رواية اغلال الروح الفصل الرابع 4 بقلم شيماء الجندي
الفصل الرابع "دعم ! "
قضت "سديم" يومها مع "عاصم" الذي استمتع للغاية بالحديث معها و رأى نضوج و عقلانية واضحة داخل آرائها ومع نهاية اليوم و بعدما علم أن زوجته سوف تعود في صباح اليوم التالي قرر إبلاغ العائلة بما تحويه جعبته على طعام العشاء خارج المنزل عدا الجدة التي إلتزمت المنزل نظرًا لظروفها الصحية وحيث اجتمعت العائلة قال عاصم بنبرة معتدلة لكنها لاتحمل النقاش :
- آسر ! سديم هتنزل من بكرة الفرع اللي عندك عشان تشتغل معانا طبعًا الفترة الأولى هتكون تحت إشرافك !
لم يحدث جدل كما توقع الجميع بل أجاب "آسر" :
- تمام ياعمي زي ما تشوف !
رفعت عينيها أخيرًا عن صحنها و نظرت إليه لحظات قليلة ثم أعادت نظراتها إلى شوكتها التي تعبث بها منذ وُضع الطعام و قد لاحظت "نريمان" ذلك فقالت بلطف :
- سديم حبيبتي لو الأكل مش أوي ممكن نطلب غيره من الشيف وممكن تشرحيله اللي حباه يعملهولك ؟
توقف "عاصم" عن طعامه حين قالت "نريمان" ذلك ونظر إلى صحن ابنته وجده كما هو ! ليقول بقلق :
- إيه ياحبيبتي مش بتاكلي ليه ؟
ابتسمت لهما و قالت و هي تستقيم واقفة :
- بصراحة أنا مش جعانة ، بس محبتش أضايقكم أنا هقوم أقف هناك شوية .
و أشارت على طرف الباخرة المُطل على المياه ثم غادرت المجلس بهدوء ، كاد "عاصم" يتبعها لكن استقام "سليم" و هو يقول :
- خليك ياعمي أنا هشوفها !
هز "عاصم" رأسه بالإيجاب و تعلقت عينيه بابنته التى أولتهم ظهرها ووقفت تنظر إلى حركة المياه بأعين لامعة ، منذ أعوام كانت هذه الأماكن هي الأحب إلى قلبها حيث كان يصطحبها الأب الحنون يحتضنها و يغرقها بوابل من القُبلات فوق خصلاتها و جبهتها ، حيث علمها دروس الحياة النبيلة و الحفاظ على عقلها الراشد و أخبرها أنها حرة لا يجب أن تترك أحدهم يقود عقلها ، حيث أخبرها أنه معها أينما ذهبت ! وأنه لن يتركها ، لكنه خان العهد و تركها !
هنا ودعت طفولتها لكنها لم تتمكن من توديع مراهقتها ، عقدت حاجبيها حين استمعت إلى "سليم" يقف بجانبها قائلًا بدعابة :
- واضح ان القصة كبيرة أوي ، احكيها أنا بحب اسمع الحكاوي !
تحكمت بنبرتها و أخفت لمعة الدموع بعينيها بأعجوبة و قالت بهدوء :
- ولا قصة ولا حاجه أنا مصدعة و بصراحة أكلت من الكافتيريا قبل ما نمشي !
ابتسم لها وقال :
- آآه دا إحنا بنغير الموضوع بقا ، على العموم أنا مكنتش عايز أعرف انا أصلًا مبحبش الحكاوي !
ضحكت بخفة و مالت برأسها إلى الأمام ثم اعتدلت تواجهه و قد تطايرت خصلاتها برقة مع نسمات الهواء وقالت مبتسمة :
- ولا أنا بحبها ياسليم ، روح كمل أكلك بقا و أنا هقف شوية وارجعلكم !
عقد حاجبيه و قال بغضب مصطنع :
- ليه شايفاني مش راجل ولا إيه ؟
رفعت حاجبها الأيسر بتعجب ليُكمل :
- اه ماهو مفيش راجل طبيعي هيشوف واحدة قمر كدا نفسها مسدودة ويسيبها في حالها يعني !
ضحكت بقوة تلك المرة و ابتسم "عاصم" الذي علق عينيه عليها بقلق ثم قال :
- هقوم اكلم أميرة عشان قالت هيرجعوا بكرة الصبح ، أنا كدا اتطمنت على سديم !
ثم استقام و ابتعد عن الطاولة وقال "يوسف" وهو يتابعهما ببسمة واضحة :
- سليم قرب يتبني سديم ، بس جدع أنا مقدرش أقوم من الأكل ببساطة كدا !
ضحكت "نريمان" وقالت :
- أنت لا يمكن تقوم يايوسف من وأنت صغير و ده طبعك !
ضحك "يوسف" و كاد يُجيبها لكنه عقد حاجبيه وقال بدهشة :
- إيه دا هما هيرقصوا ، لا دا ياريتني كنت قمت أنا بقاا !
ضحك الجميع عدا "آسر" الذي راقب حركتها مع "سليم" بل داخل أحضانه بنظرات هادئة خارجيًا فقط لكن داخليًا تصرفها أغضبه بل أشعله خاصة أنها تتعمد تجاهله منذ أن جلست فوق الطاولة و من الواضح أنها وجدت ملاذها منه مع ابن العم ، ومن الواضح أيضًا تُجيد الرقص والتمايل داخل أحضانه ببراعة ! ، طرقع رقبته بقوة و استقام قائلًا :
- هعمل مكالمة مهمة و ارجع بعد إذنكم !
توجه إلى الطرف البعيد و وقف هناك يتحدث بهاتفه و عينيه لم ثابتة عليهما أو عليها هي تحديدًا ، ماذا تفعل تلك اللعينة هل تحاول الإيقاع بابن عمه أم أن ابن العم يتودد إلى تلك المحتالة ؟ وكأنها تتمايل بشكل مبالغ به و ابتسامتها تلك تستفزه للغاية ، انتهت الرقصة وكاد يعود لكنه توقف حين بدأت رقصة التانجو الشهيرة و كانت تتمايل عليها و تضحك وكأنها طفلة !!!
نظر الجميع إلى الثنائي اللطيف و المرح في الوقت ذاته و نجحا كلا منهما بلفت انتباه العائلة واشتعلت الرقصة بنيران غضبه و انتهت بتصفيق حار من الجميع ، ترك "سليم" خصرها و أمسك يدها و عاد معها إلى الطاولة ، جلست و جلس هو فوق المقعد الفارغ بجانبها يتحدث إليها و من الواضح أن شقيقه أيضًا بدأ يتفاعل معهما بالحديث و الضحكات !
عاد إلى عائلته يقول بهدوء :
- طيب ياجماعة كان نفسي أكمل معاكم الوقت اللطيف دا بس أنا ناسي حاجة مهمة في المكتب وهرجع اجيبها وبعدها احصلكم على البيت .
ثم جمع متعلقاته ورحل !
________________ *** _________________
بعد منتصف الليل دلفت "سديم" إلى غرفتها بإرهاق و أغلقت الباب بإحكام كادت تسير بظلام الغرفة الدامس لكنها توقفت فجأة و عقدت حاجبيها تقول بصوت مسموع :
- وقاعد في الضلمة كدا ليه ؟ خايف يقولوا بيعمل إيه في أوضة بنت عمه بليل كدا ؟
أنارت الإضاءة الخافتة و ألقت نظرة خاطفة تجاهه حيث جلس فوق الأريكة و هو يضع ساق فوق الأخرى قائلًا :
- رقصتي مع سليم ليه النهاردة ؟
لم تلتفت إليه بل اتجهت إلى الفراش و وضعت ساق فوق الأخرى ثم مالت بجزعها العلوي قليلًا ومدت يدها تنزع حذائها وعينيه تتابعها بهدوء إلى أن أمعن النظر بتصميم ملابسها الكاشفة أكثر مما ينبغي و التي تصل إلى أعلى ركبتيها فُسْتَانٌ مِنْ طِرَازٍ حديث و مثير !
أردفت بلامبالاة وهي تعكس وضع ساقيها وتنزع الأخرى :
- إيه دا كان مكتوب في ورقة الممنوعات وأنا مش واخدة بالي ؟
ثم استقامت واقفة و كادت تسير لكنها عقدت حاجبيها حين و جدته يجذبها إليه بغضب و يقول بجدية :
- أنتِ مش واخدة بالك إنك في بيت كله شباب !
رفعت حاجبها الأيسر و أوشكت أن تفتح شفتيها ليضع يده فوقيهما و بنفس التوقيت دفعها إلى أقرب حائط مُقيدًا يديها معًا و هو يكُمل بنبرة معنفة و قد برزت عروق وجهه وعنقه تخبرها أنه على وشك الإنفجار بها ! :
- إياكِ تقولي وأنت مالك أنا بحافظ على ابن عمي و أخويا من واحدة زيك !
بدا الذعر لأول مرة داخل عينيها لقد بث داخلها الرعب دون أن يشعر من هجومه البربري عليها لذا رفع يده عن شفتيها و أرخى قبضته عن يديها لتفلتها مسرعة وتبدأ بفركها بألم تأوهت و مالت برأسها قليلًا إلى الجانب تفرك يديها بعفوية كاشفة عن عنقها و كتفها الناعم حيث كانت تجمع خصلاتها على الكتف الآخر و هي تقول بإنهاك :
- إيه الهمجية دي أنت مبتعرفش تتكلم و إيدك جنبك ؟
صمت يراقبها عن كثب بهدوء لترفع يدها تجمع خصلاتها بقوة و هي تقول بملل :
- لو عندك أي خناقة وفرها لبكرة أنا بجد مرهقة جدًا النهارده و مش ناقصة أوامر ولا فروض خلاص عرفنا مشكلتك و مش هقرب من سليم تاني اوعي بقااا !
رفعت يديها إلى صدره تدفعه لكنه أمسك يديها بهدوء و قال هامسًا أمام شفتيها :
- مقصدش اوجعك كدا !
رفعت مقلتيها تنظر داخل رماديتيه بدهشة و انتبهت إلى إلتصاقه بها و أن جسدها داخل أحضانه للمرة الثانية في هذا اليوم !
وتلك المرة عاجزة عن التصرف و أنفاسها متوترة بشكل ملحوظ ، ماذا دهاها ؟ ابتعلت رمقها وهمست بخفوت :
- آسر ! اوعى من فضلك !
توقيت خاطئ لذكر اسمه من شفتيها صعد صدره وهبط بقوة و رفع أنامله يسير بخفة فوق ذراعيها إلى أن وصل إلى كتفها ثم صعد ببطئ إلى نحرها و أمسك ذقنها بلطف يمرر إبهامه فوق شفتيها و هو يميل برأسه تجاهها و الآن شفتيه على وشك إلتهام كريزتيها و حين اقترب انتفضا معًا حيث طرق "سليم" الباب وقال بصوت واضح :
- سديم ! صاحية ؟!
دفعته بقوة فجائية و كادت تتجه إلى الباب حافية القدمين لكنه امسكها عاقدًا حاجبيه و هو يُشير إلى ساقيها العارية و ردائها القصير يقول :
- هتفتحيله بالمنظر دا كمان وبعد نص الليل انتوا إيه حكايتكوا !
زفرت بملل لكنها عقدت حاجبيها حين طرق "سليم" مرة أخرى وقال بصوت مسموع :
- سديم !
أجابت وهي بمحلها بصوت مرتفع :
- صاحية ياسليم فيه حاجه ؟
أردف من خلف الباب بهدوء :
- آه أميرة ونورهان برا وصلوا من شوية و عمو عاصم كان عاوزكم تتعرفوا على بعض !
استمع إليها تقول :
- حاضر روح أنت وأنا جاية وراك !
انصرف بالفعل و قال "آسر" :
- خدي بالك من أميرة عشان مش سهلة و متتكلميش كتير معاها لو مش عارفة تجاريها في موضوع فاهمة !
عقدت حاجبيها تراقبه و هو يتحدث بجدية و كأنها لم تكن منذ لحظات داخل أحضانه ثم افلتت يدها منه بغضب و قالت بنبرة حادة :
- أولًا أنا بعرف اتصرف كويس في أي موقف مش مستنية أوامرك ثانيًا متقربش مني بالشكل دا تاني لأي سبب فااهم !
تعمدت أن تختم جملتها مثله ثم تركته و تحركت باتجاه المرحاض وصفعت الباب بقوة بوجهه !!!!
______________ *** _______________
جلست "سديم" بجانب "نورهان" الصغيرة اللطيفة التي لم تتجاوز العشر أعوام و بدأت تقص طرائفها الصغيرة على "سديم" التي أصغت إليها باهتمام واضح وشاركتها بعض الأحاديث لكن قاطعتها "أميرة" التي جلست تضع ساق فوق الأخرى و قالت بلطف :
- قولتيلي درستي إيه في كندا ياسيلا ؟ و كنتِ قاعدة فين تحديدًا هناك ! معلش ياروحي أصل أنا بهتم بالتفاصيل !
نظرت إليها "سديم" ثم قالت بهدوء :
- سديم !
عقدت حاجبيها الأخرى و قالت باعتذار واهي :
- آه آه سوري ، أنا لسه متعودتش على الاسم ! المهم متهربيش من أسئلتي بقاا وقولي درستي إيه و كنتِ فين !
ابتسمت لها "سديم" ببرود و أجابت بسخرية واضحة :
- بصراحة أنا مكنتش هجاوبك فعلًا بس كنت هصحا الصبح بدري اجهز ال cv بتاعي و ابعتهولك أسهل من كل دا ! شوفي يامروة أنا آآ
قاطعتها تقول بدهشة :
- مروة مين ؟ أنا أميرة !
عقدت "سديم" حاجبيها و قالت بلا مبالاة :
- آه آه سوري أنا لسه متعودتش على الاسم ! على العموم لو مستعجلة ومش هتقدري تستني للصبح بابا ممكن يحكيلك كل اللي نفسك تعرفيه عني !
ابتسمت الجدة بوقار و أشارت بعينيها إلى "عاصم" الذي كان يراقب حديثها بإعجاب بالغ لتقول الجدة بلطف :
- سديم حبيبتي تعالي وصليني الأوضة بتاعتي .
استقامت "سديم" و توجهت إليها و بذات اللحظة وقف "عاصم" يقول لصغيرته "نورهان" :
- تعالي ياحبيبتي شوفي جبتلك إيه وأنا بجهز أوضة سديم !
واصطحبها و غادر ثم تحركت "سديم" بجانب مقعد الجدة المتحرك لكن توقفت حين أردفت "أميرة" بغضب بعد أن تأكدت من مغادرة زوجها :
- أنتِ شايفة إن دا أسلوب محترم مع واحدة أكبر منك ؟ أنا من حقي اتطمن واعرف تفاصيلك متنسيش إنك عايشة معايا في نفس المكان !
كانت قد وصلت إليها و أمسكت ذراعها لتلتفت "سديم" و تنظر إليها بهدوء بينما وقفت "نريمان" تقول بلطف :
- أميرة احنا مقدرين تعبك وأنك لسه راجعه من سفر بس دي مش طريقة !
اجابتها "أميرة" بحدة :
- ومين قال إن دا كلام تعب أصلًا !
عقدت حاجبيها حين وبختها الجدة بحدة وقالت :
- أميرة صوتك عاالي ! و ده مش اسلوب تتكلمي بيه مع حفيدتي ، خدي بالك من طريقتك مع سديم بالذات !
وقفت "سديم" تنظر إلى دفاع العائلة عنها بحزن و داخلها يقول " ماذا إن كانت تلك هي عائلتها الحقيقية ؟ لقد اعتادت صد هجمات من حولها بمفردها حتى أمها تركتها ذات يوم داخل التيار و فرت هاربة دون أن تودعها وداع يليق بأعوام عمرها التي افنتها في سراب ! "
عقدت حاجبيها حين هدرت "أميرة" بغضب :
- ونورهان مش حفيدتك ولازم تخافي عليها زي سديم؟
كاد "رأفت" _والد آسر_ يتحدث لكن دلف "آسر" من باب المنزل المفتوح على مصرعيه وقال بهدوء :
- و الله يا أميرة الأحسن تخليكِ في حالك و مش أنتِ اللي هتعلمي الكبار يتعاملوا مع ولادهم ازاي ، وبدل ما تسألي سديم عن تفاصيلها احكيلنا أنتِ إزاي رجعتي في وقت زي دا لوحدك منغير ماتستني السواق لحد الصبح !
كادت تتحدث لكنه أكمل بحدة :
- هتقوليلي دي حاجه بينك وبين جوزك اللي هو عمي مش كدا ؟ حلو يبقا تفاصيل سديم اللي هي بنته متخصكيش ولا تخص أي حد غير عمي ، لو مش عايزة حد مننا يتدخل بينكم يبقا طبقي دا على نفسك وماتتدخليش في حاجة متخصكيش ، أتمنى يكون كلامي مفهوم ، و متفكريش تعلي صوتك على جدتي تاني ، أنتِ مش جديدة و الكل هنا تحت أمر جدتي هي الوحيدة المسموح ليها تتكلم في أي موضوع ووقت ماتحب !
صمت الجميع و نظرت إليه الجدة بامتنان ثم قالت بهدوء :
-يلا ياحبيبتي خلينا ننام !
غادرت بمقعدها الكهربائي المتحرك و تبعتها "سديم" وقد تعمدت عدم النظر إليه وهي تمر من جانبه ، بينما زفر "يوسف" وهو يقول متابعًا بعينيه "أميرة" التي غادرت المكان كالعاصفة :
- أهي هتروح تشتكينا ، بس جيت في وقتك ياآسر يلا أنا هطلع بقا أنام أنا كمان مش هتيجي ياسليم ؟
استقام الآخر و قال بتكاسل و هو يمط جسده :
- ايوا يلا عشان هنصحا بدري بكرة و شكلي هستنا الفطار وهتأخر شوية عشان هاخد سديم معايا !
سأله "آسر" عاقدًا حاجبيه :
- تاخدها معاك فين ؟
ليُجيبه الآخر :
- الشركة أكيد ياآسر زي ماعمي عاصم قال النهاردة !
تشدق "آسر" قائلًا بدهشة :
- ليه هي مش هتروح مع عمي عاصم ؟
اجابه "يوسف" تلك المرة :
- لا عمو عاصم رايح الفرع اللي هو ماسكه وهي هتبقا معانا احنا ياآسر ، ده غير إن هي وسليم متفاهمين أوي سوا خليه هو اللي يدربها وريح أنت !
ثم ضحك و ابتسم "سليم" يقول بدهشة :
- أنا مش فاهم أنت قصدك إيه يابني مش أنت بنفسك قولتلي عدي عليها أنت وأنا هعمل مشوار و بعدها احصلكم ؟
ضحك "يوسف" وقال بغيظ :
- قولتلك عدي عليها تروحوا العشا سوا مش سيب الأكل وقوم ارقص معاها ، وبعدين أهو عمي قالك تعدي أنت عليها بكرة كمان لما الباشا ضحكها النهارده على أساس أنا منكد عليها !
عقد "آسر" حاجبيه حين أدرك أنها بصحبة "سليم" منذ بداية الليلة وليس فقط وقت تناول العشاء ! لكنه تابع "سليم" وهو يردف موضحًا :
- الموضوع مش زي ماأنت متخيل لو قعدت مع سديم هتعجبك دماغها وطريقة تفكيرها حتى في الشغل ، أنت عارف عمو عاصم أصلًا قال تنزل معانا شغل ليه ؟ ماهو عشان النهاردة كنا بنتنقاش في شغل قدامها و عمو أخد رأيها و بصراحة ابهرتني أنا نفسي بحلولها ، دي هي اللي تدربني مش العكس ! وساعة الرقصة أنا اللي أصريت كانت متضايقة و محبتش تحكيلي مالها و صادفت الرقصة اللي بتحبها روحت شديتها ورقصنا بس كدا !
نظر إليه "يوسف" باشمئزاز ثم قال مُقلدًا :
- شديتها ورقصنا بس كداا ! طيب و معديش عليها أنا بكرة ليه يعني ؟ اهو على الأقل هتحكيلي وتفضفض أنا هعرف اوقعها في الكلام واعرف اللي مزعلها !
شد قبضته بقوة و قال بغضب مبالغ به :
- ايه السخافة دي بتتكلموا على واحدة من الشارع !
تركهما و غادر ووقف "رأفت" يقول بتأكيد :
- صحيح ياولاد طريقتكم مش حلوة دي بنت عمكم و حتى لو بنت غريبة ميصحش تتكلموا على وجودها بالشكل دا !
نظر إليه "يوسف" بدهشة وقال :
- أنا مكنتش اقصد حاجه يابابا سديم زي اختنا أصلًا منقدرش نتكلم عليها وحش دا هزار !
تحدث "سليم" رافعًا حاجبه مندهشًا من موقف ابن عمه المدافع عنها :
- أنا مش فاهم بصراحة آسر هو من امتى بيطيق تعاملات البنات ولا بيفهم فيها أصلًا عشان يدافع عنهم كدا !
ابتسمت "نريمان" و أردفت بارهاق :
- لا انتوا رغايين أوي وأنا محتاجة اطلع أتطمن على أمجد وبعدها أنام ، تصبحوا على خير !
ربت "رأفت" فوق كتف "سليم" وقال :
- عندها حق ، أنا كمان هطلع أنام ، تصبحوا على خير ياولاد!
أجاب "يوسف" قائلًا وهو يتبعهم :
- يلا احنا كمان ورانا يوم طويل بكرة .
بعد مرور ساعة و هي جالسة داخل غرفتها استمعت إلى طرقات هادئة يليها صوت "عاصم" يقول :
- نمتي ياحبيبتي ؟
كانت تنوي تجاهل الطرقات لكن حين استمعت إلى نبرته الحانية اعتدلت و هي تُطلق أنفاسها بإرهاق ثم توجهت إلى الباب و فتحته بهدوء و هي تقول ببسمة صغيرة :
- لا صاحية اتفضل !
ثم تنحت جانبًا ليتمكن من المرور لكنه قال بلطف :
- لا ياحبيبتي أنا عارف انك مرهقة ومحتاجة ترتاحي ، كنت هقولك لو تحبي أنام هنا مش فوق مفيش مانع عندي !
عقدت حاجبيها تقول بهدوء :
- لأ لأ اطلع نام فوق مش مشكلة إحنا في نفس المكان روح ارتاح أنت ومتقلقش عليا .
هز رأسه بالإيجاب ثم اقترب يطبع قبلة صغيرة فوق جبينها و انصرف وهو يقول :
- تصبحي على خير ياحبيبتي .
تنهدت و أغلقت الباب ثم توجهت إلى المرآة تنظر إلى انعكاسها بها بألم وحزن و هي تهمس بصوت مبحوح قائلة لنفسها :
- معرفش إيه اللي بيحصل بس أنا لأول مرة أخاف من اللي جاي !
تلك المرآة ليست عاكسة إنما هي فاضحة تنتظرني فور إنتهاء يومي فقط لتُخبرني أنني كاذب و أنني لستُ على مايرام كما تظاهرت طوال يومي ، تُخبرني أن صراعي مستمر إلى ما شاء الله و معاركي الداخلية حولتني إلى هيكل بلا روح ، طالما صارحتني و أخبرتني أني مجرد حطام !
قضت "سديم" يومها مع "عاصم" الذي استمتع للغاية بالحديث معها و رأى نضوج و عقلانية واضحة داخل آرائها ومع نهاية اليوم و بعدما علم أن زوجته سوف تعود في صباح اليوم التالي قرر إبلاغ العائلة بما تحويه جعبته على طعام العشاء خارج المنزل عدا الجدة التي إلتزمت المنزل نظرًا لظروفها الصحية وحيث اجتمعت العائلة قال عاصم بنبرة معتدلة لكنها لاتحمل النقاش :
- آسر ! سديم هتنزل من بكرة الفرع اللي عندك عشان تشتغل معانا طبعًا الفترة الأولى هتكون تحت إشرافك !
لم يحدث جدل كما توقع الجميع بل أجاب "آسر" :
- تمام ياعمي زي ما تشوف !
رفعت عينيها أخيرًا عن صحنها و نظرت إليه لحظات قليلة ثم أعادت نظراتها إلى شوكتها التي تعبث بها منذ وُضع الطعام و قد لاحظت "نريمان" ذلك فقالت بلطف :
- سديم حبيبتي لو الأكل مش أوي ممكن نطلب غيره من الشيف وممكن تشرحيله اللي حباه يعملهولك ؟
توقف "عاصم" عن طعامه حين قالت "نريمان" ذلك ونظر إلى صحن ابنته وجده كما هو ! ليقول بقلق :
- إيه ياحبيبتي مش بتاكلي ليه ؟
ابتسمت لهما و قالت و هي تستقيم واقفة :
- بصراحة أنا مش جعانة ، بس محبتش أضايقكم أنا هقوم أقف هناك شوية .
و أشارت على طرف الباخرة المُطل على المياه ثم غادرت المجلس بهدوء ، كاد "عاصم" يتبعها لكن استقام "سليم" و هو يقول :
- خليك ياعمي أنا هشوفها !
هز "عاصم" رأسه بالإيجاب و تعلقت عينيه بابنته التى أولتهم ظهرها ووقفت تنظر إلى حركة المياه بأعين لامعة ، منذ أعوام كانت هذه الأماكن هي الأحب إلى قلبها حيث كان يصطحبها الأب الحنون يحتضنها و يغرقها بوابل من القُبلات فوق خصلاتها و جبهتها ، حيث علمها دروس الحياة النبيلة و الحفاظ على عقلها الراشد و أخبرها أنها حرة لا يجب أن تترك أحدهم يقود عقلها ، حيث أخبرها أنه معها أينما ذهبت ! وأنه لن يتركها ، لكنه خان العهد و تركها !
هنا ودعت طفولتها لكنها لم تتمكن من توديع مراهقتها ، عقدت حاجبيها حين استمعت إلى "سليم" يقف بجانبها قائلًا بدعابة :
- واضح ان القصة كبيرة أوي ، احكيها أنا بحب اسمع الحكاوي !
تحكمت بنبرتها و أخفت لمعة الدموع بعينيها بأعجوبة و قالت بهدوء :
- ولا قصة ولا حاجه أنا مصدعة و بصراحة أكلت من الكافتيريا قبل ما نمشي !
ابتسم لها وقال :
- آآه دا إحنا بنغير الموضوع بقا ، على العموم أنا مكنتش عايز أعرف انا أصلًا مبحبش الحكاوي !
ضحكت بخفة و مالت برأسها إلى الأمام ثم اعتدلت تواجهه و قد تطايرت خصلاتها برقة مع نسمات الهواء وقالت مبتسمة :
- ولا أنا بحبها ياسليم ، روح كمل أكلك بقا و أنا هقف شوية وارجعلكم !
عقد حاجبيه و قال بغضب مصطنع :
- ليه شايفاني مش راجل ولا إيه ؟
رفعت حاجبها الأيسر بتعجب ليُكمل :
- اه ماهو مفيش راجل طبيعي هيشوف واحدة قمر كدا نفسها مسدودة ويسيبها في حالها يعني !
ضحكت بقوة تلك المرة و ابتسم "عاصم" الذي علق عينيه عليها بقلق ثم قال :
- هقوم اكلم أميرة عشان قالت هيرجعوا بكرة الصبح ، أنا كدا اتطمنت على سديم !
ثم استقام و ابتعد عن الطاولة وقال "يوسف" وهو يتابعهما ببسمة واضحة :
- سليم قرب يتبني سديم ، بس جدع أنا مقدرش أقوم من الأكل ببساطة كدا !
ضحكت "نريمان" وقالت :
- أنت لا يمكن تقوم يايوسف من وأنت صغير و ده طبعك !
ضحك "يوسف" و كاد يُجيبها لكنه عقد حاجبيه وقال بدهشة :
- إيه دا هما هيرقصوا ، لا دا ياريتني كنت قمت أنا بقاا !
ضحك الجميع عدا "آسر" الذي راقب حركتها مع "سليم" بل داخل أحضانه بنظرات هادئة خارجيًا فقط لكن داخليًا تصرفها أغضبه بل أشعله خاصة أنها تتعمد تجاهله منذ أن جلست فوق الطاولة و من الواضح أنها وجدت ملاذها منه مع ابن العم ، ومن الواضح أيضًا تُجيد الرقص والتمايل داخل أحضانه ببراعة ! ، طرقع رقبته بقوة و استقام قائلًا :
- هعمل مكالمة مهمة و ارجع بعد إذنكم !
توجه إلى الطرف البعيد و وقف هناك يتحدث بهاتفه و عينيه لم ثابتة عليهما أو عليها هي تحديدًا ، ماذا تفعل تلك اللعينة هل تحاول الإيقاع بابن عمه أم أن ابن العم يتودد إلى تلك المحتالة ؟ وكأنها تتمايل بشكل مبالغ به و ابتسامتها تلك تستفزه للغاية ، انتهت الرقصة وكاد يعود لكنه توقف حين بدأت رقصة التانجو الشهيرة و كانت تتمايل عليها و تضحك وكأنها طفلة !!!
نظر الجميع إلى الثنائي اللطيف و المرح في الوقت ذاته و نجحا كلا منهما بلفت انتباه العائلة واشتعلت الرقصة بنيران غضبه و انتهت بتصفيق حار من الجميع ، ترك "سليم" خصرها و أمسك يدها و عاد معها إلى الطاولة ، جلست و جلس هو فوق المقعد الفارغ بجانبها يتحدث إليها و من الواضح أن شقيقه أيضًا بدأ يتفاعل معهما بالحديث و الضحكات !
عاد إلى عائلته يقول بهدوء :
- طيب ياجماعة كان نفسي أكمل معاكم الوقت اللطيف دا بس أنا ناسي حاجة مهمة في المكتب وهرجع اجيبها وبعدها احصلكم على البيت .
ثم جمع متعلقاته ورحل !
________________ *** _________________
بعد منتصف الليل دلفت "سديم" إلى غرفتها بإرهاق و أغلقت الباب بإحكام كادت تسير بظلام الغرفة الدامس لكنها توقفت فجأة و عقدت حاجبيها تقول بصوت مسموع :
- وقاعد في الضلمة كدا ليه ؟ خايف يقولوا بيعمل إيه في أوضة بنت عمه بليل كدا ؟
أنارت الإضاءة الخافتة و ألقت نظرة خاطفة تجاهه حيث جلس فوق الأريكة و هو يضع ساق فوق الأخرى قائلًا :
- رقصتي مع سليم ليه النهاردة ؟
لم تلتفت إليه بل اتجهت إلى الفراش و وضعت ساق فوق الأخرى ثم مالت بجزعها العلوي قليلًا ومدت يدها تنزع حذائها وعينيه تتابعها بهدوء إلى أن أمعن النظر بتصميم ملابسها الكاشفة أكثر مما ينبغي و التي تصل إلى أعلى ركبتيها فُسْتَانٌ مِنْ طِرَازٍ حديث و مثير !
أردفت بلامبالاة وهي تعكس وضع ساقيها وتنزع الأخرى :
- إيه دا كان مكتوب في ورقة الممنوعات وأنا مش واخدة بالي ؟
ثم استقامت واقفة و كادت تسير لكنها عقدت حاجبيها حين و جدته يجذبها إليه بغضب و يقول بجدية :
- أنتِ مش واخدة بالك إنك في بيت كله شباب !
رفعت حاجبها الأيسر و أوشكت أن تفتح شفتيها ليضع يده فوقيهما و بنفس التوقيت دفعها إلى أقرب حائط مُقيدًا يديها معًا و هو يكُمل بنبرة معنفة و قد برزت عروق وجهه وعنقه تخبرها أنه على وشك الإنفجار بها ! :
- إياكِ تقولي وأنت مالك أنا بحافظ على ابن عمي و أخويا من واحدة زيك !
بدا الذعر لأول مرة داخل عينيها لقد بث داخلها الرعب دون أن يشعر من هجومه البربري عليها لذا رفع يده عن شفتيها و أرخى قبضته عن يديها لتفلتها مسرعة وتبدأ بفركها بألم تأوهت و مالت برأسها قليلًا إلى الجانب تفرك يديها بعفوية كاشفة عن عنقها و كتفها الناعم حيث كانت تجمع خصلاتها على الكتف الآخر و هي تقول بإنهاك :
- إيه الهمجية دي أنت مبتعرفش تتكلم و إيدك جنبك ؟
صمت يراقبها عن كثب بهدوء لترفع يدها تجمع خصلاتها بقوة و هي تقول بملل :
- لو عندك أي خناقة وفرها لبكرة أنا بجد مرهقة جدًا النهارده و مش ناقصة أوامر ولا فروض خلاص عرفنا مشكلتك و مش هقرب من سليم تاني اوعي بقااا !
رفعت يديها إلى صدره تدفعه لكنه أمسك يديها بهدوء و قال هامسًا أمام شفتيها :
- مقصدش اوجعك كدا !
رفعت مقلتيها تنظر داخل رماديتيه بدهشة و انتبهت إلى إلتصاقه بها و أن جسدها داخل أحضانه للمرة الثانية في هذا اليوم !
وتلك المرة عاجزة عن التصرف و أنفاسها متوترة بشكل ملحوظ ، ماذا دهاها ؟ ابتعلت رمقها وهمست بخفوت :
- آسر ! اوعى من فضلك !
توقيت خاطئ لذكر اسمه من شفتيها صعد صدره وهبط بقوة و رفع أنامله يسير بخفة فوق ذراعيها إلى أن وصل إلى كتفها ثم صعد ببطئ إلى نحرها و أمسك ذقنها بلطف يمرر إبهامه فوق شفتيها و هو يميل برأسه تجاهها و الآن شفتيه على وشك إلتهام كريزتيها و حين اقترب انتفضا معًا حيث طرق "سليم" الباب وقال بصوت واضح :
- سديم ! صاحية ؟!
دفعته بقوة فجائية و كادت تتجه إلى الباب حافية القدمين لكنه امسكها عاقدًا حاجبيه و هو يُشير إلى ساقيها العارية و ردائها القصير يقول :
- هتفتحيله بالمنظر دا كمان وبعد نص الليل انتوا إيه حكايتكوا !
زفرت بملل لكنها عقدت حاجبيها حين طرق "سليم" مرة أخرى وقال بصوت مسموع :
- سديم !
أجابت وهي بمحلها بصوت مرتفع :
- صاحية ياسليم فيه حاجه ؟
أردف من خلف الباب بهدوء :
- آه أميرة ونورهان برا وصلوا من شوية و عمو عاصم كان عاوزكم تتعرفوا على بعض !
استمع إليها تقول :
- حاضر روح أنت وأنا جاية وراك !
انصرف بالفعل و قال "آسر" :
- خدي بالك من أميرة عشان مش سهلة و متتكلميش كتير معاها لو مش عارفة تجاريها في موضوع فاهمة !
عقدت حاجبيها تراقبه و هو يتحدث بجدية و كأنها لم تكن منذ لحظات داخل أحضانه ثم افلتت يدها منه بغضب و قالت بنبرة حادة :
- أولًا أنا بعرف اتصرف كويس في أي موقف مش مستنية أوامرك ثانيًا متقربش مني بالشكل دا تاني لأي سبب فااهم !
تعمدت أن تختم جملتها مثله ثم تركته و تحركت باتجاه المرحاض وصفعت الباب بقوة بوجهه !!!!
______________ *** _______________
جلست "سديم" بجانب "نورهان" الصغيرة اللطيفة التي لم تتجاوز العشر أعوام و بدأت تقص طرائفها الصغيرة على "سديم" التي أصغت إليها باهتمام واضح وشاركتها بعض الأحاديث لكن قاطعتها "أميرة" التي جلست تضع ساق فوق الأخرى و قالت بلطف :
- قولتيلي درستي إيه في كندا ياسيلا ؟ و كنتِ قاعدة فين تحديدًا هناك ! معلش ياروحي أصل أنا بهتم بالتفاصيل !
نظرت إليها "سديم" ثم قالت بهدوء :
- سديم !
عقدت حاجبيها الأخرى و قالت باعتذار واهي :
- آه آه سوري ، أنا لسه متعودتش على الاسم ! المهم متهربيش من أسئلتي بقاا وقولي درستي إيه و كنتِ فين !
ابتسمت لها "سديم" ببرود و أجابت بسخرية واضحة :
- بصراحة أنا مكنتش هجاوبك فعلًا بس كنت هصحا الصبح بدري اجهز ال cv بتاعي و ابعتهولك أسهل من كل دا ! شوفي يامروة أنا آآ
قاطعتها تقول بدهشة :
- مروة مين ؟ أنا أميرة !
عقدت "سديم" حاجبيها و قالت بلا مبالاة :
- آه آه سوري أنا لسه متعودتش على الاسم ! على العموم لو مستعجلة ومش هتقدري تستني للصبح بابا ممكن يحكيلك كل اللي نفسك تعرفيه عني !
ابتسمت الجدة بوقار و أشارت بعينيها إلى "عاصم" الذي كان يراقب حديثها بإعجاب بالغ لتقول الجدة بلطف :
- سديم حبيبتي تعالي وصليني الأوضة بتاعتي .
استقامت "سديم" و توجهت إليها و بذات اللحظة وقف "عاصم" يقول لصغيرته "نورهان" :
- تعالي ياحبيبتي شوفي جبتلك إيه وأنا بجهز أوضة سديم !
واصطحبها و غادر ثم تحركت "سديم" بجانب مقعد الجدة المتحرك لكن توقفت حين أردفت "أميرة" بغضب بعد أن تأكدت من مغادرة زوجها :
- أنتِ شايفة إن دا أسلوب محترم مع واحدة أكبر منك ؟ أنا من حقي اتطمن واعرف تفاصيلك متنسيش إنك عايشة معايا في نفس المكان !
كانت قد وصلت إليها و أمسكت ذراعها لتلتفت "سديم" و تنظر إليها بهدوء بينما وقفت "نريمان" تقول بلطف :
- أميرة احنا مقدرين تعبك وأنك لسه راجعه من سفر بس دي مش طريقة !
اجابتها "أميرة" بحدة :
- ومين قال إن دا كلام تعب أصلًا !
عقدت حاجبيها حين وبختها الجدة بحدة وقالت :
- أميرة صوتك عاالي ! و ده مش اسلوب تتكلمي بيه مع حفيدتي ، خدي بالك من طريقتك مع سديم بالذات !
وقفت "سديم" تنظر إلى دفاع العائلة عنها بحزن و داخلها يقول " ماذا إن كانت تلك هي عائلتها الحقيقية ؟ لقد اعتادت صد هجمات من حولها بمفردها حتى أمها تركتها ذات يوم داخل التيار و فرت هاربة دون أن تودعها وداع يليق بأعوام عمرها التي افنتها في سراب ! "
عقدت حاجبيها حين هدرت "أميرة" بغضب :
- ونورهان مش حفيدتك ولازم تخافي عليها زي سديم؟
كاد "رأفت" _والد آسر_ يتحدث لكن دلف "آسر" من باب المنزل المفتوح على مصرعيه وقال بهدوء :
- و الله يا أميرة الأحسن تخليكِ في حالك و مش أنتِ اللي هتعلمي الكبار يتعاملوا مع ولادهم ازاي ، وبدل ما تسألي سديم عن تفاصيلها احكيلنا أنتِ إزاي رجعتي في وقت زي دا لوحدك منغير ماتستني السواق لحد الصبح !
كادت تتحدث لكنه أكمل بحدة :
- هتقوليلي دي حاجه بينك وبين جوزك اللي هو عمي مش كدا ؟ حلو يبقا تفاصيل سديم اللي هي بنته متخصكيش ولا تخص أي حد غير عمي ، لو مش عايزة حد مننا يتدخل بينكم يبقا طبقي دا على نفسك وماتتدخليش في حاجة متخصكيش ، أتمنى يكون كلامي مفهوم ، و متفكريش تعلي صوتك على جدتي تاني ، أنتِ مش جديدة و الكل هنا تحت أمر جدتي هي الوحيدة المسموح ليها تتكلم في أي موضوع ووقت ماتحب !
صمت الجميع و نظرت إليه الجدة بامتنان ثم قالت بهدوء :
-يلا ياحبيبتي خلينا ننام !
غادرت بمقعدها الكهربائي المتحرك و تبعتها "سديم" وقد تعمدت عدم النظر إليه وهي تمر من جانبه ، بينما زفر "يوسف" وهو يقول متابعًا بعينيه "أميرة" التي غادرت المكان كالعاصفة :
- أهي هتروح تشتكينا ، بس جيت في وقتك ياآسر يلا أنا هطلع بقا أنام أنا كمان مش هتيجي ياسليم ؟
استقام الآخر و قال بتكاسل و هو يمط جسده :
- ايوا يلا عشان هنصحا بدري بكرة و شكلي هستنا الفطار وهتأخر شوية عشان هاخد سديم معايا !
سأله "آسر" عاقدًا حاجبيه :
- تاخدها معاك فين ؟
ليُجيبه الآخر :
- الشركة أكيد ياآسر زي ماعمي عاصم قال النهاردة !
تشدق "آسر" قائلًا بدهشة :
- ليه هي مش هتروح مع عمي عاصم ؟
اجابه "يوسف" تلك المرة :
- لا عمو عاصم رايح الفرع اللي هو ماسكه وهي هتبقا معانا احنا ياآسر ، ده غير إن هي وسليم متفاهمين أوي سوا خليه هو اللي يدربها وريح أنت !
ثم ضحك و ابتسم "سليم" يقول بدهشة :
- أنا مش فاهم أنت قصدك إيه يابني مش أنت بنفسك قولتلي عدي عليها أنت وأنا هعمل مشوار و بعدها احصلكم ؟
ضحك "يوسف" وقال بغيظ :
- قولتلك عدي عليها تروحوا العشا سوا مش سيب الأكل وقوم ارقص معاها ، وبعدين أهو عمي قالك تعدي أنت عليها بكرة كمان لما الباشا ضحكها النهارده على أساس أنا منكد عليها !
عقد "آسر" حاجبيه حين أدرك أنها بصحبة "سليم" منذ بداية الليلة وليس فقط وقت تناول العشاء ! لكنه تابع "سليم" وهو يردف موضحًا :
- الموضوع مش زي ماأنت متخيل لو قعدت مع سديم هتعجبك دماغها وطريقة تفكيرها حتى في الشغل ، أنت عارف عمو عاصم أصلًا قال تنزل معانا شغل ليه ؟ ماهو عشان النهاردة كنا بنتنقاش في شغل قدامها و عمو أخد رأيها و بصراحة ابهرتني أنا نفسي بحلولها ، دي هي اللي تدربني مش العكس ! وساعة الرقصة أنا اللي أصريت كانت متضايقة و محبتش تحكيلي مالها و صادفت الرقصة اللي بتحبها روحت شديتها ورقصنا بس كدا !
نظر إليه "يوسف" باشمئزاز ثم قال مُقلدًا :
- شديتها ورقصنا بس كداا ! طيب و معديش عليها أنا بكرة ليه يعني ؟ اهو على الأقل هتحكيلي وتفضفض أنا هعرف اوقعها في الكلام واعرف اللي مزعلها !
شد قبضته بقوة و قال بغضب مبالغ به :
- ايه السخافة دي بتتكلموا على واحدة من الشارع !
تركهما و غادر ووقف "رأفت" يقول بتأكيد :
- صحيح ياولاد طريقتكم مش حلوة دي بنت عمكم و حتى لو بنت غريبة ميصحش تتكلموا على وجودها بالشكل دا !
نظر إليه "يوسف" بدهشة وقال :
- أنا مكنتش اقصد حاجه يابابا سديم زي اختنا أصلًا منقدرش نتكلم عليها وحش دا هزار !
تحدث "سليم" رافعًا حاجبه مندهشًا من موقف ابن عمه المدافع عنها :
- أنا مش فاهم بصراحة آسر هو من امتى بيطيق تعاملات البنات ولا بيفهم فيها أصلًا عشان يدافع عنهم كدا !
ابتسمت "نريمان" و أردفت بارهاق :
- لا انتوا رغايين أوي وأنا محتاجة اطلع أتطمن على أمجد وبعدها أنام ، تصبحوا على خير !
ربت "رأفت" فوق كتف "سليم" وقال :
- عندها حق ، أنا كمان هطلع أنام ، تصبحوا على خير ياولاد!
أجاب "يوسف" قائلًا وهو يتبعهم :
- يلا احنا كمان ورانا يوم طويل بكرة .
بعد مرور ساعة و هي جالسة داخل غرفتها استمعت إلى طرقات هادئة يليها صوت "عاصم" يقول :
- نمتي ياحبيبتي ؟
كانت تنوي تجاهل الطرقات لكن حين استمعت إلى نبرته الحانية اعتدلت و هي تُطلق أنفاسها بإرهاق ثم توجهت إلى الباب و فتحته بهدوء و هي تقول ببسمة صغيرة :
- لا صاحية اتفضل !
ثم تنحت جانبًا ليتمكن من المرور لكنه قال بلطف :
- لا ياحبيبتي أنا عارف انك مرهقة ومحتاجة ترتاحي ، كنت هقولك لو تحبي أنام هنا مش فوق مفيش مانع عندي !
عقدت حاجبيها تقول بهدوء :
- لأ لأ اطلع نام فوق مش مشكلة إحنا في نفس المكان روح ارتاح أنت ومتقلقش عليا .
هز رأسه بالإيجاب ثم اقترب يطبع قبلة صغيرة فوق جبينها و انصرف وهو يقول :
- تصبحي على خير ياحبيبتي .
تنهدت و أغلقت الباب ثم توجهت إلى المرآة تنظر إلى انعكاسها بها بألم وحزن و هي تهمس بصوت مبحوح قائلة لنفسها :
- معرفش إيه اللي بيحصل بس أنا لأول مرة أخاف من اللي جاي !
تلك المرآة ليست عاكسة إنما هي فاضحة تنتظرني فور إنتهاء يومي فقط لتُخبرني أنني كاذب و أنني لستُ على مايرام كما تظاهرت طوال يومي ، تُخبرني أن صراعي مستمر إلى ما شاء الله و معاركي الداخلية حولتني إلى هيكل بلا روح ، طالما صارحتني و أخبرتني أني مجرد حطام !