلا ثم قالت :
- وناويه تعملى ايه يا ست الكتكوته
قالت "سارة" بإستغراب :
- أعمل ايه يعني .. ولا حاجه طبعا
هتفت "نرمين" :
- يا فرحتى بيكي يا "سارة" .. عايشه فيلم حب من طرف واحد .. وحتى معندكيش استعداد تحاولى يبقى من طرفين
قالت "سارة" بدهشة :
- انتى عجيبة فعلا عايزانى اعمل ايه يعني اروح أقوله أنا بحبك ممكن لو سمحت تحبنى وتيجي تتقدملى
- لأ طبعا ما قولتش كده .. بس حاولى مثلا تلفتى نظره .. يعني مثلا روحى ل "مراد" الشركة .. وبصى ل "طارق" بصات ليها معنى و كمان ممكن ..........
قاطعتها "سارة" قائله بغضب :
- بس كفايه .. أنا غلطانه انى حكتلك أصلا ايه العك اللى بتقوليه ده .. أنا مستحيل طبعاً أعمل كده
صاحت "نرمين" وهى تنهض وتغادر الغرفة :
- براحتك بأه أنا نصحتك وانتى حره
خرجت من الغرفة لتترك "سارة" التى أخذت تتأمل الصورة مرة أخرى فى حزن

****************************

جلست "مريم" تراقب ساعة الحائط .. ها هى على موعد مع خطاب آخر من خطابات "ماجد" .. دقت الساعة معلنة منتصف الليل ففتحت الخطاب رقم 55 فى لهفة وقرأت :
- حبيبتى "مريم" .. أتذكرين الزهرة التى أهديتها لكِ يوم أن كُتب كتابنا .. قلت لكِ يومها انها تشبهك فى رقتك وبراءتك .. ليس عندى ذرة شك فى أنك مازلتى تحتفظين بتلك الزهرة .. لم تخبريني أبداً أنكِ تحتفظين بها لكننى على يقين من ذلك .. حبيبتى طلب منكِ هذا الاسبوع سيكون صعباً قليلاً .. أريدك أن تتخلصى من تلك الزهرة .. تخلصى منها بالشكل الذى يريحك .. تخلصى منها اليوم يا "مريم" .. اليوم .. حبيبك ماجد
انهمرت العبرات من عينيها بغزارة وصاحت بغضب :
- ليه يا "ماجد" كده .. ليه
توجهت الى أحد الأدراج وأخرجت حقيبة صغيرة فتحتها وأخرجت منها ذهرة قد تجففت .. أخذت تنظر اليها بحسرة وكأنها شخص غالى لا تبغى مفارقته .. وضعتها بجوارها على الوسادة ونامت بأعين دامعه .. فى الصباح توجهت الى أحب مكان اليها .. كانت تقف فى هذا المكان مع "ماجد" يمزحان ويمرحان وهو يعلمها كيف تصطاد السمك .. وقفت قليلاً ثم أخرجت الزهرة من حقيبتها وألقتها فى المــاء وهى تنظر اليها فى ألم .

****************************
رن جرس هاتف "سهى" فاتسعت ابتسامتها عندما رأت اسم المتصل وردت بلهفه :
- ألو
- ألو ازيك يا "سهى"
قالت برقه :
- الحمد لله يا بشمهندس "خالد"
التفت كل من "مريم" و "مى" الى "سهى" التى تتحدث فى الهاتف .. التقت النظرات فقامت "سهى" من فورها وقالت :
- ثوانى يا بشمهندس هطلع أتكلم من بره عشان الشبكة
خرجت "سهى" فقالت "مى" بسخرية :
- عشان الشبكة ولا عشان الاتنين اللى كاتمين على نفسك فى المكتب
التفتت "مريم" الى حاسوبها تكمل عملها فى وجوم .. اقتربت منها "مى" قائله :
- مالك .. فى حاجه مضايقاكى
- تؤ
- ده العادى بتاعك يعني
ابتسمت "مريم" بمرارة قائله :
- بالظبط كده
عادت "سهى" مرة أخرة وعلى شفتيها ابتسامة واسعة لم تستطع مداراتها .. الفتت اليها "مى" قائله :
- متفرحينا معاكى
قالت "سهى" بفخر :
- مفيش .. البشمهندس "خالد" كان بيعزمنى على حفلة عيد ميلاده
نظرت الفتاتان الى بعضهما البعض .. ثم قالت "مي" :
- بشمهندس "خالد" مين ؟
قالت بدلع :
- صاحب شركة المقاولات اللى بنفذله الحملة بتاعة شركته
قطبت "مريم" جبينها وقالت :
- خلى بالك يا "سهى" .. ده انسان مش محترم
قالت "سهى" بسخرية :
- انتى اللى معقده يا "مريم" .. فكيها شوية يا بنتى مش كده .. مش هتتجوزى بطريقتك دى
نهضت "مريم" بعصبية وقالت :
- و أنا مش عايزة أتجوز أصلاً
ثم غادرت المكتب فالتفت "مى" الى "سهى" قائله :
- على طول كدة مبتعرفيش تنقى كلامك
هتفت "سهى" :
- أنا مالى اذا كانت صحبتك معقدة نفسياً تروح تشوفلها دكتور يعالجها .. أنا مقولتش حاجه غلط .. هى اللى منفسنه
خرجت "مى" للبحث عن "مريم" لكنها صدمت عندما رأتها واقفة مع "طارق" خارج المكتب .. وقفت بجوار الباب الخارجى للمكتب تتخفى وتستمع الى حديثهم .. سمعت طارق يقول :
- أيوة عارف انك قولتيلى انهم هيخلصوا بعد 10 ايام مش اسبوع بس قولت يمكن تكونى خلصتيهم بدرى
قالت "مريم" بجديه :
- لأ يا فندم مخلصتهمش ولو كنت خلصتهم كنت بعت لحضرتك ايميل .. عن اذنك
أوقفها "طارق" ونظر اليها قائلاً :
- انتى اضايقتى منى ولا ايه
قالت بنفاذ صبر :
- لا يا فندم وهضايق من ايه
قال "طارق":
- يعني عشان .........
قطع "طارق" كلامه وهو ينتبه لأول مرة الى الدبلة التى تزين أصابع يدها اليمني .. بُهت للحظات ثم سألها بصوت خافت :
- انتى مخطوبة
تتبعت "مريم" نظراته الى أصابع يدها ثم قالت بحزم :
- لا مش مخطوبة .. مكتوب كتابى
ظهر الضيق على وجه "طارق" .. فقالت "مريم" :
- بعد اذن حضرتك
ثم التفتت ودخلت المكتب دون أن تنتبه الى "مى" التى ظهرت علامات الحزن على وجهها

***********************************

- المسخرة دى متحصلش فى شركتى يا "حامد" انت فاهم
تفوه "مراد" بهذه العبارة فى غضب وهو يجتمع بـ "حامد" فى مكتبه بالشركه .. هتف "حامد" :
- مسخرة ايه وبتاع ايه .. انت اللى قفل يا "مراد"
قال "مراد" بغضب هادر :
- لما أشوفك انت وواحدة من الموظفين فى مكتبها وعمالين بتبوسوا فى بعض دى متبقاش مسخرة .. امال المسخرة تبقى ايه بالظبط
هتفت "حامد" بحده :
- انا حر أعمل اللى أنا عايزه أنا مش عيل صغير
قال "مراد" بصرامه وعيناه تشعان غضباً :
- تعمل اللى انت عايزه بره الشركة بتاعتى لكن طول ما انت فى الشركة تحترم نفسك يا "حامد"
قال "حامد" بغضب :
- انا محترم غصب عنك يا "مراد"
قال "مراد" بسخريه :
- ماهو واضح أوى .. ولعلمك البنت دى أنا هرفدها فوراً البنت اللى متكنش أمينة على نفسها عمرها ما هتكون أمينه على الشغل
دخل "طارق" المكتب وصاح قائلاً :
- فى ايه يا جماعة صوتكوا جايب لحد الأسانسير
قال له "حامد" بغضب :
- فى انه بيتدخل فى خصوصياتى وبيتكلم معايا أكنى عيل صغير
قال "مراد" فى غضب مماثل :
- خصوصياتك دى تبقى فى شركتك او بيتك او ان شاله فى الشارع لكن مش فى شركتى .. مش هاجى أسمح على آخر الزمن ان قذاره زى دى تحصل فى شركتى
صاح "حامد" بسخريه وتهكم :
- قذاره .. ده قصر ديل يا "مراد"
أسرع "طارق" قائلاً بحده :
- "حامد"
أكمل "حامد" وهو ينظر الى "مراد" ودون ان يلتفت لـ "طارق" وقال بقسوة:
- ماهو عشان مفيش واحدة راضيه تعبرك غيرت لما شوفتنى معاها .. وعمال دلوقتى تفش غلك فيا
ساد الصمت للحظات .. صاح "طارق" فى "حامد" :
- انت بجد زودتها أوى
بدا وجه "مراد" جامداً .. لا يحمل أى تعبيرات .. وبدت نظراته جامدة بارده .. وقال بهدوء :
- بكرة الصبح المحامى بتاعى هيكون عندك فى شركتك عشان فض الشراكة اللى بينا
صاح "حامد" بغضب :
- والله لأخليك تندم يا "مراد" .. مبقاش "حامد" ان مخلتكش تندم يا "مراد"
قال ذلك ثم خرج بعصبيه وأغلق الباب خلفه بعنف .. جلس "مراد" على مكتبه ووجه مازال جامداً .. جلس "طارق" قائلاًً :
- قولتلك قبل كدة انى مبرتحلوش .. سبحان الله من أول ما شوفته وأنا قلبي مقبوض منه .. أحسن اننا هنفض الشراكه معاه .. واحد مقرف زى ده مش عايزين نتعامل معاه أصلاً
صمت "مراد" ولم يرد .. ثم قام وحمل موبايله ومفاتيحه وغادر المكتب .. تنهد "طارق" بضيق وقد شعر بالغضب لكلمات "حامد" الجارحه التى وجهها لـ "مراد".

*********************************
دخل "عثمان" مكتب والده فجأة وهو يصيح قائلاً:
- بوى بوى .. لجينا ولد "خيري" أخوى يابوى
هب "عبد الرحمن" واقفاً وقال بلهفه :
- بجد يا ولدى .. كام ولد عنديه .. وهما فين عرفت طريجهم كلياتهم
قال "عثمان" بحماس :
- ايوة عرفت كل حاجه يا بوى .. ولد "اسماعيل المنصورى" عرفنا انه عم يشتغل فى المباحث ومركزه بجه كبير جوى جوى .. كلمته ووصيته يجيبلى أرار الموضوع بس مرضيتش أجيبلك سيره الا لما أوصل لنتيجة
قال "عبد الرحمن" بلهفه :
- جولى بسرعة عرفت ايه عن ولد أخوك يا ولدى
قال "عثمان" :
- عرفت ان هو ومرته وبنته الصغيره عيملوا حادثه .. كانوا راكبين تاكسي وخبطوا فى شاحنة كبيره .. الشاحنة انجلبت وانفجرت ومات اللى اللى في العربيتين
قال "عبد الرحمن" بتأثر :
- لا حول ولا جوة الا بالله
أكمل "عثمان" :
- ادفنوا كلياتهم فى القاهرة .. والراجل اللى كان معاه فى الشغل واللى رد علينا وجالنا انه مات هاد مكنش يعرف اى شئ عن عيلته .. بس ولد "اسماعيل المنصورى" عرف يوصل لكل شئ
قال "عبد الرحمن" :
- كمل يا ولدى باجيله كم ولد
قال "عثمان" :
- مش ولد يا بوى .. بنت .. بنت واحده وعايشه لحالها
صمت "عبد الرحمن" قليلاً .. فقال "عثمان" بحزم :
- مينفعش تعيش وحديها فى القاهرة يا بوى .. لازمن تيجى تعيش بيناتنا
أومأ "عبد الرحمن" برأسه قائلاً:
- عندك حج يا ولدى لازمن نلم نلحمنا مينفعش نسيبها تعيش لحالها
ثم التفت اليه قائلاً بحماس :
- من بكرة الصبح جهز العربية والسواج عشان هنطلع آنى وانت على القاهرة .. أنا مالى صبر حتى شوف حفيدتي بنت "خيري" ولدى الله يرحمه ويحسن اليه

*********************************
قال "خالد" وهى يتطلع الى عيني "سهى" :
- النهاردة عيد ميلادى والنجوم فى السما والقمر بين ايديا
كانا يرقصان معاً فى شرفة منزله الذى تقام فيه حفلة عيد ميلاده .. كانت "سهى" تشعر بالحرج لكنها أيضاً كانت تشعر بسعادة بالغه لكلمات الإطراء الذى يلقيها هذا الرجل الغني الوسيم على مسامعها .. ابتسمت قائله :
- ميرسي يا بشمهندس
ابتسم قائلاً :
- لأ بشمهندس ايه بأه خليها "خالد" على طول .. أنا شايف ان خلاص الرسميات معدتش تنفع بينا
ثم قال بخبث وهى يتطلع الى عينيها :
- ولا انتى شايفه ايه
ابتسمت قائله بدلع :
- ماشى يا "خالد"
قال بهيام :
- الله مكنتش أعرف ان اسمى حلو كده الا لما نطقتيه
- من الواضح انك بتعرف تتكلم كويس يعني شكلك مش سهل خالص
نظر اليها بجرأة قائلاً :
- هو فى حد يشوف القمر ويسكت .. قمر ايه هو أصلا القمر ييجى حاجه جمبك .. ده انتى جامده طحن
ضحكت بدلال وقالت :
- ميرسي يا "خالد"
توقفت نغمات الموسيقي ..فقال لها :
- خليكى هنا يا قمر هروح أجيب حاجه نشربها وآجى
أومأت برأسها مبتسمة .. دخل وتركها وهى تنظر الى السماء وتشعر أن أبواب الحظ انفتحت لها أخيراً .. عاد "خالد" وهو يحمل كأسين من الخمر وأعطاها واحداً .. نظرت بريبه الى كأسها وقالت :
- ده عصير ؟
افنجر "خالد" ضاحكاً وقال :
- عصير .. آه عصير .. عصير قصب .. بوزع فى حفلة عيد ميلادى على الضيوف عصير قصب
ابتسمت بتوتر وقالت :
- لو خمره فأنا مبشربهاش
أخذ "خالد" رشفة من كأسه وقال :
- ليه مبتشربيهاش
هزت كتفيها وقالت بإرتباك :
- مش عارفه .. عشان حرام
مط "خالد" شفتيه وقال :
- سيبك من الشيوخ اللى مفيش وراهم حاجة الا انهم يحرموا كل حاجة مش على مزاجهم .. ناقص يقولوا الهوا اللى بنتنفسه هو كمان حرام
قالت "سهى" بإرتباك :
- بس أنا بيتهيألى ان فى آيه بتقول ان الخمره حرام .. انا مش عارفه الآيه .. بس بيتهيألى كده
قال "خالد" وهو ينظر اليها :
- الحرام هو انك تشربي كمية كبيرة .. لكن لو كمية صغيرة مفيهاش مشكلة مش هتضرك .. تعرفى أصلاً ان الخمرة مفيدة جداً وليها فوايد كتيرة وان فى آيه فى القرآن بتقول كده
قالت "سهى" بدهشة :
- بجد
أومأ "خالد" برأسه وقال :
- أيوة بجد .. الآية فى سورة البقرة وبتقول : " يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما منافع للناس "
لم يكن ما قاله "خالد" سوء تأويل للآيه فقط بل تحريف للآية الكريمه التى تقول {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا} .. بدا على "سهى" شئ من الاقتناع بكلامه .. فحثها قائلاً :
- اشربي هتعجبك أوى
قربت "سهى" الكأس من شفتيها وأخذت رشفة صغيرة وهى تسمع صوتاً بداخلها يخبرها بأنها ترتكب اثماً ثم ما لبثت أن أسكتت هذا الصوت وتجاهلته واندمجت مع "خالد" فى الضحك والمزاح
دخلت "سهى" الى بيتها وهى تسير على أطراف أصابعها حتى لا يستيقظ أهلها .. دخلت غرفتها وهى تشعر بنشوة وسعادة بالغة .. لقد قضت سهرة رائعه مع فتى أحلامها والذى يبدو أنه أعجب بها هو الآخر

************************************

فى اليوم التالى سافر كل من "عبد الرحمن" و "عثمان" الى القاهرة للبحث عن ابنتهم "مريم" .. ذهبا الى العنوان الذى حصلا عليه .. لم يجدا أحداً فى المنزل .. انتظراها قرابة الخمس ساعات أمام الباب لا يتحركان من مكانهما .. أكد لهما الجيران أنها تبيت فى بيتها كل يوم .. ولا تبيت برة البيت أبداً .. وأنها تعود قبل المغرب من عملها .. انتظراها حتى رآى فتاة تصعد درجات السلم وتقف أمامهما فى دهشة وهى تراهما يجلسان على السلم أمام باب شقتها .. وقف "عبد الرحمن" بمجرد أن رآها .. أخذ يمعن النظر فيها وقد اغرورقت عينا بالدموع .. قالت "مريم" بدهشة :
- أفندم .. فى حاجة حضرك .. دى شقتى
اقترب منها "عبد الرحمن" فرجعت للخلف فى خوف وقالت :
- فى ايه حضرتك
قال "عبد الرحمن" بتأثر شديد :
- انتى بنت "خيري" .. بنت "خيري ولدى
نظرت اليه "مريم" بدهشة وقد عقد لسانها .. فقال بصوت مرتجف :
- ايوة انتى بنته .. أنا واثج انك بنته .. عرفتك بجلبي يا بنت ابنى .. آني جدك "عبد الرحمن" يا بنتى .. آنى جدك
ازدادت دهشت "مريم" واضطرابها وهى تنقل نظرها بين الرجلين .. فأشار "عبد الرحمن" الى "عثمان" قائلاً :
- هاد عمك "عثمان" يا بنتى .. عمك أخو بوكى الله يرحمه ويحسن اليه
كانت "مريم" تشعر وكأن لسانها عقد من الصدمة .. اقترب منها "عبد الرحمن" فتوترت .. فقال "عثمان" :
- وريها بطاجتك والصور يابوى يمكن تطمن شوى
أخرج "عبد الرحمن" من جيبه بطاقته وأعطاها لـ "مريم" أخذت تتفحص الاسم وقلبها يخفق بشدة .. مد يده وأعطاها عدة صور قائلاً :
- دى صور بوكى يا بنتى .. صورى آنى وهو وعمك "عثمان" وعمتك "صباح" وعمك" ياسين" الله يرحمه ويحسن اليه
تطلعت "مريم" الى الصور وقد أغرورقت عيناها بالعبرات وهى تتطلع الى صورة والدها وعائلته .. كانت تنظر صور والدها بشوق ولهفة .. تساقطت عبراتها الصامته .. لم يتحمل "عبد الرحمن" أكثر فضمها بشدة الى صدره وهو يردد :
- بنت ولدى .. ما عاد سيبك واصل .. احنا اهلك يا بنتى .. احنا منك وانتى منينا .. وحشتينى كتير .. دورت عليكي كتير .. على ولاد الغالى .. والحمدلله لجيتك .. الحمد لله .. الحمد لله
رغم العبرات التى كانت تتساقط من عينيها وشهقات بكائها الصغيرة التى خرجت منها رغماً عنها .. إلا أنها وجدت ابتسامة صغيرة وقد رسمت على شفتيها وأخذت تتمسك بيديها بملابس هذا الرجل الذى يعانقها .. تشبثت به وكأنها تخشى أن يتركها .. كالغريق الذى يتعلق بطوق نجاته .. لكم افتقدت هذا الحضن الحانى .. حضن عائلتها التى فقدتها منذ سنوات .. وذاقت بعدهم مرارة الوحدة واليتم والحرمان .. وها هو الله الآن قد رزقها بعائلة والدها .. لتعوضها عن فقدان عائلتهــا .. ولتخرجها من وحدتها القاتلــة المميتـــة .
يتبع





تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close