رواية انا لها شمس الفصل السابع واربعون 47 بقلم روز امين
إخترقت صرخاتها المتألمة جدار قلبه قبل أذنيه ليأن وجعًا ورُعبًا على شريكة الروح،يقود سيارته بجنون فقد أوشك على فقدانه لعقله كلما استمع لأنينها وصوت صرخاتها المستنجدة،تارة يتابع الطريق بعيناه الزائغة وتارةٍ أخرى يتطلع بانعكاس المرآة على حبيبته القاطنة بالمقعد الخلفي تتلوى من شدة الألم تجاورها والدتها حيث تؤازرها وتحاول التخفيف عنها ببعض الكلمات كي تتحمل ألم المخاض الذي هاجمها بضراوة على حِين غِرَّة:
-إتحملي لحد ما نوصل،وإجمدي كده هي يعني أول مرة ليكِ
+
ضغطت على يد والدتها المحتضنة كفها لتنطق قائلة:
-ما أنا مستحملة أهو يا ماما، هعمل إيه أكتر من كده
+
ثم صرخت مستنجدة به بطريقة حادة:
-بسرعة يا فؤاد،هو إنتَ طالع رحلة
برغم غضبها وحدتها بالحديث إلا أنهُ أوجد لها العذر وتحدث بصوتٍ أظهر كم الهلع الذي أصابهُ من وجعها:
-حاضر،حاضر يا حبيبي،حاولي تاخدي نفس وتهدي وإحنا خلاص قربنا من المستشفى،أنا أتصلت بالدكتورة وهي في انتظارنا
+
يجلس بالمقعد المجاور له وجدي بينما أيهم وعزيز يتبعاهُ بسيارة أيهم وبصحبتهم أميرة التي أصرت على ألا تترك خطيبها وعائلته بهذا الظرف الطارق فأخذت الإذن من والدها حيث سمح لها على الفور بأن ترافقهم.
1
بكثيرًا من التوتر أخرج هاتفهُ بيدٍ مرتجفة لينطق وهو يبحث عن رقم والدته:
-أنا هكلم ماما تحصلنا على المستشفى هي والباشا
نطقت على عجالة وهي تصرخ:
-خليها تجيب لي عزة معاهم
صاحت والدتها باعتراض يرجع لعدم تقبلها لشخصية تلك الـ عزة لما لهما من جولاتٍ وصولات من التراشق بالكلمات الاذعة بالماضي جعلت كلًا منهما تبغض رؤية الأخرى وتتجنب الإجتماع بها:
-أنا مش عارفة يا بنتي إنتِ مستحملة الست دي لحد الوقت إزاي،دي عليها لسان عاوز قطعه من لغلوغه
+
-ماااااما...نطقتها بصراخٍ معترض كي تجبرها على الصمت والتوقف عن الحديث فيما يثير غضبها بشأن تلك الـ عزة لتنطق الاخرى وهي تضع كفها تسد به فمها:
-خلاص،هخرص خالص ومش هجيب سيرة الست عزة هانم
لينطق وجدي وهو يحاول تهدأت شقيقته:
-إستحملي يا إيثار،شوية ونوصل إن شاءالله
+
أغمضت عينيها تعتصرهما مع ضغطها بقوة على كف والدتها لتكظم ذاك الألم المبرح فاستمعت لصوت فؤاد وهو يتحدث مع والدته:
-بسرعة يا ماما،ومتنسيش تجيبي عزة معاكِ، وبلغي فريال وهاتيها هي كمان
1
هاجمتها تقلصات المخاض لتُلقي بجسدها للأمام فلم تشعر بحالها إلا وهي تقبض على كتفي ذاك الذي يستقل مقعد القيادة وتهزه بعنفٍ قائلة بصراخٍ هيستيري:
-إقفل الزفت ده وزود السرعة،إنت فاكر نفسك طالع رحلة وقاعد توزع الدعاوي
واسترسلت بصراخٍ بعدما أصيبت بنوبة فزع:
-إنتَ السبب في اللي أنا فيه ده كله يا فؤااااااد
اتسعت عينيه بذهولٍ ولولا ثباتهِ وقوته الجسدية لاهتزت الطارة من بين يداه وواجهوا كارثة،صاح بها لتترك كتفيه:
-إهدي يا بنتي وسيبي هدومي،هتودينا في داهية
اعتدل وجدي بجسده وحاول فك قبضة شقيقته المتشنجة من فوق تلابيب فؤاد وهو يهتف عاليًا:
-إهدي يا إيثار مش كده، سيبي الراجل لنعمل حادثة
+
ساعدت منيرة نجلها بفكاك قبضتيها المتشبثة لتنطق وهي تعيد ظهر ابنتها للخلف:
-بسرعة يا ابني الله لا يسيئك،البت شكلها تعبان قوي ومش قادرة تتحمل
+
رد يجيبها:
-أنا سايق بأقصى سُرعة مسموح بيها يا أمي،لو ذودت أكتر من كده هعرض حياتنا للخطر وخصوصًا مع زحمة الطريق
ثم استرسل بنبرة حنون وهو ينظر لحبيبته في المرآة:
-استحملي يا بابا علشان خاطري
تطلعت لانعكاس عينيه لتنزل دموعها وكأنها تشتكيه مر الألم لينشطر قلبه في الحال لشعوره بالعجز حيال ألامها الشرسة.
+
بعد مرور حوالي ثلاثون دقيقة وصلا للمشفى ليجدا عائلة علام بانتظارهم خارج المشفى نظرًا لقرب القصر من المكان،هرولت عصمت عندما رأت سيارة نجلها الذي خرج سريعًا ليفتح الباب لزوجته المتألمة،بسط ذراعه ليتمسك بخاصتها وهو يقول بحنو:
-هاتي إيدك يا بابا وإنزلي بالراحة
تطلعت عليه بعينين دامعتين وما أن وقفت حتى مالت لتستند برأسها على كتفه لتنطق وهي تشهق بنبرة شقت صدرهُ لنصفين:
-هموت يا فؤاد
حاوط كتفيها برعاية وضمها إليه لينطق بصوتٍ خافت تجلى الرعب بين نبراته:
-بعد الشر عليك يا قلبي، متقوليش كده علشان خاطر حبيبك
+
نطقت عصمت وهي تتفحصُ وجنتها الموضوعة على كتف فؤاد والهلع يظهر بين قسمات وجهها:
-إنتِ كويسة يا حبيبتي؟
أجابتها وهي تبكي:
-موجوعة يا ماما،موجوعة قوي
+
ترجل أيهم من السيارة وهرول مسرعًا ليهتف بعجالة وهو يقوم باستعجال فريق المساعدة:
-إتحركوا بسرعة
كان علام يتابع الأمر وهو يقف بجوار ماجد وهو من أوقف فريق المساعدة بأن يتقدموا وذلك بعدما رأى إيثار قد سندت برأسها على كتف زوجها فتيقن حاجتها الملحة لحُضنه كي تستمد قوتها منه،إقتربت عزة من إيثار وتحدثت بنبرة حنون وهي تربت على ظهرها:
-طمنيني عليكِ يا بنتي
+
لوت منيرة فاهها باستنكار لتنطق إيثار وهي تتمسك بكفها:
-تعبانة يا عزة تعبانة
رفع فؤاد رأسها وتحدث ليحثها على الإعتدال:
-يلا يا حبيبي علشان ندخل المستشفى
ساعدتها عاملتان بالجلوس فوق المقعد المتحرك وسحبوها للداخل والجميع يرافقها حتى وصلت غرفة الفحص فتوقف الجميع بالخارج وولجت معها عصمت فقط،وأثناء ما كانت عزة تستكشف المكان فؤجئت بتلك الـ "منيرة"ترمقها بازدراء وعدم القبول يظهر على محياها لتلوي عزه فاهها وهي ترمقها بحدة،لتهمس الأخرى لنجلها عزيز قائلة:
-سبحان من زرع كره الولية دي في قلبي،أطيق العمى ولا أطيقهاش
نطق عزيز بنبرة جادة:
-كبري دماغك يا أم عزيز وتجنبيها،إحنا مش جايين نعمل مشاكل، وبعدين الست واقفة في حالها
مرت الساعات وولجت إلى غرفة العمليات تحت ارتعاب قلوب الجميع،تحرك فؤاد ليقف بجانب الباب وكلما استمع لصرخات زوجته انتفض قلبه هلعًا ليغمض عينيه يعتصرهما بألم،إقترب عليه فؤاد وربت على كتفهِ قائلاً:
-متقلقش يا حبيبي،إن شاء الله شوية وهتخرج بالسلامة وتشوف ولادك وتفرح بيهم
2
نطق بصوتٍ متحشرج نتيجة تأثره:
-أهم حاجة هي تبقى بخير يا بابا،أنا مش عاوز غيرها
وتابع وهو يهز رأسه بتأكيد:
-والله العظيم ما عاوز من الدنيا غيرها
غامت عينيه بلمعات الدموع لينطق علام بقوة:
-إهدي يا فؤاد وحاول تتماسك،مينفعش اللي بتعمله ده،إدعي لها ربنا يقومها بالسلامة هي وولادك
أما منيرة فوقفت بجوار باب الغرفة وقلبها ينتفض هلعًا على صغيرتها،نزلت دموعها وهي تستمع لصوتها الصارخ وباتت تدعو الله لتجاورها عصمت تربت على كفها بمؤازرة،لتنضم لهما عزة التي تحدث بقلبٍ لا يقل هلعًا عن منيرة:
-إدعي لها يا اختي ربنا يقومها بالسلامة،إنتِ أم،ودعوة الأم مستجابة
تطلعت عليها منيرة بعينين دامعة،لتخرج الممرضة حاملة أحد الصغيرين وتحدثت وهي تُسلمها إلى فؤاد:
-بنت حضرتك يا افندم،حمدالله على سلامتها وتتربى في عزك إن شاءالله
شعورًا عجيبًا لأول مرة يحتل قلبه حين نظر لوجه تلك الملاك،استعاد توازنه وبسرعة رفع رأسه يسأل عن خليلة روحه:
-إيثار كويسة؟
أجابته بابتسامة مطمئنة:
-المدام زي الفل، والبنوتة أهي قدام حضرتك،وأخوها دكتور الاطفال بيكشف عليه وهخرجه أول ما يطمن عليه
هرول الجميع يحاوطوا فؤاد الذي بسط ذراعيه ليحمل صغيرته ويتمعن بوجهها الملائكي،وبدون ادنى شعور مال بشفتاه يلثم وجنتها الناعمة لينطق بنبرات مرتبكة:
-حمدالله على السلامة يا قلب بابي،نورتي حياتي يا تاج،يا تاج راسي وأمل حياتي
استمع لصوت شهقات والدته حيث انهمرت دموعها تأثرًا بهيئة صغيرها وهو يحمل ابنته أخيرًا وبعد كل هذا العمر،إقتربت لتسند رأسها على كتفه تتطلع على ملاكهم وهي تقول:
-مبروك يا حبيبي،الحمدلله اللي ربنا مد في عمري وشوفت ولادك يا فؤاد
وعى على حاله لينطق بنبرة حنون:
-هأذن في ودانها وهديها لك تشيليها يا حبيبتي
اومأت بموافقة فاقترب هو من أذن الصغيرة وبدأ يأذن بصوتٍ هادئ ثم لقنها الشهادة لتتناولها منه عصمت لتقربها من حضنها وتميل تشتم رائحة وجهها وتقبل كفها الصغير،إحتضنت فريال شقيقها وباتت تربت على ظهره بحنان
أخرجوا الصغير أيضًا وتكرر ذاك المشهد مع فؤاد والجميع، بعد قليل كانت تتمدد فوق تختها والجميع يحاوطوها برعاية:
-تحدث إليها عزيز بنبرة حنون:
-حمدالله على سلامتك يا إيثار
الله يسلمك يا عزيز...نطقتها بصوتٍ واهن ليتحدث إلى علام الذي يحمل الصغير ويتطلع عليه بسعادة الدنيا،تجاوره زوجته لتشاركه الفرحة:
-يتربوا في عزكم يا باشا
اجابه علام:
-متشكر يا عزيز
أما أميرة فكانت تحمل الصغيرة بيدين ترتجفتين خشيةً إفلاتها،يجاورها أيهم حيث تحدث بملاطفة:
-عقبال ولادنا يا قلبي
خجلت وأنزلت بصرها للأسفل لتقبل عليهما عزة تلتقط الصغيرة وهي تقول:
-هاتي يا اختي البت لتقع منك بإديكي اللي بتترعش دي
نطقت اميرة وكأنها وجدت طوق النجاة:
-متشكرة بجد
تحركت بها ووقفت بوسط الغرفة لتتحدث وهي تنظر إلى منيرة كنايةً بها:
-العيال دول محدش هيدق لهم الهون غيري،وهقول بعلو صوتي إسمعوا كلام جدكم علام المحترم وجدتكم الدكتورة عصمت
هتفت فريال بنبرة حماسية لتشير على حالها:
-وأنا يا عزة، إوعي تنسيني
نطقت بانتشاء:
-ودي تيجي يا ست البنات،وكمان عمتكم فريال تسمعوا كلامها،وأبوكم الراجل المحترم
ثم رمقت منيرة وعزيز الجالس بجوارها:
-أما بقى جدتكم منيرة فاللي تقولوا تعكسوه على طول
أطلق الجميع ضحكاتهم لتسترسل وهي تتطلع على عزيز:
-وخالكم عزيز حطوه في نفس خانة جدتكم منيرة،إنما الواد أيهم غلبان إبقوا إسمعوا كلامه
أطلق الجميع ضحكاتهم وتابعوا أحاديثهم،مال بجزعه لينطق بصوتٍ حنون:
-كنت هموت عليكِ يا قلبي
أجابته بصوتٍ خافت ووجهٍ شاحب:
-بعد الشر عنك يا حبيبي،الحمدلله،عدت على خير
تحدث بنبرة صادقة:
-ربنا يخلي لنا ولادنا التلاتة وحلو قوي كده،أنا مش عاوز من الدنيا غيركم
3
إبتسمت بسعادة،مر سبعة أيام وجاء يوم السبوع كما يطلقون عليه،اهتم علام بالجانب الديني حيث قام بذبح الذبائح وتوزيع لحومها على الفقراء والمساكين وقاموا بصنع الطعام وأطعموا المحتاجين، ثم أقام حفلة ودعى بها جميع الأحباء والأقارب وانتهت بسلام
+
وبنهاية اليوم وبعدما رحل الجميع أخرج علام ورقة وقدمها إلى فؤاد قائلاً:
-ده تنازل مني عن حصتي في كل أسهم شركات الزين
اتسعت أعين فؤاد لينطق بنبرة رافضة:
-أنا مقدر فرحة سعادتك بولادة زين وتاج يا باشا،لكن أكيد مش هقبل العرض ده وأظلم أختي
رفع علام حاجبه مستنكرًا تفكير نجله لينطق بكلماتٍ ثابتة:
-ومين جاب سيرة ظُلم فريال،أنا قبل ما أكون أب فأنا قاضي،يعني يد الله في تحقيق العدالة على الأرض يا سيادة المستشار
واسترسل بإبانة:
-أنا كتبت لـ أختك حصتها من الشركات وكنت هكتب للدكتورة هي كمان، لكن رفضت وتنازلت عنهم لـ زين وتاج
وتابع لايضاح فكرته من ذاك القرار:
-أنا حبيت أجمع كل أسهمنا في إيدك علشان تاخد منصب رئيس مجلس الإدارة والمالك الأكبر في أسهم الشركة،أنا عاوزك تكبر إسم الزين واولادك يكملوا المسيرة يا فؤاد
واسترسل غامزًا وهو يربت على كتفه:
-عاوزين صفقة جامدة زي صفقة زين وتاج في أقرب وقت يا سيادة المستشار
4
للدرجة دي مستغني عني يا باشا...قالها بضحك ليطالعه بنظراتٍ هادئة وهو يتابع:
-الحمدلله على كده يا باشا،ربنا يبارك لنا فيهم ويخلي لي إيثار ومش عاوز حاجة تاني من الدنيا
*********
بعد مرور أربعة سنوات
أمام أحد المباني شاهقة الإرتفاع بوجهتها الزجاجية،توقفت سيارة فارهة تدل على رفاهية من يستقلها، تسبقها سيارة دفع رباعي سوداء ترجل منها ثلاثة رجال ذو أجسادٍ ضخمة وعضلاتٍ بارزة تدل على مدى قوتهم البدنية،أسرعوا ليحاوطوا تلك السيارة الفارهة حيث ترجل من الباب المقابل للسائق ضابطًا للحراسات الخاصة كان قد عينهُ زوجها ومعهُ بعض رجال الحراسة المدربون بأعلى مستوى ليقومون بحراستها وتأمين حياتها من ألا يصيبها أي مكروه من ذاك الذي مازال هاربًا خارج البلاد،بات الضابط يمشط المكان بعينيه بينما أسرع سائق السيارة لفتح الباب الخلفي لتترجل منها تلك التي أصبحت عضواً هامًا وبارزًا في شركات"الزين"بل أصبح اسمها يتردد كثيرًا في سوق الأعمال لما أحرزته من تقدم في عملها التي استلمته من علام شخصيًا،وضعت قدميها في الارض وارتدت نظارتها الشمسية لترفع رأسها تتطلع بشموخٍ لذاك المبني،حاوطها الرجال أخذين وضع الإستعداد ليتحركوا سريعًا خلف تلك الشامخة التي تتحرك بقوة وثبات لبوابة الشركة،كانت ترتدي بدلة نسائية رائعة المظهر بلونها البيج يعتلي رأسها حجابًا من نفس اللون بدرجة أغمق،سار بجوارها ذاك الضابط حيث سألها باحترام:
-حضرتك هتخلص شغل زي كل يوم يا افندم ولا هتتأخري زي إمبارح
نطقت وهي تتحرك للأمام قاصدة وجهتها:
-إمبارح كان يوم إستثنائي يا صفوت،كان لازم أجهز أوراق الصفقة الجديدة وأشرف على الترتيبات بنفسي
سألها صفوت من جديد:
-جنابك مش هتخرجي بدري علشان عيد ميلاد يوسف؟
نطقت بثبات إمرأة ناجحة:
-لو هخرج أكيد هنبهك يا صفوت
تحدث الرجل على استحياء بعدما شعر بضجرها من كلماته:
-أنا أسف سعادتك،أكيد مش قصدي أضايقك بأسألتي،أنا بس بحب أكون مستعد ومرتب لشغلي من قبلها
نطقت وهي تتخطي بوابة الشركة الإلكترونية المصنوعة من الزجاج والتي فُتحت على مصراعيها فور اقترابها:
-أنا فاهمة ده كويس يا صفوت
واسترسلت بإبانة:
-ومش متضايقة بالعكس،أنا طول عمري بحب النظام في كل حياتي
ثم اعتدلت لتقابلة وهي تتابع:
-بس تقدر تقول إني مبحبش كتر الكلام في بداية اليوم،ربنا خلقني كده
فهمت سعادتك... قالها الرجل وهو يشيح بنظرهِ أرضًا كما يفعل دائمًا خشيةً إثارة غضب ذاك الغيور عاشق زوجته،أومأت له وتحركت باتجاه المصعد الكهربائي ورافقها صفوت ورجل الحراسة المسؤول عن حمله للحقيبة الخاصة بأوراق العمل،أوصلاها لحيث مقر مكتبها ورحل كلًا منهما لوجهته،سألتها السكرتيرة الخاصة:
-أجيب لحضرتك القهوة يا افندم
أجابتها بنبرة جادة:
-هاتي لي الأول ملف الصفقة الجديدة بالكامل،وابعتي لي الموظف المسؤول عن التعاملات البنكية مباشرةً
اومأت الفتاة برأسها لتنطق وهي تعود للخلف:
-تحت أمرك إيثار هانم
قالت كلماتها وتحركت للخارج،بعد قليل،كانت منكبة على الأوراق التي أمامها تراجعها بتمعنٍ ودقة أثناء تناولها كوب قهوتها الساخنة،استمعت لدقاتٍ خفيفة فوق الباب لتنطق ومازالت على وضعيتها:
-إدخل
ولجت السكرتيرة تتحرك بخطواتٍ ثابتة قبل أن تنطق بنبرة جادة:
-باشمهندس بسام الزين برة وعاوز يقابل حضرتك يا افندم
تنهدت لعلمها سبب مجيأة لتنطق وهي تنظر للأوراق تراجعها بتمعن:
-خليه يتفضل
تحركت السكرتيرة إلى الباب وأشارت بكفها بابتسامة خافتة:
-مدام إيثار في انتظار حضرتك يا باشمهندس
ولج بخطواتٍ واسعة ومن صوت قوة حذائه التي دكت الارض أيقنت غضبه لترفع رأسها تعدل بأصابعها من وضعية نظارتها الطبية لينطق هو بصوتٍ جاهد أن يخرج هادئًا مع رسمه لابتسامة لزجة:
-صباح الخير يا أستاذة
أراحت ظهرها للخلف لتنطق بابتسامة مشابهة لابتسامته المصطنعة:
-صباح النور يا باشمهندس،إتفضل حضرتك
نطقتها وهي تُشير بكفها إلى المقعد المقابل لمكتبها وتابعت وهي تتوجه بحديثها إلى السكرتيرة:
-قهوة الباشمهندس بسرعة لو سمحتي يا ليلى
أوقفها بإشارة حادة من كف يده لينطق بصوتٍ خشن:
-مفيش داعي،أنا مش هطول،ورايا شغل كتير لازم يخلص النهاردة
مالت برأسها قليلاً لتشير للموظفة بالخروج لتفعل على الفور،توجهت له لتنطق بصوتٍ هادئ:
-إتفضل يا باشمهندس،أنا سامعة حضرتك
أخذ نفسًا عميقًا ثم زفره كي يطرد شعور الغضب من داخله وألا يحتد عليها ويضع حاله أمام ذاك الشرس الذي لا يسمح لأي شخصٍ مهما كان مجرد التعدي بحدة الكلمات على زوجته،:
-ممكن أفهم حضرتك أخدتي ملف الصفقة الأخيرة ليه؟!
براجع البنود بتاعته
بأي صفة يا أستاذة،دي وظيفتي وأنا المسؤول هنا عن مراجعة عقود الصفقات وإتمامها
+
وأنا مفوضة من رئيس مجلس الإدارة بإدارة شؤون الشركة واظن حضرتك عارف إنه مديني صلاحيات أتابع بيها العمل فيما يخدم الشركة ومصالحنا
يعني حضرتك بتستغلي منصب جوزك وبتستغلي إنه بقى مالك الحصة الاكبر من أسهم الشركة بعد عمي علام ما اتنازل له عن الأصول بتاعته؟!
+
وضعت من وضعية نظارتها لتنطق بقوة وثبات لم يأتيا من فراغ:
-ياريت يا باشمهندس تتكلم معايا على إني المدير المالي المسؤول عن الشركة،وأظن مش من المهنية إن حضرتك تخلط ما بين العلاقات العائلية والشغل،يعني مينفعش تذكر مصطلحات زي جوزك وعمي والكلام ده وإحنا بنتكلم في أمور تخص العمل
+
استشاط داخله من تلك المرأة الحديدية مثلما اطلق عليها جميع من يعمل بالشركة لقوة تحملها للعمل الشاق وثباتها في اتخاذ القرارات الحاسمة لما لها من صلاحيات قد فوضها لها فؤاد لثقته الهائلة بها كموظفة قبل أن تكون زوجة صالحة،لينطق بكلماتٍ بذل مجهودًا شاق كي يُخرجها هادئة:
-أولاً انا أسف،يمكن خاني التعبير، بس ده لا يمنع إني بتكلم في الحق،حضرتك يا أستاذة تعديتي على اختصاصياتي وأنا من حقي أقدم إعتراضي
+
حقك طبعاً،بس ده لما يكون تعدي على وظيفتك بجد،أنا بباشر صلاحياتي وده يُسأل عنه مدير مجلس الإدارة مش أنا...كلماتٍ نطقتها بحكمة لتكمل بنبرة عملية:
-على العموم أنا هبلغ فؤاد بيه وهطلب منه يأمر بإجتماع عاجل يوضح فيه النقاط اللي مضايقة حضرتك،ولما سيادته يحدد الميعاد الإدارة هتبلغك
ارتبك لعدم رغبته بالتصادم مع فؤاد وذلك لصرامته فيما يخص العمل،فـ أراد أن يتلاشى المواجهة معه وتحدث وهو يحاول تلطيف الوضع:
-مفيش داعي تشغلي فؤاد باشا معانا،كان الله في عونه
واسترسل مبررًا بترقيته التي لم يمر عليها سوى بضع أسابيع:
-أكيد مسؤليته تضاعفت بعد الترقية الاخيرة
-أوكِ،زي ما حضرتك تحب...قالتها بثبات وهي تنظر إليه بتفحص لينتفض واقفًا ليقول:
-هروح أتابع شغلي، وأسف إني أخدت من وقتك
وقفت باحترام لتنطق بثبات وهدوء:
-نورت يا باشمهندس.
تحرك سريعًا مغادرًا مكتبها وبداخله براكينٍ من الغضب يكظمها عنوةً عنه،أمسك مقود الباد واداره ليجد ذاك الـ أيهم يقف مع السكرتيرة وعلى ما يبدو أنه جاء لمقابلة شقيقته،تحدث بسام بابتسامة مصطنعة ترجع اسبابها لعدم تقبلهُ مؤخرًا جراء سطوة شقيقته وفرض هيمنتها على الشركة:
-أزيك يا أستاذ أيهم
أهلاً يا باشمهندس...كلماتٍ مقتضبة بالكاد أخرجها أيهم لينطلق الأخر كالإعصار مغادرًا المكان برمته لينظر أيهم إلى ليلى ويسألها:
-ماله ده
مطت شفتيها ورفعت كتفيها للأعلى لتنطلق ضحكاتهما وياليته لم يفعل فقد وصلت للتو زوجته "أميرة"ليشتعل داخلها بنار الغيرة بعدما رأت رجُلها منسجم في الحديث مع تلك الحسناء ذات الشعر الأشقر المجعد بمظهرهِ الخاطف للأنفاس وثيابها الملفتة للأنظار،توقف وابتلع قهقهاته وهمس بصوتٍ لم يستمع إليه سواه:
-يا وقعتك السودة يا أيهم،ليلة الخميس إنضربت خلاص
2
رمقته بنظراتٍ كالرصاص لتبسط ذراعها بذاك الملف إلى تلك الـ ليلي وهي تقول بجدية:
-الورق ده كانت طلباه مدام إيثار،ياريت توصليه حالاً
تحمحم مرددًا وهو يشير لها صوب باب مكتب شقيقته:
-تعالي دخليه بنفسك يا أميرة،أنا كمان داخل لـ إيثار
+
معنديش وقت أضيعه في الضحك والكلام الفارغ يا حضرة المحاسب المحترم...رمت بكلماتها اللاذعة بجانب نظراتها الحادة وانطلقت كالسهم لتعود لمقر مكتبها بقلبٍ يحترق من لوعة الغيرة على من يعشقه القلب،لوى فاهه ليبتسم ببلاهة لتلك التي تطالعهُ بملامح وجه بدا عليها التضامن والمؤازرة فيما سيناله من تلك الشرسة عاشقة زوجها، لينطق بملاطفة:
-إنتِ كويسة يا لولا؟
بمشاكسة ردت تلك الـ ليلى:
-مش مهم أنا يا أستاذ أيهم،المهم انتَ اللي تكون كويس
+
هز رأسهِ بطريقة ساخرة لتشير هي إلى الباب قائلة:
-ثواني هدخل الملف للهانم وابلغها إنك عاوز تقابلها
+
بعد قليل خرجت وتوجه هو ليلج إلى شقيقته فوجدها تتطلع على كومة من الاوراق ليتحدث بنبرة جادة:
-بسام الزين طالع شايط من عندك ليه؟
رفعت رأسها تطالعهُ قبل أن ترد مستنكرة:
-جنابه مش عاجبه طريقة شُغلي وبيتهمني إني بتعدى على اختصاصاته
جلس بالمقعد لينطق متخوفًا:
-أنا قولت لك من الأول بلاش تستفزيه وتدخلي في الامور اللي تخص منصبه
احتدت ملامحها لتعلن عن غضبها وهي تنطق بنبرة جادة:
-مفيش حاجة إسمها أمور تخص منصبه،ده مال ولادي وجوزي مأمني عليه،والبيه بيتعامل كأنه المالك الرئيسي والوحيد للشركات ويا عالم بيهبب إيه من ورانا،فكان لازم أحجم صلاحياته واستخدم صلاحياتي اللي أدهالي فؤاد بحكم منصبي،وخصوصًا إنه كان مانع الموظفين يطلعوني على أي أوراق خاصة بالصفقات
بكلماتٍ يحكمها العقل والمنطق نطق أيهم:
-بس كده ممكن يحطك في دماغه،وأحمد الزيني ممكن معاملته ليكِ تتغير،بالعقل كده أكيد مش هيسيب إبنه وينضم لفريقك ضده
+
-يوريني أخر ما عنده...جملة بها تحدي نطقتها قاصدة أحمد لتتابع بجدية:
-ولو باشمهندس أحمد الزين هيكون فريق ضدي لمجرد إن بسام إبنه يبقى هيخسر كتير قوي
واسترسلت بنبرة شرسة:
-لأنه هيلاقي معاملة وإيثار مختلفة كليًا عن إيثار اللي كانت بتعامله بلطف واحترام
رفع حاجبه باعجاب لينطق:
-بقيتي قوية لدرجة يتخاف منك يا إيثار
+
أجابته باقتضاب:
-محدش بيخاف غير اللي ماشي غلط يا أيهم
وافقها الرأي لتنطق بعدما قررت تغيير مجرى الحديث:
-متنساش بكرة تجيب أميرة وساندي وتيجو بدري علشان عيد الميلاد هيبدأ الساعة أربعة العصر إن شاءالله
ابتسم وتذكر طفلته ذات الثلاثة أعوام وتحدث:
-كل سنة ويوسف طيب،عقبال ما تشوفيه راجل قد الدنيا
متشكرة يا حبيبي...قالتها بابتسامة سعيدة لتتابع:
-الحمدلله إن عيد ميلاده وافق يوم الجمعة وإلا كنت هضطر أخد أجازة أنا وفؤاد،انا عادي لكن فؤاد لسه مترقي من كام إسبوع ومشغول جداً في مهام الترقية الجديدة
ربنا يوفقه يا حبيبتي،فؤاد راجل محترم ويستاهل كل خير...قالها ثم هب واقفًا ليتحرك للخارج تاركًا إياها تتابع عملها