رواية انا لها شمس الفصل السادس واربعون 46 بقلم روز امين
مشاعر مضطربة إجتاحت روحها،ما بين رهبة إرتيابٍ إشتياقٍ وحنين،حنين لعائلتها التي لم تحصد من وجودهم بحياتها سوى الوجع والذل وخيبة الأمل،لكنهم بالنهاية أهلها،يسيطرُ عليها شعورًا مريرًا يسكن جوفها،كانت تتطلع من نافذة السيارة،شاردة بالطريق الزراعي التي تمر منه للوصول إلى قريتها،شعرت بهلعٍ عندما اقتربت من ذاك الكوبري التي ستمر من خلاله لدخول بلدتها،لاحت بمخيلتها خروجها عبرهُ بالمرة الأخيرة لها،كانت بصحبته أيضًا بعدما انتشلها باللحظة الأخيرة من براثن هؤلاء المفترسون،تذكرت أيضًا خروجها المهين من ذاك الكوبري وهي تحمل صغيرها على كتفها بعدما حصلت على الخلاص من تلك الزيجة التي لم تجني منها سوى الألم والمرارة والذل والخيانة،يبدو أن هذا الكوبري هو خلاصها الدائم، فـ بكل مرة تخرج منه هاربة تتلفت حولها من شدة الهلع لتجد الدنيا تفتح لها ذراعيها على مصراعيهما كي تحتضنها وتطيب خاطرها وتفتح لها أبوابًا جديدة من الأمل،بالمرة الأولى وجدت والد صديقتها حيث أوصلها إلى شركة أيمن بعد أن توسط لها لتعمل سكيرتيرة خاصة لدى أيمن الأباصيري، والمرة الأخيرة كان العوض الأعظم من رب الكون"الله سبحانه وتعالى" حيث كافأها بعائلة علام زين الدين التي احتضنها جميع أفراد العائلة وشملوها بعطفهم هي وصغيرها البرئ،تسائل داخلها،ترى ما الذي ينتظرني تلك المرة وهل سأخرج من ذاك الممر هاربة كـ كل مرة،أم أنني سأخرج مرفوعة الرأس وسيتغير قدري تلك المرة
+
إنتفض جسدها حين شعرت بكف يدٍ يحتضن خاصتها وعلى الفور التفتت لذاك المجاور لها بالمقعد لتجدهُ مبتسمًا وبنظراته الحنون بث لها أمانًا كي يطمئنُ بهِ روحها،على الفور اخترقت نظراتهِ المطمأنة جدار قلبها ليهدئ من ارتيابها،لم يخفى عليه نظراتها التي كشفت عن هلعٍ داخلها ليميل بجذعه وهو يطمئنها بكلماته الحنون:
-إهدي يا بابا،الزيارة هتعدي على خير وكل حاجة هتبقى تمام
+
كلماتٍ بسيطة لكن كان لها أثرًا هائلاً على نفسها لتومي له برأسها،شعر ببرودة كفها لينطق بملاطفة أراد بها سحبها من تلك الحالة:
-شايفة جسمك تلج إزاي
ثم غمز بعينيه وهو يشير إلى أحضانه:
-علشان تبقى تسمعي الكلام ومتخرجيش برة حضني تاني
+
ابتسامة باهتة ظهرت على محياها ولعلها تشعر ببعضًا من الأمان انجرفت وراء طلبه لتقترب وتُلقي بحالها داخل أحضانه،ألقت برأسها فوق موضع قلبه لتستمع لدقاته المنتظمة،أما هو فـ لف ساعدهُ ليضم كتفها برعاية كي يشعرها بالإطمئنان،شعرت بقليلاً من الراحة لكن تخوفها من تلك المواجهة وهاجس خروجها من هذه القرية بات يؤرق روحها ويزدادُ مع دخولها إلى البلدة من خلال عبورها ذاك الكوبري
وكأن تلك القرية هي لعنتها بالدنيا،دفنت كفها بين قميصه وحلة البدلة كي تستمتع بدفئ صدره وباتت تتمعن بعينيها بوجوه المارة من أهل قريتها من خلف ذاك الزجاج العازل للرؤية"مُفيم"توقف الناس يتطلعون بأعين متعجبة وأفواهٍ مفتوحة على ذاك الأسطول من السيارات شديدة الفخامة بزجاجها المفيم وهيكلها المصنع مضاد للطلقات النارية،كانت أعين المارة متمركزة على السيارات بتمعنٍ شديد،يحاولون باستماتة اكتشاف من بالداخل،استمعت لهمساته الحنون وهو ينطق بدلالٍ كي يشغلها ويخفف من وطأة رُعبها:
-حبيبي إنتَ يا بابا
تهيمُ روحها عشقًا حين يتغزلُ بها ويناديها بصيغة المُذكر،تشعر حينها انها طفلتهُ التي يحرص على دلالها بكل الطرق كي ينول رضائها ويرفه عن نفسها،تنفست براحة لتضم حالها إليه أكثر تتمسح بصدره ليهمس هو بجانب أذنها بملاطفة أراد بها إخراجها من حالة التشتت والضياع:
-بطلي شقاوة وحركات إنتِ مش قدها،وإعملي حساب إن إحنا في الشارع وياريتنا كمان لوحدنا
واقترب أكثر ليهمس:
-معانا السواق
لكزته بصدره ليضحك برجولة ويضمها أكثر،إعتدلت بجلستها ونطقت بصوتٍ ظهر عليه التوتر:
-هفرد ظهري علشان الولاد ما يتأذوش
+
أومى لها برغم شعورهُ بتوترها لكنه تغاضى،ابتلعت لعابها وهي تتخطي الشارع المتواجد به منزل أبيها لتتجه بطريقها المستقيم للوصول للمقابر نهاية القرية،انتفض جسدها حين رأت منزل نصر البنهاوي وبناءه الشامخ والذي يشبه قصور الأمراء،مر شريط ذكرياتها حين خرجت منه أخر مرة ذليلة مهانة عندما حاولت الإنتحار بعدما أعادتها والدتها وعزيز رُغمًا عنها بعد خيانة من كانت تظنُ أنه مصدر الأمان لها،اتسعت عينيها عندما اقتربت السيارة أكثر من المنزل ووجدت البوابة الحديدية الشامخة وقد تجمعت حولها النفايات وتُركت بأمر من عائلة ناصف كي تكون عبرة لمن اعتبر،دققت النظر على خيوط العنكبوت التي اتخذت من البوابة بيوتًا لها بعدما هجرها أهلها وأصبح المنزل خاويًا يحوي الحشرات وتتخذ الوطاويط منه مسكنًا، كان يتطلع بتمعنٍ على تلك الشاردة بعينيها المذهولة ليتيقن أن ذاك هو منزل الشياطين التي كانت تسكنه من ذي قبل،التزم الصمت كي لا يزيد الأمر سوءًا،لا تعلم لما أصاب قلبها حزنًا لرؤيتها لذاك المنزل الشامخ على حالته المحزنة تلك،نعم فقد تجرعت كؤؤسًا من المرار والظلم والذُل على أيادي معظم ساكني ذاك المنزل الملعون،لكنهم بالنهاية يضلوا عائلة صغيرها وأهله،تنفست لتتطلع للأمام بعدما تخطت المنزل، لتمضي بطريقها المستقيم بوجهة المقابر، حولت بصرها لذاك الحبيب وهي تسألهُ باستغراب لعدم استعلام السائق عن المكان:
-هو السواق عارف مكان المقابر إزاي؟!
تطلع عليها بطرف عينيها ليبتسم بخفوت وهو ينطق بدعابة:
-عيب لما تكوني مرات فؤاد علام وتسألي سؤال ساذج زي ده
+
-مغرور...قالتها بمشاكسة ليبتسم ويعود بنظره للأمام يتفقد الطريق،فقد بعث برجاله تفقدوا المكان جيدًا وقاموا بتأمينه قبل يومين،وصلا لأعلى الجبل حيث المقابر وتوقفت السيارات عند بداية اللحود كي يتجنبوا حُرمة المكان وقدسيته،تطلعت على "لحد" غاليها لينخلع قلبها حين وجدت أشقائها الثلاث يقفون حوله يبدوا من تطلعهم على السيارات أنهم بانتظارها،توقف السائق ليتوجه رجال الحراسة بفتح باب السيارة إلى فؤاد بعدما انتشر الرجال ليحاوطوا السيارة حاملين أسلحتهم في حالة من التأهب وكأنهم جنودًا في حالة حرب
2
ترجل فؤاد ليقف منتصب الظهر مرتديًا نظارته الشمسية حيث ذادته وقارًا ووسامة،أغلق زِر حلته لتكتمل شياكته ثم استدار للباب الأخر ليفتحه ويبسط كف يده إلى زوجته الحبيبة لتضع خاصتها وتسلمهُ زمام أمرها،ساعدها على الخروج لتقف بهيأتها الخاطفة للأنفاس وطلتها التي تُشبه الأميرات تحت نظرات كل من بالمكان،فقد كان المكان مكتظًا بالزائرين لقبور أحبائهم حيث اليوم هو يوم الجمعة عطلة لدى الجميع،فقد جرت العادة في تلك القُرى بزيارة الأهالي قبور أقاربهم ليقومون بتلاوة ما تيسر من "القرأن الكريم"وتوزيع الأطعمة مثل المخبوزات والفاكهة والتمور وأيضًا الأموال رحمة على أرواح من افتقدوهم
+
وقف الجميع يتطلع على تلك الجميلة إبنة قريتهم التي تحولت من إبنة غانم الفقير وطليقة إبن نصر البنهاوي لتلك الراقية والتي ظهرت بثيابًا تظهر مكانتها الجديدة وأسطول السيارات التابع لها وكل هولاء الرجال المسلحون،فقد ذُهل الجميع وتشتت أذهانهم ما بين النظر لتلك الجميلة وزوجها الوسيم وبين أسطول السيارات الفخمة،أم لهولاء الرجال ذو الأجساد الضخمة والعضلات البارزة الدالة على القوة وكثرة التدريبات الشاقة للحصول على تلك القوة
+
تحركت إيثار بصحبة زوجها ليقابلها أشقائها الثلاث يتقدمهم أيهم الذي احتضنها بحفاوة وهو يقول:
-نورتي بلدك يا حبيبتي
شعرت براحة بضمة شقيقها الحنون لتسترخي بين ذراعيه فلطالما كان أيهم الأقرب لروحها من بين أشقائها وطالما هي كانت الاقرب إليه أيضًا،ابتعدت عن أحضانه لتجد وجدي يرحب بزوجها قائلاً وهو يصافحه باليد:
-حمدالله على السلامة يا باشا،نورتوا البلد
+
أجابهُ فؤاد بنبرة جادة يرجع أسبابها لعدم تقبلهُ لهم جميعًا بعد الأذى النفسي الذين تسببوا لحبيبته به بتصرفاتهم الخالية من الإنسانية:
-متشكر يا أستاذ وجدي
تعجب وجدي من نطقه لاسمه فمن أين علم به وهو لم يراه سوى بذاك اليوم المشؤوم الذي ندم عليه أشد الندم وتمنى لو عاد به الزمن من جديد ما كان اتخذ ذاك الموقف المهين لشخصه قبل شقيقته ولكان احتواها وطمئن رعبها بعد فقدانها للعزيز أبيهم،الجميع يتعجب اليوم بمعرفة فؤاد بتفاصيل كثيرة لكنهم غفلوا عن وظيفته التي بحكمها تعلم أن يجمع كل المعلومات عن خصمه قبل المواجهة وألا يخاطر ويذهب إلى مكان جديدًا عليه قبل أن يتخذ جميع إحتياطاته الأمنية، هكذا هو فؤاد علام.
+
تقدم أيضًا عزيز من وقوف فؤاد ومد يده للمصافحة الحارة ليقابلها فؤاد ببرودٍ تام مع إختراقه بنظراتٍ مبهمة أربكت عزيز وكأن ذاك الغريب يستكشف داخله بالكامل ويحوم داخل خبايا روحه.
اقترب وجدي من شقيقته ليتطلع بعيناها وبلحظة انفطر قلبه حين وجدها تنظر إليه بنظراتٍ مختلطة بالألم مع العتاب والملامة،انتابهُ شعورًا بالخزي والألم والحزن العميق،خرجت منه كلمة واحدة بتلقائية دون أدنى ترتيبٍ لها:
-حقك عليا،سامحيني يا اختي
+
لم تشعر سوى بدموع عينيها التي انهمرت جراء ما استمعت إليه من إعتذار شقيقها الصريح،كلماتٍ بسيطة لكنها تحمل الكثير من المعاني لديها خاصةً مع نظراتهِ النادمة المصحوبة بنظراتٍ تائبة،اقترب عليها ومد كفيه نحو وجهها ليزيل قطرات دموعها التي انهمرت كشلالاتٍ تأثرًا بالحدث،جذبها ليسكنها أحضانه تحت نظرات فؤاد المتأثرة لما يحدث،بات جسدها يهتزُ بين أحضان شقيقها من شدة تأثرها وبكائها الحاد،نعم كان يشتاق لها وبين الحين والأخر يشعر بحنينٍ لشقيقته الوحيدة،لكنه لم يخطر ببالهِ بأن يكون اللقاء هكذا ويحمل كل تلك المشاعر القوية التي هزت أعماق قلبه،لم يكن الأمر بهين عليها هي الأخرى،فـ إلى الأن لم يُشفى جرحها العميق ولم تنسى ما فعلوه بها،لم يُمحى من ذاكرتها مشهد صرخات صغيرها الهلعة وهم يجذبوها عنوةً عنها لتصعد الدرج،عاد المشهد يتكرر بذاكرتها وكأنهُ يعاد بكل حذافيرهُ حتى صرخاتها المستنجدة بأيهم ووجدي صارت تدوي بأذنيها كأنها حية، مشهد مؤثر جعل كل من بالمقابر يتطلع عليهما ويشفق على حال تلك الباكية بقوة
3
عادت لوعيها حين شعرت بكف زوجها الحنون يلامس كتفها وهو يهمس بنبراتٍ حنونة:
-حبيبي إنتِ كويسة؟
خرجت من بين أحضان شقيقها لتجفف دموعها وهي تقول بنظراتٍ زائغة متهربة وكأنها تخشى أن يراها أحدًا بذاك الضعف،فتحت حقيبة يدها سريعًا لتعبث بها وتُخرج نظارتها الشمسية ذات الماركة العالمية كـ كل أشيائها،على عجالة إرتدتها ورفعت رأسها للأعلى لتجد ذاك الـ عزيز وهو يقترب منها بخطواتٍ مترددة،تعمقت بعينيه لتجد نظراته ولأول مرة خجلة،ابتلع لعابهُ وتحدث بحنينٍ ظهر بصوته ونظراته وهو يبسط يده للمصافحة:
-إزيك يا إيثار
+
يا الله،ألديه قلبًا كباقي البشر كي يحن ويشتاق؟!
من أين لك ذاك الحنين يا ابن أبي،ألم تكن أنتَ سببًا في جُل معاناتي وشقائي،كل كارثةٍ حلت بي كنت أنتَ سببًا رئيسيًا بها،من بداية إرغامي لعودتي لمن غدر بي وخان الوعد وخالف العهد وأتي بعشيقته إلى فراش الزوجية بكل جبروت،ألست أنت من أجبرتني على ترك تراب بلادي وجعلتني أفر إلى المدينة هاربة من ضيق الحال حاملة على عنقي صغيري الذي لم يُكمل عامة الثالث بعد، بعدما أمرت الجميع ووضعت خطة بتضييق الحال علىِ لدرجة أني لم أعد أملك ثمن الحصول على إطعام صغيري بالإتفاق مع ذاك الجبروت "نصر" وزوجته الشمطاء لإجباري على الرجوع ذليلة لذاك الحقير الخَائن؟!
+
فاقت لتنفض تلك المشاعر السلبية التي لازمتها أينما ذهبت ولكنها الأن هاجمتها بضراوة لرؤيتها لوشوش من ظلموها وكبلوها بقيودٍ من حديد ظلت تقيدها وتشل حركتها وكلما حاولت الصراخ والتملص والهروب لبدأ حياةٍ جديدة جذبوها من تلك السلاسل الحديدية وأعادوها لمكانها من جديد،كانت تشعر وكأنها مكبلة بطوقٍ من حديد يلتف حول عنقها يكاد يزهق بروحها،حتى التقت بفارسها الذي تغير قدرها بالكامل على يده
+
نظرت وهي ترفع رأسها بشموخ لتنطق بصوتٍ حاربت ليخرج قويٍ شامخ:
-كويسة جداً الحمدلله
شعر بحدة طريقتها معه عكس ما تعاملت به مع شقيقاه،تيقن أنها لم تنسى الماضي بعد فهز رأسهُ لينطق بخفوت:
-حمدالله على السلامة
1
-الله يسلمك...قالتها وهي تنظر إليه بقوة وجمودٍ وثبات،ثم التفتت إلى لحد والدها وعلى الفور هزة عنيفة رجت قلبها فنزلت دموعها كشلالاتٍ،مالت برأسها تتطلع على ذاك اللحد لتجتاحها حالة من القهر كلما تخيلت جثمان والدها يسكن داخل ذاك القبر الضيق،تذكرت نظراتهُ الحنون وهو يبتسمُ لها،تذكرت نبرات صوته وهو يحدثها بكل لين،ما أروعه من أبٍ طالما رأتهُ بعينيها أعظم الأباء وأشرفهم،لم تدينهُ يومًا ولم تحملهُ نتيجة ما أوت إليه بسبب ضعفه،طالما وجدت له مبرراتٍ كثيرة ولم تحملهُ يومًا ذنبها،كادت أن تجثو على ركبتيها كي تريح ساقيها فأمسكها فؤاد بذراعه ثم أشار لأحد الرجال بصباعي الإبهام والوسطى مما أحدث صوت فرقعة بسيطة ليلبى الرجل طلبه الذي فهمه بفطانته دون أن يفصح فؤاد عنه وبسرعة البرق كان يُخرج مقعدًا من شنطة السيارة ليفرده سريعًا ويضعه أمام اللحد،ليساعد فؤاد زوجته بالجلوس مما جعل جميع من بالمكان ينظر بإعجاب لذاك الخلوق الذي يهتم بأبسط الأشياء التي تخص زوجته وهذا يعني مدى عشقه الهائل لها
2
عادت ببصرها للحد أبيها لتتحدث بهمسٍ لداخلها:
-كيف حالك أبي وكيف أصبحت؟،ليتني أستطيع معرفة أخبارك ليطمئن قلبي عليك،أتمنى على الله أن تكون بخير وبحالٍ أفضل مما كنت عليه بالدنيا،أعلم أنك كنت تراعي الله وتضعه نصب عينك بجميع اعمالك وقراراتك وبرغم هذا أطلب لك الغفران والرحمة من الله
+
نزلت دموعها الحارة لتشهق وهي تحدث حالها:
-لقد كنت طيب القلب طاهر اللسان يا أبي،فوالله ما رأيتك يومًا تزم فلانًا أو تغتابُ علانًا،لقد كنت رائعًا يا عزيز عيني،بل كنت الاروع من بين كل البشر،هكذا كانت تراك عيناي
شهقت بقوة تحت سمع الجميع لتكمل بابتسامة خفيفة:
-جئتك اليوم لأطلعك على حالي،لكني في البداية وقبل كل شئ أريد الإعتذار منك وألتمس الغفران لتقصيري في حق زيارتك
+
مالت برأسها تلتمس العذر منه وكأنهُ أمامها ويراها وهي تقول:
-لكنك تحفظني عن ظهر قلب وتعلم أن الأمر لو كان بيدي لكنت زرتك يوميًا وتسامرت معك واخبرتك عن حالي وكم اشتياقي لك،فعذرًا حبيبي على تقصيري الغير متعمد
+
أستنشقت جرعة كبيرة من الهواء حبستها بداخل رئتيها ثم زفرتها دفعةً واحدة قبل أن تكمل حديث نفسها مع الحبيب:
-أريد أن أطمئنك على حالي،لقد وجدته يا أبي،عثرت على فارس أحلامي ورجُلي الهمام، ذاك الذي طالما حلمت بظهورهُ لينتشلني من وحل أل البنهاوي الذي كلما حاربت وجاهدت كي أخرج منه أجد من يسحبني من قدمي ليعيدني إليه لأغرق بجسدي في الوحل من جديد حتى أتاني،هو حبيبي وصديقي وأخي وكثيرًا من الأحيان يشعرني بأني طفلته وبأنه أبي
ابتسامة جانبية اختلطت بدموعها لتكمل حديثها:
-لا تحزن عزيزي فمازلتُ احتفظ بمكانتك المرتفعة بقلبي ولم ولن يجرؤ أحدًا بزحزحتها إنشًا واحدًا،لكنه حقًا يشعرني بحنانك الذي افتقدته بعد رحيلك،ضمة يدهُ المربطة فوق ظهري بحنانٍ هي بذاتها ضمتك،لمساتهُ الحنون تشبه لمساتك يا أبي
+
تطلعت على ذاك الواقف بجوارها وهمست لـ أبيها:
-أنظر إليه وتطلع يا عزيزي،كم هو رجلاً ذو طلة بهية وهيأة شامخة
وددتُ أيضًا أن أطمئنك على يوسف، لقد تبدل حالهُ للأفضل ألاف المرات، لقد مَن الله عليه بعائلة حنون عوضًا عن عائلته التي افتقدها،أصبح رجلاً صغيرًا بفضل الله ثم توجيهات ذاك الخلوق المسمى بـ علام،فقد قام بتكريس جزءًا ليس بالقليل من وقته الثمين لتعليم صغيري أشياءًا جديدة عليه وزرع بعض القيم والاساسيات التي ستجعل منه رجلاً حكيمًا ذو أخلاق عالية
+
ثم شهقت لتحدثه وهي تتحسس بطنها:
-كدت أنسى يا عزيزي،لقد مَن الله عليا وحملت بتوأم صبي وفتاة،لو مد الله في عمري سأتي بهما بعد الولادة لأعرفك عليهما
تنهدت ثم قالت والألم يمزق داخلها:
-لقد اشتقت رؤياك البهية،ابتسامتك،نظرة عيناك التي تحمل بين طياتها حنان الدنيا بأكمله،ليتك تعود ولو ليومًا واحدًا لارتمي بداخل أحضانك وأحتفظ برائحتك الذكية بين رأتاي ولترحل من جديد
+
رأت رجلاً يحمل بين يداه كتاب الله "المصحف الشريف"يتنقل به بين اللحود ويقوم بقراءة ما تيسر من" القرآن الكريم"بصوتهِ العَذب مقابل بعض المال فأشارت إليه وما أن اقترب الرجل حتى وجد تلك الدروع البشرية تقف بوجههِ ويشهرون أسلحتهم مما دب الرعب بقلب الرجل وقلب الجميع لتنطق إيثار لزوجها:
-خليهم يسمحوا له ييجي يا حبيبي،ده قارئ وصوته حلو جداً
هز برأسه ليشير لهم بكفه مع صوته الاجش:
-سيبوه
كلمته كانت كفيلة ليفسحوا له الطريق واقترب الرجل من القبر ليجثو على ركبتيه وبدأ بتلاوة سورة" الواقعة" بصوتٍ أدخل السرور على قلب فؤاد وجميع الحضور من حلاوته،أخرجت هي الأخرى المصحف الشريف من حقيبتها الخاصة وفتحته وبدأت بتلاوة سورة" يس"لما لها من فضلٍ كبير على المتوفي،قرأ أيضًا فؤاد وأشقائها ما تيسر من السور الصغيرة،انتهت من قرائتها للسورة وانتهى الرجل لتخرج مبلغًا من المال وأعتطه للرجل وشكرته ليشير فؤاد إلى رجلين من الحراسة ليخرجا عدة صناديق محملة بأكياسٍ بلاستيكية من حقيبة أحد السيارات ويوزعا منها على الحضور والمحتاجين،كانت عبارة عن بعض الخبز "الكرواسون" وبعض التمور وأنواع الفاكهة،تجمع الأطفال بفرحة لأخذ حصتهم تحت سعادتها على تلك الوجبات التي اصرت على شرائها من أموالها الخاصة التي جمعتها من عملها في شركة أيمن ورفضت دفع فؤاد لثمنها
+
إقتربت إحدى السيدات لتحدثها ولكن من خلف هؤلاء الرجال حيث يشكلون درعًا بشريًا يمنع مرور حتى الناموسة:
-إزيك يا إيثار،عاملة إيه يا بنتي
تطلعت على تلك المرأة وعلى الفور تذكرتها،لتنطق بنبرة هادئة نظرًا لتأثر حالتها من زيارة قبر والدها للمرة الاولى منذ وفاته:
-الله يسلمك يا خالتي،الحمدلله أنا بخير
نطقت المرأة بتأثر لقصة تلك الجميلة حيث تغنت القرية سنواتٍ بقصتها الحزينة وتجبر عائلة نصر عليها:
-ربنا نصفك وخد لك حقك من اللي ظلموكِ يا بنتي، وزي ما خانوكِ إتخانوا، وزي ما شردوكِ بره البلد ربنا وقف لهم اللي اقوى منهم علشان يشردهم، سبحان الله يا بنتي كل اللي اتعمل فيكِ وفي غيرك منهم اترد عليهم بالسوء
ليرد عليها رجلاً كان يتابع الحديث:
-إن ربك لبالمرصاد
+
لتتحدث أخرى وكأن الجميع استغلوا تلك الفرصة ليعبروا عن شماتتهم بما حدث لتلك العائلة التي تجبرت في الأرض واستقوى جميع أفرادها على الضعفاء فأراد الله ان يجعل منهم عبرة لمن يعتبر:
-ولا إجلال واللي حصل لها،مرمية في بيت أخوها الحاج محمد وشريفة مراته ذلاها
لتهتف أخرى وهي تحاوط فكها بكف يدها:
-ده أنا سمعت إنها بتأكلها في المطبخ مع حميدة الشغالة
لتنطق أخرى:
-اللهم لا شماتة،بس الولية دي اتجبرت وافترت على خلق الله، وربنا ميرضاش بالظُلم أبدًا
+
همست إحداهن بعدما اجتمعن حول بعضهن ليصنعن دائرة:
-فين إجلال تيجي تشوف العز والابهة اللي بقت فيهم بنت غانم،دي راجعة ولا الممثلات اللي بنشوفهم في التليفزيون،ولا لبسها،ولا جوزها باين عليه غني قوي
+
هتفت أخرى بحماس:
-ده وكيل نيابة قد الدنيا، عمها أحمد اللي قال كده تالت يوم العزا بتاع أبوها، لما وقف قدام بابهم وعرف أهل البلد عليه، البت دي أصلها غلبانة وشافت كتير في حياتها،دي حتى أمها كانت قليلة الأصل معاها ووقفت في صف إجلال ضدها
ابتسمت إحداهُن لتنطق بتشفي:
-فينه الحاج نصر ييجي يشوف، مش كان بيقول إن اللي تطلق من عيل من عياله تحرم على صنف الرجالة كله ومفيش راجل يقدر يقرب منها
لتنطق أخرى:
-فاكرين اللي عمله عمرو في المحامي اللي اتقدم لـ إيثار بعد طلاقها منه بسنة،ده ضربه ساعتها لحد ما كسر له رجليه وشالوا الواد من تحتيه بالعافية،وبعدها الحاج نصر خلى حد جاب له عقد عمل في الخليج وطفشه من البلد كلها بعد ما عمرو كان ناوي يقتله
لتنطق أخرى وهي تتعمق بنظرها إلى بطن إيثار:
-شكلها حامل،بطنها كبيرة
+
-أيوا حامل،وشكلها معدية الشهر السابع كمان...قالتها أخرى وظلوا هكذا يتبادلون الأحاديث فيما بينهن.
اقترب أيهم من شقيقته ومال بجزعه ليقول:
-كفاية كده علشان متتعبيش يا حبيبتي ويلا علشان نروح البيت
قالها وتطلع إلى فؤاد ليسألهُ:
-ولا إيه رأيك يا سيادة المستشار؟
طالعهُ بهدوء لينطق:
-والله يا أيهم أنا كنت عاوز أقول كده بس سكت علشان متزعلش وتقول إني استعجلتها
تنهدت بهدوء قبل أن تنطق:
-تمام يا حبيبي،يلا بينا
وضعت كفها على تراب القبر لتحتضنه وكأنها تقوم بتوديع والدها الغالي لتقول بصوتٍ مسموع:
-مع السلامة يا حبيبي،إن شاءالله بعد الولادة هاجي لك،سواء قومت بالسلامة هجي لك هنا، ولو ربنا أخد أمانته هنتقابل أكيد
+
انتفض قلب حبيبها حين استمع لتلك الكلمات لتسري الرجفة بجسده وهو يقول بحدة:
-إيه الكلام الفارغ اللي بتقوليه ده؟!
تنهدت وهي توجه كفها صوبه كي يساندها لتقف ثم تحدثت وهي تنظر بعينيه:
-الموت علينا حق يا حبيبي،ده الحقيقة المؤكدة في الدنيا
أشار بكفه ليجبرها على الصمت:
-خلاص يا إيثار لو سمحتي، خلينا نمشي من هنا
استقلت سيارتها هي وزوجها تحت انظار الجميع وصعد عزيز و وجدي سيارة أيهم واتجهوا نحو منزل غانم الجوهري
*********
بعد قليل ترجلت من السيارة وباتت تتطلع على المنزل بحنين،مشاعر متضاربة هاجمتها من جديد، يبدوا أن شعار اليوم المرفوع هو "المشاعر المتضاربة"وما بيدها لتفعل إذا كانت هذه البلدة لا تحمل لها سوى الذكريات المؤلمة،تنهدت لتدلف بخطواتٍ ثقيلة بجوار زوجها،سبقهم عزيز لينطق بصوتٍ حماسي:
-إنتِ فين يا أم عزيز، تعالي قابلي ضيوفك
+
تطلعت لجدران المنزل وأثاثه باشتياقٍ وحنين،تعجبت حين وجدت دفئًا عجيبًا يسكن المنزل كان قد غادرهُ منذ الزمان،اشتمت روائح الطعام الذكية نفسها التي كانت تشتمها قبل زواجها من المدعو" عمر"خرجت نوارة تستقبلهم بوجهها البشوش وابتسامتها التي تدخل السرور والبهجة على القلوب لتنطق بسعادة:
-ضيوف إيه بس يا أبو غانم،دول أصحاب بيت ونورونا وشرفونا بزيارتهم
2
التفت لتطالع تلك الـ نوارة لتبتسم لها وهي تفتح احضانها لاستقبالها،نطقت إيثار وهي تحتضنها:
-وحشتيني قوي يا نوارة
نطقت تلك الحنون:
-وإنتِ كمان وحشتيني يا إيثار،إيه الغيبة دي كلها
+
ابتعدت لتنظر لزوجها وهي تشير إلى نوارة بفخر وسعادة:
-دي نوارة مرات وجدي،وصاحبتي
أمال برأسهِ وهو يقول مرحبًا بابتسامة هادئة:
-أهلاً وسهلاً
حيته بابتسامتها الرائعة:
-أهلاً بيك يا سيادة المستشار، نورت البيت
+
تطلعت لابناء شقيقاها واحتضنتهم بحفاوة لتزيل إبتسامتها حين استمعت لصوت والدتها الذي صدح وهي تنطق بترحاب:
-يا أهلاً وسهلاً
اقتربت على فؤاد الذي صافحها قائلاً باحترام:
-إزي حضرتك
إبتسمت وهزت رأسها وهو تقول:
-الحمدلله يا ابني
ثم حولت بصرها تتطلع على تلك المتجمدة المشاعر،فقد توقفت بسمتها فور خروجها من الداخل،فقد تكرر بذاكرتها المشهد التي اجبرتها به على الصعود للدرج وحبستها بالغرفة بعدما انتزعت صغيرها من بين أحضانها بدون رحمة،استمعت لصرخاتها الحية وهي تستنجد بها وتتوسلها بأن تتركها وصغيرها ليرحلون بسلام،تذكرت جمود قلبها القاسي وهي تحدثها وتخبرها كم هي أنانية ولا تكترثُ سوى لما يفيدها وفقط،كل هذا جعل من نظراتها قاسية وهي تتطلع عليها،على الجانب الأخر كانت تنظر إليها بخزيٍ وأملٍ بالعفو،فقد بدأت مشاعر الأمومة لديها بالتحرك حين علمت بشأن حملها ومازاد من إزالة الشوائب العالقة بقلبها تجاه صغيرتها هي مساعدتها لشقيقها بفرصة العمل التي وفرها زوجها له وراتبها الهائل والذي خصص منه أيهم جزءًا للمساهمة في احتياجات المنزل،ناهيك عن شقتها الخاصة وسيارتها التي وضعتهم تحت تصرفه لتخفيف عبئ المعيشة داخل المدينة وهذا ما جعله يوفر جميع راتبه ويقوم بادخاره كي يساعده على دفع مقدم لشقة كي يتزوج فيها
+
نظرت إليها وتحدثت بصوتٍ وعينين متأثرتين:
-إزيك يا إيثار
كانت تنظر أن ترتمي بداخل أحضانها كـ قبل لكنها باغتتها بردها البارد حتى أنها لم تمد يدها للمصافحة:
-الحمدلله
ابتلعت المرأة لعابها من شدة الخجل وهي تراقب نظرات فؤاد المتعجبة من رد فعل زوجته على رؤية والدتها،نظرت على بطنها المنتفخ لتتحدث من جديد كي تكسر ذاك الحاجز:
-مبروك،ربنا يتمم لك على خير وتقومي بالسلامة إنتِ وولادك
ردت بملامح وجه جامدة:
-متشكرة
دام الصمت من الجميع بعد ذاك السلام الفاتر لينطق أيهم كي يقطع ذاك الصمت المريب المحمل بنظراتٍ منها اللائمة ومنها الخجلة المرتبكة:
-يلا يا نوارة جهزي الغدا علشان فؤاد باشا يدوق أكلنا
قاطعته بحدة وصرامة لا تقبل النقاش:
-إحنا معندناش وقت للغدا يا أيهم ولا جايين نقعد ونتضايف
واسترسلت بنبرة حازمة:
-أنا جاية أتكلم معاكم خمس دقايق وماشية على طول أنا وجوزي
5
تطلع عليها فؤاد بقلبٍ متأثر،يشعر بثورة مشاعرها المتأججة ما بين غاضبة تريد الإطاحة بكل ما يقابلها كي تنفث عن غضبها العارم، تريد الصراخ لإخراج مكنون قلبها من المشاعر السلبية الحبيسة بداخلها طيلة الأعوام المنصرمة منذ أن كانت طفلة منبوذة بذاك المنزل،وما بين مشاعرٍ بالحنين لكل ركنٍ بذاك المكان المرتبط به قلبها بما يحمل بمخيلتها ذكرياتها الجميلة وأيامها التي عاشتها مع والدها الحنون،فلكل مكانٍ ذكرياته السعيدة وأيضٕا المريرة
نطق وجدي بقلبٍ يئنُ ألمًا لأجل شقيقته وما وصلت إليه من بغض لهم بسبب أفعالهم السابقة وخزلانهم المتكرر لها:
-خلينا نتغدا الأول وبعدها نقعد ونتكلم في كل اللي إنتِ عوزاه
واسترسل بممازحة كي يخفف من وطأة ذاك الجو المشحون لدى الجميع:
-ولا عاوزة سيادة المستشار يقول علينا بخلا
+
تحدث فؤاد بنبرة هادئة مؤازرًا خليلة روحه:
-خرج سيادة المستشار من حساباتك خالص يا أستاذ وجدي،أنا موجود هنا علشان راحة إيثار،وكل اللي هي عوزاة ويريحها أنا معاها فيه
+
أخيرًا قرر عزيز الخروج عن صمته فتحدث وهو ينظر لشقيقته بنظراتٍ عاتبة:
-عيب اللي بتعمليه ده يا إيثار،إنتِ في بيت غانم الجوهري اللي كان معروف بالكرم ومقابلة الناس الغُرب في بيته،تفتكري لو كان لسه عايش كان هيبقى مبسوط باللي بتعمليه ده قدام جوزك؟!
دارت حول نفسها لترمقهُ بنظراتٍ مبهمة وهي تنطق بابتسامة ساخرة:
-عيب!
ثم أخذت نفسًا طويلاً قبل أن تنطق بكلماتٍ ذات مغزى:
-هو لو بابا عايش الله يرحمه مكنش هيبقى مبسوط بحاجات كتير قوي حصلت
خجل الجميع لفهمهم مغزى حديثها لتنطق بقوة وشموخ:
-سيبك من الكلام المزوق اللي لا هيقدم ولا هيأخر وخلينا في المهم
واسترسلت بذات مغزى:
-أنا عندي الكلام المفيد اللي هيريحك إنتَ واخواتك وأمك ويبسطكم من الأخر،ويخلي نفسكم تتفتح اكتر على الغدا اللي عاملينه على شرف حضوري أنا وجوزي
1
لم يرق له حوارها مع عائلتها بتلك الحدة لعلمهِ أنها تتمزق من داخلها مع إخراجها لكل كلمة تتفوه بها،تألم لألمها ليتحدث بهدوءٍ وهو يشير لها إلى إحدى الارائك:
-إقعدي يا إيثار،ولو حابة أخرج أستناكِ في العربية لحد ما تخلصي كلام مع إخواتك أنا هخرج
إنتفض قلبها رُعبًا وهرولت عليه تتمسكُ بيده دون إدراكٍ لتهتف بعينين مترجيتين أثارت دهشة الجميع:
-متسبنيش لوحدي معاهم
11
نزلت كلماتها على قلوب الجميع لتمزقه خاصةً اشقائها الثلاث،فعوضًا من أن يكونوا لها حصن الأمان والعون أصبحوا هم سبب هلعها وعدم شعورها بالامان في حضرتهم بل وتستعينُ بزوجها لحمايتها منهم،إنه لمنتهى الحزن والوجع،الأن وفقط وبعد رؤيتهم لهلع تلك الجميلة ادركوا بشاعة ما اقترفتهُ أياديهم بحق شقيقتهم الوحيدة،أتلك هي وصية أبيهم،يا لكم الوجع والخزي الذي اقتحم قلوبهم بدون رحمة بتلك اللحظة ليخبرهم بخستهم وندالتهم.
+
تألم داخله لأجلها بعدما لمح قلقها،إحتضن كف يدها بقوة لينطق وهو يتعمق بعينيها كي يبث لها الامان ويخبرها أنه هنا،معها وبجوارها ولن يتركها مادام حيًا:
-تعالي نقعد الاول علشان ماتتعبيش، وأنا هقعد جنبك ومش هسيبك أبدًا
كان يتحدث وهو يتعمق بعينيها وكأنها صغيرته التي تحتاجه لتشعر بالأمان،أومأت له بموافقة وتحركت بجواره إلى الأريكة التي أشار لها وجلست ومازالت تحتفظُ بكفه وتتمسك به بقوة جعلت حبيبها يشعر بكم الإضطراب والهلع لذا إقترب منها وربت على كفها بكفه الاخر ليبث بروحها الإطمئنان.