رواية حلم الطفولة الفصل الثالث 3 بقلم نورهان ذكي
تذكرت أنني أجيد الرسم منذ صغري وعملت كثيرًا على تطور موهبتي في الرسم .. ففكرت أن أجعل من حبي للرسم رأس مالٍ لي ؛ لأتمكن من العيش .
وها أنا الآن كما ترين .. رجلٌ عجوزٌ لم يبقَ له في الدنيا سوى القليل ، فقلت له بحزن وأسف : لا تقل ذلك .. إن شاء الله سيعوضك الله خيرًا عن كل ما فقدت في حياتك ولن يضيع حقك أبدا .
فقال لي بحزن : إن شاء الله.
مرت الأيام على هذا الحال وأكثرت من زيارتي لعمي سمير حتى صارت موهبتي تزداد وتنموا باستمرار.
دخلتُ المرحلة الاعدادية ولازلت الأكثر تفوقا بين زميلاتي.
وفي يوم من الأيام بينما كنت في المدرسة..
طلبت مِنّي صديقتي دينا أن أُعطِيَها لوحاتي لكي تُعطِها لصديق والدها الذي كان يعمل في متحف مشهور؛ لكي يعرضها بأبهظ ثمن لأنها تستحق ذلك .. فهي عملٌ عظيمٌ لفنانة عظيمة ، وظلت تشجعني على تلك الفكرة ... هذا ما قالته دينا لي .
وبالطبع صرت كالمجنونة ووافقتها في الحال ولم أسمع لرأي أحد .. كل ما يهمني وقتها إرضاء صديقتي !
وفي اليوم التالي ذهبت إليها في منزلها صباحًا ؛ لنذهب إلى المدرسة معًا وأعطيتها لوحاتي ولكن العجيب أنها طلبت مني أن لا أكتب اسمي عليها أول مرة ، وفي المرة القادمة اكتبي اسمك .
ستكونين مشهورة ويعرفك الجميع ويُذكر اسمك في مجال الفن ثم بعدها ستزدادين شهرة أكثر فأكثر حتى تصبحين من نجوم الفن المشاهير !! .. بصراحة لقد فرحت بكلام دينا كثيرًا وصدقتها ووثقت بها وأعطيتها اللوحات ولم أكتب اسمي عليها كما طلبت مني .
ثم تركت اللوحات في منزلها وذهبنا إلى المدرسة معًا..
مرت الأيام ولم أخبر أحدًا أني أعطيتها اللوحات .. كنت كل يوم أسأل دينا عن اللوحات ، وكانت تطمئنني بنفس الكلمات كل يوم .. حتى مرَّ شهر على هذا الحال ولم أسمع منها خبرًا واحدًا مُفرحًا ، فانزعجتُ كثيرًا حتى طلبتُ منها ذات يوم أن تحضر لي لوحاتي وبأقصى سرعة ، فقالت لي : إن أخذتِها الآن فلن تصيري مشهورة أبدا !!
قلت لها دون تردد : لاتهمني الشهرة يا دينا أريد لوحاتي بعد إذنك !!
لم أفهم وقتها نظرات عينيها لي ولكنني فهمتها بعد فوات الأوان !
لو تعد دينا إلى المدرسة منذ ذلك اليوم ولم أرَها حتى أنني اتصلت بها كثيرًا ولكنها لم تجبني..
وذهبت لمنزلها فوجدته مغلقًا وأمامه لافتة مكتوب عليها " المنزل للإيجار " !!
صرت أبكي وحدي في غرفتي وندمت على ما حدث كثيرًا حتى لاحظ أهلي الحزن على وجهي وحالي..
كانت أمي تسألني عن ما بي ولكنني كنت أجيب أنني بخير .. لم أذهب لعمي سمير منذ فترة طويلة ،، ففكرت في الذهاب إليه..
وبالفعل ذهبت إليه في منزله فسألني عن ما بي لأنه لاحظ الحزن على وجهي ، فحكيت له ما حدث واعتذرت له كثيرًا لأنني أخفيت عنه ذلك الأمر.
ثم قال لي : يا بُنيَّتي .. أحسني اختيار الصديق الصالح ، هذه الفتاة خدعتكِ لم يكن عليكِ أن تصدقيها بسرعة هكذا .
نظرت إلى الأرض وأنا حزينة وقلت له: معك كل الحق .. لقد أخطأت وأستحق العقاب وهذا جزائي .
فقال لي : اسمعي يا بنيتي وعِ ما أقوله لكِ جيدًا .." قبل الشروع في فعل شئ خذي برأي الأهل أو من هو أكبر منكِ ممن يهمه أمركِ ، ولا تتعجَّلي واصبري وصادقي الصالحين ولا تثقي بأحد ثقة عمياء وتسمحي له مهما كان قريبًا منكِ أن يتدخل في تفاصيل حياتك وخيوصياتك " .
نظرت إليه مبتسمة والدموع في عيناي وقلت له : حسنًا لن أخطئ في ذلك مرة أخرى .. وعاهدته على ذلك وأنني سأتغير .. وعدت لمنزلي وأنا أشعر براحة نفسية وحالي أفضل بكثير مما كنت عليه قبل أن أتكلم مع عمي سمير .
وفي اليوم التالي في المدرسة سألت أصدقائي عنها فأخبروني أنها انتقلت للعيش في مكان آخر ولكنها ستعود قريبًا ، فرحت بما سمعته وشعرت بالقليل من الأمل.
عدت للمنزل واسترخيت على سريري وصرت أفكر في دينا وأتذكر كل المواقف الجميلة التي حدثت بيننا وأتذكر كلام عمي سمير ، ثم بكيت !
غرقت في النوم سريعًا وحلمت بدينا .. كنا نسير معًا ثم أخذتني إلى جسر مرتفع جدا عن البحر وألقتني بقوة من فوقه !!؟
فقمت من نومي وأنا أصرخ بقوة وأبكي..
دخلت أمي مفزوعة من صرختي وسألتني عن ما بي وقالت : ما بكِ يا رحاب ؟!! .. أحوالكِ هذه الأيام لا تعجبني .. أخبريني يا عزيزتي ما بكِ؟؟
فحكيت لها الحلم وما حدث بيننا في الحقيقة ، فقالت لي : لِمَ لم تخبريني من قبل ؟!!
فأجبتها في حزن قائلة : كنت أحتاج لشخص يفهمني ويعرف عني الكثير ويكون دومًا بجانبي ويظهر لي كل الاهتمام فأخبرتُ عمي سمير ؛ لأنه كان في اهتمامه بي كأبي وعوضني عن إهمالكما لي والسؤال عن أحوالي.. لا أقصد إهانتكِ يا أمي .. العفو.. ولكنني أقصد من كلامي أن كل فتاة تحتاج لاهتمام وخاصة في هذا الزمان ، والاهتمام يا أمي لا يكون بالوعيد والتهديد ولا بالضر*ب والإهانة ، بل يكون بحسن المعاملة .
أنا لم أجد منكِ هذا الاهتمام يا أمي ، فبحثت عنه في الخارج لأنني لم أجده في المنزل ..
صادقتُها وأخبرتها بكل شئ عني وعن حياتي ولم أتخيل يومًا أن تخدعني ..!!
لو كنتِ أظهرتِ لي الاهتمام من البداية ما كنت وصلت لهذا الحد ولا ستكون لي صديقة أقرب منكِ .. طنت سأخبركِ بكل شئ وما كنتِ لتخدعيني مثلما فعلت دينا ؛ فأناِ أمي وما يربطنا ببعضنا أقوى من أي رابطة صداقة في الدنيا .
بكت أمي واحتضنتني وقالت لي : آسفة يا عزيزتي.. من اليوم سأغير معاملتي معكِ تمامًا ولن أستخدم العنف مرةً أخرى .. لقد أخطأت في حقكِ يا حبيبتي سامحيني.
وبالفعل تغيرت أمي بمرور الوقت للأفضل وتغيرتُ معها كذلك وكنت أخبرها بكل شيء عني كل يوم وما فعلته في يومي وتحسنت حياتي بفضل الله أولًا ثم بفضل أمي .
ومرت الأيام...
وجاء اليوم الذي أطفأ شعاع الأمل من حياتي وحوَّلها لحفرة سوداء عميقة لا نور فيها ولا مخرج لها !!؟
رنَّ هاتفي مساء يوم فاستيقظت من نومي على صوته وأجبت..
وكانت المفاجأة..... !!؟
إنه عمي سمير يتكلم بصوت منخفض متقطع وكأنه مريض أو به شئ .. فأصابني القلق وسألته بلهفة عما به ، ثم أغلق هاتفه ولم يرد .. حاولت الاتصال به مرارًا ولكنه لم يُجِب ، فقلقت عليه جدًا .. ثم أيقظت أبي وأخبرته وطلبت منه أن يأتي معي لنذهب في الحال للاطمئنان عليه ..
طرقنا الباب بقوة ولكن لم يجب أحد ، ففتح أبي الباب برجله بقوة ..
فإذا بعمي سمير ملقى على الأرض !!
بالطبع صدمت جدا مما رأيت وجلست بجانبه على ركبتاي أصرخ باسمه ليكلمني وظل أبي يحركه يمينًا ويساراً ولكن للأسف ..
نظر أبي إليَّ بحزن وأخبرني أن عمي سمير قد ما**ت !!؟
فصرخت وانهرت من البكاء وأنا أقول له : لا .. لا تقل ذلك يا أبي إنه بخير .. فقط يمزح معي كعادته وسيضحك الآن.. أليس كذلك ؟!
عمي سمير .. عمي سمير ؟؟
لا تتركني أرجووووووك !!
وبكيتُ بكاءًا لم أبكِه في حياتي كلها .. !!
أقيم العزاء ذلك اليوم ، وكان ذلك أسوأ يوم في حياتي كلهاا ..
الرجل الذي أحببته وأحبني كابنته رحل ولم يعد معي ! .. منبع إلهامي وكل حياتي وسر موهبتي ومشجعي الوحيد .. لا أصدّق حتى الآن أنه رحل وتركني وحدي !!
من سيعينني على إكمال حلمي ومواجهة الصعاب ؟!!
وبعد انتهاء العزاء..
ذهبت مع أمي إلى منزل عمي سمير لننظفه ونرتبه ، فوجدت ورقة أسفل وسادة عمي سمير مكتوبة بخط يده وبقول فيها : رحاب .. ابنتي وأعز ما أملك في هذه الحياة ، هدية الله لي ونعمته وفضله عليّ .. عوضتيني عن كل ما ضاع من عمري وعلمتيني أنه : طالما هناك حياة فهناك أمل .. إياكِ وأن تيأسي أبدا من الحياة وتكرهيها.. الأمل موجود دومًا مهما كان .. لقد كتبت جميع أملاكي لكِ يا رحاب .. منزلي هذا ملكك بكل ما فيه .
تماسكي يا رحاب واتركي الماضي لحاله وركزي في المستقبل .. ارسمي من جديد ونمّي موهبتكِ بنفسك باستمرار ولا تتوقفي .. لا تتركي الرسم يا رحاب !
اذهبي لمكاني في الحديقة وارسمي وفوق كل ذلك .. انتبهي لدروسك وحققي حلم والديكي وكوني طبيبة كما تحلمين ومارسي هوايتكِ وقت الفراغ .. لا تيأسي واستمري واذكريني دومًا بالدعاء.
أغلقت الورقة والدموع تتساقط من عيناي ..
دخلت أمي الغرفة وسألتني عن ما بي ، فأخبرتها بكل ما في الورقة فطلبت مني أن أُنَفّذ كلامه وما طلبه مني .
ومرت الأيام..
عملتُ في الحديقة بجانب دراستي ورميت الماضي خلفي واجتهدت في دراستي أكثر وعملت على تطوير موهبتي.
وذات يوم..
سمعت أصدقائي يتحدثون عن دينا وأنها ستأتي من سفرها خلال أيام وعندما سألتهم عن موعد قدومها للمدرسة.. أخبروني بأنها ستأتي الأسبوع القادم وأنها تعد مفاجأة عظيمة لنا جميعا ولكنها لم تخبرنا ما هي المفاجأة !!؟
كلامهم شغل بالي كثيرا وتحمّست لقدوم دينا لأرى ما هي المفاجأة ؟!!
هل ساعدت في شهرتي حقا؟؟..أم باعت لوحاتي بأبهظ الأسعار كما وعدتني سابقا؟؟..أم ماذاا؟؟!!
هل سنعود أصدقاء كما كنا ويكون كل ما حدث مجرد سوء تفاهم أم لا؟؟
ومرت الأيام وجاء اليوم المنتظر " يوم السبت "...
ذهبت إلى المدرسة في حماس وكنت خائفة قليلا من المفاجأة.. جاءت الحصة الأولى فالثانية ثم الثالثة ، وشعرت بأنها لن تأتي ولكن فجأة طرق باب الفصل .. فإذا بدينا تدخل مبتسمة ومعها المفاجأة التي غيَّرت حياتي ومعتقداتي... !!
فما هي المفاجأة يا تُرى ؟!!