اخر الروايات

رواية اغلال الروح الفصل الثالث 3 بقلم شيماء الجندي

رواية اغلال الروح الفصل الثالث 3 بقلم شيماء الجندي


الفصل الثالث "خبايا !"

دلف إلى منزله ينزع قميصه بغضب و ألقاه جانبًا ثم اتجه إلى المرحاض و هو يُفرغ محتويات بنطاله لكنه جز على أسنانه حين وجد ساعتها الذكية التي وضعتها لـ "أمجد" زفر بملل و همس :

- طلعالي في كل مكان ، أنا إيه اللي عملته في نفسي دا !

أنهى جلسة استحمامه و ارتدى ملابسه يخرج إلى الحديقة ليجد "عاصم" قادمًا باتجاهه يركض قائلًا بهلع :

- آسر ، مشوفتش سديم ؟!!

عقد حاجبيه و أجاب بدهشة :

- هي مش في اوضتها !

أجاب بخوف :

- لا مش في الأوضة و عمال اتصل مش بترد !

عقد حاجبيه و اخرج هاتفه و كاد يعبث به لكنهما استمعا إلى ضحكاتها وهي تهبط الدرج الصغير داخل الحديقة بجانب "يوسف" الذي امسك يدها يُشير إلى شيء داخلها و هو مبتسم ، اسرع "عاصم" تجاههم يحتضنها بقوة و هو يقول بعتاب :

- كنتِ فين ياسديم ، خضتيني !

اتسعت عينيها من فرط لهفته و قالت بدهشة :

- كنت مع سليم فوق عند مامته بنحكيلها اللي حصل و قعدت معايا شوية توريني الصور بتاعة العيلة و بعدها نزلت !

تدخل " يوسف" قائلًا :

- وأنا قابلتها وأنا نازل ياعمو !

اخرجها "عاصم" من أحضانه و قال بأعين دامعة :

- افتكرتك مشيتي !

نظرت إليه بحزن و أجابت بلطف :

- همشي فين بس أنا حاجتى كلها جوا ياحبيبي ، متقلقش !

قاطعهم "يوسف" يقول بمداعبة :

- تمشي فين ياعمي دا حتى هي وعمى أمجد مع بعض للصبح و اتصاحبوا أوي على بعض ، استهدى بالله كدا و متبقاش عاطفي اومااال !

ابتسم "عاصم" وقال :

- وهو أمجد قاعد لحد الصبح ليه ؟

صمتت "سديم" و رد الصامت الذي لم يفارقها بنظراته :

- تعب شوية بليل ودلوقت بقا أحسن متقلقش !

اتسعت عيني "عاصم" وقال :

- تعب إزاي و مقولتوش ليه في وقتها ؟!!

رد "يوسف" بهدوء :

- متقلقش على العموم هو نازل دلوقت و بابا كمان لسه معرفش احنا محبناش نخضكم ، و كمان بنتك سديم قامت بالواجب بصراحة !

هز "عاصم" رأسه بالسلب و قال بقلق :

- لا أنا هطلع أشوفه بنفسي لسه هستنى ينزل !

لاحظ "يوسف" توتر الأجواء و نظرات أخيه الغاضبة ليقول بلطف :

- طيب إحنا نطلع كلنا بقا بالمرة !

أجابت "سديم" :

- أنا هشوف فوني فين و بعدها هحصلكم ، اطلعوا انتوا !

تركتهم و سارت إلى غرفتها و مشهد لهفة "عاصم" و خوفه من فقدانها يتكرر داخل عقلها دون توقف ، تشعر بالألم تجاهه و لأول مرة منذ أعوام تعود إليها تلك المشاعر بقوة ، كانت تظن أن ليلة وفاة والدها هي ذاتها ليلة وفاة مشاعرها بل هي كانت تواشي حالها أن قلبها دُفن بجانب والدها داخل مقبرته ، لكن هذا الرجل الخمسيني منذ أمس يُثير شفقتها و تتألم كلما نظرت إليه !

اتجهت إلى الداخل و جلست فوق الأريكة تضع رأسها بين يديها و تتنفس بصوت مسموع و كأنها تحاول السيطرة على ازدحام أفكارها دون جدوى ، لكن توقف ضجيج عقلها فجأة حين دلف إليها و قال بنبرة ساخرة :

- براڤوا حقيقي عجبني الأداء جدًا ، بعد ما تخلصي معايا ، لازم تشوفي مستقبلك في التمثيل !

ابتسمت و داخلها يصرخ به أنها بالفعل تتعاطف مع ذلك الرجل و أن ذكرى والدها تلاحقها منذ رأت دموع عينيه لكنها أجابت بهدوء خارجي معاكس لتلك الحروب داخلها :

- آه أنا ابهرك جدًا !

ثم عادت بجسدها إلي الخلف و وضعت ساق فوق الأخرى و قالت بسخرية :

- أما قصة التمثيل دي لأ محبهاش أصل أنا متعودة على النصب ، تقدر تقول بيجري في دمي كدا ، حوار سهل و مش محتاج مجهود يجي واحد شاطر زيك كدا و يعمل ملاك و يأجر واحدة شريرة زيي عشان تمثل دور صغير و تمشي الشريرة بمقابل شغلها و يرجع الملاك اللي مبيعرفش يمثل خالص لعيلته و خلصت الحكاية !

أثارت غضبه للغاية و أشعلت الفتيل مرة أخرى فجذبها بقوة من ذراعها لتستقيم واقفة بمواجهته عاقدة حاجبيها تراقبه وهو يهدر بغضب :

- بت أنتِ ، اتعدلي معايا ، عايزة تساويني أنا بيكِ يانصابة !!

حلت عقدة حاجبيها وعاد الفتور يحتل ملامحها تراقب عروق وجهه و حديثه المليئ بالإزدراء :

- فوقي لنفسك واعرفي بتتعاملي وتتكلمي مع ميننن ! أنا ابن ناس و عيلتي معروفة ، مش زيك سكنتي القصور بالنصب والفهلوة و الابتزاز ولا أم ولا أب يربوكِ ، رباية شوااار .. آآ

قطع حديثه تلك الصفعة المدوية و قست ملامحها فجأة تركله أسفل معدته لتحل يده عن ذراعها وتتحرك مبتعدة عنه ، تنظر إليه وهو يستقيم واقفًا يعقد حاجبيه و قد برزت عروق وجهه وعنقه من فرط غضبه و اتجه إليها بخطوات صغيرة و عينيه تجوب ملامحها الثابتة و قد تعمدت رفع عنقها بشموخ و لامبالاة و كأنها تخبره أنها غير آسفة على تلك الإهانة المتعمدة منها ، وقف أمامها يقول بخشونة و صوت آمر :

- قدامك فرصة واحدة تعتذري فيها أو هساويك أنت و خالك النصاب بالأرض بالشيكات اللي معايا ليه !

ابتسمت ببرود و همست بخفوت :

- يظهر إنك محتاج قلم تاني عشان تلم لسانك عن أهلي !

ثم عادت إلي الخلف تقول ساخرة :

- اللي كان بيتكلم عن الابتزاز من دقيقة واحدة دلوقت بيمارسه على بنت !!!

عقدت ذراعيها أسفل صدرها و تعمدت النظر إليه باشمئزاز و هي تُكمل :

- اسمعني أنت بقا وشوف الابتزاز بتاع النصايين اللي زيي ، عمك متعلق أوي بيا و اديك شوفت بنفسك لما صحي ملاقنيش يعيني عمل إيه ، و كل دا وهو لسه شايفني امبارح ويمكن كمان مش واثق إني بنته بس شكله مشتاق أوي ليها ، تخيل بقا لو خرجت دلوقت وقولتلهم إن ابنكم ، ابن الناس المتربي ! مأجرني أمثل عليكم و مش بس كدا دا ممضي خالي على وصل أمانه وشيكات بالدفعات اللي بياخدها منه مقابل نصبي على عيلته بعلمه !

اشتعلت عينيه و كاد يهاجمها مرة أخرى لكن أنقذ الوضع "سليم" الذي كان ينادي باسمها بصوت واضح أثناء اقترابه من غرفتها ثم طرق الباب و انتظر ردها قائلًا :

- سديم ، أنتِ هنا ؟

استدارت تنظر إلى الباب ثم تنفست و أجابت بهدوء :

- آه تعالى ياسليم !

شعرت أنه انسحب من الغرفة من جهة الحديقة ودلف "سليم" يقول مبتسمًا بلطف :

- الكل في الجاردن الصغيرة اللي ورا بيفطروا و عمو عاصم كان جاي ياخدك عشان مشوفتيهاش امبارح بس قولت اعدي عليكِ وأنا نازل !

ابتسمت له "سديم" و هزت رأسها بالإيجاب قائلة :

- تمام ، يلا بينا أنا كدا كدا ملقتش الفون !

عقد حاجبيه و قال بدهشة :

- هو ضاع منك ؟

رفعت كتفيها بلامبالاة وقالت :

- مش عارفة ممكن وقع في مكان أو حاجه ، مش مهم يلا أنا جاية معاك !

خرجا من الغرفة و سار بجانبها ينظر إليها بتوتر لاحظته و قالت :

- شكلك عاوز تقول حاجه !

ضحك بخفة و رفع يده اليسرى يعبث بخصلاته الخلفية قائلًا بحرج :

- هو باين عليا أوي كدا ؟! ولا دي فراسة زيادة عندك ؟ وعارفة يعني إيه فراسة ولا إيه حكايتك بس !

ابتسمت و أجابت بعبث وتعمدت تجاهل نص السؤال :

- توترك فضحك بصراحة ! قول اللي عايزه عادي !

تنفس بهدوء و توقف بمحله لتتوقف هي الأخرى تنظر إليه باهتمام حين تشدق قائلًا :

- متزعليش من آسر هو أكيد عمل كدا من قلقه على بابا دي أول مرة يحصل كدا و من الضغط اتصرف بالشكل دا و بصراحة يعني آسر مبيتعاملش مع الجنس الآخر كتير حتى في الشغل بيخليني أنا أو يوسف نتعامل عشان كدا تحسيه دبش شوية .

رفعت حاجبها الأيسر و قالت متسائلة :

- شوية ؟! و الجنس الآخر !!

حمحم و قال مبتسمًا :

- دبش أوي بصراحة ! و آه هو مش معقد لأ هو بس شايف هو تعامله ناشف شوية عشان كدا بيتجنب التعاملات وكدا .

ضحكت و قالت بهدوء :

- أنا مزعلتش منه أصلًا ، و شايفه إن ردي عليه نهى الحوار كله ، بس أنت مهتم أوي بصورة آسر عندي كدا ليه ، أنا مؤمنة إن كل واحد مسؤول عن تصرفاته ، سيبك منه و قولي انتوا بتفطروا ايه هنا عشان أنا جعانة و مكلتش حلو امبارح !

ابتسم لها ثم أشار لها بيده لمواصلة السير وهو يقول :

- لا دي تيتة أشرفت على الفطار بنفسها النهاردة ، هنبهرك متقلقيش !

وصلت إلى المائدة المستطيلة المجهزة بإسلوب لطيف مميز لكن عينيها بحثت عن شخص واحد ولم تحصل على مرادها ، لم يحضر الإفطار و استمعت إلى أحد المعاونين بالمنزل يقول أنه انصرف سريعًا و أبلغهم هاتفيًا أنه لن يحضر طعام الفطور الجماعي بسبب بعض أعماله ، و حين شعرت أنها المتسببه بذلك همست لحالها :

- يستاهل القلم مكنش لازم يتكلم عنهم بالشكل دا !

قطع حديثها الداخلي "عاصم" الذي قال فجأة :

- نورهان و أميرة راجعين النهاردة ياسديم بليل .

عقدت حاجبيها و سألت بدهشة :

- نورهان وأميرة مين ؟

توترت نظراته قليلًا وقال بتوجس :

- هو مش أنتِ بليل قولتيلي إنك عارفة عن آآ

قاطعته حين استوعبت أنه يقصد زوجته الأخرى وابنته و قالت بلطف :

- آآه سوري مكنتش أعرف الاسماء !

ظهرت معالم الارتياح على وجهه و قال بحماس :

- ولا يهمك ياحبيبتي كنت هقولك إيه رأيك اخدك جولة كدا في المجموعة والمصنع و ممكن نتغدا برا سوا لو تحبي !

ابتسمت له وقالت :

- تمام زي ماتحب !

تحدثت الجدة أخيرًا وقالت بلطف :

- اقتراح حلو أوي ياعاصم و سديم محتاجة تعرف أكتر عن عيلتنا ، وبالمناسبة ياحبيبتي أنا قولت ليوسف أنه مسؤول عن اختيارك لعربيتك هيروح معاكِ المعرض اللي بتتعامل معاه تختاري اللي يعجبك !

أجابت بالرفض قائلة بتهذيب :

- لا بلاش موضوع العربية دا !

عقدت حاجبيها و قال "رأفت" :

- لو حابه نشوف حد يعلمك السواقة متتكسفيش ياحبيبتي !

اجابته بهدوء :

- لا لأ أنا بعرف اسوق أنا مش حابة بصراحة الفكرة يعني أنا كمان مش متعودة أوي على الشوارع دلوقت و لو محتاجة مكان مش ممكن اخد السواق و لا ايه ؟

أجاب "عاصم" على الفور بترحيب :

- طبعًا ياحبيبتي كل حاجه ملكي تحت أمرك !

ثم استقام قائلًا :

- يلا ياشباب خلصوا فطاركم وحصلونا ، أنا هاخد حبيبتي و اسبقكم !

________________ *** _________________

داخل مجموعة آل الجندي

- غلطان من الأول ياآسر لما دخلت نصابين زي دول عيلتك ! أنت متخيل البنت دي هددتك بإيه ؟ دي شيطانة ! ازاي أصلًا تسمحلها تضربك ؟

قالها "رائف" صديق" آسر " المقرب بإنفعال واضح و هو يرمقه بنظرات غاضبة لوامة حين استمع إلى ما دار بينهما بالصباح ثم أنار عقله فجأة و قال بصدمة :

- وسيبتها مع عيلتك وجيت ؟!!! واحدة بالدماغ دي تأمنلها إزاي كدا ؟

طرق "آسر" بقوة فوق المكتب و صاح غاضبًا :

- كنت عايزني اعمل ايييه يعني ؟ اقعد قصادها نضحك سوا بعد اللي هببته معايا ؟ ولا اخرج اقولهم معلش ياجماعة النصابة اللي جت امبارح دي كانت ترتيبي أنا ؟ و لا اخرج اقول لعمي عاصم أنا عملت كدا لما لقيتك كاتب نص ثروتك باسم واحدة ميتة وأمها اللي هتورثها نصابة و مدمنة هااا كنت عايزني اقوله بنتكككك اللى بتدور عليهاا من ١٦ سنة ماتت ده يروح فيهاااا دا عايش حياته كلها بيتمنى يبص في عينها مرة واحدة ، أنت مشوفتش منظره من امبارح كأنه امتلك الدنيا كلها والنهاردة لما لقاها مش موجودة الصبح كان قلبه هيقف عايزني اسيب يضيع نفسه و فلوسه عشان وهم ، واسيب واحدة رمتنا كلنا وقت أزمتنا وشبه خطفت بنته منه واختفت و دمرتنا زمان ترجع تلعب عليه ؟!!!!!

زفر الآخر أنفاسه بحزن هو يعلم أن صديقه على حق لقد عاصر ألم العم و رأى لهفته الواضحة كلما ظن أن ابنته عادت كان يعشق تلك الصغيرة و يميل إليها كل الميل ، و ركض خلف حلم استعادتها أعوام دون كلل أو ملل إلى أن أصبح حلم عودتها هاجس يومي له ، و كانت العائلة تخشى أن يظلم فتاته الصغيرة "نورهان" من فرط ولهه بـ " سيلا" قصته أشبه بالمعادلة مستحيلة الحل ، عقد حاجبيه و نظر كلاهما إلى الباب حين تم طرق و أذن "آسر" بالدخول ثم أرخى جسده داخل مقعده لحظات قبل أن ينتفض واقفًا بغضب شديد يقول :

- أنتِ بتعملي إيه هنا ؟!!!!

ابتسمت له "سديم" بهدوء ثم نظرت إلى "رائف" الذي مرر عينيه عليها بإعجاب واضح ثم قال رافعًا حاجبه :

- إيه دا أنت تعرفها ؟ طيب ماتعرفني ياأخي !

صاح به "آسر" قائلًا :

- دي النصابة !

وقف "رائف" و قال بدهشة :

- دي نصااابة ؟ دي سدييم ؟ أنت بنت عمك كانت حلوة أوي كدا ؟

رمقه بنظرات مشتعله وصرخ به و هو يقذفه بتلك القطعة الرخامية الصغيرة التي تُزين مكتبه :

- جرا ايه ياحيواان أنت !!!!

حمحم "رائف " بتوتر و قال :

- طيب أنا شايف إني مليش دعوة بالموضوع دا بقا !

رفع "آسر" حاجبه وقال :

- والله فين اللي كان بيزعق من شوية ؟

صاح "رائف" و هو ينصرف :

- لا أنا واثق في عقلك ياصاحبي !

ثم اغلق الباب و قالت هى ساخرة وهي تدور بأرجاء الغرفة و تعبث بأناملها بكل ما تراه :

- مش كبرت إنك تقعد تشتكي لصاحبك مني كدا ؟ الراجل أول ما يشوفني يقول في وشي النصابة !

اتجه إليها بخطوات سريعة ثم فاجأها حين امسكها من ذراعيها و دفعها فجأة إلى الحائط يحاصرها قائلًا بأنفاس لاهثة جازًا على أسنانه و قد تقلصت المسافة فيما بينهما للغاية و قبضته تشتد فوق ذراعيها يكاد يُهشمه :

- أنا زهقت من لسانك إللي عايز يتقطع دا هو مين دا اللي بيشتكي ؟! ومن حته عيلة زيك ؟ أنتِ ولا تشغلي بالي لحظة و احمدي ربنا اني مكسرتش ايدك على اللي عملتيه الصبح !

رفعت حاجبها بابتسامة عريضة رغم ألمها من قوة ضغط يديه و همست أمام شفتيه :

- أنا بترعب اوي من تهديداتك تخيل هخرج اعيط دلوقت ؟ و بعدين مين ماسكك ما تكسر ايدي يلا هو حد قالك لأ ؟

عقد حاجبيه و هز جسدها بقوة و لم يلحظ ارتطام ظهرها بالحائط عدة مرات متكررة و صاح بإنفعال :

- عاااايزة توصلييي لايه ؟!!!! بتعملي كداااا ليه ؟

نكست رأسها واغمضت عينيها بقوة حين شعرت بالألم المفرط من قوة اصطدام جسدها بالحائط و بالرغم من ذلك قالت بنبرة معتدلة :

- أنا مش عايزة اكرر اللي حصل الصبح نزل ايدك ، عمك هو اللي طلب مني اجي اقعد عندك فاكر إنك هتاخد بالك من بنته مش هتضربها ، لو شاف علامات إيدك هتتحط في موقف بايخ !

حين نكست رأسها انطلق عبير خصلاتها يداعب أنفه بقوة ، يشعر أن تلك الرائحة مألوفة ، بل هو على يقين أن الرائحة اللطيفة المنبعثة من خصلاتها تراقصت داخل خلاياه من قبل ، حل عقده حاجبيه و هبطت يده عنها ولازال يحتفظ بها داخل أحضانه حيث أسند يده إلى الحائط خلفها و هو يقول :

- ما أنتِ لو لابسة هدوم عدلة مكنش في علامات هتبان !

رفعت حاجبها الأيسر و قالت ساخرة :

- أنت إيه حكاية اهتمامك بهدومي هو أنا داخله أنصب في مصنع ملابس ولا إيه ماتخليك في حالك !

كاد يبتسم لذلك التشبيه لكنه سيطر على انفعالات وجهه وقال بخشونة :

- أنا مبحبش المياعة ، اتلمي و غطي نفسك زي الناس !

انطلقت ضحكاتها بقوة لأول مرة منذ رؤيته لها و قالت مبتسمة :

- اغطي نفسي ازاي يعني !!!

رفع حاجبه و نظر إلى ملابسها التي كشفت عن ذراعيها وعنقها إلى ما بعد عضمتي الترقوة و لم تبخل بإظهار جمال ساقيها من تلك التنورة القصيرة ، جميلة هي بل فاتنة و لأول مرة يلاحظ أن أنوثتها طاغية هكذا ، توترت نظراته قليلًا حين عقدت ذراعيها أسفل صدرها تنتظر إجابته لكنه امتنع عن الرد و عاد بمُقلتيه إلى ملامحها ينظر عينيها اللامعة و شفتيها ثم عادت عينيه إلى خصلاتها الناعمة و التي تعمدت العبث بها و تحويلها على هيئة أمواج بحر متلاطمة مثلها تمامًا ، ليلة أمس أنقذت عمه و اليوم صفعته !

إلى هنا عاد إلى صوابه و انتفض مبتعدًا عنها قائلًا و هو يتجه إلى خلف مكتبه ويجلس يباشر عمله :

- حصل إيه على الفطار النهارده ؟

اندهشت من توتره الواضح ولكنها هزت كتفيها بلامبالاة و أكملت جولة عبثها بالمكان قائلة :

- ولا حاجه عمك قالي أن مراته وبنته جايين و جدتك قالتلي أروح مع يوسف اختار عربية و آآ

قاطعها قائلًا :

- والله ؟ اسيبك نص ساعة واحدة تقومي تلفي على جدتي و عايزة تنصبي عليها أنتِ مبتشبعيش ؟ إيه الجشع اللي أنتِ فيه دا !!!

راقبت نظراته التي تراقص بها الاشمئزاز والتحقير من شأنها بجمود لتبتسم بعبث ظاهري و تردف بهدوء :

- اها أصل أنا مبحبش اضيع وقت !

ثم اتجهت إليه تجلس فوق المكتب تضع ساق فوق الأخرى قائلة :

- أصل أنت مجربتش تبقا نصاب قبل كدا ، إحنا وقتنا بملايين ياآسر !

تشدق ببرود و هو يعود إلى أوراقه :

- مشوفتش حد بيتباهي بالقرف زيك ! أنا مش محتاج أكون شبه واحدة زيك عندها كل شيئ مباح وسهل و رخيص !

نظرت إلى الأوراق التي ينقش إمضائه فوقها ثم قالت :

- الكلام سهل !

ثم هبطت فوق الأرضية الرخامية برشاقة مالت بجزعها العلوي فوق المكتب تسحب الأوراق منه تمرر عينيها عليه قبل أن يلتقطه منها قائلًا بإنفعال :

- أنا مبحبش الرخص دا و لا سخافة البنات دي ؟

نظرت إليه و قالت بسخرية :

- رخص و سخافة بنات ؟ أنت مين أصلًا عشان أنا ارخص نفسي ليك ، على العموم بدل ما أنت مركز مع سخافتي و رخصي ركز في اللي بتمضي عليه ، الورقتين دول نسخة من بعض ماعدا تغيير أرقام الشرط الجزائي يعني حضرتك بتمضي على رقمين و بنسبة كبيرة هيتاخد الأعلى و تتقطع الورقة التانية ، بدل ما تطول لسانك على نصابة زيي شوف مين نصب عليك و بيقبض منك مرتب كل شهر !

ثم سخرت منه قائلة : أهي نصابة زيي متدخلش عليها حركة زي دي ، بتمضي منغير ما تشوف مش مكسوف من خيبتك !

تركته وغادرت المكان و اتجهت إلى أقرب مرحاض ثم دلفت إليه تنظر إلى المرآة و قد اجتمعت الدموع داخل عينيها تستعيد بعقلها نظراته و حديثه المليئ بالازدراء ، جهلت بتلك اللحظة مصدر ألمها الداخلي منذ متى تهتم إلى نظرات من حولها أين ذهب شعارها المشهور أنه لم تتقاسم مع أحدهم يومًا ما الوحدة و الألم و الخوف حتى تلتفت إلى أحكامه ، الجميع حكم أنها من نسل شيطاني و قد جهلوا جميعًا حقيقة الملاك الخفي خاصتها ! يؤلمها أنها تخذله لكن إن لم تفعل لن يتركها الخال ؟ و لن يترك والدتها القعيدة شقيقته و حبيسة قصره !!!!

وعلى ذكر والدتها !

رفعت هاتفها و أجرت اتصالها برقم تحفظه داخل عقلها ، ارتفعت دقات قلبها قليلًا حين أتي صوت شقيقتها تقول باتزان :

- ألو ؟

اجابتها بلطف :

- ايوا يانيرة ! عاملة إيه ياحبيبتي !

عقدت "نيرة" حاجبيها وهتفت بصدمة :

- سديم !!!! أنتِ فين ياسديم و متكلمتيش ڤيديو ليه عشان تكلمي ماما و تشوفك !!

تنهدت بضيق و قالت بحزن :

- هي بتاخد الأدوية ؟

اجابتها : أيوة بتاخدها أنا بتابعها بنفسي !

ثم قالت بنبرة مهزوزة : أنتِ وحشاني ياسديم مش هشوفك بقا بقالك ٤ شهور في السفر دا !

ابتلعت "سديم" غصتها وقالت بصدق :

- و أنتِ وحشاني أوي يانيرو قريب هشوفكم ياحبيبتي !

تنفست بهدوء ثم أكملت : خلي بالك من نفسك ومنها و ذاكري حلو ، أنا لازم أرجع شغلي دلوقت هكلمك تاني أول ماافضى !

وكادت تغلق لكنها توقفت حين قالت شقيقتها بلهفة :

- سديم أنا نسيت اقولك حلمت ببابا امبارح !

ارتعشت شفتيها واجتمعت الدموع داخل مُقلتيها تهددها بالهطول في أي لحظة و همست بألم وهي تعض على شفتيها :

- وأنا كمان !

استمعت إلى ضحكات شقيقتها المراهقة و هي تقول :

- كان بيشوف ياسديم و قعدت معايا كتير و سابلي هدية صندوق قالي اديها لسديم و حضني جامد !

ثم تبخرت الضحكات و استطاعت أن تستمع إلى نبرتها المتألمة تقول :

- بس وهو ماشي وقع على الأرض و مكنتش عارفة اساعده و بعدها صحيت ! مش هتيجي بقا عشان نروح نتكلم معاه شوية ؟

وضعت يدها أعلى شفتيها وكتمت أنفاسها تاركة تلك الدموع تهبط فوق خديها و ابعدت الهاتف عن أذنها حتى تتمكن من استجماع شتات أمرها !

مؤلم أن يرفض المرء التعبير عن مشاعره ببضع كلمات خوفًا أن يفتضح أمر تظاهره بالقوة و الثبات .. يعز علينا رؤية حطام أرواحنا داخل أعين من أحببنا .. يعز على المرء حاله رغم هوانه بأعين من أحب !

#أغلال_الروح
#شيماء_الجندي

لحظات و استعادت نبرتها المتزنة لتقول بهدوء :

- أوعدك أول ما أجي هنروح سوا ليه ! خدي بالك من نفسك يانيرة ! و لو احتاجتي أي حاجه كلميني على الرقم دا ماشي ؟ هقفل دلوقت ياحبيبتي ، سلاام .

ولم تنتظر الاجابه أغلقت مسرعة و رفعت يديها إلى خصلاتها تجمعها ثم ثبتتها بشكل دائري عشوائي فوق رأسها و عينيها تستكشف اصطباغ بشرة ذراعها باللون الأحمر محل ضغط ذاك الهمجي عليها بقوته ، تنهدت و مالت تجاه الصنبور تغسل وجهها و نحرها بالماء الفاتر ثم اتجهت إلى المحارم تجفف نفسها وهي تهمس بشرود :

- عايزني اعمل إيه يابابا ، عاوزني أعند و أضيع نيرة معايا !

________________ *** _________________

على الجهة الأخرى .. داخل قصر "سامح"

أغلقت "نيرة" الهاتف و هي تتجه إلى المسبح لكن أوقفها صوت "سامح" الذي قال بلطف :

- نيرو حبيبتي ! كان معاكِ مكالمة مهمة ولا إيه ؟

"ur boyfriend ?" ؟حبيبك

خجلت "نيرة" و توترت نظراتها تقول بحرج :

- لاء دي سديم يا آنكل !

ابتسم لها و قال بدهشة :

- والله ؟ طيب كويس ياروحي اتطمنتي بقا عليها مش قولتلك هتكلمك قريب ! و كلمت نبيلة بقا ولا أنتِ بس !

هزت رأسها بالسلب و أجابت بعفوية :

- لا أنا بس مكنتش بتتكلم ڤيديو ، بس قالت هتكلمنا لما تخلص !

ثم أكملت بحرج و صوت رقيق وهي تُشير إلى حمام السباحة :

- ممكن انزل الـ pool "المسبح"

هز رأسه بالإيجاب ثم كور وجهها يقبل خديها و هو يقول :

- اكيد ياروحي ، " ! Have a nice time" استمتعي بوقت لطيف !

ثم تركها و صعد إلى غرفة شقيقته "نبيلة" _والدة سديم_ طرق الباب ثم دلف و هو يقول بأسف فور أن أغلقه بإحكام :

- اووف سوري يانبيلة أصل متعود إنك بتردي و كدا !

قالها وهو ينظر إلى شقيقته التي نظرت إليه بغضب و عقدت حاجبيها بقوة ليبتسم لها ببرود و يتجه إلى النافذة يراقب من خلالها حركة "نيرة" داخل المسبح و هو يقول :

- بصراحة يانبيلة أنا فخور ببناتك ، يعني مثلًا نيرة لطيفة أوي و هادية و مطيعة مش بتسأل كتير و تفتح قصص ، بتستمع بوقتها و ده عامل مشترك بيني وبينها عكس سديم تمامًا ..

عينيها الغاضبة ارتكزت فوقه و كأنها تخبره أن عجزها هو الحائل بينهما بتلك اللحظة لكنها نظرت إليه بخوف حين أكمل :

- بس سديم دي ، ورقة الحظ بتاعتي ، ذكائها و جمالها و طريقتها يغطوا على طول لسانها معايا ، عارفة ليه ، عشان أنا مش عايز منها غير التلاته دول ! سديم قصة و في مكان تاني بعيد عنكم كلكم ، بذمتك مش حرام عليكِ تحرميني منها ؟ طيب ولما حاولتي تعملي كدا كسبتي إيه غير العجز اللي أنتِ فيه ؟ و برضه بناتك معايا !

سقطت دموع قهرها و ونظراتها الغاضبة اللوامة تنبعث من مُقلتيها دون توقف لكنها ابتسم لها وجلس فوق الفراش يواجهها قائلًا :

- بلاش تمثلي دور الملاك يانبيلة ، أنتِ جيتي سلمتيلي بنتك وأنتِ عارفة إن مفيش شغل في الدنيا بكل الفلوس دي ، كنتِ عارفة إني هاخدها لسكتي اللي جوزك بعدك عني بسببها بس مقدرتيش تفارقي العز و عينك زغللت على المستوى العالي اللي اتربيتي فيه ، قولتي أهو أنا اخد دور الزوجة الوفية اللي بتضحي عشان جوزها الأعمى العاجز و منغير مااتعب نفسي ، أنتِ ضحيتي آه بس ببنتك !

استمرت دموع عينيها في الهطول دون توقف و ظهر الندم داخل عينيها ليُكمل ساخرًا :

- اللي خلاك أنتِ استغليتييي بنتككككك مستنية إيه من واحد زييي ؟ هاا مستنية اضيع ثروة زي سديم من إيدي !

ربت فوق صدره وهو يقول بإنفعال :

- أنا اللي وصلتها لكل داا !!! أنا اللي علمتها في أحسن مدارس وجامعات سفرتها العالم كله ، أنا اللي تعبت على سديم و أنا الوحيد اللي ليا حق فيها ، و هاخده حتى لو غصب عنهاااا ! سديم هتنفصل عني بموتييييي ! فاهماااني ؟!

أغلقت عينيها و سقطت دموعها و داخلها يصرخ أنه صادق هي المُذنبة الوحيدة ، هي من ألقت بابنتيها داخل النيران ، أما الصغيرة أمانها بين يدي "سديم" الصديق الأمين و الحصن المنيع لشقيقتها لكن هي أين تجد الأمان التي سلبتها إياه دون شفقة ؟! لقد خذلت صغيرتها منذ أعوام و حطمت ماضيها و حاضرها و مستقبلها و قُضي الأمر !

أود أن أخبرك أن الخذلان صار خذلان لأنه أصابك من القريب أما الغريب لن يضر قلبك مهما حييت ؛ نحن نخشى طعنات الأحباب ليس الأغراب !!!


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close