اخر الروايات

رواية انا لها شمس الفصل الخامس واربعون 45 بقلم روز امين

رواية انا لها شمس الفصل الخامس واربعون 45 بقلم روز امين


الحياة كلوحة بيضاء تنتظر منا الألوان لتغدو أكثر جمالاً وتألقًا وتأنقًا،فاختر ألونك بعناية كى تزهو حياتك وتزدهر،اصمد أمام حلمك حتى يتحقق فلا مستحيل مع الإصرار والتحدي،إذا حُجبت سماؤك يوماً وتلبدت بالغيوم أغمض جفونك لبرهة ترى خلف الغيوم نجوم، والأرض حولك إذا ما توشّحت بالثلوج أغمض جفونك تجد تحت الثلوج مروج،واعلم أن وراء كل فشلِ يوجد نجاح وخلف كل حزنٍ تأتي السعادة لتفتح بابها على مصراعيها لاستقبالك،وخلف كل جفافٍ بأتي غيث الله،فمهما يحدث تمسك بحُلمك وأعلم أن برغم قساوة الواقع ومرارته دائمًا يوجد أمل. 

1


تفاجأ عمرو بسيارتي شرطة تقفان أمام منزله ليعود للخلف سريعًا في محاولة منه للهرب مما جعل رجال الشرطة يلاحظون وبسرعة البرق انطلقت السيارتين خلف سيارته لملاحقته،كان يقود سيارتهُ بسرعة جنونية والسيارتين تلاحقاه،ظل هكذا لمدة خمسة عشر دقيقة حتى وصلا لنقطة تقاطع ومن حُسن حظ عمرو فلت بسيارته لتقاطعهم شاحنة نقل كبيرة تجر خلفها مقطورة محملة بالأحجار البيضاء التي تستعمل في البناء لتقطع الطريق بأكمله حيث كانت تمر للطريق المقابل مما جعل إحدى السيارتين تصتدم بها والأخرى توقفت بصعوبة بأخر لحظة قبل الإصتطدام مما أحدث صوتًا عاليًا دب الرُعب في قلوب الجميع،إنشغل الجميع بالتصادم وتوقف الطريق ونزل المارة ليطمئنوا على سيارة الشرطة التي صُدمت ليجدوا أن السائق قد أصيب بنزيفٍ في الرأس بينما أُصيب الضابط المجاور له ببعض الكدمات،انتهز عمرو الفرصة التي أتته على طبقٍ من ذهب ليفر من المكان بأكمله،خرج الضابط سريعًا من السيارة التي لم تُصدم ليراقب الطريق من جانب شاحنة النقل ليجد سيارة عمرو قد فرت واختفت من المكان ليدب بساقه الأرض لاعنًا تلك الشاحنة وسائقها المخالف 

+


************
عودة لحجرة إيثار وفؤاد،مازال يتوسط الفراش بجلوسه منكبًا على أوراقه،يتمعن بها عبر نظارته الطبية،شعر بوخزاتٍ بعنقه من طريقة جلوسهُ الخاطئة فتوقف وبات يدلك عنقه بعناية كي يحصل على بعض الراحة،تطلع على تلك الجالسة فوق الأريكة والتي كانت تتصفحُ مواقع التواصل الاجتماعي ليجد رأسها ساندًا على الأريكة ويبدو أنها قد غفت،انتفض واقفًا ليتحرك صوبها فتيقن من نومها حقًا،تنفس بحنقٍ من تلك العنيدة ليعود من جديد إلى الفراش يلملم أوراقه ويُهئ الفراش لاستقبالها،تحرك إليها وما أن حملها بين ساعديه حتى رفعت أهدابها تنظر إليه لتجده فتحدثت باعتراض بصوتها الناعس: 
-سيبني،أنا هنام على الكنبة 
لم يعير لحديثها إهتمام وتوجه صوب الفراش لتعيد حديثها متذمرة: 
-قولت لك هنام على الكنبة 
اشتد غضبها من عدم رده عليها ليصل بها إلى الفراش ويقوم بوضعها برفقٍ فوق الفراش لتحتد بحديثها: 
-هو أنا بكلم نفسي،بقول لك مش هنام على السرير أنا! 
زفر بقوة قبل أن ينطق بلهجة حادة جعلتها تبتلع لعابها وتصمت: 
-صوتك الحلو ده مش عاوز أسمعه وأحسن لك تنامي علشان ليلتك تعدي على خير            

تعمق بعينيها وبث بنظراتهِ الحادة تحذيرًا قويًا لتتنفس بهدوء فأشار برأسهِ يحيي تعقلها بطريقة استفزتها قبل أن يتحرك ويختفي داخل الحمام،زفرت بقوة لتعود من جديد لغفوتها،خرج بعد قليل ليتلقى إتصالاً هاتفيًا من الشخص الذي يتابع تطورات الليلة فأخذ هاتفه وخرج بالشرفة لينطق بصوتٍ جاد بعدما أغلقها عليه: 
-طمني يا رامز بيه 
نطق المدعو رامز بأسى: 
-للأسف يا فؤاد باشا الأخبار متطمنش
اتسعت أعين فؤاد ليتابع الأخر بإبانة: 
-اللي إسمه عمرو قدر يهرب منهم بسبب حادثة على الطريق،والظابط اللي كان بيطارده بلغ بأوصاف العربية والطريق اللي هرب منه، ولما الشرطة إتحركت لقت العربية، بس للأسف، كانت فاضية
سألهُ بصوتٍ مهزوز: 
-وعمرو فين؟! 
أجابهُ باقتضاب: 
-رجالة الشرطة مشطوا المكان كله،إختفى وملوش أي أثر
واسترسل معلمًا: 
-جنابك عارف إن الكمبوندات الجديدة كلها محاطة بالصحرا، فسهل جداً إنه يهرب
نطق فؤاد بجدية: 
-أكيد إتصل بحد ساعده 
نطق المدعو رامز بثبات: 
-متقلقش يا باشا،رجالة الداخلية أكيد هيجبوه حتى لو رجع في بطن أمه 


لقد شتته ذاك الخبر المشؤوم وبعد أن كان يشعر بالقلق حيال زوجته وصغيرها الأن أصبح مصابًا بهوس شبح ذاك المجنون فاقد العقل والبصيرة،ما زاد من قلقه هو فقدان عمرو لكل شئ كان يمتلكهُ لذا سينتقم بكل ما أوتي من قوة لينفث عن غضبه العارم بعدما فقد أخر أمل له،تحدث بغضبٍ ظهر بنبرات صوته المحتدة: 
-ياريت يتحركوا بسرعة قبل ما يعمل مصيبة جديدة أو يهرب بره البلد
واسترسل وهو يستعد لإنهاء المكالمة: 
-ياريت لو حصل أي جديد تبلغني يا رامز بيه


-أكيد معالك...نطقها الرجل قبل أن يغلق الخط،إستند بذراعيه فوق سور الشرفة الحديدي ليرفع وجههُ للأعلى وهو يزفر بقوة،شعر بالإختناق وكأن أحدهم يقبض على عنقه بقوة، نطق وهو يحملق في السماء بيقين ينادي ربه ويستعينُ به: 
-يارب،يارب
ولج لغرفة نومهِ يتطلع على تلك الغافية لينسحب بهدوء إلى الخارج،تحرك داخل الممر المتواجد بين الغرف وتوقف حين وصل لحجرة الصبي،أمسك مقبض الباب وتنفس مطولاً قبل أن يديره ويدلف ويوصد خلفه الباب بهدوء كي لا يزعج الصغير،تمدد بجواره بخفة وبات يتأمل ملامحهُ البريئة،لم يحتفظ بملامح والدته، من يدقق بملامح وجهه يكتشف الشبه الكبير بينه وبين ذاك الـ "عمرو"ومع أنه احتفظ بملامح غريمه الذي يُذكرهُ دومًا أنه لم يكن الرجل الاول بحياة خليلة القلب التي عثر عليها بعد معاناة، إلا أنه استطاع إحتلال جزءًا ليس بالقليل من قلبه الحنون،بات يمسد على شعره بكفه الحنون لينزل على وجنتهِ الناعمة،إنتفض قلبهُ حين وجد الصغير يفتح جفنيه ويبتسم له لينطق ببراءة:
-شرشبيل
-عيون شرشبيل...قالها فؤاد وشعور الذنب ينهش صدره ليميل على وجنته يقبلها مما أسعد الطفل ليسألهُ مستفسرًا:
-إنتَ هتنام جنبي بدل عزة؟!
برغم حالة الحزن والهلع اللذان اقتحما قلبه إلا أن ذاك المشاكس استطاع أن يرسم الضحكة على وجهه لينطق من بين ابتسامته الواسعة: 
-لا يا سيدي،إحنا بقينا رجالة خلاص ومينفعش حد ينام جنبنا،لا أنا ولا عزة ولا حتى مامي                

نطق الطفل بنبرة خجلة: 
-بس أنا ساعات بصحى بالليل وبخاف وأنا لوحدي
سحب جسده للأعلى ليفرد ذراعه يستقبل ذاك الرائع لينطق بنبرة حنون: 
-بص يا حبيبي، ده خلاص بقى بيتك ومينفعش تخاف وإنتَ في أوضتك،ينفع تخاف وإنتَ وسط أهلك؟ 
هز رأسهُ بنفي ليسترسل فؤاد وهو يداعبه في بطنه بأصابع يده: 
-طب إيه بقى 
تعالت قهقهات الصغير ليزيد فؤاد من مداعباته حتى توقفا عن الضخك لينطق الصغير وهو ينظر له: 
-على فكرة أنا بحبك قوي وإنتَ طيب قوي، مش عارف ليه مامي كانت بتقول عليك شرشبيل الشرير
رفع كتفيه لأعلى لينطق بملاطفة: 
-إسأل مامي وهي أكيد هتجاوبك


نطق يوسف بعينين راجيتين: 
-عمو،هو أنتَ ممكن تحكي لي حدوتة زي اللي عزة بتحكيهم لي 
رفع حاجبه وسألهُ مستعلمًا: 
-هي عزة بتحكي لك حدوتة إيه؟
نطق ببراءة: 
-بتحكي لي حكاية ليلى أم الفستان الأحمر اللي الديب الشرير أكل جدتها بأسنانه المدببة،والساحرة الشريرة أم منقار
هز رأسهُ ليقول ساخرًا: 
-كنت هستغرب لو كانت بتحكي لك حكايات تستفيد منها،يعني،هي في الأخر بردوا عزة 

8


واسترسل وهو يستعد لقص الحدوتة: 
-أنا بقى يا بطل هحكي لك قصة السندباد البحري 
إعتدل الصغير وتحدث بنبرة حماسية: 
-أنا مش بعرفها دي،يلا بسرعة قولها لي 
ضحك بشدة ليتحدث: 
-حاضر يا حبيبي 
إستمعا لبعض الطرقات الخفيفة لتدلف إيثار التي شعرت بخروج حبيبها من الغرفة بعدما تفقدت الفراش ووجدته فارغًا،تسحبت وأتت إلى حجرة صغيرها كي تتفقده وتطمئن عليه فتفاجأت بوجود فؤاد وهو يحتضن الصغير بحميمية،اشتدت سعادتها عند رؤية ابتسامة صغيرها البرئ الذي انتفض بجلوسه ووقف فاتحًا ذراعيه ليستقبل والدته قائلاً: 
-مامي،تعالي إقعدي جنبي واسمعي معايا الحدوتة اللي عمو فؤاد بيحكيها لي، دي حلوة قوي
أقبلت على الصغير واحتضنته لتتحدث بهدوء: 
-إنتَ إيه اللي مسهرك للوقت المتأخر ده،المفروض تكون نايم من ساعة 
أمال رأسهُ ليستدعي تعاطفها وهو يقول: 
-عمو فؤاد بيحكي لي حدوتة حلوة قوي،تعالي إنتِ كمان إسمعيها،وبعدين أنا عندي أجازة بكرة،يعني هصحى من النوم براحتي

+


تطلعت إلى ذاك الحبيب الغاضب من حديثها المهين له في الصباح،تعلم أنها تمادت معهُ بالحديث وقبل أن تعرضهُ للإهانة هي أيضًا أهانت حالها لذا فهي غاضبة أيضاً من حالها،لكنها بالوقت ذاته غاضبة منه ولم تستطع تلك المرة أن تغض البصر عن رفضه لطلب زيارتها لقبر غاليها،لم تكن هي فقط الغاضبة فبمجرد ما تلاقت عينيها بخاصته سحبها على الفور ليثبتها بمكانٍ أخر،تنهدت بألم لتخرج من شرودها على صوت الصغير الذي عاد وارتمى بأحضان فؤاد لينطق: 
-تعالي بقى يا مامي
ابتلعت لعابها ثم جلست وتمددت بجوار صغيرها ليعود فؤاد بقص الحكاية تحت استمتاع الصغير الذي اندمج لأبعد حد وبات يسأل ويستفسر عن شخصية السندباد وبالمقابل كان يجيبه بكل أريحية وثقافة لتوسيع أفاق الطفل،بعد قليل غفى يوسف على ذراع فؤاد ليقوم بهدوء سحبه وتسحب من جواره بعدما دثره جيدًا تحت الغطاء بعناية مما جعل قلب إيثار ينتفض من شدة تأثرها،فتح الباب وتحرك لغرفتهما،مالت على صغيرها وقبلت جبهته بحنان ثم لحقت بزوجها لتلج إلى الحجرة وجدته يقف أمام مرآة الزينة واضعًا يديه بجيب بنطاله وعلى وجههِ حديثًا يريد من يفسح له المجال ليخرج كي يزيل من ذاك الثقل الطابق على أنفاسه
طالعته بحيرة لتسألهُ بعدما شعرت بحدوث شئٍ،فتلك هي المرة الاولى التي يذهب بها إلى غرفة الصغير ليلاً،دائمًا ما يهتم به بالأسفل أمام الجميع: 
-هو فيه إيه يا فؤاد؟ 
تطلع على إنعكاس صورتها وتحدث بجدية: 
-طلعت البنهاوي إتقبض عليه في سوهاج وهو بيخرج مقبرة فرعونية وبيسلمها لناس برة مصر علشان يهربوها
ابتلعت لعابها ليتابع بنفس الجمود: 
-الرجالة اللي كانت بتحفر إعترفوا إنهم تبع عمرو وطلعت كمان إعترف عليه،ده غير التسجيلات اللي سجلتها الشرطة بأمر من النائب العام شخصيًا

    
شهقت ووضعت كفها فوق فمها ليستدير لها واسترسل وهو مقابلاً لها: 
-الشرطة هاجمت بيت عمرو اللي كان خاطفك فيه وللأسف قدر يهرب منهم 
هُنا لم تستطع الصمود لتنطق بهلعٍ ظهر بعينيها: 
-هرب إزاي وفين؟
واسترسلت وهي تهز رأسها بهيستيريا وكأن أصابها مسًا شيطاني: 
-يبقى أكيد هيحاول يأذينا،هيحاول يخطفني تاني أنا وإبني
واسترسلت: 
-يوسف مش لازم يخرج برة البيت لحد ما يتقبض عليه يا فؤاد
إقترب عليها حين لاحظ حالة الهيستيريا التي أصابتها لينطق بقوة وثبات: 
-إهدي وماتخافيش،يوسف أنا مأمنه كويس قوي،ولو رجالة المافيا العالمية نفسهم حاولوا يقربوا منه مستحيل يقدروا يكسروا حصار الحماية اللي أنا حاطتها له بنفسي

+


واسترسل وهو يلومها بعينيه: 
-وطبعًا أمان سيادتك متوقف على خطواتك،ياريت ما تتصرفيش من غير علمي علشان ما تعرضيش نفسك وتعرضينا كلنا للأذى 

+


شعرت بوخزة بقلبها مع هطول دموعها الحارة التي هبطت حزنًا وهلعًا على الصغير،تحرك إلى الفراش ورفع الغطاء ليشير لها بأن تتسطح فنفذت أوامره بطاعة وبدون أي اعتراض،قامت بالتسطح ليدثرها جيدًا وخلع عنه كنزته ليظهر أمامها عاريًا جذابًا للغاية،أمسك بجهاز التحكم في الإضاءة عن بُعد ليقوم بغلقها إلا من إضاءة خافتة باللون الأزرق وتمدد على ظهرهِ فوق الفراش واضعًا ذراعه الأيمن تحت رأسه يدقق النظر بسقف الحجرة بنظراتٍ ثاقبة حادة كنظرات الصقر،يفكر في ذاك الحقير الذي هرب ليأخذ معه راحة البال والسكينة،تنهد بصوتٍ عالي استمعت له تلك التي تتطلع عليه والخوف والهلعُ ينهشان قلبها،كانت تتوقع منه أن يأخذها بين أحضانه ويقوم بتدليلها وطمأنتها كما المعتاد أو هكذا تمنت،لكنه طاح بأمانيها بتجاهله التام لها،وهذا ما أثار جنونها، فبرغم ارتعابها من هروب ذاك الحقير لكن يظل شغلها الشاغل وأكثر إهتماماتها هو ذاك الحبيب الرائع التي تفتقد حنانه منذ الصباح،ليته يفهم ويشعر ما تعانيه من شعورها بالاشتياق الجارف لفقيدها الحبيب"والدها"،وأيضًا شعورها الدائم بالخزي كونها وحيدة طيلة الوقت أمام عائلة زوجها عريقة الأصل،كم تمنت أن تكون صلتها بعائلتها قوية ومترابطة كي تقوم بزيارتها بمنزل العائلة عل ذاك الشعور المرير يزول وينتهي،ناهيك عن التقلبات المزاجية التي هاجمتها نتيجة إختلاف الهرمونات الخاصة بحملها بتوأمها المنتظر

1


تطلعت إليه بحنين وتنهدت بصوتٍ مرتفع كي يصل له ويفرد لها ذراعه يدعوها لتسكن ملاذها لكنهُ باغتها بتجاهله حيث استدار وتمدد على جنبه ليعطيها ظهرهُ مما جعلها تشعر بالإهانة،تألم قلبها بقوة لاحتياجها الشديد له خصوصًا بهكذا ظروف،باتت تتقلب بالفراش وهو يشعر بتقلباتها ويستمع لأصوات تنهيداتها التي تدل على عدم راحتها،لكنه تحكم في قلبه العاشق وارتدى قناع القوة والتجاهل كي يعطيها درسًا قاسيًا يحثها على التفكير بعمق في المستقبل قبل التفوه بكلمة أو تصرف يقلب الموازين رأسًا على عقب،ظل كلاهما يتقلبان بالفراش دون راحة حتى غفيا بعدما أُنهك جسديهما وروحيهما من شدة الإشتياق والعناد. 
                          ************
داخل أحد الملاهي الليلية المتواجدة بالعاصمة،كانت تتحرك بين المتواجدين من السكارى بملابسها الخليعة،حيث ترتدي تنورة باللون الأسود قصيرة للغاية وضيقة حيث تصف جميع تفاصيل منحنياتها تعتليها كنزة من اللون الأحمر المزركش بأكمامٍ عارية وصدرٍ مفتوح يكشف أكثر مما يستر،وقفت تتطلع بين الطاولات حتى وقعت عينيها على طاولة يجلس حولها رجلان يرتديان ثيابًا خليجية،ابتسمت وغمزت بعينيها لأحدهم الذي رحب ورفع كأس مشروبه لأعلى كتحية منه ودعوة لانضمامها إليهما،كادت أن تتحرك ليقطع طريقها ظهور صديقتها الشهيرة بـ نونا لتقول باستغراب: 
-شذي؟! إنتِ إيه اللي رجعك هنا تاني، إنتِ مش اتجوزتي راجل متريش وبطلتي شغلانة الريكلام دي؟! 
تنهدت ثم مالت على الطاولة المجاورة لها وسحبت سيجارة من عُلبة الرجل لتميل بجسدها بعدما وضعت السيجارة بين شفتيها بإغراء: 
-ممكن تولع لي؟ 
نطق الرجل وهو يتفقدها بنظراتٍ زائغة جائعة: 
-الجميل يؤمر
أمسك القداحة وأشعل لها السيجارة لتعتدل وهي تجيب صديقة العمل: 
-إسكتي على اللي حصل لي، لو حكت لك مش هتصدقي،هتقولي إني بحكي لك فيلم هندي
لكزتها الفتاة بصدرها قبل أن تنطق باعتراض: 
-ما تنطقي يا اختي،إنتِ هتنقطيني بالكلام؟ 
قصت لها ما حدث لتنطق بنبرة حادة: 
-وقريت خبر قتله في السجن من النت زيي زي الغريب،مكنتش أعرف أصلاً إنه اتسجن إلا لما شوفت صوره ماليه النت وكاتبين عن فضيحة نائب مجلس الشعب اللي طلع بيتاجر في الأثار وقتل قريب مراته علشان يفوز بكرسي المجلس

1
الحياة كلوحة بيضاء تنتظر منا الألوان لتغدو أكثر جمالاً وتألقًا وتأنقًا،فاختر ألونك بعناية كى تزهو حياتك وتزدهر،اصمد أمام حلمك حتى يتحقق فلا مستحيل مع الإصرار والتحدي،إذا حُجبت سماؤك يوماً وتلبدت بالغيوم أغمض جفونك لبرهة ترى خلف الغيوم نجوم، والأرض حولك إذا ما توشّحت بالثلوج أغمض جفونك تجد تحت الثلوج مروج،واعلم أن وراء كل فشلِ يوجد نجاح وخلف كل حزنٍ تأتي السعادة لتفتح بابها على مصراعيها لاستقبالك،وخلف كل جفافٍ بأتي غيث الله،فمهما يحدث تمسك بحُلمك وأعلم أن برغم قساوة الواقع ومرارته دائمًا يوجد أمل. 
بقلمي« روز أمين» 

1


قاطعها وهو ينظر إليها بازدراء: 
-إنتِ إيه،إنتِ واحدة أنانية مبيهمكيش غير نفسك وبس،أهم حاجة تعملي اللي في دماغك وتحسي باستقلاليتك ويولع الباقيين، لا اهتميتي بخوفي عليكِ ولا شفع لي عندك حبي ليكِ ولا أي حاجة عملتها علشان أخليكِ مبسوطة وعايشة معايا في أمان

3


أشار بكفه بانفعال وألم ظهر بعينيه: 
-حتى أهلي اللي عاملوكِ بمنتهى الحب والحنية سقطوا من حساباتك،وإنتِ عارفة ومتأكدة إن أمان الأولاد ووصولهم للدنيا بسلام بقى حلم حياتهم اللي عايشين علشانه

+


حالة من الصدمة أصابتها وهي تستمع لكم الإتهامات الباطلة التي انهالت عليها من حبيبها التي اختارته ليكون رفيق دربها لنهاية العمر،صدمة لعدم شعوره بها وتقدير ما تشعر به من ضياع،نطقت بصوتٍ خرج منها بصعوبة وهي تُشير إلى حالها بذهول: 
-هي دي نظرتك ليا؟! 
لتتابع بعينين تلتمعُ بهما قطرات الدموع التي تأبى النزول إمتثالاً لكرامتها: 
-أنانية وعديمة أصل وناكرة للجميل؟! 
نطق بصوتٍ حاد رافضًا تحويرها لمعاني الكلمات: 
-أكتر حاجة بكرهها في حياتي إن كلامي يتحور ويتقلب معناه، فبلاش تتبعي معايا الإسلوب ده لأني مش هقبله

3


خرجت من بين شفتيها إبتسامة واهنة تحمل الكثير من الألم والمعاناة لتنطق بصوتٍ واهن ضعيف كحالتها: 
-الكلام مش محتاج يتحور علشان يتفهم يا سيادة المستشار،الكلام شارح نفسه وواضح جداً 
صمتت لتأخذ نفسًا عميقًا قبل أن تنطق بطاعة وخنوع: 
-وحاضر،هنفذ لكم أوامركم بعد كده من غير ما أفتح بقي ولا أطالب بأي حقوق،لأني إكتشفت إني مسلوبة الحقوق والإرادة في أي مكان بروحه،وكأن إنكتب عليا طول الوقت الخضوع وكلمة "حاضر" 

5


حملق بها غير مستوعبًا ماتفوهت به من حماقة لينطق بحدة: 
-برافوا عليكِ، قوام قلبتي التربيزة وطلعتيني الزوج الديكتاتور اللي كل همه إن أوامره تتنفذ بدون نقاش
شعرت بإنهاكٍ روحي وكأنها تبحر ضد التيار،فنطقت بنبرة منكسرة:
- إنتَ عاوز إيه مني يا فؤاد،عاوز إيه من واحدة لقت نفسها بين يوم وليلة محبوسة في بيت مبتشوفش شكل الشارع غير في وجود حراسة مشددة مانعة عنها حتى الهوا،وبعد ما كانت مسؤلة عن نفسها وسيدة قرارها أصبحت عبد طائع مش مسموح له حتى ياخد قرار بنفسه ولا ينفذه؟!               

اقترب منها على بعد خطوتين ليتوقف وأخذ ينظر لوجهها بتمعن وهو يرفع أحد حاجبيه متعجبًا ويقول: 
-والوضع ده مين السبب فيه يا إيثار، مش دي ظروفك اللي إتفرضت علينا،انا تعايشت معاها وإنتِ مش قادرة تتعايشي ولا تتأقلمي؟! 

6


نظرت إليه بضعف وقد خارت قوتها لينطق بنبرة أظهرت كم عشقه لتلك التي ملكت القلب واستوطنت: 
-أنا بعمل كده علشان حمايتك إفهمي
واسترسل بايضاح: 
-فيه فرق بين إني أكون شخص متعنت وديكتاتور وكل اللي يهمني إن أوامري تتنفذ،وبين إني خايف عليكِ إنتِ ويوسف وولادي

+


نطقت وهي تُشير بسبابتها باتهامٍ صريح وكأنها لم تستمع من حديثه سوى الكلمةِ الأخيرة: 
-أيوا،هنا بقى القصة كلها يا سيادة المستشار،ولادك،ولادك اللي إنتَ مرعوب عليهم وعامل عليا حصار بسببهم وصل لإنك تدخل بنوعيات الأكل اللي باكله

6


-ولادي أنا لسه مشفتهومش...جملة قالها بنبرة عاتبة ونظراتٍ لائمة ليتابع بتذكير:
-ولو ترجعي بذاكرتك لأول ما اتجوزنا هتلاقي معاملتي ليكِ محصلش فيها أي تغيير،خوفي عليكِ وحرصي على حمايتك وأمانك إنتِ ويوسف كان من أهم أولوياتي من أول يوم دخلتوا فيه البيت ده
واسترسل متهمًا إياها:
-بس إنتِ مش بتشوفي غير اللي إنتِ عاوزة تشوفيه وبس

3


تبادلت الإتهامات بينهما لتنطق بصوتٍ يدل على احتراق قلبها: 
-وإنتَ يا فؤاد حاسس بيا؟ حاسس باللي بمر بيه وبوجعي،أنا عايشة في بيتك ليا أكتر من خمس شهور مفيش مخلوق من أهلي دخل عليا في يوم،طول الوقت حاسة بالخجل منك ومن أهلك
هتف بقوة يسألها بصرامة: 
-وأمتى أنا ولا أهلي حسسناكِ بده،إمتى فرق معانا موضوع أهلك وزيارتهم ليكِ؟! 

6


هتفت بحدة وقد فكت الحصار عن دموعها الحبيسة وسمحت لها بعدما فقدت السيطرة لتنطلق بقوة أغرقت وجنتيها وهي تقول: 
-حتى لو مش دي طريقة تفكيركم والموضوع مش فارق معاكم 
لتنطق بصوتٍ أظهر نزيف قلبها: 
-بس فارق معايا أنا قوي،شعور إني مكملة حياتي زي الزرع الشيطاني اللي ملوش أصل شعور مُميت،عمر اللي زيك ما يحس بيه
نزلت كلماتها ودموعها على قلبه كمادة كاوية شديدة أحرقت وطاحت بطريقها كل ما قابلها بعنفوان لينطق بنبرة خافتة: 
-أنا أهلك وجوزك وحبيبك

4


طالعته بألم ونظراتٍ مريرة ممزوجة باللوم قبل أن تنطق: 
-مش حقيقي،إنتَ كل اللي يهمك سلامة ولادك وبس

10


سألها بعينين متعجبتين: 
-وإنتِ،ميهمكيش سلامتهم؟!
ناظرته لتصمت فابتسم نصف ابتسامة مؤلمة ثم أخذ نفسًا عميقًا قبل أن يقول: 
-جهزي نفسك بكرة علشان هنقوم بدري

+


تطلعت عليه ثم أخذت نفسًا مطولاً قبل أن تطرق برأسها وتقول بصوتٍ واهن حزين: 
-قولت لك مش هروح 

+


هتف بقوة أرعبتها: 
-مش بمزاجك على فكرة،مش بعد ما جهزت كل حاجة وبلغت الحراسة وجهزت أمان العربيات تيجي بكل بساطة وتقولي مش رايحة


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close